الإصحَاحُ
الْحَادِي عَشَرَ

 

"مشاكلُ
الحياة المُستَعصِيَة"

(يُوحَنَّا
11: 1- 16)

 نُقَدِّمُ
لكُم الكُتَيِّبَ الرَّابِع من بينِ سِتَّةِ كُتَيِّباتٍ تُؤَلِّفُ سِلسِلَةً
تفسيريَّةً لأُولئكَ الذين تابَعُوا معنا بَرامِجَنا المئة والثلاثين، التي
دَرَسنا فيها معاً إنجيلَ يُوحَنَّا، عدداً بعدَ الآخر. فإذا لم تكُن
الكُتَيِّباتُ الثلاثَةُ الأُولى بِحَوزَتِكُم، أُشَجِّعُكُم أن تَكتُبُوا لنا
وتَطلُبُوا هذه الكُتَيِّباتِ، لأنَّها ستُوَفِّرُ لكُم أساساً يُساعِدُكُم على
فَهمِ هذا الكُتَيِّب وهذه الدِّراسَة المُعَمَّقَة لإنجيلِ الرَّسُول يُوحَنَّا.

 

سوفَ
نَجِدُ أنَّ الإصحاحَ الحادِي عشَر من إنجيلِ يُوحَنَّا هُوَ واحِدٌ من أكثَرِ
الإصحاحاتِ إثارَةً للإهتِمامِ، ليسَ في هذا الإنجيل فحَسب، بل لَرُبَّما في
الكتابِ المُقدَّسِ بكامِلِهِ. وسوفَ يُعطِينا هذا الإصحاحُ بَعضَ الأجوِبَةِ
الرَّائِعة على أسئِلَتِنا المِفتاحِيَّة الثلاثة. بينما تقرَأُونَ الإصحاحَ
الحادِي عشر، فتِّشُوا عنِ الأجوِبَةِ للأسئِلَةِ التَّالِيَة: من هُوَ يسُوع؟ ما
هُوَ الإيمانُ؟ وما هِيَ الحياةُ؟ نجدُ إطارَ أو خَلفِيَّةَ المُحتَوى العَميق
للإصحاحِ الحادِي عَشَر إبتداءً منَ العدد الأربَعين منَ الإصحاحِ العاشِر حيثُ
نقرَأُ:

 

"ومضى
[يسُوعُ] أيضاً إلى عبرِ الأُردُنِّ إلى المكانِ الذي كانَ يُوحَنَّا يُعَمِّدُ
فيهِ أوَّلاً ومَكَثَ هُناك. فأتى إليهِ كَثيرُونَ وقالُوا إنَّ يُوحَنَّا لم
يفعَلْ آيَةً واحِدَةً. ولكنْ كُلّ ما قالَهُ يُوحَنَّا عن هذا كانَ حَقَّاً.
فآمنَ كَثيرُونَ بهِ هُناكَ.

 

"وكانَ
إنسانٌ مَريضاً وهُوَ لِعازارُ من بَيتِ عنيا من قَريَةِ مَريَم ومرثا أُختِها.
وكانَت مريَمُ التي كانَ لعازارُ أَخُوها مريضاً هي التي دَهَنتِ الرَّبَّ بِطِيبٍ
ومَسَحتْ رِجلَيهِ بِشَعرِها. فأرسَلَتِ الأُختانِ إليهِ قائِلَتَين يا سَيِّد
هُوَّذا الذي تُحِبُّهُ مَريضٌ. فلمَّا سَمِعَ يسُوعُ قالَ هذا المَرَضُ ليسَ
لِلمَوت بل لأجلِ مجدِ اللهِ لِيَتَمَجَّدِ إبنُ اللهِ بهِ. وكانَ يٍسُوعُ يُحِبُّ
مَرثا وأُختَها ولِعازار. فلمَّا سَمِعَ أنَّهُ مَريضٌ مكَثَ حينئذٍ في المَوضِعِ
الذي كانَ فيهِ يَومَين."

 

يبدَأُ
هذا الإصحاحُ بِقِصَّةِ رَجُلٍ يُدعَى لِعازار، كانَ لَدَيهِ شَقيقَتانِ، مريم
ومرثا. كانُوا يَعيشُونَ في بَيتِ عنيا، وهي ضاحِيَةٌ من ضَواحِي أُورشَليم،
تبعُدُ عنها ما يَقِلُّ عن ثلاثَةِ كيلومترات. عندما كانَ يسُوعُ في أُورشَليم،
إعتادَ أن يمكُثَ معَ هذه العائِلة. وعندما تورَّطَ في ذلكَ الحِوارِ العدائِيّ
معَ رِجالِ الدِّين في أُورشَليم، لا بُدَّ أنَّ هذا الحوار أتعَبَهُ كثيراً.
ويبدُو أنَّهُ إعتادَ أن ينسَحِبَ إلى بيتِ عنيا ليَمكُثَ معَ هذه العائِلَةِ التي
أحبَّها كثيراً، والتي كانت تتألَّفُ من ثلاثَةِ أشخاصٍ.

 

ينتَهي
الإصحاحُ العاشِرُ مُقَدِّماً لنا يسُوع وهُوَ في البَرِّيَّةِ وراءَ نهرِ
الأُردُنّ، حَيثُ كانَ يُوحَنَّا المعمدان يكرِزُ ويُعَمِّدُ. إذا قُمتُم
بِزِيارَةِ الأراضِي المُقَدَّسَة، يُمكِنُكُم أن تُسافِرُوا بالسَّيَّارَةِ
أربَعَ ساعاتٍ جَنُوبَ أُورشَليم. وبعدَ ذلكَ سوفَ يُشِيرُ دَليلُكُم نحوَ
منطَقَةٍ شاسِعَةٍ في البَرِّيَّةِ تجاهَ الأُردُنّ ويَقُولُ: "هُناكَ كانَ
يُوحَنَّا المعمدان يَقُومُ بِخِدمَتِهِ." نقرَأُ أنَّ الكَثيرينَ كانُوا
يخرُجُونَ منَ أُورشَليم إلى البَرِّيَّةِ ليَسمَعُوا وعظَ هذا الإنسان الذي قالَ
عنهُ يسُوعُ أنَّهُ كانَ الأعظَمَ بينَ أنبياءِ العهدِ القَديم. (متَّى 11: 11؛
لُوقا 7: 28).

 

بِحَسَبِ
الأعدادِ الأخيرة من هذا الإصحاحِ العاشِر، كانَ يسُوعُ قد قامَ بِخدمَةٍ
مُثمِرَةٍ جدَّاً في البَرِّيَّةِ عندما وصَلَهُ الخَبَرُ عن مَرَضِ لِعازار
المُمِيت. في هذه المرحلة من خدمَتِهِ، كانَ يسُوعُ يتعرَّضُ للرَّفضِ
والمُقاوَمَةِ من قِبَلِ رِجالِ الدِّين في أُورشَليم، ولكنَّهُ عندما ذهبَ إلى
البَرِّيَّةِ، نقرَأُ أنَّ المَزيدَ منَ النَّاسِ جاؤُوا لِيَسمَعُوهُ، أكثَرَ
جدَّاً منَ الذين خرجُوا سابِقاً ليَسمَعُوا يُوحَنَّا المعمدان. نقَرأُ أنَّ
هؤُلاء قالُوا: "رُغمَ أنَّ يُوحَنَّا لم يَصنَعْ أيَّةَ مُعجِزَةٍ، ولكن
كُلّ ما قالَهُ عن هذا الرَّجُل كانَ صَحيحاً. فآمنَ كَثيرُونَ هُناكَ." هكذا
نَجِدُ يسُوعَ في بِدايَةِ قِصَّتِنا هذه.

 

 كانَتِ
القِصَّةُ قد بدَأَت بالحقيقَةِ في بَيتِ عنيا، حَيثُ كانَ لِعازارُ مَريضاً.
وكانت كلمة "مريض" التي إستُخدِمَت في رِسالَةِ الشَّقيقَتَين إلى
يسُوع، كانت تعني: "مريضاً مرضاً مُمِيتاً." ولقد سبقَ لُوقا وعَرَّفَنا
على هاتَينِ الأُختَين في إنجيلِهِ. إذا كُنتُم تذكُرُونَ الطَّريقَة التي
عرَّفَنا بها لُوقا على هاتَينِ الشَّقِيقَتين، كانَ يسُوعُ ذاهِباً إلى بَيتِ
عنيا، ولرُبَّما لِزيارَةِ منزلِ هاتَينِ الشَّقيقَتين لأوَّلِ مرَّة. كانت نظرَةُ
مرثا نحوَ زِيارَةِ يسُوع لمنزِلِهما مُفعَمَةً بالإهتمامِ البالِغ، وكانَ ينبَغي
أن يَكُونَ كُلُّ شَيءٍ مُرتَّباً، وأن يكُونَ الطَّعامُ لائِقاً.

 

أما
مريَمُ فكانت مُختَلِفَةً تماماً عن شَقيقَتِها مرثا. نظَرَت مريَمُ لِزِيارَةِ
المُعَلِّم بالطَّريقَةِ التَّالِيَة: "كَلِمَةُ اللهِ الأزَلِيّ صارَ جسداً،
وها هُوَ آتٍ ليَزُورَ منزِلِي. أهَمُّ أمرٍ في هذه الزِّيارَة هي أن أجلِسَ عندَ
قدَمَيهِ وأسمَعَ كَلِمَتَهُ، مُصغِيَةً إلى كُلِّ ما سيُظهِرُهُ ويَقُولُهُ لي
عنِ الله." وهكذا جَلَسَت مريمُ في غُرفَةِ الجُلُوس تُصغِي لتَعليمِ يسُوع
بالكتابِ المُقدَّس، أمَّا مرثا فقَبَعَت في المَطبَخِ تَخدُمُ وتُعِدُّ
الطًَّعام. فجاءَت مرثا غاضِبَةً إلى دَرسِ الكتابِ المُقدَّس ووبَّخَت يسُوعَ
بِقَسوَة.

 

لا
نحتاجُ الكَثيرَ لنتساءَلَ عمَّا كانت تُفَكِّرُ بهِ مرثا. فنَبرَةُ صَوتُها كانت
تعكِسُ فُقدانَ صَبرِها، عندما كانت تتذَمَّرُ قائِلَةً بِصراحَةٍ أنَّها تُرِكَتْ
وحيدَةً لِتَهتَمَّ بِكُلِّ التَّحضِيراتِ والطَّعامِ في المَطبَخ، أمَّا مريَمُ
فلم تهتَمّ بمُساعَدَتِها. كانت مرثا تُريدُ بِوُضُوحٍ أن يحكُمَ الرَّبُّ في هذه
المسألَة، ظَنَّا منها أنَّهُ سيَقِفُ إلى جانِبِها.

 

أمَّا
يسُوع فلم يَقِفْ إلى جانِبِ مرثا. لقد كانَ يُحِبُّ مَرثا، لأنَّ الكتابَ يَقُولُ
صَريحاً أنَّ يسُوعَ أحَبَّ مرثا ومريم ولعازار. أنا مُتَيَقِّنٌ أنَّ يسُوعَ
نظَرَ إلى مرثا بمحبَّةٍ عندما قالَ لها: "مرثا مرثا، تهتَمِّينَ بِأُمُورٍ
كَثيرَةٍ والحاجَةُ إلى واحِد. شَيءٌ واحِدٌ مُهِمٌّ وهُوَ الذي إختارَتْهُ مريم.
لقدِ إختارَت مريَمُ النَّصيبَ الصَّالِحَ الذي لن يُنزَعَ منها." لم
يتردَّدْ يسُوعُ بالوُقُوفِ إلى جانِبِ مريَم. ولكنَّهُ وجَّهَ هذه الكلماتِ
بمحبَّةٍ إلى مرثا.

 

هاتَانِ
هُما المَرأَتانِ اللَّتانِ نَلتَقِيهِما مُجَدَّداً هُنا في الإصحاحِ الحادِي
عشَر من إنجيلِ يُوحَنَّا. وعندَما نَلتَقِيهِما، نجدُهُما يُواجِهانِ أصعَبَ
مُشكِلَتَين مُستَعصِيَتَين في الحَياة: المَرض والمَوت. حتَّى معَ كُلِّ
عُلُومِنا الطِّبِّيَّة وتقَدُّمِنا التِّقَنِيّ، لا يزالُ المَرَضُ والمَوتُ
أكثَرَ مُشكِلَتَينِ مُستَعصِيَتَين في الحياة. ولقدِ إجتاحَت هاتانِ
المُشكِلَتَانِ حياةَ هاتَينِ الشَّقِيقَتَينِ عندما إكتَشَفَتا أنَّ أخيهما
لِعازار كانَ مُصاباً بِمَرَضٍ مُمِيت.

 

فكانتِ
الرِّسالَةُ المُستَعجِلَةُ التي أرسَلَتا بها إلى يسُوع في البَرِّيَّة، هي
التَّاليَة: "يا رَبّ، الذي تُحِبُّهُ مَريضٌ." لَم تطلُبْ
الشَّقِيقَتانِ أيَّةَ طِلبَةٍ. بل قدَّمَتا لهُ المعلُوماتِ بِبَساطَةٍ كامِلَة.
أرادَتا التأكُّد بأنَّهُ يعلَمُ بحالِ أخيهِما. فلقد آمنتا بِدُونِ شَكٍّ أنَّهُ
إذا عَلِمَ، فإنَّ مُشكِلَتَهُما المُستَعصِيَة سوفَ تَجِدُ حَلاً لها.

 

لقد
تمتَّعَتا بِذلكَ النَّوع منَ الإيمانِ والثِّقَةِ بيسُوع، الذي يُضِيفُ على
لائِحَةِ أجوِبَتِنا على السُّؤال: "ما هُوَ الإيمانُ؟" تُعَلِّمُنا
رِسالتهُما عنِ الطَّريقَةِ التي بها ينبَغي أن نُقَدِّمَ مشاكِلَنا إلى يسُوع.
فكُلُّ ما ينبَغي أن نعمَلَهُ هُوَ أن نقتَدِيَ بمِثالِ هاتَينِ الشَّقِيقَتَين،
ونحرَضَ على أن يعلَمَ الرَّبُّ بحالِ مُشكِلَتنا.

 

لَدَيَّ
شَقيقَةٌ أكبَر منَّي سِنَّاً، وهِيَ التي قادَتني إلى الإيمانِ بالرَّبّ، عندما
كُنتُ لا أزالُ في الثَّامِنَةِ عشرَة من عُمرِي. ولقد قامَت هي وزَوجُها الذي
كانَ قَسِّيساً، بِرِعايَتي لأكثَر من أربَعينَ سنَةً عندما أصبَحتُ قَسِّيساً.
وعندما كانت تحصُلُ مُشكِلَة حقيقيَّة، عادةً ما كانت تَقُولُ: "الرَّبُّ
يعلَمُ، الرَّبُّ يعرِفُ." قالَت هذا عندما كانت زوجَتي مريضَةً بِشَكلٍ
خَطير. أتَذَكَّرُ أنَّني قُلتُ لها: "وماذا يعني هذا؟ كيفَ يُمكِنُ أن
يُعَزِّيَنِي مُجَرَّدُ علمُ الرَّبِّ بِمُشكِلَتي؟"

 

فأجابَتني
شَقيقَتي بالقَول، "أنتَ تعلَمُ أنَّ الرَّبَّ هُوَ جَوهَرُ المحبَّة. وهُوَ
قادِرٌ على كُلِّ شَيءٍ، ولا يعسُرُ عليهِ أمرٌ. فإن كُنتَ تعلَمُ أنَّهُ يعرفُ
بِمُشكِلَتِكَ المُستَعصِيَة، وبما أنَّهُ المحبَّة الكامِلَة ولدَيهِ كُلّ قُدرَة
في السَّماءِ وعلى الأرض، فكُلُّ ما تحتاجُ أن تَعرِفَهُ هُوَ أنَّهُ هُوَ يعرِفُ
بحالِكَ. هذهِ هي الرُّوحُ التي بها أرسَلَت مرثا ومريَم بِخَبَرِ مَرَضِ أخيهما
لعازار إلى يسُوع. وعلينا أن نقتدِيَ بِمِثالِهِما، وأن نُقَدِّمَ مشاكِلَنا إلى
يسُوع. عندما إستَلَمَ يسُوعُ هذا الخَبَر، كانَ تجاوُبُهُ غيرَ إعتِيادِيٍّ،
الأمرُ الذي يَضَعُنا أمامَ تَحَدٍّ كبير خلالَ إجابَتِنا عمَّا هُوَ الإيمانُ في
إنجيلِ يُوحَنَّا.

 

قالَ
يسُوعُ: "هذا المَرَضُ ليسَ لِلمَوت." تَقُولُ إحدَى التَّرجَمات:
"القصدُ منَ هذا المَرَض ليسَ الموت." هذا تجاوُبٌ أو جوابٌ مُحَيِّرٌ
ومُربِكٌ، لأنَّهُ يُلَمِّحُ إلى كَونِ القَصدِ من بعضِ الأمراضِ المَوت. هل سبقَ
وتأمَّلتُم بهذا؟ يُعَلِّمُ الكِتابُ المُقدَّسُ بِوضُوحٍ أنَّ الحياةَ الأبديَّةَ
هي ذات قيمَة أسمَى جدَّاً من حياتِنا الأرضِيَّة الزَّمَنِيَّة. فالحالَةُ
الأبديَّةُ هي أفضَلُ جدَّاً منَ الحياةِ التي يُعطِينا إيَّاها اللهُ هُنا.

 

كثيرُونَ
يعلَمُونَ أنَّ الكتابَ المُقدَّسَ يُعَلِّمُ في عِدَّةِ أماكِن وطُرُق أنَّ
أعظَمَ البَركاتِ الرُّوحيَّة تَكمُنُ أمامَنا، إذ تنتَظِرُنا في الحالَةِ
الأبديَّة. رُغمَ ذلكَ، فنحنُ لا نُمعِنُ التَّفكِيرَ في هذه القَضِيَّة: كيفَ
يَنقُلُنا الرَّبُّ منَ الحالَةِ الزَّمَنِيَّةِ إلى الحالَةِ الأبديَّة؟ فهُوَ غالِباً
ما يستَخدِمُ مشاكِلَ المَرَضِ والمَوت المُستَعصِيَة، ليَنقُلَنا إلى المَجالِ
الأبديِّ من وُجُودِنا.

 

هذا
ما قَصَدَهُ يسُوعُ عندما أجابَ على الخَبَرِ الذي أرسَلَتْهُ مريَمُ ومرثا عن
أخيهِما لِعازار، بِقَولِهِ: "القَصدُ من هذا المَرَض ليسَ المَوت. قد ينتُجُ
عنهُ المَوتُ، ولكنَّهُ لن ينتَهِيَ بالمَوت." ويُتابِعُ قائِلاً: "كلا،
بل ليَظهَرَ مجدُ الله، ليتَمَجَّدَ إبنُ اللهِ فيهِ."

 

يُرينا
هذا أنَّ القَصدَ من هذا المَرَض يَصِلُ إلى ما هُوَ أبعدُ منَ الطَّريقَة التي
تُرينا أنَّ محبَّةَ يسُوع تَصِلُ إلى ما هُوَ أبعد منَ الحالَةِ الأبديَّة. هذا
القَصدُ هُوَ مجدُ الله، وأن يتمجَّدَ إبنُ اللهِ من خلالِ مَوتِ وإقامَةِ شَقيق
مريم ومرثا منَ الموت.

 

أتَذكُرُونَ
أنَّهُ قالَ الشَّيءَ نفسَهُ في الإصحاحِ التَّاسِع، عنِ الرَّجُلِ الذي شَفاهُ
بعدَ أن كانَ أعمَى منذُ وِلادَتِهِ؟ قالَ يسُوعُ ما معناهُ: "هذا الرَّجُل
وُلِدَ أعمَى، ليسَ بِسَبَبِ خَطِيَّةٍ إرتَكَبَها هُوَ ولا والِداهُ، بل القَصدُ
من عماهُ هُوَ أن تظهَر أعمالُ اللهِ من خلالِ شفائِهِ منَ العَمَى." ومنَ
الواضِحِ أنَّ الحَقيقَةَ نفسَها مُعلَنَةٌ هُنا.

 

إن
كُنَّا نتَمَحوَرُ حَولَ أنفُسِنا فنتساءَلُ عن كُلِّ ما يحدُثُ لنا: "لماذا
يحدُثُ لي هذا؟ وماذا أنتَفِعُ منهُ؟" قد لا نأخُذُ بِعَينِ الإعتِبار
العِنايَةَ الإلهيَّةَ أو مجدَ اللهِ في نظرَتِنا للأُمُور. ولكن إن كانت حياتُنا
تتمحوَرُ بالأحرى حولَ المسيحِ والله، عندما تحدُثُ مشاكِلُ ساحِقَة في حياتِنا،
نُوبِّخُ ونُؤَدِّبُ أنفُسَنا بالسُّؤال: "يا الله، كيفَ يُمكِنُ لهذه
الظُّرُوف المأسَاوِيَّة التي ليسَ لنا يدٌ فيها، أن تُمَجِّدَكَ أو أن تُمَجِّدَ
إبنَكَ يسُوع في حياتِي؟" وهل يُمكِنُ لهذهِ المُشكِلَة أن تُمَجِّدَ المسيح،
وأن تُعلِنَ كلمةَ الحياةِ للَّذِينَ يُراقِبُونَ تجاوُبِي معَ هذه الأزمَة؟

 

يُوجَدُ
عدَدٌ مُرادِفٌ في سفرِ المزامِير، يَقُولُ، "إذا سَقَطَتِ الأعمِدَةُ [في
حياتِك]، فالصِّدِّيقُ ماذا يفعَلُ؟" (مزامير 11: 3). إذا طَرَحنا هذا
السُّؤال، سوفَ نَجِدُ غالِباً قصداً ومعنىً في أزماتِ مرَضِنا وألَمِنا، بما في
ذلكَ عندما يُخبِرُنا تقريرُ الطَّبيبِ أنَّنا سنمُوتُ قريباً.

 

يُحَيِّرُني
العددُ الذي يَقُولُ: "ولقد أحَبَّ يسُوعُ مرثا وأُختَها ولِعازار. ولكنَّهُ
عندما سَمِعَ أنَّ لِعازار كانَ مَريضاً، مكَثَ حَيثُ كانَ يَومَين."
(يُوحَنَّا 11: 5 و6).

 

لقد
أصبَحتُ قَسِّيساً أرعى كَنيسة منذُ العام 1956. أحياناً وجدتُ أنَّهُ منَ
الضَّرُورِيِّ أن أستَخدِمَ هذا المَثَلَ لأُفَسِّرَ أنَّهُ حتَّى يسُوع لم يَكُنْ
مَوجُوداً في كُلِّ مكانٍ جَسَدِيَّاً. فلم يَكُنْ بإمكانِهِ أن يتواجَدَ في مكانَينِ
في وقتٍ واحِد. فماذا لو واجَهَ الرَّبُّ نَفسُهُ المُشكِلَةَ التي أُواجِهُها
عندما أكُونُ في زِيارَةِ أحدِِ أعضاءِ الكنيسةِ لأُشَجِّعَهُ، ممَّا يمنَعُني من
أن أكُونَ في زيارَةِ عُضوٍ آخر منَ الرَّعِيَّة، إذا إحتاجَني في الوقتِ ذاتِهِ.
أتَساءَلُ كم منَ الوقتِ سَيَبقَى راعي الكنيسة قَسِّيساً في كَنيستِهِ، إذا أجابَ
دعوَةً لِزيارَةِ أحدِ أعضاءِ كنيستِهِ لكونِهِ مَريضاً على فِراشِ المَوت، إذا
أجابَهُ هذا القَسِّيسُ بأنَّهُ إنطِلاقاً من محبَّتِهِ لهذا الأخ المَريض،
سيَبقَى الرَّاعي مكانَهُ ولن يَزُورَ هذا المريض إلى أن يَكُونَ قد تُوُفِّيَ.

 

ولكن
لا بُدَّ أنَّهُ كانَ لدَى الرَّبّ يسُوع قَصدٌ في تأخُّرِهِ. تبدُو لنا هذه
القِصَّة الشَّيِّقَة وكَأنَّها مُصَغَّرٌ لِسِفرِ أيُّوب. منَ الواضِحِ أنَّ
يسُوعَ كانَ يُتيحُ فُرصَةً لهاتَينِ الأُختَينِ ولِشَقِيقِهما أن يختَبِرا
مشاكِلَ المَرَضِ والمَوت، لأنَّهُ أحبَّهُم محبَّة آغابِّي. وهُوَ يعرِفُ أنَّ
إختِبارَهُم لهذه المشاكِل سيُعطِي مجداً للهِ الآب، والإبن نفسُهُ سيتمجَّدُ من
خلالِ موتِ لعازار. ولكن علينا أن نُرَكِّزَ على مُلاحَظَةِ يُوحَنَّا بأنَّ
يسُوعَ أجَّلَ وُصُولَهُ لأنَّهُ أحَبَّ أُولئِكَ الأشخاصِ الثَّلاثَة، أي لِعازار
ومريم ومرثا.

 

منَ
المُثيرِ للإهتمامِ أنَّهُ عندما أرسَلَتِ الشَّقيقتانِ بالرَّسالَةِ القائِلة:
"الذي تُحِبُّهُ مَريضٌ،" إستَخدَمَتا كَلِمَة "فيليُو"
للتَّعبيرِ عن "تُحِبُّهُ،" والتي تتضمَّنُ معنَى الصَّداقَة، أو تلكَ
المحبَّة التي يُعَبِّرُ عنها شَخصٌ يُحِبُّ العَمَلَ الصَّالِحَ. ولكن عندما
نقرَأُ العددَ القائِلَ: "لأنَّ يسُوعَ أحَبَّ مرثا وأُختَها مريم
ولعازار،" الكلِمَةُ اليُونانِيَّةُ المُستَخدَمَةُ لمحبَّة هي:
"آغابِّي." لقد إستَخدَمَ يٍسُوعُ هذه الكلمة التي تُعَبِّرُ عن
نوعِيَّةِ محبَّتِهِ لهُم، والتي لم يُحِبُّهُم أحدٌ بهذا النَّوع منَ المحبَّةِ
من قَبل. واضِحٌ أنَّ هذه المحبَّة كانت الدَّافِع الكامِن وراءَ تأخيرِ يسُوع،
ولكن ماذا كانت أهدافُهُ منَ السَّماحِ لهَؤُلاء الأشخاصِ الثَّلاثَة بأن
يختَبِرُوا المرضَ والموت؟

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ع عَربُْون ن

 

سوفَ
نَجِدُ الجوابَ على هذا السُّؤال من باقِي الحدَث: "ثُمَّ بعدَ ذلكَ قالَ
لِتلاميذِهِ لِنَذهَبْ إلى اليَهُوديَّة أيضاً. قالَ لهُ التَّلاميذُ يا مُعَلِّم
الآنَ كانَ اليَهُودُ يَطلُبُونَ أن يَرجُمُوكَ وتذهَبُ أيضاً إلى هُناك. أجابَ
يسُوعُ ألَيسَت ساعاتُ النَّهارِ إثنَتَي عشرَةَ. إن كانَ أحدٌ يَمشي في النَّهارِ
فلا يعثُرُ لأنَّهُ ينظُرُ نُورَ هذا العالم. ولكن إن كانَ أحدٌ يمشِي في اللَّيلِ
يعثُرُ لأنَّ النُّورَ ليسَ فيهِ.

 

"قالَ
هذا وبعدَ ذلكَ قالَ لهُم لِعازَر حَبيبُنا قد نام لَكِنِّي أَذهَبُ لأُوقِظَهُ.
فقالَ تلاميذُهُ يا سَيِّد إن كانَ قد نامَ فهُوَ يُشفَى. وكانَ يسُوعُ يَقُولُ
عَن مَوتِهِ. وهُم ظَنُّوا أنَّهُ يَقُولُ عن رُقادِ النَّوم. فقال َلهُم يسُوعُ
حَينَئِذٍ علانِيَةً لِعازر مات. وأنا أفرَحُ لأجلِكُم إنِّي لم أكُنْ هُناكَ لتُؤمِنُوا
ولكن لِنَذهَبْ إليهِ.

 

"فقالَ
تُوما الذي يُقالُ لهُ التَّوأمُ للتَّلاميذ رُفَقائِهِ لِنَذهَبْ نحنُ أيضاً
لِكَي نَمُوتَ مَعهُ." لاحِظُوا أنَّهُ عندَما آمنَ الرُّسُلُ أنَّ المسيحَ
إتَّخذَ قراراً بأن يُعَرِّضَ نفسَهُ للخَطَرِ الكبير، نَجِدُ أن من نُسَمِّيهِ
"تُوما المُشَكِّك،" هُوَ الذي قالَ، "لِنذهَبْ نحنُ أيضاً لكَي
نَمُوتَ معَهُ!"

 

أوضحَ
يسُوعُ لهؤُلاء الرِّجالِ أنَّهُ أصبَحَ الآنَ على وَشكِ الإنتِقالِ إلى
اليَهُوديَّة (أي إلى أُورشَليم)، وبالطَّبعِ إلى بَيتِ عنيا." فذَكَّرُوهُ
أنَّهُ فقط من فترَةٍ وجيزَة (كما نقرَأُ في الإصحاحِ الثَّامِن والعاشِر من
إنجيلِ يُوحَنَّا)، أنَّ اليهُودَ حاولُوا أن يرجُمُوه.

 

فسألُوهُ،
"هل ستَرجِعُ إلى هُناك؟" فكانَ جوابُهُ في العددِ التَّاسِع،
"أليسَت ساعاتُ النَّهارِ إثنَتَي عشرَةَ؟ إن كانَ أحَدٌ يمشِي في النَّهارِ لا
يَعثُرُ لأنَّهُ ينظُرُ نُورَ هذا العالم." كانَ يعني بِقَولِهِ هذا،
"أنا أعلَمُ ما أنا فاعِلُهُ. فأنا أمشِي في النُّور. وأنا لا أعثُرُ في
الظُّلمة."

 

عندَما
قالَ للتلاميذ بِوُضُوحٍ أنَّ لِعازار قد مات، وأضافَ أنَّهُ فَرِحَ أنَّهُ لم
يَكُنْ مَوجُوداً لِكَي يُؤمِنُوا، هل كانَ يسُوعُ يقصُدُ بِذلكَ أنَّ هؤُلاء
الرُّسُل لم يكُونُوا قد آمنُوا بهِ بعد؟ المرَّةُ الأُولى التي نقرَأُ فيها أنَّ
تلاميذَهُ آمنُوا بهِ، كانت عندما قامَ بِمُعجِزَتِهِ الأُولى في عُرسِ قانا
الجَليل. وكانَ رُسُلُهُ يُرافِقُونَهُ مُسبَقاً، وكانُوا قد شَهِدُوا حتَّى الآن
كُلَّ المُعجِزات التي ذَكَرَها يُوحنَّا لنا في الإصحاحاتِ العَشر الأُولى من
إنجيلِهِ.

 

تَذَكَّرُوا
أنَّنا نَجِدُ بينَ صَفحاتِ هذا الإنجيل العظيم أجوِبَةً على السُّؤال، "ما
هُوَ الإيمانُ؟" هُنا نَجِدُ أنَّ السُّؤالَ عنِ الإيمان تَتِمُّ الإجابَةُ
عليهِ ثانِيَةً. "وأنا أفرَحُ لأَجلِكُم إنِّي لم أكُنْ هُناكَ
لِتُؤمِنُوا." بَينَما تقرَأُونَ الأناجيل، لاحِظُوا الأماكِنَ المُتَعدِّدَة
التي يطرَحُ فيها يسُوعُ السُّؤالَ عنِ الإيمان على تلاميذِهِ (متَّى 8: 26؛ 14:
31؛ مَرقُس 4: 40؛ لُوقا 8: 25). منَ الواضِحِ أنَّ هدَفَ يسُوع من خلالِ هذه
القِصَّة هُوَ إيمانُ مرثا، مريَم، ولِعازر، بالإضافَةِ إلى أُولئِكَ الذين
يُحِبُّونَ هذه العائِلة، وتلاميذه.

 

رُغمَ
أنَّ هذا لَيسَ التَّفسير الصَّحيح، ولكنَّ تطبيقاً ثانَويَّاً لكلمات يسُوع هذه
يطرَحُ السُّؤال حولَ عدد ساعاتِ العَمَل التي ينبَغي أن نعتَبِرَها مُناسِبَةً
أُسبُوعِيَّاً لأتباعِ يسُوع المُكَرَّسِين. غالِباً ما نَنسَى الحقيقَةَ
الصَّعبَة أنَّهُ قبلَ أن يأمُرَ اللهُ شعبَهُ بأن يستَريحُوا في اليَومِ
السَّابِع، أمرَهُم أوَّلاً أن يُجاهِدُوا ويتعَبُوا لِسِتَّةِ أيَّامٍ. في هذا
المقطع، يَقُولُ يسُوعُ أنَّهُ تُوجَدُ إثنتا عشرةَ ساعَة في النَّهار. فهل هذا
يعني أنَّهُ علينا أن نعملَ 72 ساعَة أُسبُوعِيَّاً؟

 

كَم
ساعَة في الأُسبُوع ينبَغي على تِلميذٍ مُكَرَّسٍ ليَسُوع المسيح أن يعمَلَ في
كَرمِ الرَّبّ؟ هل بإمكانِكُم أن تَتَصَوَّرُوا الرَّسُول بُولُس يُجيبُ على هذا
السُّؤال بإخبارِنا أنَّهُ يتوجَّبُ علينا أن نعمَلَ ثمانِي ساعاتٍ يَومِيَّاً،
خمسَةَ أيَّامٍ في الأُسبُوع، أو ما يُعادِلُ أربَعينَ ساعة عمَل؟ هل يُمكِنُ أن
يَتِمَّ تقريرُ هذهِ القَضِيَّة من قِبَلِ إتِّحاداتِ العَمَل العالَمِيَّة، أو من
قِبَلِ الحضارَةِ العِلمانِيَّة؟

 

عندما
إقتَرَحَ إخوةُ يَسُوعَ عليهِ برنامجَ عمَلٍ لخدمَتِهِ، لم يتأثَّرْ بتاتاً
بإقتراحاتِهِم، لأنَّهُ كانَ دائماً يفعَلُ ما يُرضِي الآب (يُوحَنَّا 8: 29).
علينا أن نُقَدِّمَ الملاحظَةَ نفسَها هُنا، عندما إقتَرَحَ الرُّسُل أينَ ومتَى
ينبَغي أو لا ينبَغي أن يذهَبَ المسيحُ. ولقد عرفَ ما كانَ يعمَلُ بِرُجُوعِهِ إلى
اليَهُوديَّةِ في هذه اللحظة الدَّقيقَة.

 

بالإختِصار

كاتِبُ
هذا الإنجيل كانَ قد مهَّدَ الجَوَّ في هذه المرحَلَة لهذه القِصَّة الرَّائِعة.
قبلَ أن نتأمَّلَ بالطَّريقَة التي بها تجاوَبت مريم ومرثا معَ الحقيقَةِ الصَّعبة
بأنَّ رَبَّهُم لم يَكُنْ مَوجُوداً ليُجَنِّبَ أخاهُم من المَوت، بالإضافَةِ إلى
المُعجِزَةِ العظيمة التي كانت ستَحدُثُ لِلتَّوّ، أَوَدُّ أن أُقَدِّمَ بَعضَ
التَّطبيقات على الطَّريقَة التي بها تبدَأُ القِصَّة.

 

في
الإصحاحِ الحادِي عَشَر، من خِلالِ ما رأيناهُ هُنا في بدايَةِ هذه القِصَّة،
"من هُوَ يسُوع؟" يسُوعُ هُوَ رَبٌّ مُحِبّ، الذي يسمَحُ عَمداً لأشخاصٍ
يُحِبُّهُم أن يختَبِرُوا أصعبَ المشاكِل المُستَعصِيَة في الحياة، لكي يذهَبَ
المجدُ لأبيهِ السَّماوِيّ، ليتمجَّدَ هُوَ نفسُهُ أيضاً، وليُؤمِنَ الذين
يُحِبُّهم.

 

هل
بإمكانِكُم أن تتأمَّلُوا بِبَعضِ الإختِباراتِ التي واجهتُمُوها في السنواتِ
القَليلَة المُنصَرِمَة، أو التي تُواجِهُونَها الآن، أو قد تُواجِهُونَها في المُستَقبَل،
في إطارِ القرينة التي تبدَأُ بها هذه القِصَّة؟ هل منَ المُمكِن أن يَكُونَ يسُوع
رَبَّاً مُحِبَّاً يُحِبُّكَ بِشَكلٍ كافٍ لدَرَجَةِ أنَّهُ يسمَحُ بأن تختَبِرَ
أنتَ أو أُولئكَ الذين يُحِبُّهم بعضَ المشاكِل المُستَعصِيَة التي لا حُلُولَ
لها؟ وهل يُمكِنُ أن يسمَحَ بأن تأتِيَ هذه المشاكِلُ بالمَجدِ لهُ ولأبيهِ
السَّماوِيّ، وأن يجعلَ إيمانَكَ ينمُو فيهِ وفي محبَّتِهِ؟ هذا من هُوَ يسُوعُ في
الجزءِ الأوَّل من هذا الإصحاح.

 

في
الأعدادِ الإفتِتاحِيَّةِ من هذا الإصحاح، "ما هُوَ الإيمانُ؟" تَتِمُّ
الإجابَةُ على هذا السُّؤال بالطريقَةِ التي بها أرسَلت مريم ومرثا رِسالتَهُما
إلى يسُوع، مُؤمِنَتَينِ أنَّهُ إذا عرَفَ أنَّ الذي يُحِبُّهُ مَريضٌ ويُشارِفُ
على الموت، فإنَّ رَبَّهُما المُحِبّ سوفَ يَجِدُ حَلاً لمُشكِلَتِهِما
المُستَعصِيَة. الإيمانُ بِبَساطَةٍ هُوَ وضعُ مشاكِلِ الحياة أمامَ الرَّبّ، معَ
الإقتِناعِ بأنَّ كُلَّ ما تحتاجُ أن تعرِفَهُ هُوَ أنَّ الرَّبَّ يعرِفُ عن
مشاكلِكَ. الإيمانُ هُوَ الإقتناعُ بأنَّ الرَّبَّ مُحِبٌّ وكُلِّيّ القُدرَة
ومُلتَزِمٌ بأن يَقُومَ بِكُلِّ ما يُمكِنُ أن يُنَمِّيَ إيمانَكَ.

 

وأخيراً،
وبناءً على الطريقة التي بها يبدَأُ الإصحاحُ، "ما هي الحياةُ؟" الحياةُ
هي أيَّةُ مُشكِلَة تُساهِمُ بِنُمُوِّنا رُوحيَّاً. الحياةُ هي أيُّ شَيءٍ
يَجذُبُنا إلى علاقَةٍ أقرَب معَ اللهِ ومعَ رَبِّنا يسُوع المسيح الحَيّ المُقَام
منَ الأَموات. وبما أنَّنا مَدعُوُّونَ لنَسِيرَ ونَعِيشَ بالإيمان، فالحياةُ هي
أيُّ شَيءٍ يُمكِنُ أن يزيدَ إيمانَنا بالرَّبّ. الحياةُ هي أيُّ شَيءٍ يجعَلُ
منَّا أكثَرَ كَمَالاً فيهِ. فكُلُّ ما يسمَحُ بهِ لتحقيقِ هذه الغايَة يُساهِمُ
بإختِبارِنا للحياةِ الأبديَّة.

 

التَّجاوُب
والعَلاقَة

(يُوحَنَّا
11: 17- 32)

 

كُلَّما
تابَعنا القِراءَةَ في هذا الإصحاح، نُلاحِظُ أنَّهُ عندما وصَلَ يسُوعُ أخيراً
إلى بَيتِ عَنيا، كانت القَضِيَّةُ الأساسيَّةُ هي تجاوُب مريم ومرثا معَ
مُشكِلَةِ مَرض وموتِ أخيهِما. والتَّجاوُبُ الذي أرادَهُ يسُوعُ منهُما يتعلَّقُ
بالطَّريقَةِ التي يتعامَلانِ بها معَهُ في الأزمات، خاصَّةً الحقيقَةَ التي
صَعُبَ عليهِما قُبُولُها أنَّهُ لم يَصِلْ في الوقتِ المُناسِب ليُخَلِّصَ
أخيهِما. علاقَتُنا معَ الرَّبّ تُشَكِّلُ دائماً العُنصُرَ الأكثَرَ حَساسِيَّةً
حيالَ تجاوُبِنا معَ مشاكِلِنا.

 

أنا
مقتَنِعٌ أنَّ الرَّبَّ حصَلَ على التَّجاوُبِ العقلانِيِّ الصَّحيح من مَريم.
فتَجاوُبُ مريَم يُذَكِّرُنا بأنَّ رَدَّةَ فعلنا الأُولى ينبَغي أن تثَبِّتَ
علاقَتَنا معَ المسيح وإيمانَنا الرَّاسِخ بمحبَّتِهِ لنا. أمَّا مرثا فكانت
ردَّةُ فعلِها كما تَكُونُ رَدَّةُ فعلِ مُعظَمِنا عندما تُفاجِئُنا المآسِي.

 

نقرَأُ
إبتِداءً منَ العددِ السَّابِع عشر: "فَلَمَّا أتَى يسُوعُ [إلى بَيتِ عَنيا]
وَجَدَ أنَّهُ قد صارَ لهُ أربَعَةُ أيَّامٍ في القَبر. وكَانَت بَيتُ عَنيا
قريبَةً من أُورشَليم نحوَ خَمسَ عشرَةَ غُلوَةً. وكانَ كَثيرُونَ منَ اليَهُودِ
قد جاؤُوا إلى مَرثا ومَريَم ليُعَزُّوهُما عن أخيهِما.

 

"فَلَمَّا
سَمِعَتْ مَرثا أنَّ يَسُوعَ آتٍ لاقَتْهُ. وأمَّا مَريَمُ فإستَمَرَّتْ جالِسَةً
في البَيت. فقالَت مَرثا لِيَسُوع يا سَيِّدُ لو كُنتَ هَهُنا لم يَمُتْ أخِي. لَكِنِّي
الآنَ أيضاً أعلَمُ أنَّ كُلَّ ما تَطلُبُ منَ اللهِ يُعطِيكَ اللهُ إيَّاهُ.

 

"قالَ
لها يسُوع سيَقُومُ أخُوكِ. قالَتْ لهُ مَرثا أنا أعلَمُ أنَّهُ سَيَقُومُ في
القِيامَةِ في اليَومِ الأخير. قالَ لها يسُوعُ أنا هُوَ القِيامَةُ والحَياةُ.
مَنْ آمنَ بي ولو ماتَ فسَيَحيا. وكُلُّ من كانَ حَيَّاً وآمنَ بي فَلَنْ يَمُوتَ
إلى الأبد. أتُؤمِنِينَ بهذا؟

 

"قالَت
لهُ نعَم يا سَيِّد. أنا قد آمنتُ أنَّكَ أنتَ المسيح إبنُ اللهِ الآتي إلى
العالم. ولمَّا قالَت هذا مضَتْ ودَعَتْ مَريَمَ أختَها سِرَّاً قائِلَةً
المُعَلِّمُ قد حَضَرَ وهُوَ يدعُوكِ. أمَّا تِلكَ فلَمَّا سَمِعتْ قامَت سَريعاً
وجاءَتْ إليهِ.

 

"ولم
يَكُنْ يسُوعُ قد جاءَ إلى القَريَةِ بل كانَ في المكانِ الذي لاقَتْهُ فيهِ مرثا.
ثُمَّ إنَّ اليَهُودَ الذينَ كانُوا معَها في البَيتِ يُعَزُّونَها، لما رأَوا
مريَم قامَتْ عاجِلاً وخَرَجَت، تَبِعُوها قائِلينَ إنَّها تَذهَبُ إلى القَبرِ
لتَبكِيَ هُناكَ. فمَريَمُ لَمَّا أتَت إلى حَيثُ كانَ يسُوعُ ورَأَتْهُ خَرَّتْ
عندَ رِجلَيهِ قائِلَةً لهُ يا سَيِّدُ لَو كُنتَ هَهُنا لم يَمُتْ أخِي."
(يُوحَنَّا 11: 20: 32)

 

عندما
جاءَ يسُوعُ إلى بَيتِ عَنيا، إلتَقى أوَّلاً بِمَرثا، لأنَّها هي بادَرَت
بِلِقائِهِ. وكانت القَضِيَّةُ المُهِمَّةُ في هذا اللِّقاء تَجَاوُبَ مَرثا معَ
مُشكَلَةِ المرض والمَوت المُستَعصِيَة. فماذا كانت ردَّةُ فعلِها على هذه
المُشكِلَة؟ مرثا لا تزالُ مرثا. ونحنُ نُحبُّها، ويسُوعُ أحبَّها. ولكنَّها
سُرعانَ ما سَمِعَت بأنَّ يسُوعَ وصلَ إلى قَريَتِها، رَكَضَت لتَلتَقِيَ بهِ على
الطَّريق. أمَّا مَريَمُ فبَقِيَت في المَنزِل. عندما إلتَقَتْ مرثا وجهاً لِوَجهٍ
معَ يسُوع، قالتْ لهُ الكلماتِ التَّالِيَة: "لَو كُنتَ هَهُنا، لم يَمُتْ
أخِي." منَ المُثيرِ للإهتِمامِ أنَّ مَريَمَ ستقُولُ لاحِقاً الكلماتٍ
ذاتِها.

 

لا
نعلَمُ كيفَ كانت تَقَاسِيمُ وَجهِها، ولا نعلَمُ شَيئاً عن نبرَةِ صَوتِ مَرثا
عندما نطَقَت بهذه الكلمات. بكلامٍ آخر، الرَّسُولُ يُوحَنَّا لا يَصِفُ ما
نُسمِّيهِ اليَوم "الحَرَكاتِ الإيمائِيَّة." يُخبِرُنا الخُبراءُ في
الإتِّصالاتِ بأنَّنا عندما نتواصَلُ، تُشَكِّلُ الكلماتُ التي نَقُولُها سبعة
بالمائَة فقط من تواصُلنا معَ الآخرين. وأربَعَةٌ وأربَعُونَ بالمائة تأتي من
نبرَةِ الصَّوت عندما ننطِقُ بكلماتِنا، وتسعةٌ وأربَعُونَ بالمائة تعُودُ إلى
حركاتِ جَسدِنا الإيمائيَّة، أي تعابيرُ وجهِنا، حركاتِ أطرافِنا، وطُرُق أُخرى
نُعَبِّرُ بها عن معنَى الكلماتِ التي نستَخدِمُها.

 

بَينَما
نقرَأُ وقائِعَ لِقاءاتِ يسُوع معَ هاتَينِ الشَّقيقَتَين، كُلُّ ما نَجِدُهُ هُوَ
الكلماتُ التي قِيلَت. حتَّى ولو أنَّنا لا نعرِفُ شَيئاً عن تقاسيمِ وجهِ مرثا
ولا عن تعابيرِها وحَرَكاتِها الإيمائيَّة، ولكن لَدَيَّ الإنطِباعُ أنَّهُ عندما
قالَت مرثا، "لو كُنتَ هَهُنا، لم يَمُتْ أخِي،" كانت تقصُدُ القَول،
"أينَ كُنتَ يا رَبّ؟ فَلَو كُنتَ هَهُنا، لما ماتَ أخي لِعازار."

 

الرَّبُّ
يُحِبُّ مَرثا، ولذلكَ تابَعَ الحِوارَ معَها قائِلاً، "سيَقُومُ
أَخُوكِ." لم يَكُنْ يُشيرُ يسُوعُ بالطَّبعِ إلى قِيامَةِ المُؤمِنين التي
تُؤَهِّلُهُم للحالَةِ الأبديَّة. بل كانَ بالطَّبعِ يتكلَّمُ عمَّا كانَ على وشكِ
الحُدُوث. ولا ينبَغي أن نَقسُوَ كَثيراً على مرثا. فهي بالطَّبعِ لم تَعرِفْ
أنَّهُ كانَ يتكلَّمُ عمَّا كانَ على وشكِ الحُدُوث. فلو كُنتَ مكانَها، هل كُنتَ
ستَتَوقَّعُ حُدُوثَ هكذا مُعجِزَة؟ أجابَت مرثا بما معناهُ، "أنا أعلَمُ
أنَّهُ سيَقُومُ في القيامَةِ في اليَومِ الأخير. فأنا أعرِفُ ما تُعَلِّمُهُ
كَلِمَةُ الله."

 

عندَها
نطَقَ يسُوعُ بما يُعتَبَرُ أكثَر كلمات إنجيل يُوحَنَّا ديناميكيَّةً. وهي تنضَوي
تحتَ تصريحات يسُوع المَعرُوفَة بِ "أنا هُوَ": "أنا هُوَ
القِيامَةُ والحَياة. من آمنَ بي ولو ماتَ فَسَيَحيا. وكُلُّ من كانَ حيَّاً وآمنَ
بي فلن يَمُوتَ إلى الأبَد. أتُؤمِنينَ بهذا؟"

 

تُعجِبُني
صراحَةُ مرثا. فهِيَ لم تُجِبْ بالقَول، "أنا أُؤمِنُ بذلكَ." لَرُبَّما
لم تفهَمْ مرثا تماماً ما كانَ يقُولُهُ لها يسُوع. فأجابَت بالتَّصريحِ بما
تُؤمِنُ بهِ، وما تُؤمِنُ بهِ يرتَبِطُ بالمَوضُوعِ الأساسيّ لإنجيلِ يُوحَنَّا.
أجابَت مرثا بما معناهُ، "أنا أُؤمِنُ أنَّكَ المَسيحُ (أو المَسِيَّا)، إبنُ
اللهِ الذي جاءَ إلى العالم. هذا ما أُؤمِنُ بهِ."

 

لقد
عرفَت مرثا ما كانت تُؤمِنُ بهِ، وآمنَتْ بما كانت تَعرِفُهُ. إحدَى أكثَر
صَلَواتِ الكتابِ المُقدَّس التي تمَّت تَلاوَتُها بِدُمُوعٍ كانت: "آمنتُ،
فأَعِنْ عَدَم إيمانِي!" (مَرقُس 9: 24). ولقد تجاوَبَ يسُوعُ معَ تلكَ
الصَّلاة لأنَّها كانت صلاةً صادِقَة. جَميعُنا لدَينا مُستَوىً مُعَيَّناً ينتَهي
فيهِ إيمانُنا ويبدَأُ عدَمُ إيمانِنا. فالأبُ الذي صَلَّى تلكَ الصَّلاة كانَ
يَقُولُ ليسُوع، "إرفَعْ مُستَوى إيمانِي وأَخفِضْ مُستَوى عدَم
إيمانِي." قد تَكُونُ هذه هي الرُّوحُ التي أجابَت بها مرثا على سُؤالِ يسُوع
لها: "أتُؤمِنينَ بهذا؟"

 

أنا
مُتَيَقِّنٌ أنَّ يسُوعَ أحبَّ مَرثا بِإخلاص. وتَصِفُ مرثا مُستَوى إيمانِها
قائِلةً ليسُوعَ بِطريقَةٍ أو بِأُخرى، "فوقَ هذا المُستَوى لن أقُولَ أنَّني
أُؤمِنُ بما تَقُولُهُ لي." لم يَكُنْ هُناكَ أيُّ شَيءٍ زائِفٍ في مرثا، بل
كانت مرثا صادَقَةً تماماً.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ج جبل سنير ر

 

إذا
تأمَّلنا بحالِنا عندما نتكلَّمُ معَ الله، نَجِدُ أنَّهُ يَعرِفُ تماماً أينَ
ينتَهِي مُستَوى إيماننا وأينَ يبدَأُ شَكُّنا. ومنَ الغَباءِ لنا أن نتعامَلَ معَ
رَبِّنا الحَيّ المُقام في وسطِ مِحنَةٍ مأساوِيَّةٍ بمصداقِيَّةٍ وشفافِيَّةٍ أقل
ممَّا تعامَلَت بهِ مرثا. فيسُوعُ كانَ قَلِقاً تماماً من أُولئِكَ الذين وصفَهُم
بالمُرائِين، أو من أُولئكَ الذين قصدَ بأنَّهُم يضَعُونَ أقنِعَةً إصطِناعِيَّةً
على وُجُوهِهم، كتلكَ التي كانَ يستَعمِلُها المُمَثِّلُونَ المَسرَحِيُّونَ في
حضارَةِ القَرنِ الأوَّل. الرَّبُّ يعلَمُ أنَّهُ بِغَضِّ النَّظَرِ عنِ الحالَةِ
التي كانت فيها مرثا، ولكنَّها لم تَكُنْ مُرائِيَةً على الإطلاق.

 

تُشَكِّلُ
عبارَة "أنا هُوَ" التي نسمَعُ يسُوعَ يستَخدِمُها في لِقائِهِ معَ
مَرثا، قَلبَ الإصحاحِ الحادِي عشَر من إنجيلِ يُوحَنَّا. فأكثَرُ المُشكِلاتِ
المُستعَصِيَة في الحَياة لها حَلٌّ، وهذا الحَلُّ يُسمَّى بالقِيامَة.
فالتَّعريفُ الحَرفِيُّ لِلقِيامَةِ هو، "الإنتِصارُ على المَوت."
يقُولُ يسُوع، "أنا هُوَ الحَلُّ لهذه المشاكِل المُستعصِيَة يا مَرثا."
فأنا لستُ فقط الغلَبَة على المَوت، بل أنا أيضاً الحَلُّ لمُشكِلَةِ
الحياة." ويُكَرِّرُ يسُوعُ هذا التَّصريح لاحِقاً عندما يَقُولُ ما معناهُ:
"أنا هُوَ الحياةُ التي جَئتُ إلى هذا العالم لآتِيَ بها." (يُوحَنَّا
14: 6)

 

نقرَأُ
في الأعدادِ الأُولى منَ هذا الإنجيل: "فيهِ كانَتِ الحياةُ، والحَياةُ كانت
نُور النَّاس." وفي كُلِّ إصحاحٍ نطرَحُ السُّؤال، "ما هِيَ
الحياة؟" ونحنُ نطرَحُ السُّؤال، لأنَّ يُوحَنَّا يَقُولُ لنا ما هي الحياةُ.
مُجدَّداً يُخبِرُنا يُوحَنَّا، إصحاحاً بعدَ الآخر، بأنَّ الحياةَ هي ما هُوَ
يسُوع. والحياةُ هي أيضاً شَيءٌ يعمَلُهُ يسُوعُ غالِباً فينا، لأجلِنا، ومن
خلالِنا. الحياةُ مُرتَبِطَةٌ دائماً بيسُوع، عندما يُخبِرُنا كاتِبُ هذا الإنجيل
بما هي الحياةُ الأبديَّة.

 

يَقُولُ
يسُوعُ في لِقائِهِ معَ مرثا: "من آمنَ بي، وإن ماتَ فَسَيَحيا." إنَّهُ
يتكلَّمُ عن قِيامَةِ التِّلميذِ الحَقيقيّ. ويُقدِّمُ الرَّسُولُ بُولُس المَزيدَ
منَ التَّعليم حولَ هذا المَوضُوع. فعندما يمُوتُ المُؤمنُون، لا يُدفَنُون، بل
يُزرَعُونَ كحَبَّةٍ حِنطَةٍ سوفَ تُفرِخُ وتقُومُ يوماً ما. (1كُورنثُوس 15؛ 2
كُورنثُوس 5).

 

ويذهَبُ
يسُوعُ إلى ما هُوَ أبعَد من هذا التَّعليم الدِّينامِيكيّ في هذا التصريحِ العظيم
عن حياةِ القِيَامَة. لاحِظُوا التَّالي عندما يُكَرِّرُ يسُوعُ وعدَهُ:
"وكُلُّ من كانَ حَيَّاً وآمنَ بي لن يَمُوتَ إلى الأبد." يسُوعُ
يَقطَعُ بالحقيقَةِ عهدَ قيامَةٍ بينَهُ وبينَ المُؤمِن. وفي كُلِّ عهدٍ، يَعِدُ
يسُوعُ بأن يحفَظَ دَورَهُ في العهد، وعلينا نحنُ أن نحفَظ دَورَنا في العهد.
والشَّخصُ الذي يدخُلُ إلى عهدِ القِيامَةِ هذا معَ يسُوع، عليهِ أن يُلَبِّيَ
شَرطَين. الشَّرطُ الأوَّلُ: ينبَغي أن يُؤمِنَ بالمسيح. هذا هُوَ الشَّرطُ
الواضِحُ. ولكن عليهِ أيضاً أن يحفظَ الشَّرطَ التَّالِي: عليهِ أن يحيا في
المسيح.

 

هل
تعلَمُ أنَّهُ منَ المُمكِنِ أن نحيا حياتَنا في المسيح؟ حوالي مائتي مرَّة يذكُرُ
كُتَّابُ العهدِ الجديد عبارَة "في المسيح" عندما يُشيرُونَ إلى تلاميذ
يسُوع المسيح الحقيقيِّين.

 

لقد
بَرهَنَ يسُوعُ معنَى هذه الكَلمات بشَكلٍ جَميلٍ، بواسطَةِ إستَعارَةٍ إستَخدَمها
في الحَقل. كانَ يُعَلِّمُ هؤُلاء التَّلاميذ كيفَ يَكُونُونَ مُثمِرينَ عندما
أظهَرَ للرُّسُل كَرمَةً ذاتَ أغصانٍ مُثقَلَةٍ بالثِّمار. ثُمَّ وضعَ أمامَ
تلاميذِهِ التَّحدِّي بأن يثبُتُوا فيهِ، تماماً كما تثبُتُ هذه الأغصانُ في
الكَرمَة التي كانت تجعَلُ هذه الأغصان مُثمِرَةً (يُوحَنَّا 15: 1- 16).

 

تَرِدُ
هاتانِ الكَلِمتان "في المسيح" حوالي مائتي مرَّةً في العهدِ الجديد.
وهذه واحدَةٌ منَ الطُّرُقِ المُفَضَّلةِ عندَ بُولُس الرسُول ليُعَبِّرَ عن
العلاقة بينَ المُؤمن وبينَ المسيح الحَي المُقام. فهُوَ يستخدِمُ هذه العبارَة 97
مرَّةً في كتاباتِهِ. هاتانِ الكَلِمَتان، بالإضافَةِ إلى إستَعارَةِ يسُوع التي
تُفَسِّرُ معناها، تُساعِدُنا على فهمِ القسمِ الثَّاني منَ العهد الذي قطَعَهُ
يسُوعُ معَ مرثا. "كُلُّ من كانَ حَيَّاً وآمنَ بي، لن يَمُوتَ إلى
الأبد."

 

لا
يبدُو أنَّ مَرثا تفهَمُ ما كانَ يسألُها إيَّاهُ يسُوع، عندما طرحَ عليها
السُّؤال: "أتُؤمِنينَ بهذا؟" ولكن هل كُنتَ أنتَ ستفهَمُ هذا السُّؤال؟
لو كانَ يُوجَدُ مُتَّسَعٌ منَ الوقتِ لِتَلقِينِ مرثا دَرساً منَ الكتابِ
المُقدَّس، لرُبَّما لَفَهِمَتِ المقصد. أنا مُقتَنِعٌ أنَّها لو أخَذَت وقتَها
وبَذَلَتِ الجُهدَ لتفهَمَ ما كانَ يسُوعُ يَقُولُهُ لها، لكانت آمنَتْ بِرَبِّها.

 

هذا
جوابٌ آخر على السُّؤال، "ما هُوَ الإيمان؟" كما تعلَّمنا في الإصحاحِ
السَّادِس، من خلالِ مَثَلِ بُطرُس، تُوجدُ أوقاتٌ عندما يتبَعُ الإيمانُ يسُوع،
حتَّى ولو لم نفهَمْ ذلكَ تماماً (يُوحَنَّا 6: 67، 68). إنَّ مِثالَ مَرثا
السَّلبِيّ، الذي يُعَلِّمُنا ما ليسَ هُوَ الإيمانُ، يُعَلِّمنا أنَّ الإيمانَ
ينبَغي أن يأخُذَ أحياناً الوقتَ الكافِي وأن يبذُلَ مجهُوداً كافياً ليفهَمَ ما
يَقُولُهُ الرَّبُّ لنا عندما تجتاحُ مصائِب غير إعتِيادِيَّة حياتَنا.
فالقضِيَّةُ الأكثَرُ أهمِّيَّةً بالنِّسبَةِ لكَ ولي هي التَّحدِّي التَّالِي: هل
نُؤمِن، وهل نحيا حياتَنا في المسيح؟

 

بعدَ
أن نُلاحِظَ جوابَ مرثا الصَّريح، نقرَأُ بعدَها أنَّ مَرثا: "…مَضَتْ
ودَعَت مَريَمَ أُختَها سِرَّاً قائِلةً المُعَلِّمُ قد حَضَرَ وهُوَ يَدعُوكِ.
أمَّا تِلكَ فلَمَّا سَمِعَتْ قامَتْ سَريعاً وجَاءَت إليهِ." (يُوحَنَّا 11:
28- 29).

 

بينَما
تقرَأُون هذه القِصَّة عن كيفيَّةِ تجاوُبِ هاتَينِ الشَّقيقَتينِ معَ مرَضِ
ومَوتِ أخيهِما، لاحِظُوا التَّالِي: مَريم لم تَذهَبْ لتَرى يسُوعَ، إلا عندما
أرسَلَ يدعُوها. أمَّا مرثا التي تجعَلُ الأُمُورَ تحدُث، فقرَّرَت الوقتَ الذي
ستلتَقي فيهِ بيسُوع. فإلتَقَتْ بهِ على الطَّريقِ، قبلَ أن يَصِلَ إلى بَيتِ
عَنيا. هذه هي مرثا. أمَّا مريَم فلَم تَكُنْ مثلَها. بل إنتَظَرَت مريم إلى أن
أرسَلَ الرَّبُّ بِطَلَبِها. ولكن سُرعانَ ما سَمِعَتْ كَلِمَةً منَ الرَّبّ بأنَّ
مُعَلِّمَها يُريدُ أن يلتَقِيَ بها، حتَّى تجاوَبَت بأقصَى سُرَعَةٍ.

 

نقرَأُ
بعدَ ذلكَ: "فَمَريَمُ لمَّا أتَتْ إلى حَيثُ كانَ يسُوعَ ورَأَتْهُ، خَرَّت
عندَ رِجلَيهِ قائِلَةً لهُ يا سَيِّدْ لو كُنتَ هَهُنا، لم يَمُتْ أخِي."
هذه هي الكلماتُ نفسُها التي خاطَبَت بها مرثا يسُوع. لا نستطيعُ أن نرى كيفَ كانت
تقاسيمُ الوجهِ أو نبرَةُ الكلماتِ التي قالَتها مريم. ولكنَّنا نقرَأُ شيئاً عن
تعابير جسدِها. فلقد خَرَّت عندما قَدَمَيهِ وقالَت، "يا سَيِّد، لو كُنتَ
هَهُنا لم يَمُتْ أخِي." (يُوحَنَّا 11: 32)

 

في
العهدِ الجديد، تُوجدُ سَبعُ نساءٍ تُدعَى كُلٌّ منهُنَّ مريم. ولدَينا لمحاتٌ
أُخرى على حياةِ مريم هذه بالتَّحديد. فَمَثَلاً، كما سبقتُ وأشَرتُ، عندما زارَ
يسُوعُ أوَّلاً هاتَينِ الأُختَين، جَلَسَت مريمُ عندَ قدَمَيهِ تُصغِي لكَلماتِهِ
(لُوقا 10: 38- 42). في الإصحاح الثَّانِي عَشَر، سوفَ نَجِدُها عندَ قَدَمَي
يسُوع تعبُدُهُ. في هذا الإصحاح، نَجِدُها عندَ قَدَمَيهِ تقَبَلُ إرادَتَهُ.
نَجِدُها تَقُولُ: "لو كُنتَ هَهُنا لم يَمُتْ أخِي. ولكنَّني أُريدُكَ أن
تعرِفَ أنَّني سأعبُدُكَ على أيَّةِ حال. فسواءٌ أفَهِمتُ أنا ذلكَ أم لا، لديَّ
الإيمانُ لأقبَلَ الحقيقَةَ الصَّعبَةَ بأنَّهُ لدَيكَ أسبابكَ لعدَم كَونِكَ
مَوجُوداً لتُنقِذَ حياةَ أخي في الوقتِ المُناسِب."

 

الإنقاذ

هل
تُلاحِظُونَ ما يحدُثُ هُنا؟ هاتانِ الشَّقيقَتانِ تُواجِهانِ أكثَرَ مُشكِلَتَينِ
مُستَعصِيَتين في الحياة. وما يُريدُهُ الرَّبُّ منهُما هُوَ حقُّ التَّجاوُب معَ
هاتَينِ المُشكِلَتَين. التَّجاوُبُ الصَّحيحُ معَ هذه المَشاكِل يبدَأُ في
علاقَتِهِم معَ الرَّب. ولقد حصلَ يسُوعُ على هذا التَّجاوُبِ من مَريم. نتعلَّمُ
أنَّهُ سُرعانَ ما أصبَحَت هذه العلاقَةُ في مكانِها الصَّحيح، حتَّى أنقَذَ
الرَّبُّ هاتَينِ الأُختَين وشَقيقَهُما من مشاكِلِ المَرَضِ والمَوت.

 

عندَما
نختَبِرُ هاتَينِ المُشكِلَتَين، لا يحدُثُ الإنقاذُ في هذه الحياة. فبِما أنَّ
المَوتَ هُوَ جزءٌ منَ الحياة بمقدارِ ما ما هي الولادَةُ أيضاً، علينا أن
ننتَظِرَ هذا الإنقاذ إلى وقتِ قيامَةِ كُلِّ المُؤمنين عندَ رُجُوعِ يسُوع
(1تسالُونِيكي 4: 13- 18).

 

بالإضافَةِ
إلى المَرَضِ و المَوت، هُناكَ أوقاتٌ في حياتِكَ وحياتِي، يسمَحُ لنا الرَّبُّ
فيها بأن نختَبِرَ مشاكِلَ مُستَعصِيَة لا حُلُولَ لها. فهُوَ يعرِفُ أنَّنا إذا
إتَّبَعنا مِثالَ مَريَم الجَميل، في تجاوُبِنا معَ هذه المشاكِل، سوفَ يُعطَى
المَجدُ لله، وسوفَ يتمجَّدُ رَبُّنا ومُخَلِّصُنا يسُوع المسيح. وسوفَ تُساهِمُ
العمليَّةُ بكامِلِها في زيادَةِ قُدرَتِنا على الإيمان والمَعرِفَةِ والمحبَّةِ
وخدمَةِ اللهِ ورَبِّنا ومُخَلِّصِنا يسُوع المسيح.

 

وهُوَ
يعرِفُ أيضاً أنَّ الإيمانَ الصَّادِقَ الشَّفَّافَ، الذي تُمَثِّلُهُ مرثا،
سيقُودُنا إلى إختبارِ مجدِ الله. فلقد وعدَ مرثا أنَّها إن آمنَتْ، سترى مجدَ
الله. وكما سنَرَى الآن، مريم ومرثا كِلاهُما ستُؤمِنانِ وستريانِ مجدَ الله.

 

عندَما
حصلَ الرَّبُّ على هَذَينِ التَّجاوُبَين من مرثا ومريَم، نقرَأُ: "فَلَمَّا
رآهَا يسُوع تَبكِي واليَهُودُ الذين جاؤُوا معَها يبكُون، إنزَعَجَ بالرُّوحِ
واضطَّرَبَ. وقالَ أينَ وَضَعتُمُوهُ. قالُوا لهُ يا سَيِّد تعالَ وانظُرْ. بَكَى
يسُوع. فقالَ اليَهُودُ أنظُرُوا كيفَ كانَ يُحِبُّهُ. وقالَ بعضٌ منهُم ألَم
يقدِرْ هذا الذي فتحَ عَينَي الأعمى أن يجعَلَ هذا أيضاً لا يمُوت.

 

"فإنزَعَجَ
يسُوعُ أيضاً في نَفسِهِ وجاءَ إلى القَبر. وكانَ مَغارَةً وقد وُضِعَ عليهِ
حَجَرٌ. قالَ يسُوعُ إرفَعُوا الحَجَرَ. قالَتْ لهُ مَرثا أُختُ المَيتِ يا سَيِّد
قد أنتَنَ لأنَّ لهُ أربَعَةَ أيَّامٍ. قالَ لها يسُوعُ ألَمْ أقُلْ لكِ إن آمنتِ
ترَينَ مجدَ الله. فرَفَعُوا الحَجَرَ حَيثُ كانَ المَيتُ مَوضُوعاً.

 

"ورفَعَ
يسُوعَ عينَيهِ إلى فَوقُ وقالَ أيُّها الآبُ أَشكُرُكَ لأنَّكَ سَمِعتَ لي. وأنا
عَلِمتُ أنَّكَ في كُلِّ حِينٍ تَسمَعُ لي. ولكن لأجلِ هذا الجَمع الواقِفِ قُلتُ.
ليُؤمِنُوا أنَّكَ أرسَلتَني. ولمَّا قالَ هذا صَرخَ بِصَوتٍ عَظيمٍ لِعازار
هَلُمَّا خارِجاً. فخَرَجَ المَيتُ ويداهُ ورِجلاهُ مربُوطاتٌ بِأقمِطَةٍ ووَجهُهُ
ملفُوفٌ بِمندِيل. فقالَ لهُم يسُوعُ حُلُّوهُ ودَعُوهُ يذهَب." (يُوحَنَّا
11: 33- 44)

 

عندما
كُنتُ قَسِّيساً يافِعاً، كُنتُ في صَبيحَةِ يَومِ أحدٍ مُتَوَتِّراً جدَّاً،
عندما أنهَيتُ عِظَتي وختمتُ إجتماعَ الكنيسة، لأنَّني كُنتُ على وشكِ البدءِ
بإجراءِ مراسيم أوَّل جنازَة أقُودُها. وكانَ يُوجَدُ رَجُلٌ مُتَقَدِّمٌ في
السِّنّ في كنيستي، الذي كانَ قَسِّيساً بِدَورِهِ وكانَ قد قادَ عدَّةَ خدماتِ
جنازَة. وكانَ منَ اليَهُودِ المَسياوِيِّين الذين آمنُوا بالمسيح أنَّهُ
المَسيَّا، وكانَ بِدَورِهِ مُؤمناً كاريزاتيَّاً منَ الذين نَجَوا من
تشكسلُوفاكيا هرباً من هتلر ومذابِحِه. وكانَ هذا القَسِّيس شَخصاً مُتعلِّماً
جدَّاً ومُمَيَّزاً لِلغايَة. وكُنتُ قد تمتَّعتُ بساعاتٍ طوالٍ منَ الشَّرِكَةِ
المسيحيَّةِ الرَّائِعَة معَهُ، ولقد ساعَدني كراعٍ شابٍّ على تجاوُزِ تحدِّياتِ
السنواتِ الأُولى في خِدمَتي التي كانت صعبَةً جدَّاً.

 

بعدَ
إنتِهاءِ الخدمَةِ الصَّباحِيَّة، وبَينما كُنتُ أُصافِحُ النَّاسَ على بابِ الكنسية،
قُلتُ لهذا القَسِّيس، "دكتُور بِيرل، هل بإمكانِكَ أن تُخبِرَني أيَّ شَيءٍ
يُمكِنُ أن يُساعِدَني على إجراءِ خدمَةِ دَفنٍ؟ فلَدَيَّ جنازَةٌ لأقُومَ بها
بعدَ ظُهرِ اليوم." أجابَ، "يسُوع لم يَقُمْ بإجراءِ أيَّةِ خدمَةِ
دَفنٍ. بل قامَ فقط بخدماتِ قِيامَة!" رُغمَ أنَّ نصيحَتَهُ لم تُساعِدنِي
كَثيراً بعدَ ظُهرِ ذلكَ اليوم، ولكن يا لِهذه الحقيقة الرَّائِعة التي شارَكني
بها. فيسُوعُ لم يُجرِ بالفِعل إلا خدماتِ قِيامَة، وهذا هُوَ رجاؤُنا.

 

هذا
الإصحاح يَصِفُ لنا يسُوع ذاهِباً إلى جنازَة. ولكن قَبلَ أن يُحَوِّلَ تِلكَ
الجنازَة إلى قِيامَة، أظهَرَ لنا بعضَ الأُمُور عن كيفيَّةِ حُضُورِ الجنازات.
مثلاً، يُخبِرُنا أقصَرُ عددٍ في الكتابِ المُقدَّس قائِلاً: "بكَى
يسُوع." وتعني هذه العبارَة أنَّ جَسَدَهُ إرتَعشَ مُجهِشاً بالبُكاء. ولقد
أظهَرَ علاماتٍ منظُُورَةً عنِ الحُزن، لِدَرَجَةِ أنَّ النَّاسَ الذي حَضَرُوا
الجنازَةِ قالُوا: "أنظُرُوا كيفَ كانَ يُحِبُّ لِعازار." لقد أظهَرَ
لنا يسُوعُ أنَّنا عندما نحَضُرُ جنازَةَ أو دَفنَ أحدٍ ما مِنَ الذين نُحِبُّهُم
كَثيراً، فإذا بَكَينا لا نَكُونُ بذلكَ نُعَبِّرُ عن ضَعفِ إيمانِنا، بل
نُعَبِّرُ بِذلكَ عن محبَّتنا الصَّادِقَة وشَوقِنا للفَقيدِ.

 

عندَما
فقدَ داوُدَ طِفلَهُ، قالَ مُنتَحِباً في حُزنِهِ: "أنا سأذهَبُ إليهِ، أمَّا
هُوَ فلن يرجِعَ إليَّ." (2صَمُوئيل 12: 23) قناعَتُنا بأنَّنا سنذهَبُ
لنَلتَقِيَ بالأمواتِ هي سَبَبُ الحُزن، ولكن ليسَ كما يحزَنُ الذين لا رجاءَ
لهُم، بل بسببِ الحقيقَةِ الرَّهيبَة بأنَّهُم لن يرجِعُوا إلينا في هذه الحياة،
الأمرُ الذي يُبَرِّرُ تماماً حُزنَنا البالِغ (1تسالُونيكي 4: 13؛ متَّى 5: 4).
عندما علَّمَ يسُوعُ قائِلاً، "طُوبَى لِلحَزَانَى،" أعتَقِدُ أنَّهُ
قصدَ أن يتِمَّ تطبيقُ هذا القَول بعدَّةِ طُرُق. قصدَ أوَّلاً أن يُطَبَّقَ هذا
القَولُ حرفِيَّاً. فلا ينبَغي أبداً أن نكبُتَ حُزنَنا أو أن نُحاوِلَ أن
نُخَبِّئَهُ. فالحُزنُ مُطَوَّبٌ. ولقد أظهَرَ لنا يسُوعُ أنَّنا عندما نحتاجُ أن
نحزَنَ، علينا أن نتمتَّعَ بإختِبارٍ مِشرُوعٍ ومُبَارَكٍ للحُزن.

 

التَّطبيقُ
الشَّخصِيّ والتأمُّلِيّ

جَوهَرُ
هذا الإصحاح هُوَ مُعجِزَةُ قيامَةِ لِعازار. فيَسُوعُ لم يُقدِّمْ فقط تصريحاً
بالقَول "أنا هُوَ"، بل وأيضاً بَرهَنَ وصادَقَ على تصريحِهِ
بِهُوِيَّتِهِ الحقيقيَّة. فلقد أقامَ لِعازارَ منَ المَوت، ليُظهِرَ لنا أنَّهُ
هُوَ نفسُهُ الغلَبَةُ على المَوت، وهُوَ الحياةُ التي نحنُ جميعاً نطلُبُها. لقد
حقَّقَ هذه المُعجِزَة العظيمة ليُبَرهِنَ ويُصادِقَ على تصريحِهِ العَظيم بأنَّ
كانَ ولا يزالُ القيامَةَ والحياة.

 

التَّطبيقُ
الشَّخصِيّ لي ولكَ هُوَ أنَّنا إذا عِشنا حياتَنا في علاقَةٍ معَ الرَّبّ،
مُؤمِنينَ بهِ، فلن نَمُوتَ فِعليَّاً. بل سيَكُونُ مَوتُنا بِبَساطَةٍ مُجَرَّدَ
حَفلِ تَخَرُّجٍ، وستَكُونُ جنازَتُنا إحتفالَ تَدشينٍ لإعلانِ إبتداءِ حياتِنا
الأبديَّة الخالِدَة. سيَكُونُ مَوتُنا بِبَساطَةٍ مجيءَ الرَّاعِي إلى حَياتِنا
لِلمَرَّةِ الأخيرة، ليُربِضَنا بالمَوتِ، لكي يستَطيعَ أن يُورِدَنا إلى المراعِي
الخَضراء وإلى المياهِ الصَّافِيَة، فتمتَلِئُ كأسُنا وتفيضُ إلى الأبد في المجالِ
الأبديّ من وُجُودِنا. (المَزمُور 23).

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القس أنطونيوس فكرى عهد جديد إنجيل لوقا 05

 

لِكَي
نُلَخِّصَ ما لاحَظناهُ في ديناميكيَّةِ قصَّةِ القِيامَةِ في هذه المرحلَة، علينا
أن نطرحَ مُجَدَّداً ثلاثَةَ أسئِلَةٍ: من هُوَ يسُوع؟ إنَّهُ القِيامَةُ – أي
الإنتِصارُ على المَوت – وهُوَ الحَياةُ. هذا يَعني أنَّهُ في وَجهِ المَوت،
يسُوعُ هُوَ الحلُّ الوحيدُ لمشاكِل المَرَضِ والمَوت المُستَعصِيَة.

 

ما
هُوَ الإيمانُ؟ الإيمانُ هُوَ التجاوُبُ معَ مشاكِلِ المَرَضِ والمَوت بعلاقَةٍ
صَحيحَةٍ معَ يسُوع المسيح. الإيمانُ نراهُ مُوضَّحاً في تجاوُبِ مريَم. الإيمانُ
هُوَ الإقتِناعُ الذي لا يتزعزَعُ أنَّهُ إن لم يَظهَر الرَّبُّ مُباشَرَةً عندما
نَظُنُّ أنَّهُ ينبَغي أن يَهُبَّ ليُنقِذَنا من مشاكِلِنا، فلا بُدَّ أنَّ لهُ
أسبابُهُ لعدَمِ الظُّهور. عندما نُصبِحُ في إنسجامٍ تامٍ في علاقَتِنا معَ
رَبِّنا الحَيّ المُقام، ستُصبِحُ أفكارُنا وطُرُقُنا مثلَ أفكارِهِ وطُرُقِهِ.
وبعدَ ذلكَ سنفهَمُ أنَّهُ لا يُنقِذُنا لأنَّهُ مُلتَزِمٌ بِكَونِنا سنختَبِرُ
الحياةَ الفَيَّاضَةَ، ليسَ في هذا العالم فحَسب، بل وفي الأبديَّةِ أيضاً.

 

الإيمانُ
هُوَ أيضاً تجاوُبُ مرثا الصَّادِق معَ الحقيقَةِ المُؤلِمَة عن مَرَضِ ومَوتِ
شخصٍ عزيزٍ على قُلُوبِنا. أصعَبُ ما إختَبَرَتْهُ كانَ الألم الذي حَزَّ في
قَلبِها لِكَونِ الرَّبِّ الذي أحَبَّتْهُ كثيراً لم يَظهَرْ في الوقتِ المُناسِب
لينقِذَ أخاها منَ المَوتِ المُحتَّم. لقد عرفَتْ أنَّهُ كانَ قادِراً أن يشفِيَ
أخاها، الأمرُ الذي جعلَ ألمَها أو حُزنَها لا يُحتَمَل.

 

إنَّها
تمَثِّلُ نمُوذجاً للإيمانِ الصَّادِق الذي يَقُولُ التَّالِي: "هذا ما
أُؤمِنُ بهِ، ولن أعتَرِفَ بأيِّ شَيءٍ آخر." يُوجَدُ عددٌ في رسالَةِ يعقُوب
الذي يُمكِنُ ترجَمَتُهُ كالتَّالِي: "صَلَواتُ الإنسانِ الصَّادِق تتفجَّرُ
بالقُوَّة." (يعقُوب 5: 16). الإيمانُ هُوَ أحياناً المُوافَقَة معَ اللهِ
حولَ المُستَوى الذي ينتَهي عندَهُ إيمانُنا ويبدأُ شَكُّنا.

 

الإيمانُ
هُوَ أيضاً العَيشُ والثِّقَةُ بالمسيح الذي هُوَ القِيامَةُ والحياة. تأكَّدْ
أنَّ تُلاحِظَ أنَّ خُطوَتَين مُنفَصِلَتَين منَ الإيمان تمَّ وصفُهُما في هذه
المرحلة من إصحاحِ القِيامَةِ هذا في الكتابِ المُقدَّس. الخُطوَةُ الأُولى هي:
آمِن بالمسيحِ الحَيِّ المُقام. الخُطوَةُ الثَّانِيَة: عِشْ حياتَكَ يوميَّاً في
المسيح.

 

وما
هي الحياةُ بحَسَبِ هذا الإصحاحِ العظيم من إنجيلِ يُوحَنَّا؟ الحياةُ هي
الرَّجاءُ والسَّلامُ اللذين نختَبِرُهُما، لأنَّنا نعرِفُ أنَّنا إذا مُتنا
اليومَ أو غداً، فإنَّ مَوتَنا لن يَكُونَ إلا حفلَ تخرُّجٍ وإنتِقالٍ إلى
الحالَةِ الأبديَّة منَ الحياة، التي يُخبِرُنا عنها الكتابُ المُقدَّسُ
بإستِمرارٍ بأنَّها أعظَمُ بُعدٍ في وُجُودِنا. الحياةُ هي الإقتناعُ الرَّاسِخُ
أنَّنا بِسَبَبِ كَونِنا نَعيشُ ونُؤمِنُ بالمسيح، فحتَّى ولو مُتنا جَسَدِيَّاً،
فسوفَ نحيا إلى الأبد معَ الرَّبّ.

 

"إرفَعُوا
حجَرَ عدَمِ الإيمان"

(يُوحَنَّا
11: 33- 57)

 الأعدادُ
التي تُخبِرُنا بما سيحدُثُ لاحِقاً، تُعطينا أبلغَ صُورَةٍ مَجازِيَّةٍ عنِ
الإيمان في إصحاحِ القِيامَةِ هذا. كانَ لِعازارُ مدفُوناً في كَهفٍ، وكانَ
يُوجَدُ حجَرٌ كَبيرٌ دُحرِجَ على مدخَلِ هذا الكَهف لإغلاقِ هذا القبرِ الذي كانَ
يرقُدُ فيهِ شخصٌ أحبَّهُ يسُوع. "وبينما كانَ واقِفاً أمامَ قبرِ لِعازار، قالَ
يسُوعُ لِمَرثا، "ألم أقُلْ لكِ إن آمنتِ تَرَينَ مجدَ الله؟" وجاءَتْ
ساعَةُ الحقيقَةِ في هذا الإصحاح، عندما أعطَى يسُوعُ الأمرَ قائِلاً:
"إرفَعُوا الحَجَرَ عن بابِ القَبر." (يُوحَنَّا 11: 39- 40)

 

وكما
أشَرتُ في مُقدِّمَتي لِهَذا الإنجيل في الكُتَيِّب الثِّالِث والعِشرين، هُناكَ
دائماً معنىً أعمَق في إنجيلِ يُوحَنَّا. المعنى الأعمَق هُنا هُوَ أنَّهُ
يتوجَّبُ علينا أن نُدحرِجَ حجرَ عدَمِ الإيمان عندما نَجِدُ أنفُسَنا نَقِفُ إلى
جانِبِ قبرِ شخصٍ نُحِبُّهُ. المقاطِعُ الكِتابِيَّةُ التي نقرَأُها عادَةً أمامَ
قبرِ شخصٍ ما تُؤَكِّدُ قناعَتَنا بأنَّهُ يوماً ما، سيَظهَرُ مجدُ اللهِ عندما
يَقُومُ أحبَّاؤُنا منَ المَوت. (2 كُورنثُوس 15: 42- 44؛ 1 تسالُونيكي 4: 13-
18).

 

يُعجِبُني
في مَرثا صراحَتُها الكامِلَة وصدقُها المُدهِش. فعندما كانُوا على وشكِ إزاحَةِ
الحجَرِ عن بابِ القَبر، قالَت، "يا مُعلِّم، قد أنتَنَ!" وبعدَ أن طرحَ
يسُوعُ على مرثا السُّؤالَ الذي تحدَّاها وتحدَّى الحاضِرينَ بأن يُؤمِنُوا، صلَّى
صلاةً مُثيرَةً للإهتِمام. في هذه الصَّلاة، شرحَ للآبِ أنَّ ما كانَ يَقُولُهُ لم
يَكُن مُوَجَّهاً إلى أُذُنَي اللهِ الآب، بل لأجلِ منفَعَةِ الذي كانُوا
يسمَعُونَ تلكَ الصَّلاة (يُوحَنَّا 11: 41، 42).

 

لقد
تكلَّمَ يسُوعُ بإسهابٍ عن وجُوبِ الصَّلاةِ في مخدَعٍ مُغلَق، إذا أردنا أن
نتأكَّدَ أنَّ صلاتَنا مُوجَّهةٌ للهِ وليسَ للنَّاس (متَّى 6: 5 و6). إنَّهُ
يَقُولُ هُنا بِوُضُوحٍ أنَّ صلاتَهُ كانت على الأقل مُوجَّهَة جُزئِيَّاً
للنَّاسِ الذين كانُوا يسمَعُونَهُ يُصَلِّي. ومن خلالِ هذه الصَّلاة
النَّمُوذَجِيَّة، أظهَرَ لنا أنَّنا عندما نُصَلِّي صلاةً علانِيَةً أو
جماعِيَّة، رُغمَ كَونِنا نُوجِّهُ صلاتَنا لله، ولكن علينا أن نتذكَّرَ النَّاس
الذين يسمَعُونَ صلاتَنا، وأن نجمعَ قُلُوبَهُم معَ قُلُوبِنا خلالَ صلاتِنا.

 

عندما
تمَّ رَفعُ الحَجَرِ عن بابِ القَبر، نجدُ وصفاً للمُعجِزَةِ الرَّائِعة في هذا
الإصحاح، عندما وجَّهَ يسُوعُ الأمرَ للِعازار بِصَوتٍ مُرتَفِع قائِلاً:
"لِعازار هَلُمَّ خارِجاً!" خرجَ المَيتُ، ويداهُ ورجلاهُ مَربُوطاتٌ
بأقمِطَةٍ ووجهُهُ مَلفُوفٌ بمِندِيل. فقالَ لهُم يسُوعُ حُلُّوهُ ودَعُوهُ
يذهَب." (يُوحَنَّا 11: 43- 44).

 

يَرَى
بعضُ المُفسِّرينَ معنَىً أعمَق يتوازَى معَ التَّعليم الذي إكتَشَفناهُ في
الإصحاحِ الثَّامِن من هذا الإنجيل (يُوحَنَّا 8: 30- 36). فعندما آمنَ بعضُ
رِجالِ الدِّين اليَهُود، قالَ يسُوعُ للذينَ آمنُوا، "إثبُتُوا في كَلامي،
فتَعرِفُوا الحقَّ والحَقُّ يُحَرِّرُكُم." التَّطبيقُ الشَّخصِيُّ
بالنِّسبَةِ لنا هُوَ أنَّنا عندما نلتَزِمُ بأن نُصبِحَ تلاميذَ ليسُوع، إذ
نثبُتُ في كلامِ يسُوع كتلاميذَ حقيقيِّينَ لهُ، علينا أن نتوقَّعَ أن نختَبِرَ
شَيئاً يُِشبِهُ التَّحرُّرَ منَ السِّجن.

 

عندما
خَرَجَ لِعازَارُ منَ القَبرِ وهُوَ لا يزالُ ملفُوفاً بالأقمِطَة، يَعتَقِدُ
البَعضُ أنَّ هذا رمزٌ يُعَلِّمُنا أنَّهُ منَ المُمكِنِ أن يختَبِرَ المُؤمِنُ
قُوَّةَ قِيامَةِ الولادَةِ الجديدة لفترَةٍ ما، قبلَ أن يتحرَّرَ نهائِياً.
ولكنَّ يسُوع لا يُريدُ أن يرى تلاميذَ مَولُودينَ ثانِيَةً، وهُم لا يزالُونَ
"أقمِطَةِ القَبرِ" التي كانُوا يرتَدُونَها عندما كانُوا أمواتاً رُوحيَّاً
وعندما كانُوا أحياءَ في الخَطيَّة.

 

أوَدُّ
أن أُشيرَ إلى المعنَى الأعمق لهذا المثالِ عن قيامَةِ لِعازار وهُوَ لا يزالُ
مَربُوطاً بأقمِطَةِ القَبر. وكما أشَرتُ سابِقاً في تفسيري للإصحاحِ الثَّامِن،
لقد إتَّبَعتُ المسيحَ كتِلميذٍ لهُ لأكثَرِ من عشرِ سنواتٍ، قبلَ أن أختَبِرَ
الحُرِّيَّةَ التي يَصِفُها يسُوعُ هُنا وفي الإصحاحِ الثَّامِن. أنا شخصيَّاً
أجِدُ أنَّ حَلَّ أقمِطَةِ القَبرِ عن الحياةِ القَديمة هُو صُورَةٌ مجازِيَّةٌ
جميلَة.

 

تجاوُبُ
اليَهُود

نرى
مُجَدَّداً تجاوُباً يَهُوديَّاً مُنقَسِماً على نفسِهِ تجاهَ الأحداثِ
العجائِبيَّة التي أحاطَت بخِدمَةِ يسُوع. نجدُ تجاوُباً مُتعاطِفاً عندَ بعضِ
اليَهُودِ الذين حضَرُوا هذه الجنازَة، بينما كانُوا يُراقِبُونَ شهادَةَ مريَم:
"فَكَثِيرُونَ منَ اليَهُودِ الذين جاؤُوا إلى مَريَم ونَظَرُوا ما فعَلَ
يسُوعُ آمنُوا بهِ." (يُوحَنَّا 11: 45)

 

ولقد
رأى اليَهُودُ الذين جاؤُوا ليَزُورُوا مريَم، رأَوا شَيئاً عجيباً كمُعجِزَةِ
القِيامَة. عندما رأَوا مريم تتجاوَبُ معَ مُشكِلَةِ كونِ يسُوع لم يُنقِذْ أخاها
منَ المرَضِ والمَوت، عندما رأَوها عندَ أقدامِ يسُوع قابِلَةً بِمَشيئَتِهِ، آمنُوا.
منَ المُثيرِ للإهتِمامِ أنَّنا لا نقرَأُ أنَّ أُولئِكَ اليَهُودُ الذينَ جاؤُوا
ليُعَزُّوا مريم قد آمنُوا.

 

نجدُ
أيضاً ردَّةَ فعلٍ عدائِيَّةً جدَّاً من رِجالِ الدِّينِ اليَهُود. التَّجاوُبُ
العَدائِيُّ الذي عُبِّرَ عنهُ بِشَكلِ حِوارٍ، منذُ أن شَفَى يسُوعُ الرَّجُلَ
المَريض عندَ بِركَةِ بَيتِ حسدا، وصلَ الآن إلى ذُروَتِهِ (يُوحَنَّا 11: 46-
57). فتَشَكَّلَ مجلِسٌ من قِبَلِ الفَرِّيسيِّين ليَحبِكُوا مُؤامَرَتَهُم. وقبلَ
أن توصَّلُوا إلى الإستِنتاجِ أنَّهُ عليهِم أن يَقتُلُوا يسُوع، نجدُ نُبُوَّةً
غيرَ إعتِيادِيَّة من قِبَلِ رَئيسِ الكَهَنَة قِيافَا.

 

لقد
كانَ يُفَكِّرُ بشكلٍ أساسِيٍّ أنَّ جامَ غضبِ رُوما سوفَ ينصَبُّ على أُمَّةِ
اليَهُود، إن لم يُفعَلْ شَيءٌ حيالَ الجماهير المُتجمِّعَة حولَ خدمَةِ يسُوع
العجائِبيَّة. وهكذا أعلَنَ قِيافا أنَّ الحُكمَ على يسُوع بالمَوت سيَكُونُ
الخُطوة الصَّحيحة والنَّافِعَة التي يتوجَّبُ على رجالِ الدِّين إتِّخاذها
(يُوحَنَّا 11: 46- 52).

 

بعدَ
ذلكَ يُدخِلُ الرَّسُولُ يُوحَنَّا تعليقَهُ على سِجِلِّ الأحداث، وهُوَ أنَّ
قِيافا، من حَيثُ لا يَدري، كانَ يُعطي نُبُوَّةً أنَّ يسُوعَ كانَ سيُضَحَّى بهِ
ليسَ فقط عنِ اليهُودِ الذين كانُوا يعيشُونَ في إسرائيل، بل وأيضاً عنِ اليُهودِ
الذين كانُوا مُشَتَّتِينَ في العالم قاطِبَةً. هذه النُبُوَّةُ غير
المُتَعَمَّدَة كانت أنَّ مَوتَ يسُوع لم يَكُن سينتُجْ عنهُ خلاصُ اليَهُودِ
جسدِيَّاً فحَسب، بل وأيضاً كانَ سينتُجُ عنهُ خلاصٌ رُوحِيٌّ للَّذِينَ
يُؤمِنُون. تذَكَّرُوا أنَّ الرُّسُلَ لم يَكُونُوا سيتعلَّمُونَ أنَّ الإنجيلَ
هُوَ أيضاً للأُمَم إلى أن نَصِلَ إلى الإصحاحِ العاشِر من سفرِ أعمالِ الرُّسُل
في قِراءَتِنا للعهدِ الجَديد.

 

خُلاصَة

بإمكانِي
أن أكتُبَ المَزيد عن الأعداد السَّبعة والخَمسين في هذا الإصحاح، ولكنَّ أفضَلَ
طريقَةٍ لتلخيصِ هذا الإصحاح هي بأن نطرَحَ أسئِلَتَنا الثَّلاثَة مُجدَّداً. في
الإصحاحِ الحادِي عشَر من إنجيلِ يُوحَنَّا: من هُوَ يسُوع؟ ما هُوَ الإيمانُ؟ وما
هي الحياة؟

من
هُوَ يسُوع؟ إنَّهُ الإنتِصارُ على المَوت، وهُوَ حياةٌ للذينَ يُؤمِنُونَ وللذين
يحيُونَ فيهِ. أُولئكَ الذين يبنُونَ علاقَةً معَ المسيحِ الحَيِّ المُقام، والذين
يحيُونَ في المسيح الأبديّ، لهُم حياةٌ أبديَّةٌ، الآن وإلى أبدِ الآبِدين!

 

ما
هُوَ الإيمانُ؟ الإيمانُ هُوَ مُواجَهَةُ المَرَضِ والمَوت، في حالَةِ إيمانٍ
وعَيشٍ في الرَّبّ. الإيمانُ هُوَ دحرَجَةُ حجَرِ عدَمِ الإيمان في محضَرِ المَوت،
لنرى مجدَ اللهِ من خلالِ مُعجِزَةِ الإنتِصارِ على المَوت. الإيمانُ هُوَ
الطَّلَبُ منَ المسيحِ أن ينزِعَ عنَّا "أقمِطَةِ القَبر وأن يُحَرِّرَنا
عندما نُؤمِن. "حُلُّوهُ ودَعُوهُ يَذهَب،" هي الصُّورَةُ المجازِيَّةُ
الجميلة التي تُمَثِّلُ معنى الإيمان.

 

ما
هِيَ الحياةُ؟ بِحَسَبِ إصحاحِ القِيامَةِ العظيم هذا من إنجيلِ يُوحَنَّا،
الحياةُ هي علاقَةٌ معَ المسيحِ المُقام الحَيّ، التي من خلالِها نعلَمُ أنَّهُ
بما أنَّنا في إتِّحادٍ معَ الرَّبّ، سوفَ نحيا إلى الأبد. الإيمانُ هُوَ فهمُ
كونِ المَوتِ الجسدي هُوَ مُجَرَّدُ تخرُّجٍ وإنتِقالٍ من هذه الحياة إلى المجالِ
الأبديّ من حياتنا في المسيح.

 

لاحِظُوا
التِّشديدَ في كَلِمَةِ اللهِ، من تكوين إلى رُؤيا، على كَونِنا مَخلُوقينَ
لنُوجَدَ في مجالَين وليسَ في مجالٍ واحِدٍ فَحَسب. فنحنُ مخلُوقينَ لنحيا على
الأرضِ لفترَةٍ وجيزَةٍ، ولهذا أعطانا خالِقُنا جسداً أرضِيَّاً مُؤَقَّتاً.
ولكنَّنا أيضاً خُلِقنا لنحيا في السَّماءِ في الحياةِ الأبديَّة، ولهذا سوفَ
نُعطَى جسداً سماوِيَّاً. الطريقَةُ الوحيدَةُ التي بها يستطيعُ هذا الجسدُ
الأرضِيُّ الذي أُعطِيَ لنا أن يتأهَّلَ لِيَحيا في الحالَةِ الأبديَّة، هي بأن
يجتازَ هذا الجَسَدُ مرحَلَةَ تحوُّلٍ، أو تغييراً كُلِّيَّاً. والقِيامَةُ هي
وَسيلَةُ النَّقلِ لتحقيقِ هذا التَّغيير. (1كُورنثُوس 15).

 

القِيامَةُ
ليسَت مُجَرَّدَ إنتِصارٍ على المَوت. فاللهُ سيستخدِمُ مُعجِزَةَ قيامَتِنا
الشَّخصيَّة ليُعطِيَنا ذلكَ الجسد السَّماوِيّ الذي سيُؤهِّلُنا بأن نحيا معَ
الرَّبِّ إلى الأبد في الحالَةِ الأبديَّة. بهذه الطريقة يَتِمُّ وَصفُ الحالَةِ
الأبديَّة في إصحاحِ القِيامَةِ الرَّائِع هذا. تبدأُ هذه الحياةُ الأبديَّةُ في
مجالِ هذه الحياة، عندما نُؤمِنُ ونبني علاقَةً معَ المسيحِ المُقام.

 

في
هذا الإطار، تأمَّلُوا مُجدَّداً بقصدِ يُوحَنَّا من كتابَةِ إنجيلِهِ (يُوحَنَّا
20: 30، 31). هدَفُهُ الواضِح المُعلَن عنهُ هُوَ إقناعُنا أنَّ يسُوعَ هُوَ
المسيح. وجزءٌ حيويٌّ من هدَفِهِ هي وعدُهُ بأنَّهُ سيَكُونُ لنا حياةٌ أبديَّةٌ
عندما نُؤمِن. هذه الحياةُ الأبديَّةُ هي تلكَ النَّوعيَّة منَ الحياة التي
أعدَّنا لها اللهُ، والتي من أجلِها خلَّصَنا، ولأجلِها سيُقِيمُنا منَ الموت كما
أقامَ يسُوعُ لعازار.

 

في
هذا الإصحاح، نتعلَّمُ أنَّ اللهَ سوفَ يستخدِمُ يَوماً ما مُعجِزَةَ القِيامَة
ليجعَلَ منَ الحياةِ الأبديَّةِ حقيقَةً نِهائِيَّةً قُصوى للمُؤمنين. ولكنَّ
كلمات يسُوع لِمَرثا تُخبِرُنا أنَّهُ لا ينبَغي علينا أن ننتَظِرَ إلى أن نَمُوتَ
ونَقُومَ لكي نختَبِرَ الحياةَ الأبديَّة. بالنِّسبَةِ ليسُوع، تبدَأُ الحياةُ
الأبديَّةُ عندما نُؤمِنُ ونَحيا حياتَنا فيهِ.

 

أحدُ
أعظَمِ الأجوِبَةِ في هذا الإنجيل وفي كُلِّ كلمَةِ اللهِ على السُّؤال "ما
هِيَ الحياة؟" هُوَ التَّحدِّي الذي بهِ إختَتَمَ يسُوعُ تعليمَهُ عنِ
القِيامَةِ لمرثا، عندما ماتَ أخُوها: "أنا هُوَ القِيامَةُ والحياة. من آمنَ
بي وإن ماتَ فسَيَحيا. وكُلُّ من كانَ حَيَّاً وآمنَ بي، فلن يمُوتَ إلى الأبد.
أتُؤمِنينَ بهذا؟" (يُوحَنَّا 11: 25، 26).

 

عندما
تسمَعُ تحليلاً طبيَّاً بأنَّكَ، لا سمحَ الله، سوفَ تُواجِهُ حقيقَةَ الموتِ، أو
أنَّ أحدَ أحِبَّائِكَ سوفَ يُواجِهُ الموت؛ عندما تَقِفُ إلى جانِبِ قَبرِ أحدِ
المُؤمنين الذين أحبَبتَهُم كَثيراً، فإنَّ هذا سوفَ يُشكِّلُ التَّحدِّي
النِّهائِيّ: أتُؤمِنُ بالأخبارِ السَّارَّة التي نَجِدُها في إصحاحِ القيامَةِ
العظيم من إنجيلِ يُوحَنَّا؟

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي