الإصحَاحُ
السَّابعُ

 

شفاء
عبد قائد المئة

لو
7 : 1-10 "ولما أكمل أقواله كلها في مسامع الشعب، دخل كفر ناحوم وكان عبد
لقائد المئة مريضاً مشرفاً على الموت، وكان عزيزاً عنده. فلما جاءوا الى يسوع
طلبوا اليه باجتهاد قائلين انه مستحق ان يفعل له هذا، لأنه يحب أمتنا وهو بنى لنا
المجمع. فذهب يسوع معهم. واذ كان غير بعيد عن البيت أرسل اليه قائد المئة اصدقاء
يقول له يا سيد لا تتعجب لأني لست مستحقاً ان تدخل تحت سقفي. لذلك لم أحسب نفسي
أهلاً أن آتي اليك لكن قل كلمة فيبرأ غلامي. لأني أنا أيضاً انسان مرتب تحت سلطان.
لي جند تحت يدي أقول لهذا أذهب فيذهب ولآخر إئت فيأتي ولعبدي افعل هذا فيفعل. ولما
سمع يسوع تعجب منه والتفت الى الجمع الذي يتبعه وقال أقول لكم لم أجد ولا في
اسرائيل ايماناً بمقدار هذا. ورجع المرسلون الى البيت فوجدوا العبد المريض قد
صح".

          ان
الانجيل الحكيم يملأ عقولنا بدروس مقدسة ويسعى ان يلقي ضوءاً كثيراً على ما يثبت
ايماننا، فان هذا هو موضوع اخباره التي يبشرنا بها بخصوص المسيح. ولذلك فانه
بطريقة مناسبة جداً نراه في إحدى المرات يقدم المسيح وهو يعلم الرسل القديسين
أموراً أعلى من الخدمة التي يفرضها الناموس، ويوضح لهم طريقاً جديداً عن التصرف
الذي يليق بالقديسين والذي لم يسلكه القدماء. وفي مرة أخرى يعرض لنا بطريقة جميلة
جداً اظهار قوته الالهية لكي يعرف بكل طريقة ان كلمة الآب الوحيد هو الله نفسه رغم
انه صار جسداً، أي صار انساناً – ويحمل كل الأشياء بكلمة قدرته" (انظر عب 1 :
3) – ويتبرهن لنا ذلك من فحص ما هو مكتوب عنه.

          وحينما
أشبع الرسل القديسين بالتعاليم الكاملة جداً، ووضع أمامهم مائدة من الوصايا
الانجيلية ومزج لهم الخمر التي تفرح قلب الانسان، وأخبرهم بوضوح تام عن الوسائل
التي ينتصرون بها ويصيرون مستحقين للمديح، فانه بعد ذلك ينحدر الى كفر ناحوم.
وهناك ايضاً يعمل عملاً عظيماً وعجيباً، جديراً بعظمة جلاله. هناك تحرك مسرح مجيد
باندهاش عظيم. وكان المتفرجون فيه هم الملائكة والناس. لأن بينما اسرائيل ينال
توبيخاً وهو لا يفهم كما أنه غير مستعد للايمان نجد جمع الوثنيين مستعداً عموماً للفهم
والايمان حتى أننا نرى المسيح يرفض بعدل عبده اسرائيل بينما هو يقبل ويكرم ويكلل
بنعمته اولئك الذين منذ القديم عبدوا المخلوق دون الخالق، الذين كانوا في الكآبة
والظلمة وليست لهم معرفة الله، وأحنوا رقبة ذهنهم المستعبد الى شر الشياطين.

          اذن
فما هو الذي حدث، أو ماذا كانت المعجزة؟ كان هناك رجل تقي متميزاً بسمو سلوكه،
وكان قائداً لمائة من الجنود. وكان ساكناً في وسط شعب كفر ناحوم وكان له عبد مخلص
قد سقط مريضاً. وكما لو كان قد وصل الى أبواب الموت وكل المظاهر تبين أنه كان الآن
قرب النفس الأخير. وكان هذا العبد عزيزاً عنده، حتى أنه حزن حزناً شديداً. فأي
علاج اذن يمكن ان يجده لما حدث، او أية مساعدة يستطيع ان يحصل عليها لذاك الذي
يرقد مريضاً؟ يقول الانجيل، انه سمع عن أمور يسوع، وهكذا يرسل اليه ويطلب منه كمن
يطلب من الله أموراً تفوق طبيعة الانسان وقدرته لأنه يطلب ان ذلك العبد الملقى
مطروحاً في المرحلة الأخيرة من المرض، ينقذ من رباطات الموت. ومن أين اذن عرف
يسوع، وهو لم يكن بعد في عداد الذين آمنوا به؟ لأنه حتى ذلك الوقت كان واحداً من
الجماهير التي تسير في الضلال. ويقول الانجيل انه سمع الأمور الخاصة بيسوع. وحيث
انه بالتأكيد لم يسمع تعليمه الشخصي بالمرة ولا عرف كتابات موسى، ولا بحث في الكتب
الالهية، فانه يمكن ان يكون قد وصل الى الايمان به فقط من مجرد سماعه ما يشاع عنه.
ولكنه اذ كان متيقناً تماماً أنه بمجرد فعل ارادته يستطيع ان يتمم ما سأله منه
فانه يرسل مندوبين عنه من شيوخ اليهود.

          وعند
وصولهم الى يسوع قدموا له طلبهم قائلين "انه مستحق ان يفعل له هذا" يا
لهذا الأمر العجيب! فان أولئك الذين يشتمون مجد المسيح يسألونه ان يصنع آية! أولئك
الذين رفضوا ان يؤمنوا به يسألونه ان يعرض أمام الناس الذين لم يؤمنوا بعد، يعرض
أمامهم أعمالاً تقود الى الايمان. أخبرني بأي صفة تقترب بطلبك، هل أنت تعرف وتؤمن
أنه يستطيع ان يعمل اشياء هي خاصة بالله؟ هل أنت مقتنع تماماً أنه أمر يخص الجوهر
الفائق، الذي هو فوق الكل (الله) انه يستطيع ان يحيي، وان يخلص الناس من فخاخ
الموت؟ ان كان كذلك فكيف تقول حينما ترى يسوع يصنع المعجزات، "هذا الانسان
يخرج الشياطين ببعلزبول رئيس الشياطين" (مت 12 : 24) وحينما شفى ذلك الرجل
الاعمى من بطن امة بأعجوبة وحصل علي النور قلتم له "أعط مجدا لله نحن نعلم ان
هذا الانسان خاطى" (يو 9 : 24) فهل أنت اذن تسأل هذا الخاطئ كما تسمية أن
يعمل عملا الهيا؟ أليس هذا جنونا وغباوه تامة؟ الا يكون أولئك الذين لم يكونوا قد
أمنوا حتي الآن أفضل من أولئك الذين قد تعلموا من الناموس والأنبياء؟

أتريد
أن ترى الحقيقة وأن هذا هو واقع الحال فعلا لاحظ ما يأتي : بدأ المخلص الآن يسير
فى طريقة الى العبد المريض لكى يشفية؛ ولكن قائد المئة أرسل الية يقول؛
"لاتتعب نفسك؛ بل قل كلمة فيبرأ غلامي" لاحظوا اذن أن شيوخ اليهود هؤلاء
توسلوا الى يسوع ان يذهب الى بيت الذى طلب مساعدته؛ على اعتبار أنة لايوجد طريقة
أخرى لاقامة الذي كان مريضاً الا بالذهاب الى جواره – بينما الآخر؛ أي قائد المئة
آمن أنه يستطيع أن يفعل ذلك حتى من مسافة بعيدة؛ وأن يتمم الشفاء لمجرد ميل
ارادته. أنة طلب الكلمة المخٍلصة والموافقة الحبية والنطق الكلي القدرة ولذلك
فبعدل نال عبارة فائقة الجدارة لأن يسوع قال، "الحق أقول لكم أني لم أجد ولا
فى اسرائيل ايمانا عظيما كهذا" اذن فالبرهان والتوضيح يأتي فى الحال مما قد
قلناه الآن. وشفي فى نفس تلك الساعة ذلك قبل قليل كان فريسة للموت لأن الذي أراد
ابطال ما كان حادثا هو الله.

          وكما
قلت فى بداية هذا الحديث فان اسرائيل سقط من علاقتة مع الله، وبدلاً منة دعا الله
الأمم وأدخلوا، لأن لهم قلب أكثر استعداداً للايمان به. وهو الأمر المطلوب عن حق.
وعن هذا يشهد لنا المرنم الالهي ايضاً حيث يقول عنهم مرة : "تميل اذنك بسبب
استعداد قلبهم" (مز 9 : 17 سبعينية). وفي موضع آخر يقول "كثرت امراضهم
وبعد ذلك مضوا بسرعة" (مز 15 : 4 سبعينية) لأن كثيرة هي الخطايا المنسوبة
لهم، والتي يعطيها بلطف اسم امراض، لأنهم كانوا تائهين في الضلال ومذنبين بجرائم
رديئة ليس بطريقة واحدة بل بطرق كثيرة. ولكنهم مضوا بسرعة الى الايمان، أي لم
يكونوا مبطئين في قبول أوامر المسيح، بل بكل استعداد قبلوا الايمان. ولذلك امسكوا
في شبكة المسيح. هو يعلمهم، حيث يقول بواسطة أحد الأنبياء القديسين" لأجل هذا
انتظروني يقول الرب الى يوم أقوم لأشهد، لأن حكمي هو لجماعات الأمم" (صف 3 :
8 سبعينية). لأنه حينما قام المسيح من الموت، منح لأولئك الذين كانوا في الضلال
ذلك الحكم الذي هو لأجل سعادتهم وخلاصهم. فقد أمر الرسل القديسين قائلاً
"اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس وعلموهم
ان يحفظوا جميع ما أوصيتكم به" (مت 28 : 19).

          لذلك
فبالقرار المقدس والحكيم العادل لمخلصنا جميعاً المسيح، أكرم الأمم، ولكننا نرى
اسرائيل مرفوضاً من محبته وعطفه. لأن ما هو الذي يقوله رئيس رعاة الجميع لهم
بواسطة أحد الأنبياء القديسين؟ "قد أعلنت يقول الرب أني لا أرعاكم، من يمت
فليمت، ومن يضعف فليضعف والبقية فليأكل بعضها لحم بعض" (زك 11 : 9). وايضاً
"الله قد رفضهم لأنهم لم يسمعوا له فيكونون تائهين بين الأمم" (هو 9 :
17) وايضاً بصوت حزقيال النبي "هكذا يقول الرب : اني سأبددهم بين الأمم
وأذريهم في الأراضي كلها" (حز 12 : 15). وخذوا النتيجة الواقعية للأمور
لاقناعكم وللايمان بما هو مكتوب هنا. لأنهم متشردون وغرباء في كل أرض ومدينة، وهم
لا يحفظون العبادة المرسومة من الناموس في نقاوتها ولا يخضعون ليقبلوا مجد وسمو
الحياة الانجيلية، بينما نحن الذين قد قبلنا الايمان فاننا مواطنون مع القديسين
وندعى أبناء اورشليم العليا في السماء، بنعمة الله التي تكللنا. ونحن نؤكد انه هو
(المسيح) تكميل الناموس والأنبياء، ونعترف بمجده. ونعجب به في صنعه للمعجزات، الذي
به وله مع الله الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس الى دهر الدهور آمين.

 

إقامة
ابن أرملة نايين

لو
7 : 11-17 "وفي اليوم التالي ذهب الى مدينة تدعى نايين، وذهب معه كثيرون من
تلاميذه، وجمع كثير. فلما اقترب الى باب المدينة، اذا ميت محمول ابن وحيد لأمه،
وهي أرملة ومعها جمع كثير من المدينة. فلما رآها الرب تحنن عليها وقال لها لا
تبكي. ثم تقدم ولمس النعش فوقف الحاملون. فقال ايها الشاب لك أقول قم. فجلس الميت
وابتدأ يتكلم فدفعه الى أمه. فأخذ الجميع خوف ومجدوا الله قائلين قد قام فينا نبي
عظيم وافتقد الله شعبه. وخرج هذا الخبر عنه في كل اليهودية وفي جميع الكورة
المحيطة".

          لاحظوا
كيف يضيف معجزة الى معجزة، ففي المعجزة السابقة، وهي شفاء عبد قائد المئة حضر هناك
بناء على دعوة، أما في هذه المعجزة فانه يقترب بدون ان يدعى. اذ لم يدعوه، أحد ان
يعيد الانسان الميت الى الحياة، بل هو يأتي ليفعل هذا من تلقاء نفسه. ويبدو لي أنه
قصد ان يصنع هذه المعجزة بعد المعجزة السابقة. لأنه ليس أمراً بعيد الاحتمال ان
نفترض انه في وقت أو آخر يمكن ان يقول أحد معارضاً مجد المخلص هكذا : "أية
أعجوبة حدثت في حالة عبد قائد المئة؟ فرغم انه كان مريضاً فهو لم يكن في خطر الموت
رغم ان الانجيلي كتب ذلك مشكلاً على أساس ما يرضي وليس على أساس ما هو
حقيقي". لذلك فلكي يوقف اللسان الرديء لمثل هؤلاء المهاجمين يقول الانجيل ان
المسيح قابل الشاب الميت الابن الوحيد للأرملة. انها كارثة مثيرة للشفقة، وتستطيع
ان تثير الرثاء وتجعل دموع الانسان تفيض. فكانت المرأة ومعها كثيرون تتبع الميت
مذهولة بمحنتها، وخائرة.

          كان
الانسان الميت في طريقه للدفن وكان اصدقاء كثيرون يشيعونه الى قبره. ولكن هناك
يقابله الحياة والقيامة واعني المسيح نفسه، لأنه هو محطم الموت والفساد. هو الذي
"به نحيا ونتحرك ونوجد" (أع 17 : 28). هو الذي أعاد طبيعة الانسان الى
ما كانت عليه أصلاً. فهو الذي حرر جسدنا المشحون بالموت من رباطات الموت. لقد تحنن
على المرأة، ولكي يوقف دموعها أمر قائلاً "لا تبكي". وفي الحال أبطل سبب
بكائها، كيف وبأية وسيلة؟ انه لمس النعش وبواسطة نطق كلمته الالهية جعل الذي يرقد
ميتاً في النعش يعود الى الحياة، لأنه قال "أيها الشاب لك أقول قم"، وفي
الحال حدث ما أمر به. فان تحقيق ما حدث كان ينتظر كلماته. ويقول الانجيل
"فجلس الميت وبدأ يتكلم فدفعه الى أمه".

          أرجو
ان تلاحظوا هنا أيضاً دقة التعبير لأن الانجيلي الالهي لا يقول فقط ان الانسان
الميت جلس لئلا يهاجم احد المعجزة بمناقشات زائفة "أي اعجوبة هنا ان كان
بواسطة حيلة بارعة او أخرى يجعل الجسد يجلس لأنه لم يتبرهن بعد انه حي او تحرر من
رباطات الموت". لهذا السبب فالانجيلي يسجل بمهارة برهانين واحداً بعد الآخر
كافيين للاقناع ان الشاب قام بالحقيقة وعاد للحياة فيقول "فبدأ يتكلم" –
والجسد الغير حي لا يستطيع الكلام. وايضاً "دفعه الى أمه" ولكن بالتأكيد
فان المرأة لم تكن لتأخذ ابنها الى بيتها لو كان ميتاً.

          لذلك
فأولئك الأشخاص الذين اعيدوا الى الحياة بقوة المسيح نتخذهم كعربون للرجاء المعد
لنا بقيامة الأموات. وهؤلاء كانوا هم : هذا الشاب ابن الأرملة، ولعازر الذي من بيت
عنيا وابنة رئيس المجمع. وهذه الحقيقة سبق ان بشر بها جماعة الأنبياء القديسين،
لأن أشعياء المبارك يقول "الموتى سيقومون، وأولئك الذين في القبور سيعودون
الى الحياة، لأن الطل الذي منك يشفيهم" (اش 26 : 19 سبعينية). لأنه يقصد
بالطل فاعلية المسيح المعطية للحياة، التي هي بواسطة الروح القدس. والمرنم يشهد
متكلماً بخصوصهم بكلمات موجهة الى الله مخلصنا جميعاً قائلاً : "تحجب وجهك
فترتاع.. والى ترابها تعود، ترسل روحك فتخلق، وتجدد وجه الأرض" (مز 104 : 29
و30). لأنه بمعصية آدم صارت وجوهنا محجوبة عن الله وصرنا نعود الى التراب. لأن
قصاص الله على الطبيعة البشرية هو "لأنك تراب والى التراب تعود" (تك 3 :
19)، ولكن في نهاية هذا العالم فان وجه الأرض سيتجدد، لأن الله الآب بالابن في
الروح سوف يعطي حياة لكل أولئك الراقدين في داخلها.

          ان
الموت هو الذي أتى بالناس الى الشيخوخة والاضمحلال. لذلك فالموت كما لو كان قد
صيرنا شيوخاً وجعلنا نضمحل، لأن "ما عتق وشاخ فهو قريب من الاضمحلال"
كما يقول الكتاب (عب 8 : 13). ولكن المسيح يجدد لأنه هو الحياة. فان ذاك الذي خلق
في البداية يستطيع ايضاً ان يجدد الى عدم الفساد والحياة. لأنه يمكن ان نؤكد ان
هذا هو عمل نفس الطاقة والقوة ان يفعل الأمرين الواحد والآخر (أي الخلق والتجديد)،
لذلك فكما يقول اشعياء النبي "ابتلع الموت اذ هو مقتدر" (اش 25 : 8
سبعينية). وايضاً "الرب يمسح كل الدموع عن كل الوجوه. هو ينزع عار الشعب عن
كل الأرض". ويقصد بعار الشعب الخطية التي تلحق الخزي بالنار وتفسدهم، والتي
ستباد هي والهلاك، وسيتلاشى الحزن والموت، وتكف الدموع التي تذرف بسببه.

          لذلك
لا تكونوا غير مصدقين لإقامة الموتى، لأنه منذ زمن بعيد تمم المسيح هذا في وسطنا
بجلال الهي. ولا تدعوا احداً يقول ان من أقام اثنين مثلاً او ثلاثة لا يكون كافياً
ايضاً لحياتنا جميعاً. مثل هذه الكلمات التي تفوح منها رائحة الجهل المطلق هي
كلمات سخيفة مضحكة، بل هو صواب بالحري ان نفهم ان المسيح هو الحياة ومعطي الحياة
بالطبيعة. وكيف يمكن ان تكون الحياة بالطبيعة. وكيف يمكن الحياة غير كافية لجعل
الجميع احياء. انه يكون نفس الشيء ان يقال بغباوة شديدة، ان النور ايضاً يكفي فقط
لاضاءة اشياء صغيرة وليس لاضاءة الكون كله.

          لذلك
فهو أقام ذاك الذي كان ذاهباً الى قبره. وطريقة اقامته كانت واضحة لأن الانجيلي
يقول "لمس النعش وقال : أيها الشاب لك أقول قم". ومع ذلك فكيف لم تكن
كلمة منه كافية لاقامة الشاب الذي كان راقداً في النعش. لأن أي شيء يكون صعباً او
يعسر تحقيقه امام كلمته؟ فما هو أكثر من كلمة الله؟ فلماذا اذن لم يتمم المعجزة
بكلمة فقط؟ يا أحبائي انه فعل هذا لكي تعرفوا ان جسد المسيح المقدس فيه فاعلية
وقوة لخلاص الانسان. لأن جسد الكلمة القدير هو جسد الحياة، وقد اكتسى بقدرته. بل
لاحظوا كيف ان الحديد حينما يدخل في النار ينتج تأثيرات النار ويحقق وظائفها. هكذا
ايضاً لأن الجسد صار جسد الكلمة الذي يعطي الحياة للكل، لذلك صار له ايضاً قوة
اعطاء الحياة. وهو يلاشي تأثير الموت والاضمحلال.

          ليت
ربنا يسوع المسيح يلمسنا ايضاً وهو اذ يخلصنا من الأعمال الشريرة ومن الشهوات
الجسدية فانه يوحدنا مع جماعات القديسين لأنه هو معطي كل صلاح الذي به وله الله
الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس الى دهر الدهور آمين.

 

أنت
هو الآتي أم ننتظر آخر؟

لو
7 : 17-21 "وخرج هذا الخبر عنه في كل اليهودية وفي جميع الكورة المحيطة.
فأخبر يوحنا تلاميذه بهذا كله. فدعا يوحنا اثنين من تلاميذه وأرسلهم الى يسوع
قائلاً، أنت هو الآتي أم ننتظر آخر؟ فلما جاء الرجلان قالا، يوحنا المعمدان قد
أرسلنا اليك قائلاً أنت الآتي أم ننتظر آخر وفي تلك الساعة شفى كثيرين من أمراض
وأدواء وأرواح شريرة ووهب البصر لعميان كثيرين. فأجاب يسوع وقال لهما اذهبا واخبرا
يوحنا بما رأيتما وسمعتما. ان العمي يبصرون والعرج يمشون والبرص يطهرون والصم
يسمعون والموتى يقومون والمساكين يبشرون. وطوبى لمن لا يعثر فيَّ".

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كتاب الحياة عهد جديد رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس 07

          في
هذه الفرصة ايضاً، فإن الكلمة التي ستوجه اليكم والبحث في التعاليم المقدسة لا
يمكن الا ان يكونا بكل تأكيد لمنفعتكم. تعالوا اذن لكي نشترك مع الملائكة القديسين
في تسبيح مخلص الكل، لأنه يعبد كما في السماء، كذلك ايضاً على الأرض، وله
"ستجثو كل ركبة" كما هو مكتوب (في 2 : 10). لذلك فليكن معروفاً للناس في
كل مكان ان الرب هو الله، وحتى رغم انه ظهر في هيئة مماثلة لنا، الا أنه قد أعطانا
الاشارات التي تدل على قوته الالهية وجلاله في مناسبات كثيرة وبطرق متعددة، وذلك
بشفائه للأمراض وطرده للأرواح النجسة، وبمنحه البصر للعميان، وأخيراً حتى بطرده
الموت نفسه من أجساد البشر – الموت الذي تسلط بقسوة وبدون رحمة من آدم الى موسى
حسب تعبير بولس الالهي (رو 5 : 14).

          قام
ابن الأرملة في نايين بطريقة عجيبة وغير متوقعة، والمعجزة صارت معروفة لكل واحد في
اليهودية كلها وانتشرت في كل مكان كآية الهية، وكان الاعجاب به (أي يسوع) على كل
لسان. وبعض من أصدقائه الحميمين، أي تلاميذه أخبروا بها ايضاً المعمدان المبارك،
فاختار المعمدان اثنين من تلاميذه وأرسلهما الى يسوع ليسألوه ان كان هو الآتي أم
ينبغي ان ينتظروا غيره. ماذا فعلت أيها المعمدان الرائع! ألا تعرف ذلك الذي كرزت
عنه اذ كنت أنت نفسك سابقاً لظهوره، كما تسبق نجمة الصبح وتعلن عن الشمس الآتية؟
لقد ذهبت أمامه مثل مصباح. وأنت أشرت للرسل القديسين عنه قائلاً بكل وضوح
"هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" (يو 1 : 29). وفي موضع آخر ايضاً
نسمعك تقول لجموع اليهود "يأتي بعدي رجل صار قدامي لأنه كان قبلي. وأنا لم
أكن أعرفه، ولكن الذي أرسلني لأعمد ذاك قال لي الذي ترى الروح القدس نازلاً
ومستقراً عليه فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس. وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن
الله" (يو 1 : 30 و33 و34). فكيف اذن تسأل إن كان هو الآتي؟ اذ أنك أنت قد
قلت "أنا رأيت وشهدت انه ابن الله" ولكن المعمدان المبارك لم يفشل في ان
يعرف كلمة الله الذي صار انساناً. لا تتصوروا هذا، فقد كان مقتنعاً تماماً وبكل
وضوح أنه هو الآتي، ولكن ما فعله كان أمراً حكيماً ومخططاً تخطيطاً جيداً ومناسب
بدرجة كبيرة لمنفعة تلاميذه. فلأن تلاميذ يوحنا لم يكونوا قد عرفوا المسيح بعد، اذ
ان مجده وجلاله الفائق كان مخفياً عنهم، قد صدموا عندما رأوه يصنع المعجزات ويتفوق
على المعمدان في عظمة الأعمال التي يقوم بها. فانهم في إحدى المرات اقتربوا من
يوحنا المعمدان وهم يحملون حسداً وغيظاً في قلوبهم. وكان قلبهم لا يزال يحتاج ان
يتحرر من الأمراض اليهودية، وقالوا للمعمدان المبارك عن المسيح مخلص الكل :
"يا معلم هوذا الذي كان معك في عبر الأردن الذي أنت قد شهدت له، هو يعمد
والجميع يأتون اليه" (يو 3 : 26). لأنكم لم يكونوا يريدون لأحد آخر ان يعمد
بالمرة ويعلو على كرامة يوحنا المعمدان. ومع ذلك فقد عرفوا من يوحنا عن علو مجد
المسيح وعظمة بهائه التي لا تقارن لأنهم سمعوه يجيبهم هكذا "أنتم أنفسكم
تشهدون لي أني قلت لست أنا المسيح، بل اني مرسل أمامه. من له العروس فهو العريس،
وأما صديق العريس الذي يقف ويسمعه فيفرح فرحاً من أجل صوت العريس. اذن فرحي هذا قد
كمل ينبغي ان ذلك يزيد وأني أنا أنقص" (يو 3 : 28-30).

          ومع
ذلك فنحن لا نقول ان المعمدان المبارك نقص في الكرامة في الوقت الذي كان فيه مجد
المسيح يزداد باستمرار من قبل أولئك الذين آمنوا به.. ولكن بسبب ان المعمدان
المبارك استمر محصوراً في حدود الطبيعة البشرية – لأنه لم يكن ممكناً له أن يتقدم
أكثر من هذه الحدود – أما الكلمة المتجسد اذ هو بطبيعة الله ومولود من الله الآب
بطريقة تفوق الفهم، فانه كان يزداد باستمرار الى مستوى المجرد اللائق به. وكان
الناس يتعجبون منه. ولهذا السبب قيل "ينبغي ان ذاك يزيد واني انا انقص".
لأن من يظل في نفس حالته يبدو كأنه ينقص بالمقارنة بذلك الذي يتقدم في المجد باستمرار.
ولأنه كان من الصواب ان الذي كان بالطبيعة الله ينبغي ان يتفوق في القدرة والمجد
على كل ما هو بشري، لذلك شرح لهم المعمدان قائلاً "الذي يأتي من فوق هو فوق
الجميع، والذي من الأرض هو أرضي ومن الأرض يتكلم" (يو 3 : 31). فمن هو الذي
يأتي من فوق وهو فوق الجميع لأنه هو الله؟ واضح ان المقصود هو كلمة الاب الوحيد
الذي كان مماثلاً له ومساوياً له ولكنه بسبب محبته للعالم وضع نفسه ونزل الى
حالتنا. لذلك اذ هو هكذا فينبغي ان يتفوق بالضرورة على ذلك الذي من الأرض والذي هو
معدود كواحد من بين الأشياء التي من الأرض، وهو مثلنا في الطبيعة. هكذا كان
المعمدان. فانه كان مستحقاً للمديح في فضيلته، وعظيماً جداً في تقواه، وقد وصل الى
كمال كل بر، وكان مكرماً وجديراً بالاعجاب، لأن الرب شهد له قائلاً "لم يقم
بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان" (مت 11 : 11) ولكنه لم يكن
من فوق – وأنا أعني انه ليس من الجوهر الذي يفوق الكل، بل بالحري كان من أسفل.
مولود من الأرض كواحد منا.

          والآن
لكي نعود من هذا الاستطراد نقول لأن قلبهم لم يكن حراً من الأمراض اليهودية، فانهم
يخبرون المعمدان المبارك عن المعجزات الالهية التي صنعها المخلص. وهو اذ كان يعرف
من هو ذلك الذي فعل هذه المعجزات وانه ممجد بالحق في ذاته، وان مجد المخلص ينتشر
في كل مكان. ولأنه يريد ان ينشئ ايماناً راسخاً به في قلوب اولئك الذين لا يزالون
يعرجون ولم يكونوا مقتنعين بعد انه المسيح، لذلك فانه يتخذ مظهر الجهل ويرسل اليه
تلاميذه ليسأله قائلاً "انت هو الآتي أم ننتظر آخر".

          ولكن
ربما يقول البعض ان هناك اناساً يفكرون اننا ينبغي ان نفهم شيئاً من هذا النوع كما
يأتي : ان المعمدان كان مزمعاً ان يموت بواسطة هيرودس قبل ان يتم صلب المسيح، وكان
سيسبق المسيح في موته كسابق ويصل قبله الى الهاوية، لذلك فهو يسأل ان كان سيأتي
هناك ايضاً لكي يفدي الذين في الظلمة، في ظل الموت والمربوطين برباطاته. ولكن هذا
الرأي ينبغي ان يرفض تماماً لأننا لا نجد في أي مكان في الكتاب الموحى به من الله
ان المعمدان الالهي بشر مقدماً بمجيء المخلص للأرواح التي في الهاوية كما اننا
يمكن ان نقول بحق، انه كما عرف المعمدان مرة واحدة تأثير تدبير تجسد الابن الوحيد،
فانه يكون قد عرف ايضاً بالاضافة لأشياء أخرى، انه سوف يفدي اولئك الذين في
الهاوية. وسوف يضيء عليهم اذ انه "يذوق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد كما
يقول بولس" (عب 2 : 9) حتى انه "يسود على الأحياء والأموات" (رو 14
: 9).

          فماذا
يريد ان يفهم بسؤاله : "انت هو الآتي أم ننتظر آخر؟" لقد قلت، انه يتخذ
الجهل عن قصد، ليس لكي يتعلم هو – اذ انه كسابق كان قد عرف السر – وانما لكي يقتنع
تلاميذه بمقدار عظمة المخلص ورفعته، وانه كما اعلن الكتاب الموحى به قبل ذلك، هو
الله، وانه هو الرب الذي كان مزمعاً ان يأتي. أما كل الباقين فكانوا عبيداً ارسلوا
قبل مجيء سيدهم كسابقين لذلك الذي هو فوق الكل، ومعدين طريق الرب كما هو مكتوب.
لذلك فالأنبياء القديسون، يدعون المخلص ورب الكل بلقب "الآتي". لأن داود
النبي يقول في أحد المزامير "مبارك الآتي باسم الرب" (مز 118 : 26)
وماذا يعني تعبير "باسم الرب"؟ انه يعني بمجد الهي، وبربوبية، وبكل جلال
فائق. وهذا ايضاً أوضحه مرة أخرى في الآية التي تليها اذ يقول "الرب هو الله
وقد أنار لنا" (مز 118 : 27). لأن موسى قد جاء، وظهر في وقته وبواسطته أعطى
الناموس للاسرائيليين، وبعده جاء يشوع بن نون الذي قاد الشعب، وبعد ذلك جاء
الأنبياء المباركون على التوالي. لقد كانوا بالحقيقة أناساً قديسين ومكرمين جداً،
وكانوا مشحونين ومزودين ببهاء روحي فائق. ولكن ولا واحد فيهم أنار على سكان الأرض
باسم الرب، بالمجد الذي هو خاص باللاهوت والسيادة الالهية. أما كلمة الله الوحيد
فقط أنار علينا لكونه في طبيعته وبالحقيقة الله والرب. وهكذا أسماه الآب بواسطة
حبقوق النبي قائلاً "بعد قليل سيأتي الآتي ولا يبطئ" (حب 2 : 3
سبعينية). وأيضاً بواسطة نبي آخر يتكلم كلمة الله الوحيد قائلاً "ترنمي
وافرحي يا بنت صهيون لأني ها أنذا آتي وأسكن في وسطك يقول الرب. "وتحتمي أمم
كثيرة بالرب في ذلك اليوم وأنا أكون لهم الهاً وهم يكونون لي شعباً" (زك 2 :
10 و11 سبعينية). ويمكن ان نرى من الحقائق الفعلية ان هذا قد تم فعلاً لأن جماهير
من الأمم قد أمسكت في الشبكة، والمسيح صار الههم وهم صاروا له شعباً.

          فالمعمدان
الالهي اذ قد عرف من الكتاب الموحى به اسم "الآتي" فانه أرسل بعض
اصدقائه ليسأل : ان كان هو الآتي..؟ والمسيح اذ بالطبيعة وبالحق هو الله لم يخف
عنه غرض يوحنا المعمدان، واذ عرف سبب مجيء تلاميذ يوحنا فانه بدأ في ذلك الوقت
خاصة بعمل معجزات الهية أكثر بكثير مما كان قد فعلها قبل ذلك. فهكذا أخبرنا
الانجيل الحكيم قائلاً "وفي تلك الساعة شفى كثيرين من أمراض وأدواء وأرواح
شريرة ووهب البصر لعميان كثيرين. واذ قد صاروا مشاهدين وشهود لعظمته، فقد صار لهم اعجاب
عظيم بقوته وامكانياته. وعندئذ قدموا السؤال متوسلين باسم يوحنا بأن يرد عليهم ان
كان هو الآتي. وهنا أرجو ان تلاحظوا الطريقة الجميلة في معاملة المخلص. لأنه لا
يقول ببساطة أنا هو، رغم انه لو قال هذا لكان صحيحاً، ولكنه بالحري يقودهم الى
البرهان المعطى عن طريق الأعمال نفسها حتى اذا قبلوا الايمان به على أساس جيد،
ويكونون قد تزودوا بالمعرفة مما قد حدث أمامهم، فانهم يمكن ان يرجعوا الى ذلك الذي
أرسلهم. اذ قال لهم الرب اذهبا واخبرا يوحنا بما رأيتما وسمعتما. لأنكم قد سمعتم
حقاً اني قد أقمت الموتى بكلمة مملوءة قوة وبلمسة اليد، كما أنكم رأيتم ايضاً
وانتم واقفون ان تلك الاشياء التي تكلم عنها الانبياء القديسون منذ القديم تتحقق :
"فالعمي يبصرون والعرج يمشون والبرص يطهرون والصم يسمعون، والموتى يقومون
والمساكين يبشرون".

          كل
هذه الاشياء قد سبق الانبياء المباركين واعلنوها لكي تتم في حينها على يدي. فان
كنت اتمم تلك الاشياء التي سبق التنبؤ بها منذ زمن طويل، وانتم انفسكم شهود لهذه
الاشياء التي تحدث، فارجعوا واخبروا بتلك الاشياء التي رأيتموها بأعينكم تتحقق
بقوتي وقدرتي والتي سبق الانبياء المباركين واخبروا بها في أوقات مختلفة. ثم بعد
ذلك اضاف بالضرورة قائلاً "وطوبى لمن لا يعثر في" لأن اليهود قد عثروا،
اما بسبب انهم لم يعرفوا عمق السر او بسبب انهم لم يسعوا ان يعرفوا. فرغم ان
الكتاب الموحى به سبق ان أعلن في مواضع كثيرة ان كلمة الله سينزل نفسه الى الاخلاء
وسوف يرى على الأرض مشيراً بوضوح الى الوقت الذي صار فيه مثلنا وهو يبرر بالايمان
كل ما هو تحت السماء. ومع ذلك فانهم عثروا فيه "واصطدموا بصخرة العثرة،
وسقطوا وسحقوا تماماً" (اش 8 : 14) فرغم انهم يرونه بوضوح متوشحاً بكرامة لا
يعبر عنها ومجد يفوق الوصف بواسطة الأعمال العجيبة التي عملها فانهم القوا حجارة
عليه وقالوا "لماذا وانت انسان تجعل نفسك الهاً"؟ وجواباً على هذه
الأمور وبخ المسيح ضعف ذهنهم الشديد وقال "ان كنت لست أعمل أعمال ابي فلا
تؤمنوا بي، ولكن ان كنت اعمل فان لم تؤمنوا بي فآمنوا بالأعمال" (يو 10 : 37
و38) لذلك فطوبى لمن لا يعثر في المسيح، أي طوبى لمن يؤمن به.

          وما
هي الفائدة التي تنالها من هذا وبأية طريقة تنفع بالوصول الى الايمان به؟ كل واحد
يعرف بلا شك ولكن هذا لا يمنع ان نعدد بعض الأمور. فأولاً نحن بالحقيقة نحصل على
نرو معرفة الله الحقيقية. ثم بعد ذلك حينما نغتسل من أوساخ الخطية بواسطة
المعمودية المقدسة، واذ نتطهر لكي نخدمه بطهارة، فاننا نصير ايضاً شركاء طبيعته
الالهية ونربحه ليسكن في داخلنا بالحصول على شركة الروح القدس. وايضاً نصير أبناء
الله ونكتسب لأنفسنا الأخوة مع ذلك الذي هو الابن بالطبيعة وبالحق. وبالاضافة الى
هذه الاشياء فاننا نتمجد ونرتفع الى ميراث القديسين ونسكن في غبطة بالتمتع بتلك
البركات التي تمنح لأولئك الذين يحبونه، والتي يعلن بولس الالهي انها تفوق الفهم
والوصف "لأن ما لم تره عين، وما تسمع به أذن، وما لم يخطر على    قلب بشر ما
أعده الله للذين يحبونه" (1كو 2 : 9) ونحن نحسب ايضاً مستحقين لتلك الأمور
بنعمة ومحبة ذاك الذي يعطي لكل واحد كل الأشياء بسخاء. وأعني به المسيح الذي به
ومعه لله الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس الى دهر الدهور.

 

الأصغر
في ملكوت الله أعظم منه

لوقا
7 : 24-28 "فلما مضى رسلاً يوحنا ابتدأ يقول للجموع عن يوحنا. ماذا خرجتم الى
البرية لتنظروا؟ أقصبة تحركها الريح؟ بل ماذا خرجتم لتنظروا أأنساناً لابساً
ثياباً ناعمة؟ هوذا الذين في اللباس الفاخر والتنعم هم في قصور الملوك. بل ماذا
خرجتم لتنظروا؟ أنبياً؟ نعم أقول لكم وأفضل من نبي لأن هذا كتب عنه : ها أنا أرسل
أمام وجهك ملاكي الذي يهيء طريقك قدامك. لأني أقول لكم انه بين المولودين من
النساء ليس نبي أعظم من يوحنا المعمدان. ولكن الأصغر في ملكوت الله أعظم
منه".

          أنتم
الذين تعطشون لمعرفة التعاليم الالهية افتحوا مرة أخرى مخازن عقولكم واشبعوا
انفسكم بالكلمات المقدسة او بالحري لا تستسلموا لأي احساس بالشبع هنا، لأن النهم
في الأمور التي تبني هو صفة جديرة بالاقتناء. دعونا اذن نقترب من كلمات المخلص،
ليس باهمال ولا بدون استعداد لائق، بل بذلك الانتباه وتلك اليقظة التي تناسب أولئك
الذين يريدون ان يتعلموا. لأنه بهذا يمكن ان تكون موضوعات التأمل هذه التي يصعب
فهمها، تفهم بطريقة صحيحة. لذلك دعونا نسأل من المسيح ان يعطينا ذلك النور الذي
ينزل على العقل والقلب لكي اذ نستطيع بطريقة صائبة ان نفهم قوة ما يقال فاننا نعجب
مرة أخرى بالمهارة الجميلة لعمله. لأنه سئل بواسطة تلاميذ يوحنا ان كا هو الآتي؟
وحينئذ حينما اجابهم بطريقة مناسبة وأمرهم ان يرجعوا الى الذي ارسلهم، بدأ يكلم
الجموع عن يوحنا قائلاً "ماذا خرجتم الى البرية لتنظروا؟ أقصبة تحركها
الريح؟" وما هو التعليم الذي نأخذه من هذا؟ أو ما هي الغاية التي تشير اليها
كلمات المخلص؟ انه أمر جدير بأن نسأل عنه؟ لذلك دعونا نفتش عن معنى ما قيل، دعونا
نبحث عنه ككنز. دعونا نفتش عن أسراره، ونثبت ذهننا على عمق السر، دعونا نكون مثل
الصيارفة الحريصين، المدققين "نمتحن كل شيء" كما يقول الكتاب (1تس 5 :
21).

          كان
هناك البعض يتكبرون بسبب ممارستهم لما يطلبه الناموس مثل الكتبة والفريسيين وآخرين
من حزبهم الذين كانوا يعتبرون بحسب مهنتهم حافظين مدققين للناموس. وكانوا على هذا
القياس يطلبون ان تزين رؤوسهم بالكرامات. وهذا هو السبب في انهم لم يقبلوا الايمان
بالمسيح ولا اعطوا تكريماً لطريقة الحياة التي هي بالحق ممدوحة وبلا لوم. تلك
الحياة التي تنظمها وصايا الإنجيل. لذلك فكان غرض المسيح، مخلص الكل، ان يبين لهم
ان الكرامات الخاصة بالخدمة الدينية والأخلاقية التي حسب الناموس هي ذات قيمة
صغيرة وليست جديرة بالسعي للوصول اليها، او حتى ربما هي شيء بالمرة وغير نافعة
للبنيان، بينما النعمة التي بواسطة الايمان به هي عربون البركات الجدير بالاعجاب.
وهي قادرة ان تزين اولئك الذين يملكونها بمجد لا يقارن.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس تشكيل فاندايك وسميث عهد قديم سفر التكوين 32

          كثيرين
كما قلت كانوا حافظين للناموس ومنتفخين جداً لهذا السبب، بل ويصرحون انهم قد وصلوا
الى كمال ما هو جدير بالمدح بممارستهم بدقة للبر الذي يتكون من ظلال ورموز، لذلك
فلكي يبرهن ان اولئك الذين يؤمنون به هم أفضل وأعلى منهم وان أمجاد تابعي الناموس
هي بالتأكيد قليلة جداً بالمقارنة بنموذج الحياة الانجيلية، فانه يتخذ ذاك الذي هو
أفضلهم جميعاً ولكنه مع ذلك مولود من امرأة، وأنا اعني المعمدان المبارك. واذ قد
أكد أنه نبي، أو بالحري أعلى من درجة الأنبياء وأنه بين أولئك المولودين من النساء
ليس هناك من هو أعظم منه في البر أي البر الذي بالناموس وهو يعلن ان الذي هو أصغر
من مقياسه، أي اقل منه في البر الذي بالناموس، هو أعظم منه – ليس أعظم في البر
الذي بالناموس، بل أعظم في ملكوت الله، أي في الايمان والأمجاد التي تنتج عن
الايمان لأن الايمان يتوج اولئك الذين ينالونه بأمجاد تفوق الناموس.

          وهذا
أنتم تعلمونه وسوف تؤكدون أنتم بأنفسكم، حينما تقابلون كلمات المبارك بولس لأنه اذ
قد أعلن بنفسه أنه حر من اللوم في البر الذي بالناموس، فانه أضاف بعد ذلك
"ولكن ما كان لي ربحاً فهذا حسبته من أجل المسيح خسارة، بل أحسب كل شيء نفاية
لكي أربح المسيح. وليس لي بري الذي من الناموس، بل الذي بايمان يسوع المسيح"
(في 3 : 7-9). وهو يعتبر الاسرائيليين مستحقين للوم عظيم، ولذلك يقول "اذ
كانوا يجهلون بر الله" – أي الذي بالمسيح – "ويطلبون ان يثبتوا بر
انفسهم"، أي الذي بالناموس، "فانهم لم يخضعوا لبر الله" (رو 10 :
3). لأن المسيح هو غاية الناموس للبر لكل من يؤمن" (انظر رو 10 : 4). وايضاً
حينما يتكلم عن هذه الأمور يقول "نحن بالطبيعة يهود ولسنا من الأمم خطاة. اذ
نعلم ان الانسان لا يتبرر بأعمال الناموس، بل بايمان يسوع المسيح، آمنا نحن ايضاً
بيسوع المسيح لنتبرر فيه" (غل 2 : 15 و16). لذلك فالتبرير بالمسيح أي
بالايمان به، يفوق أمجاد البر بالناموس. لهذا السبب فهو يبرز المعمدان امام الجميع
كواحد قد وصل الى اعلى مكانة في البر بالناموس. وهو مستحق لمديح لا يقارن. ومع ذلك
فانه يحسب كأقل من الذي هو أصغر منه، لأنه يقول "أن الأصغر أعظم منه في ملكوت
الله". ولكن ملكوت الله كما أوضحنا يشير الى النعمة التي بالايمان، التي
بواسطتها نحسب مستحقين لكل بركة، ونحسب أهلاً لامتلاك المواهب الغنيةالتي تأتي من
فوق من الله. لأن النعمة تحررنا من كل لوم، وتجعلنا ان نكون أبناء الله. وشركاء
الروح القدس، وورثة الميراث السماوي.

          واذ
قلنا هذا كمقدمة، كنوع من التمهيد لذلك فلكي نشرح ارتباط الأفكار تعالوا الآن
ودعونا نفحص الكلمات نفسها. وكما سبق ان قلت، هو يرفع المعمدان الالهي الى درجة
عظيمة ويتوج السابق بكرامات فائقة عن قصد. وذلك لكي ما يتعجبوا بالأكثر بالايمان،
الذي يجعل المؤمنين ان تكون لهم عظمة تفوق الناس البارزين كالمعمدان. وهو يسأل
اليهود بعد ذلك قائلاً "ماذا خرجتم الى البرية لتنظروا أقصبة تحركها
الريح؟" والآن هو يقارن القصبة التي هي شيء يهتز ذهاباً واياباً بواسطة شدة
الريح – يقارنها بالانسان الذي يعيش في كرامات ولذات عالمية، وفي عظمة سيادة
زمنية. لأنه بالنسبة لهؤلاء الأشخاص لا يوجد شيء راسخ او ثابت او لا يهتز، بل
تتغير الأمور دائماً بطريقة غير متوقعة وبصورة لم يكونوا يفكرون فيها مقدماً، وكل
مجد انسان كزهر عشب، العشب يبس وزهره سقط" (1 بط 1 : 24). ويقول هل تذهبون
اذن الى البرية لتنظروا انساناً مثل القصبة. ان المعمدان ليس هكذا، بل هو من نوع
مختلف. وهو ليس من أولئك الذين يحيون في ملذات، او الذين يرتدون ملابس فاخرة،
ويسرون بالكرامة الصبيانية. ونحن لا نرى مثل هؤلاء الأشخاص يسكنون في البرية بل في
قصور الملوك. أما لباس المعمدان المبارك فكان، من وبر الإبل ومنطقة من جلد على
حقويه.

          فماذا
اذن ذهبتم لتنظروا؟ ربما تقولون نبي. نعم أنا أوافق، لأنه قديس ونبي. لا بل هو
يفوق كرامة النبي. فهو ليس فقط قد أعلن مسبقاً أني سآتي، بل أشار اليَّ عن قرب
قائلاً "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" (يو 1 : 29). وبالاضافة
الى ذلك فان صوت النبي شهد عنه انه "مرسل أمامي ليعد الطريق قدامي"
(انظر ملا 3 : 1). وأنا أشهد له أنه لم يقم بين المولودين من هو أعظم منه، ولكن
الأصغر – وأنا أعني الأصغر في الحياة حسب الناموس – هو في ملكوت الله أعظم منه.
كيف وبأي طريقة؟ بأن يوحنا المبارك هو وكثيرين من الذين سبقوه هم مولودون من
النساء ولكن الذين نالوا الايمان لا يعودون يدعون مواليد النساء، بل كما يقول
الانجيل الحكيم هم مولودون من الله لأنه يقول "وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم
سلطاناً ان يصيروا أبناء الله، أي المؤمنون باسمه، الذين ولدوا ليس من دم ولا من
مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل، بل من الله" (يو 1 : 12 و13). لأننا قد ولدنا
ثانية بالتبني لنكون بنين "ليس من زرع يفنى بل بكلمة الله الحي الباقي الى
الأبد" كما يقول الكتاب (1بط 1 : 23). فأولئك الذين ليسوا من زرع يفنى، بل
بالعكس قد ولدوا من الله هم أعظم من أي واحد مولود من امرأة.

          فتوجد
ناحية أخرى ايضاً يتفوقون فيها على أولئك المولودين من النساء. لأن هؤلاء لهم آباء
أرضيين، أما نحن فلنا ذاك الذي هو فوق في السماء، لأننا قد نلنا هذا أيضاً من
المسيح، الذي يدعونا الى تبني البنين والأخوة معه. لأنه قد قال "لا تدعو لكم
أباً على الأرض، لأن أباكم واحد الذي في السموات وأنتم جميعاً اخوة" (مت 23 :
8 و9) وبولس الحكيم جداً يعطينا تأكيداً لهذا اذ يكتب هكذا "ثم بما أنكم
أبناء أرسل الله روح ابنه الى قلوبكم صارخاً يا أبا الآب" (غل 4 : 6). لأنه
حينما قام المسيح وأباد الجحيم فحينئذ أعطى روح التبني لأولئك الذين آمنوا به،
وأول الكل أعطى للتلاميذ القديسين. لأنه نفخ فيهم وقال "اقبلوا الروح القدس
من غفرتم خطاياه تغفر له، ومن أمسكتم خطاياه أُمسكت" (يو 20 : 22). ولأنهم
صاروا شركاء الطبيعة الالهية بسبب أنهم توشحوا بغنى بروح السيادة الضابط الكل،
لذلك أعطاهم أيضاً قوة الهية لغفران خطايا البعض وامساك خطايا آخرين.

          ويوضح
الانجيلي الحكيم جداً يوحنا أنه لم يكن هناك روح تبني قبل قيامة المسيح من الأموات
وصعوده الى السماء حيث يقول "لأن الروح لم يكن قد أعطى بعد لأن يسوع لم يكن
قد مجد بعد" (يو 7 : 39) وكيف يمكن ان يكون الروح غير مساوي في الأزلية لله
الآب والابن؟ فمتى لم يكن هو الذي قبل الكل؟ لأنه مساو في الجوهر للآب والابن.
ولكنه يقول "لأن يسوع لم يكن قد مجد بعد"، أي لم يكن قد قام من الأموات
وصعد الى السموات، لذلك فروح التبني لم يكن موجوداً في الناس بعد. ولكن حينما صعد
كلمة الله الوحيد الى السماء أرسل المعزي من فوق بدلاً عنه. والذي هو فينا بواسطته
(بواسطة المسيح). وهذا هو ما علمنا اياه قائلاً هكذا "انه خير لكم ان انطلق
لأنه ان لم أنطلق لا يأتيكم المعزي، ولكن ان ذهبت سوف ارسله اليكم" (16 : 7).
لذلك حتى لو كنا أقل من أولئك الذين قد تمموا البر الذي بالناموس، وأنا أعني أقل
في بر الحياة، إلا أننا نحن الذين نلنا الايمان بالمسيح قد تزودنا بامتيازات أعظم.
وينبغي ان نضع في أذهاننا انه رغم ان المعمدان المبارك كان عظيماً هكذا في
الفضيلة، الا انه اعترف بوضوح انه محتاج للمعمودية المقدسة. لأنه قال في موضع ما
متحدثاً الى المسيح مخلصنا جميعاً : "أنا احتاج ان اعتمد منك" (مت 3 :
14)، ولكنه لم يكن غير محتاج للمعمودية المقدسة والا ما كان قد طلب ان تمنح له لو
لم يكن فيها أمر أعظم وأفضل من البر الذي بالناموس.

          لذلك
فالمسيح لا يجادل ضد كرامات القديسين وليس هدفه ان يقلل أو أن يصغر من قيمة اولئك
الرجال القديسين الذين قد وصلوا سابقاً الى النصرة، بل كما قلت انه بالحري يبرهن
ان طريقة الحياة الانجيلية هي أعلى من العبادة الناموسية، وان يتوج الايمان
بكرامات فائقة. وذلك لكي ما نؤمن به جميعاً. لأننا هكذا ندخل بواسطته ومعه الى
ملكوت السموات، الذي به ومعه لله الآب كل تسبيح مع الروح القدس الى دهر الدهور.
آمين.

 

قداسة
المعمدان وقداسة المسيح

لو
7 : 31-35 "ثم قال الرب بمن أشبه أناس هذا الجيل يشبهون أولاداً جالسين في
السوق ينادون بعضهم بعضاً ويقولون زمرنا لكم فلم ترقصوا، نحنا لكم فلم تبكوا، لأنه
جاء يوحنا المعمدان لا يأكل خبزاً ولا يشرب خمراً فتقولون به شيطان. جاء ابن
الانسان يأكل ويشرب فتقولون هوذا انسان أكول وشريب خمر محب للعشارين والخطاة.
والحكمة تبررت من جميع بنيها".

          الذين
لهم عقل سليم يفحصون كل شيء، ويرفضون ما هو زائف، لكنهم يقبلون ويمدحون ما هو بلا
لوم. وهذا ايضاً ما يطلبه منا بولس الحكيم، حيث كتب قائلاً "كونوا حكماء،
امتحنوا كل شيء. تمسكوا بالحسن امتنعوا عن كل شبه شر" (1تس 5 : 21). لذلك.
وكما قلت ينبغي لنا نحن ايضاً ان نفحص بتدقيق، وبعين العقل المميزة كل ما يفعل، ونبحث
في طبيعة الافعال، لكي نوافق على ما هو بلا لوم، بينما نرفض ما هو زائف. ولكن اذا
لم نميز بين الأشياء فاننا نتعرض لخطورة اصدار حكم رديء على اشياء مستحقة للمدح
جداً، وان نحسب ما هو شرير انه لائف للإطراء والتصفيق، وعندئذ تنطبق علينا كلمات
النبي "ويل للقائلين للشر خيراً وللخير شراً، الجاعلين الظلام نوراً والنور
ظلاماً، الجاعلين المر حلواً والحلو مراً" (اش 5 : 20). هكذا كانت صفة
الاسرائيليين وخاصة اولئك الذين كانوا رؤساء لهم، أي الكتبة والفريسيين الذين عنهم
قال المسيح "بماذا أشبه أناس هذا الجيل؟.. الخ".

          ربما
كان هناك نوع من اللعب بين أولاد اليهود او شيء من هذا النوع بمجموعة من الشباب
كانت تقسم الى قسمين، وكانوا يلعبون ويخلطون الأمور بعضها ببعض، وكانوا ينتقلون
سريعاً من حالة الى أخرى مما هو مفرح الى ما هو مؤلم، وكان بعضهم يلعب على آلات
الموسيقى بينما البعض الآخر كانوا ينوحون. فالنائحون لم يكونوا يشاركون فرح أولئك
الذين يلعبون الموسيقى ويهللون، ولا أيضاً أصحاب الآلات الموسيقية كانوا يشتركون
في حزن أولئك الذين يبكون، وأخيراً لاموا بعضهم بعضاً لعجزهم عن التعاطف مع بعضهم
البعض أي على غياب الشعور المشترك لأن فريقاً منهم يقول "زمرنا لكم فلم
ترقصوا" فيرد عليهم الفريق الآخر قائلاً "نحنا لكم فلم تبكوا".

          لذلك
فالمسيح يعلن ان الجمهور اليهودي وقادتهم كانوا في حالة من الشعور شبيهة بهذه،
لأنه يقول "جاء يوحنا المعمدان لا يأكل خبزاً ولا يشرب خمراً فيقولون، به
شيطان. جاء ابن الانسان يأكل ويشرب فيقولون، هوذا انسان أكول وشريب خمر ومحب
للعشارين والخطاة". أيها الفريسي الغبي بأي طريقة اذن يمكن ان تُربح الى
الايمان، وانت هكذا تلوم كل الأشياء بلا تفريق، ولا تعتبر أي شيء مستحقاً للمديح؟
فالمعمدان المبارك كان سابقاً للمخلص، منادياً قائلاً، توبوا لأنه قد اقترب ملكوت
الله" (مت 3 : 2) لأنه كان رجلاً يستحق ان ينال الثقة، وهو قادر على الاقناع،
حتى انهم هم انفسهم شهدوا له ان حياته كانت نبيلة وجديرة بالاعجاب. فهو قد سكن في
البراري وكان يرتدي ثياباً فقيرة خشنة وبالكاد كان يلبي ضرورات جسده بالجراد
والعسل البري. وأنتم قد خرجتم لتروه كشخص قديس، وقد وصل الى كمال كل فضيلة. فهل
تجرؤ ايها الفريسي بعد ذلك ان تتكلم رديئاً عن فعل هذا الشخص وهو شخص ينبغي بالحري
ان يحسب مستحقاً لكل اعجاب؟ هل تقول ان به شيطان وهو الذي كان بالأصوام يميت قانون
الخطية الذي في أعضائنا الجسدية المحارب ضد ناموس ذهننا؟ (انظر رو 7 : 23). ما هو
أعظم من حياة التعفف؟ لأنه كونه قادراً ان ينتهر بحكمة تلك اللذات التي تقود الى
الشر وان يعيش حياة زهد وتعفف فكيف لا يكون هذا عظيماً وباهراً؟

          ان
المعمدان المبارك كان مكرساً كلية في تقواه نحو المسيح، ولم يكن يوجد فيه أقل
اعتبار للشهوات الجسدية، أو لأمور هذا العالم. لذلك فهو اذ تخلى تماماً عن
ارتباكات هذا العالم الباطلة وغير النافعة فانه عمل في أمر واحد بكل اهتمام وهو ان
يتمم بلا لوم الخدمة التي أؤتمن عليها. لأنه قد أُمر ان يكرز قائلاً "اعدوا طريق
الرب" (اش 40 : 3). اخبرني، هل انت تظن ان هذا الانسان به شيطان – وهو انسان
ليس للشيطان سلطان عليه، وهو ليس أسيراً لأي شهوة شريرة، وهو قد قفز فوق كل شراك
حب الجسد الوضيع، وهو قد أمر جموع الشياطين ان تسكت، وقاوم هجماتهم برجولة؟ فانه
في الحقيقة لم يكن ليصل لهذا المجد وتلك الفضيلة الا بواسطة المسيح، الذي هو ممجد
ومرتفع جداً فوق الشيطان، الذي يجرب القديسين ويصر بأسنانه على نجاحهم. ألا تخجل
اذن من ان تشتم واحداً قد وصل الى مثل هذا الصبر العظيم والاحتمال الكبير، وله حول
رأسه أكاليل من الفضيلة الرجولية؟ هل تحرك لسانك ضده وتتجاسر بوقاحة ان تفتري
عليه، بأن تقول انه انسان مجنون، وتافه وليس مالكاً لقواه العقلية؟

          ثم
دعونا نرى، ما هو على الناحية الأخرى، وما يبدو كأنه يتبع طريقاً مختلفاً عن سلوك
المعمدان، فالمسيح لم يكن في البرية، بل بالحري جعل مسكنة في المدينة بصحبة رسله
القديسين. هو لم يأكل جراداً وعسلاً برياً، وثيابه لم تكن من وبر الابل، ولم يكن
له منطقة من جلد على حقويه. وطريقة حياته بالحري كانت كالطريقة المعتادة في المدن.
ولم يكن فيها خشونة مثل تلك التي كان يمارسها المعمدان القديس. فهل أنت اذن تمدحه
على الأقل وهل توافق على سهولة طريقته، واختلاطه بحرية مع الآخرين، وعدم اهتمامه
بالمرة من جهة طعامه؟ لا أظن. فان ميلك الى النقد القاسي يمتد حتى الى المسيح.
فأنت تقول ايها الفريسي "هوذا انسان أكول، وشريب خمر، محب للعشارين والخطاة.
فهل بسبب انه تصادف انك رأيت يسوع يأكل مثل الناس، فهل يبدو لك انه شريب خمر
وأكول؟ كيف يمكنك ان تثبت ذلك لأنه حينما قامت مرة مريم ومرثا باستقباله في بيت
عنيا وكانت واحدة منهما منشغلة بخدمة كثيرة، فاننا نرى المسيح يمنع المبالغة
والزيادة، ويدعو الى ما هو ضروري فقط. لأنه قال "مرثا مرثا أنت تهتمين وتضطربين
لأجل أمور كثيرة ولكن الحاجة الى اشياء قليلة، او الى واحد" (انظر لو 10 :
41). وهكذا كان هو دائماً وفي كل مكان.

          ولكن
هل انت تتهم المسيح بسبب انه كان يمشي مع العشارين والخطاة؟ وهل هذا هو سبب
استيائك؟ ولكن أي ضرر يمكن ان نتخيله أصاب المسيح من ترحيبه ان يكون مع الخطاة؟
فهو لم يكن معرضاً بأن يتأثر بخطاياهم لأنه كان فوق كل خطية تماماً. حتى انه قال
مرة "رئيس هذا العالم يأتي ولن يجد فيَّ شيء" (يو 14 : 30) وفي مرة أخرى
قال "من منكم يبكتني على خطية؟" (يو 8 : 46) لذلك فهو لا يمكن ان يتلوث
من أي ناحية بوجوده مع الخطاة.

          ولكنك
تقول ايها الفريسي، أن ناموس موسى أمر أننا "لا ينبغي أن نتكلم مع
الأشرار" دعونا اذن ندرس موضوع الناموس، ودعونا نرى لأي سبب منع الاسرائيليين
أن يتحدثوا مع الأشرار، ويختلطوا مع الخادعين. والآن فان الحقيقة بالتأكيد هي، ان
ناموس موسى أمر بهذه الأشياء، ليس لكي تتفاخر بنفسك على الآخرين، وتجعل الوصية
سبباً للانتفاخ، بل بالحري بسبب ان ذهنك ضعيف وأنت منجذب الى الحماقة، وبسبب ان
قلبك يجري بارادته وراء اللذات الشريرة فان الناموس يحفظك من الرغبة في أن تكون مع
أولئك الذين يحاتهم تستحق اللوم، لئلا تصير مثلهم في ذهنك وتقتنص بغبارة في فخهم
"لأن المعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة" (1كو 15 : 23). لذلك فأنت
قد استلمت الوصية كحارس لضعفك. فلو أنك كنت قد تأسست في الفضيلة، ولو كان عقلك
ثابتاً في مخافة الله لما كان الناموس يمنعك من أن تتحدث حديثاً نافعاً مع أولئك
الذين هم ضعفاء، وذلك لكيما يصيروا متمثلين بتقواك ويتعلموا أن يتشبهوا بأعمالك،
حتى أنهم اذ يسيرون في خطوات غيرتك، عليهم ان يتقدموا الى ما هو أكثر فضلاً
وسمواً. لذلك فلا تتخيل تخيلات متكبرة، اذ انه حتى في وصية موسى أنت منهم بالضعف.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كتاب الحياة عهد جديد رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 05

          أنت
تلوم المسيح لسيره مع الخطاة والعشارين : هل أنت تفعل ذلك لئلا يتأثر بنجاستهم؟
لذلك أخبرني هل أنت تتخيل انه يشترك ايضاً في ضعفك؟ هل أنت جاهل تماماً بالأسرار
الخاصة به؟ وهي أن الكلمة اذ هو الله صار معنا، أي تجسد لأجلنا، وان الآب أرسله
"لا ليدين العالم، بل ليخلص به العالم" (يو 3 : 17) لأن الذي يدين، هو
الذي يتحاشى صحبة مثل هؤلاء الذين لا زالوا في خطاياهم، أما الذي يريد ان يخلص
فانه يكون معهم ويحثهم ويؤثر عليهم ليتغيروا من مسالكهم المشينة، وان يختاروا
الطريق المؤدي الى الحياة الأبدية بدلاً من طريق الشر. انه لم "يأت ليدعو
ابراراً بل خطاة الى التوبة" (لو 5 : 32). وكما قال هو نفسه لا يحتاج الأصحاء
الى طبيب، بل المرضى. لذلك فلماذا تلومه على محبته للانسان هكذا وتنتقده على لطفه
الالهي؟ لماذا توبخه على كونه شفوقاً بنا، وشافياً لمرضنا؟

          ان
كل انسان يمدح الأطباء، ليس حينما يتحاشون الاختلاط بالمرضى، بل حينما يكونون معهم
دائماً وبوسائل فنهم الخاص يعودون بهم بالتدريج الى الصحة التامة. واذا كان يسوع
هو طبيب النفوس والأرواح فلماذا تلومه لتخليصه الخطاة؟ انه لا يمكن ان يتلوث، حتى
لو أكل مع الخطاة. لأن الشمس الساطعة ترسل اشعتها وتدخل الى كل شيء تحت السماء،
ويحدث اذن ان القاذورات تتعرض لتأثيرها، أما الشمس التي ترسل اشعاعها فهي لا تتلوث
بالمرة رغم انها تسطع على مواد كريهة جداً. ان ربنا يسوع المسيح هو شمس البر. ولا
يستطيع انسان شرير مهما كان ان يلوثه حتى لو كان قريباً بجوراه ويأكل معه.

          هذا
ما نقوله فيما يخص المسيح مخلصنا جميعاً. ولكن مع ذلك ربما يعترض البعض ويقول
اليست ايضاً كرازة الانجيل الجديدة والمخلصة توصينا بوضوح ان نبتعد عن الاتصال
بالناس غير الطاهرين؟ لأن بولس الحكيم جداً كت أيضاً للبعض "كتبت اليكم في
الرسالة أن لا تخالطوا الزناة، ان كان أحد مدعواً أخاً زانياً أو سكيراً أو خاطفاً
أو عابد وثن فلا تؤاكلوا مثل هذا" (1كو 5 : 9 و11). لذلك فقد كان مناسباً
للمسيح أن يكون مثالاً لنا في هذا السلوك. لقد فقدت مقياسك الذي تقيس به أيها الأخ
المحبوب! وأنت ترغب ان تنافس كرامة سيدك العالية، وأنت تمسك بما يفوق طبيعتك جداً.
فلاحظ ضعف ذهنك. فان المسيح اله أما أنت فانسان تتسلط عليك اللذات الجسدية وذهنك
ينخدع بسهولة للضلال، ويصير فريسة سهلة للخطايا. ومع ذلك فاذا شعرت بثقة في قدرتك
الشجاعة أن تسير في سلوك بلا لوم، وأيضاً أن تعظ الآخرين، فمع ذلك ليس هناك ما
يستطيع أن يمنعك من أن تشتهي أن تكون مع الأشرار ومحبي الخطية. فان نصائح الرجال
الروحانيين كثيراً ما أفادت أولئك الذين في الخطية. وبالعكس فإن كنت أنت نفسك لا
تخلص بسهولة حتى حينما تحفظ نفسك بعيداً من رفقة الشر، فانك يجب ان تكون حريصاً في
هذه الناحية. تذكر كاتب كتاب الأمثال الذي يقول "المساير الحكماء يصير
حكيماً، ورفيق الجهال يضر" (ام 13 : 20). وايضاً يقول داود المبارك "مع
الرجل الكامل تكون كاملاً، ومع الطاهر تكون طاهراً، ومع الأعوج تكون ملتوياً"
(مز 18 : 25 و26).

          "فلكي
تنجو مثل الظبي من الشباك" (انظر ام 6 : 5 السبعينية) وتهرب من الناس
الأشرار، فابتعد عن أولئك الذين لا يستطيعون ان يمتنعوا عن النجاسة، وتوسل الى
المسيح ان يطهر أي شيء فاسد فيك، ويعينك في كل ضعفاتك البشرية لأن الكلمة الذي جاء
من الله هو اله، رغمك انه صار جسداً، أي صار انساناً. الذي به ومعه لله الآب
التسبيح والسلطان مع الروح القدس الى دهر الدهور آمين.

 

لقاء
المرأة الخاطئة بالمسيح في بيت الفريسي

لو
7 : 36-50 "وسأله واحد من الفريسيين أن يأكل معه. فدخل بيت الفريسي واتكأ.
واذا امرأة في المدينة كانت خاطئة، اذ علمت انه متكئ في بيت الفريسي، جاءت بقارورة
طيب، ووقفت عند قدميه من ورائه باكية، وابتدأت تبل قدميه بدموعها. وكانت تمسحها
بشعر رأسها وتقبل قدميه وتدهنهما بالطيب. فلما رأى الفريسي الذي دعاه ذلك، تكلم في
نفسه قائلاً، لو كان هذا نبياً لعلم من هذه المرأة التي تلمسه وما هي. انها خاطئ.
فأجاب يسوع وقال له، يا سمعان عندي شيء اقوله لك. فقال قل يا معلم فقال له : كان
لمداين مديونان، على الواحد خمسمائة دينار وعلى الآخر خمسون. واذا لم يكن لهما ما
يوفيان سامحهما كليهما. فأيهما يكون أكثر حباً له؟ فأجاب سمعان، أظن الذي سامحه
بالأكثر. فقال له بالصواب حكمت. ثم التفت الى المرأة وقال لسمعان، أتنظر هذه
المرأة. اني دخلت بيتك وماء لأجل رجلي لم تعط. وأما هي فقد غسلت رجلي بالدموع
ومسحتهما بشعر رأسها. بقبلة لم تقبلني. وأما هي فمنذ دخلت لم تكف عن تقبيل قدمي.
بزيت لم تدهن رأسي. وأما هي فقد دهنت بالطيب قدمي. من أجل ذلك أقول لك قد غفرت
خطاياها الكثيرة لأنها أحبت كثيراً. والذي يغفر له قليل يحب قليلاً. ثم قال لها
مغفورة لك خطاياك. فابتدأ المتكئون معه يقولون في أنفسهم من هو هذا الذي يغفر
خطايا أيضاً؟ فقال للمرأة ايمانك قد خلصك، اذهبي بسلام".

          "يا
جميع الأمم صفقوا بأيديكم، اهتفوا لله بصوت الابتهاج والشكر" (مز 47 : 1
سبعينية). وما هو سبب هذا الابتهاج انه بسبب ان المخلص هنا أنشأ لنا طريقاً للخلاص
لم يسر فيه الذين في القديم. لأن الناموس الذي وضعه موسى الحكيم كان لتوبيخ الخطية
ولادانة التعديات، ولكنه لم يبرر مطلقاً أي أحد. لأن بولس الحكيم يكتب ويقول
"من خالف ناموس موسى فعلى فم شاهدين او ثلاث شهود يموت بدون رأفة" (عب
10 : 28). أما ربنا يسوع المسيح فاذ قد أبطل لعنة الناموس وجعل الوصية التي تدين
بلا قوة وغير فعالة "صار رئيس كهنتنا الرحيم" بحسب كلمات بولس المبارك
(عب 2 : 17). لأنه يبرر الخطاة بالايمان، ويطلق المأسورين بالخطية احراراً. وهذا
أعلنه لنا بواسطة أحد الأنبياء القديسين قائلاً "في ذلك الوقت يقول الرب،
سيبحثون عن خطية اسرائيل فلن تكون هناك، وعن خطية يهوذا فلا يجدونها، لأني سأكون
رحيماً بأولئك الذين بقوا في الأرض يقول الرب" (ار 1 : 20 سبعينية). ولكن ها
ان تحقيق الوعد حدث لنا في وقت تجسده، كما يتأكد لنا من معاني الأناجيل المقدسة.

          فقد
دعي المسيح من أحد الفريسيين ولأن المسيح شفوق ومحب للبشر "ويريد ان جميع
الناس يخلصون والى معرفة الحق يقبلون" (1 تي 2 : 4)، وافق ومنحه ما طلب منه.
واذ دخل اتكأ على المائدة، وفي الحال دخلت امرأة مدنسة بالخطايا مثل واحد لا يفيق
من الخمر والسكر، واذ شعرت بذنوبها وتعدياتها قدمت توسلات للمسيح القادر ان يطهرها
ويحررها من كل خطية وينقذها من خطاياها السابقة "لأنه لا يذكر الخطايا
والتعديات" (عب 8 : 12) وقد فعلت هذا وهي تغسل قدميه بدموعها وتدهنهما بالطيب
وتمسحهما بشعر رأسها. مثل هذه المرأة التي كانت فاسقة وزانية – وهي خطية يصعب
ازالتها – لم تفقد طريق الخلاص، لأنها هربت لاجئة الى الذي يعرف كيف يخلص ويستطيع
ان يرفع من أعماق النجاسة.

          فهي
اذن لم تفشل في غرضها. ولكن الانجيلي المبارك يخبرنا ان الفريسي الأحمق قد إستاء
وقال في نفسه : "لو كان هذا نبياً لعلم من هذه الامرأة التي تلمسه وما هي،
إنها خاطئة"، لذلك فالفريسي كان منتفخاً وبلا فهم بالمرة. لأنه كان من واجبه
بالأحرى ان ينظم حياته الخاصة ويزينها بكل الأعمال الفاضلة، وليس أن يحكم على
الضعفاء ويدين الآخرين. ولكننا نؤكد عنه انه اذ قد تربى على عوائد الناموس، فقد
أعطى لأوامره سلطاناً واسعاً وأراد ان يخضع المشرع (المسيح) لوصايا موسى. لأن
الناموس أوصى ان المقدس يكون بعيداً عن النجس. والله وجه اللوم لأولئك الذين كانوا
رؤساء مجامع اليهود لعدم رغبتهم في تتميم ذلك. لأنه تكلم هكذا بواسطة أحد الأنبياء
القديسين قائلاً "لم يميزوا بين المقدس والنجس" (حز 22 : 26). ولكن
المسيح جاء من اجلنا، ليس لكي يخضع حالتنا للعنات التي بواسطة الناموس، بل ليفدي
أولئك الذين تحت الخطية برحمة أعلى من الناموس. لأن الناموس قد تأسس "بسبب
التعديات" كما يعلن الكتاب (غل 3 : 19)، "لكي يستد كل فم ويصير كل
العالم تحت قصاص من الله لأنه بأعمال الناموس كل ذي جسد لا يتبرر أمامه" (رو
3 : 19 و20). لأنه لا يوجد هناك متقدم في الفضيلة الروحانية، حتى يكون قادراً ان
يتمم كل ما أوصى به، ويكون بلا لوم. ولكن النعمة التي بالمسيح تبرر لأنها اذ تبطل
حكم الناموس فهي تحررنا بواسطة الايمان.

          لذلك
فإن ذلك الفريسي المتكبر الأحمق لم يحسب يسوع قد وصل حتى الى درجة نبي، ولكن
المسيح جعل دموع المرأة فرصة لكي تعلمه بوضوح عن السر. لأنه علم الفريسي وكل الذين
كانوا مجتمعين هناك ان الكلمة اذ هو الله، جاء الى العالم في صورتنا "ليس
ليدين العالم، بل ليخلص به العالم" (يو 3 : 17). لقد جاء لكي يغفر للمديونين
كثيراً وقليلاً، ولكي يظهر رحمة على الصغير والكبير، لكي لا يكون هناك أي واحد
مهما كان لا يشترك في صلاحه. وكعربون ومثال واضح لنعمته، خلص تلك المرأة غير
العفيفة، غير الطاهرة من خطاياها الكثيرة "مغفورة لك خطاياك" ان مثل هذا
الاعلان لائق بالله حقاً. وهي كلمة تبين السلطان المطلق لأنه حيث ان الناموس أدان
أولئك الذين كانوا في الخطية فمن هو الذي يستطيع ان يعلن اشياء فوق الناموس الا
ذلك الذي وضع الناموس، لذلك فانه في الحال أطلق المرأة حرة ثم انه لفت انتباه ذلك
الفريسي، وأولئك الذين كانوا يأكلوا معه الى أمور عالية جداً، لأنهم تعلموا ان
الكلمة اذ هو الله، لم يكن كواحد من الأنبياء، بل بالحري يفوق مستوى البشرية، وذلك
رغم انه صار انساناً، وربما يقول واحد لذلك الذي دعاه : أنت ايها الفريسي متدرب في
الكتب المقدسة، وانت تعرف طبعاً الأوامر التي اعطاها موسى الحكيم وانت قد فحصت
كلمات الأنبياء القديسين، فمن هو اذن ذاك الذي يسير في طريق عكس الوصايا المقدسة
ويحرر من الخطية؟ من هو هذا الذي أعلن ان الذين كسروا الوصايا قد صاروا أحراراً؟
لذلك اعلم بواسطة الحقائق نفسها انه أعلى من الأنبياء والناموس. تذكر ان واحداً من
الأنبياء القديسين بشر بهذه الأشياء منذ القديم عنه وقال "سوف يأتون بالرعب
الى الرب الهنا ويخافون منك. من هو اله مثلك غافر الاثم وصافح عن الذنب لبقية
ميراثه. لا يحفظ الى الأبد غضبه فانه يسر بالرأفة" (ميخا 7 : 17 و18).

          لذلك
فأولئك الذين كانوا يأكلون مع الفريسي اندهشوا وتعجبوا لرؤيتهم المسيح مخلص الكل
يملك مثل هذا السمو الالهي، ويستعمل تعبيرات تعلو على حق الانسان لأنهم قالوا
"من هو هذا الذي يغفر خطايا ايضاً؟" هل تريدني ان اخبرك من هو هذا؟

          انه
هو الذي في حضن الله الآب، والمولود منه بالطبيعة، والذي به كان كل شيء، هو الذي
يملك سلطاناً مطلقاً وتسجد له كل خليقة في السماء وعلى الأرض. وهو قد أخضع نفسه
لحالتنا، وصار رئيس كهنتنا، لكيما يقدمنا الى الله طاهرين وانقياء اذ قد أبطل
رائحة الخطية النتنة، وجعل نفسه فينا رائحة طيبة. لأنه كما يكتب بولس الحكيم جداً
"نحن رائحة المسيح الزكية لله" (2كو 2 : 15). هذا هو الذي تكلم بصوت
النبي حزقيال قائلاً "وأنا أكون لكم الهاً واخلصكم من كل نجاساتكم" (حز
36 : 28 و39). لذلك انظروا ان ما تحقق يتفق مع ما سبق ان وعد به بواسطة الانبياء
القديسين. اعترفوا به انه الله وهو اللطيف جداً والمحب للبشر. امسكوا بطريق
الخلاص، اهربوا من الناموس الذي يقتل، واقبلوا الايمان الذي هو فوق الناموس. لأنه
مكتوب "الحرف يقتل" أي الناموس، "ولكن الروح يحيي" أي التطهير
الروحي الذي في المسيح. الشيطان قد ربط سكان الأرض بقيود الخطية، والمسيح قد فك
هذه الحبال، انه جعلنا أحراراً، وأبطل طغيان الخطية وطرد المشتكي الذي يشتكي على
ضعفاتنا لكي يتم الكتاب "ان كل اثم يسد فاه" (مز 107 : 42)، لأن الله هو
الذي يبرر "فمن هو الذي يدين؟" (رو 8 : 33).

          وهذا
صلى من اجله المرنم الالهي لكي يتحقق حينما خاطب المسيح مخلص الكل هكذا "لتبد
الخطاة من الأرض والأشرار لا يكونون فيما بعد" (مز 104 : 35). فانه حقاً لا
ينبغي ان يقول عن واحد لابس الروح انه يلعن من هم خطاة وضعفاء، فانه غير لائق
بالقديسين ان يلعنوا أي أحد – بل بالحري هو يطلب هذا من الله. لأنه قبل مجيء
المخلص كنا كلنا في الخطية، ولم يكن هناك من يعرف أنه هو الله بالحق وبالطبيعة.
"لم يكن أحد يعمل صلاحاً ليس ولا واحد، بل الجميع زاغوا وفسدوا معاً"
(رو 3 : 12). ولكن بسبب ان الابن الوحيد أخضع نفسه للاخلاء وتجسد وصار انساناً فقد
تلاشى الخطاة، لم يعد هناك خطاة لأن سكان الأرض قد تبرروا بالايمان، وقد غسلوا
أدناس خطيتهم بالمعمودية المقدسة، وقد صاروا شركاء الروح القدس، وخرجوا من تحت يد
العود. وبعد ان كانوا تحت سيطرة الشياطين صاروا يسكنون تحت نير المسيح.

          لذلك
فان عطايا المسيح ترفع الناس الى رجاء طال انتظاره والى فرح عظيم جداً. فالمرأة
التي كانت مذنبة بنجاسات كثيرة وتستحق اللوم بسبب أعمال مشينة جداً، قد تبررت لكي
يكون لنا نحن أيضاً ثقة ان المسيح سيرحمنا نحن ايضاً بالتأكيد، حينما يرانا مسرعين
اليه وساعين ان نهرب من شراك الشر. دعونا نقف أمامه، دعونا نسكب دموع التوبة، هي
بنا ندهنه بالطيب، لأن دموع الذي يتوب هي رائحة طيبة لله. اذكروا الذي قال
"اصحوا ايها السكارى، وابكوا وولولوا يا جميع شاربي الخمر" (يوئيل 1 :
5) لأن الشيطان يسكر القلب ويثير العقل باللذات الشريرة ويحدر الناس الى نجاسات
الشهوة. ولكن ما دام هناك وقت فلنستيقظ، وكما يقول بالحري لنعمل ما هو صالح، لأننا
لسنا من ليل ولا من ظلمة، بل أبناء نور وأبناء نهار. (رو 13 : 13) (1تس 5 : 5).
"لذلك فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور" (رو 13 : 12). لا تنزعج
حينما تفكر في عظم خطاياك السابقة، بل بالحري أعلم ان نعمة الله التي تبرر الخاطئ
وتفك الشرير هي أعظم.

          إذن
فالايمان بالمسيح هو عربون لنا لهذه البركات العظيمة لأنه هو الطريق الذي يقود
للحياة ليصل بنا الى المنازل التي فوق، وهو الذي يرفعنا الى ميراث القديسين، والذي
يجعلنا أعضاء ملكوت المسيح، الذي به ومعه لله الآب كل تسبيح وسلطان مع الروح القدس
الى دهر الدهور.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي