الإصحَاحُ الثَّامِنُ

 

(هـ) المسيح يعلِّم بالأمثال

(1:821)
إنجيل
القديس لوقا وحده

 

1 المرافقون

(1:83)

كان يتبع المسيح رفقة
من المخلصين المحبين للغاية يشتركون مع المسيح في ترحاله وأسفاره، جعلهم الله
شهوداً لأعماله الفائقة. وها هو ق. لوقا هنا يعود ويذكرهم بالتحديد في بداية هذا
الجزء الجديد من سيرة المسيح العطرة. فالاثنا عشر بأسمائهم، والنسوة التقيات
والتائبات واللاتي شفاهن من أمراضهن تبعنه ويخدمنه من أموالهن الخاصة بفرح وطيب
خاطر كما يشتركن في أعمال الله، إذ كانت النسوة جزءاً هاماً في ظعنه([1])
وإقامته. وبهذه الجماعة الصغيرة استمر المسيح في رحلاته، ووعظ وكرز بالإنجيل أي
بالأخبار السارة في كل ريف البلاد.

وغرض ق. لوقا من هذا
القسم من إنجيله أن يقدِّم لنا عيِّنة من خدمته ووعظه وتعاليمه مبتدئاً بالعشر
مدن، وفي نهاية الفصل قصة إرساله لتلاميذه للخدمة وحدهم وبقية رحلات المسيح. ونحن
نعلم أن ق. لوقا لم يكن تلميذاً، لا من الاثنـي عشر ولا من السبعين ولا من
التابعين، وإنما ينقل عن أصول مكتوبة أمامه واستفسارات شفاهية من شهود عيان كانوا
حاضرين سامعين وناظرين، وحفظوا ما سمعوا وما رأوا في قلوبهم إلى يوم الميعاد، حيث
تسجَّل في الإنجيل ليدخل خزانة الكنيسة كدرر غالية الثمن لكل الأجيال القادمة،
ولسعداء نحن إذ بلغنا جيلاً سمع وقرأ ووعى ودرس وتعلَّم وعلَّم وصار من الكارزين.

على أن ق. لوقا أخذ ليس
بالقليل من إنجيل ق. مرقس، فكما علمنا أن هذا الإنجيل يُعتبر أول وثيقة مسيحية
دخلت خزانة الكنيسة في الأربعينات وربما قبل ذلك، واكتحلت عين كنيسة الإسكندرية
برؤياه وسمعت كرازته وتعلَّمت بتعاليمه. ثم هذا الإنجيل الذي للقديس لوقا أخذ
قرابة 50% من محتوياته عن ق. مرقس والباقي أخذه من إنجيل ق. متى ومن وثيقة أخرى
ضائعة سمَّاها العلماء بحرف
Q. وفي هذا القسم من إنجيل ق. لوقا أخذ من المدعو Q،
هذا ما يضاهي (مت 35:9)، (مت 23:4)، (مت 1:11) وهي غير موجودة في إنجيل ق. مرقس.
وذلك عن أبحاث العالم شورمان([2]).

وعند ق. لوقا نجد
المسيح حرًّا يتبع خط كرازته غير منفعل بشيء، في حين في إنجيل ق. مرقس نجده
ملتزماً بكرازة تردّ على الفرِّيسيين المعاندين، خاصة في المجامع التي كان يكرز
فيها([3]).

ونجد إصرار ق. لوقا على
تسجيل وجود النساء واتّباعهن الرب ومشاهدة أعماله وتعاليمه يرجع إلى أخذ شهادتهن
بقيامة الرب إذ تبعنه من الجليل حتى أُورشليم، ورأين الصليب والقبر وشاهدن القيامة
وكرزن وبشَّرن وصرن جزءاً حيًّا من إنجيل المسيح (لو 55:23). كما سجَّل وجودهن
وعملهن في سفر الأعمال (14:1). وواضح أن سبب ذكرهن بالذات في هذا الجزء من الأصحاح
يرجع إلى أنه ينقل من الوثيقة
Q كما جاء فيها في هذا المكان دون اختيار خاص، لأن ق. مرقس ذكرهن في
(40:15) في نهاية إنجيله. وق. لوقا نفسه عاد وذكرهن مرَّة ثانية في نهاية إنجيله
(حسب وثيقة ق. مرقس) في (49:23و55، 1:245و10). ولكن كان قصد ق. لوقا
واضحاً أيضاً لماذا ذكرهن هنا في بدء خدمة المسيح وأثناء ترحاله، ذلك لكي يعطي
التقليد الكنسي ترتيباً طقسياً حيًّا عمل به المسيح، وهو خدمة النساء في  الكنيسة
بالشهادة والكرازة والخدمة الخاصة بجنسهن من رعاية وحنان أمومة على مدى السنين.
لأن خدمة النساء كانت عند المسيح ذات اعتبار هام بل وذات تأثير ونتائج باهرة.

كما يرى العالم
جروندمان([4])
أن للقديس لوقا نفسه تسجيلات خاصة به أسماها “
L
أو “ل”، حصل عليها من مصادره الخاصة الشفاهية والمكتوبة التي بحث ونقَّب عنها.

وقد استأنف ق. لوقا هذا
الفصل (1:83) عند الأصحاح (51:9) حيث دسَّ بينهما كل ما أخذه من ق.
مرقس، وقد جاء صحيحاً في محلّه المناسب.

1:8 «وَعَلَى أَثَرِ
ذلِكَ كَانَ يَسِيرُ فِي مَدِينَةٍ وَقَرْيَةٍ يَكْرِزُ وَيُبَشِّرُ بِمَلَكُوتِ
اللهِ، وَمَعَهُ الاِثْنَا عَشَرَ».

واضح هنا في إنجيل ق.
لوقا بدراسة ما جاء في كل من ق. مرقس وق. متى وحتى
Q
التي كان يرجع إليها أن المسيح غيَّر خطة خدمته فأصبحت غير هادفة
لمدينة أو قرية معيَّنة، وأنه غادر مركز خدمته في كفرناحوم من هذه اللحظة حتى باقي
خدمته، إذ لم تعد إقامته في كفرناحوم ولا عاد إليها. وهكذا بدأ المسيح ينتقل من
مكان إلى مكان. وقد وجد ق. لوقا أنه حتى لهجة كرازة المسيح بدأت تأخذ صيغة أخرى
وهي صيغة الكرازة الحرّة في كل مكان، التي رآها ق. لوقا نموذجاً جيداً لخدمة
الكنيسة الأُولى. وقد أوضحها مرَّة أخرى في (22:13):
» واجتاز في
مدن وقرى يعلِّم ويسافر نحو أورشليم
« ولكي يظهر ذلك بوضوح أمام القارئ نجد ق. لوقا نفسه يستخدم نفس أسلوب المسيح في التسجيل لحساب الكنيسة الأُولى
هكذا:
» وإذ
كانوا يجتازون في المدن كانوا
يسلِّمونهم
القضايا التي حكم بها الرسل والمشايخ الذين في أُورشليم ليحفظوها
«(أع
4:16). من هذا نفهم أن ق.
لوقا ليس مؤرِّخاً وحسب، بل مدرِّساً كنسياً
حافظاً للتقليد وواضعاً أُسسه الراسخة في الكنيسة.

«يكرز
ويبشِّر»:
khrÚsswn kaˆ eÙaggelizÒmenoj

كلمتان متقاربتان في
المعنى: الأولى وهي الكرازة تعني التعليم، أما  الثانية وهي البشارة بالملكوت فهي
كشف سر الملكوت الآتي وهو مصدر الأخبار السارة والمفرحة للغاية، إذ لنا بعد أحزان
العالم أفراح سماوية لا نهاية لها. التعليم فيه إنذار وتوجيه وتوبيخ ومعرفة صعاب الطريق
والخلاص منه، أمَّا البشارة فهي النتائج للذي عبر الطريق بسلام وغلب وعاد إلى
وطنه: الملكوت، وعلى رأسه ابتهاج وفرح. وقد أوضح ق. لوقا أن الكرازة شيء والبشارة
شيء آخر حينما قال المسيح ما يُفهم منه أن الكرازة أي التعليم هو للناس، أمَّا لكم
فالبشارة، هكذا:
» فقال: لكم قد أُعطي أن تعرفوا أسرار ملكوت الله
وأمَّا للباقين فبأمثالٍ …
«(لو 10:8). وواضح أن احتفاظ المسيح بالاثني عشر ليكونوا معه دائماً
هو عملية إعداد لمستقبل خدمتهم لتأسيس الكنيسة. فمنذ بدء هذا الترحال تُعتبر
الكنيسة أنها بدأت تتشكَّل من الأساس.

2:8و3 «وَبَعْضُ
النِّسَاءِ كُنَّ قَدْ شُفِينَ مِنْ أَرْوَاحٍ شِرِّيرَةٍ وَأَمْرَاضٍ: مَرْيَمُ
الَّتِي تُدْعَى الْمَجْدَلِيَّةَ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا سَبْعَةُ شَيَاطِينَ،
وَيُوَنَّا امْرَأَةُ خُوزِي وَكِيلِ هِيرُودُسَ، وَسُوسَنَّةُ، وَأُخَرُ
كَثِيرَاتٌ كُنَّ يَخْدِمْنَهُ مِنْ أَمْوَالِهِنَّ».

وهكذا يظهر لأول مرَّة
مركز المرأة عند المسيح وفي تأسيس الكنيسة، ومقامها مع الاثني عشر بالكيل الواحد.
وذكر الشفاء من الأرواح الشريرة سبق أن مررنا عليه في (21:7)، والشفاء من الأمراض
في (39:4). ثم ذكر على وجه الخصوص ثلاث منهن: مريم التي من مجدالا (10:24)، وهنا
يخصّها ق. لوقا بالأولوية بين النساء بسبب ذيوع صيتها كشاهدة أُولى للقيامة يُعتد
بها حسب التقليد. ولا يوجد أي تلميح لا في إنجيل ق. لوقا ولا في المصادر الأخرى
التي رجع إليها ما يوحي أنها المرأة الخاطئة التي غسلت رجلي الرب بدموعها ومسحتهما
بشعرها ودهنتهما بالطيب، أي أن مريم المجدلية لا علاقة لها بالخاطئات اللاتي تُبن.

ثم يأتي ذكر يونَّا ‘Iw£nna وبالعبرية Yôhãnã وهي تأنيث اسم يوحنا، وهي امرأة رجل غير معروف لدينا اسمه “خوزي Couz© وهو اسم من نباطية، وكان ضابطاً عند هيرودس
أنتيباس، ربما مديراً لأعماله أو متقدِّماً على خَدَمهِ وهذا معنى كلمة “وكيله”،
وقد ذكر هذه الكلمة ق. متى في (8:10). وهذا مَثَلٌ لخدمة المرأة في الأوساط
الارستقراطية.

والثالثة
هي سوسنة

Sous£nna بمعنى زنبقة Lily.
واليهود كانوا يطلقون الأسماء الجميلة من
الزهور والشجر على البنات. فمثلاً رودا هي وردة،
وثامار تعني ثمر، … وسوسنة غير معروفة إلاَّ
من اسمها.

والعجيب أن تقوم هؤلاء
السيدات الثلاث بالصرف على الاثني عشر ومعهم المسيح، لأنهن كنَّ من الأغنياء.
بمعنى أنهنَّ كن ذوات أموال خاصة وضعن أموالهن رهن رحلات المسيح والاثني عشر بكل
مصاريفها. ولكن وضع كلمة “يخدمن
dihkÒnoun” تفيد أنها خدمات كنسية أيضاً كما استلمتها الكنيسة كخدمات مسيحية
بعد ذلك.

ولكن من دقة البحث
والفحص نجد استعانة المسيح بخدمة المرأة على هذا المستوى من التداخل والمسئولية هو أمر يُستغرب له جداً حتى من التلاميذ
أنفسهم:
» وعند
ذلك جاء تلاميذه وكانوا
يتعجَّبون أنه يتكلَّم مع امرأة «(يو 27:4)، بمعنى أن المسيح فتح الباب المغلق على المرأة بصورة
عامة رسمية وهامة وخطيرة لتكون المرأة مسئولة عن الخدمة على مستوى الرجل وأكثر،
فالذي يصرف على الخدمة هو مستأمن على الخدمة بالدرجة الأُولى. ويخطئ أشد الخطأ
مَنْ يقول إن الكنيسة أخذت الانفتاح على المرأة تقليداً من البيئة اليونانية،
فالمسيح هو الذي فتح بنفسه الباب على المرأة وحرَّرها من الانغلاق والتقهقر خلف
الرجل والتبعية للرجال على مستوى الأطفال أو العبيد عديمي المسئولية. فهنا يُسلِّم المسيح المرأة مقاليد الخدمة والصرف
عليها من مركز المسئولية في الكنيسة ولكن ليس
عليها.

وهذا الإجراء الجديد
الذي افتتحه المسيح الذي يجعل المرأة تخدم مع الرجل في الكنيسة هو منطقي بحسب
الروح إلى أقصى حد. فالبشارة بالملكوت تخص الرجل كما تخص المرأة، والدخول واحد للاثنين. فإن كان وضع المرأة كوضع الرجل في الملكوت
لا فرق على الإطلاق، فيصبح من حق المرأة
أن تخدم الملكوت كما يخدمه الرجل
على نفس المستوى، فلو علمنا أكثر أن في الملكوت لا يزوَّجون ولا يتزوَّجون، فأصبحت
عثرة الجنس وما يحيط به من الظروف التي جعلت المرأة موضع ملاحقة
واشتهاء وعثرات غير موجودة، وهذا الوضع في الملكوت الذي بلغ فيه
التساوي بين الرجل والمرأة أقصى غايته عاد بأثر رجعي على الحال في الكنيسة داخل
الزمن، فأصبحت الحياة المسيحية داخل الكنيسة تطبيقاً عملياً لما سيكون، لأن
الكنيسة تحيا الملكوت منذ الآن وتخدمه بآن!! وهذا قاله بولس الرسول:
» ليس ذكرٌ
وأنثى لأنكم جميعاً واحدٌ في المسيح
«(غل 28:3)، » ولا المرأة من دون
الرجل في الرب.
«(1كو 11:11)

ويلزم أن نعرف أن هاته
النسوة ظلت تسير وتخدم مع المسيح والاثنى عشر حتى دخل أُورشليم وحضرت جميعهن
الأيام الأخيرة للمسيح وشاهدن الصلب وشهدن للقيامة كما هو مكتوب:
» وكانت أيضاً
نساء ينظرن من بعيد بينهن مريم المجدلية ومريم أُم يعقوب الصغير ويوسي وسالومة
اللواتي أيضاً تبعنه وخدمنه حين كان في الجليل وأُخر كثيرات اللواتي صعدن معه
إلى أُورشليم
«(مر
15: 40و41). أمَّا ق. لوقا فذكر أيضاً أخيراً هؤلاء النسوة دون تنصُّل:
» وكان جميع
معارفه ونساء كُنَّ قد تبعنه من الجليل واقفين من بعيد ينظرن ذلك
«(لو 49:23). والامتياز في تسجيل ق. لوقا للنسوة هو أنه تتبَّعهن
منذ البدء، أي بدء الترحال من الجليل في أسفار المسيح المستمرة من مدينة إلى مدينة
حتى دخل أُورشليم، وبقين هناك حتى شاهدن الختام. فهنا تتضح لنا حاسة التاريخ عند
ق. لوقا وتتبُّع كل شيء من الأول بتدقيق كما ذكر في مطلع إنجيله.

 

2
مَثَل الزارع

(4:88) (مت 1:139) (مــر 4: 1-9)

4:8 «فَلَمَّا
اجْتَمَعَ جَمْعٌ كَثِيرٌ أَيْضاً مِنَ الَّذِينَ جَاءُوا إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ
مَدِينَةٍ، قَالَ بِمَثَلٍ».

يهم القارئ أن يعلم
لماذا بدأ المسيح يعلِّم متخذاً الأمثال كطريقة جديدة للتعليم. فالمسيح في بداية
خدمته كان يعلِّم الشعب بغاية البساطة والوضوح كالعظة على الجبل، بحيث أن السامع
البسيط يمكنه أن يفهم ويتعلِّم. ولكن وقد اعتاد الشعب على التعليم ولم يعطِ
استجابة، بدأ المسيح يفرِّق في طريقة تعليمه بين الإنسان الجاد والمهتم بالسمع
والفهم، والإنسان الذي يستخف بالتعليم وليس له قلب مفتوح للمعرفة. فالتعليم
بالأمثال يعطي فرصة لذوي العقول المفتوحة للجري وراء المعنى والتقاطه بفرح وحفظ
المعاني في قلب واعٍ، أمَّا الذين يتزاحمون على السمع بغير نيَّة للفهم والحفظ
والعمل فيسقط دونهم المعنى المقصود ولا يفهمون شيئاً، هؤلاء هم الذين قال عنهم
مراراً وتكراراً إن لهم آذاناً للسمع ولكنهم لا يسمعون، كما أسماهم بأصحاب القلوب الغليظة
والبطيئي القلب في السمع والإيمان. وللعجب فإن أول مثل قاله المسيح كان يخص هذا
الموضوع بالذات، وفيه يفرِّق المسيح بين أنواع السماع.

علماً بأن أصل المثل
كما سبق وقلنا (انظر كتاب شرح إنجيل ق. مرقس
صفحة 217240)
لم يقدِّم المسيح له تفسيراً، فكان يقول المثل ولا
يعلِّق عليه ولا يشرحه، ولكن الأمثلة التي يجد لها القارئ شرحاً أو تفسيراً معها
فهو لم يلقِهِ المسيح على الجموع، ولكن سجَّله الإنجيل بعد أن دخل المثل في صميم
خدمة الرسل أو الأساقفة داخل الكنيسة وقُدِّم له الشرح.

وهذا المثل » خرج الزارع
ليزرع
«قاله المسيح للجموع وتركهم يفسرونه بأنفسهم، معتقداً أن
تلاميذه لابد أن يكونوا قد فهموه، فلمَّا أخذوه على انفراد وقالوا له فسِّر لنا
مثل الزارع، اندهش المسيح لأنه كان من المفروض أن يكونوا قد فهموه بسبب الوعي الذي
تربَّى عندهم من كثرة التعليم، لذلك بادرهم بالإجابة قائلاً:
» ثم قال لهم
أما تعلمون هذا المثل؟ فكيف تعرفون جميع الأمثال؟
«(مر 13:4). وهكذا كان المسيح يفترض في تلاميذه أن يفهموا الأمثال
دون شرحه أو تفسيره الخاص من واقع وعيهم الروحي المدرَّب. ولقد فات على ق. لوقا
هذا التأنيب الذي واجه به تلاميذه فلم يذكره.

5:8 «خَرَجَ
الزَّارِعُ لِيَزْرَعَ زَرْعَهُ. وَفِيمَا هُوَ يَزْرَعُ سَقَطَ بَعْضٌ عَلَى
الطَّرِيقِ، فَانْدَاسَ وَأَكَلَتْهُ طُيُورُ السَّمَاءِ».

لم يذكر القديس لوقا
فاتحة المثل، وهذه الفاتحة تعتبر محور التعليم بالأمثال جميعاً، وهي:
» وقال لهم في
تعليمه اسمعوا …
«(مر 2:4). والمسيح يقصد منها أمرين غاية في الأهمية والعمق:

الأول هو التنبيه
المُسْبَق قبل الكلام لكي تنفتح آذانهم للسماع الروحي وللتفريق بين كلام الناس
وكلام الله. أمَّا الأمر الثاني وهو في غاية الأهمية والإحكام، فالمسيح بدأ
تعليمه الرسمي الثابت هنا كبداية تعليم الله في القديم بالوصية:
» اسمع يا
إسرائيل …
«(تث 4:6)، وقد
سمَّاها اليهود بـ“الشِمَاع” أي “السمع” التي تُعتبر سر بدء الوصايا والتي يتعلَّق
بها كل تعليم الله. فإن انفتحت الأذن الروحية لسماع الله فالكلمة تدخل القلب
وتُختزن فيه للحياة. وفي قول المسيح:
» خرج الزارع ليزرع «لم يكن هذا
الزارع إلاَّ المسيح نفسه، فهو يلقي كلماته كما يلقي الزارع بذاره. إذن فالمثل
يختص بكلمة الله!

«سقط بعض
على الطريق»:

كلمة “الطريق” هنا ليست
أكثر من المدق الذي يخترق الحقول للسير بالقدم، فالمدق لا يزيد عرضه عن متر واحد،
والحقل تخترقه مدقات كثيرة، لذلك حتماً تقع البذار أثناء نثرها على الطريق عفواً.
وبالتالي إمَّا تدوسها الأرجل أو تلتقطها طيور السماء، التي لم تكن من واقع المثل
إلاَّ الشيطان نفسه، فهو يتتبَّع الكلمة عند السامع محاولاً أن يخفي أهميتها أو
يصعِّب من مفهومها أو يخنقها بالشكوك أو يطمس معالمها باللامبالاة. أمَّا الدوس
بالأقدام فهو الإهمال الذي يبديه السامع لكلمة الله فتموت في سمعه:
» فكم عقاباً
أشر تظنون أنه يُحسب مستحقاً مَنْ داس ابن الله (كلمته) وحسب دم العهد الذي قُدِّس
به دنساً وازدرى بروح النعمة.
«(عب 29:10)

6:8 «وَسَقَطَ آخَرُ
عَلَى الصَّخْرِ، فَلَمَّا نَبَتَ جَفَّ لأَنـَّهُ لَمْ تَكُنْ لَهُ رُطُوبَةٌ».

أرض فلسطين ملآنة
بالحجارة، والغيطان نفسها ملآنة بالحجارة، وحتماً تسقط البذار على الصخر كما تسقط
على الأرض الجيدة، والصخر عليه طبقة رقيقة من التراب فإذا نزل المطر وابتلت البذرة
تنبت، ولكن إذ ليس للجذر عمق فحالاً تجف وتموت النبتة. والشرح لا يغيب عن أي ذهن،
فالتطبيق يكون على أصحاب القلوب غير المستعدة لحفظ الكلمة والاهتمام بها، فيتأثر
الإنسان من سماع الكلمة ولكن إذ ليس له مسرَّة في وصايا الله وأعماله تموت الكلمة
في قلبه.

7:8 «وَسَقَطَ آخَرُ
فِي وَسْطِ الشَّوْكِ، فَنَبَتَ مَعَهُ الشَّوْكُ وخَنَقَهُ».

هنا الوصف يجيء في
منتهى الحبك إذ أنها حالة واقعة نراها دائماً، ولكن تطبيقها عميق ومحزن لأنه
يستقطب غالبية الناس التي تسمع الكلمة وتقبلها وتحاول الاحتفاظ بالتعليم، ولكن
هموم العالم والسعي وراء الرزق وضياع النهار كله في الجري وراء اللقمة وما بعد
اللقمة من منازعات مع الرؤساء والمرؤوسين والزملاء وضيق الحال وصعوبة التعامل مع
الناس، كل هذا يخنق الكلمة مهما كان الإنسان راغباً في الحفظ والعمل. ولكن لا يأس
لأولاد الله، فعين المسيح على أحبائه يرعاهم في الضيق، ومهما ضغط العالم بهمومه
فإن المتكلين عليه والشاكرين والمسبِّحين له تجدهم في أشد ساعات التعب والضيق
يترنمون ونفوسهم راضية مبتهجة، لأن روح الله يعين التعابى ويعزِّي صغيري القلوب
ويمسح الدمع من عيون مختاريه.

8:8 «وَسَقَطَ آخَرُ
فِي الأَرْضِ الصَّالِحَةِ، فَلَمَّا نَبَتَ صَنَعَ ثَمَراً مِئَةَ ضِعْفٍ. قَالَ
هذَا وَنَادَى: مَنْ لَهُ أُذْنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ!»

والجزء الرابع من
البذار سقط على الأرض “الصالحة
¢gaq»n” وهي نفسها “الجيدة kal»n” (مر 8:4) التي أثمرت مئة ضعف، وق. لوقا هنا يجمع الدرجات معاً،
فالثلاثين والستين ضمَّهم على المئة ليتلافى تقسيم المؤمنين إلى درجات والتفريق
بين أعمال الناس، فجعل الذي يثمر يثمر ثمراً كاملاً.
وذلك على نمط المثل الذي قدَّمه المسيح للأجراء الذين تفاوتت ساعات عملهم ولكنهم

أخذوا جميعاً أجراً واحداً كاملاً بالنهاية لأن قلبه “صالح”. وفي نهاية المثل أعطى
ق. لوقا ما يعوِّض غياب البادئة “اسمعوا” بأن
نادى لتنفتح الآذان القلبية حتى تستوعب الحكمة من المثل ويدرك كل إنسان ما

فاته.

وإليك يا صديقي القارئ
أقول: إن أسعد الناس هم الذين انفتحت قلوبهم وتعمَّق وعيهم الروحي فأصبحت الحياة
كلها ذات معنى، فإذا التفتوا وراءهم وتدارسوا جميع الظروف التي عبروها والآلام
والأتعاب والضيقات التي أتت عليهم فإنهم يكتشفون كم كانت يد الله معهم. كم مرَّة
نجَّاهم، وكم مرَّة عبر بهم الأهوال بأقل تعب، وكم كان الرب عظيماً وعظَّم الصنيع
معهم. إذن فللمسيح الحق أن يوعِّينا دائماً:
» مَنْ له
أذنان للسمع فليسمع
«
إنه صوت الله وراء كل خطوة من خطوات الحياة لنمسك بالوصية.

 

3
المسيح يشرح لماذا يعلِّم بالأمثال

(9:8و10) (مت
10:13-17)

(مــر
4: 10-13)

 

9:8و10 «فَسَأَلَهُ
تَلاَمِيذُهُ قَائِلينَ: مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ هذَا الْمَثَلُ؟ فَقَالَ: لَكُمْ
قَدْ أُعْطِيَ أَنْ تَعْرِفُوا أَسْرَارَ مَلَكُوتِ اللهِ، وَأَمَّا لِلْبَاقِينَ
فَبِأَمْثَالٍ، حَتَّى إِنَّهُمْ مُبْصِرِينَ لاَ يُبْصِرُونَ، وَسَامِعِينَ لاَ
يَفْهَمُونَ».

بعد ما قال المسيح مثل
الزارع سأله تلاميذه عن معنى هذا المثل، والقديس لوقا لم يذكر ما جاء في إنجيل ق. مرقس رداً على سؤال التلاميذ، إذ اندهش الرب
أنهم لم يفهموا المثل، ثم استطرد الرب:
وكيف إذن تعرفون بقية الأمثال؟ لأن
المسيح قال المثل بصورته المخفية ظنًّا منه أن تلاميذه سيفهمون قصده. وهكذا ابتدأ
يشرح لهم أنهم أُعطوا نعمة ليفهموا بها سر الملكوت المختفي في تعاليم الرب، خاصة
الأمثال. وقد شرح الرب كل ما يختص بملكوت الله عن طريق الأمثال. ويلاحظ أن المسيح
كان يقول المثل ولا يشرحه أو يفسِّر ما جاء فيه حتى لا يفهمه إلاَّ الذين أعطوا
أسرار الملكوت، أمَّا للباقين الذين لم يعيَّنوا للملكوت فهم يسمعون ولا يفهمون.
وبهذا أصبحت تعاليم الرب بالأمثال قادرة أن تفرز بني الملكوت عن بني العالم
والهلاك. على أن فهم المثل وحده لا يفيد شيئاً، ولكن العبرة في اكتشاف ما فيه من
السر الذي يتحوَّل إلى إيمان ورجاء وقوة، لأن أمثال الملكوت وضعها الرب خاصة
للساعين في طريق الحياة الأبدية حتى تعينهم على اقتحام صعاب الحياة غير مبالين
بعثرات العالم:
» لأنهم ليسوا من العالم كما أني أنا لست من العالم. لست أسأل
أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير
«(يو 17: 14و15). وهذا الكلام يوافق ما قاله الرب في الختام: » فانظروا كيف
تسمعون لأن مَنْ له سيُعطى. ومَنْ ليس له فالذي يظنه له يُؤخذ منه
«(لو 18:8)، والمعنى هنا واضح أن مَنْ له سر الملكوت سيُعطَى
الملكوت، ومَنْ ليس له سر الملكوت فالذي عنده من فهم وذكاء ومعرفة تُؤخَذ منه، أي
يفقدها على طول المدى، إذ ليس لها عمل إلاَّ في السعي في طلب الملكوت.

والآن السؤال: ما قيمة
أن يشرح المسيح أو الإنجيلي ق. مرقس أو ق. لوقا المثل ومفتاح المثل ليس في فهمه
ولكن في عطية سر الملكوت؟ من هنا لا يبالي المسيح بأن الجموع لم تعرف معنى المثل،
ولكن الأمر بالنسبة للتلاميذ خطير للغاية إن كانوا لم يعرفوا المثل لأن عندهم سر
الملكوت.

هكذا يحذِّر المسيح في
النهاية:
» انظروا كيف تسمعون! «أتسمعون سمع
أصحاب سر الملكوت، أم تسمعون سمع الجاهلين عديمي الإيمان والرجاء. وهكذا أيضاً
أصبح “المَثَل” عند المسيح يفرز مَنْ له
أُذنان للسمع ومَنْ ليس له قلب يحمل سر الملكوت فيسمع ولا يسمع. لأن النية في
الأعماق رافضة الخلاص وتخشى التوبة وتعشق الخطية. وهكذا أصبح تعليم المسيح وقفاً
على بني الملكوت:
» سرِّي لأهل بيتي «

والقديس بولس الرسول
يعبِّر عن هذا الكلام بقوة وانفتاح:

+ » أنه بإعلانٍ
عرَّفني “بالسرِّ”. كما سبقت فكتبت بالإيجازِ. الذي بحسبه حينما تقرأُونه،
تقدِرونَ أن تفهموا درايتي بسرِّ المسيحِ (الملكوت). الذي في أجيالٍ أُخر
لم يُعرَّف به بنو البشر، كما قد أُعلِنَ الآنَ لرُسُلِهِ القديسينَ (لكم قد أُعطي
أن تعرفوا أسرار ملكوت الله) وأنبيائه بالروح.
«(أف 3: 35)

ولكن عوض الاصطلاح
الكنسي الذي أورده ق. مرقس نقلاً عن التقليد داخل الكنيسة في شرح الأمثال:
» أمَّا الذين
من خارج …
«
هنا يقولها ق. لوقا:
» أمَّا للباقين فبأمثال … «

والسؤال الذي يقدِّمه
العلماء: وهل المسيح يقصد ذلك فعلاً؟ هذا يوضِّحه العهد القديم في إشعياء الذي ورد
فيه عن السماع وعدم السماع والنظر وانعدام النظر بقوله:
» فقد تمَّت
فيهم نبوَّة إشعياء القائلة: تسمعون سمعاً ولا تفهمون. ومبصرين تبصرون ولا تنظرون،
لأن قلب هذا الشعب قد غلظ وآذانهم قد ثقل سماعها، وغمضوا عيونهم لئلاَّ يبصروا
بعيونهم ويسمعوا بآذانهم ويفهموا بقلوبهم ويرجعوا فأشفيهم
«(مت 13: 14و15). وواضح أن نيَّة الشعب على عدم السماع والنظر هي
التي حتَّمت بالأمثال المخفى فيها معرفة الملكوت. ومثل الزارع الذي ضربه المسيح
على كلمة الله وتعدُّد ظروف استقبالها والانفعال بها يوضِّح هذا القول.

 

4
المسيح يشرح مَثَل الزارع

(11:815) (مت 18:1323) (مر 4: 14
20)

هنا يبدأ ق. لوقا
يقدِّم شرح المثل متخذاً إنجيل ق. مرقس أساساً له. والمعنى يتمشَّى مع حال الذين
يسمعون كلمة الله ولهم رؤية وسماع قلبي لأسرار ملكوت الله والمثل
عندنا بولس الرسول وقد أُعطوا من المسيح وتعاليمه مزيداً من الدراية
بسر المسيح. والمثل مجازي أو استعارة أي تشبيه شيء بشيء، وهنا تشبيه تعليم كلمة
الله بالزارع الذي ينثر البذور على الأرض. والمناسبة بين كلمة الله والبذرة شديدة
للغاية، فقدرة الاستقرار في التربة هي نفسها استقرارها في القلب، وقدرة الإنبات
واحدة هنا وهناك، والقدرة على النمو وضرب الجذور واحدة، ثم الارتفاع عن الأرض
والظهور بمظهر جديد واحد، ثم في النهاية الإثمار هو أيضاً مطابق. وباختصار فإن
سماع الكلمة يتحتَّم أن يأتي بثمار وإلاَّ فالكلمة تكون قد ماتت في القلب. فتمثيل
المسيح هنا أن “الزرع هو كلمة الله” غاية في الإحكام.

وهنا احتار العلماء: هل
الشرح الذي قدَّمه كل من الأناجيل الثلاثة هل هو للمسيح؟ أم للقديس مرقس وحده
والكل أخذ منه؟ وق. مرقس نعلم علم اليقين أنه يستحيل أن يشرح شيئاً من عنده بل هو
ينقل التقليد الجاري في الكنيسة ويسجِّل ما تُعلِّم به الكنيسة في سِنيها الأُولى
العشرة. وقد اتفق بعض العلماء أن المسيح لم يقدِّم الشرح المذكور في الأناجيل([5])،
ولكن أثبت كرانفيلد([6])
وموول أن الشرح الذي جاء في إنجيل ق. مرقس وأخذه عنه ق. لوقا وق. متى لا يوجد ما
ينفي صحته ونسبته للمسيح. لذلك في إنجيل ق. لوقا هنا لا يوجد ما يغيِّر هذا
القرار، فالقديس لوقا أخذ عن ق. مرقس في تحرير إنجيله والتزم برأي ق. مرقس، معلناً
أن الكنيسة الأُولى أخذت عن ق. مرقس وأعادت صياغة الإنجيل بلغتها. والنتيجة هي أن
نأخذ بما انتهى إليه ق. مرقس. غير أن الكنيسة امتدت بالشرح عن المسيح ككلمة الله:
» من أجل ذلك
نحن أيضاً نشكر الله بلا انقطاع لأنكم إذ استلمتم منا كلمة خبر من الله قبلتموها
لا ككلمة أُناس بل كما هي في الحقيقة ككلمة الله التي تعمل أيضاً فيكم أنتم
المؤمنين به
«(1تس 13:2). وهكذا
ينتهي الحكم بأن كل مَنْ التزم بكلمة الله وآمن بها فإنه يخلص، ومَنْ لم يؤمن
بكلمة الله ويلتزم بها فإنه لا يخلص. هذا ما يود ق. لوقا أن يقدِّمه للقارئ في
إنجيله من جهة هذا المثل كتعليم المسيح دون زيادة.

11:8 «وَهذَا هُوَ
الْمَثَلُ: الزَّرْعُ هُوَ كَلاَمُ اللهِ».

لقد
أسقط ق. لوقا توبيخ المسيح للتلاميذ كونهم لم يقدروا أن يفهموا المَثَل وأرادوا
منه أن يشرحه لهم. وضحَّى ق. لوقا بأهمية هذا التوجيه من المسيح، لأنه يكشف عدم
استخدام التلاميذ عطية السر التي أخذوها من الله لمعرفة أمور ملكوت الله. وكان
قصده من ذلك أن لا يسجِّل على التلاميذ هذه الجهالة.

ويُلاحَظ أن ق. لوقا قد
ألغى وظيفة الزارع وقصر المثل على الزرع أي الكلمة وعلى السامع مباشرة. وبهذا يضم
ق. لوقا مفهوم الزارع إن كان هو المسيح أو أحد أتباع المسيح. في حين أن دور المسيح
لا يقتصر على قول الكلمة، أي إلقاء البذار وحسب بل هو وراء توجيه الكلمة إلى القلوب، فهو الساهر على كلمته ليجريها، وعمله في وسط
السنين يُحييه!! (إر 12:1، حب
2:3). فالكلمة بدون المسيح لا وجود ولا عمل
لها!!

وحتى سامع الكلمة فإن
هو عمل بالكلمة صار متصلاً ومتحداً بالمسيح نفسه صاحب الكلمة بنوع الشركة
السرِّية:
» فأجاب وقال لهم: أُمي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة الله
ويعملون بها
«(لو 21:8). إذن
فالقديس لوقا يجعل عبارة
» الزرع هو كلام الله «تتضمن أن
المسيح هو بالضرورة الزارع ولو أنه لم يذكرها.

وهنا
ينبري ق. مرقس بآيته التي ساوى فيها بين المسيح وكلمة الله حينما قالها مرتين من
فم

المسيح:
» من
أجلي ومن أجل الإنجيل
«(مر 35:8، 29:10). فالذي يمسك بالإنجيل ويتمسَّك به
هو

يمسك بالمسيح ويتمسَّك به. وفيها يعطي المسيح
في إنجيل ق. مرقس تشخيصاً للكلمة على مستواه حتى
مَنْ لم يَرَ المسيح  يراه
في كلمته، ومن تمنَّى أن يرى المسيح في حياته ولو مرَّة واحدة، عليه أن يلتصق
بكلمة الإنجيل ليراه كل يوم وساعة. ومَنْ يحب الكلمة ويخضع لها كمَنْ أحبَّ ذات
المسيح وأتُمر بأمره.

12:8 «وَالَّذِينَ
عَلَى الطَّرِيقِ هُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ثُمَّ يَأْتِي إِبْلِيسُ وَيَنْزَعُ
الْكَلِمَةَ مِنْ قُلُوبِهِمْ لِئَلاَّ يُؤْمِنُوا فَيَخْلُصُوا».

هنا انطلق ق. لوقا
مرَّة واحدة واستعاض عن البذار التي سقطت على الطريق بالذين يعيشون على قارعة طريق
العالم، والشيطان بالمرصاد، عندما يسمعون الكلمة يأتي وينزعها منهم لئلاَّ يخلصوا،
كما تأتي طيور السماء وتلتقط الحَب حال وقوعه على الأرض الجافة. وهكذا ربط كل من
ق. لوقا وق. متى عمل الطيور بعمل الشيطان، بسبب شدة يقظة الطيور لالتقاط الحبة
بمجرد وقوعها على الطريق. بهذه المهارة يقف الشيطان بالمرصاد لسامعي الكلمة وهم
على طريق العالم المكشوف بقلوب لا تعرف كيف تخبِّئ كلمة الله في خزانتها الخصوصية.
ولا يلوم الذي يخرج من دائرة الإنجيل صفر اليدين، فالعلة ليست في الله الذي تركه
بل في الشيطان الذي نهب حياته وأكل ميراثه:
» طول النهار
بسطت يديَّ إلى شعب معاند ومقاوم
«(رو 21:10؛ إش 2:65)، » حولوا نحوي القفا لا
الوجه
«(إر 27:2)، » قائلاً اذهب
إلى هذا الشعب وقُل: ستسمعون سمعاً ولا تفهمون وستنظرون نظراً ولا تبصرون لأن قلب
هذا الشعب قد غلظ وبآذانهم سمعوا ثقيلاً وأعينهم أغمضوها لئلاَّ يبصروا بأعينهم
ويسمعوا بآذانهم ويفهموا بقلوبهم ويرجعوا فأشفيهم. فليكن معلوماً عندكم أن خلاص
الله قد أرسل إلى الأُمم وهم سيسمعون
«(أع 28: 27و28). وبهذه الآية ختم ق. لوقا سفر أعمال الرسل!!

ويسأل سائل لماذا هكذا
غضب الله على هذا الشعب؟ الجواب: لأنهم تمادوا في رفضه حتى آخر لحظة، لذلك تمادى
الله في رفضهم حتى آخر فرصة:
» رفضوني أنا الحبيب مثل
ميت
«! (مز 21:37 حسب النسخة القبطية) » هوذا بيتكم يُترك لكم خراباً «(مت
28:23)!! إنهم

قتلوه!!

فيا ويل مَنْ يزدري
بخلاصه!! لأنه بمثابة من يدوس النعمة ويزدري بدم ابن الله.

13:8 «وَالَّذِينَ
عَلَى الصَّخْرِ هُمُ الَّذِين مَتَى سَمِعُوا يَقْبَلُونَ الْكَلِمَةَ بِفَرَحٍ.
وَهؤُلاَءِ لَيْسَ لَهُمْ أَصْلٌ، فَيُؤْمِنُونَ إِلَى حِينٍ، وَفِي وَقْتِ
التَّجْرِبَةِ يَرْتَدُّونَ».

إذا وقع الحَبُّ على
الصخر وعليه تربة خفيفة ينمو سريعاً ولكن بعد ذلك يجف إذ ليس له عمق يضرب فيه
جذوره. هذا اختصره ق. لوقا ليتكلَّم عمَّا يقابله في البشرية عند الذين يسمعون
الكلمة بفرح ولكن إذ ليس لهم عمق واختزان في القلب للكلمة، ولا يوجد ما يرويها لكي
تتأصَّل في القلب، حيث هنا غياب الماء وغياب عمق التربة هو المقابل، فإن الجذر
يتوقَّف عن النمو ويذبل الزرع ويموت إذا طلعت الشمس. ويضع المسيح لها المقابل وهو
عدم الاستمرار في الإيمان بسبب المعاناة إزاء التجربة، وحينئذ يرتد المؤمن عن
إيمانه. والسرّ في ذلك بحسب الواقع هو عدم الاستعداد لتحمُّل الآلام إزاء التجارب،
حيث النفس تكون جزعة وجبانة وتأخذ القرارات بخفة واستهانة فتفرح وتتهلَّل عند قبول
كلام الوعظ دون أي رصيد داخلي في قبول دفع ثمن الإيمان وامتحانه. لذلك وضع المسيح
الشرط الأول لاتباعه وهو حمل الصليب من أول الطريق، بمعنى الاستعداد للآلام والموت
ثمناً للإيمان دون مراوغة:
» يا ابني إن أقبلت لخدمة
الرب الإله فاثبت على البر والتقوى وأعدد نفسك للتجربة
«(ابن سيراخ 1:2)، » لأن يسوع من البدء علم
من هم الذين لا يؤمنون ومَنْ هو الذي يسلِّمه.
«(يو 64:6)

أمَّا النصيحة الذهبية
التي نسوقها لذوي النفوس الجزعة التي تخاف من التجارب والآلام باستعداد الهروب
والتسليم للإخفاق: إن “الكلمة” تحمل قوة التنفيذ، ووصايا المسيح تحمل المسيح نفسه
ضامناً لها ومكمِّلاً لكل واجباتها، وإن الذي يتقدَّم بشجاعة لحمل الصليب يحمله
المسيح هو وتجربته معه، والذي قرَّر أن يبذل نفسه حتى الموت أمانة للمسيح وكلمته
يستحيل أن يفرِّط فيه المسيح بل يهبه النصرة على الضيقات وغلبة الآلام والاضطهادات
ويجعله عموداً في بيته:
» الله لنا ملجأ وقوة.
عوناً في الضيقات وُجِدَ شديداً
«(مز 1:46)، » يعلم الرب أن ينقذ
الأتقياء من التجربة
«(2بط
9:2)،
» لا تخف أيها القطيع الصغير لأن أباكم قد سُرَّ أن يعطيكم
الملكوت!!
«(لو 32:12)

14:8 «وَالَّذِي
سَقَطَ بَيْنَ الشَّوْكِ هُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ، ثُمَّ يَذْهَبُونَ
فَيَخْتَنِقُونَ مِنْ هُمُومِ الْحَيَاةِ وَغِنَاهَا وَلَذَّاتِهَا، وَلاَ
يُنْضِجُونَ ثَمَراً».

الإنسان الذي انغمس في
العالم، سواء الذين زجّوا بأنفسهم في حمل هموم أثقل من إمكانياتهم، أو الذين
أغراهم العالم بمسراته الوهمية وملذاته وأمجاده فانزلقوا في شهواته، هؤلاء حينما
يسمعون الكلمة يتحمَّسون لها ولا يستطيعون أن يكمِّلوا مشوارها، فالهموم والملذات
تضغط عليهم كل واحدة منها بثقلها الرهيب فتعوِّق الإنسان عن تكميل آماله وخضوعه
لمطالب الكلمة. وهكذا تنحل قوته ولا يثابر في طريق الإنجيل ويتوقف عن أن يبلغ
الغاية ويتوقَّف دون النتائج دون ثمر. ويبتدئ يتحسَّر على أيامه الأُولى كيف كان
حراً قوياً ناجحاً قبل أن تركبه هموم العالم التي ارتضى بها وحمل نيرها دون نير
المسيح. هذا وضع محكم من مثل المسيح الشديد الانطباق على الواقع الحي لا يمكن أن
يُنسى.

15:8 «وَالَّذِي فِي
الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ هُوَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ فَيَحْفَظُونَهَا
فِي قَلْبٍ جَيِّدٍ صَالِحٍ وَيُثْمِرُونَ بِالصَّبْرِ».

والآن في القسم الرابع
من المثل حيث تقع الحبات في أرض طيبة، وصفهم المسيح بالذين يسمعون الكلمة ليحفظوها
في قلب صالح أمين وشريف، وله طموحات في غايات نبيلة وشريفة يسعى نحوها، في صبر
بتأنٍ ووثوق غير مزعزع بضيقات أو اضطهادات أو آلام ومعاناة العالم الكثيرة، يعبر
عليها جميعاً بقلب راضٍ وشاكر ومحتمل من أجل الهدف العظيم الموضوع أمامه. لا يلين
ولا يتهاون ولا يسوِّف العمر باطلاً، بل يتجه بكل القلب والنية نحو الغاية السعيدة
فيبلغها في أوانها ويثمر فيها ثماراً تُفرِّح قلب الله والناس، فيصير شاهداً على
صدق أقوال الله وأميناً فيما لله. فإذا نظرنا إلى أشخاص الإنجيل نجد مريم التي
جلست تحت قدميْ المسيح ولم تضطرب بأمور كثيرة تسمع وتعي وتفكِّر وتصمِّم، كم هي
انتفعت وأرضت قلب المسيح. كذلك كرنيليوس الضابط قائد المئة غريب الجنس كيف كرَّم
الله واشتهى شهوة أن يكون مسيحياً ويُهان مع المهانين في وسط شعب مذلول، فكان له
وحل عليه الروح القدس وعلى مَنْ معه بصفة خاصة جداً حتى قبل أن يقبل العماد ووضع
اليد، شأنه في ذلك شأن الرسل يوم الخمسين. أو
برنابا الشخص الوقور خادم الإنجيل الهادئ الوديع الصامت
صاحب الكلمة والمدعو ابن الوعظ. هؤلاء صاروا زهوراً
يانعة في صحبة المختارين المدعوين
للخلاص بسبب أمانتهم للكلمة. وأكثرهم وأعظمهم جميعاً هذه العذراء القديسة التي
بسبب تقواها وقلبها
الكامل في الأمانة
والوداعة الطفولية قبلت كلمة الله، لا في قلبها وحسب بل وفي أحشائها، وحبلت بها

بالروح القدس وولدت المسيح الكلمة، والتي كانت
تحفظ كل أمور الله نحوها في قلبها بهدوء
وصمت وحكمة، فاستأهلت أن تكون أم
النور الحقيقي ووالدة الإله التي أرضعت من ثدييها ابن الله.

وهكذا
كما أن الخطية إذا حبلت تلد إثماً، كذلك “الكلمة”، كلمة الله، إذا حُبل بها تلد
إنساناً جديداً:
» مولودين
ثانية لا من زرع يفنى بل مما لا يفنى بكلمة الله الحية الباقية إلى الأبد.
«(1بط 23:1)

 

5 مَثَلُ
المصباح الموقد

(16:818) (مت 5: 15) (مر21:4-25)

الجزء الباقي من تعليم
مثل الزارع، وهو خاص بتلاميذه، غير أنه في إنجيل ق. مرقس يوجِّه المسيح الكلام إلى
الجموع (مر 21:432). وهو هنا يبدأ بالآية (16) ويلحقها آية أخرى (17)
تتبعها، ثم آية أخيرة للتوجيه. والقديس لوقا يأخذ هذه الآيات الثلاث عن إنجيل ق.
مرقس (21:4-25) ولكنه أسقط الآية (23:4) عند ق. مرقس كما أسقط الآية (24:4) لأنه
سبق وذكرها في (8:8، 38:6). والقديس لوقا يقدِّم الآية (18:8) كختام لهذا الفصل
التعليمي، إذ يعود على التلاميذ منبِّهاً أن هذه الخفيات التي يتكلَّم عنها بخصوص
سر ملكوت الله وقد أُعلنت لهم، فقد استنارت عقولهم بها وأصبحوا مصابيح العالم
لإنارة كل الداخلين إلى الإيمان. فعليهم أن يجولوا العالم ومن أهم مواقعه يعلنون
النور لكل الداخلين، على أن كل ما علَّمهم به المسيح سراً عليهم أن يعلنوه علناً.
وأن الذي يأخذ بالفيض عليه أن يعطي بلا كيل، أما الذي يخفي النور يختفي عنه النور.

16:8 «وَلَيْسَ
أَحَدٌ يُوقِدُ سِرَاجاً وَيُغَطِّيهِ بِإِنَاءٍ أَوْ يَضَعُهُ تَحْتَ سَرِيرٍ،
بَلْ يَضَعُهُ عَلَى مَنَارَةٍ، لِيَنْظُرَ الدَّاخِلُونَ النُّورَ».

«سراجاً»: lÚcnon، «منارة»: lucn…aj

وهذا الاسم معروف جداً
للرهبان الذين يسبِّحون كثيراً للعذراء إذ يدعونها المنارة الذهب التي كان يشعلها
هارون. والمنارة هي حامل النور، والسراج كان في العصور الأُولى يوقد بالزيت.
والمسيح هنا يعطي صورة لعمل مخالف للعقل والمنطق، فالمصباح يحمل النور والنور ينير
للناس، ولكن أن يُخفى المصباح تحت مكيال أو تحت السرير فهذا هو المنطق المقلوب.
هكذا يوجِّه المسيح نظر الذين أضاء عليهم بنور المعرفة وأصبحوا مصابيح للمسكونة
لينيروا لكل الداخلين إلى الله يطلبون الإيمان والحب والمعرفة. صحيح أن المسيح
علَّمهم بأمثال حتى لا يعرف الناس غير المختارين سر ملكوت الله، ولكن عليهم هم
الذين عرفوا السر واستناروا أن يظهروا للناس ليذيعوا سر الملكوت، لأنه لم يعد سر
الملكوت مخفياً بعد، إذ أن المسيح مات وقام وفتح أبواب الملكوت للعالم كله، كل
مَنْ يؤمن. والمنارة هنا هي الكنيسة بلا منازع، والخدَّام المباركون هم مصابيح
العالم التي أشعلها الله بروحه القدوس وامتلأت بزيت النعمة ليضيئوا العالم:
» أنتم نور
العالم.
«(مت 14:5)

17:8 «لأَنَّهُ
لَيْسَ خَفِيٌّ لاَ يُظْهَرُ، وَلاَ مَكْتُومٌ لاَ يُعْلَمُ وَيُعْلَنُ».

المسيح يتكلَّم هنا عن
سر الملكوت بما يحوي من سر الفداء والخلاص الذي صار مجاناً للجميع، الأمور التي
لمَّا بُدئ بها كانت كلغز وغير مفهومة، لأنها كانت مخفية وراء الصليب وأذاعتها
القيامة، فصارت على المشاع لدى كل إنسان وكل فكر. كل هذا تعليقاً علىسر الملكوت
الذي به يفهم أولاد الله كل معنى التجسُّد والفداء والخلاص. وكان في أيام التلاميذ
يُطرح عليهم في ألغاز الأمثال في الخفاء، ولكن المسيح عقَّب على المثل بما سيصير
عليه سر الملكوت فيما بعد من المعرفة العامة والعلانية، بحيث لا يصبح هنا عذر لأي
إنسان في عدم التعرُّف عليه لأنه أصبح كنور الشمس يضيء على العالم كله:
» فليضئ نوركم
هكذا قدَّام الناس.
«(مت
16:5)

18:8 «فَانْظُرُوا
كَيْفَ تَسْمَعُونَ! لأَنَّ مَنْ لَهُ سَيُعْطَى، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ فَالَّذِي
يَظُنُّهُ لَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ».

هنا التركيز كله على
“السمع”.
» اسمع يا إسرائيل «= “الشِمَاع” التي هي أقدس كلام عند اليهود. فهنا
يعود المسيح ويجدِّد خطورة “الشِمَاع”، لأن الذي اقتنى انفتاح الذهن في فهم كلام
الله أصبح هو المؤتمن على أسرار الملكوت. والذي لم ينفتح ذهنه لكلام الله، أي لم
يصر عنده قوة السمع الروحي، فقد ضاع منه كل سر الملكوت والله. فالذي عنده السماع
الروحي عنده الملكوت بالضرورة. والذي ليس عنده السماع الروحي فقد خسر كل الذي
عنده، الذي اقتناه بالحفظ والمذاكرة والتلاوة لأنه سيفقده قليلاً قليلاً حتى يخرج
من العالم بلا حصيلة لتصبح حياته على الأرض بلا فائدة، كتاجر خسر تجارته كلها ووقف
الدائنون على الباب يطالبونه بما ليس عنده!!

وليفهم القارئ قوة
الكلام، فمفتاح غنى الإنسان الروحي يتوقَّف على انفتاح ذهنه وبصيرته لفهم ومعرفة
كلام الله ووصايا المسيح. وهذه لن تأتي بالراحة والميوعة والدروس الخصوصية كتحصيل
علم الهندسة أو علم الطب أو علم التجارة، لأن انفتاح الوعي على أقوال الله وحكمته
ووصاياه تحتاج إلى التقوى وطهارة القلب وصدق النية وإخلاص الجهد والصلاة الحارة
للوقوف أمام الله بدالة البنين. فميراث السموات محجوز للبنين:
» لأن كل
الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله.
«(رو 14:8)

 

6
أقارب الرب الروحيون
(الذين يسمعون الكلمة
ويطيعونها)

(19:821) (مت
46:12-50)

(مر 3: 31-35)

 

تأتي هذه الحادثة
والتعليق عليها في إنجيل ق. مرقس في موضع سابق (31:335)، ولكن استحسن
ق. لوقا أن يذكرها هنا لشدة مناسبتها مع نصيحة الرب أن
» انظروا كيف
تسمعون
« لأن الذي يسمع
كلمة الله بقلب مفتوح وذهن مفتوح يصبح قريباً من الله والمسيح. وهذا هو موضوع هذا
الجزء
» مَنْ أمي وإخوتي «!

وفي قول المسيح عن
الذين يحسبهم أقاربه هم الذين يسمعون الكلمة ويعملون بها، نجد السمع والعمل معاً
هما حصيلة الإيمان بالرب بكل تأكيد، لذلك بحذق مكشوف حوّل ق. لوقا ما جاء في إنجيل
ق. مرقس عن
» الذين يصنعون مشيئة الله «باعتبارهم أقاربه
إلى
» الذين يسمعون الكلمة ويعملون بها «حتى تصير
محكمة ومطابقة لقوله في (18:8) مباشرة.

والقديس لوقا لم يكتفِ
بهذا التوضيح الجيد للعلاقة بين سماع كلمة الله والحصول على القربى من المسيح، بل
عاد مرَّة أخرى وذكر هذه المناسبة بنوع من الحذق:
» وفيما هو
يتكلَّم رفعت امرأة صوتها من الجمع وقالت له: طوبى للبطن الذي حملك والثديين
اللذين رضعتهما. أمَّا هو فقال: بل طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه.
«(لو 11: 27و28)

19:8 «وَجَاءَ
إِلَيْهِ أُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ، وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَصِلُوا إِلَيْهِ
لِسَبَبِ الْجَمْعِ».

يقص علينا ق. لوقا هذه
القصة عن قصد لكي يعطي الكنيسة النظرة الصحيحة في المسيحية للأصل والأقارب، وإذ
ليس ألصق إلى الإنسان من أُمه وإخوته فجعلهم هو هنا المثل الذي أراد أن يبلغ به
القصد، إذ يقول إن
» أُمه وإخوته «جاءوا إليه.
وإخوته هؤلاء من زوجة أخرى كانت ليوسف كما استقر الرأي عند معظم
الآباء وماتت فأراد يوسف أن يربِّي أولاده ويرعاهم لذلك خطب القديسة
مريم لتكون زوجة له، ولكن حذَّره الملاك في الحلم أن يقربها لأنها حملت من الروح
القدس لتلد القدوس ابن الله. وهكذا بقيت العذراء تحت رعايته دون أن يقربها كل أيام
حياتها. هؤلاء جاءوا إلى يسوع ليفتقدوه كعادة الأسرة. ولكن بسبب الجمع المحيط
بالمسيح لم يستطيعوا أن يشقُّوا طريقهم إليه.

20:8 «فَأَخْبَرُوهُ
قَائِلينَ: أُمُّكَ وَإِخْوَتُكَ وَاقِفُونَ خَارِجاً يُرِيدُونَ أَنْ يَرَوْكَ».

هنا لا يذكر ق. لوقا » أخواتك
«إذ يحذفها كعادة اليهود
أن يسقطوا المرأة من حساباتهم. ويبدو أن المسيح كان في مكان مغلق، ربما أحد البيوت
لأنهم قالوا له إنهم واقفون خارجاً، وربما هذا هو الذي جعلهم لا يدخلون بسبب
حيائهم أن يدخلوا بيتاً غريباً عليهم. وفي الحقيقة لم يوضِّح الإنجيل سبب مجيء الأسرة.
ولكن الذي نستشعره من مجريات الأمور أن إخوته لم يكونوا يؤمنون به حسب إنجيل ق.
يوحنا (5:7)، فلابد أنه كان هنا نوع من الغيرة والحقد عليه كما حدث في القديم مع
يوسف تجاه إخوته لأن يسوع كان ناجحاً وموفَّقاً، وصيته ملأَ البلاد، وكان هو من
جهته لا يعبأ بإخوته لأن رسالته كانت خارج مضمون الأسرة كليَّة. ولم يحدث أن لانت
قلوبهم نحوه إلاَّ بعد القيامة عندما خصَّهم باستعلان ورآه يعقوب وآمن. كذلك نعلم
أن ضمائر إخوته امتلأت تجديفاً نحوه وحسبوه به شيطان كما ظنَّ الفرِّيسيون أيضاً
(يو 20:7). أمَّا أُمه القديسة فجاءت مع إخوته ليطمئن
قلبها على الذي خرج من أحشائها بإعجاز الله بسبب الأخبار المتضاربة التي نقلها
إخوته
لها.

21:8 «فَأَجَابَ
وَقَالَ لَهُمْ: أُمِّي وَإِخْوَتِي هُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ كَلِمَةَ اللهِ
وَيَعْمَلُونَ بِهَا».

ردَّ المسيح هنا على
الذين قالوا له عن أُمه وإخوته ردًّا لاهوتيًّا عميقاً للغاية، إذ يستعلن لنا
حقيقة وطريقة مَنْ تكون أُمه ومَنْ يكون إخوته بالحق، وهي أن يسمع الإنسان كلمة
الله ويعمل بها. فليست القرابة الجسدية كافية للخلاص أو الانتماء إلى المسيح.
فالمسيح أصبح المصدر الوحيد للإنسان عامة ليقترب إلى الله وإلى شخصه، لأن المسيح
هو كلمة الله الوحيدة القادرة، إن استمع إليها الإنسان بالروح ودخلت وسكنت أحشاءه،
فإنها تلد الإنسان من جديد، تلده لله ليكون ابناً أو ابنةً لله، والله يكون أباً
للجميع.

أمَّا ولادة الإنسان
الجديد من الكلمة فيحققها ق. بطرس هكذا:
» مولودين
ثانية لا من زرع يفنى (أي من أُم وأب) بل مما لا يفنى (بالإيمان والعماد) بكلمة
الله الحية الباقية إلى الأبد
«(1بط 23:1). هكذا بواسطة السماع القلبي للكلمة بانفتاح الوعي تستقر
الكلمة الحية والمحيية وتصنع في أحشاء الإنسان إنساناً جديداً لله يقع منه موقع
البنوَّة، وبالتالي يصير للمسيح أخاً وأختاً وابناً لله بالروح. وقد شرح هذا الوضع
الجديد الرفيع الشأن ق. بولس هكذا:
» لأن به لنا كلينا (يهود
وأُمم) قدوماً في روحٍ واحدٍ إلى الآبِ. فلستم إذاً بعد غُرباءَ ونُزلاً (كل أجيال
العهد القديم)، بل رعيَّةٌ مع القديسين وأهلِ بيتِ الله
«(أف 2: 18و19). فالمسيح هنا بصفته ابن الله القدوس ينفي نفياً
باتاً أن يكون له أُمٌّ أو أخٌ إلاَّ بالإيمان عبر الفداء والخلاص والمصالحة
والتبني لله!!

ولكن
إن كان المسيح قد أعطانا هذا الحق أن تكون لنا قرابة إلى الله على مستوى الأُم
والأخ

للمسيح، فإننا لا يمكن أن نبلغ إلى تحقيق هذا
الوضع إلاَّ بالسماع الحي للكلمة التي تلدنا جديداً لله
وانقياد الروح
القدس لكي نصنع مشيئة الله:
» انظروا أيَّةَ محبةٍ
أعطانا الآبُ حتى نُدعى أولاد الله!
«(1يو 1:3)

ويا قارئي العزيز إنه
أمر يذهل العقل: نحن المرذولين بسبب قبح حياتنا وسلوكنا أن نصبح بواسطة التعبُّد
للحب وكلمة الإنجيل أقرباء وأهل بيت الله. هذا يعني أننا نخلع عنَّا جنسنا الآدمي
المرذول ونتجنَّس بجنس الله، فلا يعود العالم هذا عالمنا:
» لأنهم ليسوا
من العالم
«(يو 14:17). ولا
يعود إنساننا الجديد ذا صلة بالطبيعة البشرية الميتة، بل يتجنَّس بجنس الطبيعة
الفائقة للمسيح القائم من الأموات. فلا نرتعب بعد من موت وخطية ودينونة وقضاء
الله، بل عوض هذه المرعبات نرث مع المسيح الابن ميراث الله للفرح والبهجة وإكليل
المجد.

 

( و ) أعمال المسيح
الفائقة

(22:856)

1 المسيح
سيد على الهواء والماء

(22:825) (مت 23:827) (مر 4: 3541)

يبدأ ق. لوقا هنا يحكي
لنا كيف في اليوم العاصف والمياه المتلاطمة يقف المسيح وبكلمة منه يصمت البحر
وتهدأ العاصفة. ويأخذها ق. لوقا ليكشف بها عن شخصية المسيح مَنْ هو. كما يصف
التلاميذ في انزعاجهم كيف يهرعون في الضيقة إليه، وهوكان قد نام قبل أن تقوم
العاصفة. وق. لوقا هنا يحاول أن يقلِّل من شدة العنف الذي واجه به المسيح تلاميذه
بسبب خوفهم. فبدل أن يضعها مثل ق. مرقس:
» كيف لا
إيمان لكم
«(مر 40:4)، جعلها: » أين إيمانكم « ولكن على العموم لم يخرج ق. لوقا عن تسجيل ق. مرقس كثيراً. وخلاصة
القصة هي ظهور المسيح كرب الهواء والماء، تأتمر كل منها بأمره فيبدو المسيح بصورته
الإلهية كيهوه رب الطبيعة كلها كما يصفه داود النبي في مزاميره:
» أنت متسلِّط
على كبرياء البحر. عند ارتفاع لججه أنت تسكتها … لك السموات لك أيضاً الأرض المسكونة
وملؤها …
«(مز 89: 9و11)

ويصف داود عظمة يهوه
وقوته على الطبيعة وكأنه يصف رحلة المسيح في البحيرة:
» أمر فأهاج
ريحاً عاصفة فرفعت أمواجه، يصعدون إلى السموات يهبطون إلى الأعماق. ذابت أنفسهم
بالشقاء. يتمايلون ويترنحون مثل السكران وكل حكمتهم ابتُلعت. فيصرخون إلى الرب في
ضيقهم ومن شدائدهم يخلِّصهم. يهدِّئ العاصفة فتسكن وتسكت أمواجها. فيفرحون لأنهم
هدأوا فيهديهم إلى المرفأ الذي يريدونه. فليحمدوا الرب على رحمته وعجائبه لبني آدم
وليرفعوه في مجمع الشعب وليسبحوه في مجلس المشايخ
«(مز 107: 2532). وكأن داود من وراء الأزمنة كان في
السفينة وشاهد وشهد.

22:8 «وَفِي أَحَدِ
الأَيَّامِ دَخَلَ سَفِينَةً هُوَ وَتَلاَمِيذُهُ، فَقَالَ لَهُمْ: لِنَعْبُرْ
إِلَى عَبْرِ الْبُحَيْرَةِ. فَأَقْلَعُوا».

تعمَّدَ ق. لوقا اختزال
وصف ق. مرقس لذلك الحادث الذي افتتحه ببانوراما متسعة ذات حواشٍ جميلة أعطت القصة
نبرة روحية عالية، إذ وصف الوقت أنه كان الغروب وبعد أن صرف الجموع. ولكن ق. لوقا
هنا يروي القصة منفردة وليس لها صلة بالسابق، لأن اهتمام ق. لوقا هو ما حدث أثناء
الرحلة من هياج البحر وشدة العاصفة وحسب، لأن الغرض الأساسي هو تصوير المسيح وهو
يأمر الطبيعة فتنصاع.

23:8 «وَفِيمَا هُمْ
سَائِرُونَ نَامَ. فَنَزَلَ نَوْءُ رِيحٍ فِي الْبُحَيْرَةِ، وَكَانُوا
يَمْتَلِئُونَ مَاءً وَصَارُوا فِي خَطَرٍ».

بمجرَّد أن تلقَّى
التلاميذ الأمر بالإقلاع فردوا الشراع وانطلقت السفينة تجاه العبر، أمَّا المسيح
فدخل الخن، وهو جزء في مؤخِّرة المركب حيث يمكن للملاح أن ينام. فنام المسيح
بالرغم من حركة السفينة. وبعد قليل هبَّت ريح. والنوء هنا هو العاصف الشديد الذي
لا يُعرف فيه اتجاه الريح، فهي تصبح كدوَّامة تكتسح كل ما في طريقها، لأن البحيرة
محاطة بجبال تهب منها الرياح التي تسمَّى
hurricane وهي العاصفة
الشديدة. وهكذا أصبح وضع السفينة ومَنْ فيها في خطر لأن الأمواج ارتفعت وكانت تلطم
السفينة فيدخل الماء داخل السفينة. هذا ولا يذكر الكاتب كيف كان المسيح نائماً في
هدوء غير مبالٍ بالرياح والأمواج والخطر. وهنا النقطة الحرجة في القصة التي أراد
بها ق. لوقا أن يعطي للكنيسة صورة حيَّة لموقف المسيح منَّا أثناء مخاطر
الحياة التي تواجهنا. فهو يتراءى لنا كنائم لا يبالي بالمخاطر التي تحيط بنا حتى
إلى درجة الخطورة، وسرعان ما نعرف بعد ذلك أنه إنما
يترك المخاطر في أيدي إيماننا، لأنه بإيماننا يوجد المسيح ويتعامل مع
المتاعب والمخاطر أيـًّا كانت.
فهو لا يغيب
عن مواقفنا التي نتصارع فيها مع الطبيعة والأعداء، ولكن حضوره إنما يكون من داخل
إيماننا.

24:8 «فَتَقَدَّمُوا
وَأَيْقَظُوهُ قَائِلِينَ: يَا مُعَلِّمُ، يَا مُعَلِّمُ، إِنَّنَا نَهْلِكُ!
فَقَامَ وَانْتَهَرَ الرِّيحَ وَتَمَوُّجَ الْمَاءِ، فَانْتَهَيَا وَصَارَ
هُدُوٌّ».

يصوِّر القديس لوقا هنا
لهفة التلاميذ على النجاة بترديد اسم المعلِّم لسرعة إيقاظه لتدارك الموقف. هنا
تصوير حال الكنيسة وسط العالم، تتقاذفها الأمواج وتتلقَّفها الرياح العاتية ونحن
في داخلها نواجه الهلاك كل يوم، ولكن المسيح في مؤخِّرة الكنيسة نائم وممكن أن
نوقظه إن فرغ إيماننا لنسمعه يؤنِّبنا: أين إيمانكم؟

هنا انتهار المسيح
للريح ولأمواج البحر باسمها في إنجيل ق. مرقس يبدو كأنه يتكلَّم مع قوة معادية
وراء الريح والموج، هذه يختزلها ق. لوقا حتى لا تبدو وكأنه ينتهر الشيطان من وراء
الطبيعة. ونحن نفهم أن قوات الطبيعة بكل صنوفها وحركتها أصبحت خارجة عن طاعة
الإنسان منذ ذلك اليوم الذي لُعنت فيه الأرض بسبب خطية آدم وحواء:
» ملعونة
الأرض بسببك
«(تك 17:3). فأصبحت
منذ ذلك اليوم غير خاضعة للإنسان بل وتعمل ضد إرادته، غير أن الإنسان اخترع الطرق
والوسائل التي يضبط بها الرياح أو يتحاشى جبروتها في الهواء والبحار.

25:8 «ثُمَّ قَالَ
لَهُمْ: أَيْنَ إِيمَانُكُمْ؟ فَخَافُوا وَتَعَجَّبُوا قَائِلِينَ فِيمَا
بَيْنَهُمْ: مَنْ هُوَ هذَا؟ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ الرِّيَاحَ أَيْضاً وَالْمَاءَ
فَتُطِيعُهُ!»

وهنا يأتي ق. لوقا إلى
النقط الأساسية في القصة وهي أولاً: أن المسيح كان نائماً والرياح تهب
والموج يتلاطم، ثانياً: أن التلاميذ يلتجئون إليه في الضيقة، وثالثاً:
أن المسيح يسألنا: أين إيمانكم؟

فهي قصة تقليدية
للكنيسة تعطي درساً أن وقوعنا في الضيقات والخطر ليس معناه أن الرب غير موجود بل
هو موجود وعالم بكل ما يأتي علينا، وأن الضيقات يسوقها المسيح علينا ليختبر مدى
إيماننا، وأخيراً أن نتعلَّم أن نلتجئ إليه بإلحاح فهو قادر على كل شيء، كما الله
أيضاً كذلك المسيح!! ولكن استجابة المسيح لصراخ التلاميذ في الحال أمر بديع
للغاية، فهو يقدِّر ما نقدِّره ويرى ما نراه ويحس بما نحسه ويستجيب لصراخنا مهما
كان إيماننا ضعيفاً، وهو يهمّه فعلاً أننا لا نهلك. فهو قريب منَّا قرب الأب
الحنون والراعي اليقظ والطبيب المقتدر والمخلِّص الفائق القوة: «الله لنا ملجأ
وقوة. عوناً في الضيقات وُجِدَ شديداً.»
(مز 1:46)

 

2 حدثٌ في
كورة الجدريين

(العشر مدن قبالة
الجليل: أرض الأمم)

(26:839) (مت 28:834) (مر 5: 1
20)

ينقلها
ق. لوقا عن ق. مرقس، لكن في إنجيل ق. مرقس تظهر بالصورة المحيطة وظروفها، فتبدو
ذات
بانوراما متسعة. وق. لوقا يضمها هنا لهياج البحر وعصف النوء الشديد كجزء من
الطبيعة حينما تتمرَّد على الإنسان وتقترب من هلاكه. ولكن نحن هنا في أرض الأُمم،
وهكذا كأننا أمام الآية:
» بمخاوف في العدل
تستجيبنا يا إله خلاصنا يا متكل جميع أقاصي الأرض والبحر البعيدة، المثبِّت الجبال بقوته المتنطِّق بالقدرة، المهدئ عجيج البحار
عجيج أمواجها وضجيج الأمم.
«(مز 5:657)

عيِّنة من خدمة الأُمم
يقدِّمها ق. لوقا لتقليد الكنيسة ليكشف لها مستقبل عملها كله الذي سينفرش على وجه
الأرض كلها. ويضعنا هنا أمام حالة استحواذ شيطان مارد على إنسان مسكين أسكنه
القبور وعرَّاه من كل شيء حتى مما يكتسي به، وكأنه ينتقم من جنس آدم في هذا
الإنسان التعيس. ويظهر المسيح هنا كمخلِّص مقتدر يملأ المشاهدين رهبة وخوفاً
وعجباً حينما يأمر الشيطان فينصاع ذليلاً. ولأول مرَّة يذكر لنا ق. لوقا مقر
الهاوية كمكان ينتهي إليه خط الشيطان.

يرفض العلماء تفسير
دخول الشياطين في الخنازير، ولكن هذا قصور في فهم أعمال الشيطان، فهو مهلك
وقتَّال، والمسيح سمح للشياطين أن تخرج من الإنسان المستحوذ عليه وتدخل الخنازير
وتموت الخنازير أفضل من أن تؤذي الإنسان المسكين:
» أنتم أفضل
من عصافير كثيرة.
«(لو
7:12)

26:8 «وَسَارُوا
إِلَى كُورَةِ الْجَدَرِيِّينَ الَّتِي هِيَ مُقَابِلَ الْجَلِيلِ».

» وساروا «هنا غير
متوافقة، والأصح أنهم أبحروا لأنهم لا يزالون في السفينة، حتى وصلوا إلى كورة
الجدريين وهي الآن مدينة جَرَشْ
Jerash([7]) حوالي 30
ميلاً من الجنوب الشرقي من بحر الجليل أو ربما تكون هي كرشا
Kersha.
والكلام لدى العلماء في اسم هذا المكان كثير ومتضارب ولم ينتهوا إلى شيء.

27:8 «وَلَمَّا
خَرَجَ إِلَى الأَرْضِ اسْتَقْبَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمَدِينَةِ كَانَ فِيهِ
شَيَاطِينُ مُنْذُ زَمَانٍ طَوِيلٍ، وَكَانَ لاَ يَلْبَسُ ثَوْباً وَلاَ يُقِيمُ
فِي بَيْتٍ بَلْ فِي الْقُبُورِ».

قصة حزينة لإنسان بائس
وقع فريسة للشيطان ليسكن جسده، وهنا السؤال الهام جداً: كيف ولماذا يدخل الشيطان
جسد إنسان ويقيم فيه؟ الرد نجده من وجهة نظر التقليد اليهودي وبالذات على لسان
يوسيفوس المؤرِّخ والعالم اليهودي المشهور، إذ يقول: إنما هي أرواح بشرية شريرة هي
التي بعد خروجها من أصحابها تعود وتلبس
أجساداً أخرى([8]).
وهذا التفسير يعتقد به بعض العلماء المحدثين المتخصصين في علم الباراسيكولوجي.
والروح (الشرير) حينما يُطلب منه أن يقول اسمه فإنه
يعطي اسم الإنسان الذي كان سابقاً فيه. بهذا المفهوم تكون
الأرواح الشريرة قد وُجِدَت لما وُجِدَ الشر بين
الناس، وهذه الأرواح الشريرة غير الشياطين التي هي ملائكة
ساقطون من رتبهم. والروح الشرير أهون في
تعذيبه لجسم الإنسان من الشيطان،
وقد أمكن الآن شفاء الذين عليهم أرواح شريرة في مصحات عالمية تابعة لكليات الطب.
وكون هذا الإنسان البائس الذي استولى عليه الشيطان، بل عدة شياطين، كان لا يسكن في
بيت، ذلك لأن راحة الشياطين والأرواح الشريرة هي في الأماكن القفرة والنجاسة.

وحينما يفسِّر بعض
العلماء أن دخول الشيطان أو الروح الشرير في جسد إنسان هي خرافة، هذا راجع إلى قلة
الخبرة وعدم الدراية بأحوال الشيطان والأرواح الشريرة. والذي يستحوذ عليه شيطان أو
روح شرير تظهر عليه علامات الخلل العقلي ويظهر كأنه مجنون، ولهذا يميل الأطباء إلى
القول بأنها حالة جنون، وهي بالفعل إذا شُخِّصت فسيولوجياً تدخل تحت حالة الجنون،
ولكن إذا ما خرج الروح الشرير أو الشيطان ينال الشخص شفاءً تاماً وفي الحال، مما
يثبت أنها كانت حالة مرتبطة بالأرواح. أمَّا مسألة العري وعدم لبس الثوب فهو عمل
شيطاني كمحاولة لفضح الإنسان والاستهزاء به.

28:8 «فَلَمَّا
رَأَى يَسُوعَ صَرَخَ وَخَرَّ لَهُ وَقَالَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: مَا لِي وَلَكَ يَا
يَسُوعُ ابْنَ اللهِ الْعَلِيِّ! أَطْلُبُ مِنْكَ أَنْ لاَ تُعَذِّبَنِي».

مجيء الرجل المعذَّب
إلى المسيح، وكما يصفها ق. مرقس أنه جرى نحوه، معناه أن الإنسان أدرك من أين سيجيء
إليه الخلاص. فبالرغم من سيطرة الشيطان عليه ولكن ظهور المسيح أعطى قوة للرجل أن
يجري ويطلب الخلاص، أمَّا صراخ الشيطان الذي يطلب فيه أن لا يعذِّبه المسيح فهو
يبدو ردًّا على أمر أصدره المسيح كما في إنجيل ق. مرقس
أن يخرج منه. ويبدو أنه كان أمراً قاطعاً مصيره التعذيب. وق. لوقا هنا يعطي معلومة
جديدة وهي أن مكان تعذيب الشياطين هو الهاوية.

أمَّا صراخ الشيطان
ناطقاً باسم يسوع ابن الله العلي، فهذا يكشف عن رؤية الشيطان المتفوِّقة عن
رؤيتنا، كملاك ساقط، في معرفة حقائق الله التي أخطأها وأساء إليها فصار إلى ما صار
إليه. ومن كلام الشيطان يظهر سمو درجة المسيح وتفوُّقه المعروف علناً في السماء
أنه ابن الله العلي.

29:8 «لأَنَّهُ
أَمَرَ الرُّوحَ النَّجِسَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الإِنْسَانِ. لأَنـَّهُ مُنْذُ
زَمَانٍ كَثِيرٍ كَانَ يَخْطَفُهُ، وَقَدْ رُبِطَ بِسَلاَسِلٍ وَقُيُودٍ
مَحْرُوساً، وَكَانَ يَقْطَعُ الرُّبُطَ وَيُسَاقُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلَى
الْبَرَارِي».

وكانت طريقة إخراج
الروح النجس عند يسوع هي مجرَّد أمر بسلطان لا يعارض قط، وكان الشيطان دائماً يخر
معترفاً ويخرج بصراخ. وهنا تضيف القصة أن الرجل له زمان طويل وهو تحت هذا الشقاء،
لذلك لا نستغرب قيام المسيح بهذه الرحلة البحرية ورسو المركب عند النقطة التي فيها
هذا الرجل المعذَّب بالذات.

أمَّا مسألة قطع الربط
الحديدية التي كان يُربط بها، فهنا معلومة يلزم أن يعرفها القارئ وهي أن الأرواح
عموماً، شريرة أو غير شريرة، بل أي روح لأي إنسان إن هي خرجت من الجسد تستطيع أن
تنفذ من خلال الحائط حتى ولو كان من فولاذ، وتقطع وتفك السلاسل والأقفال دون أي
عناء. فالمادة مهما كانت صلابتها لا وجود لها على الإطلاق بالنسبة للروح أو
الملاك. وقصة ق. بطرس في السجن والملاك الذي قطع السلاسل وفتح الأبواب وكسر
الأقفال توضِّح أن عالم الروح شيء وعالم المادة شيء آخر بالمرَّة. من هذه النقطة
بالذات نفهم بسهولة كيف سينتهي عالم المادة بكل قوتها وأثقالها وشموسها
ومجرَّاتها، فهي تصبح لدى الروحيين لا وجود لها مادياً، ولكن تحتفظ بكيانها
اللامادي الذي هو طبق الأصل من كيانها المادي. فالعالم المادي هو في حقيقة مظهره ظلال، مجرَّد ظلال وأشكال وأقنعة تؤدِّي دورها في
صندوق الدنيا كلعب الأطفال، غير أن حقيقته غير
المنظورة والمدركة للروح
أبهى وأعظم من ذلك بكثير.

30:8 «فَسَأَلَهُ
يَسُوعُ قَائِلاً: مَا اسْمُكَ؟ فَقَالَ: لَجِئُونُ. لأَنَّ شَيَاطِينَ كَثِيرَةً
دَخَلتْ فِيهِ».

سأله المسيح عن اسمه
ليوضِّح للواقفين أنه يتكلَّم بالفعل مع شخص روح ساكن داخل جسد الإنسان البائس،
وهذا نوع من السيادة الآمرة للمسيح على الشيطان، أمَّا كلمة “لجئون” فتعني الكثرة
وهي أصلاً كلمة لاتينية =
legio وتعني طابوراً من
العساكر يقدَّر عدده بخمسة آلاف([9]).
ويقول المفسِّرون إنه لذلك لمَّا طلب منهم الخروج من الإنسان دخلوا بحسب إنجيل ق.
مرقس ألفين من الخنازير اختنقوا وماتوا في البحيرة. فإزهاق الروح صنعة الشيطان
لأنه عدو الحياة:
» ذاك كان قتَّالاً للناس من البدء. «(يو 44:8)

31:8 «وَطَلَبَ
إِلَيْهِ أَنْ لاَ يَأْمُرَهُمْ بِالذِّهَابِ إِلَى الْهَاوِيَةِ».

«الهاوية»: ¥busson = abyss

والكلمة تعني العمق،
تحت الأرض وهي سجن القوات الشريرة. وفي إنجيل ق. متى يطلب اللجئون أن لا يعذبهم
المسيح، بمعنى أن الهاوية مكان تعذيب حقيقي، ينتظرهم حتماً. لذلك أيضاً في إنجيل ق.
متى يطلب أن لا يعذبهم قبل الوقت المحدَّد لهم وهو انتهاء العالم.

32:8 «وَكَانَ
هُنَاكَ قَطِيعُ خَنَازِيرَ كَثِيرَةٍ تَرْعَى فِي الْجَبَلِ، فَطَلَبُوا إِلَيْهِ
أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ بِالدُّخُولِ فِيهَا، فَأَذِنَ لَهُمْ».

وكان لا يزال الخنزير
مكروهاً جداً عند اليهود اسماً ولحماً، وكان يعتبر حيواناً نجساً، كل مَنْ يلمسه
يتنجَّس. فكان من المناسب جداً للفكر اليهودي أن تطلب الشياطين أن تدخل فيه. وعلى
عكس اليهود فالمسيحيون في الغرب يميلون جداً إلى تربيته وأكل لحمه على أصناف
متعددة. ويكاد لحم الخنزير يكون أفضل اللحوم عند رجال الغرب، ربما لأنه ذات لحم
سمين للغاية فهو يكون ملائماً للأجواء الباردة الشمالية.

33:8 «فَخَرَجَتِ
الشيَّاطِينُ مِنَ الإِنْسَانِ وَدَخَلَتْ فِي الْخَنَازِيرِ، فَانْدَفَعَ
الْقَطِيعُ مِنْ عَلَى الْجُرُفِ إِلَى الْبُحَيْرَةِ وَاخْتَنَقَ».

كان لدخول الشياطين في
الخنازير علامة واضحة، إذ تسابقت الخنازير في الجري من فوق الجرف نحو البحيرة بدون
إرادتها كمساقة للهلاك. وهذا منظر تعليمي خطير، لأن هذا هو العمل الطبيعي الذي
يعمله الشيطان إذا دخل في إنسان فهو إنما يقوده للهلاك رغماً عن إرادته، إذ يسوق
الإنسان سوقاً إلى موارد التهلكة، سواء كانت خمراً أو مخدرات أو فاحشة أو كل
الأعمال التي تستنزف دم الإنسان وأعصابه لينهي الشيطان عليه. وهذا منظر حزين
للغاية أن يصبح الإنسان العاقل بلا عقل ولا إرادة أمام سطوة الشيطان الذي يعمل
أعماله في الداخل في الخفاء فلا يُرى. ولكن دخول الشيطان في الخنازير كان نموذجاً
خطيراً لما يعمله في الإنسان الذي يقبل سكناه.

وطبعاً نحن الآن في أرض
أممية، فالعشر مدن غير تابعة لإسرائيل وكان أهلها يأكلون الخنزير، لذلك كانت
الخسارة جسيمة للغاية. فالقطيع كان نحو ألفين من الخنازير. وإن كان موقف المسيح
تجاه رعاة الخنازير وأصحابها صعباً، ولكن كان الرجل واقفاً صحيحاً متعافياً يشهد
لهذه الموقعة الشرسة للغاية. فهذا العدد من الشياطين كان كافياً ليسكن أهل تلك
القرية كلها.

والمعروف في حوادث
إخراج الشياطين أن الشيطان إذا خرج لا بد أن يؤذي الإنسان الذي كان ساكناً فيه،
فإذا خرج من عينه فإنها تفقد قوتها على النظر. لذلك يلزم أن يكون المسيطر على
إخراج الشيطان ذا بأس وسلطان ويأمر الشيطان أمراً أن يخرج منه ولا يمسّه بسوء.
كذلك نسمع المسيح أنه يأمر الشيطان أن يخرج من الإنسان ولا يعود له مرَّة أخرى.
والمُلاحَظ أنه في أيام ما قبل المسيح حتى إلى الصليب كان الشيطان له سلطان فائق
الحد، وكان مجاله في الإنسان لا يعيقه عائق. ولكن بعد مجيء المسيح “الأقوى” الذي
ربط “القوي” فقد خرَّب داره ونهب كل مخصصاته وسلب سلطانه، بل ربطه وأذلَّه على
الصليب ونزل إلى الهاوية وفك أسر المأسورين تحت سلطانه.

34:8 «فَلَمَّا
رَأَى الرُّعَاةُ مَا كَانَ هَرَبُوا وَذَهَبُوا وَأَخْبَرُوا فِي الْمَدِينَةِ
وَفِي الضِّيَاعِ».

منظر مُرعب ارتعب لهوله
الرعاة. فرزقهم انقطع ومسئوليتهم خطيرة، فذهبوا وخبَّروا في المدينة وما حولها ولم
يكونوا يدرون ما جرى للخنازير، ماذا دهاها حتى لاقت حتفها منصاعة بهذا المنظر
الرهيب. وما علموا عن الرجل المصاب بالشياطين شيئاً.

35:8 «فَخَرَجُوا
لِيَرَوْا مَا جَرَى. وَجَاءُوا إِلَى يَسُوعَ فَوَجَدُوا الإِنْسَانَ الَّذِي
كَانَتِ الشَّيَاطِينُ قَدْ خَرَجَتْ مِنْهُ لاَبِساً وَعَاقِلاً جَالِساً عِنْدَ
قَدَمَيْ يَسُوعَ، فَخَافُوا».

أمر يُدهش العقل فعلاً،
لأن هذا الإنسان كان ميتاً فعاش وفاقداً وعي إنسانيته فاستردها ومعها هدوء
وتعقُّل، بل وأقبل على المسيح كمَنْ يريد أن يعلم ويتعلَّم جالساً عند قدميه
كتلميذ بعد أن كان مطيَّة للشيطان ولعبة في يديه. درس لنا لا يُستهان به. فلو
أخذنا كل هذه الاعتبارات وفحصنا كل ما يجري في غير المنظور مع الذين أسلموا ذواتهم
لإغراءات الشيطان، نجد التطبيق حادثاً تماماً ولكن دون أن يدروا، ودون أن يقيِّموا
هذه القوة الشريرة الطاغية التي إذا استلمت إنساناً لا تُبقي فيه ما يمكن أن يُدعى
إنساناً. فالشيطان قتَّال منذ البدء، أدمن إهلاك الناس وليس مَنْ يعي.

أمَّا
قول ق. لوقا في نهاية الآية أن القوم بعد أن رأوا وعلموا خافوا، فهو خوف جاء
متأخراً، فلو

يخاف الناس هذا المصير ما أسلم إنسان نفسه لألاعيب الشيطان التي يتقن صنعتها
كثيراً في هذه الأيام.

36:8 «فَأَخْبَرَهُمْ
أَيْضاً الَّذِينَ رَأَوْا كَيْفَ خَلَصَ الْمَجْنُونُ».

«فأخبرهم»: ¢p»ggeilan

يستخدم القديس لوقا هنا
فعل البشارة “أبينجيلان” باليونانية ليأتي بمعنى الإخبار، ولكنه إخبار ليس
كإخبار عن أمور عادية بل لأنه خبر خلاص صحَّ في المفهوم الإنجيلي واللاهوتي أن
يستخدم ق. لوقا هنا فعل البشارة والإخبار بالخبر السار. فالإنسان الذي كان تحت
سلطان الشيطان فاقد عقله وإرادته وفكره وراحته
وسلامه، استعاد كل ما له وجلس متعلماً تحت رجلي المعلِّم يسمع
الإنجيل.

وجميل
جداً من ق. لوقا صاحب لاهوت الخلاص أن يعتبر المجنون قد خلص. فهو ليس مجرَّد
شفاء بل
شفاء ومعه خضوع للإنجيل. وهنا يعطي ق. لوقا فعلاً هو فعل الخلاص بكل معنى
™sèqh.

37:8 «فَطَلَبَ
إِلَيْهِ كُلُّ جُمْهُورِ كُورَةِ الْجَدَرِيِّينَ أَنْ يَذْهَبَ عَنْهُمْ،
لأَنَّهُ اعْتَرَاهُمْ خَوْفٌ عَظِيمٌ. فَدَخَلَ السَّفِينَةَ وَرَجَعَ».

لهم آذان سمعت ورفضت
كبقية الرافضين، وعينان نظرت وأنكرت الرؤية، ففضَّلوا أن يعيشوا مع خنازيرهم أفضل من أن يتعلَّموا عن الخلاص. حالهم حال
رؤساء الكهنة ورؤساء الشعب الذين
فضَّلوا أن يعيشوا في خطاياهم وحريتهم في
الاستمتاع بمالهم وسلامهم الكاذب من أن يقبلوا ثمن الخلاص. وكما قال المسيح
لهؤلاء:
» هوذا بيتكم يُترك لكم خراباً «(مت 38:23)، هكذا حدث لهذه البقاع أيضاً، إذ يقول العلماء الذين
زاروا المنطقة أنها مليئة بالخنازير البرية التي تفتك بمَنْ يدنو منها([10])،
فضلاً عن أنها دخلت في أيام الحصار على أُورشليم نفس التخريب ولم يعد فيها ساكن([11]).
وكأنما خطية الإنسان يحملها الحيوان معه والأرض أيضاً:
» ملعونة
الأرض بسببك.
«(تك 17:3)

38:8 «أَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ
الشَّيَاطِينُ فَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ، وَلكِنَّ يَسُوعَ صَرَفَهُ
قَائِلاً».

هؤلاء طلبوا من يسوع أن
يمضي عنهم فمضى، وهذا طلب منه أن يبقى. وهكذا نحكم على أنفسنا بأقوالنا، لأن ذلك
الذي قبل المسيح، قبله المسيح، ولكن استحسن أن يرسله ليبشِّر أهل بيته بالنعمة
التي صارت إليه فيكون سبباً لخلاص الآخرين. هذه حالة نادرة، إذ الأفضل جداً أن
يبقى مع المسيح. ولكن هنا استحسن المسيح البشارة بالخلاص أكثر من أن يتتلمذ تحت
رجلي المسيح.

39:8 «ارْجِعْ إِلَى
بَيْتِكَ وَحَدِّثْ بِكَمْ صَنَعَ اللهُ بِكَ. فَمَضَى وَهُوَ يُنَادِي فِي
الْمَدِينَةِ كُلِّهَا بِكَمْ صَنَعَ بِهِ يَسُوعُ».

المفهوم الذي يدور حوله
هذا التصرُّف من جهة المسيح هو أن مَنْ يصنع الله معه آية للخلاص أيًّا كان نوعها،
فعليه في المقابل أن يخبِّر بها مبشِّراً بكم صنع الله به. فالله أصلاً حينما يصنع
رحمة مع إنسان لا يريد أن تصبح محصورة في الذي تقبَّلها فقط، إذ يلزم أن تُعلن لكثيرين
لتعم النعمة كل مَنْ يسمع عنها ويقبلها. لأن السبب الرئيسي الذي من أجله يعمل
المسيح المعجزة وخاصة الشفاء هو استعلان قوة الله ليؤمن الجميع أن المسيح أُرسل من
أجل خلاصنا.

 

3 ابنة
يايرُس والمرأة نازفة الدم

(40:856) (مت 18:926) (مر 5: 2143)

هنا يقتفي ق. لوقا نفس
الترتيب في رواية ق. مرقس، ويصنع من آيتين متداخلتين معاً قصة واحدة. تبدأ أولاً
برئيس مجمع المدينة الذي جاء ساجداً يطلب أن يدخل بيته ليشفي ابنته المريضة، وفي
أثناء مسيره والجموع تزحمه جاءت امرأة في ستر ولمست هدب ثوبه، وكانت مريضة تنزف
دماً فأحسَّ بها المسيح. وهنا قصد ق. لوقا أن يكشف لنا عن طبيعة فائقة للمسيح،
فإذا زحمته الجموع لا يحس شيئاً، ولكن أن يلمس أحد هدب ثوبه وهو مريض فيُشفَى يحس
في الحال أن قوة خرجت منه. هنا إبداع ما بعده
إبداع لتحقيق أن الرب يسوع لم يكن شخصاً عادياً بل كياناً إلهياً في هيئة

إنسان.

ونلاحظ أن هندسة التقاء
الحديثين معاً: شفاء ابنة يايرُس ونازفة الدم، رسخت في ذهن الرسل وكان ق. مرقس أول
مَنْ رواهما معاً في التقليد. ولكن أن يكون المسيح مصدراً سرياً كل مَنْ يلمسه وله
إيمان يُشفى من مرضه، فهذا توضيح ما بعده توضيح أنه صاحب طاقة لا يحوزها إلاَّ
الله وحده. ولكن أن يضم ق. مرقس وبعده ق. لوقا هذين الحديثين معاً فالقصد واحد: أن
المسيح هو المصدر الإلهي الفائق الذي يشع شفاءً وحياةً.

كذلك لا يغيب عن بالنا
أن المسيح لم يقصر شفاء المرأة نازفة الدم على قدرته الإلهية الشافية، بل جعل
إيمان المرأة هو العلَّة الأُولى والسبب المباشر لقوة المسيح كي تعمل عملها. وهذا
هو جوهر القصة. فالمسيح طبيب شافٍ نعم، ولكنه لا يستطيع أن يشفي إلاَّ في حضور
الإيمان. والمسيح إله قادر أن يقيم الصبية من الموت بكلمة، ولكن لابد من إيمان
المسئول عن حياتها. ثم ألا نرى من هذا أن العلاقة بين المسيح والإنسان علاقة
صميمية جوهرية مغروسة في صميم طبيعة المسيح وطبيعتنا، فهو لا يشفي إلاَّ مَنْ يؤمن
به، والذي يؤمن به ولو مات فسيحيا. فليست المسألة تختص بالإنسان وحده، لا، بل
وتختص بالمسيح أصلاً!! لأن إيماننا بهذا المعنى يكون هو الذي يسلب أو يختطف قوة
الشفاء منه، وإيماننا يظل معنا حتى ولو متنا، فهو يسلب حياة من المسيح ويحيينا!؟
ونقول “نسلب” لأن كل ما حزناه هو بدون استحقاق. ما معنى هذا؟ أليس معناه أن
للإنسان وجوداً عند المسيح والله بقدر وجود الله والمسيح عند الإنسان؟ وهذا أيضاً
معناه أننا بإيماننا نأخذ ما لنا من عند الله والمسيح، فليس هو أخذاً
إن كان شفاء أو صحة أو حياة بل وكأنه استرداد ما كان عنده لنا ورد ما
كان له عندنا. يا لعظمة المسيح وسرّه الذي كشف لنا عمق الصلة التي كانت تربطنا
بالله فأحياها بعد أن فقدناها وردها لنا وكأنها حقٌّ من حقوقنا التي ضيَّعناها!!

الآن نرى أنه كان من
المحتم بحسب الحق والواقع والعدل معاً أن يولد ابن الله من عذراء قديسة ويصير
بشراً حتى ببشريته يتآخى معنا، وبها نفسها يكشف لنا مَنْ هو الله أبوه بالنسبة
لنا:
» الله لم يره أحدٌ قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو
خبَّر
«(يو 18:1). وبعد أن
يعرِّفنا بكل ما عند الآب نتيقَّن أنه أبٌ حقيقيٌّ ومحبٌّ حبًّا أبوياً لنا:
» الآب نفسه
يحبكم، لأنكم قد أحببتموني، وآمنتم أني من عند الله خرجت.
«(يو 27:16)

نازفة الدم هي مبشِّرة
البشرية بأن لنا عند المسيح والله حقوقاً وإمكانيات وقوات مخفية يمكن أن نختلسها
منه بإيماننا ورجائنا دون أن نخاف أو حتى نستشيره إذا لمسنا فقط هدب ثوبه
كالنازفة وهو مشغول يتكلَّم مع الجماعة.

لقد أخذ المسيح كل ما
عند الآب ووهبه لنا فصرنا لسنا عارفين فقط بالآب بل وحاصلين على أبوته بدالة
الأبناء المحبوبين. هذا الاتحاد الفائق الوصف نشأ أصلاً لمَّا تجسَّد الابن الوحيد
إذ صار ابن الله ابناً للإنسان، فأدخل الله العنصر البشري في كيان الابن وبهذا حاز
الإنسان على وجود في الابن أمام الله الآب: «الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به،
لكي يكون لكم أيضاً شركة معنا. وأمَّا شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع
المسيح»
(1يو 3:1). هذه الدالة عند الآب التي ربحها الابن لحسابنا بذبيحة
نفسه، وهذا الوجود المتبادل مع المسيح الابن أمام الله، وهذه الشركة التي صارت
للإنسان مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح، هذا كله الذي صار للبشرية، أعطى الإنسان الذي
يؤمن به وزناً عالياً جداً إذ أدخل الإنسان تحت سقف بيت الله أهلاً وأقارب بكل ما
للقربى من معنى روحي عند الله. والمسيح بدأ بكرازته وتعامله مع
المؤمنين به تطبيق هذا المنهاج العظيم القدر، فنازفة الدم، لا نعجب
إن كانت قد اقتحمت دائرة النور التي تحيط بالله في شخص المسيح لتختلس قوة بلمس هدب
ثوبه، وهكذا رئيس المجمع إذ آمن بالمسيح عبر الحواجز الضيقة والميتة التي كانت
تفصل هيئة رؤساء السنهدرين ومعها المجامع عن المسيح، اختطف حياة لابنته الميتة
بدالة لم يبلغها إبراهيم ولا موسى أو داود.

فنازفة الدم هي أول
مَنْ باشر اغتصاب الحقوق الضائعة مِن قِبَل الله منذ آدم. وابنة رئيس المجمع هذا
هي أول إنسان داس الموت وقامت بإيمان أبيها. وهذا وذاك يدخل دائرة النداء الجديد:
» توبوا لأنه
قد اقترب (منكم) ملكوت السموات.
«(مت 3:3)

والآن إن كان هذا كله
فيما قبل موت الابن على الصليب، فماذا يكون لنا بعد أن دسنا معه
الموت وقمنا لحياة في صميم الملكوت؟
» الحق الحق أقول لكم
مَنْ يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضاً ويعمل أعظم منها لأني ماضٍ
إلى أبي. ومهما سألتم باسمي فذاك أفعله ليتمجَّد الآب بالابن. إن سألتم شيئاً
باسمي فإني أفعله.
«(يو
14: 1214)

40:8 «وَلَمَّا
رَجَعَ يَسُوعُ قَبِلَهُ الْجَمْعُ لأَنَّهُمْ كَانُوا جَمِيعُهُمْ
يَنْتَظِرُونَهُ».

من صيغة الكلام يبدو أن
الجموع كانت متأثِّرة به ومتلهِّفة لرؤياه، بعضهم من المرضى، والآخرون من الذين
تعلَّقت قلوبهم بتعليمه. وقول ق. لوقا “جميعهم” هنا تفيد أن الجموع كانت منفعلة جداً بالمعجزات التي أكملها. والعودة هنا هي
العودة من كورة الجدريين الأُممية إلى أرض
الجليل.

41:8 «وَإِذا رَجُلٌ
اسْمُهُ يَايِرُسُ قَدْ جَاءَ وَكَانَ رَئِيسَ الْمَجْمَعِ
فَوَقَعَ عِنْدَ قَدَمَيْ يَسُوعَ وَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ».

يايرُس اسم عبري yAIr وتعني: “المضيء”. ورؤساء المجمع كانوا إمَّا ثلاثة أو سبعة بحسب
كبر المجمع وكثرة الشعب. وواضح جداً أن الحاجة الشديدة هي التي أملت عليه أن يسجد
أمام المسيح ويتوسَّل إليه أن يدخل بيته ويضع يديه على الصبية لتُشفَى. وصحَّ في
هؤلاء قول الرب:
» لا تؤمنون إن لم تروا آيات. «(يو 48:4)

42:8 «لأَنَّهُ
كَانَ لَهُ بِنْتٌ وَحِيدَةٌ لَهَا نَحْوُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَتْ
فِي حَالِ الْمَوْتِ. فَفِيمَا هُوَ مُنْطَلِقٌ زَحَمَتْهُ الْجُمُوعُ».

هنا
القصد كله من القصة واقع في عبارة
» زحمته الجموع « وهذا يعني أن الركب يسير ببطء شديد، وهذا ليعطي فرصة
للمرأة المباركة الخجولة أن تنتهز فرصة هذا الجمع الكثير الضاغط وتندس بينهم وتلمس
هدب ثوبه في خفية، ولا مَنْ رأى ولا مَنْ سمع. وهذا مشتهى كل لص أن يسرق في خفية
ولا يراه أو يسمعه أحد. ولكن احتراف اللصوصية في سرقة المسيح لا يمكن أن يسير دون
إعلان، لأن غنى الله مؤمَّن عليه لا يسرقه إلاَّ مَنْ كان له رصيد في بنك الإيمان
مسجَّل فيه اسمه ويوم خلاصه.

43:8 «وَامْرَأَةٌ
بِنَزْفِ دَمٍ مُنْذُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقَدْ أَنْفَقَتْ كُلَّ
مَعِيشَتَهَا لِلأَطِبَّاءِ، وَلَمْ تَقْدِرْ أَنْ تُشْفَى مِنْ أَحَدٍ».

في الديانة اليهودية
نزف الدم عند المرأة يُحسب لها نجاسة. وعلى القارئ أن يتصوَّر بؤس هذه المرأة إذ
أمضت هذه السنين كلها في حالة تمنعها من الصلاة أو دخول الهيكل. وهنا يتدخَّل ق.
لوقا بنفسه كطبيب يرفع الخطأ والعجز عن الأطباء ويضعه على المرأة. فبدلاً مما قاله
ق. مرقس وهو مصدر القصة الوحيد أنها صارت إلى أسوأ على
أيدي الأطباء، يقول هو هنا أنها هي المسئولة عن الخطأ إذ يقول: إنها لم تقدر
أن تُشفى! فهو هنا يتحيَّز لمهنته.

44:8 «جَاءَتْ مِنْ
وَرَائِهِ وَلَمَسَتْ هُدْبَ ثَوْبِهِ. فَفِي الْحَالِ وَقَفَ نَزْفُ دَمِهَا».

نيَّة المرأة واضحة في
التخفِّي، فجاءت من ورائه دون أن يراها ودون أن يلحظها أحد، كأحد الزاحمين. ولمست
هدب ثوبه أي طرفه النهائي بمعنى بعيداً جداً عن إحساس المسيح حتى لا يشعر بها.
ولكن المسيح ليس كأي إنسان لابساً ثياباً بأهداب، فالمسيح لا يتحدَّد وجوده وطاقته
داخل الثوب الذي يلبسه، فمجال المسيح يملأ الوجود كله، وطاقته تعمل في كل الخليقة
التي خلق. وهذه المرأة وما عملته يكشف طاقة المسيح الفاعلة في مجالها اللامحدود إذ
وقف نزفها، لأن علة مرضها توقَّفت في الحال بدخولها مجال المسيح الشافي والمحيي من
الموت.

تقول يا ليتني كنت
موجوداً أيام المسيح لألمس هدب ثوبه، ولكن كما قلنا إن أهداب ثوب المسيح لا تمثل
حدود وجود المسيح، فالمسيح حيٌّ موجود بروحه الكلي المالئ الكون، يعمل كل ما
يحتاجه الإنسان لخلاصه وحياته:
» أنا معكم كل الأيام إلى
انقضاء الدهر
«(مت 20:28).
فالمشكلة العظمى هي ليست في عدم وجود المسيح كما نريد لنلمسه بل المشكلة في
الإيمان الذي يقودنا إلى المسيح. لأن الذي شَفَى المرأة ليس وجود المسيح وحده بل
وجود الإيمان القادر أن يُدخلها في مجال شفاء المسيح فشفيت.

45:8 «فَقَالَ
يَسُوعُ: مَنِ الَّذِي لَمَسَنِي! وَإِذْ كَانَ الْجَمِيعُ يُنْكِرُونَ، قَالَ
بُطْرُسُ وَالَّذِينَ مَعَهُ: يَا مُعَلِّمُ، الْجُمُوعُ يُضَيِّقُونَ عَلَيْكَ
وَيَزْحَمُونَكَ، وَتَقُولُ مَنِ الَّذِي لَمَسَنِي!»

يقيناً إن المسيح رأى
المرأة وعرف محتوى ضميرها ولاحظ لمسها لأهداب ثوبه، ولكن لم يشأ أن يفاجئ المرأة
بذلك، ولكن أعطاها فرصة لتعترف ليكشف عن قوة إيمانها الذي كرَّمه المسيح فيها.
دخول بطرس في القصة كان من الضروري لكي يفهم الجميع أن المسألة ليست لمس يد ولا
زحمة ناس، ولكن إيمان حي مبدع لامرأة هدَّها النزيف اثنتي عشرة سنة لم يختل
إيمانها فيها من رحمة الله وانتظرته فكان لها كل ما آمنت به.

46:8 «فَقَالَ
يَسُوعُ: قَدْ لَمَسَنِي وَاحِدٌ، لأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّ قُوَّةً قَدْ خَرَجَتْ
مِنِّي».

أمر عجيب حقـًّا أن
يقول المسيح مؤكِّداً إن قوة قد خرجت منه لمَّا لمسته المرأة عن طريق هدب ثوبه،
والقوة كانت لشفاء مرض المرأة في الحال. نفهم من هذا أن المسيح لمَّا يشفي إنساناً
لا يشفيه بمجرَّد خروج كلمة من فمه، بل علمنا الآن أن مع الكلمة تخرج منه قوة
لتصنع الشفاء أيًّا كان نوعه أو المعجزة أيًّا كان نوعها. هذا يعني في الحال أن
المسيح بذاته وجسده طاقة إلهية فائقة القوة
تعمل بمجرَّد إرادة المسيح أو إيمان المتقدِّم إليه. هذا يترجمه بولس الرسول:
» الله ظهر في الجسد « (1تي 16:3).
فالمسيح هو إصبع الله الذي يوجِّه الطاقة الإلهية كيفما يشاء:
» ولكن إن كنت
بإصبع الله أُخرج الشياطين فقد أقبل عليكم ملكوت الله
«(لو 20:11). ولكن لا يظن أحد أن بالتوصيل
الجسدي يعمل المسيح الأشفية والمعجزات، بل إن القوة أو الطاقة الإلهية عملها لا
حدود له وإلى منتهى الأرض والزمن، فمعجزة شفاء عبد قائد المائة والمسيح على بعد
منه يوضح ذلك (لو 7: 1
10).

47:8 «فَلَمَّا
رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّهَا لَمْ تَخْتَفِ، جَاءَتْ مُرْتَعِدَةً وَخَرَّتْ لَهُ،
وَأَخْبَرَتْهُ قُدَّامَ جَمِيعِ الشَّعْبِ لأَيِّ سَبَبٍ لَمَسَتْهُ، وَكَيْفَ
بَرِئَتْ فِي الْحَالِ».

إحساس المرأة هنا » أنها لم
تختفِ
«يوضِّح أنها أدركت أن المسيح قد عرفها، وعلى هذا الأساس سجدت
وأخبرته عن حالها وكيف برئت أمام كل الجمع. واضح أن المسيح لم يُرد أن تبقى هذه
المعجزة مجهولة، لأن القصد من عمل البشارة هو إخبار الناس بأعمال الله العجيبة
وقوة وقدرة الروح في المسيح لكشف كل ما في القلوب. من هذا نفهم أن كل ما كان يضمره
السنهدرين والكتبة والفرِّيسيون ضده كان يعلمه أولاً بأول، بل وعلم ماذا كانوا قد
أعدُّوا له، فكشف أسرار النفوس كان واضحاً عنده. ومرَّات كثيرة كان يسبق المسيح
ويرد على أسئلة ما في قلوبهم دون أن يسألوها. ثم هذا الوعي الإلهي الكاشف المستورات
هو عينه الذي كان يعرف المستقبلات.

48:8 «فَقَالَ
لَهَا: ثِقِي يَا ابْنَةُ. إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ. اِذْهَبِي بِسَلاَمٍ».

أراد المسيح أن يقرن
شفاءها الذي أخذته منه خلسة بإيمانها بأن يوثِّقه حسب إرادته، وأضاف إليها حالة
السلام الذي ستحياه إلى الأبد. ويُلاحَظ أن شفاءها دون موافقة المسيح وبركته كان
سيظل شفاءً جسدياً، أمَّا بعد أن وثَّقه بإرادته فقد صار شفاءً هو الخلاص بعينه:
sšswkšn
se
= قد شفاك =
قد خلَّصكِ.
وهنا أيضاً لا يفوتنا قول المسيح: » إيمانكِ قد
شفاكِ
« إذ جعل الإيمان
العنصر الأساسي الذي يستدر أمر الله في إعطاء الشفاء. فالمسيح هنا يسلِّمها الشفاء
كحق لها اكتسبته بإيمانها.

49:8 «وَبَيْنَمَا
هُوَ يَتَكَلَّمُ، جَاءَ وَاحِدٌ مِنْ دَارِ رَئِيسِ الْمَجْمَعِ قَائِلاً لَهُ:
قَدْ مَاتَتِ ابْنَتُكَ. لاَ تُتْعِبِ الْمُعَلِّمَ».

وهنا نعود إلى القصة
الأُولى بارتفاق بديع مأخوذ عن ق. مرقس، وكان المفروض أن يَضْعُف إيمان رئيس
المجمع في إمكانية المسيح من شفائها. وهنا يقول ق. لوقا إنها
» قد ماتت «(في زمن الماضي التام) بدل القول في إنجيل ق. مرقس إنها: » ماتت «(في زمن الماضي البسيط)، بمعنى أن في إنجيل ق. لوقا الأمر قد قضى
وانتهى وصار ذا يأس مقيم. والقول في لا تتعب المعلِّم انتقاص شديد من أي أمل في
قدرة المسيح. ومن هنا تبدأ القصة لتأخذ أقصى معنى لقوة المسيح على الشفاء حتى ولو
مات الإنسان:
» مَنْ آمن بي ولو مات فسيحيا. «(يو 25:11)

50:8 «فَسَمِعَ
يَسُوعُ وَأَجَابَهُ قَائِلاً: لاَ تَخَفْ. آمِنْ فَقَطْ، فَهِيَ تُشْفَى».

هنا تنكشف القوة
الفائقة للرب يسوع، فمن أراد أن يعرف مَنْ هو يسوع المسيح هذا فليقرأ هذا الحوار:
» قد ماتت
ابنتُك. لا تُتعب المعلِّم … آمن فقط فهي تُشفى
«! هنا يتخطَّى المسيح حد الموت وبقوة فائقة يسترد الروح إلى الجسد،
ليضعه على سرير المرض بدلاً من نعش القبر كما كان، ليعمل المسيح عملين: يقيم من
موت مثل هذا، ويقيم من مرض مثل ذلك؛ ليبقى المسيح دائماً الشافي والمعطي الحياة
بآن واحد. هنا يترفَّق المسيح بمشاعر يايرُس ويَرُدّ له رجاءه حتى يرد له إيمانه.
فالمسيح أعطى يايرُس مرَّة أخرى فرصة للرجاء لمَّا قال: «فهي تُشفى» وكأنها
بحال المرض، لكي يطالبه بما هو أكثر من الرجاء، يطالبه بالإيمان «آمن فقط»!!
وعلى هذا المنوال فنحن جميعاً كل من مات وكل مَنْ سيموت مجرَّد مرضى وهو قادم
ليشفينا. فالموت ملغي في مفهوم المسيح وقدرته!!
» أين شوكتك
يا موت أين غلبتكِ يا هاوية.
«(1كو 55:15)

آمين
تعالَ أيها الرب يسوع، فقد
أنْتَنَت أجسادنا ونحن نتلهَّف صوتك: ارفعوا الحجر!! هل تأتي سريعاً؟ أسرع، نعم أسرع لأن أعداءنا شمتوا بنا يا
حبيب!! كلنا لعازر ولكن ليس لنا مريم تبكي
علينا!!

51:8 «فَلَمَّا جَاءَ
إِلَى الْبَيْتِ لَمْ يَدَعْ أَحَداً يَدْخُلُ إِلاَّ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ
وَيُوحَنَّا، وَأَبَا الصَّبِيَّةِ وَأُمِّهَا».

كان المنزل مليئاً
بالذين أتوا ليواسوا أهل المريضة التي ماتت، فالحزن والبكاء والعويل يملأ أصداء البيت. والمسيح أمامه مهمة عظمى، فعليه أن يسترجع
الحمامة الصغيرة من بين أظفار الموت
ويحضرها سليمة ومعافية. وفي المهام
العظمى كان يختار الثلاثة تلاميذ الأكثر قرباً إلى قلبه الكبير، إنه أراد أن يستودع الكنيسة قصة إقامة من موت، فلابد من
ثلاثة شهود أخذهم ودخل لمواجهة سلطان الموت.

52:8 «وَكَانَ الْجَمِيعُ
يَبْكُونَ عَلَيْهَا وَيَلْطِمُونَ. فَقَالَ: لاَ تَبْكُوا. لَمْ تَمُتْ لكِنَّهَا
نَائِمَةٌ».

هذا معيار الموت عند
المسيح، غير موجود! أمَّا أصدقاء الموت وأبناؤه فلابد أن يقدِّموا له التحية
بالصراخ والعويل والرقص الحزين على دقة الطبول تكريماً لوفادته!

المسيح يقول: » لا تبكوا لم
تمت لكنها نائمة
« إنه يتكلَّم الحق،
بل ولو سألوا روح البنت لقالت إني لم أمت. المسيح يقولها عن يقين الواقع الذي أتى
به وأتى ليعلنه. المسيح هو الحياة بالحق:
» أنا هو
الطريق والحق والحياة
«(يو
6:14). كيف تموت الصبية والأمر مرفوع إليه، لو لم يرفعوا أمر الصبية إلى المسيح
لكانت ماتت، ولكن الآن الأمر مرفوع إليه ودخل إلى حضرته، وحضرته هي الحياة،
والحياة أُظهرت بالمسيح وفيه الموت اختفى من أمام وجه الرب.

حضور المسيح لبيت
الصبية هو حضور الحياة فأين يوجد الموت؟ الحياة في المسيح رهن إرادته، هو أراد
الحياة للصبية فلابد أن تحيا، بل مجرَّد أن رُفع إليه أمر موت الصبية وتقبَّله
المسيح هرب الموت كهروب الظلام عند مشرق الشمس. الحياة التي في المسيح كانت مخفية
عند الآب، فلمَّا أرسل ابنه مولوداً من عذراء أُظهرت الحياة ودخلت إلى العالم:
» فإن الحياة
أُظهرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة (المسيح) الأبدية التي كانت عند الآب
وأُظهرت لنا.
«(1يو 2:1)

الخطية دخلت إلى العالم
فدخل معها الموت، والمسيح لمَّا دخل العالم دخل ومعه الحياة الأبدية. كل مَنْ هو
لآدم واقع تحت حكم الموت لا محالة، وكل مَنْ آمن بالمسيح وقَبِلَهُ ارتفع مع
المسيح وقام لحياة أبدية. لمَّا آمن أبو الصبية انتقلت الصبية من الموت إلى
الحياة.

53:8 «فَضَحِكُوا
عَلَيْهِ، عَارِفِينَ أَنَّهَا مَاتَتْ».

حينما يقع صحن من الخزف
(الصيني) على الأرض ويصير قطعاً صغيرة جداً ويقول أحد الجالسين إنه صحيح لم ينكسر
فالأمر يثير الضحك، وحينما يبلغ شيخٌ من العمر مائة سنة ويقول واحد إن فلاناً صار
طفلاً صغيراً مولوداً جديداً فالأمر يكون مضحكاً، أو حينما نكون في منتصف الليل
وواحد يقول الشمس ظهرت فالأمر يثير الضحك، لأن الأمور الطبيعية لها منطق ثابت إذا
خرجت عنه صارت خرافة أو ضحكاً. هذا هو ما عمله المسيح في عالم الإنسان، كسر المنطق
الثابت إذ ألغى منطق أن بعد الشيب موت إذ جعل الحياة تتجدَّد ولا يوجد موت بعد
يتهدَّد الإنسان، فقد رفع كل أسباب الموت، فلم يعد موت. هذا أمر يخالف منطق
الإنسان. فالذي يعيش مع المسيح يعيش مع الحياة الأبدية، فمع الحياة لا موت، لأن
المسيح هو الحياة الأبدية التي كانت مخفية عند الآب وأُظهرت لنا وأعطانا أن نشترك
فيها معه. فمع المسيح لا موت بعد أيًّا كان، لا مرض ولا شيخوخة ولا ضعف ولا أي حدث
يتهدَّد الإنسان مع المسيح. والسبب واضح أن الذي يحيا مع المسيح لا تنطبق عليه
قوانين الأرض ومنطق الحياة الأرضية. فالمسيح حياة أبدية والذي يدخل في شركة المسيح
يدخل الحياة الأبدية ويصير بمعزل عن كل قوانين ومنطق الأرض. على أن الشركة مع
المسيح أي في الحياة الأبدية يعطيها المسيح مجاناً من طرفه لكل مَنْ يَرضى أن يعيش
مع المسيح:

( أ ) » أنا هو خبز
الحياة. مَنْ يُقبِل إليَّ لا يجوع، ومَنْ يؤمن بي فلا يعطش أبداً.
«(يو 35:6)

(ب) » أنا هو خبز
الحياة … هذا هو الخبز النازل من السماء، لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت.
«(يو 6: 48و50)

(
ج )
» أنا
هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن أكل أحدٌ من هذا الخبز يحيا إلى الأبد.
«(يو
51:6)

( د ) » الخبز الذي
أنا أُعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم.
«(يو 51:6)

( هـ ) » مَنْ يأكل
جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية، وأنا أُقيمه في اليوم الأخير.
«(يو 54:6)

( و ) » مَنْ يأكل
جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه … فمَنْ يأكلني يحيا بي.
«(يو 6: 56و57)

إذن، هذا هو سر عدم
الموت!!

هذه
الحقيقة الإلهية عند البعيدين عن المسيح هي أمر مضحك، وأمَّا بالنسبة للقريبين من
المسيح

الذين لم يذوقوا الرب بعد:
» فقال كثيرون من
التلاميذ إذ سمعوا: إن هذا الكلام صعبٌ! مَنْ يقدر أن يسمعه؟ … ولكن منكم قوم لا
يؤمنون. لأن يسوع من البدء عَلِمَ مَنْ هم الذين لا يؤمنون … من هذا الوقت رجع
كثيرون من تلاميذه إلى الوراء، ولم يعودوا يمشون معه!!
«(يو 6: 60و64و66)

وبعد أن طرح المسيح على
العالم قضية الموت والحياة، لا يزال قوم يتحيَّزون لقضية الموت وقوم يتحيَّزون
لقضية الحياة: الأولون يضحكون الآن مع أهل الصبيَّة ليبكوا إلى الأبد عندما تُرفع
القضية للحكم، والآخرون يبكون الآن على الذين يضحكون ليضحكوا إلى الأبد عندما
تُرفع القضية وتُعرف الحياة الأبدية.

فماذا أنت: أضاحك مع
الضاحكين أم باكٍ على الذين يضحكون؟

54:8 «فَأَخْرَجَ
الْجَمِيعَ خَارِجاً، وَأَمْسَكَ بِيَدِهَا وَنَادَى قَائِلاً: يَا صَبِيَّةُ
قُومِي».

وقد قالها ق. مرقس
بأصلها الأرامي:
» طاليثا قومي. «(مر 41:5)

للموت هيبة ولكن
للقيامة من الأموات رهبة، إن أصعب لحظة في حياة الإنسان هي أن يواجه الموت في نفسه
أو في غيره، حيث الروح تنسلت من الجسد وتتركه جثة هامدة. ويرى الإنسان ويشاهد
ويرتعب كيف تنتهي الحياة ويسكت النَفَسْ إلى الأبد.

إن
خروج الروح من الجسد أقوى أنواع الحقائق المبهمة والبعيدة جداً عن فهم الإنسان!
ولكن

أن تعود الروح مرَّة أخرى للجسد وأن يتحرَّك الجسد ويتنفَّس ويقوم بأمر المسيح وفي
الحال دون أي وضع وسيط، فهذا لا يتبع أي حقيقة في هذا الدهر. لقد جاء المسيح بهذه
الحقيقة إلى العالم في أقوى وأبلغ صورة لها
لمَّا قام هو من الأموات
وتراءى
لتلاميذه أربعين يوماً يظهر ويتكلَّم ويوضح حقيقة
قيامته.

المسيح هو الوحيد الذي
أدخل قوة القيامة إلى عالم الإنسان وباشرها، وباشرها تلاميذه. لقد أنهى المسيح على
الموت وصاحب سلطان الموت وسلَّم الكنيسة هذه الحقيقة الجديدة: القيامة من الأموات
كحق لكل مَنْ آمن بالذي غلب الموت وداسه وقام:
» وأنا إن
ارتفعت عن الأرض أجذب إليَّ الجميع
«(يو 32:12). ولكن أن نغلب الموت ونقوم لنحيا في هذه الحياة
العالمية مرَّة أخرى فبئس هذه القيامة، إنها قيامة لمزيد من أتعاب وأوجاع وهموم
العالم.

المسيح أمام ابنة
يايرُس ليقنع فقط الضاحكين أنها ماتت وأنه هو الذي أقامها من الموت لتشهد لسلطان
المسيح فوق الموت وفوق مَنْ له سلطان الموت. المسيح أعدَّ لنا حياة أخرى هرب منها
الحزن والكآبة والتنهد، حياة في نور الله والقديسين، حياة كلها تسبيح وتهليل
وتمجيد إلى ما لا نهاية، حياة كلها أفراح الله. وقال لنا:

+ » أنا أمضى
لأُعد لكم مكاناً، وإن مضيت وأعددت لكم مكاناً آتي أيضاً وآخذكم إليَّ حتى حيث
أكون أنا تكونون أنتم أيضاً.
«(يو 14: 2و3)

+ » أيها الآب
أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا لينظروا مجدي الذي أعطيتني.
«(يو 24:17)

وهكذا أثبت المسيح
بموته وقيامته أنه كما أنه توجد حقيقة اسمها الموت، أَوجد حقيقة جديدة اسمها
القيامة من الموت، ولكن بحقيقة القيامة التي أدخلها المسيح إلى العالم أنهى على
الموت كحقيقة. الحقيقة الوحيدة التي نعيش فيها ونعيش لها هي حقيقة القيامة، أمَّا
الموت الملغي والمُداس فقد فَقَدَ قوته ورعبته ووجوده البتة، ذلك بالنسبة للذين
أُعطوا حق القيامة من الموت، أُولئك الذين يؤمنون بأن المسيح جاء ليبطل الموت
والفساد ويجدِّد الحياة ومعناها، إذ يعبر بها من حياة محدودة تحت سلطان الحواس إلى
حياة لا محدودة فوق الحواس، التي تحسب أنها الحق الإلهي الذي صرنا نشترك فيه.

55:8 «فَرَجَعَتْ
رُوحُهَا وَقَامَتْ فِي الْحاَلِ. فَأَمَرَ أَنْ تُعْطَى لِتأْكُلَ».

+ «الإنسان
الأول من الأرض ترابي، والإنسان الثاني (المسيح) الرب من السماء.» (1كو 47:15)

+ «صار آدم الإنسان
الأول نفساً حية وآدم الأخير روحاً مُحيياً.» (1كو 45:15)

 

وها هو المسيح يُعطي
صورة لنفسه أنه رب الحياة وأبو الأرواح يأمر فتطيعه في الحال. وبأمر المسيح لروح
الصبية لتعود فعادت أظهر أن للأرواح وجوداً وكياناً وحواساً فائقة لتسمع بها أمر
روح الله والمسيح. وعادت روح الصبية كاملة عاقلة كما كانت ولها خبرة جديدة، خبرة
العبور على الموت والوجود في عالم الأرواح، ثم العودة مرَّة أخرى.

وفي أمر لعازر وإقامته
من الموت بعد أن تهرأ جسده ولأربعة أيام في القبر وقد أنتن، ظهر المسيح في إقامته
من الموت إعادة خلقة الجسد كما كانت فكانت خلقة وإقامة من موت بآن واحد.
أمَّا في القيامة العامة فلن نُقام بأجسادنا المادية التي كانت، بل بأجساد روحانية
غير قابلة للموت لخليقة جديدة لها صورة الجسد الترابي ولكن كيانها روحاني متجلٍّ
Transfigurated وليس من عناصر الأرض الجامدة: » يُزرع في
فساد ويُقام في عدم فساد … يُزرع جسماً حيوانياً ويُقام جسماً روحانياً.
«(1كو 15: 42و43)

فالقيامة العتيدة أن
نجوزها ستكون بمثابة خلقة جديدة لحياة جديدة، نبدأها هنا بالمعمودية وأخذ الجسد
والدم ونكمِّلها بالقيامة من الأموات.

أمَّا إعطاء الأكل
للصبية فهو لكي يؤكِّد استمرار حياتها الأُولى ويرفع عنها كل مظنَّة الموت.
فـ“طليثا” بكلمة المسيح سخرت من الموت وتخلَّصت من براثن الموت وقامت حالاً:

[نؤمن
بقيامة الأموات وحياة الدهر الآتي] (قانون الإيمان).

+ » أنا هو
القيامة والحياة.
«(يو
25:11)

56:8 «فَبُهِتَ
وَالِدَاهَا. فَأَوْصَاهُمَا أَنْ لاَ يَقُولاَ لأَحَدٍ عَمَّا كَانَ».

ليس حزن مثل حزن الوالد
على موت ابنه، وليس حزن مثل حزن الأُم على بنتها! بعد أن عصر الحزن قلب الرجل
وتمزَّق قلب الأُم وكبدها. فجأة وليس ككل المفاجآت في الوجود، وجداها بين أيديهم
هي بعينها طاليثا الحلوة المحبوبة بنظراتها الحانية نحو الأب والأُم، وكأن الموت
أضغاث أحلام ولَّت بعد نور الحياة الذي ملأ بيتهما من جديد.

هذا هو يسوع المسيح
وقدراته الإلهية ورقة أحاسيسه وخفقات قلبه، يحب كل مَنْ احتاج إلى حبه. شفى مرضاهم
وأقام موتاهم ثم حكموا عليه كمجرم!

كيف كرهوه؟ كيف قتلوه؟
لماذا اشتدت أحقادهم حتى صلبوه؟

+ » تركوني أنا
الحبيب مثل ميت.
«(مز 21:37و22 حسب
النسخة القبطية)



([1]) ظَعنه: أي ارتحاله.

([2])
 H. Schürmann, cited by Marshall,
op. cit., p. 315.

([3]) G. B. Baird, St. Luke,
1963, p. 115 f.

([4]) Grundmann, cited by I. H. Marshall,
p. 316.

([5]) J. Jeremias, The Parables of Jesus,
pp. 77-79.

([6]) C. E. B. Cranfield, St. Mark,
pp. 158-161, & C. F. D. Moule, cited by I. H. Marshall, op. cit.,
p. 324.

([7]) H. Marshall, p. 337.

([8]) Joseph., Bell. Jud. VII 6.3, cited by H. D. M.
Spenle, The Gospel according to St. Luke, p.
206.

([9]) I. H. Marshall, op. cit.,
p. 339.

([10]) Dr. Thomson, cited by H. D. M.
Spence, The Pulpit Commentary.

([11]) Joseph., Bell. Jud.
III 7.1 – IV 7.4.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي