تَفْسِير
إِنْجِيلُ يُوحَنَّا

 

إسم السفر:

إنجيل يوحنا John

الإختصار : يو = JOH

 

+ انجيل يوحنا هو آخر
الأناجيل الأربعة كتابة

يقدم لنا إنجيل يوحنا
الرب يسوع كالكلمة الأزلي الأبدي الذي صار إنسانا: في البدء [قبل كل الأزمنة] كان
الكلمة [المسيح]، وكان الكلمة عند الله، وكان الكلمة الله (يوحنا 1:1).

ولا توجد في هذا
الإنجيل سلسلة نسب، ولا مجوس يسألون أين هو المولود ملك اليهود؟ (متى 2:2)، ولا
ملائكة تظهر للرعاة لكي يأتوا ويسجدوا للمخلص الذي ولد في بيت لحم.

وإنما إنجيل يوحنا يصور
يسوع كمن هو مساوٍ لله الآب (يوحنا 19:5-29): في أعماله (يوحنا 19:5)؛ وفي معرفته
بكل شيء (يوحنا 20:5)؛ وفي استحقاقه للإكرام (يوحنا 23:5)؛وفي إعطائه الحياة
الأبدية (يوحنا 24:5-25)؛ وفي أن له حياة في ذاته (يوحنا 26:5)؛ وفي إجرائه
للدينونة (يوحنا 22:5،27)؛ وفي قدرته أن يقيم الأموات (يوحنا 21:5،28-29).

قال المسيح أيضا: قبل
أن يكون إبراهيم، أنا كائن [أي أنا هو] (يوحنا 58:8)، معلنا أنه هو أهيه [أي أنا
هو] الأزلي المذكور في العهد القديم (خروج 14:3). وفي هذا الإنجيل نسمع يسوع
قائلا: أنا والآب واحد (يوحنا 30:10). وهنا أيضا يشهد قائلا: الذي رآني فقد رأى الآب
(يوحنا 9:14). وهو يتكلم أيضا عن المجد الذي كان له عند الآب قبل كون العالم
(يوحنا 5:17).

ويعلن يوحنا أيضا عن
يسوع أنه حمل الله المذكور في النبوات الذي يرفع خطية العالم (يوحنا 29:1؛ إشعياء
7:53)؛ وأنه خبز الحياة الذي يشبع النفس الجائعة إلى الأبد (يوحنا 31:6-58)؛ ونور
العالم الذي ينير ظلمة الخطية؛ ومخلص العالم (يوحنا 12:8)؛ والراعي الصالح الذي
يعتني بخرافه (يوحنا 11:10-15)؛ وهو القيامة والحياة الذي يغلب الموت ويعطي الحياة
الأبدية (يوحنا 25:11-26).

إنه مملوء نعمة وحقا –
فهو النعمة المتناهية من أجل فدائنا، وهو مصدر كل حق كي يعلن الله لنا (يوحنا
14:1)؛ إن يسوع هو الطريق والحق والحياة، ليس أحد يأتي إلى الآب إلا به (يوحنا
6:14). وأتباعه يتطهرون ويتقدسون بسبب الكلام الذي يكلمهم به (يوحنا 3:15؛ 17:17).
وقد قال لليهود الذين آمنوا به: إن ثبتم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي،
وتعرفون الحق والحق يحرركم (31:8-32).

ويقول للعالم
"المتدين" الهالك: أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا
(يوحنا 44:8).

إن إنجيل يوحنا إنجيل
شامل، وموجه ليس إلى اليهود فقط بل إلى كل الجنس البشري. وقد كتب لكي تؤمنوا أن
يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه (31:20).

 

كاتب السفر:

+ القديس يوحنا الحبيب.

+ يوحنا الحبيب، كان
أولاً من تلاميذ يوحنا المعمدان وهو الذي عرفه بيسوع، الذى تحول اليه، وهو أصغر
التلاميذ سنا، أحد الرسل الثلاثة، الذين قربهم يسوع اليه، وهم بطرس ويعقوب ويوحنا،
فهم وحدهم الذين شاهدوا إقامة ابنة يايرس (مر37:5) والتجلى (مت1:17، مر2:9) وجهاد
المسيح في جثسيمانى (مت37:26،مر33:14).

+ هو يوحنا بن زبدى
وسالومى، والده صياد سمك وصاحب سفينة (مر 1 : 20)، وأمه سالومة إحدى النساء
اللواتي كن يخدمن السيد من أموالهن (مت 27 : 55، 56، لو 8 : 3)، وكانت احدى النساء
اللواتى أتين بحنوط لتطييب جسد السيد المسيح (مر10:16)

+ أخو يعقوب زبدي
(مت21:4، 22)، ولد في بيت صيدا (لو5 : 10، يو 1 : 34) ورفيقه في التلمذة للسيد
المسيح وقد دعاه يسوع مع أخيه وهما يصلحان الشباك ولقبهما بابنى الرعد (مر17:3).

+ كان إبنا للرعد، فصار
رسول الحب رقيقا للغاية تحول عن طبعه العنيف إلى بساطة الحمل تمتع بالاتكاء علي
صدر السيد حتى لقب " التلميذ الذي كان يسوع يحبه " (21 : 20) وأجلسه
بجانبه فى الفصح الأخير(23:13-25).

+ هو التلميذ الوحيد
الذى رافق السيد المسيح عند صلبه، حتى بقي مع القديسة مريم وحدهما بجواره، فسلم
السيد المسيح أمه له قائلا " هو ذا أمك (يو،26:19).

+ بعد صعود المسيح كان
يعقوب وصفا ويوحنا معتبرين أعمدة فى الكنيسة (غلا9:2).

+ ترك أورشليم حوالي
سنه 62م ليبشر في اسيا وكان معظم أقامته في أفسس عاصمتها وكانت رعايته سائر اسيا.

+ كتب انجيله الى
العالم أجمع عندما لم يبقى غيره من الرسل طلب منه المؤمنون أن يفند اقوال الهراطقة
عن الوهية السيد المسيح فصام وصلى كثيرا، فسبي عقله في الإلاهيات وبعد أنتباهه من
سباته كتب قائلا … في البدء كان الكلمة … والكلمة كان عند الله … وكان الله
الكلمة. كما كتب ثلاث رسائل والسفر النبوي أي سفر الرؤيا، حيث رأى الرؤيا الشهيرة
في منفاه الى جزيرة بطمس فى حكم الأمبراطور دومتيان حوالي سنة 95م الذي أمر بنفيه
اليها بعدما وضعه في خلقين زيت مغلي فلم يأثر فيه، فمكث هناك حوالي سنة ونصف.

+ رجع ألي أفسس فوجد
تلميذه تيموثاوس أسقفها متجرعا كأس الأستشهاد فقضى فيها بقية حياته.

+ كان يوحنا شديد
الغيرة والمحبة ولم يتهاون عن تعليم شعبة حتى بعدما شاخ كان يوجز كلماته القليلة
قائلا "المحبة وصية الرب وهي وحدها تكفينا".

 + هو الوحيد بين
التلاميذ الذي لم يستشهد بل تنيح في منفاه وقد بقي علي الأرض آخر الكل وعاش عمرا
طويلا حوالي 100 سنة.

 

في أقدم الكتابات التي
وصلت إلينا من آباء الكنيسة الأولين نجد أن الاعتقاد السائد أن يوحنا الرسول، ابن
زبدي، هو كاتب هذا الإنجيل. وايرانيوس الذي كان أسقف بيون حوالي 185 م. كان
تلميذاً لبوليكاربوس الذي كان تلميذاً ليوحنا الرسول، وايرانيوس هذا يقول أن يوحنا
الرسول هو الذي كتب إنجيل يوحنا، وكنبه في افسس بعد انتشار الأناجيل الأخرى.

أما بعض الأدلة
الداخلية أو المأخوذة من الإنجيل نفسه والتي تؤيد هذا الرأي فهي:

1- كان كاتب الإنجيل يهودياً
فلسطينياً، ويظهر هذا من معرفته الدقيقة التفصيلية لجغرافية فلسطين والأماكن
المتعددة في أورشليم وتاريخ وعادات اليهود، (يوحنا 1: 21 و28 و2: 6 و3: 23 و4: 5
و27 و5: 2 و3 و7: 46-52 و9: 7 و10: 22 و23 و11: 18 و18: 28 و19: 31). ويظهر من
الأسلوب اليوناني للإنجيل بعض التأثيرات السامية فيه.

2- كان كاتب واحداً من
تلاميذ لمسيح ويظهر هذا من استخدامه ضمير المتكلم الجمع (يوحنا 1: 14). وفي ذكر
كثير من التفاصيل الخاصة بعمل المسيح ومشاعر تلاميذه (يوحنا 1: 37 و2: 11 و17 و4:
27 و54 و9: 2 و11: 8-16 و12: 4-6 و21: 22 و13: 23-26 و18: 15 و19: 26 و27 و35 و20:
8). ويتضح من يوحنا 21: 24 أن كاتب هذا الإنجيل كان واحداً من تلاميذ المسيح.

3- كان كاتب الإنجيل هو
"التلميذ الذي كان يسوع يحبه" (يوحنا 13: 23 و19: 26 و20: 2 و21: 7 و20
و21 وقارن هذه بما جاء في 21: 24). وكان هذا التلميذ هو يوحنا نفسه.

ويستطيع القارئ المتعمق
أن يميز نفس كاتب هذا الإنجيل من الوهلة الأولى. وكذلك الأمور التي يتضمنها والتي
هي من المختصات به، لأنه قلما ذكر فيه من الأمور التي ذكرها البشيرون الثلاثة
الأولون. فقد تكلم أولئك أكثر منه عن أعمال المسيح في الجليل وهو تكلم أكثر منهم
عما فعل في أورشليم.

ومن الأمور التي تركها،
مما ذكره غيره من البشيرين خبر ميلاد المسيح، ومعموديته، وتجربته، وكثيراً من
أمثاله، وأحاديثه، ودعوة الاثني عشر رسولاً، وجميع عجائبه، ما عدا إشباع الخمسة
الآلاف ص 6 الذي قصد به أن يوجه أنظار الناس إلى خبز الحياة الباقي.

وكان الداعي إلى كتابة
الإنجيل الرابع تثبيت الكنيسة الأولى في الإيمان بحقيقة لاهوت المسيح وناسوته ودحض
البدع التي كان فسادها آنذاك قد تسرب إلى الكنيسة كبدع الدوكينيين والغنوسيين
والكيرنشيين، والأبيونيين. فقد زعم الدوكينيين والغنوسيون أن جسد المسيح لم يكن
جسداً حقيقياً. وانكر الكيرنثيون لاهوته. وادعى الأبيونيون أنه لم يكن كائناً قبل
مريم أمه. ولهذا كانت غايته إثبات لاهوت المسيح "أما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن
يسوع هو المسيح ابن الله، ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمة" (20: 31). وإعلان
مجده- "ورأينا مجده مجداً، كما لوحيد من الآب مملوءاً نعمة وحقاً" (1:
14).

والاستعارات التي تستهل
بلفظة "أنا" أو "أنا هو" تريق نوراً ساطعاً على سر المسيح
الإلهي الذي كان منذ البدء: "قبل أن يكون إبرهيم أنا كائن" (يو 1: 1 و8
: 58 وقابل 13: 19). وليست لفظة أنا سوى تعبير للذات الإلهية (خر 3: 14). وهذه
الكينونة تحمل في ذاتها زماناً وتاريخاً.

وأما المسيح فهو وحيد
الآب (يو 1: 14 و18 و3: 16 و18). "منذ البدء عند الله". بادئ الكون.
"إله من إله". "نور من نور". "إله حق من إله حق".
"مولود غير مخلوق". كما جاء في غرة الإنجيل، وفي قانون الإيمان النيقوي
فيما يعد. ومجده هو مجد "النعمة والحق" هما من خواص الذات الإلهية (خر
35: 6). والرباط الإلهي بين الآب والابن هو المحبة (يو 15: 6). لع للابن (يو 3: 35
و13: 3 و17: 2). وقد عبر عن مجده الإلهي الذي ظهر بأجلى بيان في صليبه بهذه
الكلمات: أنا هو "الخبز" (يو 6: 48)، "النور" (8: 12)،
"الراعي" (10: 11 و14)، "الباب" (10: 9)، "القيامة"
(11: 25)، "الطريق" (14: 6)، "الكِرمة" (15: 1 و5) فالخبز
يكسر. والنور يصارع الظلمة. والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف. والباب يعبر منه.
والقيامة تتبعها الحياة لأنه "إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت، فهي تبقى
وحدها. ولكن إن ماتت فإنها تأتي بثمر كثير". (12: 24). والطريق يداس. والكرمة
تعصر.

ومن الأمور التي اختص
إنجيل يوحنا بذكرها إرشاد يوحنا المعمدان تلاميذه إلى اتباع يسوع ص 1. وتحويل
المسيح الماء خمراً ص2. وشفاؤه ابن خادم الملك ص4. وشفاؤه المريض في بركة بيت حسدا
ص 5. والأعمى في بركة سلوام ص 9. وإقامته لعازر من الموت ص 11. وحديثه مع
نيقوديموس ص 3. ومع المرأة السامرية ص 4. ومع الفريسيين عن لاهوته ص 5. وخطابه
الوداعي لتلاميذه ص 14-16 وصلاته الشفاعية ص 17. وظهوره بعد قيامته على بحر الجليل
ص21.

 

ان التقليد الثابت الذي
يمثّله اكلمنضوس الاسكندراني وترتليانس وقانون موراتوري ينسب الانجيل الرابع إلى
الرسول يوحنا. هناك غايوس وغيره حاولوا إنكار صحة هذه النسبة حوالي سنة 200 لأسباب
هجوميّة. ولكن في القرن 19 عادت الحرب ضد صحّة نسبة يوحنا إلى يوحنا الرسول. من
المستحيل أن يكون إنجيل مختلف عن الإزائيين قد كتبه أحد الاثني عشر. وقالوا : يعود
هذا الإنجيل الى المنتصف الثاني من القرن الثاني. وهكذا أزالوا إجماع شهادة
التقليد، وواقعاً يقول إن كتّابا كنسيين من بداية القرن الثاني عرفوا به (اغناطيوس
الانطاكي، بوليكربوس، يوستينوس، الديداكيه، اكلمنضوس الروماني). وبعد هذا اكتشفت
سنة 1935 بردية تبين ان الانجيل الرابع كان معروفا في مصر قبل سنة 150. وقال
النقّاد إن يوحنا قُتل مع أخيه يعقوب سنة 44، وإنه بالتالي لم يسكن افسس. ومت 20
:23 (مر 10 :39) يشهد بطريقته الخاصة على استشهاد الاخوين. ويقال أن بابياس أعلن،
بناء على شهادات سابقة، أن يوحنا اللاهوتي وأخاه يعقوب قتلا على يد اليهود. وهناك
سنكسار سوري يحتفل باستشهاد الاخوين في 27 كانون الاول. غير أنّ هذه البراهين لا
تزعزع شهادة التقليد عن إقامة يوحنا في أفسس، وعن أن أع 12 :2 يتكلم فقط عن موت
يعقوب، وعن أن بولس (غل 2 :9) يعرف أن الرسول يوحنا هو حيّ في اورشليم سنة 50.
ويستعينون بيوحنا الشيخ الذي يذكره بابياس (كما يقول اوسابيوس) مع الانجيلي يوحنا.
حينئذ نسب النقاد إلى هذا الشيخ (الذي نجهل كل شيء عنه) ما نسبه التقليدُ إلى
الرسول. ولكن هل يتميّز هذا الشيخ عن الرسول؟ (ب) إن الانجيل الرابع هو تأليف
تلميذ مميّز ليسوع، وشاهد عيان للاحداث (1 :14؛ 19 :35؛ رج 21 :24). ويبدو أن هذا
التلميذ انتمى إلى جماعة الاثني عشر (2 :11، 17، 22؛ 4 :27، 33). ومن جهة ثانية،
إن التلميذ الذي يحبّه يسوع هو اسم مستعار يختفي وراءه صاحب الانجيل. هذا التلميذ
هو ذاته التلميذ الذي أغفل اسمه في 1 :25-40؛ 18 :6. فالتلميذ الحبيب ينتمي إلى
مجموعة الرسل الثلاثة المميّزين. اذا وضعنا بطرس جانباً (13 :23؛ 20 :2)، وإذا
عرفنا أن يعقوب مات سنة 44، يبقى يوحنا. وصمتُ الانجيل الرابع المدهش حول ابني
زبدى (ما عدا 21 :2 وهي من كاتب لاحق)، يُثبت الافتراض أن يوحنا هو مؤلّف يو.
فالكاتب ينتمي إلى محيط فلسطين، وهو يعرف الأمكنة والأزمنة والعادات… وهو يفكّر
في الارامية، بحيث ظنّ بعض النقّاد أن يوحنا دوّن أصلاً في الارامية. اذًا كل
البراهين الجدية تؤول إلى إسناد شهادة التقليد. وقد عاش يوحنا مدة طويلة في أفسس،
بحيث إنه يبدو أن هذه المدينة شهدت مولد الانجيل الرابع. قال بعضهم : قد يكون وُلد
يوحنا في أنطاكية بسبب قول لمار افرام، وبسبب تأثير الانجيل الرابع على اغناطيوس
الانطاكي، وقرابته من موشّحات سليمان (أنطاكية، القرن 2). ولكن يجب أن لاننسى أن
الانجيل هو ثمرة كرازة شفهية امتدت على سنوات (قد يكون يوحنا كرز في انطاكية) بحيث
نستطيع أن نأخذ بشهادة التقليد والبردية المذكورة أعلاه وصحة نسبة الانجيل إلى
يوحنا. على كل حال، دوّن يوحنا بعد دمار اورشليم (سنة 70).

 

لمن كتب
السفر:

 الى العالم أجمع.

 

مكان كتابة
السفر
:

يظن أنه كتب فى أفسس.

 

تاريخ كتابة
السفر:

ما بين 85-100 ميلادية.

 

موضوع السفر:

الإثبات القاطع أن يسوع
المسيح هو المسيا الكلمة المتجسد وأن كل من يؤمن به سينال الحياة الأبدية.

مفتاح السفر:

وايات اخر كثيرة صنع
يسوع قدام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب، واما هذه فقد كتبت لتؤمنوا ان يسوع هو
المسيح ابن الله ولكي تكون لكم اذا امنتم حياة باسمه ".

 

رسالة السفر:

المسيح يحل في وسطنا.

 

الشخصيات
الرئيسية
:

يسوع المسيح، يوحنا
المعمدان، التلاميذ، مريم، مرثا، لعازر، العذراء مريم أم يسوع، السامرية،
نيقوديموس،بيلاطس، مريم المجدلية.

 

الأماكن
الرئيسية
:

اليهودية، السامرة،
الجليل، بيت عنيا، أورشليم.

 

مادة السفر:

+ إهتم باللاهوت.

+ المسيا الكلمة
المتجسد

 

رمز السفر:

يرمز له بأحد الآحياء
الاربعة التى تحيط بالعرش السماوى وله وجه نسر.

 

غاية السفر:

+ جاء هذا الإنجيل يكمل
صورة السيد المسيح كما سجلها الإنجيليون الثلاثة السابقون، فقد تحدث عن لاهوت
الإبن كطلب أندراوس الرسول وبعض أساقفة أسيا بعد ظهور بعض الهراطقة.

 + في هذا السفر يقدم
لنا شخص المسيح أبن الله لنؤمن، وفي رسائله الثلاث لكي ننعم بسمة الحب التي له وفي
سفر الرؤيا لكي ننتظر مجيئه الأخير.

 

سمات السفر:

+ في الأناجيل الثلاثة
السابقة نجد فيضا من الآيات التي صنعها يسوع رب المجد ليعلن حبه للبشرية وخدمته
لها من واقع سلطانه الإلهي " أما هنا فاختار الإنجيلي ثمان آيات تؤكد لاهوت
السيد المسيح.

+ في الأناجيل الثلاثة
يقسم البشرية إلى صالحين أو أبرار وأشرار أما هنا فإذ يكتب عن الإيمان بابن الله
فيقسمها إلى مؤمنين وغير مؤمنين، بالإيمان لا ندان (3 : 18) بل ننال الحياة
الأبدية (3 : 36) وننتقل من الموت إلى الحياة (5 : 24، 6 : 40،47)، لكنه ليس
إيمانا مجردا بل يكتب عن الحب الذى بدونه نفقد تبعيتنا للسيد (13 : 34، 35)، ولا
نقدر أن نحفظ كلامه ووصاياه (14 : 21 – 24).

 

أصالة السفر:

العلاقات مع الأناجيل
الإزائية:

(أ) إن المشاكل
المتعلّقة بالكتابات اليوحناويّة (آخر ما كُتب في العهد الجديد) وُلدت من المقابلة
بين يوحنا والإزائيين. فالإزائيون يتوقّفون عند خبر منوّع لمعجزات يسوع الظاهرة
وترداد كلماته المأثورة وأمثاله المزخرفة. أما اهتمامات يوحنا، فهي غير هذه
الاهتمامات. فهو لا يحتفظ إلا بالقليل من المعجزات الواردة عند الازائيين، ثمّ يورد
معجزات أشد إدهاشا. ثم لا نجد مقابلة كرونولوجية (هذا اذا افترضنا اننا نستطيع
التحدّث عن الكرونولوجيا في الأناجيل) من أجل مجمل الأخبار (مثلاً : يوحنا
المعمدان ويسوع : يوحنا 3 :24. ذُكرت ثلاثة أعياد فصح عند يوحنا وعيد فصح واحد عند
الإزائيين)، ولا من أجل التفاصيل (يو 2 :13؛ 12 :1؛ 19 :14). ويختلف أيضًا الإطار
الجغرافي. حين نقرأ الأناجيل الإزائية، نحسّ أن يسوع مارس رسالته خاصة في الجليل،
وقام برحلة واحدة (كانت الأولى والأخيرة) إلى اليهودية. يتوسّع لو في نشاط يسوع في
اليهودية أكثر ممّا يفعل متى ومرقس. أما يوحنا فيقدّم عددًا أكبر من الأخبار عن
نشاط يسوع في اليهوديّة. والاختلافات ظاهرة أيضا في كلمات يسوع. ففي الإزائيين
تتوجّه هذه الكلمات إلى أناس متنوّعين (فريسيّين، صادوقيّين، كتبة، الشعب…). عند
يوحنا يتوجّه يسوع إلى اليهود "الأشرار" (قلّ ما يذكر يوحنا رؤساء الشعب)
الذين لا يؤمنون، أو هو يتكلّم في الخفية مع نيقوديمس أو السامريّة… ولكن هذه
الحوارات تصبح في النهاية مونولوجًا (لا حوارًا بين اثنين) يختفي فيه المحاور دون
أن يترك اثرًا، بينما تتوجّه كلمة يسوع إلى القارئ. وفي النهاية نتساءل : هل يسوع
هو الذي يتكلم؟ هل هو الانجيلي يقدم لنا افكاره؟ في الازائيين يتحدث يسوع عن مجيء
ملكوت الله وعن الموقف الداخلي الذي يتطلّبه هذا الملكوت من الانسان. هو يناقش مع
رؤساء الشعب عن البر الحقيقي وبرهم الخاص، عن ممارسة فرائض الشريعة. في الانجيل
الرابع يكشف يسوع مسيحانيته التي يشهد لها يوحنا المعمدان. ويزيل الستار عن المعنى
العميق لهذه الرسالة، فيبيّن أصله السماوي وطبيعته. يتحدّث يوحنا عن شخص يسوع
ودوره كمخلص من أجل المؤمنين. هو لا يورد مجادلات حول مشاكل أخلاقية. فهناك شريعة
واحدة أساسية هي المحبّة المسيحية. اذًا يبدو مضمون كرازة يسوع في يوحنا مختلفًا
عمّا في الازائيين. والاختلاف بين أسلوب التعليم واضح. ففكرة السرّ المسيحانيّ لا
يطول عهدها عند يوحنا إن كان قد استعمل مرارًا رسمة الغموض الذي يتوضّح شيئًا
فشيئًا. على كل حال، تحلّ محل أقوال يسوع وأمثاله، حواراتٌ وخطب طويلة لا تتوافق
وعقل الشعب كما نراه في الازائيين. والتباس بعض الكلمات والتلميحات، تزيد الصعوبات
لمن يريد أن يفهم أقوال يسوع. ثم نلاحظ أن أسلوب خطب يسوع لا يختلف عن أسلوب
الانجيلي (مثل رسائل يوحنا) ولا عن أسلوب يوحنا المعمدان.

(ب) الانجيل الرابع هو
مؤلَّف لاهوتي:

يظهر هذا الميل
اللاهوتي في عوامل نكتفي هنا بالاشارة اليها، ولكننا لا نستطيع أن ننساها إذا
أردنا أن ندرك المشكلة اليوحناوية في كل أبعادها. حين نقرأ المطلع (1 :1-18)
وخاتمة القسم الأول (12 :37-50) التي تقابله، والخاتمة العامة (20 :21)، نفهم أن
الكاتب أراد أن يلقي الضوء على أهميّة يسوع من أجل حياة المؤمنين الدينيّة.
فرمزيّة الإنجيل تلاحق الهدف عينه : إن معجزات يسوع هي آيات (علامات) لا تكتفي
بالبرهان عن مسيحانيّته، بل تكشف كل مرة وجهة من رسالته (ف 9 : شفاء الاعمى يسوع
هو نور العالم). وبعض الأشخاص (السامريّة، التلميذ الحبيب إلى قلب يسوع…) وبعض
أسماء المكان (بيت زاتا : يوحنا 5 :2) والإشارات الزمنيّة (يو 13 :30 : وكان الوقت
ليلا) وسائر عناصر الخبر (جرة الماء في 4 :28)، كل هذا يفسّره الشرّاح في معنى
رمزي. ويُقرّ يوحنا نفسه أنه تذكّر بعض أعمال يسوع وبعض أقوال يسوع بعد القيامة أي
حين فهمها فهمًا كاملاً بتأثير من الروح القدس. فإلى أيّ حدّ ينقل الإنجيل الرابع
ذكر أعمال يسوع وأقواله؟ هل يجب أن نعتبر كلامه تقريرًا عن نشاط يسوع أم تفسيرًا
من قبل الانجيلي؟ نحسّ في بعض المقاطع وكأن يوحنا يحارب ضد اليهود أو ضد تلاميذ
يوحنا او ضد كارنتيس (كما يقول ايريناوس). ونحن نعرف أن الحرب تشدِّد على بعض
النقاط وتترك الاخرى. فالتعبير عن الايمان ليس هو تعبير الازائيين. إنه، كما يقول
النقّاد، يرتبط بتيّارات فكريّة متنوّعة جدا : الهلينية، الفيلونية، الغنوصية،
المندائيّة. ويصعب علينا أن نختار بين هذه التيارات لأن الافتراضات عديدة. ومنذ
اكتشافات بريّة يهوذا قوبلت مخطوطات قمران مع يو.

(ج) بعد هذه اللمحة
السريعة نفهم ان عنوان "الانجيل الروحاني" الذي أعطاه اكلمنضوس
الاسكندراني للإنجيل الرابع يثير لدى القارئ الحديث (الذي يهتم بالتاريخ) عدّة
مشاكل. وهنا نميّز في المسألة اليوحناوية ثلاث وجهات. الأولى : هل ننسب الإنجيل
الرابع (الذي يختلف عن الازائيين) إلى الرسول يوحنا، وهل لهذا الانجيل قيمة
تاريخية؟ الثانية : هل المقاطع اللاهوتية في الإنجيل الرابع هي عمل كاتب واحد (كما
نقول عن المقاطع الموجودة عند الازائيين. نحن هنا أمام مشكلة التدوين والوحدة
الادبية)؟ الثالثة : من أي تيار فكريّ اقترض يوحنا عناصر لاهوته؟

 

الوحدة الادبية
والتصميم:

(أ) هناك أمور تستوقف
انتباهنا. قالوا : عادة الاقدمين غير عاداتنا. أو : كان يوحنا شيخاً، وكتب كتابه
على مراحل. أو : تدخّل من بلبل التدوين الاول. أو : كتّاب عديدون دوّنوا يوحنا. أو
: هناك طبقات تأليفية ومراجع. فرضيات عديدة تُفتِّت النص. ولكن من الأفضل أن نشدد
على وحدته. (ب) هناك اقتراحات عديدة. ونحن نقدم تصميما نقترحه. لا يهدف الانجيل
الرابع إلى إعطاء رسمة كاملة عن حياة يسوع (20 :30ي)، بل بعض لمحات بحيث يَبرز
شخصُ يسوع على ضوء الايمان. وليس بصحيح أن يوحنا أراد تصحيح الازائيين الذين كانوا
جزءًا من التقليد الشفهي. هدف يوحنا الوحيد هو أن يرسم في بضعة لوحات أهم نقاط
نظرته الشخصية والدينية إلى شخص يسوع. ما أراد أن يحارب كارنتيس أو الغنوصيين أو
تلاميذ المعمدان أو شيعا أخرى. وإذا كان أظهر تفوّق يسوع على يوحنا المعمدان، فهو
يفعل بتأثير من اهتدائه الخاص. وهذا الشيء يسري بالنسبة إلى الجدال مع اليهود
والتشكي (نجده في كل انجيله) من الشعب المختار الذي لم يهتدِ إلى المسيح. هدفُ
الإنجيل الرابع هو تقوية المسيحيّين الآتين من العالم اليهوديّ، بعد أن رأوا
نفوسهم مستَبعدين من المجمع بفعل السلطات اليهوديّة (9 :22؛ 12 :42). فيجب أن
يتثبّت إيمانهم بيسوع، مرسل الآب، لكي يواجهوا الجدالات مع إخوتهم الذين ظلّوا
أمناء للخطّ اليهوديّ. وهكذا نفهم فهمًا أفضل البراهين المؤسّسة على الكتاب
المقدّس : يسوع يحقّق المواعيد المعطاة لابراهيم (8 :31-54). يكمّل مهمّة موسى (5
:44-47). يتمّ في جسده واقع الهيكل (2 :19-22؛ 4 :20-24). يمنح السبت معناه
المسيحانيّ (5 :16-17) وأعياد اليهود ملء مدلولها (الفصح، 2 :13، 22؛ 6 :4، 31؛ 19
:14، 36؛ الأسابيع، 5 :1، 25؛ المظال، 7 :2، 37-39؛ 8 :12؛ 9 :7، 27؛ التدشين، 10
:22). ثمّ إنه وُجد في الجماعة اليوحناويّة "أنبياء كذبة" (1يو 4 :1).
تجاهلوا هويّة المسيح، ففصلوا ناسوته عن لاهوته (1يو 2 :18-23). هم الظاهريّون
(كارنتيس) الذين اعتبروا أنّ ابن الله لم يتجسّد، بل تظاهر أنّه أخذ جسدًا. هم
الأبيونيّون الذين رأوا في يسوع فقط ذاك النبيّ. نظريّات خطرة للإيمان المسيحيّ
ولوحدة الكنيسة. وهذه الجماعة عرفت الاضطهاد من العالم اليهوديّ كما من العالم
الوثنيّ، فلا بدّ من دعوة إلى الشجاعة والثبات. وإليك رسمة يوحنا : 1) المطلع (1
:1-18). توطئة تُنشد طبيعة الكلمة الالهي الذي يسمو على البشر والذي كشف الله
للبشر. تُنشد تجسّد الكلمة في يسوع التاريخي. تنشد أهمية هذا التجسد لخلاص
البشرية، وشهادة يوحنا المعمدان المهمة في هذا الموضوع. 2) المقدمة (1 :19-51) :
شهادة الله، شهادة يوحنا المعمدان، أول اتصال بين التلاميذ ويسوع. 3) القسم الاول
: الوحي الخفي (ف 2-12) (أ) الكشف الاول. الآيات تدل على مسيحانية يسوع في موطنه
(2 :1-11) وفي اورشليم (2 :13-25). هناك ثلاثة مواقف إيمانية مختلفة : اليهودي
نيقوديموس (ف 3)، السامرية (ف 4)، الوثني الذي يؤمن إيماناً صادقاً (4 :46-54).
(ب) الأعمال تدلّ على أصل يسوع السماوي وعلى اتصاله الدائم بالآب. هي تمّت في
أورشليم (ف 5) وفي موطنه (ف 6). وهذا الكشف يثير نزاعًا مع اليهود : إن تهديد
الموت يفرض على يسوع أن يتكلم لغة خفيّة (ف 7-10). (ج) المسيرة إلى الموت (ف 11-12)
تبدأ بقيامة لعازر التي تجعل اليهود يحكمون على يسوع بالموت. وخاتمة هذا القسم
الاول (12 :37-50) هي تأمّل يوحنا في عمى اليهود الذين لم يؤمنوا بمرسل الاب، مع
أنه قدّم لهم البراهين الكافية. 4) القسم االثاني : الوحي الاسمى. تُلقي خطبُ
الوداع نورًا قويًّا على معنى رسالة يسوع وموته (ف 13-17). فبعد غسل الارجل، تأتي
ثلاث محاولات للانجيلي يعبّر فيها عن توصيات يسوع الاخيرة (الوصية الروحية) : يجب
أن نفهمها على ضوء موته وبتأثير الروح القدس. فالمسيح الممجَّد يكشف لأخصّائه
وجوده الازلي. 5) النهاية : الآلام (ف 18-19)، الظهورات (ف 20). وهنا يقترب يوحنا
من الازائيين. ضمّ يوحنا هذه الاخبارَ إلى انجيله، لأنها تنتمي إلى فن الانجيل
الأدبي، ولكنه تعامل معها على طريقتته : فهو يرى الآلام من الزاوية الابولوجية
(الدفاعيّة)، وظهورات يسوع تدل على أنه دوماً حاضر وسط أخصّائه. هذا الحضور يختلف
عن الحضور الجسدي، ولكنه أهم منه. وينتهي الانجيل مع 20 :30-31. 6) الملحق : مصير
يوحنا وبطرس (ف 21). دوَّن هذا الفصل تلميذٌ ليوحنا نشر الإنجيل كلّه.

 

اللاهوت
اليوحناوي وأصالة فكر يوحنا:

(أ) درسَ العلماءُ جذور
لاهوت يوحنا، فجاءت آراؤهم متباينة : يرتبط يوحنا بالعالم الهليني (الديانات
السرّانية) أو بفيلون (لوغوس، الكلمة) او الهرماسية (الحياة، النور، يهوه، انا
هو)، او بالغنوصية (وخاصة المانوية). من السهل أن نقدم الافتراضات، لأن انجيل
يوحنا يُفلت من أيدينا حين نحسّ أننا أمسكناه. وقد اكتفينا بتشبيهات سطحيّة لنستنتج
وجود تبعية هذا الانجيل لأفكار سبقته. واكتفت المقابلة بالبحث عن أفكار متشابهة
دون تحليلها على ضوء الانجيل الرابع بمجمله. ولكن يوحنا ليس معجماً، ولا لائحة
كلمات لاهوتية. إنه شهادة مبنية بناء عضوياً. فان اقترض يوحنا أفكاراً من تيارات
عصره، فهو لم يتوقّف عند مراجعه. ومن الممكن أن يكون أغنى إيمانه وخبرته المسيحية
بأفكار وجدها هنا وهناك. ولهذا قال بعض النقّاد إن رأس يوحنا كان محشوا بعناصر
تنتمي إلى تيارات دينية تلفيقية، ونسوا أنه أوّلاً كاتب مسيحي. إن عناصر لاهوت
يوحنا هي : إيمان يوحنا اليهودي (مع محبّة للادب الحكمي)، تعلّقه بيوحنا المعمدان
وآماله الاسكاتولوجية، دهشته أمام خبرة الحياة الروحية، طبعه الحاد المتعلق
بالمبادئ والذي نضج بعد 50 سنة من التأمل. (ب) واليك رسمة سريعة للاهوت يوحنا.
ليست نقطة الانطلاق فكرة التجسد التي تفترض وجودًا سابقًا لكائن الهي تجسّد لاحقا
في شكل بشري، بل اكتشاف شخصيّة يسوع الداخلية على ضوء الانسان المنظور. فطبيعة
يسوع البشرية تكشف (1 :1، 18) رسالته وأصله والوهيته. وهذا الكشف لا يبدأ مع
التجسّد، بل (وفاقا للفكر المسيحي الاول) مع الحياة العلنية بعد اللقاء بالمعمدان.
ويصل الى قمته مع موت يسوع (1 :51؛ 3 :13؛ 5 :20؛ 6 :62؛ 8 :28؛ 16 :25-30).
فالمثلَّث موت وقيامة وصعود يشكّل قلب لاهوت يوحنا. وكل ما يسبق يشكّل يوم (نهار)
يسوع : رسالته العلنية التي هي كشف خفيّ، يثبتها المعمدان والكتب المقدسة وأقوال
يسوع وأعماله. وهذا الكشف يدلّ على أنه المسيح ومرسل الاب الذي أعطي رسالة من قبل
الاب، الذي جاء من عند الاب، الذي يقول أقوال الآب، وينفّذ اعمال الآب، الذي هو
بقرب الآب. بعد اليوم (النهار)، تأتي ساعة موت يسوع وتمجيده مع كل مدلولها الكشفي
والخلاصي والاسكاتولوجي. على مستوى الكشف : رجوعه إلى الاب هو البرهان الواضح على
أنه جاء من الآب، على أنه صورة الآب الكاملة، والمجد الذي يناله هو مجد الله ابيه
الذي كان له قبل خلق العالم. وهذا الكشف هو قمّة كل وحي لأنه نهائيّ. أما الروح
فلا يحمل إلينا إلاّ فهم هذا الوحي. على مستوى الخلاص، هذا هو مدلول الساعة : حين
يموت يسوع يحيا ملء الحياة، ويعطي حياته للذين يؤمنون به حتى ولو كانوا من
الوثنييّن. إن حملَ الله يرفع خطايا العالم. يسوع هو مخلّص العالم. الخبز الذي
يعطيه هو جسده (لحمه) المقدم ذبيحة من أجل حياة العالم. إنه الراعي الصالح الذي
يبذل حياته من أجل الرعية الكبيرة الواحدة. إنه حبّة الحنطة التي تموت وتعطي
ثماراً وافرة… على المستوى الاسكاتولوجي، هذا هو مدلول الساعة : الآن حُكم على
العالم (12 :31)، اليوم تمجّد ابن الانسان (13 :31). أي منذ هذا الوقت، دخل يسوع
في مجده، وظهر متجلبباً بملء سلطات ابن الانسان (ديّان في آخر الازمنة). الساعة
تدلّ على بداية نهاية الزمن. والوحي يضع الانسان أمام اختيار : الذي يؤمن له
الحياة، والذي لا يؤمن حُكم عليه. فجدلية انجيل يوحنا هي جدلية الوحي والايمان.
وبما أن يوحنا يكتب بعد أن انتشرت المسيحية في العالم، فهو يشدّد على الثبات في
الايمان (ليس فقط : احفظوا وصاياي، بل : ابقوا أمناء لتعليمي) الذي يميّز الأزمنة
التي تتوسّط البدايات والنهاية (رج الرسائل والرؤيا). وهذا الثبات في الايمان هو
القاعدة الاكيدة للمحبّة الاخويّة. لهذا كان الموضوع الرئيسي لرسائل يوحنا هو
الايمان والمحبة. كلاهما يربطان المؤمن بشخص المسيح لا بتعليمه فقط. ويتغذّى
الايمان والمحبة بالمعمودية والافخارستيا. وإن قبول الايمان وممارسة المحبة
يوحّدان الكنيسة، يوحّدان المؤمنين بعضهم مع بعض ومع المسيح. لا شكّ في أن الكنيسة
تتضمّن أناسًا ليسوا من شعب اسرائيل، ولكنها الحظيرة الحقة والكرمة الحقة.
والمؤمنون هم أبناء ابراهيم وأبناء الله الحقيقيون.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كينج جيمس إنجليزى KJV عهد قديم سفر التكوين Genesis 47

القيمة
التاريخية للسفر:

كل ما قلناه يساعدنا
على تقديم حكم معلّل على القيمة التاريخية للانجيل الرابع. ليس إنجيل يوحنا كتابًا
تاريخيا بالمعنى الحديث للكلمة. وهو لا يهدف إلى إعطاء تقرير كامل عن الاحداث، ولا
نسخة أمينة وحرفيّة عن الحوارات والخطب. هو لا يسعى إلى إعطاء الاخبار إطارًا
جغرافيًّا وكرونولوجيا (وهذا أيضا ناقص عند الازائيين). إنه يعطي شهادة ايمان،
ولكنها شهادة تعود إلى الاحداث التي هي أكثر من أحداث. فاية قيمة للرمزية إن لم
يحملها واقع رآه الرسول بعينيه.

 

مجمل السفر:

أولاً –
تمهيد :

1- الهدف من الإنجيل :
للإنجيل الرابع شكل متميز قائم بذاته، كما أن له أسلوباً خاصاً به، مما يجعله
وثيقة متميزة بين أسفار العهد الجديد، فتوجد له :

أ- مقدمة فى الأصحاح
الأول (1: 1-18) سنتكلم عنها فيما بعد.

ب- سلسلة من المشاهد
والأحاديث من حياة يسوع، تصف شخصه وعمله، وترصد النمو التدريجي للإيمان أو عدم
الإيمان عند سامعيه وعند الأمة (1: 19-12: 50).

ج—قصة أكثر تفصيلاً
للأحداث الختامية لأسبوع الآلام – وحديث الوداع مع تلاميذه(الأصحاحات من 13- 17)،
والقبض عليه والمحاكمات، والصلب والموت والدفن (الأصحاحات 18،19).

د- القامة، وظهورات
الرب المقام لتلاميذه فى يوم القيامة، وفى مرة أخرى بعد القيامة بثمانية أيام (20:
1-29)، ثم فقرة تبين الغرض من الإنجيل وسبب كتابته (20: 30و31).

ه- ثم أصحاح تكميلي
(الأصحاح الحادي والعشرون)، وهو يحمل جميع العلامات المميزة للإنجيل ككل، مما يرجح
أنه من نفس الكاتب، كما يرى لايتفوت وماير وألفورد..إلخ، والبعض الآخر تلاميذ مثل
زاهن يفضل اعتبار هذا الأصحاح من عمل أحد تلاميذ الرسول يوحنا. والآيتان
الختاميتان (24و25) فى هذا الأصحاح هما : " هذا هو التلميذ الذى يشهد بهذا،
وكتب هذا. ونعلم أن شهادته حق. وأشياء أخر كثيرة صنعها يسوع".. وعبارة "
نعلم أن شهادته حق " تبدو أنها شهادة من أولئك الذين عرفوا التلميذ شخصياً
وأيقنوا من صدق شهادته، ولم يمكن مطلقاً نقض هذه الشهادة المبكرة، رغم كل الهجمات
التى وجهت إليها، فقد تأيد معناها الواضح من الكثيرين من الكتَّاب الموثوق بهم.
ويشير الفعل " يشهد " (فى صيغة المضارع) إلى أن ذلك التلميذ الذى كتب
الإنجيل، كان مازال حياً عند كتابة هذه الشهادة.

 

1-زمن ظهور الإنجيل :
أما فيما يختص بالزمن الذى ظهرت فيه كتابات يوحنا – بغض النظر عن الكاتب – فهناك
الآن اتفاق متزايد فى الرأى على أنها ظهرت فى نهاية القرن الأول أو فى بداية القرن
الثاني. وهذا هو الرأي الذى يعتنقه أولئك الذين ينسبون كتابة الإنجيل لا إلى كاتب
مفرد بل إلى مدرسة فى أفسس استعانت بمادة تعليمية كانت موجودة، وجعلتها فى الصورة
التى تظهر عليها الآن كتابات يوحنا، وكذلك الذين يقسمون الإنجيل إلى جزءين رئيسي
وثانوي، من أمثال " سبيتا ". وسواء كان الإنجيل قد قامت بجمعه مدرسة من
اللاهوتيين، أو كان من عمل كاتب استخدم مادة كانت موجودة، أو كان المحصلة النهائية
لتطور لاهوتي لمفاهيم بولسية معينة، فالإجماع – باستثناء عدد قليل – هو أن كتابات
يوحنا قد ظهرت فى بكور القرن الثاني. وأحد هذه الاستثناءات البارزة، هو "
شميدل " وكذلك الأستاذ " فليدرر". ويمكن أن نقدر "
فليدرر" فى مجال البحث الفلسفي، أما فى مجال النقد، فهو كم مهمل. كما أن
كتابات شميدل بخصوص هذا الموضوع، تسير بسرعة فى نفس هذا المنطق، من عدم الأهمية.

وهكذا يمكن باطمئنان
قبول حقيقة ظهور كتابات يوحنا فى أواخر القرن الأول، كمحصلة تاريخية صحيحة.
والنقاد الذين كانوا قد عزوا ظهور هذه الكتابات إلى منتصف القرن الثاني أو تاريخ
لاحق، قد راجعوا أنفسهم، وأقروا بظهور كتابات يوحنا فى أواخر القرن الأول. وهذا
بالطبع لا يضع حداً للتساؤلات المتعلقة بالكاتب ومادة الإنجيل ومدى صحته، وهى أمور
يجب أن تدرس من وجهة نظر موضوعية، وعلي أساس الأدلة الخارجية والداخلية، ولكنه
يمهد الطريق لمناقشة جادة لهذه الأدلة، ويضع حداً لأي جدل حول أمور من هذا القبيل.

ثانياً –
الدليل الخارجي:

نقدم هنا موجزاً للدليل
الخارجي للإنجيل الرابع فيما يتعلق بتاريخ كتابته وبالكاتب. أما من أراد معلومات
أوفي، فليرجع إلي مقدمات شرح الإنجيل لجودت ووستكوت ولوثاردت وماير، ولكتاب عزرا
أبوت عن "الإنجيل الرابع وكاتبه"، وإلي "زاهن" في "مقدمة
العهد الجديد – جزء 3"، وإلي "ساندي" في كتابه "نقد الإنجيل
الرابع"، وإلي "دراموند" في " طبيعة الإنجيل الرابع
وكاتبه"، وكل هؤلاء وكثيرون غيرهم يدافعون عن نسبة كتابة الإنجيل ليوحنا. وفي
الجانب الآخر يمكن الإشارة إلي كتاب "الديانة الفائقة" الذي ظهرت منه
عدة طبعات، وإلي كتاب موفات "مقدمة العهد الجديد"، وكتاب بيكون
"الإنجيل الرابع بين البحث والحوار"، وهي جميعها ترفض نسبة الإنجيل
ليوحنا".

1- في نهاية القرن
الثاني :

والدليل الخارجي، هو
أنه في نهاية القرن الثاني، كانت الكنيسة المسيحية تمتلك أربعة أناجيل تستخدمها
باعتبارها كتباً مقدسة تقرأ في الكنائس في العبادة الجمهورية، وتحظى بكل تقدير
واحترام كأسفار مقدسة لها كل السلطان كسائر أسفار الكتاب المقدس القانونية، وكان
الإنجيل الرابع أحد هذه الأناجيل، ويعترف الجميع أن كاتبه هو الرسول يوحنا. ونجد
هذا الدليل في كتابات إيريناوس وترتليان وأكليمندس الإسكندري وكذلك في كتابات
أوريجانوس. فأكليمندس يشهد عن معتقدات وممارسات الكنيسة في مصر والبلاد المجاورة
لها، وترتليان عن كنائس أفريقية، أما إيريناوس – الذي كان قد تثقف في أسيا الصغرى،
وأصبح معلماً في روما ثم أسقفاً في ليون في بلاد الغال (فرنسا) – فيشهد عن معتقدات
الكنائس في تلك البلاد. ولم تكن هذه العقيدة محل تساؤل قط، حتى إن إيريناوس لم
يحاول أن يقدم تبريراً لها. ولا يمكن إسقاط الدليل المستمد من إيريناوس وأكليمندس
وغيرهم، علي أساس رغبتهم في إسناد أسفارهم المقدسة إلي الرسل، فليس هذا إلا مجرد
زعم لا يمكن أن يؤخذ علي محمل الجد. ربما كان هناك مثل هذا الاتجاه، ولكن في حالة
الأناجيل الأربعة، ليس ثمة دليل علي أنه كانت هناك ضرورة لذلك في نهاية القرن
الثاني، بل هناك دليل واضح علي اعتقاد الكنائس – قبل نهاية القرن الثاني بكثير –
بأن إنجيلين من الأناجيل الأربعة، قد كتبهما رسولان، وأن الإنجيلين الآخرين قد
كتبهما رفيقان للرسل.

2- إيريناوس – ثاوفيلس
:

وتتضح أهمية شهادة
إيريناوس من الجهود المكثفة التي بذلت للتقليل من شأنها. ولكن كل هذه المحاولات
تبوء بالفشل أمام مركزه التاريخي وأمام الوسائل التي كانت تحت يده لتأكيد معتقد
الكنائس، فقد كانت هناك حلقات الربط الكثيرة بين إيريناوس والعصر الرسولي وبخاصة
لارتباطه ببوليكاربوس، وهو بنفسه يصف تلك العلاقة في رسالته إلي فلورنيوس، الذي
كان أيضاً تلميذاً من تلاميذ بوليكاربوس، ولكنه انحرف إلي الغنوسية التي يقول
عنها: "إنني أتذكر أحداث ذلك الزمان بأكثر وضوح عن أحداث السنين الراهنة،
وذلك لأن ما يتعلمه الأولاد ينمو بنمو عقولهم، ويصبح ملتصقاً بها، حتى إنني أستطيع
أن أصف المكان نفسه الذي كان يجلس فيه بوليكاربوس المبارك، عندما كان يتحدث، وسيره
جيئة وذهاباً، وطريقة حياته، وهيئته، وأحاديثه إلي الناس، وقصصه عن مقابلاته مع
يوحنا الرسول وغيره ممن رأوا الرب".

ولا نستطيع أن نقول كم
كان عمر إيريناوس في ذلك الوقت، ولكنه كان – بلاشك – في سن يستطيع فيها أن يستوعب
الانطباعات التي سجلها بعد ذلك ببضع سنين. وقد استشهد بوليكاربوس في 155 م، بعد أن
قضي 86 سنة في الإيمان. وهكذا كانت هناك حلقة واحدة فقط بين إيريناوس والعصر
الرسولى. ولقد كانت هناك حلقة ربط أخري، في علاقته ببوثنيوس الذي سبقه في أسقفية
ليون. كان بوثنيوس رجلاً متقدماً جداً في العمر عندما عندما استشهد، وكان يلم بكل
تقاليد وتراث كنيسة بلاد الغال. وهكذا نري أن إيريناوس – عن طريق هذين وغيرهما –
كانت له الفرصة لمعرفة معتقدات الكنائس، وما يسجله ليس شهادته الشخصية فحسب، بل
التراث العام للكنيسة.

ويجب أن نذكر مع
إيريناوس، ثاوفيلس (أحد المدافعين عن المسيحية – 170 م)، فهو أقدم كاتب يذكر
القديس يوحنا بالاسم ككاتب للإنجيل الرابع. ففي اقتباسه لفقرة من مقدمة الإنجيل،
يقول :" وهذا ما نتعلمه من الكتب المقدسة، ومن كل الناس المسوقين بالروح
القدس، والذين من بينهم يوحنا.. ". ويقول جيروم إن "ثاوفيلس هذا وضع
كتاباً في اتفاق الأناجيل الأربعة".

ومن إيريناوس وثاوفيلس،
نقترب من منتصف القرن الثاني حيث نجد " الدياطسرون "لتاتيان، الذي لسنا
في حاجة إلى ذكر الكثير عنه، "فالدياطسرون" هو أيضاً "اتفاق
البشائر الأربعة"، وقد صدر قطعاً قبل 170 م، وهو يبدأ بالآية الأولي من إنجيل
يوحنا، وينتهي بالآية الأخيرة في خاتمة هذا الإنجيل.

3- منتصف القرن الثاني:

لقد كان تاتيان تلميذاً
ليوستينوس الشهيد (جستين مارتر)، وهذه الحقيقة وحدها تجعل من الأرجح أن
"ذكريات الرسل" التي يستشهد بها يوستينوس كثيراً، كانت هي التي جمعها
تلميذه – بعد ذلك – في "الدياطسرون". أما أن يوستينوس عرف الإنجيل
الرابع، فهذا يبدو واضحاً، ولكننا لا نستطيع مناقشة هذا الموضوع هنا. ومتي ثبت
ذلك، فمعناه أن الإنجيل الرابع كان موجوداً في حوالي 130م.

4- إغناطيوس :

وهناك دليل يجعلنا نعود
بالإنجيل الرابع إلي 110م. "إن أول أثار واضحة للإنجيل الرابع، علي فكر ولغة
الكنيسة، نجدها في رسائل إغناطيوس (حوالي 110م)، وهي أثار لا يمكن أن يخطئها أحد،
وذلك واضح من تلك الحقيقة، أنه كثيراً ما يستخدم اعتماد إغناطيوس علي يوحنا،
دليلاً ضد أصالة رسائل إغناطيوس" (زاهن في مقدمته – المجلد الثالث – 176). ويمكنا
استخدام هذا الدليل الآن بكل ثقة منذ أن برهن لايتفوت وزاهن علي أن هذه الرسائل
وثائق تاريخية. فإذا كانت رسائل إغناطيوس قد تشبعت بنغمة وبروح كتابات يوحنا،
فمعني هذا أن هذا النمط من الفكر والتعبير، كان سائداً في الكنيسة في زمن
إغناطيوس. وهكذا نري أنه في بداية القرن الثاني، كان هذا النمط المتميز من الفكر
والقول "المنسوب إلي يوحنا" سائداً في الكنيسة.

وهناك دليل آخر علي صحة
هذا الإنجيل، لا يلزمنا إلا الإشارة إليه، وهو استخدام الغنوسيين له، فقد أثبت
دراموند أن الفالنتينيين والباسيليديين قد استخدموا هذا الإنجيل.

5- يوحنا الشيخ :

ولكي نقدر علي نحو
صحيح، قوة الدليل السابق، يجب أن نذكر – كما سبق أن لاحظنا – أنه كان هناك كثيرون
من تلاميذ يوحنا في أفسس، يعيشون في القرن الثاني، أساقفة مثل بابياس وبوليكاربوس،
والشيوخ الذين يذكرهم إيريناوس كثيراً، ويكونون سلسلة متصلة تربط بين زمن كتابة
الإنجيل والنصف الأخير من القرن الثاني. وهنا يبرز السؤال الذي أثير مؤخراً بصورة
واسعة حول حقيقة شخصية "يوحنا الشيخ" المذكور في وثيقة بابياس الشهيرة،
والتي يحتفظ لنا بها يوسابيوس. فهل كان هناك – كما يري الكثيرون – اثنان يحملان
اسم يوحنا : الرسول والشيخ؟ أم كان هناك شخص واحد فقط؟ فإن كان شخصاً واحداً فقط،
فهل كان هو ابن زبدي؟ ويوجد اختلاف كبير في وجهات النظر حول هذه النقاط، فيظن
هارناك أن "الشيخ" لم يكن هو ابن زبدي. ويشك ساندي في ذلك. ويعتقد موفات
أن يوحنا كان هو الشيخ الوحيد في أفسس. أما زاهن ودوم تشابمان (يوحنا الشيخ
والإنجيل الرابع –سنة 1911) فيعتقدان أيضاً أنه كان هناك يوحنا واحد فقط لمناقشة
في أفسس، هو يوحنا بن زبدي. ولا نري ضرورة لمناقشة الموضوع هنا، لأن التقليد
المتواتر، الذي ربط هذا الإنجيل بالرسول يوحنا في المدة الأخيرة من إقامته في أفسس،
تقليد واضح وقوي، وليس ثمة أساس جدي للشك في إقامته في أفسس في ذلك الوقت.

6- الخلاصة:

إن النظرة العادلة إلي
دليل الخارجي، لابد أن تبين أنه دليل قوي، بصورة غير عادية، فمن النادر جداً أن
نجد البرهان القاطع علي وجود كتاب ما وتأثيره في غيره من الكتابات، بهذه الصورة،
في وقت قريب جداً من زمان نشره مثلما نجد في حالة الإنجيل الرابع. إن تاريخ نشره
هو نهاية القرن الأول، ولا يمكن أن يتأخر عن بداية القرن الثاني. فهناك دلائل
واضحة علي تأثيره في رسائل إغناطيوس. كما أن رسالة بوليكاربوس (الأصحاح السابع)
تقتبس من رسالة يوحنا الأولي. وفكر وأسلوب الإنجيل الرابع كان لهما أثرهما الواضح
في كتابات يوستينوس الشهيد. علاوة علي ذلكن إن إنجيل يوحنا منسوج مع الأناجيل
الثلاثة الأخري في "الدياطسرون" لتاتيان. وقد اقتبس منه وفسره
الغنوسيون. وفي الحقيقة نجد أن الدليل الخارجي علي التاريخ المبكر للإنجيل الرابع
ونسبته إلي يوحنا الرسول، دليل قوي، سواء في مداه أو في تنوعه، لا يقل عن أي دليل
لأي سفر آخر من أسفار العهد الجديد، وأعظم جداً من أي دليل علي أي عمل من الأعمال
الكلاسيكية.

 

ولن نتناول هنا تاريخ
الجدل حول نسبة هذا الإنجيل ليوحنا، فباستثناء طائفة "ألوجي" الغامضة
(الذين عزوا الإنجيل إلي كيرنثوس) في القرن الثاني، لم يرتفع صوت يتحدي نسبة كتابة
هذا الإنجيل إلي يوحنا، حتي نهاية القرن السابع عشر، ولم يبدأ هجوم خطير حتي القرن
التاسع عشر (برتشنايدر في 1820، وستراوس في 1835، ووايس في 1838، وبوير ومدرسته في
1844 وما بعدها، وكيم في 1865.. إلخ). وقد صد الكثيرون من العلماء الآخرين هذه
الهجمات بقوة (أولشوزن، تولوك، نياندر، ابرارد، بليك… إلخ). وقد تبني البعض –
بصور ودرجات مختلفة – افتراض أساس رسولي للإنجيل، مع اعتباره من إنتاج يد أخري
متأخرة (فيزايكر ورينان وغيرهما). ومن هنا اتسعت دائرة الجدل، في تعنت متزايد من
جانب المعارضين لأصالة وصحة الإنجيل، ولكنهم قوبلوا بنفس القوة والعزم من جانب
المدافعين عنه.

ثالثا –
خصائص الإنجيل والدليل الداخلي :

1- الخطوط العريضة
للهجوم والدفاع : لقد تعرض الدليل الخارجي للإنجيل الرابع للنقد، ولكن – قبل كل شئ
– تقوم معارضة نسبة كتابة الإنجيل إلي يوحنا وحجيته التاريخية، علي أسس داخلية،
فيشدد المعارضون علي التباين الواسع – والمعترف به – في الأسلوب والطبيعة والمنهج،
بين الإنجيل الرابع والأناجيل الثلاثة الأولي، وعلي ما يزعمونه من صبغته الفلسفية
(عقيدة الكلمة – "اللوجس")، وعلي أخطاء ومتناقضات مزعومة، وعدم الاضطراد
في القصة.. إلخ.

أما الدفاع عن الإنجيل
فيقوم عادة علي أساس إبراز أهداف الإنجيل المتنوعة، وتفنيدا لمبالغات في
الاعتراضات السابق ذكرها، وإثبات أنه بطرق كثيرة، يكشف كاتب الإنجيل عن شخصية،
وأنه هو الرسول يوحنا. فقد كان – علي سبيل المثال – يهودياً من سكان فلسطين ملما
بطبوغرافية أورشليم.. إلخ، كما كان رسولاً، وشاهد عيان، " والتلميذ الذي كان
يسوع يحبه" (يوحنا 13 : 23،20 : 2، 21 : 20و7)، والشهادة المسجلة فيه (21 :
24) من الذين عرفوا الكاتب إبان حياته، لهي شهادة بالغة القيمة في هذا المجال.
وبدلاً من تتبع هذه الخطوط المعروفة (انظر في هذا الخصوص : جودت ولوتهاردت،
وستكوت، أبوت، دراموند.. إلخ، في مؤلفاتهم السابق ذكرها). سيتجه بحثنا هنا إلي
برهان علي أساس دراسة شاملة حديثة.

2- افتراضات نقدية لا
مبرر لها : إن دراسة كتابات يوحنا بصفة عامة، والإنجيل الرابع بصفة خاصة، قد طرقت
بسبل متعددة، ومن وجهات نظر متنوعة. وأحدى أكثر هذه الطرق شيوعاً – في المؤلفات
الحديثة – هي التي تزعم أن إنجيل يوحنا هو نتاج الفكر المسيحي حول الحقائق
المذكورة في الأناجيل الأخرى، وأن هذه الحقائق قد طورتها خبرة الكنيسة، فهي إذاً
تعكس فكر الكنيسة في نهاية القرن الأول أو بداية القرن الثاني – فيفترضون أنه في
ذلك الوقت – وقد أصبحت الكنيسة بصفة رئيسية كنيسة من الأمم – قد تأثرت كثيراً
بالثقافة اليونانية الرومانية، حتي انعكس هذا علي تاريخها، وهكذا تحول تراثها
الأصيل ليتلاءم مع البيئة الجديدة، ويزعمون أننا نرى في الإنجيل الرابع أبلغ عرض
لنتائج هذه العملية. ويبدأ بيكون الموضوع بالرسول بولس وتأثيره، ويتابع ذلك حتى
يصل إلي القول بقيام مدرسة من اللاهوتيين في أفسس هي التي أخرجت كتابات يوحنا، وأن
فكر الكنيسة قد استراح لهذا العرض الجديد للمسيحية (انظر كتابه عن "الإنجيل
الرابع بين البحث والحوار"). إن ما يراه هذا النوع من العلماء في الإنجيل
الرابع، إنما هو أفكار هيلينية في صيغة عبرية، بعد أن تحولت حقائق الإنجيل لتكون
مقبولة عند الفكر اليوناني.

ويأتي آخرون إلي
الإنجيل الرابع ولديهم افتراض مسبق بأن القصد منه هو أن يقدم للقارئ صورة مكتملة
عن حياة يسوع، باستكمال وتصحيح أقوال الأناجيل الثلاثة الأخرى، وتقديم المسيح في
صورة تشبع الاحتياجات الجديدة للكنيسة في بداية القرن الثاني، بينما يري آخرون
هدفاً جدلياً في هذا الإنجيل، فمثلاً يرى فيه "ويزساكر" هدفاً جدلياً
قوياً ضد اليهود، ويقول: "هناك الاعتراضات التي أثارها اليهود ضد الكنيسة بعد
أن أكتمل انفصالها، وبعد أن مر تطور شخص مسيحها في أهم مراحله.." (العصر
الرسولي جزء 2 – ص 222). ويتوقع المرء أن عبارة بمثل هذه القوة، يجب أن تستند إلي
بعض البراهين وأن نجد بعض الأدلة التاريخية عن قيام جدال بين اليهود والكنيسة، غير
ما يرونه في الإنجيل الرابع ذاته، ولكن ويزساكر لا يقدم شيئاً من ذلك، سوى القول
بأنها مواضيع جدلية بين مدارس فكرية مختلفة، وإنها بصورتها الراهنة ليست إلا
مفارقات تاريخية. ولكننا نعرف من الحوار بين ستينوس الشهيد وتريفو اليهودي،
الموضوعات التي تناولها الحوار بين اليهود والمسيحيين في منتصف القرن الثاني،
ويكفي أن نقول إن هذه الموضوعات – كما يخبرنا يوستينوس – كانت تتعلق بصورة رئيسية
بتفسير العهد القديم، وليست تلك الموضوعات التي يناقشها الإنجيل الرابع.

ولعل أكثر الافتراضات
إثارة للدهشة فيما يتعلق بالإنجيل الرابع، هي تلك التي تعتمد علي افتراض أن القصد
من الإنجيل الرابع هو الدفاع عن تعليم مسيحي عن الأسرار كان قد ازدهر في بدء القرن
الثاني. وطبقاً لهذا الافتراض، قد أرسي الإنجيل الرابع تعليماً عن الأسرار جعلها
في موقع فريد كوسيلة للخلاص.

ونحن لا نعلق كثيراً عن
وجهة النظر هذه، لأن التفسير الذى يرى تعليم الأسرار فى الإنجيل الرابع، تفسير لا
أساس له، فهذا الإنجيل لا يضع الأسرار فى مقام المسيح، كما يزعمون. وأخيراً، فإننا
لا نجد حجة مقبولة للذين يؤكدون أن الإنجيل الرابع كتب لجعل إنجيل يسوع أكثر قبولا
عند الأمم، والحقيقة هي أن إنجيل متى كان أكثر الأناجيل قبولاً عند الأمم، فقد
اقتبسوا منه واستشهدوا به أكثر من سائر الأناجيل. ففي كتابات الكنيسة الأولي،
اقتباسات من إنجيل متى تعادل كل الاقتباسات من باقي الأناجيل مجتمعة. ولم يبرز
الإنجيل الرابع إلى المقدمة فى الكنيسة المسيحية إلا عندما ثار الجدل حول شخص
المسيح، فى القرن الثالث.

3 – الهدف الحقيقي
للإنجيل – والنتائج : عندما نعود إلى الإنجيل نفسه بحثاً عن الهدف منه، نجد الجواب
بسيطاً واضحاً، إذ يقول كاتب الإنجيل مؤكداً : "وآيات أخر كثيرة صنع يسوع
قدام تلاميذه لم تكتب فى هذا الكتاب. وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح
ابن الله، ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه" (يو20 : 31و30)، وإذا سرنا
وراء هذا الدليل الواضح، وطرحنا كل الافتراضات التى تزخر بها المقدمات والتفسيرات
وتواريخ عصور الرسل وما بعدها، لوجدنا الكثير من المفاجاءات :

أ – علاقته بالأناجيل
الثلاثة الأولي : هناك فروق كثيرة بين هذا الإنجيل والأناجيل الثلاثة الأخرى، ولكن
ما يثير الدهشة حقاً، هو تلك الحقيقة، أن نقاط الالتقاء بين هذه الأناجيل والإنجيل
الرابع قليلة جداً. فبينما يقول جميع النقاد – الذين أشرنا إليهم سابقاً – إن
الكاتب أو المدرسة التى جمعت كتابات يوحنا، مدينة للأناجيل الثلاثة الأخرى بكل
الحقائق الواردة فى الإنجيل الرابع تقريباً، نجد أنه فيما عدا أحداث أسبوع الآلام،
لا توجد سوى نقطتين فقط من نقاط الالتقاء، تظهران فيه بوضوح، هما إشباع الخمسة
الآلاف، والمشي على البحر (يوحنا 6 : 4-21). أما شفاء ابن خادم الملك (يو 4 :
46-53) فليس هو نفسه شفاء خادم قائد المئة (فى متى ولوقا)، وحتى إذا افترضنا تطابق
الحادثتين، فيكون هذا هو كل ما عندنا فى الإنجيل الرابع عن أحداث خدمته فى الجليل،
ولكن هناك خدمته الأولي فى اليهودية وفى الجليل التى بدأت قبل أن يلقي يوحنا
المعمدان فى السجن (يو3 : 24) وهو ما لا يوجد ما يقابله فى الأناجيل الثلاثة
الأخرى. فلا يكرر نقل المعلومات التى يمكن جمعها من الثلاثة الأخرى، بل يسير على
نهج خاص به وينتقى من الأحداث ما يريد، ويقدمها من وجهة النظر الخاصة للإنجيل، كما
أن له مبدأه الخاص فى هذا الانتقاء أو الاختيار، وهو المبدأ الذى ذكره فى الفقرة
التى سبق أن اقتبسناها. فالمشاهد التى يصورها والأعمال التى يحكى عنها، والأقوال
التى يرويها والتعليقات التى يقدمها الكاتب، كل هذه موجهة نحو هدف مساعدة القراء
على الإيمان بأن يسوع المسيح هو ابن الله، كما أن الكاتب يقرر أن نتيجة هذا
الإيمان هى أن تكون لهم حياة باسمه.

ب – الزمن الذى يغطيه
الإنجيل : وعلينا – استرشاداً بالمبدأ الذى ذكرناه – أن نعود للإنجيل، وأول شيئ
يستلفت نظر القارئ هو الزمن القصير الذى تغطيه أو تشغله المشاهد التى يصفها
الإنجيل. ولنأخذ ليلة تسليمه ويوم الصلب، فنجد أن الأمور التى حدثت والأقوال التى
قيلت فى ذلك اليوم – من غروب الشمس إلى غروبها (أى يوم كامل) – لا تشغل أقل من
سبعة أصحاحات من الإنجيل (من 13-19). وعلاوة على الأصحاح التكميلي (الأصحاح الحادى
والعشرين)، هناك عشرون أصحاحاً فى الإنجيل تحتوى على 797عدداً، وهذه الأصحاحات
السبعة تحتوى على 257عدداً، أى أن أكثر من ثلث الإنجيل كله تستغرقه أحداث يوم
واحد.

ونعلم مما جاء فى سفر
الأعمال (1: 3) أن الرب المقام ظل يظهر للتلاميذ مدة أربعين يوماً، ولكن يوحنا لا
يسجل كل ما حدث فى أثناء هذه الأيام، بل يسجل فقط ما حدث يوم القيامة، وما حدث فى
يوم آخر بعد ذلك بثمانية أيام (الأصحاح العشرون)، أما الأحداث التى سجلت فى
الأناجيل الأخرى، فتتوارى كقضية مسلم بها، ولا يسجل سوى الآيات التى حدثت فى هذين
اليومين، وهو يسجلها لأن لها أهمية خاصة بالنسبة للهدف الذى كان أمامه، وهو أن
يؤمنوا بحقيقة أن يسوع هو المسيح ابن الله. وإن سرنا فى أثر الدليل المقدم لنا فى
الإنجيل، فإننا نندهش لقلة الأيام التى تم فيها أى شئ. وعندما نقرأ قصة الإنجيل
الرابع نجد كثيراً من الإشارات عن مرور الوقت، وعبارات كثيرة دقيقة عن التواريخ،
ونعلم من الإنجيل أن خدمة يسوع قد استغرقت – على الأرجح – ثلاث سنوات، ونستنتج هذا
من عدد الأعياد التى حضرها فى أورشليم، كما أن لدينا بعض ملحوظات عن الوقت الذى
قضاه فى السفرات، ولكن ليس لدينا معلومات عما حدث فى أثنائها، وقلما تذكر الأيام
التى حدث فيها أي شئ، أو قيل فيها أي حديث. ولكنه يذكر لنا بكل دقة أنه: "
قبل الفصح بستة أيام أتى يسوع إلى بيت عنيا حيث كان لعازر" (يو12: 1)، وبالنظر
إلى هذه الأيام الستة لا يحدثنا إلا عن العشاء وعن حادثة دهن مريم لقدمي يسوع
بالطيب، والدخول إلى أورشليم وزيارة اليونانيين، وعن وقع هذه الزيارة عند يسوع.
كما أننا نرى ما انطبع فى فكر البشير عن عدم إيمان اليهود، ولكنا لا نعرف ما هو
أكثر من ذلك. ونحن نعلم أن أموراً كثيرة جداً قد حدثت فى تلك الأيام، ولكنها لم
تسجل فى هذا الإنجيل. ولم يسجل لنا شيئاً عن اليومين اللذين مكثهما فى الموضع الذى
كان فيه عندما بلغه خبر مرض لعازر، وقصة إقامة لعازر هى قصة يوم واحد (الأصحاح
الحادى عشر). والأمر كذلك أيضاً مع قصة شفاء الأعمى، فقد تم الشفاء فى يوم ما، وما
ثار من جدل حول أهمية ذلك الشفاء، هو كل ما سجله عن يوم آخر (الأصحاح التاسع). وما
يسجله فى الأصحاح العاشر هو قصة يومين. وقصة الأصحاحين السابع والثامن – ويقطعهما
الحاد4 العرضي عن المرأة التى أمسكت فى ذات الفعل – هى قصة لا تستغرق أكثر من يومين.
وقصة إطعام الخمسة الآلاف والحديث الذى أعقبها (الأصحاح السادس) هى قصة يومين
أيضاً. وليس من الضروري الدخول فى تفصيلات أكثر، ومع هذا فإن الكاتب – كما لاحظنا
– دقيق جداً فى ملحوظاته عن الوقت، فهو يلاحظ الأيام، وعدد الأيام التى يتم فيها
عمل ما، أو التى قيل فيها حديث ما. ونحن نذكر هذه الملحوظات التى قد تكون جلية
أمام كل قارئ يهتم بها، نذكرها أساساً بهدف إثبات أن الإنجيل – بكل وضوح وجلاء –
لا يقصد ولم يقصد مطلقاً أن يقدم قصة كاملة عن حياة المسيح وأعماله. وهو يقدم لنا
– على أكثر تقدير – معلومات عن عشرين يوماً من بين أكثر من ألف يوم هى مدة خدمة
الرب. وهذا وحده كاف لنقض فكرة الذين يتناولون الإنجيل الرابع، كما لو كان مقصوداً
منه أن يحذف أو يكمل أو يصحح الروايات المذكورة فى الأناجيل الثلاثة الأخرى، فواضح
تماماً أن هذا الإنجيل لم يكتب لهذا الغرض.

ج-سجل شخصي: يذكر الإنجيل
بكل وضوح أنه استرجاع لذكريات الماضي، لشخص كانت له صلة شخصية بالخدمة التى يصفها،
فالنغمة الشخصية واضحة فى الإنجيل من بدايته إلى نهايته، فهي موجودة حتى فى
المقدمة لأنه فى الآية التى يعلن فيها الحقيقة العظمى عن التجسد، يستخدم الصيغة
الشخصية "رأينا (نحن) مجده" (يو 1 : 14)، ويمكن اعتبار هذا الفكرة
الأساسية للإنجيل كله. وفى كل المشاهد الواردة فى الإنجيل يعتقد الكاتب أن فى
جميعها أظهر يسوع مجده وعمَّق إيمان تلاميذه. فلو سألنا يوحنا : متى عاين مجد
الكلمة المتجسد؟ لكان جوابه : فى كل المشاهد الموصوفة فى الإنجيل. فإذا قرأنا
الإنجيل من وجهة النظر هذه، نجد أن الكاتب كان له مفهوم عن مجد "الكلمة"
المتجسد يختلف تماماً عن المفهوم الذى ينسبه إليه النقاد. إنه يرى مجد
"الكلمة" فى حقيقة أنه "تعب" من السفر (يو4 : 6)، وفى أنه صنع
من التفل طيناً وطلي به عيني الأعمى (يو9 : 6)، وفى أنه بكى عند قبر لعازر (يو 11
: 35)، وفى أنه انزعج فى نفسه (يو 11 : 38)، وأنه يمكنه أن يكتئب ويحزن حزناً لا
يعبر عنه كما حدث بعد مقابلته لليونانيين (يو12 : 27). لذلك فهو يسجل كل هذه
الأشياء، لأنه يعتقد أنها متناغمة مع مجد الكلمة المتجسد. إن التفسير السليم لا
يمكن أن يتجاهل هذه الأمور، بل يجب أن يعتبرها جزءاً من مجد الكلمة المعلن.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ت تل البيعة ة

فالإنجيل إذاً بكل وضوح
هو ذكريات شاهد عيان، ذكريات شخص كان موجوداً بنفسه فى كل المشاهد التى يصفها، ولا
شك أن هذه الذكريات كثيراً ما كانت تجعله يتأمل فى معنى ودلالة ما يصفه، فكثيراً
ما كان يتوقف ليقول كيف أن التلاميذ – وهو واحد منهم – لم يفهموا فى ذلك الوقت
معنى بعض الأقوال، أو دلالة بعض الأعمال التى عملها يسوع (يو 2 : 22، 12 : 16..
إلخ). وفى بعض الأحيان لا نكاد نميز بين كلمات السيد وبين تعليقات يوحنا، ولكننا
أيضاً كثيراُ ما نقابل نفس الظاهرة فى الكتابات الأخرى، ففى الرسالة إلى أهل
غلاطية، مثلاً يكتب بولس عما واجه به بطرس فى أنطاكية : "… إن كنت وأنت يهودى
تعيش أممياً لا يهودياً فلماذا تلزم الأمم أن يتهودوا" (غل 2 : 14)، وبعدها
بقليل ينتقل إلى التعليق على الموقف. ويستحيل علينا أن نحدد أين ينتهى الحديث
المباشر، ومتى يبدأ التعليق. وهكذا الأمر فى الإنجيل الرابع، ففي الكثير من
الحالات، يستحيل علينا أن نقول أين تنتهى كلمات يسوع وأين تبدأ تعليقات الكاتب.
وهذا ما نراه – على سبيل المثال – فى الحديث عن شهادة المعمدان فى الأصحاح الثالث.
فلعل كلمات المعمدان تنتهى بالعبارة : "ينبغى أن ذلك يزيد وأني أنا
أنقص" (يو 3 : 30)، أما ما بعدها فقد يكون تعليق الكاتب على الموضوع.

د – ذكريات شاهد عيان :
"هكذا نجد أن الإنجيل هو ذكريات شاهد عيان للأحداث الماضية مع انطباعاته عن
معنى ما مر به من اختبارات. لقد كان موجوداً فى المشاهد التى يصفها. لقد كان
موجوداً فى دار رئيس الكهنة"، وكان حاضراً عند الصليب ويشهد بحقيقة موت يسوع
(يو 18 : 15، 19 : 35). وإذ نقرأ الإنجيل نلاحظ مقدار التأكيد الذى يضعه على كلمة
"يشهد" ومشتقاتها، فهو يستخدم هذه الكلمة كثيراً (يو 1 : 19و8و7، 3 :
33و26و11، 5 : 31، 12 : 17، 21 : 24 … إلخ)، وهو يستخدمها هكذا لتأكيد الحقائق
التى عاينها. وفى هذه الشهادات نجد ربطاً غير عادي بين فكر رفيع وقوة ملاحظة
دقيقة. ففى وقت واحد، يحلق البشير عالياً من عالم روحى ويتحرك فى يسر وسهولة بين
أثمن وأسمى عناصر الاختبار الروحي، مستخدماً كلمات عادية، ولكنه يضمنها أعمق
المعاني عن الإنسان والعالم، مما لم يخطر من قبل فى فكر إنسان. وتجتمع فى كتاباته
العجيبة أسمى درجات التصوف مع الإدراك العملي المفتوح العينين. وفوق كل شيء تدهشنا
روعة إحساسه بالقيمة العظمي للجانب التاريخي، فكل معانيه الروحية لها أساس تاريخي،
وهذا واضح فى رسالته الأولي وضوحه فى الإنجيل، حيث نراه رائعاً جلياً. وبينما كان
اهتمامه الأصيل أن يشد انتباه قارئيه إلى يسوع وعمله وكلمته، فإنه – دون قصد – سجل
تاريخ حياته الروحية، وشيئاً فشيئاً ونحن نطالع الإنجيل مندمجين فى روحه، نجد أننا
نسير فى موكب نهضة روحية عظيمة ونتابع نمو الإيمان والمحبة فى حياة الكاتب، إلى أن
تصبح هذه هى النغمة السائدة فى حياته كلها. فمن ناحية نجد أن الكتاب رؤية موضوعية
عظيمة عن حياة فريدة، وقصة إعلان ابن الله لشخصه، وإعلان الآب فى يسوع المسيح، إلى
أن تصل إلى غايتها عبر التطورات المتضاربة من الإيمان والشك عند الذين قبلوه وعند
الذين رفضوه. ومن الناحية الأخرى نجد فيه عنصراً ذاتياً فى قلب الكاتب، حيث يخبرنا
كيف بدأ الإيمان وكيف نما وتقدم حتى وصل إلى معرفة ابن الله. إننا نستطيع أن
نستجلي الأزمات المتنوعة التى اجتاز فيها، والتى عن طريقها – وهو يجتازها على
التوالي – حصل على اليقين الذى يعبر عنه بمثل هذا الهدوء، فهي التى أمدته بالمفتاح
الذى به استطاع أن يكشف عن سر اعلانات يسوع للعالم. إن انتصار الإيمان الذى يرسمه
لنا، قد اختبره فى داخل نفسه أولاً، وهو ما تتضمنه تلك العبارة الرائعة ذات
الدلالة العميقة : "رأينا مجده" (يو 1 : 14).

ه – إيضاح لذكريات
الماضي : ويتأكد الإنجيل تأكيداً قاطعاً، بالتأمل فى طبيعة "التذكر"
بوجه عام، فالقاعدة العامة للتذكر هى أننا عندما نتذكر شيئاً ما أو حادثاً ما،
فإننا نتذكره بكل كلياته مع كل الملابسات المصاحبة له، وعندما نخبر الآخرين به،
فعلينا أن نختار ما يلزم لتوضيح المعنى الذى نريده. والطبائع غير الفنية ليس لها
القدرة على الاختيار، بل تصب كل ما يخطر على البال (كما يقول شكسبير). إن أروع
خصائص التذكر نجدها بوفرة فى الإنجيل الرابع، وهى تقدم لنا برهاناً قائماً بذاته
على أنه بقلم شاهد عيان. ولا يتسع المجال أمامنا هنا إلا لذكر أمثلة قليلة. لاحظ
أولاً تلك الملحوظات الدقيقة عن الوقت فى الأصحاح الأول، والملحوظات الخاصة عن كل
شخصية من التلاميذ الستة الذين قابلهم يسوع فى الأيام الأربعة الأولي من خدمته.
ولاحظ الصورة التى يسجلها من أن نثنائيل كان تحت التينة (1 : 50)، ثم ملحوظة وجود
أجران الماء الستة فى قانا الجليل حسب عادة اليهود فى التطهير (يو 2 : 6). ويمكن
أن نشير فى هذا الخصوص إلى الملحوظات الجغرافية التى وردت كثيراً فى سياق القصة،
والتى تبين معرفة وثيقة بفلسطين، وإلى الإشارات العديدة للنواميس والعادات
والمعتقدات والاحتفالات الدينية اليهودية، والتى يعترف الجميع الآن أنها تدل على
دقة الكاتب وتصويره الرائع للأحداث. إن هدفنا الرئيسي هو أن نسترعى الانتباه إلى
تلك الأمور العرضية التى ليست لها أهمية رمزية، ولكنها سجلت لأنها من الملابسات
التى تداعت فى الفكر عند تذكر الحادث الرئيسي. وهو يرى أيضاً "الغلام"
صاحب الأرغفة الخمسة من الشعير والسمكتين (يو 6 : 9)، ويتذكر أن مريم جلست فى
البيت بينما هرعت مرثا لتقابل الرب عندما اقترب من بيت عنيا (يو 11 : 20)، ويذكر
لعازر وهو يخرج مربوط اليدين والرجلين بأكفان القبر (11 : 44)، وترتسم أمامه صورة
حية لحادثة غسل أرجل التلاميذ (13 : 1-5)، وكذلك التصرفات والأقوال التى صدرت عن
التلاميذ فى تلك الليلة المليئة بالأحداث. وهو مازال يرى مسلك الجند الذين جاءوا
للقبض على يسوع (18 : 3-8)، ويتذكر سيف بطرس وهو يلمع فى الظلام (18 : 10)،
ومشاركة نيقوديموس فى دفن يسوع، وأنواع وأوزان الحنوط التى أحضرها لتحنيط الجسد
(19 : 38-40). ويتحدث عن العناية الواضحة فى طي الثياب الكتانية، وكيف كانت موضوعة
فى القبر الفارغ (20 : 4-8). هذه بعض اللمسات الحية فى هذه الذكريات، والتى لا
يستطيع أن يذكرها بهذه الدقة والروعة إلا شاهد عيان، وإذ يلقى البشير نظرة إلى
الوراء، يذكر المشاهد المتنوعة، وكلمات السيد بكل كمالها كما حدثت، ويختار تلك
اللمسات الحية التى تحمل علامة الصدق لكل القراء.

و – نتائج : هذه اللمسات
من الواقع الحى تبرر القول بأن كاتب هذا الإنجيل يصور المشاهد من واقع الحياة،
وليس من خياله. وهو إذ يلقي نظرة على تاريخه الروحي الشخصي، يتذكر بصورة خاصة تلك
الكلمات والأعمال التى قام بها المسيح والتى حددت مسار حياته الخاصة وقادته إلى
يقين الإيمان الكامل ومعرفة ابن الله. ويمكن فهم الإنجيل من وجهة النظر هذه، ويبدو
لنا أنه لا يمكن فهمه عن أى طريق آخر دون تجاهل كل الظواهر التى أشرنا اليها على
سبيل المثال. وعندما ننظر إلى الإنجيل من وجهة النظر هذه، نستطيع إهمال الكثير من
المناقشات المستفيضة حول احتمال تغير موضع بعض الأصحاحات (كما يزعم سبيتا وآخرون).
وعلى سبيل المثال، لقد ذُكر الكثير عن الانتقال الفجائي فى المشهد من الجليل إلى
اليهودية عندما ننتقل من الأصحاح الرابع إلى الأصحاح الخامس، والانتقال الفجائي
المماثل فى العودة إلى الجليل (يو 6 : 1)، وقد وضع الكثير من المقترحات، ولكنها
كلها تنبع من افتراض أن تذكر الأحداث الماضية يجب أن يكون متصلاً، وهو غير الواقع.
وبينما يحتمل جداً أنه كان هناك تتابع فى ذهن الكاتب، ولكن هذا لا يضطرنا إلى
التفكير فى تغير موضع بعض الأصحاحات، وإذ نأخذها كما هى فى الإنجيل، فإن الأدلة
المختارة – سواء حدثت فى اليهودية أو فى الجليل – تشير فى كل الأحوال إلى نوع من
التقدم. وهى – من ناحية – تعبَّر عن مجد يسوع الظاهر، ومن الناحية الأخرى، عن نمو
الإيمان وتطور عدم الإيمان. وهذا يفتح أمامنا مجالاً جديداً للاعتراض والتساؤل،
وهو ما سنتناوله الآن :

رابعاً –
التقدم والتطور فى الإنجيل
:

إن الاعتراض الرئيسي
الذى يتردد بإلحاح ضد وجهة النظر القائلة بنسبة الإنجيل الرابع إلى الرسول يوحنا،
هو أنه ليس به أى تقدم أو تطور أو نقطة تحول أو أى شيء يعادل فى أهميته – مثلا –
اعتراف الرسول بطرس فى قيصرية فيلبس (مت 16 : 13-17). كما أنهم يزعمون أن هذا
ينطبق أيضا على شخصية يسوع، حيث يبدأ الإنجيل بعقيدة اللاجوس "الكلمة"
ثم لا يحدث فيها أى تقدم من البداية إلى النهاية، وكذلك فيما يتعلق بموقف
التلاميذ، إذ يزعمون أنهم يبدون فى هذا الإنجيل على نفس الدرجة من الإيمان بأن يسوع
هو المسيح، من البداية إلى النهاية. ولكن الحقيقة على العكس من ذلك تماماً، فكلما
تقدمنا فى الإنجيل – كما سبق أن قلنا – نجد مجد الرب يظهر بصورة متزايدة باستمرار،
وأن التلاميذ يتقدمون إلى إيمان أعمق، كما أن عدم إيمان الذين يرفضونه، يزداد
وضوحاً ورسوخاً إلى أن يصبح رفضاً مطلقاً. والمتأمل الدقيق المتأني يرى ذلك بكل
جلاء.

1-صورة يسوع فى الإنجيل
: ويتخذ الاعتراض على الصورة التى يرسمها هذا الإنجيل ليسوع، أشكالاً متنوعة، يحسن
أن ندرس كلاً منها على حدة :

أ – الغياب المزعوم
للتقدم فى شخصية يسوع : فأول كل شيئ، يؤكدون أنه لا يوجد فى الإنجيل الرابع أى
تقدم فى شخصية يسوع، كما لا يوجد شيئ من الإشارات التى نجدها فى الأناجيل الثلاثة
الأولي عن الأفاق التى تتسع باستمرار، ولا إشارة إلى أن معنى وغرض وغاية دعوته
كانت تزداد وضوحاً بمرور الأيام. وهناك إجابتان على هذا الزعم : الأولي هى أنه فى
سلسلة من المشاهد من حياة يسوع منتقاة للهدف المحدد المذكور فى الإنجيل، لا يلزم
أن نطلب تاريخاً متصلاً لخدمته، فقد تم اختيار تلك المشاهد بكل دقة لبيان حدة
بصيرته النفاذة إلى أعماق الطبيعة البشرية ودوافعها، وقوته على الشفاء إشفاقاً على
الناس، وسيطرته على الطبيعة، وسلطانه المطلق على الناس وعلى العالم. والأمر الثاني
هو أنه حتى فى الإنجيل الرابع توجد إشارات إلى نقطة تحوُّل فى خدمة الرب يسوع حين
أعلن المعنى الكامل لخدمته (على سبيل المثال، عند زيارة اليونانيين فى الأصحاح
الثاني عشر). وسوف نرى فيما بعد أنه ليس صحيحاً أننا نجد فى هذا الإنجيل، ولا فى
الأناجيل الثلاثة الأخرى أيضاً، أن يسوع قدم نفسه علانية على أنه المسيا، منذ
البداية.

ب – استقلال يسوع
المزعوم : وشبيه بما سبق، الاعتراض على تاريخية الإنجيل لأنه يقدم يسوع دائما على
أنه يوجه مسار حياته بنفسه، متعاليا على الناس، ورافضا أن يتأثر بهم، ويعتقدون أن
هذا نتيجة سيطرة فكرة اللوجوس فى مقدمة الإنجيل. والرد على هذا هو أنه لا يوجد فى
الحقيقة أى اختلاف جوهرى بين موقف يسوع فى هذه الناحية فى الأناجيل الثلاثة
الأخرى، وإنجيل يوحنا، ففيها جميعها يتصرف بسلطان. فهو يستطيع أن يقول فى الأناجيل
الثلاثة الأولي "أما أنا فأقول لكم" (مت 5 : 32و28و22 …إلخ)، وفيها
أيضاً يعلن أنه معلم الحق المطلق، والمخلص، وصاحب السلطان، والديان لجميع الناس.
وفى هذا الخصوص لا يوجد أى شيئ جديد من هذه الناحية فى الإنجيل الرابع. حقيقة أنه
قال : "ليس أحد يأتى إلى الآب إلا بي" (يو 14 : 6)، ولكنه قال أيضاً :
"تعالوا إلي … وأنا أريحكم" (مت 11 : 28). وهكذا نجد أن دعوى السلطان
على الناس، قائمة فى كل الأناجيل. كما نرى أيضا فيها جميعها، يسوع يقدم الولاء
والخضوع والطاعة للآب، وليس الإنجيل الرابع بأقلها فى ذلك، بل بالحري أكثرها
وضوحاً : "لأن أبي أعظم منى" (يو 14 : 28)، والأقوال التى ينطق بها هى
أقوال الآب، والأعمال التى يعملها هى أعمال الآب (يو 5 : 20و19، 7 : 18و16 … إلخ)،
"هذه الوصية قبلتها من أبي" (يو 10 : 18). وهكذا نرى فى كل الأناجيل نفس
الشخص الواحد غير المتغير المملوء نعمة.

ج – عدم إمكانية إدراك
"فكرة اللوجس" : وهناك اعتراض آخر يهدف إلى إثبات أنه من السهل إدراك أن
هذا الإنجيل لا يمكن أن يكون من عمل "رسول بسيط"، وهو اعتراض يبدو قوياً
فى ذاته، وكذلك لأهمية الشخص الذى يثيره، إذ يقول "ويزساكر" (فى كتابه :
"العصر الرسولي") : إنها لمعضلة، أن تلميذ الإنجيل المحبوب، الذى جلس
على المائدة بجوار يسوع، يمكن أن يبلغ إلى اعتبار أن كل اختباراته الماضية كانت
حياة مع "كلمة الله المتجسد". من المستحيل تصور أي قوة للإيمان والفلسفة
تبلغ من العظمة حداً تختفي معه ذكريات حياة واقعية، لتحل محلها تلك الصورة العجيبة
لشخص سماوي. يمكن أن نفهم أن شخصاً مثل بولس – الذى لم يكن قد عرف يسوع، ولم
يتقابل معه كإنسان – يمكن أن يعترض على أقوال شهود العيان عن الشخص السماوي، مما
يجعله يستبدل الظهورات الأرضية، بالمسيح الذى هو روح، وأن الإيمان يجب أن يسمو به
فوق الصورة الأرضية التى لم تكن سوى مجرد مرحلة، ولكن هذا ما لا يمكن تصديقه عن
رسول بسيط مثل يوحنا، وهنا فصل الخطاب (الجزء الثاني –211 ". ومن السهل أن
نقول : "إن هذا ما لا يمكن تصديقه عن رسول بسيط"، ومع هذا فإننا نعلم أن
هذا الرسول البسيط قد آمن أن يسوع قد قام من الأموات وأنه ارتفع رباً ومخلصاً،
وأنه جلس عن يمين الله، وأنه رب على الكل (أع 2 : 22-36). وإن كنا نسلم بأن
الكنيسة الأولي قد آمنت بهذه الأمور، فليس من السهل أن نقول إن الخطوة التالية
التى نجدها فى الإنجيل الرابع لا يمكن تصديقها. وفى الواقع إن اعتراض ويزساكر ليس
موجهاً ضد الإنجيل الرابع، بل هو موجه بنفس الدرجة ضد المسيحية بعامة، فإذا كان
المسيح هو هو كما تتحدث عنه الأناجيل الثلاثة الأولي، وأنه هو هو كما كانت الكنيسة
الأولي تعتقد فيه، فإن المفهوم الأساسي للإنجيل الرابع يكون صادقاً مفهوماً. وإذا
كانت المسيحية صحيحة، فالإنجيل الرابع لا يضيف جديداً إلى صعوبة الإيمان، بل
بالحري يقدم أساساً ثابتاً لإيمان عقلاني.

2- عقيدة اللوجس فى
المقدمة : من المناسب هنا أن نتكلم بشيء من التفصيل عن عقيدة "اللوجس"
نفسها وما تضفيه على صورة المسيح فى هذا الإنجيل. ومن الواضح أن أعظم اهتمامات
كاتب الإنجيل الرابع كانت حياة السيد الشخصية، كما عرفها عن قرب معرفة يقينية.
كانت هذه الحياة التاريخية الحقيقية، هى كل شيء بالنسبة له، ففيها أمعن التفكير
وأطال التأمل، وقد جاهد ليجعل مضمونها حقيقة واقعة تزداد باستمرار وضوحاً أمامه هو
أولا، ثم أمام الآخرين أيضاً. وكيف يمكنه أن يجعل حقيقة تلك الحياة واضحة جلية
للجميع؟ وماذا كانت علاقة ذلك الشخص بالله وبالإنسان وبالعالم؟ يحاول يوحنا فى
مقدمته أن يبين من كان يسوع، وماذا كانت صلته بالله وبالإنسان وبالعالم. هذا الشخص
الحقيقي الذى عرفه وأحبه واحترمه، كان أعظم وأكبر من الظاهر لعيني المشاهد العادي،
بل وأكثر مما كان ظاهراً لتلاميذه. كيف يمكن توضيح ذلك؟ واضح من الإنجيل أن الشخص
التاريخي يأتي أولاً، ثم بعد ذلك تأتى محاولة توضيح حقيقة الشخص. وما المقدمة إلا
محاولة التعبير بدقة عن مجد هذا الشخص. وعقيدة "اللوجس" لا تهبط كثوب من
الخارج على الشخص التاريخي، ولكنها محاولة لوصف ما بدأ يوحنا يدركه من الحقيقة
الجوهرية لشخص يسوع. إن ما أمامنا هنا ليس مجرد نظرية فكرية، وليس محاولة لاستنباط
نظرية عن العالم أو عن الله، ولكنها محاولة للتعبير بلغة مناسبة عما يراه الكاتب
الحقيقة العظمي. وعلى هذا فلسنا فى حاجة إلى البحث عن تفسير لعقيدة
"اللوجس" عند يوحنا فى فكر هيراقليتس، أو فى نظريات الرواقيين، أو حتى
فى نظرية "اختيار الأفضل" عند فيلو. إن أفكار هؤلاء الناس أبعد ما تكون
عن جو الإنجيل الرابع. لقد سعي هؤلاء وراء نظرية عن الكون، أما يوحنا فقد سعي
لتوضيح مضمون حياة شخصية تاريخية. وفى المقدمة يعطينا صورة لتلك الحياة، ويختار
كلمة ملأها بأقوى المعاني، المعنى الذى احتوى أعمق تعاليم العهد القديم وأسمي
أفكار معاصريه. وتعليم الرسول بولس فى الرسائل التى كتبها وهو فى السجن – بخاصة –
تقترب جداً من تعليم الإنجيل الرابع، ولذا فليس من الصواب أن نأتي بعقيدة
"اللوجس" لتفسير الإنجيل الرابع وشرحه، وأن ننظر إلى كل وقائع الإنجيل
على أنها مجرد توضيحات لهذه العقيدة، بل الصحيح هو عكس ذلك تماماً، لأن عقيدة
"اللوجس" ليس لها كيان أو واقع حي بعيداً عن الحياة الشخصية التى كانت
ظاهرة أمام الرسول. فالمقدمة إنما تمثل ما وصل يوحنا إلى رؤيته عن حقيقة الشخصية
التى عرفها تاريخيا، وهو يقدمها بصورة جامعة مانعة – مرة واحدة – فى المقدمة، ولا
يشير إليها بعد ذلك مطلقا فى الإنجيل. ويمكننا أن نفهم تعليم "اللوجس"
عندما ننظر إليه فى ضوء هذه الوقائع المسجلة فى الإنجيل، تلك الوقائع التى أعانت
القديس يوحنا على معاينة مجده، ولا يمكننا أن نفهم هذه الوقائع إن كنا ننظر إليها
فقط على أساس أنها إيضاحات نظرية فلسفية مجردة. وبالإيجاز، إن الإنجيل الرابع
إنجيل واقعي، وليس إنجيلاً تجريدياً، إنه ليس تطوراً لنظرية أو محاولة إثباتها،
ولكنه محاولة لرسم صورة لشخصية واقعية، للتعبير بكلمات مناسبة عن دلالة تلك
الشخصية كما أصبح يوحنا يراها.

3-نمو الإيمان وتزايد
عدم الإيمان : وكما هو الحال مع شخصية يسوع، هكذا الأمر مع الزعم بعدم نمو إيمان
التلاميذ، فالفحص الدقيق يثبت أيضاً أن هذا الاعتراض لا أساس له.

أ – الاعترافات المبكرة
: وهنا يقولون إننا نعرف الخاتمة منذ البداية، ففى الأصحاح الأول يطلق على يسوع
مرتين اسم "المسيا" (يو 1 : 45و41)، ويوصف مرتين بأنه "ابن
الله" (1 : 49و34)، ويشير إليه المعمدان فى هذه المرحلة المبكرة على أنه
"حمل الله الذى يرفع خطية العالم" (1 : 29)، كما يشيرون إلى حديثه مع
نيقوديموس (يو 3 : 1-21)، وإلى اعتراف السامريين (يو 4 : 42و41)، وأحداث أخرى
مشابهة، لإثبات أنه فى هذه المرحلة المبكرة من خدمة الرب يسوع، كانت مثل هذه الاعترافات
غير محتملة، بل بالحري مستحيلة. ولكننا نلاحظ أن هذه الاعترافات جاءت نتيجة
إعلانات خاصة من يسوع للأشخاص الذين أدلوا بهذه الاعترافات، وأن هذه الإعلانات هى
التى هيأت الجو النفسي لهذه الاعترافات، وهذا واضح فى حالة نثنائيل. وليس الاعتراض
على شهادة يوحنا المعمدان اعتراضا لا يمكن دحضه، لأن المعمدان طبقاً لما هو وارد
فى الأناجيل الثلاثة الأولي، قد وجد الشهادة له فى الأصحاح الأربعين من إشعياء،
حيث وجد نفسه، ووجد إرساليته، فوصف نفسه كما نرى فى الإنجيل الرابع بالقول :
"أنا صوت صارخ فى البرية، قوَّموا طريق الرب كما قال إشعياء النبي" (يو
1 : 23، انظر أيضاً مت 3 : 3، مرقس 1 : 3و2)، كما نقرأ أيضاً "أما يوحنا فلما
سمع فى السجن أعمال المسيح، أرسل اثنين من تلاميذه، وقال له أنت هو الآتي أم ننتظر
آخر" (مت 11 : 3و2)، فأجابه يسوع بما جاء فى الأصحاح الحادي والستين من إشعياء،
فقد كانت هذه فى نظر يسوع هى العلامات الحقيقية لملكوت المسيا. وهل هناك من سبب
يمنعنا من القول بأنه كما وجد يوحنا المعمدان الشهادة له فى الأصحاح الأربعين من
إشعياء، وجد أيضاً طبيعة وعلامات الشخص الآتي فيما ورد عن العبد المتألم فى
الأصحاح الثالث والخمسين؟ وإن كان قد وجد ذلك، فهل هناك ما هو أبسط من أن يصف
الشخص الآتي بأنه "حمل الله الذى يرفع خطية العالم"؟ وفى جواب يسوع على
يوحنا، يطلب منه أن يستمر فى قراءة تلك النبوة التى وجد فيها الكثير بالنسبة له.

ب – نمو الإيمان عند
التلاميذ : وبغض النظر عما يمكن أن يقال عن هذه الاعترافات المبكرة، يمكن القول
بحق إن هناك علامات كثيرة لنمو الإيمان عند التلاميذ. وإذ نذكر جيداً حقيقة أن كل
اعتراف من هذه الاعترافات – كما سبق القول – قد جاء نتيجة إعلان معين لمجد المسيح،
نستطيع أن نتقدم إلي الأجزاء التى تبين كم كان إيمان التلاميذ ناقصا. ويجب أن نذكر
أيضاً أن يوحنا استخدم كلمة واحدة للتعبير عن كل درجات الإيمان، من أقل درجة إلى
الاقتناع القلبي الكامل والتسليم المطلق (ويمكن الرجوع إلى المعالجة الدقيقة
الشاملة لمعاني الكلمة "الإيمان" التى أوردها أبوت فى كتابه :
"مفردات يوحنا"). ويستخدم يوحنا فى الإنجيل الرابع صيغة الفعل لا الاسم،
وحينما تستخدم الكلمة فإنها تدل على التأثير الحادث سواء كان تأثيراً ضئيلاً
وعابراً، أو عميقاً وراسخاً. ونحن نرى خطوات متتابعة من القبول كلما كان التلاميذ
يتقدمون إلى الإيمان الكامل والمطلق.

 وإذ نقرأ الإنجيل، نجد
أن يسوع قد اختبر وامتحن إيمان تلاميذه، وجعل من أعماله ومن كلماته اختباراً
للإيمان ودافعاً إلى نموه. ونتيجة لأقواله عن خبز الحياة، قال الكثيرون من تلاميذه
: "… إن هذا الكلام صعب. من يقدر أن يسمعه" (يو 6 : 60)، وبسبب صعوبة
كلامه "… رجع كثيرون من تلاميذه إلى الوراء ولم يعودوا يمشون معه" (6 :
66)، وفى حديثه إلى الذين لم يذهبوا عنه، نجد أن الصعوبة قد أصبحت أمامهم فرصة
لإيمان أعظم (6 : 69و68). إن أحداث ليلة تسليمه، والأحاديث التى دارت فى تلك
الليلة، توضح مدى ضعف إيمان وثقة تلاميذه، وكم كانوا بعيدين عن الفهم الكامل لقصد
السيد، ولم يبلغ إيمانهم درجة الكمال إلا بعد القيامة وفرحة رؤية ربهم المقام، فى
العلية.

ج – الإعلان تدريجياً
عن أنه المسيا، وازدياد عدم الإيمان : وفى الجانب الآخر، يوجد بكل وضوح تزايد فى
عدم الإيمان، من مجرد الشك العابر إلى عدم الإيمان بيسوع ورفضه تماماً.

 وجيد أن نلاحظ أن
الاعترافات التى سبق أن أشرنا إليها، جاءت من أفراد أُتيحت لهم فرصة الاتصال بيسوع
اتصالاً خاصاً، فهذا هو ما حدث مع نثنائيل ونيقوديموس والسامرية وشعب السامرة.
ويضع الكاتب القراء فى هذه العلاقة الوثيقة حتى يؤمن كل من يقرأ. ولكن مثل هذه
العلاقة الوثيقة بيسوع كانت من نصيب القلة. كما هو واضح فى هذا الإنجيل. وليس
صحيحاً – كما سبق أن لاحظنا – أن يسوع فى هذا الإنجيل، يبدو كمن يعلن نفسه بصورة
قاطعة أنه المسيا، إذ يوجد هنا شيء من التحفظ الموجود فى الإناجيل الثلاثة الأخرى،
فهو لم يؤكد دعواه ولكنه تركها للاستنتاج. إن إخوته يطلبون منه أن يثبت دعواه أمام
الناس (يو 7 : 4و3)، ونجد فى الأصحاح السابع حديثا عن الشكوك والأفكار التى حامت
حوله، فالناس يترددون ويتساءلون ويفكرون : هل هو إنسان صالح أم هو مخادع يضل الشعب؟
(7 : 12)، هل أرسله الله حقاً؟ (7 : 14-30). كل هذه إنما تثبت أن أفراداً معينين
قد أُتيحت لهم هذه المعرفة الوثيقة به، تلك المعرفة التى تؤدى بهم إلى قبوله
والإيمان به. ونقرأ فى الأصحاح العاشر : "وكان عيد التجديد فى أورشليم، وكان
شتاء، وكان يسوع يتمشي فى الهيكل فى رواق سليمان، فاحتاط به اليهود وقالوا له إلى
متى تعلق أنفسنا؟ إن كنت أنت المسيح فقل لنا جهراً" (10: 22-24). وكما يقول
دكتور ساندى : "وواضح جيداً " أنه لم يكن أمام الشعب حديث محدد بدقة.
لقد تُركوا ليستنتجوا بأنفسهم، وقد وصلوا إلى ما وصلوا إليه بما كان لديهم من
أقوال، ولكن لم يكن هناك قول قاطع من يسوع نفسه بأنه المسيا أو بأنه ليس المسيا.
ان مدى تزايد عدم الإيمان يقدمه البشير فى هذه الكلمات : "ومع أنه كان قد صنع
أمامهم آيات هذا عددها لم يؤمنوا به" (يو 12 : 37)، ومن الناحية الأخرى فإن
ذروة الإيمان تظهر فى كلام الرب لتوما : "… لأنك رأيتني ياتوما آمنت. طوبي
للذين آمنوا ولم يروا" (يو 20 : 29).

 

أقسام السفر:

أ- التجسد وتقديم يسوع
ابن الله، كرازة يوحنا المعمدان، وانتخاب التلاميذ (ص 1).

ب- خدمة يسوع المسيح
ابن الله وكرازته الجهارية (ص 2 : 13 -ص 12).

 1 – يسوع يواجه
الإيمان والإنكار من الناس.

 2 – يسوع يواجه صراعا
مع رؤساء الكهنة.

 3 – يسوع يواجه أحداثا
حاسمة في إورشليم.

ج – موت وقيامة يسوع
المسيح ابن الله (ص 13 : ص 21)

 1- خطاب يسوع المسيح
الوداعى لتلاميذه (ص14-ص 17).

 2- يسوع يعلم تلاميذه
ص13.

 3- محاكمة يسوع المسيح
وصلبه وقيامته وظهوره (ص18- ص21).

 

ويمكن تقسيم الإنجيل
على هذا النحو :

1- إصحاح 1: 1-18
الديباجة- وهي تعمق في سر التجسد.

2- إصحاح 1: 19-51
شهادة يوحنا ليسوع وشهادة التلاميذ له وشهادة يسوع لنفسه.

3- إصحاح 2-12 المسيح
والعالم.

4- إصحاح 13-17 المسيح
وخاصته.

5- إصحاح 18-20 آلام
المسيح وموته وقيامته.

 

محتويات
السفر:

 الكلمة الأزلي ص 1 :
1- 14 :

 + تكشف هذه المقدمة عن
عمق البشير لاهوتيا فانه يذكر نسب السيد حسب الجسد، ولا أحداث الميلاد إنما قدم
لنا فى إيجاز صورة حية عن لاهوت السيد.

 + يتحدث عنه بكونه
الكلمة الأزلي متميزا عن اقنوم الأب مع وحدة الجوهر

 + انه الخالق "
به كان كل شيءو بغيره لم يكن شئ مما كان "

 + جاء متجسدا ليهب
النعمة والحق الأمر الذي يعجز عنه الناموس

 + جاء ليعلن أسرار
الآب الذي لم يره أحد قط (18)

 + السفر كله تأكيد
وتفسير لهذه المقدمة

 أعماله تعلن لاهوت ص 1
: 15 – ص 12 :

 + صلب الرسالة يقدم
شهادة القديس يوحنا المعمدان، والانبياء وأيات السيد المسيح ومعجزاتة وكلماتة عن
لاهوتة، لكى نؤمن فننعم بالحياه الابدية (6: 47)

 + فيما يلى موجز للكشف
عن شخص السيد المسيح

 1 – شهد القديس يوحنا
المعمدان : " انا قد رأيت وشهدت ان هذا هو ابن الله " (1 : 34)..وقد
عرفه بالروح القدس النازل والمستقرعلية (1 : 33).

 2 – فى عرس قانا
الجليل اذ حول السيد الماء خمرا (عمل خلقة) " أظهر مجده فأمن به
تلاميذه" (2 : 11)

 3 – إذ اعلن السيد
المسيح لنثنائيل أنه رأه وهو تحت التينة أجاب " يا معلم أنت ابن الله"
(1: 49).

 4 – فى حديث السيد
المسيح مع نيقوديموس رئيس لليهود كشف لنا عن نفسه انه سماوى، الابن الوحيد الذى
يبذله الاب لكى لا يهلك كل من يؤمن به (3: 13 – 16)

 5 يوحنا المعمدان يعلن
لتلاميذه عن السيد انه المسيح، من فوق (سماوى)، الابن صاحب السلطان من يؤمن به له
حياه الابدية (3 : 27 36)

 6 إذ التقى اهل
السامرة بالسيد بسبب المرأة السامرية قالوا " نحن قد سمعنا ونعلم ان هذا هو
بالحقيقة المسيح مخلص العالم" (4 : 42) واعلنوا إيمانهم به.

 7 اعلن خادم الملك
بسلطان كلمة المسيح كما لوكان حاضرا (4 : 46 54)

 8 كان اليهود يطردون
يسوع ويريدون ان يقتلوه … " لانه لم ينقض السبت بل قال ايضا ان الله ابوه
معادلا نفسه بالله " (5 : 18)

 9 السيد المسيح يعلن
عن نفسة انه يعمل اعمال الاب، يهب حياه لمن يشاء، يدين الناس (5 : 19 29)، يدعو
نفسة " انا هو " التى تعادل " يهوه" (6 : 20، 35 ؛ 8: 12، 58
؛ 10 : 9 ؛ 11 : 25 ؛ 14 : 6 ؛ 15 : 1)، ويعلن انه سماوى

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر يشوع بن سيراخ الأنبا مكاريوس أسقف عام 20

 (6 : 38)، يقدم جسدة
ليهب متناوليه حياته الابدية وقيامته (6 : 54)، من يعرفه يعرف الاب (8 : 19)،
ابراهيم رأى يومه وتهلل (8 : 56)، انه القيامه والحياه (11 : 25)

 10 سمعان بطرس يعترف
ان السيد هو " المسيح ابن الله " (6 : 69) وأيضا مرثى (11: 27)، وامن به
من رأوا لعازر يقوم من الاموات (11 : 45).

 11 السيدالمسيح يسأل
من فتح عينيه :"أتؤمن بابن الله؟ " (يو 9 : 35).

 يعلن ذاته لخاصتهص 13
– ص 17 :

 + إذ رفضه اليهود
تماما وفكروا في موته اعلن ذاته لتلاميذه كي يقبلوه ويعيشوا به " الذي يحبني
يحبه أبي وأنا أحبه وأظهر له ذاتي " 14 : 21 "

 + غسل أقدام التلاميذ
ص13.

 + حديثه الصريح
الوداعي ص14 -ص17 :

 + يعزيهم بإعداد منازل
لهم في بيت أبيه وإرسال روحه القدوس ص 14

 + الثبوت فيه كأغصان
في الكرمة ص 15

 + يؤكد مضايقة العالم
لهم وتعزياته لهم ص 16

 + الصلاة الوداعية ص
17

 ابن الله الذبيح ص18،
ص 19:

 + ابرز الإنجيلي لاهوت
السيد حتى وسط آلامه، " فلما قال لهم" إني أنا هو" رجعوا إلى
الوراء وسقطوا علي الأرض " 18 : 6

 + الاتهام الذي وجه
إليه " لأته جعل نفسه أبن الله " 19 : 7.

 + يعتز البشير
باستلامه العذراء أما له (19 : 27).

 قيامته تؤكد لاهوته
ص20 – ص21 :

 + ابرز لاهوت السيد
بقيامته + انها رأت الرب (20 : 18)

 + وهبهم الروح القدس
(20 : 22) + توما ربي والهي 20 : 28

 + يوحنا : " هو
الرب " 21 : 7 + التلاميذ عرفوا انه الرب 21 : 12

 + غاية كتابة الإنجيل
الإيمان بأبن الله (20 : 31)

 

شرح الإنجيل:

يوحنا 1 – 3

يكشف إنجيل يوحنا
الطبيعة الحقيقية والهدف الحقيقي للمسيح: فهو المساوي لله الآب، الذي خلق كل
الأشياء؛ وهو المخلص، الذي يعطي الحياة بواسطة اسمه؛ وهو الكلمة، الذي يعبر عن
الله. في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله (يوحنا 1:1).
وبما أن الكلمة متميزة عن الشيء الذي تعبر عنه، كذلك فإن الابن شخص متميز عن الآب
السرمدي ولكنه في نفس الوقت واحد معه. هذا كان في البدء عن الله (2:1). وكون الرب
يسوع هو الكلمة فهذا يشير إلى الحقيقة بأن يسوع المسيح هو الشخص الوحيد الذي يعلن
لنا الآب ويعلن مشيئته من نحونا. كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان. فيه
كانت الحياة والحياة كانت نور الناس (يوحنا 3:1-4). إن النور الذي يقدمه يسوع يبدد
الخداع والتشويش، ويكشف طبيعة الأشياء وقيمتها الحقيقية. لذلك لا نستطيع أن نرى
حياتنا على حقيقتها إلا عندما نراها في نور كلمته.

والكلمة صار جسدا وحل
بيننا (يوحنا 14:1). لقد جمعت قوة الروح القدس بين طبيعة الله وبين الطفل المولود
من مريم العذراء في شخص واحد إلهي وإنساني. فيسوع الناصري هو المسيا المخلص
الموعود به الذي أتاح للمؤمنين إمكانية دخول السماء. لم يولد شخص آخر من عذراء
وبطبيعة خالية من الخطية، غير يسوع. وبالتالي، فلا يوجد ولن يوجد شخص آخر على
الأرض يكون ابن الله، بنفس المفهوم المعلن عن المسيح، الابن الوحيد (يوحنا 18:3).
وفي إنجيل يوحنا يأتي ذكر الكلمات "حياة" و"يحيا" أكثر من 50
مرة، وكلمة "يؤمن" بأشكالها المختلفة أكثر من 90 مرة.

ربما تكون نشأتك
الدينية بوذية أو هندوسية أو إسلامية أو بروتستانتية أو يهودية أو كاثوليكية. وقد
تكون في منتهى الإخلاص والتدين، ومع ذلك فأنت هالك إلى الأبد- ولن تدخل السماء بعد
موتك، وإنما سوف تطرح في أتون النار؛ هناك يكون البكاء وصرير الأسنان (متى 42:13).
ولكن إنجيل يوحنا يشرح لك بالتفصيل كيف يمكنك أن تضمن السماء لتكون بيتك الأبدي.

وبعد أن تختبر علاقة
شخصية مع الرب، سوف تشعر بالرغبة في قراءة الكتاب المقدس كله عدة مرات لكي تعرف
خطة الله لحياتك. وإذ تداوم على قراءة الكتاب المقدس يوميا تستمر في النمو الروحي
وتحصل من خلال صفحاته مزيداً من إعلاناته العميقة.

وأما هذه فقد كُتبت
لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه (يوحنا
31:20).

شواهد مرجعية: يوحنا
23:1 (انظر إشعياء 3:40)؛ يوحنا 17:2 (انظر مزمور 9:69).

 

 يوحنا 4 – 5

يذكر يوحنا حادثة مميزة
حدثت في الطريق إلى بحر الجليل. لقد كان يسوع قد تعب من السير لمسافة 40 ميلا (64
كيلومترا) من اليهودية إلى السامرة، فجلس ليستريح عند بئر يعقوب بينما ذهب تلاميذه
إلى القرية ليشتروا طعاما. ولم يكن بالصدفة أنه أثناء جلوسه أتت امرأة سامرية إلى
البئر لتستقي ماء. فإن هذا هو السبب الحقيقي الذي لأجله كان لابد أن يجتاز السامرة
(يوحنا 3:4-4) – أن يعلن بأن محبة الله تشمل السامريين أيضا. وفي المعتاد كان
اليهودي لا يجتاز عبر السامرة وبالأولى لا يتكلم مع امرأة سامرية. ولكن يسوع كان
يعرف الفراغ والاحتياج الموجودين في حياة هذه المرأة.

وبينما كان يستريح،
دفعه عطفه الشديد أن يطلب منها شربة ماء (يوحنا 7:4). فاندهشت قائلة: كيف تطلب مني
لتشرب وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية؟ لأن اليهود لا يعاملون السامريين. فأجاب يسوع
وقال لها: لو كنت تعلمين عطية الله ومن هو الذي يقول لك أعطيني لأشرب لطلبت أنت
منه فأعطاك ماء حيا (9:4-10).

ومن الواضح أنها كانت
ممتلئة بالشكوك والتساؤلات: لا دلو لك والبئر عميقة (يوحنا 11:4)؛ ألعلك أعظم من
أبينا يعقوب؟ (يوحنا 12:4)؛ آباؤنا سجدوا في هذا الجبل وأنتم [أي اليهود] تقولون
أن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه (يوحنا 20:4). فلقد تعلَّمَت أن
السامريين يجب أن يعبدوا على جبل جرزيم، أما اليهود فقد كانوا يؤمنون بأن أورشليم
هي المكان الوحيد للعبادة.

لم يكن الاحتياج
الحقيقي لهذه المرأة مختصا بهذا الجبل أو بأورشليم (يوحنا 20:4)، بل كان مختصا بما
يجب أن تفعله بخطاياها. لقد كانت تحتاج إلى الخلاص قبل أن يصبح في استطاعتها أن
تعبد في أي مكان. كانت تعرف كل شيء عن أبيها يعقوب (12:4)، ولكنها لم تكن تعرف
شيئا عن عطية الله، المخلص الذي يعطي الحياة الأبدية (10:4). كانت أفكارها مثبتة
على مشكلة أين تعبد – وليس من تعبد – وهذا ما زال يحدث في أيامنا. فعندما يفيق
الناس لأول مرة على احتياجهم إلى شيء أكثر إشباعا مما يستطيع العالم أن يعطيه،
فإنهم ينشغلون بأسئلة تختص بعضوية الكنيسة، والمعمودية، والاعتراف، وأشياء أخرى
كثيرة ليست لها "أهمية"، وعادة يتحول الخاطئ إلى متدين، باحثا عن بعض
الوسائل لإشباع جوعه الروحي من خلال أعمال البر (تيطس 5:3).

أصبح الوقت الآن مناسبا
للرب أن يجعل هذه المرأة ترى احتياجها الملح على حقيقته، فقال لها: اذهبي وادعي
زوجك وتعالي إلى هنا (يوحنا 16:4). وإذ كانت قد تزوجت خمس مرات، والذي يعيش معها
الآن ليس زوجها، فمن الواضح أن حياتها كانت خالية من الشبع الذي كانت تتوق إليه
بشدة. فهذه المرأة السامرية كان لديها عطش لا يمكن للدين أو العالم أن يرويه. لقد
وصلت إلى نقطة تحول في حياتها عندما أعلن لها المسيح عن نفسه أنه هو الذي يسدد
احتياجها الروحي العظيم. وإذا بنا نسمعها تقول: أعطني هذا الماء لكي لا أعطش
(يوحنا 15:4).

إن الماء الذي يتفرّد
يسوع بإعطائه يمنح الحياة. وعلى جميع آبار العالم يجب أن تكتب هذه الكلمات: كل من
يشرب من هذا الماء يعطش أيضا. ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى
الأبد (يوحنا 13:4-14).

 

 يوحنا 6 – 8

كان رئيس الكهنة في عيد
المظال، يقوم بسكب ماء من بركة سلوام، رمزا للماء الذي أخرجه الله لبني إسرائيل
بطريقة معجزية أثناء رحلتهم في البرية. ولكن المعنى الأعمق كان يشير إلى المسيا
الملك الذي سيأتي. كان سكب الماء من الإناء الذهبي يتم عندما يضرب الكهنة
بالأبواق. ثم يرنم اللاويين والشعب قائلين: مبارك الآتي باسم الرب… إلهي أنت
فأحمدك، إلهي فأرفعك (مزمور 26:118-28). هذه التسبيحة كانت ترنم انتظارا للمسيا
الملك وهي ربما نفس الكلمات التي كانت الجموع تهتف بها مع أوصنا يوم دخول الرب
يسوع منتصرا إلى أورشليم (يوحنا 13:12).

في هذه اللحظة بالذات
وقف يسوع ونادى قائلا: إن عطش أحد فليقبل إليّ ويشرب!… من آمن بي كما قال الكتاب
تجري من بطنه أنهار ماء حي (يوحنا 37:7-38) – أي أنه كان يقول: "إني أنا
الإجابة على القراءات النبوية التي تقرأونها الآن". ولا بد أن الشعب قد
اندهش! هل يمكن أن يكون هو المسيا الذي طال انتظاره؟ فحدث انشقاق في الجمع لسببه
(يوحنا 43:7).

من أكثر المعجزات
تأثيرا – التي صنعها الرب – كانت معجزة إشباع جمع كثير كان قد تبعه لأنهم أبصروا
آياته التي كان يصنعها مع المرضى (يوحنا 2:6).

لقد تأثرت الجموع بشدة
حتى أنهم قرروا أن يأخذوه بالقوة وينصبوه عليهم ملكا. ولكن يسوع كان يعرف قلوبهم،
وبعدها ببضعة أيام قال لهم: أنتم تطلبونني ليس لأنكم رأيتم آيات بل لأنكم أكلتم من
الخبز فشبعتم (يوحنا 26:6).

ولكن أعداؤه أرادوا أن
يحقروا من هذه المعجزة بالمقارنة مع معجزة موسى الذي أطعم بني إسرائيل لمدة أربعين
سنة. فقالوا: آباؤنا أكلوا المن في البرية كما هو مكتوب أنه أعطاهم خبزا من السماء
ليأكلوا (يوحنا 31:6). فأجابهم يسوع قائلا: ليس موسى أعطاكم الخبز من السماء بل
أبي يعطيكم الخبز الحقيقي من السماء. لأن خبز الله هو النازل من السماء الواهب
حياة للعالم… أنا هو خبز الحياة. من يقبل إليّ فلا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش
أبدا (يوحنا 32:6-35).

عندما بدأ يسوع يعلن
حقائق روحية تراجع الكثيرون من ورائه. فقال: الروح هو الذي يحيي، أما الجسد فلا
يفيد شيئا. الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة (يوحنا 63:6). وقد أعلن الرب يسوع
أيضا أنه هو نفسه نور العالم. فالأخبار السارة التي تبدد الخوف من المستقبل هي ما
يؤكده الرب قائلا: من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة (يوحنا
12:8).

يحصل المسيحيون
الحقيقيون على هذا النور من خلال قراءة كلمة الله، والصلاة، وإعطائهم الفرصة للروح
القدس لكي ينيرهم ويقود خطواتهم (يوحنا 13:16). ولكي نحصل على المزيد من النور من
الكتاب المقدس هو أن نعيش وفقا للنور الذي سبق وأعطاه الروح القدس لنا.

إن سلكنا في النور كما
هو في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض، ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية (1
يوحنا 7:1).

شواهد مرجعية: يوحنا
31:6 (انظر مزمور 24:78)؛ يوحنا 45:6 (انظر إشعياء 13:54).

 

يوحنا 9 – 10

ثار شغب في الهيكل
أثناء عيد المظال عندما أعلن يسوع قائلا: الحق الحق أقول لكم قبل أن يكون إبراهيم
أنا كائن. فرفعوا حجارة ليرجموه. أما يسوع فاختفى وخرج من الهيكل مجتازا في وسطهم
ومضى هكذا (يوحنا 58:8-59).

وفيما هو مجتاز رأى
إنسانا أعمى منذ ولادته (يوحنا 1:9). ولما سأله تلاميذه: من أخطأ هذا أم أبواه حتى
ولد أعمى؟ (يوحنا 2:9)، كانت إجابة الرب بأنه قد ولد أعمى لتظهر أعمال الله فيه
(يوحنا 3:9). ثم تفل على الأرض وصنع من التفل طينا وطلى عيني الأعمى. وقال له اذهب
اغتسل في بركة سلوام (يوحنا 6:9-7). كان من الممكن أن يقول الرجل الأعمى:
"ليس لي أحد ليقودني. ربما أعثر أو أسقط أو أضل الطريق". ولكنه آمن،
وأطاع، فأتى بصيرا -وهو لم يبصر فقط جسديا بل أبصر أيضا روحيا أن يسوع هو المسيا
الملك الذي تنبأ عنه الأنبياء – أبصر أنه نور العالم… وسجد له (يوحنا 12:8؛
5:9،38).

ولكن بالنسبة
للفريسيين، كانت هذه المعجزة مجرد فرصة أخرى لتوجيه الأسئلة المحرجة – هذه المرة
سألوا الرجل الذي كان أعمى. وبمنتهى الفرح قص عليهم هذا الرجل قصة شفائه الرائعة
وأضاف قائلا: أعلم شيئا واحدا، أني كنت أعمى والآن أبصر (يوحنا 25:9).

وإذ استمر الفريسيون
يلحون عليه بالأسئلة، أجابهم الرجل ساخرا: إن في هذا عجبا أنكم لستم تعلمون من أين
هو وقد فتح عينيّ. منذ الدهر لم يسمع أن أحدا فتح عيني مولودا أعمى (يوحنا
30:9-32).

لقد حصل على أعظم هدية
في حياته. يا له من اختبار رائع! ولكن رجال السلطة الدينية أخرجوه خارجا (يوحنا
34:9). فوجده الرب يسوع وعندئذ أعلن له المزيد عن شخصه كابن الله (يوحنا 34:9-41).

إن هذا الرجل الذي كان
أعمى منذ ولادته يصور بدقة الحالة الرهيبة التي يكون عليها الإنسان بالطبيعة.
فالإنسان الطبيعي، مهما حاول أن يكون صالحا، هو في الواقع أعمى روحيا (أفسس 18:4)؛
ولهذا السبب فهو لا يرى حالته البشعة، ولا الموت الأبدي الرهيب الذي ينتظره.
والأكثر من ذلك فهو لا يرى حاجته إلى المخلص، وهذا ما قاله الرب يسوع: إن كان أحد
لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله (يوحنا 3:3). إن هذا الرجل الذي ولد
أعمى يبين بلا أدنى شك أن قصد الله الأبدي يقدر أن يستخدم جميع الأحزان والآلام
والإعاقات، وجميع الكوارث لأجل خيرنا ولأجل مجده. ربما لا يتحقق ذلك في اللحظة
التي نريدها، فإن هذا الرجل اضطر أن ينتظر 30 سنة، ولكن الرب في وقته لا بد أن
يتمجد من خلال هذه الأمور كلها (يوحنا 23:9).

نحن نعلم أن كل الأشياء
تعمل معا للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوون حسب قصده (رومية 28:8).

شواهد مرجعية: يوحنا
34:10 (انظر مزمور 6:82).

 

يوحنا 11 –
12

كان يسوع في بيرية على
الجانب الشرقي من نهر الأردن عندما حضر رسل من عند مريم وأختها مرثا يخبرونه بأن
لعازر مريض (يوحنا 1:11-2).

فكانت إجابته لتلاميذه بأن
هذا المرض ليس للموت بل لأجل مجد الله ليتمجد ابن الله به (يوحنا 4:11).ولكنه ظل
في بيرية لمدة يومين وبعد ذلك قال لهم: لعازر حبيبنا قد نام، لكني أذهب لأوقظه
(يوحنا 11:11).

وأخيرا وصل المعزي
الحقيقي إلى بيت عنيا، ولكن الوقت كان يبدو أنه قد تأخر جدا لتعزية الأختين. فقالت
مرثا ليسوع: يا سيد، لو كنت ههنا لم يمت أخي (يوحنا 21:11). بالنسبة للعالم غير
المؤمن، الموت هو أبشع كلمة عرفتها البشرية؛ ولكن بالنسبة للذين هم في المسيح،
الموت له معنى خاص: لعازر حبيبنا قد نام.

ولا بد أن الذهول أصاب
مريم ومرثا عندما وقف الرب أمام هذا القبر اليهودي الذي أُغلق بحجر كبير (يوحنا
38:11) وأمر الناس فجأة أن يرفعوا الحجر (39:11). وبلا شك، إنها كانت تجربة مهيبة
عندما خرج لعازر ويداه ورجلاه مربوطة بشرائط من الكتان الأبيض، وحركته الجسدية
مقيدة بسبب أربطة الكفن.

لقد قصد يسوع أن يتأخر
في الرجوع إلى بيت لعازر، منتظرا أن يؤدي مرضه إلى الموت. ومع أنه قد تسبب في ألم
وحزن الأختين، إلا أنه قد أضاف مفهوما أعمق جدا عن معنى الحياة الأبدية (يوحنا
21:11،25-26).

ويشير هذا أيضا إلى أن
فهمنا البشري يعجز كثيرا عن معرفة ما هو حقا الأفضل لحياتنا – فغالبا عندما نظن أن
صلاتنا غير مستجابة، تكون الإجابة فقط مؤجلة من أجل شيء أفضل.

ولا زال ينطبق علينا
اليوم ما قاله يسوع حينئذ: وأنا أفرح لأجلكم إني لم أكن هناك لتؤمنوا [أي لتثقوا
فيّ وتعتمدوا عليّ] (يوحنا 15:11). كان يسوع فرحا في بيرية بينما كانت الأختان
حزينتين في بيت عنيا، أما التلاميذ فلم يكونوا قد فهموا بعد معنى أن لعازر حبيبنا
قد نام (يوحنا 11:11). قال يسوع: أنا هو القيامة والحياة (يوحنا 25:11).

كانت توقعات مرثا،
وأيضا مريم، متجهة إلى القيامة المستقبلية في اليوم الأخير (يوحنا 24:11)، ولكن
يسوع تخطى حدود إيمانهم مقدما إعلانا جديدا عن القيامة. من آمن بي ولو مات فسيحيا
(يوحنا 25:11). لقد فتحت هذه المعجزة باباً لكي نتّخذ منه معنى خاصا وجديدا لحياة
القيامة.

من خلال هذه المعجزة أي
إقامة لعازر، أصبح من الواضح دون أدنى شك أن الموت بالنسبة للمسيحي هو مثل النوم
الذي ننامه بضعة ساعات ثم نقوم منتعشين، كذلك أيضا الذين يموتون في المسيح
يستيقظون في الحال ليصبحوا في محضر الرب. إن الموت هو مجرد باب يقودنا إلى حيث
يرحب بنا مخلصنا الرب الذي أعطانا حياة أبدية.

إن موت المؤمنين هو
انتقال مفرح، أو رحيل طبيعي من موطن الموت إلى موطن الحياة الأبدية حيث يرحب بنا
مخلصنا الرب. إن حياة الإيمان لا تتجزأ – لن يموت إلى الأبد (يوحنا 26:11). فالموت
لا يقطع الحياة بأي صورة من الصور، فنثق ونسر بالأولى أن نتغرّب عن الجسد ونستوطن
عند الرب (2 كورنثوس 8:5).

شواهد مرجعية: يوحنا
13:12 (انظر مزمور 26:118)؛ يوحنا 15:12 (انظر زكريا 9:9)؛ يوحنا 38:12 (انظر
إشعياء 1:53)؛ يوحنا 40:12 (انظر إشعياء 9:6-10).

 

يوحنا 13 –
16

في الساعات التي تلت
عشاء الفصح وقبل تسليم يهوذا للمسيح، تركزت الكلمات الأخيرة ليسوع مع الأحد عشر
تلميذا على خمس حقائق هامة لا يمكن الفصل بينها. أولى هذه الحقائق هي ضرورة محبة
بعضهم بعضا – كما أحبهم هو (يوحنا 34:13-35). ويوجد هنا تغير حقيقي في مفهوم الحب
– ليس فقط أن نحب الآخرين كما نحب أنفسنا ولكن كما أحبنا الله. فيجب أن تكون
محبتنا محبة مضحية وباذلة. بعد ذلك يتكلم الرب عن قوة الصلاة: إن سألتم شيئا باسمي
فإني أفعله (يوحنا 14:14). ثم يصور الرب اتحاده بتلاميذه بمثل الكرمة والأغصان:
أنا الكرمة وأنتم الأغصان (يوحنا 5:15). وبعدها يتكلم عن ضرورة إطاعة كلمته: أنتم
أحبائي إن فعلتم ما أوصيكم به (يوحنا 21:14؛ 7:15،10،14). ويختتم بالكلام عن موارد
الروح القدس غير المحدودة فهو يرشدكم إلى جميع الحق (يوحنا 13:16).

لقد أوضح المسيح
لتلاميذه العلاقة الوثيقة بين الصلاة وبين الحصول على الروح القدس قبل بدء خدمته،
إذ نقرأ عنه: اعتمد يسوع أيضا، وإذ كان يصلي… نزل عليه الروح القدس (لوقا
21:3-22). وقد أوضح لهم بعد ذلك أهمية كلمة الله للانتصار على الشيطان، إذ هزم
الشيطان على جبل التجربة بقوله: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من
فم الله (متى 4:4). وكانت طاعته الكاملة ووحدته مع الآب واضحة في قوله لتلاميذه:
طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني (يوحنا 34:4). وقد سمعوه أيضا في أحيان كثيرة
يصلي إلى الآب (يوحنا 11:6؛ 41:11؛ 28:12).

إن الإيمان بيسوع
كشفيعهم كان ينبغي أن يظهر الآن في صلاتهم باسمه: مهما سألتم باسمي فذلك أفعله
ليتمجد الآب بالابن (يوحنا 13:14) – هذه هي القوة التي لا يمكن أن تفشل.

والقوة في الصلاة لا تكمن
في أن نقول في نهاية صلواتنا "باسم يسوع". ولكن "باسمي"
معناها أن نطلب ما كان سيطلبه هو وأن نعيش كما كان يعيش هو إرضاء للآب، وأن نصلي
من أجل ما يكرّمه ويمجده (1 يوحنا 14:5-15). عندما نسأل باسم يسوع يعني أن نطلب
أولا ملكوت الله وبره (متى 33:6). إن ثبتم فيّ وثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون
فيكون لكم (يوحنا 7:15).

إن مَثَل الكرمة
والأغصان يصوّر الوحدة المطلقة بين إرادتنا وإرادة المسيح. هناك علاقة وثيقة بين
المسيح وشعبه. إن جذع الكرمة الرئيسي لا يعطي ثمرا، إنما الهدف منه هو حمل الأغصان
وإمدادها بالحياة لتعطي ثمرا. إننا جميعا معرضون لطلب المديح والشهرة من أجل ما
أنجزناه، ولكن ينبغي أن لا ننسى أن الثمر الجيد مصدره الكرمة (المسيح) الذي يزودنا
بكل ما نحتاج إليه. والكلمة التي تتكرر كثيرا في هذا المثل هي "يثبت"
فهي تأتي 10 مرات في الأعداد العشرة الأولى. وبالمقابلة مع ذلك: إن كان أحد لا
يثبت فيّ يُطرح خارجا كالغصن [أي كغصن منفصل عن شجرته].. ويطرحونه في النار (يوحنا
6:15؛ 21:14،24).

إن الثمر الحقيقي
والوحيد الذي تباركه السماء هو ما يصدر عن الروح القدس: فهو يرشدكم إلى جميع الحق.
والفكرة التالية مختصة أيضا بالروح القدس: لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع
يتكلم به ويخبركم بأمور آتية (يوحنا 13:16). يا لها من نقطة هامة يجب علينا جميعا
أن نتذكرها وهي أن الحق لا يُكتشف من الناس، لكنه يُعلن بواسطة الروح القدس (1
كورنثوس 14:2). الجسد لا يفيد شيئا. الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة (يوحنا
63:6).

شواهد مرجعية: يوحنا
18:13 (انظر مزمور 9:41)؛ يوحنا 25:15 (انظر مزمور 19:35؛ 4:69).

 

يوحنا 17 –
18

في صلاته، كشف يسوع كيف
أن كلمة الله الساكنة في أتباعه تنشئ فيهم بغضة للخطية ورغبة في الانفصال عن أمور
العالم سواء بالفكر أو بالفعل. لقد صلى قائلا: قدسهم في حقك، كلامك هو حق (يوحنا
17:17).

عندما كان المسيح على
الأرض، لم يعزل نفسه عن الخطاة ولم يشترك في أنشطتهم. لقد أعلن بأمانة طريق الحق.
وعندما صلي من أجل المؤمنين – الذين هم ليسوا من العالم (يوحنا 14:17)، لم يطلب من
الآب أن يأخذهم من العالم (يوحنا 15:17). وإنما صلى قائلا: كما أرسلتني إلى العالم
أرسلتهم أنا إلى العالم (يوحنا 18:17). بعد ذلك صلى من أجلك ومن أجلي قائلا: بل
أيضا من أجل الذين يؤمنون بي بكلامهم (يوحنا 20:17). لقد أوضح تماما أن لأتباعه
هدف أسمى بكثير من السعي للحصول على النفوذ والشعبية والقوة والثروة المادية بهدف
المتعة الشخصية. فإن كل هذه الأشياء يجب أن تستخدم لإتمام مشيئته: كما أرسلني الآب
أرسلكم أنا (يوحنا 21:20).

إن الهدف الأسمى لمجيء
المسيح إلى هذا العالم هو أن يَخلُص به العالم (يوحنا 17:3). في إنجيل متى، أعلنت
الملائكة أن يسوع يخلص شعبه من خطاياهم (متى 21:1). وفي إنجيل مرقس، قال يسوع أنه
لم يأت ليدعو أبرارا بل خطاة إلى التوبة (مرقس 17:2). والرسالة المحورية في إنجيل
لوقا هي أن المسيح قد جاء إلى العالم ليطلب ويخلص ما قد هلك (لوقا 10:19).

ولتوصيل رسالة محبته
المخلصة إلى العالم، يعتمد المسيح علينا، نحن تلاميذه، ويعمل من خلالنا، إذ يقول:
كما أرسلني الآب أرسلكم أنا (يوحنا 21:20). ولا ينبغي أن نتوقع من الخطاة أن يأتوا
إلينا ويسألونا كيف ينالوا الخلاص. إنها مسئوليتنا نحن أن نذهب إليهم بالأخبار
السارة عن الحياة الأبدية. نحن هنا ليس من أجل خدمة المصالح الذاتية أو من أجل
تحقيق النجاح الاجتماعي أو المادي، كما فعل المزارع الذي ازدهر عمله ففكر في أن
يهدم مخازنه ويبني أعظم منها (لوقا 18:12). لقد كان هذا الرجل الناجح
"غبيا" في نظر الرب (يوحنا 20:12). نحن موجودون هنا في العالم من أجل
تحقيق هدف الله المعلن في الأناجيل الأربعة. إن الله يتوقع منا أن نستخدم وزناتنا
كوكلاء أمناء لتوصيل كلمته إلى العالم.

لقد اختارنا الله لكي
نحبه ونطيعه ولكي نشجع الآخرين على القيام بالمثل. وهو لم يتركنا نقوم بهذه المهمة
بقوتنا الذاتية،ولكن بنعمته يعدنا على قدر ما نخضع إرادتنا له.

وبدءا بأنفسنا دعونا
نعمل على تحقيق صلاته بخصوص وكالتنا على ممتلكاته التي ائتمنا عليها وأيضا في
أسلوب تعاملنا مع المؤمنين الآخرين. إن روح الوحدة يجب أن تكون واضحة في بيوتنا،
ومع من نشترك معهم، وأيضا مع سائر المؤمنين الذين لا يعبدون المسيح بنفس الطريقة
تماما التي نعبده نحن بها. إن علاقتنا مع المسيح توحدنا مع جميع تابعيه الحقيقيين.
ونحن ننتظر رجوع الرب، دعونا نعمل كل ما بوسعنا على تحقيق صلاة السيد فينا : أيها
الآب القدوس احفظهم في اسمك الذين أعطيتني ليكونوا واحدا كما نحن… أنا قد
أعطيتهم كلامك والعالم أبغضهم لأنهم ليسوا من العالم… تحفظهم من الشرير… قدسهم
في حقك… كما أرسلتني إلى العالم أرسلتهم أنا إلى العالم (يوحنا
11:17،14-15،17-18).

 

يوحنا 19 –
21

في هذا الأصحاح الأخير
من إنجيل يوحنا، يجذب الرب انتباهنا إلى أحد الاحتياجات العظمى في حياة التلميذ،
إذ قال لبطرس ثلاث مرات: أتحبني أكثر من هؤلاء؟… ارع غنمي (يوحنا 15:21-17).ولكن
لكي ندرك أهمية هذا الكلام دعونا نرجع إلى مشهد حدث قبل الصلب مباشرة. قال بطرس
للرب بمنتهى الثقة: وإن شك فيك الجميع فأنا لا أشك… ولو اضطررت أن أموت معك لا
أنكرك (متى 33:26،35).

كان بطرس واثقا أن
إخلاصه ومحبته للمسيح قوية جدا حتى أن كل ظروف الحياة لا يمكن أن تجعله يتخلى عن
سيده، حتى وإن فشلت أمانة ومحبة جميع التلاميذ الآخرين. ولكن لم تمر سوى بضعة
ساعات، حتى أنكر بطرس الرب، ليس مرة واحدة بل ثلاث مرات (متى 34:26).

يمثل بطرس كل مؤمن
حقيقي بالمسيح. كانت كلماته واضحة أمام جميع التلاميذ والرسل الآخرين. كانت سقطته،
والسبب الذي أدى إليها، وطريقة رد نفسه، مثالا للموارد التي أعدها الرب لنا في
رحمته ورأفته حتى أننا إن أنكرناه – سواء بالكلام أو بالفعل – نستطيع أن ننهض مرة
أخرى ونصير غالبين.

قبل أن ينكر بطرس
المسيح بمدة طويلة، قال له يسوع: سمعان سمعان هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم
كالحنطة، ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك. وأنت متى رجعت ثبت إخوتك (لوقا
31:22-32). لم يطلب الرب من أجل سمعان أن لا يسقط، ولكن أن لا يفنى إيمانه. في
سلوكنا المسيحي، نحتاج جميعا، مثل بطرس، أن ندرك خطورة فخ الثقة بالنفس، لأنه يمكن
أن تتسلل الكبرياء إلى أي مؤمن وهي عادة تنتظر الفرصة للإعلان عن نفسها. كانت سقطة
بطرس المريعة لازمة لكي نتعلم جميعا خطورة الثقة في النفس. وهي أيضا تجعلنا ندرك
أهمية الصلاة، إذ أن الرب يسوع كان قد حذر تلاميذه قائلا: صلوا لئلا تدخلوا في
تجربة (لوقا 46:22).

لقد أنكر بطرس الرب
ثلاث مرات قبل صلبه، وثلاث مرات سأل الرب بطرس قائلا: أتحبني؟ هل كان يسوع يريد أن
يقول له: "أتحبني أكثر مما يحبني باقي الرسل؟ أم أكثر من أعمال الصيد التي تديرها؟
أم أكثر من الأصدقاء والأهل؟" لقد عرف بطرس أنه خذل الرب بكل معنى الكلمة
وأنه تاب توبة حقيقية (يوحنا 55:22-62).

عندما سأل يسوع سمعان
بطرس قائلا: أتحبني أكثر من هؤلاء؟ (يوحنا 15:21)، استطاع بطرس أن يدرك مدى ضعف
الحكمة البشرية وعدم جدوى الثقة في النفس والأهمية القصوى للتواضع.

كم نشعر بالامتنان لأن
الرب يسوع لم يوجه لبطرس أية من كلمات الإدانة، أو التخجيل، أو الانتقاد من أجل
سقطته، ولا حتى من أجل افتخاره. فعندما نرى سقطات الآخرين لنتذكر كيف تعامل الرب
مع بطرس، ليس بالتقريع ولا بروح التعالي.

كم من المرات وثقنا نحن
أيضا في إخلاصنا للرب يسوع، إلى درجة الاعتقاد بأننا أكثر روحانية من الآخرين!
ولكن على النقيض الآخر، فإن السقطات قد تؤدي أحيانا إلى الشعور بالفشل وإلى
الانسحاب من خدمة الرب. يوجّه الرب لنا جميعا السؤال: أتحبني أكثر من هؤلاء؟ أي
بالمقارنة مع محبتنا للأشخاص الآخرين وللأمور الأخرى التي تستهوي طبيعتنا البشرية.
في أحيان كثيرة نحتاج أن ننحي بعض الأشياء جانبا أو أن نتخلى عنها لكي ننال امتياز
المشاركة في خدمة كلمة الرب. فعند التفكير في ما ينبغي أن تفعله، تذكر دائما كلمات
الرب: أتحبني؟.. ارع غنمي (يوحنا 15:21-17).

شواهد مرجعية: يوحنا
24:19 (انظر مزمور 18:22)؛ يوحنا 36:19 (انظر خروج 46:12؛ مزمور 20:34)؛ يوحنا
37:19 (انظر زكريا 10:12).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي