الإصحَاحُ
الرَّابعُ وَالْعِشرُونَ

 

14-
القبر الفارغ (24: 1- 12)

1
ثُمَّ فِي أَّوَلِ ٱلأُسْبُوعِ، أَّوَلَ ٱلْفَجْرِ، أَتَيْنَ إِلَى
ٱلْقَبْرِ حَامِلاتٍ ٱلْحَنُوطَ ٱلَّذِي أَعْدَدْنَهُ،
وَمَعَهُنَّ أُنَاسٌ. 2 فَوَجَدْنَ ٱلْحَجَرَ مُدَحْرَجاً عَنِ
ٱلْقَبْرِ، 3 فَدَخَلْنَ وَلَمْ يَجِدْنَ جَسَدَ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ.

 

من
الغريب أن الرجال لم يكونوا أول شهود قيامة المسيح بل النساء. فإن التلاميذ كانوا
قد أقفلوا غرفهم عليهم، خوفاً ورعباً من سطوة اليهود. أما النساء فدفعتهن محبتهن
للمسيح غالبة كل المخاوف. وضحين بجزء كبير من أموالهن لتزيين قبر الفقيد بالزهور
والروائح ودهنه بالعطور والطيب. فقد حملن قارورات الطيب وزهور وأقمشة وأشرطة،
وتقدمن من طلوع الفجر فوجاً كبيراً إلى القبر المسدود بحجر مستدير ضخم.

 

واحتارت
النساء في أمرهن، كيف يستطعن دحرجة الحجر الكبير عن باب القبر، الذي كان مختوماً
أيضاً من قبل الدولة. ودفعتهن المحبة رغم كل الصعوبات، ليقدمن خدمة المحبة الأخيرة
للراقد العزيز. ولما وصلن تجمدن في أمكنتهن، إذ شاهدن القبر مفتوحاً والحجر
مدحرجاً منزاحاً إلى جانب. فتضاربت أفكارهن في رؤوسهن، متسائلات: ألا يسمحون له
حتى في الموت أن يستريح؟ هل فعلوا به شيئاً؟ هل سرقوه؟

 

ولم
يخفن من الدخول إلى القبر المفتوح وهن مستاءات بغيظ. ورأين بعجب شديد، أن القبر
فارغ من صاحبه. والعجيب أن أكفانه وأقمشته كانت هناك تماماً في موضع جثته، غير
ممزقة، لأن المسيح انسل منها ومن وسط الصخور هادئاً بلا صوت، كما ظهر بعد ذلك
لتلاميذه في الغرف المغلقة متخللاً من وسط الجدران.

 

لم
يشاهد أحد من الناس قيامة المسيح، ولكن الملائكة شاهدوا. فلا شهود للبشر عن هذه
الحادثة مطلقاً. ولذلك فإن الرب يدعو كل أتباعه إلى إيمان متجاسر بأعجوبة قيامته،
لأن الرؤية تأتي بعد الإيمان وليس قبله.

 

24: 4
وَفِيمَا هُنَّ مُحْتَارَاتٌ فِي ذٰلِكَ، إِذَا رَجُلانِ وَقَفَا بِهِنَّ
بِثِيَابٍ بَرَّاقَةٍ. 5 وَإِذْ كُنَّ خَائِفَاتٍ وَمُنَكِّسَاتٍ وُجُوهَهُنَّ
إِلَى ٱلأَرْضِ، قَالا لَهُنَّ: «لِمَاذَا تَطْلُبْنَ ٱلْحَيَّ بَيْنَ
ٱلأَمْوَاتِ؟ 6 لَيْسَ هُوَ هٰهُنَا لٰكِنَّهُ قَامَ!
اُذْكُرْنَ كَيْفَ كَلَّمَكُنَّ وَهُوَ بَعْدُ فِي ٱلْجَلِيلِ 7 قَائِلاً:
إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسَلَّمَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ فِي أَيْدِي
أُنَاسٍ خُطَاةٍ، وَيُصْلَبَ، وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ يَقُومُ».

 

اضطربت
النساء وفزعن، لما لم يجدن جسد يسوع! ولم يعرفن ماذا عليهن أن يعملن، وربما صلت
واحدة منهم إلى الله. وفجأة وقف بهن رجلان في لباس براق، ووجهاهما كانا كشمس
مضيئة. فتجمدن في أمكنتهن من هذه الرؤية، وتقهقرن. وبعضهن ابتدأن بالسجود لإكرام
الاشكال الغريبة من العوالم الغير منظورة. فما قدرن كلاماً أو فكراً. وهذان
الملاكان قد أرسلهما المسيح في محبته للمحتارات، ليوضح لهن الأمر المستحيل، أن
المسيح الميت هو حي حق. فسميا المسيح (الحي) وأعطياه نفس الصفة التي لله فقط،
شاهدين بعظمته الحالة في المسيح الظاهرة في قيامته. وسألا النسوة لماذا لم يؤمن أن
رئيس السلام لا يموت ولا يفنى، بل يعيش إلى الأبد، لأن الحياة الأبدية لن تموت،
ولو تفتت الجسد الضعيف.

 

فشهد
الملاكان للنساء المستمعات الجامدات، أن الله شخصياً أقام ابنه، كما الآب يوقظ
طفله من النوم.

 

وأمر
رسولا السماء هؤلاء النسوة، أن يتأملن ويتذكرن ويعدن التفكير متخلصات من جمودهن،
مدركات معنى كلمات يسوع، التي نطقها قبل صلبه، أنه قال مرات ثلاث بكل وضوح، ان ابن
الإنسان يسلم إلى أيدي خطاة ويُصلب، ويقوم بلا مانع في اليوم الثالث من الأموات
منتصراً ظافراً.

وكلمة
(ينبغي)، التي قالها المسيح أثناء اقتراب موته، كانت غير مفهومة لأتباعه، لأنهم لم
يفهموا خطة خلاص الله. فلم يعرفوا الواجب أو الضرورة في موت المسيح مصلوباً لأجل
مصالحة الناس مع الله. ولم يدركوا القيامة كبرهان لازم لقداسة وألوهية يسوع. لأن
الذي بدون خطية فقط، هو قادر أن ينتصر على الموت، لأن الموت هو أجرة الخطية
ونتيجتها. وبما أن يسوع لم يستسلم لأية خطية كانت حتى آخر لحظات حياته، فلم يجد
الموت سلطة عليه. فقام المسيح من بين الأموات، بريئاً فائزاً ظافراً.

 

إن
قيامة يسوع، هي الدليل الواضح لانتصاره على كل التجارب للخطية في جسده، ودليلاً
قاطعاً على فشل الشيطان، الذي لم يستطع أن يسقط البار إلى بغضة وكفر ويأس. وقيامة
المسيح برهان أيضاً على ضعف الموت بالنسبة لحياة الله. وأخيراً الأمر الأهم، وهو
أن الله، أقام ابنه مثبتاً أنه رضي بموته كحمل الله عوضاً عن كل البشر. هكذا نجد
في قيامة المسيح العلامة البارزة للانتصار الإلهي، وبيان الخلاص الكامل. وفي عصرنا
الحاضر ما زالت كنيسة في روسيا يجتمع أعضاؤها في عيد الفصح، فيضحكون ملياً حسب
طقوسهم على الخطية والموت والشيطان والقوة المغلوبة بالمقام من بين الأموات. إننا
متحررون تحرراً كاملاً. هذا هو سبب فرحنا.

 

الصلاة:
نسجد لك، أيها الرب يسوع المسيح ونعظمك ونسبحك ونفرح، لأنك حي غير ميت، وتسمع
صلاتنا، وتجرنا إلى حياتك. علمنا أن نتيقن في كل لحظة حضورك معنا، وعنايتك بنا.
آمين.

 

24: 8
فَتَذَكَّرْنَ كَلامَهُ، 9 وَرَجَعْنَ مِنَ ٱلْقَبْرِ، وَأَخْبَرْنَ
ٱلأَحَدَ عَشَرَ وَجَمِيعَ ٱلْبَاقِينَ بِهٰذَا كُلِّهِ. 10
وَكَانَتْ مَرْيَمُ ٱلْمَجْدَلِيَّةُ وَيُوَنَّا وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ
وَٱلْبَاقِيَاتُ مَعَهُنَّ، ٱللَّوَاتِي قُلْنَ هٰذَا
لِلرُّسُلِ. 11 فَتَرَاءَى كَلامُهُنَّ لَهُمْ كَٱلْهَذَيَانِ وَلَمْ
يُصَدِّقُوهُنَّ. 12 فَقَامَ بُطْرُسُ وَرَكَضَ إِلَى ٱلْقَبْرِ،
فَٱنْحَنَى وَنَظَرَ ٱلأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً وَحْدَهَا، فَمَضَى
مُتَعَجِّباً فِي نَفْسِهِ مِمَّا كَانَ.

 

إن
عقل الإنسان سريعاً ما ينسى وهو سطحي دائر حول أفكاره الخصوصية. وكثيراً ما نسمع
كلمة الله ونفهم تماماً خلاف قصد الرب منها. ولكن لما الملاكان بقوة أشعتهما
الإلهية ذكرا النسوة أن يسوع تكلم قبل موته عدة مرات بكل وضوح عن قيامته، ابتدأن
يتنورن، أنهن سيكونن شاهدات لأمر غريب هائل مغير العالم، وأدركن تدريجياً معنى
الكلمة، أن يسوع سيقوم حقاً.

 

بعد
زوال المباغتة المفاجئة وعودة وعيهن إليهن. ابتدأت النسوة بتركيز الفكر. وفرحن
كثيراً راكضات راجعات إلى التلاميذ، مؤمنات بكلمات الملاكين، متيقنات بمواعيد
المسيح النبوية. فقد آمن منذ أشهر أن يسوع هو المسيح الحق، وتركن بيوتهن
وعائلاتهن، وتبعن الرب من الجليل إلى اليهودية. ولم يبالين بكلام الناس عليهن، لأن
يسوع كان قدوساً وقد حفظهن في طهارته. أما الآن فإنه يكافئهن ويختارهن أول شاهدات
لقيامته من بين الأموات.

 

والبشير
لوقا يرينا بدقة من هن المبشرات المختارات هؤلاء. وأعلن أسماءهن بوضوح، أولهن مريم
المجدلية، التي كانت سابقاً ملبوسة، وأخرج الرب منها سبعة شياطين. فلم تستطع العيش
بدون مخلصها، فأكد الرب لها أنه غير ميت بل حي حقاً.

 

والمرأة
الثانية المختارة، هي يونا. والأغلب أنها زوجة وكيل عند الملك هيرودس. فاعتبرت
مستوى بيتها أخفض من عار صليب المسيح. لقد وقفت يوم الجمعة الحزينة مع زميلاتها
قرب الصليب وثبتت في اليأس. فالآن صار لها الامتياز لتتأكد من مجد الرب، بين
الأوليات (مرقس 15: 40).

 

وأما
أم يعقوب فلا نعرف إن كانت هي سالومي أم يوحنا ويعقوب ابن زبدي، أو هي أم يعقوب
ويوسي. وربما كانتا كلتاهما حاضرتين، لأنه بزيادة على هؤلاء الثلاثة المذكورات
وجدت كثيرات من أتباع يسوع، اللواتي صار لهن الامتياز برؤية الملاك ومعرفة
القيامة.

 

والنسوة
المفوضات من الملاك بنقل بشرى انتصار المقام من بين الأموات، لما أخبرن بفرح عظيم
التلاميذ ضحكوا عليهن، وسموا نبأهن أقاويل نسائية بلا معنى وكاذبة. فالرجال بطيئون
عادة في الإيمان، ويطلبون براهين ومنطقاً وقوانين علمية وخبرة، ويريدون تفتيش
الأمور وتمحيصها، ورؤية المقام ولمسه قبل أن يؤمنوا به وبقيامته. وهذا بالتمام كان
سبب عدم إيمانهم، الصادر من عقولهم وقلوبهم الغليظة. فلم يترك التلاميذ والأتباع
من الرجال يسوع يوم الخميس عشاء ويهربوا فقط، بل أنهم لم يؤمنوا يوم صبيحة الأحد
بالرسالة الملائكية الموجهة إليهم عن قيامة ابن الله بلسان النساء. أنهم كانوا
يائسين وزعلانين، لان كل رجائهم على قيام مملكة الله كان قد انتهى. وكانوا بنفس
الوقت مستكبرين أن يأخذوا معرفتهم من النساء، وغير مستعدين لقبول الخبر المستحيل،
الذي لا يدخل إلى رؤوسهم. ولا يتذكرون وعداً به من المسيح نفسه. فعارضوا معاً جذب
الروح القدس.

 

ولكن
بطرس الذي انسحق بالتوبة، وكان قد تضعضع منذ إنكاره يسوع وندمه، ولم يعد يثق بذاته
ولا بمنطقه ولا بخبرته، قام أخيراً وركض إلى القبر، غير مبال بالحراس ولا برؤساء
الكهنة، لأنه شعر قليلاً بإمكانية المستحيل، وانحنى كثيراً أمام الله لما دخل إلى
القبر. لم ير جثة يسوع، بل الأربطة الغير ممزقة. وهي موضوعة بعناية ومحفوظة كاملاً
كشرنقة دودة القز وقد فارقتها. فارتجف قلبه للمعجزة وترجرج ذهنه، ولكن القفزة إلى
الإيمان الجريء بحقيقة القيامة، لم تدخل إلى قلبه. فقد رأى نفسه مرفوضاً هالكاً،
لأنه أنكر ربه إنكاراً هائلاً.

 

الصلاة:
أيها الرب المقام من بين الأموات، نشكرك لأنك فوضت النساء اللواتي تبعنك، ليسمعن
كلمات الملائكة ويبشرن بها. نسجد لك، لأنك حي، وتملك مع الآب في الجوهر الواحد.
أحينا واجعلنا رسل قيامتك، لنعيش في حياتك ولطفك ونشهد لكل الناس بصبر عظيم انك حي
وموجود حقاً.

 

15-
تلميذا عمواس (24: 13- 35)

24:
13 وَإِذَا ٱثْنَانِ مِنْهُمْ كَانَا مُنْطَلِقَيْنِ فِي ذٰلِكَ
ٱلْيَوْمِ إِلَى قَرْيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ أُورُشَلِيمَ سِتِّينَ غَلْوَةً،
ٱسْمُهَا «عِمْوَاسُ». 14 وَكَانَا يَتَكَلَّمَانِ بَعْضُهُمَا مَعَ بَعْضٍ
عَنْ جَمِيعِ هٰذِهِ ٱلْحَوَادِثِ. 15 وَفِيمَا هُمَا يَتَكَلَّمَانِ
وَيَتَحَاوَرَانِ، ٱقْتَرَبَ إِلَيْهِمَا يَسُوعُ نَفْسُهُ وَكَانَ يَمْشِي
مَعَهُمَا. 16 وَلٰكِنْ أُمْسِكَتْ أَعْيُنُهُمَا عَنْ مَعْرِفَتِهِ. 17
فَقَالَ لَهُمَا: «مَا هٰذَا ٱلْكَلامُ ٱلَّذِي تَتَطَارَحَانِ
بِهِ وَأَنْتُمَا مَاشِيَانِ عَابِسَيْنِ؟» 18 فَأَجَابَ أَحَدُهُمَا،
ٱلَّذِي ٱسْمُهُ كَلْيُوبَاسُ: «هَلْ أَنْتَ مُتَغَرِّبٌ وَحْدَكَ فِي
أُورُشَلِيمَ وَلَمْ تَعْلَمِ ٱلأُمُورَ ٱلَّتِي حَدَثَتْ فِيهَا فِي
هٰذِهِ ٱلأَيَّامِ؟» 19 فَقَالَ لَهُمَا: «وَمَا هِيَ؟ فَقَالا:
ٱلْمُخْتَصَّةُ بِيَسُوعَ ٱلنَّاصِرِيِّ، ٱلَّذِي كَانَ
إِنْسَاناً نَبِيّاً مُقْتَدِراً فِي ٱلْفِعْلِ وَٱلْقَوْلِ أَمَامَ
ٱللّٰهِ وَجَمِيعِ ٱلشَّعْبِ. 20 كَيْفَ أَسْلَمَهُ رُؤَسَاءُ
ٱلْكَهَنَةِ وَحُكَّامُنَا لِقَضَاءِ ٱلْمَوْتِ وَصَلَبُوهُ. 21
وَنَحْنُ كُنَّا نَرْجُو أَنَّهُ هُوَ ٱلْمُزْمِعُ أَنْ يَفْدِيَ
إِسْرَائِيلَ. وَلٰكِنْ، مَعَ هٰذَا كُلِّهِ، ٱلْيَوْمَ لَهُ
ثَلاثَةُ أَيَّامٍ مُنْذُ حَدَثَ ذٰلِكَ. 22 بَلْ بَعْضُ ٱلنِّسَاءِ
مِنَّا حَيَّرْنَنَا إِذْ كُنَّ بَاكِراً عِنْدَ ٱلْقَبْرِ، 23 وَلَمَّا
لَمْ يَجِدْنَ جَسَدَهُ أَتَيْنَ قَائِلاتٍ: إِنَّهُنَّ رَأَيْنَ مَنْظَرَ
مَلائِكَةٍ قَالُوا إِنَّهُ حَيٌّ. 24 وَمَضَى قَوْمٌ مِنَ ٱلَّذِينَ
مَعَنَا إِلَى ٱلْقَبْرِ، فَوَجَدُوا هٰكَذَا كَمَا قَالَتْ أَيْضاً
ٱلنِّسَاءُ، وَأَمَّا هُوَ فَلَمْ يَرَوْهُ».

 

اثنان
من أتباع يسوع كانا ذاهبين من أورشليم إلى قريتهما، البعيدة ثلاث ساعات عن
العاصمة. وكان عليهما دلائل الحزن الشديد. ولم يلتفتا إلى المدينة بقببها المذهبة،
بل هربا من مشهد القتل الشنيع، الذي حل بيسوع. وهما أحباه بكل إخلاص، فتحدثا عن
تفاصيل هذه الحادثة الأليمة.

 

وفي
هذا الوقت اقترب المقام من بين الأموات إليهما في هيئة إنسان غريب، لأنه قد قال
سابقاً: حيثما يجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، هناك أكون في وسطهم. فإن تكلمت مع
صديقك عن يسوع فربك هو الثالث في العهد. ليت أقوالنا يكون محورها وهدفها يسوع.
فنختبر حضور ابن الله في عالمنا اليائس. وكثيراً ما لا يرى المؤمنون يسوع، ولا
يشعرون به لأن الإيمان لا يعني الرؤية، بل اتكال القلب على الحي.

 

والمسيح
هو الخبير في بنيان النفوس. فلم يتكلم عن ذاته كثيراً، ولم يوجه إليهما نصائحه
وحكمه، بل دفعهما بسؤاله إلى التكلم وتفريغ ما في قلبيهما، ليظهر إيمانهما. فشهدا
أن كل العاصمة كانت عالمة بما كان. فالرؤساء عزموا على أحاطة خبر صلب يسوع
بالكتمان، ولكن الخبر تسرب من بيت إلى بيت، ومن زقاق إلى آخر.

 

وآمن
الشعب أن يسوع كان نبياً مفوضاً من الله بسلطانه، موهوباً بكلمات خارقة، ومجهزاً
بمعجزات فائقة، كما ليس نبي قبله ولا بعده. فهكذا لم يدرك هذان التلميذان المؤمنان
بالمسيح الحقيقة، كما لم يدركها قيافا والمجلس الأعلى عن جوهر يسوع. ولكنهما تألما
مع كثيرين من أتباع الناصري أن بغضة وحسد رؤسائهم سببت الحكم على ابن الأمة.
فسلموه إلى أيدي الوثنيين النجسين للقتل. فاعتبرا هذا التصرف عاراً مزدوجاً وخطية
كبرى. وفي تكلمهما تصورا المصلوب أمامهما، كيف علق مرفوعاً بين السماء والأرض،
معذباً تدريجياً إلى الموت. فاشمأزوا من خبث البشر تجاه محبة الله الظاهرة في
المسيح.

هل تبحث عن  شبهات الكتاب المقدس عهد جديد إنجيل لوقا أبناء هذا الدهر أحكم من أبناء النور ر

 

وكل
أتباعه رجوا، أن يسوع سيكون هو المحور لأمته من القوة الاستعمارية، منشئاً بينهم
البر والحق والعدل، لكي يصح شعبهم في صميمه، ويصبح ينبوع الإحسان لشعوب العالم،
وأورشليم محور السلام تبث منها أشعة محبة الله إلى كل القارات. هذا كان ويكون رجاء
اليهود الأتقياء بنسبة المسيح حتى اليوم.

 

ومن
كل هذه الحقائق والمثل، طغت في ذاكرتهما كلمة غريبة، قالها يسوع عن «اليوم
الثالث». فلم يعرفا بدقة ماذا يعني هذا اليوم الثالث. وبقيا إلى عصر هذا اليوم في
أورشليم، ليريا إن كان سيحدث انقلاباً من المسيح وملائكته والأبرار الراقدين، لأن
قيامة الأموات من علامات مجيء المسيح.

 

ولكن
لم يحدث أي انقلاب سياسي ولا أعجوبة ما، إلا قول النساء لما ركضن إلى التلاميذ،
وأخبرنهم عن فراغ القبر وانعدام الجثة، وقول الملاك لهن أن المسيح حي بين الأحياء.
فتحير الرجال إذ ذاك كثيراً، وتساءلوا: هل هذه بداية ملكوت الله؟ هل ابتدأ بدوننا،
أو علينا أن نحضر الآن لموكب التتويج؟ ماذا نعمل؟ مستحيل أن الملك يسوع يترك
أمناءه منتظرين متبطلين، ويفوض بواسطة ملاكه النساء الضعيفات اللواتي لا يقدرن على
التفكير والمنطق والكفاح وحسن التكلم.

 

عندئذ
ركض بعض التلاميذ إلى القبر الفارغ، للتفتيش عن الحقيقة، ورجاء الالتقاء بالمقام
حياً. نعم. القبر كان فارغاً، ولكنهم لم يجدوا يسوع هناك. فغضبوا ورجعوا مستغربين.
وها هوذا اليوم الثالث ينتهي، ولم يحدث عجب، وما ظهر رئيس الحياة.

 

كانا
يتكلمان بهذه الأحداث إلى يسوع باضطراب واستياء، وهما لا يعرفان أنه هو. وقد تحمل
يسوع عمى أتباعه الأمناء بمحبة وصبر، لأن كل أعماله وكلمات محبته حتى على الصليب
لم تساعدهم ليدركوا مجده، لأنهم لم يكونوا قد حصلوا على الروح القدس بعد. فكانت
عيونهم مغطاة ممسوكة.

 

هل
تتعجب إن لم يعرف أقرباؤك وأصدقاؤك أن يسوع رب؟ إن التلاميذ كانوا لأشهر طويلة مع
الرب ليلاً نهاراً، وعاينوا مجده في تواضعه وحقه ومحبته، ولم يدركوه! فاصبر الصبر
الجميل في تبشيرك كاملاً. فنحن في حاجة ماسة لمرافقته وهداه وتعزيته وتعليمه
وتدخله في عقولنا، وامتلاء أنفسنا بروحه وتجديد قلوبنا كاملة وتقديسها، حتى نفهم
من هو، وماذا يعمل. فنعترف متواضعين: أنا أؤمن بأنني لا أقدر أن أؤمن من تلقاء
نفسي أو قدرتي بيسوع المسيح ربنا. ولا أقدر أن آتي إليه بواسطة طاقتي الخاصة، بل
الروح القدس دعاني بالإنجيل، وأنارني بمحبته، وقدسني بمواهبه، ويحفظني في نعمته.
فليس أحد قدر أن يسمي المسيح رباً، إلا بواسطة الروح القدس.

 

الصلاة:
أيها الرب، أنا أعمى روحياً. فافتح عيني وقلبي وعقلي لإيمان حي، لكي أتكل على
حضورك معي في هذه اللحظة. ولا تتركني وحدي، لأنك ترافق كل الذين يتكلمون عنك
بالإيمان والثقة. املأ قلوب الذين يشتاقون إليك بسلامك. وأنشئ فيهم الإيمان الحق
بقدرة روحك القدوس.

 

24:
25 فَقَالَ لَهُمَا: «أَيُّهَا ٱلْغَبِيَّانِ وَٱلْبَطِيئَا
ٱلْقُلُوبِ فِي ٱلإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ
ٱلأَنْبِيَاءُ، 26 أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ ٱلْمَسِيحَ
يَتَأَلَّمُ بِهٰذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟» 27 ثُمَّ ٱبْتَدَأَ
مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ ٱلأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا
ٱلأُمُورَ ٱلْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ ٱلْكُتُبِ. 28 ثُمَّ
ٱقْتَرَبُوا إِلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَا مُنْطَلِقَيْنِ
إِلَيْهَا، وَهُوَ تَظَاهَرَ كَأَنَّهُ مُنْطَلِقٌ إِلَى مَكَانٍ أَبْعَدَ. 29
فَأَلْزَمَاهُ قَائِلَيْنِ: «ٱمْكُثْ مَعَنَا لأَنَّهُ نَحْوُ
ٱلْمَسَاءِ وَقَدْ مَالَ ٱلنَّهَارُ». فَدَخَلَ لِيَمْكُثَ مَعَهُمَا.
30 فَلَمَّا ٱتَّكَأَ مَعَهُمَا، أَخَذَ خُبْزاً وَبَارَكَ وَكَسَّرَ
وَنَاوَلَهُمَا، 31 فَٱنْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَرَفَاهُ ثُمَّ
ٱخْتَفَى عَنْهُمَا.

 

بعدما
انتهى التلميذان من إظهار حكمتهما، وشهدا بنهاية رجائهما، ابتدأ يسوع بدرسه الشديد
لهما. ولم يكلمهما بلطف وكلمات رحيمة، بل انتهرهما بغضب إليه، لأنهما كانا غبيان
ككل الناس. فمن الممكن أن يحمل شاب شهادات عليا، وألقاباً براقة، وإنما يظل غبياً
جاهلاً، إن لم يعرف المسيح رباً، لأنه لم يدرك ابن الله وفداءه.

 

وهذه
الغباوة ليست لعدم موهبة الذكاء في العقل، بل نتيجة بطء القلب للإيمان بكلمة
الإنجيل. كلنا نميل إلى الإلحاد اليوم ونؤمن بالعلوم الطبيعية وبتكنيك المهندسين
أكثر مما نثق بأقوال النبي إشعياء ودلائل يوحنا المعمدان. وفي قضايا المناخ
والحروب والاقتصاد نبني أنفسنا على أخبار الراديو والجرائد أكثر من صلاتنا
ومطالعتنا في الكتاب المقدس.

 

فأمر
يسوع الرجلين أن يؤمنا بكل ما قاله الأنبياء كما يؤمن الولد بأقوال أمه. فقد آمنا
وفهما كثيراً من الكتاب المقدس وليس كله. وكانا متأكدين من وحدانية الله. فلهذا لم
يهضما الفكر أن لله ابناً. وتأكدا من قدرة الله وسلطان المسيح المقبل، فلم يعقلا
قضية صلبه. هكذا لم يدركا كلمة «ينبغي» في آلام يسوع كحمل الله لفداء العالم. ولم
يعرفا عمق شر القلب الإنساني. فما شعرا بحاجتهما إلى الخلاص، وإنه لا طريقة إلى
الله إلا بالصليب. وليس بأحد غيره الخلاص إلا بالمصلوب. فالصليب هو الباب إلى مجد
الله. وقد ولد المسيح ليموت عوضاً عنا. ويفتح لنا الباب المؤدي إلى أبيه. وبدون
مصالحتنا مع الله في المسيح فليس لنا شركة مع القدوس، كما قال بولس الرسول: إذ قد
تبررنا بالإيمان فلنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح.

 

إن آل
إبراهيم لم يقدروا بإيمانهم المتجمد بوحدانية الله إدراك أن القدوس يحتاج لفداء
العالم إلى ابن كحمل ووسيط. فتعب المسيح طوال الطريق من أورشليم إلى عمواس، ليفسر
كل مواعيد التوراة والمزامير والأنبياء الخاصة ببنوته وصليبه لرؤوس اليهود
الحديدية، ليدركوا ألوهيته في إنسانيته.

 

ليتنا
كنا مشتركين في درس الكتاب المقدس على يد يسوع المسيح! الله نفسه فسر للناس كلمته.
فصل إلى المسيح طالباً منه توضيح معاني آلامه وموته وقيامته. فهنالك يحل الروح
القدس في القلب، وينير أفكار العقل، لأن المسيح شخصياً، يقف بجانبنا، ويلهمنا الحق
الإلهي، ويرشدنا إلى صحة كلامه. فهل تستفهم منه إعلان كلمته أو تثبت في غباوة
إنسانيتك الطبيعية؟

 

ولما
وصلوا إلى بيتهما البسيط في قرية عمواس، امتحن يسوع مستمعيه إن كانا يريدان أكثر
التعمق في كلمته أو إن كانا متعبين وشبعانين من الاستماع إليه، ومكتفين من
المعارف. هل كان رأسهما ملآناً من الموعظة طيلة هاتين الساعتين اللتين قضياها مع
يسوع المعلم، أو ما زالا وفي قلبيهما جوع إلى كلمة الحياة؟ هكذا تظاهر يسوع كأنه
يريد تكميل طريقه قدماً.

 

واجتاز
التلميذان الامتحان الإلهي بامتياز، حيث ألحا على يسوع المبيت عندهما. وعلمانا
الصلاة الموحى به من الروح القدس، والمختصة والنافعة للأيام الأخيرة في عالمنا
الظالم «أمكث معنا لأنه نحو المساء، وقد مال النهار». هل هذه الطلبة هي صلاتك
أيضاً؟ هل تلزم يسوع ليثبت فيك ليلاً نهاراً، ولا تسقط ثانية واحدة من شركته. لم
يسمح التلميذان أن يكمل يسوع طريقه، بل عارضا مشيه، حتى دخل إليهما. بفرح راضياً
مرضياً.

 

طوبى
للبيت وطوبى للمدينة، التي يدخل هذا الملك فيها. فإن الله يأتي إلى الناس، ولا
يستحي أن يسكن في بيوتنا المهدمة. فبيتك يصير بيت الله، إن طلبت إليه بشدة أن يمكث
معك لتسمع كلمته.

 

وبعدئذ
جلس يسوع مع تابعيه وأتوا بالعشاء. ولم ينتظر الرب حتى يبارك صاحب البيت الخبز، بل
تناوله شخصياً كما عمل عند إشباعه الخمسة آلاف، وفي بداية العشاء الرباني الأخير،
وتلا كلمات الشكر رافعاً رأسه نحو السماء، وكسر الخبز رمزاً لوحدتنا معه وأعطى من
الكسر للحاضرين كالله الذي يوزع خيراته إلى مخلوقاته، بمحبته الفائقة.

 

وعندئذ
سقطت قشور من أعين التلميذين، فأبصرا ورأيا بوضوح جلي يسوع في حقيقته. فجربا
إمساكه وحاولا التكلم إليه. فاختفى من أمام أعينهما. ولكنهما أدركاه أكيداً في كسر
الخبز، وتلاوة البركة، وتوزيع الكسر. فلا بد أنه هو بكل تأكيد. لقد كان موجوداً،
ولم يفارقهما حتى ولو لم يعودا يريانه مطلقاً.

 

الصلاة:
أيها الرب، أنت الحي. اغفر لي حياتي المستقلة بعيداً عنك. فإني أؤمن بحضورك معي.
علمني الفكر فيك والعمل أمامك والتكلم بروحك، لكي أصغي إلى كلمتك دائماً. كلنا لا
نفهم إنجيلك إن لم تنرنا. امكث معنا، لأنه نحو المساء، وقد مال النهار.

 

24:
32 فَقَالَ بَعْضُهُمَا لِبَعْضٍ: «أَلَمْ يَكُنْ قَلْبُنَا مُلْتَهِباً فِينَا إِذْ
كَانَ يُكَلِّمُنَا فِي ٱلطَّرِيقِ وَيُوضِحُ لَنَا ٱلْكُتُبَ؟» 33
فَقَامَا فِي تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ وَرَجَعَا إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَوَجَدَا
ٱلأَحَدَ عَشَرَ مُجْتَمِعِينَ، هُمْ وَٱلَّذِينَ مَعَهُمْ 34 وَهُمْ
يَقُولُونَ: «إِنَّ ٱلرَّبَّ قَامَ بِٱلْحَقِيقَةِ وَظَهَرَ
لِسِمْعَانَ!» 35 وَأَمَّا هُمَا فَكَانَا يُخْبِرَانِ بِمَا حَدَثَ فِي
ٱلطَّرِيقِ، وَكَيْفَ عَرَفَاهُ عِنْدَ كَسْرِ ٱلْخُبْزِ.

 

لم
يضطرب التلميذان في عمواس، لما اختفى يسوع عنهما. لأنه ليس المهم أن يرياه أو لا
يريانه، لأنهما قد عرفا واختبرا أنه حي. ليس هو في القبر وجثته ليست مسروقة. ولم
تفشل حياته بالصلب بل الله كان معه وفيه. إنه المسيح الحق الحي الحاضر الموجود.

 

فنور
فرح عيد الفصح ملأ قلبيهما. وهذا الفرح ابتدأ بقلبيهما، لما كلمهما المسيح، على
الطريق. فخطابه القاسي لم يزعلهما، بل أعدهما لإشراق الإنجيل. فتغير ذهنهما، وفهما
إرادة الله وعمل خلاصه في ابنه. فالتهب قلباهما العطشين من فرح المعرفة، وقبول
الحق، لأنهما علما أنهما لا يركضان خلف خيال، بل أدركا المسيح بالذات وعرفاه
ورأياه وسمعاه وآمنا به. فكلمته أعدت تجديد إيمانهما فيهما، لأنه بدون الامتلاء بكلمة
الإنجيل لا تتحقق الولادة الثانية. فكلمة الرب هي الشمس والقوة في الحياة الجديدة.
هل تشعر بالفرح عند قراءة الكتاب المقدس وتسر بقوة الله المتكلم؟ اطلب من ربك أن
يخاطبك مباشرة، لأنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله.
فإنك محتاج جداً إلى كلمة ربك! ونفسك مائتة جوعاً مشوقة إلى مطالعة الكتاب المقدس
باستمرار. وروحك تنتعش إن أصغيت مجتهداً بصبر لما يقوله الروح للكنيسة.

 

وشاهدا
المقام من بين الأموات ما قدرا البقاء لوحدهما من كثرة فرحهما وغنى الإعلان
الموهوب لهما. فمعرفة الله تدفعنا إلى نقل البشرى بقوة إلهية، ولسانك لا يستطيع
الصمت حيث يملأ يسوع قلبك، لأنه مما يمتلئ القلب، يفيض الفم. فماذا تتكلم طيل
النهار؟ هل فرح الرب قوتك؟

 

ولم
يهب الرجلان صعوبة الطريق الطويل إلى التلاميذ المضطربين في القدس، لأن إعلان
المسيح قّوى عظامهما التعبانة، وأسرعا بخطواتهما المتعجلة، حتى وصلا في تلك الليلة
إلى العاصمة النائمة. ولما دقا الباب المغلق، حيث يجتمع داخلاً التلاميذ والاتباع
المؤمنون، لم يكن النور قد ْأطفئ بعد، فدخلا. ولاحظا فجأة جوا متغيراً من الفرح،
ووجوهاً لامعة. لأنهما لما غادراهم بعد الظهر كان الجو عبوساً ووجوههم كئيبة، لأن
بطرس افتقد القبر فوجده فارغاً، وجثة المسيح ما كانت هنالك، تماماً كما أخبرت
النسوة. ولم يجد الرسول ربه. والآن ها قد أبرقت عيناً بطرس، وكل التلاميذ الآخرين
فرحوا معه، لأنه بعد افتقاد القبر الفارغ، تجول بطرس ضالاً في المدينة، مضطرباً من
ضميره المبكت. ولم يكن له رجاء عالماً أنه أنكر ربه ثلاث مرات، فرأسه وقلبه كان
كوكر زنابير. وربه فضل النساء اللواتي ثبتن وبقين معه عند الصليب. فرأى بطرس نفسه
موفوضاً هالكاً معدوماً.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ب باب الأعلى ى

 

عندئذ
رحم يسوع خادمه المصلي ومشى بجانبه. ولا نعرف متى وأين ظهر يسوع لبطرس، ولكن لوقا
وبولس كليهما شهدا بهذه الحقيقة واضحاً (الرسالة الأولى إلى كورنثوس 15: 4 و5)
فندرك أن محبة المسيح يسوع قد خلصت بطرس المنكسر كاملاً ولم ترفضه. ولما لم يتكل
على ذاته ولم يؤمن بقدرته، ورأى نفسه مسلماً للموت وجهنم، أهداه ربه مجاناً حضوره
بالنعمة. عندئذ أدرك بطرس، كما بولس بعدئذ أدرك، أن الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد
الله، متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح. فغفر الرب لعبده كل
ذنوبه، وأدخله إلى ملء فرح الفصح.

 

وكل
التلاميذ آمنوا بكلمات الرسول بطرس، لأن هيأته ووجهه تغير تماماً. فأصبح يعيش
مطمئناً، لأن ربه حي. فامتلأت كل الجماعة من فرح القيامة ولما دخل التلميذان من
عمواس، وأرادا تأدية شهادتهما، غطاهما شلال الفرح، لتقوية إيمانهما بسماعهما أن
الرب قد ظهر لبطرس. وكما قوت الجماعة إيمانهما بهذه البشارة هكذا قويا هما أيضاً
إيمان الجماعة، فبشراها برؤيتهما أيضاً ليسوع وتعشيهما معه. فهل تتكلم لأصدقائك،
عما عمل المسيح بك؟ تكلم ولا تصمت، لكي يتمجد المقام من بين الأموات. أنر غيرك
لينيرك بمعرفته أيضاً.

 

الصلاة:
ايها الرب يسوع، أنت النعمة وقد خلصت بطرس من يأسه. فنسجد لك ونسبّح محبتك وقوتك
ومجدك وحضورك معنا بكرة وأصيلاً. لسنا متروكين. أنت معنا. فقيامتك البرهان، انك
غفرت آثامنا كلها، فنتهلل مع كل المسيحيين في فرح العيد السعيد.

 

16-
ظهور يسوع عشية الاحد (24: 36- 43)

24:
36 وَفِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِهٰذَا وَقَفَ يَسُوعُ نَفْسُهُ فِي
وَسَطِهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ: «سَلامٌ لَكُمْ!» 37 فَجَزِعُوا وَخَافُوا، وَظَنُّوا
أَنَّهُمْ نَظَرُوا رُوحاً. 38 فَقَالَ لَهُمْ: «مَا بَالُكُمْ مُضْطَرِبِينَ،
وَلِمَاذَا تَخْطُرُ أَفْكَارٌ فِي قُلُوبِكُمْ؟ 39 اُنْظُرُوا يَدَيَّ
وَرِجْلَيَّ: إِنِّي أَنَا هُوَ. جُسُّونِي وَٱنْظُرُوا، فَإِنَّ
ٱلرُّوحَ لَيْسَ لَهُ لَحْمٌ وَعِظَامٌ كَمَا تَرَوْنَ لِي». 40 وَحِينَ
قَالَ هٰذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ. 41 وَبَيْنَمَا هُمْ غَيْرُ
مُصَدِّقِين مِنَ ٱلْفَرَحِ، وَمُتَعَجِّبُونَ، قَالَ لَهُمْ: «أَعِنْدَكُمْ
هٰهُنَا طَعَامٌ؟» 42 فَنَاوَلُوهُ جُزْءاً مِنْ سَمَكٍ مَشْوِيٍّ،
وَشَيْئاً مِنْ شَهْدِ عَسَلٍ. 43 فَأَخَذَ وَأَكَلَ قُدَّامَهُمْ.

 

ويسوع
بر بوعده مرة أخرى: حيث اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم. لأن
التلاميذ لما قووا بعضهم بعضاً في الإيمان بواسطة بشرى اختباراتهم مع المسيح، ظهر
فجأة في وسطهم. قد أتى بدون صوت، ولم ينخبط باب أو طاقة. ولم يدخل تيار هوائي، بل
المسيح صار داخلاً وحاضراً حقاً.

 

وفي
هذه اللحظة، كاد التلاميذ يجنون. لقد آمنوا بقيامته من قبل، ولكن بقيت رواسب من
شكوك في أذهانهم. فشعروا أن قيامة المسيح من بين الأموات تعني فجر ملكوت الله
وبداية عصر جديد. ولكنهم علموا أيضاً أنهم هربوا من ربهم في ساعة التجربة الهامة.
فعرفوا أن المسيح الحي أبصر ذنوبهم مكشوفة كشفاً. وبعضهم ظنوه روحاً بلا جسد،
بهيئة المسيح بحيلة شيطانية بسبب أمنية أشواقهم. فكانوا مضطربين وغير قادرين فكراً
وعملاً.

 

فرحمهم
يسوع وخلص قليلي الإيمان من شكوكهم وكفرهم، وكلمهم بكلمات مفهومة، فسمعوا صوته
المعروف. وشعروا بتعزية الله في قلوبهم القلقة. وكلمات محبته طهرتهم، وقوة تعبيره
أنشأت إيماناً جديداً. فغفر لهم ذنوبهم بنطقه كلمة سلامه لهم. وهو لم يجبرهم لقبول
الإيمان كضغط عليهم، كأن يقول لهم «السلام عليكم» بل أشركهم بقبول حلول سلامه
بمخاطبته إياهم بكلمة «سلام لكم». عندئذ عرفوا أنه اختارهم ودعاهم وبررهم وقدسهم،
وأن الله نفسه قبل موت ابنه. وصالحهم بواسطته مع نفسه صلحاً عظيماً. فاستمسكوا
بهذا وبنوا قلوبهم عليه. وتعزوا تعزية عيد الفصح.

 

ورغم
هذا القول لم يؤمنوا بحقيقة حضوره. لأن عقولهم كانت بطيئة، وقلوبهم غليظة بشرية.
فرحم يسوع مختاريه مرة أخرى، وأراهم أثر المسامير في يديه ورجليه رمزاً لغفران
خطاياهم الكامل. فإن المقام الحي هو المصلوب الحق. ولو أتى ملاك النور إليك وقال
إنه الله فاطرده باسم المسيح، لأن إلهنا يحمل أثر المسامير في يديه. ولا نعرف رباً
آخر، إلا يسوع المسيح المصلوب.

 

ونما
الإيمان في التلاميذ وازداد وعيهم الروحي، ولكنهم كانوا ناقصي الروح القدس آنذاك.
فأعطاهم المسيح برهاناً آخر ليؤمنوا بحقيقة قيامته، ويدركوا الأعجوبة العظمى
المعطاة للبشر، أن يؤمنوا بألوهيته. فقال جسوني، المسوني!.. ادركوا أنني قمت بجسدي
حقاً. فلي لحم وعظام ككل إنسان. فالبشير لوقا وهو طبيب، أبرز الشيئين القاطعين
العجيبين، أن المسيح بعد قيامته كان يدخل بجسده الروحي من خلال الجدران، غير مقيد بزمان
ومكان، وحاضراً في كل حين. فهو إله حق وبنفس الوقت إنسان حق بلحم ودم مسموع ومنظور
وملموس. فلنا شهادة عظيمة من طبيب رسمي، أن للمسيج جسد روحي، فهو روح الله المتجسد
وهذا يظهر لنا أعجوبة قيامتنا لأن المسيح هو رمز مستقبلنا.

 

وكان
فرح التلاميذ عن حقيقة قيامة المسيح وغلبته على الموت في قلوبهم وعقولهم كبيراً
بمقدار أنهم لم يستطيعوا التصديق والتكلم والتفكير. فأذهانهم كانت كأنما هي
مشلولة، وشعورهم كان جامداً، لأنهم رأوا المسيح كميت قام من قبره. فعظم فرح محبي
المسيح، وتعجبوا تعجباً كبيراً.

 

أما
المسيح، فإنه لم يرد أن يستيقظ فرحنا فقط، بل يقصد إنشاء إيمان واع وإخضاع تفكيرنا
وإراداتنا تحت حقيقة القيامة. فطلب من تلاميذه غذاء. ومما لا شك فيه، أن المقام من
بين الأموات، لم يكن بحاجة إلى طعام، لأن له جسداً روحياً أزلياً، غير فان وغير
مجرب ولكن في سبيل المحبة لتلاميذه، وليشغل عقولهم فيتثبتوا منه، أراهم الحي
الإلهي، أنه إنسان حق، وليس خيالاً أو روحاً، وبرهن ذلك لهم، بإظهار أبسط الدوافع
البشرية، وهي مضغ الطعام. فأكل أمامهم من السمك والعسل الموجود عندهم.

 

فالطبيب
لوقا استفهم من كل المعاصرين له والذين عاينوا المسيح بعد قيامته، وفهم منهم أن
يسوع المقام كانت له أسنان ولسان وفم وعينان ويدان ورجلان وجسم وعظام وهيكل،
إنساناً حقاً، لا ريب فيه البتة. فالمسيح هو أول إنسان قام من بين الأموات جسدياً،
لأنه إله منذ الأزل. ففرح التلاميذ وآمنوا، وأدركوا أن الموت ليس هو النهاية، بل
أن حياة الله هي أقوى من الزوال. ولم يبق المسيح في القبر متفتتاً ككل الفلاسفة
ومؤسسي الأديان وزعماء التاريخ، بل قد قام فحقق ما قال: أنا هو القيامة والحياة،
من آمن بي ولو مات فسيحيا. وكل من كان حياً وآمن بي فلن يموت إلى الأبد.

 

الصلاة:
أيها الرب يسوع المسيح، أنت الإله الحق المولود من الآب قبل كل الدهور.وأنت إنسان
حق، مولود من مريم العذراء. وقد قمت من بين الأموات، رغم تجرعك أوجاع الموت. نشكرك
لإعلان حياتك، التي هي عربون قيامتنا في الجسد أيضاً. يا رب الحياة، أحينا واحفظنا
في محبتك.

 

17-
كلمات يسوع الوداعية لتلاميذه (24: 44- 49)

24:
44 وَقَالَ لَهُمْ: «هٰذَا هُوَ ٱلْكَلامُ ٱلَّذِي
كَلَّمْتُكُمْ بِهِ وَأَنَا بَعْدُ مَعَكُمْ، أَنَّهُ لا بُدَّ أَنْ يَتِمَّ
جَمِيعُ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّي فِي نَامُوسِ مُوسَى وَٱلأَنْبِيَاءِ
وَٱلْمَزَامِيرِ». 45 حِينَئِذٍ فَتَحَ ذِهْنَهُمْ لِيَفْهَمُوا
ٱلْكُتُبَ. 46 وَقَالَ لَهُمْ: «هٰكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ،
وَهٰكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ ٱلْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ
مِنَ ٱلأَمْوَاتِ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ، 47 وَأَنْ يُكْرَزَ
بِٱسْمِهِ بِٱلتَّوْبَةِ وَمَغْفِرَةِ ٱلْخَطَايَا لِجَمِيعِ
ٱلأُمَمِ، مُبْتَدَأً مِنْ أُورُشَلِيمَ. 48 وَأَنْتُمْ شُهُودٌ
لِذٰلِكَ. 49 وَهَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ مَوْعِدَ أَبِي. فَأَقِيمُوا
فِي مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَنْ تُلْبَسُوا قُّوَةً مِنَ
ٱلأَعَالِي».

 

إن
ذهن الإنسان محدود، وقلبه عنيد. فكثيراً ما سمع التلاميذ من ربهم وهو معهم بيانه
عن نفسه، من هو، وماذا أتى، وأن عليه أن يموت. ولكن لا يقدر إنسان ما، أن يسمي
المسيح رباً إلا بإنارة الروح القدس. فبقيت قلوب التلاميذ باردة، وأعينهم لم تلمع،
لأنهم غير فاهمين السبب وضرورة موت يسوع وقيامته. أما يسوع فتثبت صبوراً وأعاد
تعليمهم مراراً وتكراراً، لتنتعش في صدروهم مبادئه، حتى ولو كانوا حجراً. وفي
الصدمة التي أصابتهم من ظهوره المفاجئ، اهتزت قلوبهم، وأصغت أذهانهم لكلماته. ففسر
لهم مرة أخرى الواجب الإلهي في موته. وأن قيامته كانت لازمة. هكذا فإنه بعد
اختباراته في الموت والهاوية، وغلبته على القوى الشيطانية، لم يعلم أتباعه أمراً
مستجداً، بل دلهم على الكتب المعروفة المقدسة، التي تنبئهم أنه لا بد من آلامه
وموته وقيامته. وأن تاريخ حياته صار بدقة، كما كان مسجلاً في التوراة. فالناموس
كله صرخ طالباً فادياً مصالحاً الله، لأن ليس أحد يستطيع أن يحفظ الناموس كاملاً.
وكل الأنبياء الأمناء اشتاقوا إلى مخلص يجدد القلوب الضالة الغبية. والملك داود
عظم الآتي بمزاميره، كاشفاً في روح الله تفاصيل تألم المسيح وموته حتى صعوده.
وكذلك نرى أن الروح القدس دل شعب العهد القديم منذ مئات السنين بلا شك ولا ريب،
أنه ينبغي على المخلص الآتي للعالم أن يموت. ووجه هذا الروح أفكار وأذهان المؤمنين
نحو الصليب محوراً للكون كله، كما يتجه عقرب البوصلة دائماً إلى القطب الشمالي
مهما انقلبت البوصلة. وحتى هذا اليوم يقودك الروح القدس بواسطة الناموس والإنجيل
ليس إلى الفلسفة ولا الشرائع أو الطقوس، بل مباشرة إلى شخص يسوع المصلوب والمقام
من بين الأموات الحي.

 

فيسوع
أنار عقول تلاميذه بصبر فائق، ورسم لهم خطة خلاص الله، وفتح لهم كلمة الله
المكتوبة، لأنه لا يقدر إنسان أن يدرك الله من تلقاء نفسه، إلا بالنعمة المسبغة
عليه من ربه. ليتنا ندرك هذا المبدأ في مدارس الأحد والاجتماعات والعبادات في
الكنائس ووسط الدراسة الدينية، فندرك أنه ليست الدروس ولا المواعظ ولا التعاليم
بمستطيعة إنارة مستمعينا، حتى ولو تكلمنا بألسنة الناس والملائكة، إلا إذا فتح روح
الرب مباشرة قلوبهم وغير أذهانهم. فمن يدرك هذا السر في التبشير، يصلي أكثر مما
يتكلم ويلح على الرب، حتى يتدخل سراعاً وعملياً وينزل قوته على المشتاقين إليه،
فيحدث اليوم بيننا إقامة للأموات من الخطايا.

 

وليس
باطلاً ما اختبرناه في الإيمان شخصياً، ولكن حقائق حياة المسيح من المهد إلى اللحد
والقيامة حتى الصعود هي أهم ألف مرة من اختباراتنا الشخصية. فبواسطة هذه الشهادة
ينمو الإيمان مسبباً الحياة الأبدية في المؤمن.

 

ومن
يتعمق في أسرار حياة وموت المسيح يجد أن محبته الإلهية هي السبب العظيم لمجيئه
وصليبه وقيامته. وأكثر من هذا، فإن الله لا يقدر أن يغفر لمن يريد وحيثما يريد.
لأن أفكاراً سطحية لا معقولة مثل هذه عن قدرة الله تجدها في كل الأديان الخالية من
الروح القدس. فقد أدركنا من التوراة والإنجيل أن:

 

1.
إلهنا قدوس. وعدله لا يستطيع أن يترك خطية بلا عقوبة. إن كل خاطئ يستحق الموت
والهلاك. فينبغي على الله لأجل ذاته أن يجازي كل ظلم مرتكب على الأرض.

 

2.
ولكن بما أن الله محبة ويحب الخطاة، فقد فضل أن يموت عوضاً عن أنفسنا لنعيش نحن،
لأن رحمة الله أعظم من عقولنا.

 

3.
ومن المستحيل أن يفني الله نفسه، لكيلا يضمحل كونه. فلهذا السبب انبثق من الله قبل
البداية ابنه وروحه القدوس. فهذه أقانيم ثلاثة لإله واحد تام الوحدانية والمحبة
المقتدرة.

 

4.
فعزم الابن أن يتجسد ويصبح إنساناً، لأنه ليس أحد من البشر، يستطيع السلوك في
القداسة وبلا خطية. فلا يقدر أحد أن يموت كحمل الله عوضاً عن الآخرين، لأننا كلنا
فاسدون إلا المولود من الروح القدس هو قدوس. فالمسيح وحده مستحق أن يموت كحمل
الله. وهو القوي المقتدر في محبته العظيمة، ليرفع ثقل خطايا كل العالم ومات على
الصليب عوضاً عنا.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس يسوعية كاثوليكية عهد قديم سفر أستير 03

 

5.
ولثبات المسيح قدوساً طاهراً، رغم حمله خطايانا لم يستطع الموت أن يغلبه ويقبض
عليه، بل فرض عليه أن يتركه، لأن السليم من الخطايا يعيش أبداً.

 

6.
ولما كمل بر الله هكذا في الصليب، أراد القدوس واقتدر واستلزم عليه أن يغفر لكل
الناس ذنوبهم جميعاً، إن آمنوا بحمل الله ابنه الفريد. ولكن من لا يؤمن بهذه
الذبيحة الإلهية، يرفض ويلعن نعمة الله، ويدين ذاته بنفسه.

 

7.
ولهذا الخلاص الكامل لكل الناس نتيجة وشرط آخر. فمن اختبر غفران الخطايا في إيمانه
بالمسيح ونال الحياة الأبدية، ينبغي عليه أن يخبر بهذه النعمة الآخرين، لأن محبة
الله المنسكبة في قلوبنا هي الدافع في التبشير. فأمر المسيح أخيراً تلاميذه، أن
يبشروا العالم كله، مقوضاً أفقهم اليهودي. فالمصلوب غفر خطايا كل الناس في كل
الأزمنة. فلا ينبغي عليه أن يموت ثانية على الصليب. ولا تعرف الشعوب هذا الامتياز
العظيم. فأصبح من واجبات كل مسيحي صحيح كضرورة من الروح القدس، إن يشهد بطريق
الخلاص في وصف حياة المسيح لإخوانه البشر. وهذه البشارة تسبب في المخاطبين تغيير
الفكر والإيمان بابن الله، وقبول الغفران، وملء الحياة الأبدية فيهم.

 

فهل
أدركت بر الله في المصلوب، وفهمت السبب والدافع في موت المسيح وقيامته؟ فاخبر
أصدقاءك، بأن فادينا حي موزع الغفران مجاناً، لينال كل إنسان الحياة الأبدية
بإيمانه به.

 

الصلاة:
أيها الرب يسوع المسيح، أنت الله إلهي، وحر كأبيك ولكن محبتك دفعتك لتتنازل عن
مجدك، وتنزل إلينا نحن المجرمين. فإطاعة إيمانك علقتك على صليب العار. إنما حياتك
هي أبدية. لذلك قمت لتجرنا إلى حياتك الحقة. فافتح أذهاننا وعقولنا لفرحك، لندرك
سلطان محبتك ونكرس أنفسنا لك أيها المحب جدد ملايين من الضالين. آمين.

 

(48)
وأنتم شهود لذلك. (49) وهأنا أرسل إليكم موعد أبي فأقيموا في مدينة أورشليم إلى أن
تلبسوا قوة من الأعالي.

 

إن
حقيقة الحادثة يستطيع أن يصفها فقط الذي رآها وشاهدها. فلهذا فوض المسيح أتباعه
ليشهدوا للعالم كله بحياته، كيف عاش وتألم ومات وقام من بين الأموات. وهذا
الامتياز كان للجيل المسيحي الأول فقط، لأنهم كانوا شهود عيان لسيرة يسوع.

 

ونحن
شاهدون اليوم لأولئك الشهود، أنهم نقلوا بأمانة ومحبة وقوة وفرح وتضحية، بشرى
شهادتهم إلى الأجيال التالية. فنشكرهم لهذه الخدمة لأنه بدون أناجيلهم ورسائلهم ما
كنا لنحصل على غفران الخطايا ولا على الحياة الأبدية. ونشكر الرب يسوع، لأنه وضع
إنجيله المقدس بكلمات بشرية بسيطة ضعيفة في أفواه تلاميذه. ولكن كلماته الإلهية،
التي نطق بها الرسل، لم تنتقض في أفواههم عن قوتها، بل بقيت مقتدرة كما كانت في
البداية.

 

وعلم
يسوع أنه ليس أحد من تلاميذه، يستطيع تبشير العالم بمهارته الشخصية. بطرس أنكره،
ويهوذا خانه، والآخرون هربوا واستخفوا. والكل لم يؤمنوا بقيامته. فأمرهم أن يبقوا
في أورشليم، حتى يتحقق موعد الآب، بانسكاب الروح القدس في قلوبهم. لقد كانت
أورشليم مكان إكمال الخلاص على الصليب. وبنفس الوقت المكان، الذي ظهر فيه الجسد
الجديد للمقام من بين الأموات كرمز لقيامتنا أيضاً. فالله عين هذه المدينة لتذوق
قبل كل الأمكنة في العالم لذائذ سلطان الروح القدس الممتلئ بالمحبة والفرح
والسلام. وهذه المدينة المدعوة مدينة السلام، ستكون المحل الذي سيأتي إليه يسوع
ثانية إذ سيقف على جبل الزيتون. فلا نتعجب إن جلس قبل هذا المجيء الثاني المسيح
الكذاب في الهيكل المتجدد، ليسجد له كل الناس. ولكن بمجيء المسيح ستتم خطة خلاص
الله في مدينة السلام. وتنبت من هذا المركز أمواج الفداء إلى كل الأمم، وتعود إليه
حامدة شاكرة.

 

وقد
قال المسيح، إنه سيحقق موعد الآب ويرسل الروح القدس. فهذا الروح اللطيف، يأتي من
الآب والابن سواسية، لأنه روح الآب والابن بنفس الوقت. فإن أردت أن تعرف نوعية هذا
الروح الغريب لأرواح البشر، فانظر إلى المسيح، فتعرف من أقواله وتصرفاته جوهر
فعالية هذا الروح القدوس.

 

وشهد
المسيح أن سكبه هذا الروح في أتباعه، يعني تحقيق موعد الآب. وأهم كلمة في هذه
العبارة هي كلمة «الآب» لأنها تشهد أن الله هو آب، الذي يريد بواسطة الانسكاب أن
يولد له أولاد كثيرون. فليس أحد يستطيع الذهاب إلى الله ولا رؤيته، إلا المولود
ثانية بواسطة الروح القدس. وإننا لنقدس اسم أبينا السماوي، إن أعطينا لروحه مكاناً
في قلوبنا، ليقود أجسادنا الفانية إلى المحبة الطاهرة ونتجدد في قوة روحه القدوس
كاملين في التواضع.

 

إن
انسكاب هذا الروح الصالح، الذي هو الله بالذات كان هدف الخلق من الأول. لقد نفخ
الله نسمة في أنف الإنسان وجبله إلى صورة مجده. ولكن الخطية فصلتنا عن الخالق،
وأفسدت صورة محبته فينا. فأصبحنا أنانيين قتلة مبغضين. فلهذا أتى يسوع إلى عالمنا،
ليغلب الخطية في الجسد، ويمحو آثامنا، ويقدسنا إلى التمام، ليزول كل فاصل بيننا وبين
الله. ولم يستطع الروح القدس، أن يأتي إلى العالم كله، قبل أن يكفر يسوع على
الصليب عن خطايانا.

 

ومنذ
هذه المصالحة، لا يوجد مانع ما لإتيان سلطان روح الله، لأن المسيح بررنا ونفس
الروح يقدسنا. فليس موت يسوع هو هدف خلاص الله، بل الوسيلة الفاتحة باب السماء.
فالمسيح مات على الصليب لننال الحياة الأبدية، ونعيش كنفس واحدة في كنيسته
المباركة، وننتظره معاً في مجيئه الثاني.

 

وقد
سمى يسوع الروح القدس قوة وسلطاناً. وهذه القوة تحل في المؤمنين بالمسيح، الذين
كانوا في أنفسهم باطلين. ولكن القوة الإلهية تجعل الجبناء شجعاناً، والأنانيين
محبين، والخطاة قديسين. وهذا الروح القدس لا يخلق فينا خليقة جديدة فقط، بل يلدنا
ثانية إلى الحياة الأبدية. فالله يظهر بانسكاب هذا الروح في المؤمنين قدرته
الخالقة آتياً إلينا بسلطانه، لأن هذا الروح هو الله بالذات، الذي يحل جوهرياً في
أولاده المولودين.

 

الصلاة:
أيها الآب السماوي، نشكرك بواسطة يسوع المسيح ابنك، لأنك منحتنا روحك القدوس،
وبثثته في قلوبنا. افتح أذهاننا وفؤادنا تماماً لقوتك السماوية، لكي نولد ثانية،
متجددين ومقدسين سلوكاً وقولاً وعملاً. لتظهر فضائلك فينا، ونعظم موت ابنك، الذي
أهلّنا لقبول هذا الامتياز العظيم.

 

18-
صعود يسوع (24: 50- 52)

24:
50 وَأَخْرَجَهُمْ خَارِجاً إِلَى بَيْتِ عَنْيَا، وَرَفَعَ يَدَيْهِ
وَبَارَكَهُمْ. 51 وَفِيمَا هُوَ يُبَارِكُهُمُ ٱنْفَرَدَ عَنْهُمْ
وَأُصْعِدَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ. 52 فَسَجَدُوا لَهُ وَرَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ
بِفَرَحٍ عَظِيمٍ، 53 وَكَانُوا كُلَّ حِينٍ فِي ٱلْهَيْكَلِ يُسَبِّحُونَ
وَيُبَارِكُونَ ٱللّٰهَ. آمِينَ.

 

الوداع
مر عادة ومرافق بالدموع. ولكن وداع يسوع لتلاميذه تم بفرح عظيم، لأنهم أدركوا أنه
حي ولن يموت أبداً. هو الألف والياء، البداية والنهاية. فليس الموت هدف الكون بل
المسيح، الذي هو هو أمس واليوم وإلى الأبد.

 

فقاد
يسوع تلاميذه وسط وادي قدرون، ومر بجنينة الخيانة، حيث ناموا لما كان يصلي. وتسلق
معهم جبل الزيتون، نحو بيت عنيا. ولم يقف يسوع ناظراً إلى ورائه، إلى المدينة التي
رفضته، بل رفع يديه وبارك تلاميذه. ونقرأ عن بركة يسوع مرة واحدة في كل العهد
الجديد. وإلى الآن فإن البركة كانت امتيازاً لرئيس الكهنة في العهد الجديد. حيث
كان يطلب بركة الله على الشعب التائب، الذي عاش أمام القدوس تحت رش دم الذبائح.
أما يسوع فأعلن بواسطة عملية البركة، أنه رئيس الكهنة الحق في كل المجد، القائد
شعبه أي الكنيسة إلى التوبة، والذي يرشها بدمه الثمين، ويضع عليها سلطان أبيه.
وكما أن وضع البركة سابقاً عني انسكاب قوة إلهية على المؤمنين، هكذا وضع يسوع قوته
الخاصة في تلاميذه، ومنحهم حياته ومحبته وسلامه الوطيد وفرحه الأكيد. وحتى اليوم فإن
يسوع هو رئيس الكهنة المبارك، لأنه يجلس عن يمين أبيه وينوب عنا ويشفع فينا
ويقدسنا.

 

وإذ
كمل يسوع بركته انتهى عمله على الأرض. فرفعه الله إليه، وأرجع له مجده، الذي كان
عنده قبل نزوله إلى العالم لفدائنا. ولم يختف يسوع على جبل الزيتون عند ارتفاعه
منه إلى السماء كما كان يختفي بعد ظهوره للتلاميذ في اجتماعاتهم، أثناء مكوثه على
الأرض في الأيام الأربعين بين قيامته وصعوده، بل قد رفع وأصعد في السماء علانية
أمام أنظار تلاميذه رمزاً لرجوعه إلى الله أبيه. فعنده يجلس اليوم عن يمينه ويضع
بركته باستمرار على كنيسته، لأنه حي ويملك مع الآب والروح القدس إلهاً واحداً إلى
أبد الآبدين.

 

وأدرك
التلاميذ شيئاً من فرح السماء، الذي تعاظم عند وصول الابن إلى الآب وقبوله إياه
لديه. فالمخلوقات سجدوا والملائكة حمدوا الله الواحد في ثالوثه الأقدس حمداً
كبيراً. واشترك التلاميذ على الأرض في فرح السماوات هذا، إذ أن المسيحية كلها
مبنية على الفرح الطاهر. فهل تعلم أن فرح الرب هو قوتنا المشجعة ومسرته المستمرة
تعزيتنا؟

 

وعاد
التلاميذ فرحين إلى أورشليم القاتلة ورتلوا ترانيم الشكر والحمد. ورجعوا من نفس
الطريق التي مشوها، بدخولهم مع المسيح من قبل إلى أورشليم، لما ركب ربهم حماراً
فاتحاً العاصمة لنفسه.

 

فهؤلاء
الشهود لقيامة المسيح وصعوده في عودتهم الأخيرة، عظموا عظائم المقام من بين
الأموات، الذي فدى العالم كله على الصليب. فقد ابتدأ عصر جديد من أورشليم باثاً
السلام إلى الأمم جميعها.

 

ولم
يرجع الرسل إلى بيوتهم بل ذهبوا مباشرة إلى دور الهيكل، وصلوا معاً بهدوء وعظموا
الله وسبحوا محبته وأعلنوا خلاصه. فالمسيحي الحق هو مصل وشاكر وحامد، لأنه قد أكمل
الخلاص. هل تجتمع بزملائك للشكر والحمد، لأجل الحياة الجديدة الموهوبة لكم؟ وهل
تفرحون معاً لأجل الرجاء المجيد المهيأ لنا في المسيح؟ اطلب شركة الشاكرين، لكي
تطير نفسك سابحة في الحمد والسجود.

 

ولربما
تقول لماذا نشكر؟ فندلك على الاسم الأخير في إنجيل لوقا «الله». اشكره لكيانه
ووجوده. وسلم نفسك نهائياً وأبداً، لأن يسوع قد أعلن لنا من هو الله. فهذا الاسم
يشبه الورقة الشفافة التي تخفي حقيقة مجد الآب والابن والروح القدس. الإنسان
الطبيعي لا يعرف من هو الله. إنه يشعر بوجوده كقوة عظيمة خالقة وضامنة الكل. ولكن
هل أدركت بواسطة قراءة إنجيل لوقا من هو الله؟ وهل حصلت على معرفة جوهره؟ إن
المسيح أعلن لنا محبة أبيه ووهبنا نعمته، وثبتنا في شركة الروح القدس. فمن يعرف
الله، يعترف بوحدة الثالوث الأقدس، ويسجد له طيلة حياته إلى الأبد.

 

وهل
تعرف معنى كلمة «آمين» إنها تقول لك إن كل ما قرأته وصليته وأدركته وآمنت وشهدت به
من هذا الإنجيل، فهو حق ويقين، لأن الله الآب والابن والروح القدس يكفل ممارسة كل
وعوده لآخر درجة، ولا ينقص شيئاً من إتمام وعوده. هل تقول «أمين» مؤمناً برسالة
إنجيل لوقا؟ فتعيش إلى الأبد محفوظاً سليماً؟ ومن يحيا يسبح الرب يسوع. ومن يمجده
ينتظر رجوعه بالترقب. ليغلب ملكوته معارضيه، هذا الملكوت الذي ابتدئ اليوم في
المؤمنين، الذي يحملون صليبه، ويمشون في كل طرق وأنحاء الشعوب، مقدمين الخلاص
والسلام مجاناً في هذه الفترة الوجيزة الباقية للبشر، باسم الرب يسوع المسيح مخلص
العالم.

 

الصلاة:
ايها الآب نشكرك لأن ابنك أعلن لنا اسمك الجوهري، وروحك القدوس ملء قلوبنا، فنعظمك
ونفرح بك مع كل القديسين المؤمنين، لأنك فديتنا ونقلتنا إلى ملكوت محبة ابنك.
فنطلب إليك من كل قلوبنا خلاص كثيرين من الناس في محيطنا، لكي يشتركوا معنا في
حمدك ونشر ملكوتك الأبوي. آمين.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي