الإصحَاحُ
الثَّالِثُ عَشَرَ

 

"الوصِيَّة
الجَديدة"

(يُوحَنَّا
13: 1- 38)

تُوجَدُ
أكثَرُ من خمسمائة وَصِيَّة في الكتابِ المُقدَّس. هذه الوَصايا مُلَخَّصَةٌ في
الوَصايا العَشر (خُرُوج 20: 3- 17؛ تَثنِيَة 5: 7- 21). يُوجَدُ أيضاً ما
يُسمِّيهِ الكتابُ المُقدَّس نفسُهُ بالوَصِيَّة الأُولى والعُظمَى. يُخبِرُنا
يسُوعُ بأنَّ أعظَمَ الوَصَايا هي محب‍َةُ اللهِ من كُلِّ كيانِنا، ويُلَخِّصُ
الوصايا العَشر بوَصِيَّتَين، عندما يُخبِرُنا بأنَّ الوَصِيَّةَ الثَّانِيَة بعدَ
الأُولى، هي محبَّة القَريب كَنُفُوسِنا (متَّى 22: 35- 40) الإصحاحُ الذي ننظُرُ
إليهِ الآن يُقدِّمُنا إلى وَصِيَّةِ يسُوع الجديدة (يُوحَنَّا 13: 34، 35)

 

إذ
نبدَأُ دِراسَتَنا للإصحاحِ الثَّالِث عشَر، نحتاجُ أن نُدرِكَ أنَّنا نقتَرِبُ
منَ الطريقة التي بها سَجَّلَ يُوحَنَّا، بِوَحيِ الرُّوحِ القُدُس، أطوَلَ عِظَةٍ
ليسُوع. هذه العِظَة تُعرَفُ بِعِظَةِ العُلِّيَّة. لقد ألقَى يسُوعُ بِضعَ
خُطَبٍ، مثل المَوعِظَة على الجَبَل (متَّى 5- 7)، مَوعِظَة جَبَل الزَّيتُون
(متَّى 24، 25)، ومَوعِظَةِ العُلِّيَّة هذه (يُوحَنَّا 13- 16) بما أنَّ الإصحاح
السَّابِع عشَر من إنجيلِ يُوحَنَّا هُوَ صَلاةُ يسُوع لأَجلِ الرُّسُل –
الوَحِيدُونَ الذين سَمِعُوا تلكَ العِظَة في العُلِّيَّة – فهذه الصَّلاة يُمكِنُ
تضمينُها داخِل عِظَة العُلِّيَّة.

 

عندما
ندرُسُ عظاتِ يسُوع هذه، نكتَشِفُ أنَّها لم تَكُنْ مُجرَّدٍ مُحاضَراتٍ أو عِظات.
واحِدَةٌ منها كانت قد بَدَأَت بِحِوار (متَّى 24، 25). عندَما ألقَى يسُوعُ هذه
العِظات، طرحَ عمداً أسئِلَةً كانت مَوضُوعَةً أصلاً لإقامَةِ حِوارٍ معَ أُولئكَ
الذين سَمِعُوهُ. مثلاً، بينَما ندرُسُ هذا الخُطاب الأطوَل ليَسُوع، عندَما
نَصِلُ إلى نهايَةِ الإصحاحِ الثالِث عشَر وبدايَةِ الإصحاح الذي يَليهِ، سوفَ
نَجِدُ أنَّ الرُسُلَ طَرَحُوا على يسُوع بِضعَةَ أسئِلَةٍ. وكانَ جوابُهُ على
أسئِلَتِهِم يُشَكِّلُ جوهَرَ ما نُسَمِّيهِ بالعِظَة.

 

بينما
نبدَأُ دراسَةَ الإصحاحِ الثَّالِث عشَر، نَجِدُ سَبَباً آخر لدراسَتِنا لهذا القِسم
المُهِمّ من إنجيلِ يُوحَنَّا، وهُوَ أنَّ يسُوعَ كانَ قد إختَتَمَ الآنَ ثلاثَ
سنين من خدمَةِ الوعظِ، الشِّفاء، التَّعليم، وتدريبِ الرُّسُل.

 

لقد
بدَأَ خدمَتَهُ العَلَنِيَّة معَ ما أُسمِّيهِ بالخُلوَة. إذا كُنتُم قد سَمِعتُم
برامِجَنا الإذاعِيَّة، أو قَرأتُم كُتَيِّباتِنا التي تَصِفُ المَوعِظَة على
الجَبَل، ستعرِفُون أنَّني أُؤمِنُ بأنَّ هذه العِظَة أُلقِيَت في إطارِ خُلوَةٍ.
القَصدُ من هذه الخُلَوة كانَ تجنيدُ تلاميذ وأُولئكَ الذين كَلَّفَهُم يسُوعُ بأن
يَكُونُوا رُسُلَهُ أو مُرسَليه. يَصِفُ مرقُس إطارَ هذه العِظة عندما يكتُبُ أنَّ
يسُوعَ إختَارَ الإثنَي عَشَر، وعَيَّنَهُم ليَكُونُوا معَهُ، ثُمَّ أرسَلَهُم إلى
العالم (مرقُس 3: 13- 15). أنا أُسَمِّي هذه العِظَة "بالخُلوَة المَسيحيَّة
الأُولى."

 

هُنا
كانَ قد دَرَّبَ هؤُلاء الرُّسُل لِثلاث سنواتٍ، وكانَتِ فترةُ التَّعليم
اللاهُوتي قدِ إنتَهَت. قبلَ أن يذهَبَ إلى الصَّليب، آخِرُ أمرٍ عمِلَهُ كانَ أن
يعقُدَ خُلوَةً أُخرى معَ هؤُلاء الرِّجال الإثنَي عَشَر. لهذا أُسمِّي هذه
العِظَة "الخُلوة المسيحيَّة الأخيرة." هذه الإصحاحات عميقَةٌ جدَّاً،
لأنَّها تُسَجِّلُ وَصِيَّةَ يسُوع الأخيرة، بَينَما كانَ يُفَوِّضُ هؤُلاء
الرِّجال الذين دَرَّبَهُم لثلاثِ سنوات بالرِّسالَةِ والخِدمَةِ التي إستَودَعَهُ
الآبُ إيَّاها.

 

رُتبَة
المَنشَفة (13: 1- 17؛ 34، 35)

هذه
هي الطَّريقة التي بَدَأَ بها يُوحَنَّا بتسجيلِ أطوَلِ عظَةٍ ليَسُوع:
"أمَّا يسُوعُ قَبلَ عِيدِ الفِصح، وهُوَ عالِمٌ أنَّ ساعَتَهُ قد جاءَت
لِيَنتَقِلَ من هذا العالم إلى الآب، إذ كانَ قد أحَبَّ خاصَّتَهُ الذين في
العالم، أحبَّهُم إلى المُنتَهى.

 

"فحينَ
كانَ العَشاءُ وقد ألقَى الشَّيطانُ في قَلبِ يَهُوَّذا سِمعان الإسخَريُوطِيُّ أن
يُسَلِّمَهُ. يسُوعُ وهُوَ عالِمٌ أنَّ الآبَ قد دَفَعَ كُلَّ شَيءٍ إلى يَدَيهِ
وأنَّهُ من عِندِ اللهِ خَرجَ وإلى اللهِ يَمضِي. قامَ عنِ العَشاءِ وخلَعَ
ثِيابَهُ وأخذَ مِنشَفَةً وإتَّزَرَ بها. ثُمَّ صَبَّ ماءً في مِغسَلٍ وإبتدَأَ
يَغسِلُ أَرجُلَ التَّلاميذ ويَمسَحُها بالمِنشَفَةِ التي كانَ مُتَّزِراً
بها." (يُوحَنَّا 13: 1- 5).

 

يا
لَهذهِ الطريقة الجميلة لبَدءِ خُلوَة. تُخبِرُنا الأناجيلُ الأُخرى أنَّ
الرُّسُلَ غالِباً ما كانُوا يتجادَلُونَ عمَّن منهُم سيَكُونُ الأعظَم في
الملكُوتِ الذي كانَ يسُوع سيُؤَسِّسُهُ. حتَّى عِندَما كانُوا على طَريقِهِم نحوَ
العُلِّيَّة، كانُوا يتجادَلُونَ عمَّن سيَكُونُ الأعظَمَ في المَلَكُوت (متَّى
20: 20- 28؛ لُوقا 9: 46- 48؛ 22: 24- 27). البَعضُ منهُم آمنُوا بأنَّ المَسِيَّا
سيُطيحُ بالسُّلطَةِ الرُّومانِيَّة، وسيُؤَسِّسُ ملكُوتاً على الأرض (أعمال 1:
6).

 

المَقطَعُ
الذي إقتَبَستُهُ أعلاهُ هُوَ السَّردُ الجَميل الذي أورَدَهُ يُوحَنَّا عن كيفَ
تجاوَبَ يسُوعُ معَ مُجادَلَةِ الرُّسُل حولَ من سيَكُونُ الأعظَمَ بينَهُم. فلقد
بدَأَ هذه الخُلوَة الأخيرة معَهُم بالقِيامِ بأمرٍ كانَ ينبَغي أن يصدُمَ هؤُلاء
الإثنَي عَشَر. خَلَعَ عباءَتَهُ، وأخذَ دَورَ العَبد. في تلكَ الحضارة، كانَتِ
العادَةُ أن يَغسِلَ المُضيفُ أرجُلَ الضُّيوفِ الذينَ يأتُونَ لتناوُلِ الطَّعامِ
إلى مائِدَتِهِ. ولكن، كانَ العَبيدُ هُمُ الذينَ يَقُومُونَ بغَسلِ أرجُلِ
الضُّيُوف. وهكذا كانَ يسُوعُ يأخُذُ دَورَ العبدِ عندما أخذَ وعاءً وبدَأَ بغسلِ
أرجُلِ التَّلاميذ.

 

عندَما
نقرَأُ أنَّهُ بدأَ بِغَسلِ أرجُلِهِم، يبدُو أنَّ هذا حَضَّرَنا لحقيقَةِ أنَّ
شَيئاً كانَ سيحدُثُ عندما سيَغسِلُ رِجلَي بُطرُس. نقرأُ: "فَجاءَ إلى سِمعان
بُطرُس فقالَ لهُ ذاكَ يا سَيِّدُ أنتَ تَغسِلُ رِجلَيَّ؟ أجابَ يسُوعُ وقالَ لهُ
لَستَ تعلَمُ أنتَ الآنَ ما أنا أصنَعُ ولكنَّكَ ستَفهَمُ فيما بعد. قالَ لهُ
بطرُس لَن تغسِلَ رِجلَيَّ أبداً. أجابَهُ يسُوعُ إن كُنتُ لا أغسِلُكَ فَلَيسَ
لكَ مَعي نَصيب. قالَ لهُ سِمعانُ بُطرُس، يا سَيِّد ليسَ رِجلَيَّ فقط بل أيضاً
يَدَيَّ ورأسي. قالَ لهُ يسُوع. الذي قدِ إغتَسَلَ ليسَ لهُ حاجَةٌ إلا إلى غَسلِ
رِجلَيهِ، بل هُوَ طاهِرٌ كُلُّهُ. وأنتُم طاهِرُونَ ولكن ليسَ كُلُّكُم. لأنَّهُ
عَرَفَ مُسَلِّمَهُ. لذلكَ قالَ لَستُم كُلُّكُم طاهِرين." (يُوحَنَّا 13: 6-
11).

 

في
دِراسَتِنا للإصحاحِ السَّابِق من هذا الإنجيل، عندما غَسَلَت مَريَم رِجلَي
يسُوع، تعلَّمنا أنَّ النَّاسَ كانُوا يضطَّجِعُونَ أرضاً على أريكة عندما كانُوا
يتناوَلُونَ الطَّعام في تلكَ الأيَّام. تخَيَّلُوا الرُّسُلَ يضطَّجِعُونَ على
الأرضِ حولَ مائِدَةٍ معَ يسُوع. تصَوَّرُوا أنَّ بُطرُس هُوَ الرِّسُول الخامِس
أو السَّادِس الذي إقتَرَبَ منهُ يسُوع، حامِلاً الوعاءَ والمِنشَفَة. في هذه
المرحلة، كانَ بُطرُس قد أصبَحَ تحتَ صَدمَةٍ، لِكَونِ الرَّبِّ يَغسِلُ
أرجُلَهُم. لم يَستَطِعْ بُطرُس أن يتحمَّلَ ذلكَ، عندما إقتَرَبَ منهُ يسُوع.
فقالَ بُطرُس، "يا سَيِّد، أنتَ تَغسِلُ رِجلَيَّ؟!" فأجابَ الرَّبُّ
بُطرُس بطريقَةٍ جَميلَةٍ قائِلاً: "لَستَ تعلَمُ الآنَ ما أنا أصنَعُ،
ولكنَّكَ ستفهَمُ فيما بعد."

 

هل
سَبَقَ وغَسَلَ أحدُ المُؤمِنِينَ رِجلَيك؟ لن أنسَى تلكَ الليلة التي فيها غَسَلَ
زَعيمُ قَبيلَةٍ بِدائِيَّة قَدمَيَّ، وكانَ قد إختَبرَ التَّجديد والإيمان
بِيَسُوع. فعِندَما غَسَلَ رِجلَيَّ، شَعرتُ تماماً كما شَعَرَ بُطرُس. لقد شعرتُ
بالهَلَع. ووجدتُ نفسي أقُولُ الكلماتِ ذاتِها التي قالَها بُطرُس: "أنتَ
تَغسِلُ رِجليَّ؟ فإبتَسَمَ وقالَ بالإنكليزيَّةِ التي عرَفَها: "تماماً مثل
بُطرُس!"

 

لقد
كانَ بُطرُس صادِقاً عندما عبَّرَ عن مشاعِرِهِ. سبقتُ وسألتُكَ إن كانَ أحدُ
المُؤمنينَ قد غَسَلَ رجلَيك. ينبَغي طَرحُ السُّؤالَ بطريقَةٍ أُخرى: كَيفَ
ستَشعُرُ لو تمَّ غَسلُ رجلَيكَ من قِبَلِ يسُوع المسيح، رَبّ الأرباب، خالِق
الكَون وخالِق قَدَمَيكَ؟ هل بإمكانِكَ أن تضعَ نفسَكَ مكانَ بُطرُس، وأن
تتَصَوَّرَ كيفَ شَعَرَ عندما غسلَ يسُوعُ قدَمَيه؟

 

العددُ
الذي يُعَبِّرُ عن تجاوُبِ يسُوع معَ بُطرُس هُوَ عددٌ جميلٌ جِدَّاً: "لَستَ
تعلَمُ الآنَ ما أنا أصنَعُ، ولكنَّكَ ستفهَمُ فيما بعد." (يُوحَنَّا 13: 7)
وجدتُ هذه الكلمات مُناسِبَةً جدَّاً، عندما أقِفُ أمامَ قَبرٍ معَ مُؤمنينَ
فقدُوا أعِزَّاءَ على قُلُوبِهم. مرَّتْ أوقاتٌ كانَت فيها هذه الكلماتُ هي
الوحيدة التي يُمكِنُ أن تَكُونَ مُناسِبَةً للمُؤمنينَ الذين إختَبَرُوا إحدى
مآسي الحياة التي لا نفهَمُها.

 

ينبَغي
أن أُشارِكَ معَكُم على الأقَل حالَةً واحِدةً من هذه المآسي التي أقصُدُها. منذُ
عدَّةِ سنواتٍ، تعرَّفتُ على زَوجَين كانَا يُخَطِّطانِ للإلتِحاقِ بِكُلِّيَّةِ
لاهُوت. وبينما كانَتِ الزَّوجُة بإنتِظارِ رُجُوعِ زَوجها منَ خدمَتِهِ
البَحريَّة على سَفينَةٍ حَربِيَّة، حدَثَ لها ولزوجَةِ شابٍّ آخر منَ البَحريَّةِ
أيضاً، حدَثَ لِهاتَينِ الزَّوجَتَينِ حادِثُ سَيَّارَةٍ مُرَوِّع. فإحتَرَقَتِ
الزَّوجتانِ وإنفَجَرَتِ السيَّارَةُ من النِّيرانِ التي إلتَهَمَتْها.

 

العائِلاتُ
التي كانت تعيشُ في ولايَةٍ أُخرى، طلَبتْ منِّي ليسَ فقط أن أقُومَ بخدمَةِ
الجنازَةِ لهاتَينِ الزَّوجَتَين، بل أيضاً بأن أقضِيَ يوماً إضافِيَّاً معَهم،
وأن أُخبِرَهُم لماذا سمحَ الرَّبُّ لهكذا مأساة أن تحدُث. وكما هي الحالُ دائماً،
جاءَتْ ساعَةُ الحقيقَةِ أمامَ القَبر. بينما كُنتُ أطلُبُ منَ اللهِ أن يُعطِيَني
كَلِمَةَ تَعزِيَةٍ لهذه العائِلاتِ المَنكُوبَة بهذه المأساة، الكلمَةُ الوحيدَةُ
التي بدَت مُناسِبَةً لي آنذاك، هي ما قالَهُ يسُوعُ لِبُطرُس: "لَستَ تعلَمُ
الآنَ ما أنا أصنَعُ، ولكنَّكَ ستفهَمُ فيما بعد." (يُوحَنَّا 13: 7)

 

في
هذه الحياة، غالِباً ما يغِيبُ عن بالِنا ما يعمَلُهُ اللهُ. ولكنِّي أُؤمِنُ من
كُلِّ قَلبِي أنَّهُ يوماً ما، عندما نعرِفُ كما عُرِفنا، سنَنالُ جواباً على
أسئِلَتِنا الكَثيرة (1كورنثُوس 13: 12). وإلى ذلكَ اليَوم، سَتَكُونُ كلماتُ
يسُوع المَذكُورَة أعلاه مصدَرَ تعزِيَةٍ للكثيرين.

 

بِمعنَىً
ما، لم يُقَاطِع أحدٌ يسُوع، بل توفَّرَت لهُ فُرَصٌ لأنَّهُ دائماً كانَ
يُحَوِّلُ مُقاطَعات الكلام إلى فُرص مُتاحَة. وبينما يبدُو أنَّ بُطرُس كانَ
يقاطِعُ يسُوع، نرى بِبَساطَة يسُوعَ يتمتَّعُ بفُرصَةٍ بأن يُعَلِّمَ شَيئاً.
عندما أجابَ يسُوعُ بُطرُس، بالإضافَةِ إلى طَلَبِهِ من بُطرُس أن ينتَظِرَ إلى أن
ينتَهِيَ يسُوعُ من غَسلِ رِجلَيهِ، أعطى يسُوعُ لِبُطرُس تعليماً عظيماً آخر.
عندما طَلَبَ بُطرُس من يسُوع أن يغسِلَهُ كُلَّهُ، أخبَرَ يسُوعُ بُطرُسَ أنَّهُ
لن يحتاجَ إلى الإغتِسالِ بكامِلِهِ ثانِيَةً. بل يحتاجُ فقط إلى غَسلِ رِجلَيهِ.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس تشكيل فاندايك وسميث عهد قديم سفر إشعياء 29

 

في
تلكَ الأيَّام، كانَ النَّاسُ يذهَبُونَ للإستِحمامِ في الحمَّامَاتِ العامَّة.
وعندما كانُوا يسيرُونَ رُجُوعاً إلى منازِلِهم بعدَ إنتِهائِهِم منَ الإستِحمام،
كانَ الغُبارُ يلتَصِقُ بأقدامِهم الرَّطِبَة. فعندما كانُوا يَصلُونَ إلى البَيت،
أو إلى منزِلِ صَديقٍ لهُم حيثُ كانُوا مَدعُوُّونَ إلى الغداءِ مَثَلاً، لم
يكُونُوا بحاجَةٍ إلى الإستِحمامِ ثانِيَةً، بل إلى مُجَرَّدِ غَسلِ أرجُلِهما
مُجدَّداً.

 

الإستِحمامُ
في هذه الصُّورَة المجازِيَّة يُشيرُ إلى الولادَةِ الثَّانِيَة – أي التَّجديد.
عندما نُؤمِنُ بالمسيح لأجلِ الخلاص، ونُولَدُ ثانِيَةً، تُغسَلُ خطايانا
ونتطَهَّرُ تماماً. بكلماتٍ أُخرى، وكأنَّنا إستَحمَمنا. ولكن بينما نَسيرُ في
بَرِّيِّةِ هذا العالم، تتَّسِخُ أقدامُنا. وعندما تُصبِحُ أقدامُنا مُتَّسِخَةً،
لن نحتاجَ أن نتجدَّدَ ثانيَةً، مراراً وتكراراً، أو أن نستَحِمَّ مُجدَّداً
بالولادَةِ الثَّانِيَة، بل نحتاجُ إلى مُجَرَّدِ غسلِ أرجُلِنا بإستِمرار.

 

لِهذا
أسَّسَ الرَّبُّ مائِدَةَ العشاءِ الرُّبَّانِيّ، أو الإشتِراك، كما يُسمِّيهِ
البَعضُ. فهُوَ يعلَمُ أنَّنا سنحتاجُ دَورِيَّاً لأن نتذَكَّرَ بأن نغسِلَ
أقدامَنا. فعندما نُخطِئُ، نحتاجُ أن نعتَرِفَ بِخطايانا، واثِقينَ بأنَّهُ
سيغفِرُ خطايانا ويُطَهِّرَنا من كُلِّ إثم (1يُوحَنَّا 1: 7- 9). ولكن عندَما
يحدُثُ هذا، لا نَكُونُ نختَبِرُ الولادَةَ الثَّانِيَة. بل كُلُّ ما نحتاجُهُ
هُوَ غسلُ أرجُلِنا، أي التَّوبَة عن الخطايا العَرَضِيَّة التي تُعكِّرُ حياتَنا،
لأنَّ جسَدَنا أصبَحَ كُلُّهُ نظيفاً بالتَّجديد.

 

ثُمَّ
نقرَأُ أنَّهُ يَقُولُ: "وأنتُم طاهِرُونَ ولكن ليسَ كُلُّكُم. لأنَّهُ
عَرَفَ مُسَلِّمَهُ." (يُوحَنَّا 13: 10- 11) وسيَكُونُ لديهِ المَزيدُ
ليَقُولَهُ عنِ الذي سيُسَلِّمُهُ. ولكن، كم تمتَّعَ بُطرُس وباقي الرُّسل عندما
سَمِعُوا كلماتِ يسُوع القائلَة ما معناهُ: "أنتُم طاهِرُون. لأنَّكُم
إستَحمَمْتُم. ولا تحتاجُونَ إلا إلى غَسلِ أرجُلِكُم من وَقتٍ لآخَر."

 

ثُمَّ
تُتابِعُ القِصَّةُ كالتَّالِي: "فَلمَّا كانَ قد غَسَلَ أرجُلَهُم وأخذَ
ثيابَهُ وإتَّكَأَ، قالَ لهُم أتَفهَمُونَ ما قد صَنَعتُ بكُم. أنتُم تَدعُوني
مُعَلِّماً وسَيِّداً وحَسَناً تَقُولُونَ، لأنِّي أنا كذلكَ. فإن كُنتُ وأنا
السَّيِّدُ والمُعَلِّمُ قد غَسَلتُ أرجُلَكُم، فأنتُم يجِبُ عليكُم أن يَغسِلَ
بعضُكُم أرجُلَ بَعض. لأنِّي أعطَيتُكُم مِثالاً حتَّى كما صَنعتُ أنا بِكُم
تصنَعُونَ أنتُم أيضاً. الحقَّ الحقَّ أقُولُ لكُم إنَّهُ ليسَ عَبدٌ أعظَمَ من
سَيِّدِهِ، ولا رَسُولٌ أعظَمَ من مُرسِلِهِ. إن عَلِمتُم هذا، فطُوباكُم إن
عَمِلتُمُوهُ." (يُوحَنَّا 13: 12- 17)

 

عندما
إنتَهَى من عِظَتِهِ المُوحَى بها منَ الله، والتي هي جوابٌ على مُقاطَعَتِهِ – أي
التَّعليم الرَّائِع الذي شارَكَهُ معَ بُطرُس – سأَلَ قائلاً، "أتَفهَمونَ
ما صَنعتُ بِكُم؟" يا لِهذا السُّؤال! فماذا كانَ قد صنعَ بهِم؟ منَ الواضِحِ
أنَّهُ كانَ قد غَسَلَ أرجُلَهُم، وأعطاهُم مِثالاً عنِ التَّواضُعِ وخدمَةِ
بعضِهِم البَعض، بِشَكلٍ لن ينسَوهُ أبداً. ثُمَّ عَلَّقَ قائِلاً، "لأنِّي
أعطَيتُكُم مِثالاً، حتَّى كما صَنَعتُ أنا بِكُم تصنَعُونَ أنتُم أيضاً."
(يُوحَنَّا 13: 15)

 

لقد
أظهَرَ لنا الرَّسُول بُولُس كيفَ نُطَبِّقُ هذا التَّعليم عندما حضَّ كنيسة
فيلبِّي أن يَكُونَ لها فِكرُ المسيح، وأن يخدِمَ المُؤمِنُونَ فيها بعضُهُم بعضاً
بِمحبَّة (فيلبِّي 2: 1- 5). التَّطبيقُ الشَّخصِيّ والتعبُّدِيّ للطَّريقَةِ التي
بدأَ بها يسُوعُ هذه الخُلوَة هي بأن نسألَ الرَّبَّ يَوميَّاً، "كيفَ
أستطيعُ أن أخدُمَكَ يا رَبّ؟" أفضَلُ طريقَةٍ لتطبيقِ هذا العملِ الرَّمزِيّ
الذي بدَأَ بهِ يسُوعُ هذه العِظة، هي بأن نسألَ جميعَ الذين نعاشِرُهُم:
"كيفَ أستَطيعُ خدمَتك؟"

 

لَرُبَّما
تُوجَدُ طريقَةٌ أفضَل لطرحِ هذينِ السُّؤالَين، هي بأن نسأَلَ الرَّبَّ وأُولئكَ
الذينَ نحنُ على علاقَةٍ معَهُم، "كيفَ أستطيعُ أن أُحِبَّكَ؟" رُغمَ
أنَّ الأمرَ لم يَكُنْ واضِحاً تماماً، إلى أنَّ يسُوعَ عمِلَ شَيئاً آخر من أجلِ
الرُّسُل عندما غسلَ أرجُلَهُم. ما هُوَ الذي صنَعَهُ من أجلِهِم؟ سُؤالُهُ تمَّتِ
الإجابَةُ عليهِ في العددِ الأوَّل. تَرجَمَتي المُفَضَّلَة هي كالتَّالِي:
"بعدَ أن أحَبَّ خاصَّتَهُ الذين في العالم، أظهَرَ لهُم الآن أقصَى مدَى
لمحبَّتِهِ لهُم."

 

فعندَما
غسَلَ أرجُلَهُم، أحبَّهُم. فمنذُ أن إلتَقَى بهؤُلاء الرِّجال، أحبَّهُم جميعاً.
أحَبَّهُم بِطَريقَةٍ لم يُحَبُّوا بها قَطعاً من قبل. يُشيرُ يُوحَنَّا إلى
نفسِهِ بضعَ مرَّاتٍ في هذا الإنجيل بأنَّهُ التَّلميذ الذي أحَبَّهُ يسُوع.
(يُوحَنَّا 13: 23؛ 19: 26؛ 20: 2؛ 21: 20، 24). لم ينسَ يُوحَنَّا أبداً إختِبار
كَونِهِ مَحبُوباً بالطريقة التي أحبَّهُ بها يسُوع. وبعدَ سِتِّينَ سنَةً، عندما
دوَّنَ سفر الرُّؤيا وقدَّمَهُ ليسُوع، عَرَّفَ عن يسُوع بأنَّهُ:
"الشَّاهِدُ الأمين، الذي أحَبَّنا وقد غَسَّلَنا من خَطايانا بِدَمِهِ
وجعلَنا مُلُوكاً وكَهَنَةً." (رُؤيا 1: 5)

 

بَينما
كانَ يُوحَنَّا يُقدِّمُ السِّفرَ الأخير منَ الكتابِ المُقدَّس ليَسُوع، ما هُو
أوَّلُ شَيءٍ ذَكَرَهُ عن يسُوع؟ "الذي أحَبَّنا!" لقد أظهَرَ يسُوعُ
محبَّتَهُ لِرُسُلِهِ بطُرُقٍ صَغيرة لثلاثِ سنواتٍ. وعندما غَسَلَ رِجلَيه، كانَ
يُعَبِّرُ بِبَساطَةٍ عن محَبَّتِهِ بطريقَةٍ أُخرى. ولقد أظهَرَ لهؤُلاء
الرِّجالِ أقصى مدى من محبَّتِهِ، عندما غسَلَ أرجُلَهُم. لاحِظُوا أنَّهُ
أحبَّهُم بِطَرِيقَةٍ لم يَكُونُوا مُستَعِدِّينَ أن يُحِبُّوا بعضُهم البَعض بها.
كانَ هذا جَوهَرُ هذا المِثال من محبَّتِهِ لهم.

 

سوفَ
يُؤَكِّدُ يسُوعُ الرَّابِطَ بينَ محبَّتِهِ لهُم وغَسلِهِ لأرجُلِهِم، عندما
أصدَرَ ما نُسمِّيهِ "الوصيَّةَ الجديدة." فلقد علَّمَ بِوُضُوحٍ
أنَّهُم عليهِم أن يتبَعُوا مِثالَهُ بغَسلِ أرجُلِ بعضِهم البَعض. الوَصِيَّة
الجديدة ستُظهِرُ لهُم بِبَساطَةٍ كيفَ ينبَغي عليهِم أن يُطَبِّقُوا ما قَصَدَهُ
عندما قالَ لهُم أن يتبَعُوا مِثالَهُ وأن يَغسِلُوا بعضُهُم أرجُلَ بعض.

 

كانت
وَصِيَّةُ يسُوع الجديدة هي: "أن تُحِبُّوا بعضُكُم بَعضاً. كما أحبَبتُكُم
أنا تُحِبُّونَ بَعضُكُم بَعضاً. بِهذا يَعرِفُ الجَميعُ أنَّكُم تلاميذي إن كانَ
لكُم حُبٌّ بعضُكُم لِبَعضٍ." (يُوحَنَّا 13: 34، 35) عندما غَسَلَ
أرجُلَهُم، أحبَّهُم. وعندما قالَ لهُم أن يَتبَعُوا مِثالَهُ وأن يغسِلُوا
بعضُهُم أرجُلَ بَعض، كانَ يُعَلِّمُهُم أن يُحِبُّوا بعضُهُم بعضاً، كما هُوَ
أحبَّهُم لثلاثِ سنواتٍ، وكما أحبَّهُم بِغَسلِ أرجُلِهِم.

 

عندما
إلتَحَقَ بهِ هؤُلاء الرِّجال للخُلوَةِ الأخيرَة، كانَ لدَيهِم جميعاً شَيءٌ
واحِدٌ مُشتَرَك. لقد أحبُّوا يسُوعَ لأنَّ يسُوعَ أحبَّهُم. ولقد كتبَ يُوحَنَّا
لاحِقاً، "نحنُ نُحِبُّهُ لأنَّهُ هُوَ أحَبَّنا أوَّلاً." (1يُوحَنَّا
4: 19) لقد أحَبَّ يسُوعُ هؤُلاء الرِّجال، وهُم تجاوَبُوا معَ محبَّتِهِ هذه
بأفضلِ ما يُمكِنُهُم. ولكن، عندما إلتَقى بهم يسُوعُ في العُلِّيَّة، كُلُّ ما
نستَطيعُ قولَهُ هُوَ أنَّ يسُوعَ أحَبَّهُم وهُم أحَبُّوا يسُوع.

 

عندما
أعطى يسُوعُ وصَيَّتَهُ الجَديدة للرُّسُل، كانَ جوهَرُ ما يَقُولُهُ لكُلِّ
واحِدٍ منهُم: "أَتَرى أخاكَ الجالِس مُقابِلَكَ على المائِدة؟ أُريدُكَ أن
تُحِبَّ هذا الشَّخص. وبالطريقِةِ ذاتِها التي بها أحبَبتُكُم، أُوصيكَ الآن أن
تُحِبَّ أخاكَ هذا." ولقد وعدَ تلاميذَهُ بنتيجتينِ ستحدُثان سُرعانَ ما
يُطَبِّقُونَ هذه الوَصِيَّة: العالَمُ سيعلَمُ أنَّكُم تلاميذِي، وسوفَ
تتبارَكُونَ بِكَثرَة.

 

إذا
دَرستُم حياةَ هؤُلاء الرُّسُل، ستعلَمُونَ أنَّ البَعضَ منهُم كانُوا منَ
الغَيُورين، أي أنَّهُم كانُوا يُؤمِنُونَ بمُتابَعَةِ المُقاومَة ضِدَّ الرُّومان
رُغمَ كَونِهِم مُحتَلِّينَ من قِبَلِ رُوما. أحدُهُم كانَ يُدعَى سِمعان
الغَيُور. ولكنَّ واحِداً آخرَ منهُم كانَ عَشَّاراً، الذي يَعني أنَّهُ لم يَكُن
يُحارِبُ الرُّومان، بل كانَ يعمَلُ لِمَصلَحَتِهم. كانَ يجمَعُ الضَّرائِبَ من
إخوتِهِ اليَهُود. فأيُّ قاسَمٍ مُشتَرَكٍ كانَ يُمكِنُ أن يُوجَدَ بينَ الغَيُورِ
والعَشَّار؟

 

أُحِبُّ
أن أتَخَيَّلَ سِمعان الغَيُور جالِساً إلى المائِدَة مُقابِلَ مَتَّى. فتقابَلَت
عيناهُما معاً. ثُمَّ نَظَرَ كُلٌّ منهُما إلى الأرض، ومن ثَمَّ نظرَ كِلاهُما إلى
يسُوع مُجدَّداً. وبَدَت أعيُنُهما كِلاهما تسأَلانِ يسُوع، "هل تقصُدُ
أنَّهُ عليَّ أن أُحِبَّ هذا الشخص الذي يَجلِسُ مُقابِلي؟ هل تقصِدُ أن يَغسِلَ
الغَيُورُ رِجلَي العشَّار، وأن يغسِلَ العَشَّارُ رِجلَي الغَيُور؟"

 

وكانَ
يسُوعُ يُجيبُ بنظراتِ عينيهِ بما معناهُ: "تماماً. فعندَما سيسمَعُ العالَمُ
أنَّ غَيُوراً يغسِلُ رِجلَي عَشَّار، وأنَّ عشَّاراً يغسِلُ رِجلَي غَيُور –
وأنَّ غيُوراً يُحِبُّ عَشَّاراً، وأنَّ عشَّاراً يُحِبُّ غَيُوراً – سوفَ يعلَمُ
النَّاسُ أنَّكُم تلاميذِي."

 

بعدَ
البَدءِ بالخُلوَةِ بِعَمَلٍ رَمزِيٍّ عَميقٍ بغَسلِ أرجُلِ التَّلاميذ، صدَمَ
يسُوعُ هؤُلاء الرِّجال بالأخبارِ المُحزِنة أنَّهُ كانَ سيَترُكُهم. فبَدَوا
وكأنَّهُم فَهِمُوا أنَّهُ قَصَد موتَهُ، رُغمَ أنَّ هذا لم يَكُنْ أكيداً. لقد
فَهِمُوا أنَّهُ كانَ يَقُولُ لهُم: "أنا سأذهَبُ بَعيداً ولا يُمكِنُكُم أن
تأتُوا معِي." (يُوحَنَّا 13: 36).

 

وقالَ
لهُم أيضاً: "على ضَوءِ كَوني سأترُكُكُم، أُعطيكُم وَصِيَّةً جَديدة."
بما أنَّ أُسلُوبَهُ كانَ إعطاءَ إيضاحٍ قبلَ التَّعليم، أو العِظة، سبقَ وأوضَحَ
هذه الوصِيَّة الجديدة عندما غسَلَ أرجُلَهُم، ومن ثَمَّ طرحَ عليهِم السُّؤال:
أتفهَمُونَ ما صَنعتُ بكُم؟" عندما غَسَلَ أرجُلَهُم، أظهَرَ لهُم أقصَى
محبَّتِهِ، وعندما قالَ لهُم، "أنا غَسَلتُ أرجُلَكُم حتَّى تَغسِلُوا
بعضُكُم أرجُلَ بعض،" كانَ يقصُدُ القَول، "إن كُنتُ قد أحبَبْتُكُم،
أحِبُّوا بعضُكُم بعضاً."

 

لقد
قُمنا أنا وزَوجَتي بتَربِيَةِ خَمسَةِ أولادٍ رائعين. ولقد أُخبِرنا أنَّ أفضَلَ
طريقَةٍ لِتعريفِ أولادِنا على العلاقَةِ الصحيحَةِ بينَ الزَّوجِ والزَّوجَة، هي
بإظهارِ عواطِفِ المحبِّةِ بينَ الزَّوجَين في حُضُورِ الأولاد. ذاتَ صباحٍ
أظهَرنا أنا وَزوجتَي الكثير من عواطِفِ المحبَّةِ لِبَعضِنا في وقتِ الفُطُور،
فسألَت إبنَتُنا قبلَ أن تُغادِرَ هي وإخوَتُها إلى المدرَسَة: "أهذا ما
تفعَلانِهِ طوالَ النَّهارِ عندما نَكُونُ في المَدرَسة؟"

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ص صُنُوج ج

 

وبناءً
على ما قِيلَ لنا، عندما تزوَّجَت إبنَتُنا، كانَ لدَيهَا مَوقِفٌ إيجابِيٌّ تجاهَ
علاقَةِ المحبَّةِ بينَ الزَّوجَين في بَيتِها، بِسَبَبِ ما لاحَظَتْهُ من محبَّةٍ
صادِقَة بينَ والِدَيها كَمِثالٍ صالِح.

 

لقد
كانَ يسُوعُ يَقُولُ لرُسُلِهِ أنَّهُ دَرَّبَهُم ثلاثَ سنواتٍ، وأنَّهُ كانَ
يُعطيهم مأمُوريَّةً ليُشارِكُوا بِرسالَةِ المحبَّة لعالَمٍ مَليءٍ بالعُنفِ
والقَسوة. وكانَ يخبِرُهُم بِبَساطَةٍ أنَّ أفضَلَ طريقَةٍ لإيصالِ رسالَةِ
محبَّتِهِ للنَّاس، هي بأن يُحِبُّوا بعضُهُم بعضاً.

 

وفي
غُضُونِ سنواتٍ قَليلَة، كانت الشُّعُوبُ الوثنيَّةُ القاسيَة تُشاهِدُ أتباعَ
المسيح الذين كانُوا يُلقَونَ للمَوتِ بطُرُقٍ لا يُعَبَّرُ عنها في الملاعِبِ
الرُّومانِيَّة. وبينما كانَ هؤُلاء المُؤمنُونَ بالمسيحِ يمُوتُونَ بالجماعاتِ،
كانَتِ جُمُوعُ المُتَفَرِّجِينَ تقُولُ مُتَعجِّبَةً، "أُنظُرُوا كيفَ
يُحبُّونَ بَعضُهُم بعضاً." يُخبِرُنا التَّاريخُ أنَّهُ مرَّتْ أوقاتٌ كانَ
فيها أُولئكَ الذينَ يُشاهِدُونَ المسيحيِّينَ يمُوتُونَ في حَلباتِ المُصارَعةِ
الرُّومانِيَّة، إنضَمَّ فيها هؤُلاء الوثَنِيُّونَ إلى تلاميذِ يسُوع ليَمُوتُوا
معَهُم بسببِ إعجابِهِم بالطريقةِ التي أحَبُّوا فيها بعضُهُم بعضاً خلالَ
مُواجَهَتِهم للمَوتِ معاً.

 

عندما
كتبَ يُوحَنَّا الرَّسُول رسالَتَهُ القَصيرَة التي نَجِدُها في نهايَةِ العهدِ
الجَديد، أعطانا عشرَةَ أسبابٍ تُوجِبُ علينا أن نُحِبَّ بَعضُنا بعضاً (1يُوحَنَّا
4: 7- 21) يُخبِرُنا التَّقليدُ أنَّهُ عندما أصبَحَ يُوحَنَّا شَيخاً طاعِناً في
السِّنِّ، كانَ قد أصبحَ ضَعيفاً لدَرَجةِ أنَّهُ كانَ يُحمَلُ إلى إجتماعاتِ
الكنيسة. وكانَ يُبارِكُ الجماعَةَ بِصَوتٍ ضَعيفٍ، وهُوَ يَقولُ: "يا
أولادِي، أحِبُّوا بعضُكُم بَعضاً." لقد فَهِمَ رَسُولُ المَحَبَّةِ
وَصِيَّةَ يسُوع الجديدة.

 

عَهدٌ
جَديدٌ ومُجتَمَعٌ جَديد

عندَما
أعطَى الوَصِيَّةَ الجديدةَ في العُلِّيَّة، قالَ لتلاميذِهِ ما معناهُ: "لقد
إلتَزَمتُم بي وأنا إلتَزَمتُ بكُم. أنتُم في عَهدٍ معِي وأنا في عَهدٍ معَكُم.
لقد قَدَّمتُ هذا العهد لكُم عندما قدَّمتُ لكُم هذا التَّحدِّي: "هَلُمُّوا
ورائِي فأجعَلَكُم." (متَّى 4: 19) لقدِ إلتَزمتُم بأن تَتبَعُونِي، وأنا
إلتَزَمتُ بأن أجعَلَ منكُم واحِداً من حُلُولي وأجوِبَتي لثلاثِ سنواتٍ. ولكن
الآن أنا أُوصيكُم أن تَقطَعُوا عهداً وأن تَلتَزِمُوا بَعضُكُم بِبَعضٍ. أحِبُّوا
بعضُكُم بعضاً بالطَّريقَةِ نفسِها التي بها أحبَبتُكُم خلال الثلاث سنين التي
قَضَيتُها معَكُم."

 

هذا
هُوَ رُوحُ وجوهَرُ الطَّريقَة التي بها بدَأَ يسُوعُ عظَتَهُ في العُلِّيَّة،
وكذلكَ فيما يختَصُّ بالوصيَّةِ الجديدة التي عَلَّمَتِ الرُّسُلَ بأن يُطَبِّقُوا
الحقيقَةَ التي عَلَّمَها بحَرَكاتٍ دراماتِيكَّة بدأَ بها خُلوَتَهُ المسيحيَّة
الأخيرة. الوَصِيَّةُ الجديدةُ عَرَّفَتِ الرُّسُلَ إلى فِكرَةِ العهدِ الجديد،
وهذا العهدُ الجديدُ خلقَ مُجتَمَعاً جديداً. هذا المُجتَمَعُ الجديدُ هُو ما
نُسمِّيهِ كنيسة اليوم. علينا جميعاً أن نُصَلِّيَ لِكَي تَكَونَ الكنيسَةُ التي
نحنُ فيها أعضاء، لِكَي تَكُونَ مُجتَمَعَ محَبَّةٍ، كما خَطَّطَ لها يسُوعُ أن
تَكُون عندما أعطَى وَصِيَّتَهُ الجديدة للرُّسُلِ في العُلِّيَّة.

 

ختَمَ
يسُوعُ مُقَدِّمَتَهُ لهذه الخُلوة المسيحيَّة الأخيرة بوصفٍ جميلٍ للإيمان:
"إن عَلِمتُم هذا، فطُوباكُم إن عَمِلتُمُوهُ." (أعمال 13: 17) تُؤمِنُ
الكثيرُ منَ الحضاراتِ اليوم بأنَّ المعرِفَة هي فَضيلَة – بمقدارِ ما تعرِفُ،
بمقدارِ ما تزدادُ فضيلَتُكَ أو تقواكَ. لا مكانَ لطريقَةِ التَّفكير هذه في
الكنيسة، لأنَّها تتجاهَلُ القِيَمَ والحقيقَةَ التي علَّمَها يسُوعُ وأعطَى عنها
مِثالاً في عظَةِ العُلِّيَة. لقد عَلَّمَ يسُوعُ أنَّ ما نعمَلُهُ حيالَ ما
نعلَمُهُ هُوَ ما يجعَلُنا أتقِياء.

 

عبرَ
الأناجيل الأربَعة، نقرَأُ أنَّ يسُوعَ أعطى قيمَةً أكبَر للأداءِ ممَّا أعطاهُ
للمَنصِب (متَّى 21: 28- 31). ولقد عَلَّمَ أنَّنا نتأكَّدُ من أنَّ تعليمَهُ هُوَ
منَ الله، عندما نقتَرِبُ من تعليمِهِ برَغبَةِ بأن نعمَلَ بهِ بدلَ الرَّغبَة بأن
نعلمَهُ فقَط. بِكَلِماتٍ أُخرى، علَّمَ أنَّ العَمَلَ يَقُودُ إلى العِلم، بينَما
مُعظَمُ العالم يُؤمِنُ أنَّ العِلمَ يَقُودُ إلى العَمَل (يُوحَنَّا 7: 17).

 

بِحَسَبِ
يسُوع، ليسَت معرِفَةُ ما عَلَّمَ بهِ عندما غَسَلَ أرجُلَ التَّلاميذ هُوَ ما
سيُبارِكُ حياةَ وعلاقاتِ الرُّسُل. بل سيتبارَكُونَ عندما سيَعمَلُونَ ما عَلَّمَهُم
بمثالِهِ الذي أعطاهُ في الخُلوَةِ المسيحيَّةِ الأخيرة. لقدِ إختَتَمَ يسُوعُ
خُلوَتَهُ المسيحيَّة الأُولى بإيضاحٍ عَميقٍ عنِ الفَرقِ بينَ أولئكَ منَ
تلاميذِهِ الذين سَمِعُوا كَلِمتَهُ وطبَّقُوا ما سَمِعُوهُ، وأُولئكَ الذينَ
إكتَفُوا بالسَّمعِ ولم يُطَبِّقُوا أبداً ما سَمِعُوهُ (متَّى 7: 24- 27).

 

العَمَلُ
الرَّمزِيُّ العميقُ الذي بهِ بدَأَ يسُوعُ هذه العِظَة والوصيَّة الجديدة التي
تُفَسِّرُ وتُطَبِّقُ محبَّتَهُ للرُّسُل، هي الأساسُ الذي ستُبنَى عليهِ كنيسةُ
المسيح. فكُلُّ كَنيسَةٍ غير مَبنِيَّة على أساسِ محبَّةِ المسيح، وعلى أساسِ
محبَّةِ المُؤمنينَ لبَعضِهم البَعض، ستَسقُطُ عندما ستَهُبُّ عواصِفُ المشاكِلِ
منَ الدَّاخِلِ والخارِج على هذه الكنيسة. الكنيسةُ المَبنِيَّةُ على الوَصِيَّةِ
الجديدة، وعلى الطَّريقَة التي بدأَ بها يسُوعُ أطوَلَ عظَةٍ من عظاتِهِ، هي التي
سَتثبُتُ لأنَّهَا مُؤَسَّسَةٌ على صَخرَةِ المسيح الحَيِّ المُقام.

 

"هَل
أنا" (يُوحَنَّا 13: 18- 38)

بَينَ
العملِ الرَّمزِيِّ بغسلِ أرجُلِ التَّلاميذ وبينَ الوَصِيَّةِ الجديدة، أضافَ
يسُوعُ على التَّصريحِ الذي قدَّمَهُ مُسبَقَاً بأنَّهُ لم يَكُنْ كُلُّ الرُّسُل
أنقِياء، وأنَّهُ عرَفَ أيَّاً منهُم سيُسلِمُهُ.

 

قالَ
يسُوعُ في العدد 18: "لَستُ أقُولُ عن جَميعِكُم. أنا أعلَمُ الذينَ
إختَرتُهُم. لكن لِيَتِمَّ الكِتابُ. االذي يأكُلُ معِي الخُبزَ رَفَعَ عليَّ
عَقِبَهُ. أقُولُ لكُم الآن قبلَ أن يَكُونَ حتَّى متى كانَ تُؤمِنُون أنِّي أنا
هُو. الحقَّ الحَقَّ أقُولُ لكُم، الذي يَقبَلُ من أُرسِلُهُ يقبَلُني. والذي
يقبَلُني يقبَلُ الذي أرسَلَني." (يُوحَنَّا 13: 18- 20)

 

لمَّا
قالَ يسُوعُ هذا، إضطَّرَبَ بالرُّوحِ وشَهِدَ وقال: الحقَّ الحَقَّ أقُولُ لكُم
إنَّ واحِداً منكُم سيُسَلِّمُني. فكانَ التَّلاميذُ ينظُرُونَ بَعضُهُم إلى بَعضٍ
وهُم مُحتارُونَ في مَن قالَ عنهُ. وكانَ مُتَّكِئاً في حِضنِ يسُوع واحِدٌ من
تلاميذِهِ كانَ يسُوعُ يُحِبُّهُ. فأومأَ إليهِ سِمعانُ بُطرُسُ أن يسأَلَ من
عَسَى أن يَكُونَ الذي قالَ عنهُ. فإتَّكَأَ ذاكَ على صَدرِ يسُوع وقالَ يا سَيِّد
من هُو. أجابَ يسُوعُ وقالَ هُوَ ذاكَ الذي أَغمِسُ أنا اللُّقمَةَ
وأُعطِيهِ." (21- 26).

 

"فغمَسَ
اللُّقمَةَ وأعطاها لِيَهُوَّذا سِمعان الإسخَريُوطِيّ. فبَعدَ اللُّقمَة دَخَلَهُ
الشَّيطان. فقالَ لهُ يسُوعُ ما أنتَ تعمَلُهُ فاعمَلْهُ بأَكثَرِ سُرعَةٍ. وأمَّا
هذا فلم يفهَمْ أحَدٌ منَ المُتَّكِئِينَ لماذا كلَّمَهُ بهِ. لأنَّ قَوماً إذ
كانَ الصُّندُوقُ معَ يَهُوَّذا ظَنُّوا أنَّ يسُوعَ قالَ لهُ إشتَرِ ما نحتاجُ
إليهِ لِلعِيد. أو أن يُعطِيَ شَيئاً لِلفُقَراء. فَذاكَ لمَّا أخَذَ اللُّقمَةَ
خَرَجَ لِلوَقتِ. وكانَ لَيلاً." (26- 30 ).

 

هذه
هي قِصَّةُ خيانَةِ يسُوع الجَديرَة بالإهتِمام. لاحِظُوا أنَّ يُوحَنَّا يُصِرُّ
على ذكرِ أنَّ ما يُخبِرُنا بهِ كانَ إتماماً للنُّبُوَّات. بالإضافَةِ إلى تكرارِ
هذه المُلاحَظة مراراً، هُناكَ تشديدٌ على أنَّ بعضَ الأحداثِ كانت تحتَ سَيطَرَةِ
العنايَةِ الإلهيَّةِ لإلهٍ كامِلِ السِّيادَة. نَجِدُ هذا النَّوع منَ التَّعليقَ
عبرَ إنجيلِ يُوحَنَّا بكامِلِهِ.

 

نسمَعُ
هذه الحقائِق ذاتِها من يسُوع في هذا المقطَع، عندما يقتَبِسُ يُوحَنَّا يسُوعَ
وهُوَ يَقُولُ: "أنتُم طاهِرُونَ، ولكن لَيسَ كُلّكُم، لأنِّي أعرِفُ الذين
إختَرتُهُم. ولكنَّ واحِداً منكُم يُسَلِّمُني. وهذا ما سيُتَمِّمُ النُّبُوَّات.
"الآكِلُ خُبزِي رَفَعَ عليَّ عقِبَهُ." (18، 26)

 

في
تلكَ الأيَّام، كانَ التَّعبيرُ الأكثَر حَميميَّةً عنِ الصَّداقة، أن يتَّكِئَ
الأصدِقاءُ حولَ مائِدَةِ الطَّعامِ لِتَناوُل الطَّعامِ من طَبَقٍ واحِد. أن
تجلِسَ إلى مائِدَةِ أحدِهم، وأن تكسِرَ الخُبزَ معَهُ، وأن لا تَكُونَ صَديقاً
وَفِيَّاً، كانَ هذا التَّصرُّفُ يُعتَبَرُ قِمَّةَ الخِيانَة.

 

بِحَسَبِ
الأناجيل، عندما أخبَرَهُم يسُوعُ أنَّ واحِداً منهُم كانَ سيَخُونُهُ
ويُسَلِّمُهُ، سأَلَ كُلُّ واحِدٍ منهُم، "هل أنا يا سَيِّد؟" (متَّى
26: 22؛ مرقُس 14: 19). تُحَيِّرُني الطَّريقَةُ التي بها تجاوَبَ كُلٌّ منهُم معَ
حقيقَةِ أنَّ واحِداً منهُم كانَ سيُسلِمُ رَبَّهُم يسُوع. تأمَّلُوا كيفَ كَشَفَ
هذا الأمرُ عدَم شُعُور الرُّسُل بالثِّقَةِ والأمان. وكم كانَ إيمانُهُم
وإلتِزامُهُم سَريعَ العَطَب عِندَما قَضَوا هذه السَّاعاتِ الأخيرَة معَ يسُوع،
قَبلَ أن يَذهَبَ إلى الصَّليب ليَمُوتَ من أجلِ خلاصِهم.

 

لقد
صَحَّ هذا بِشَكلٍ خاصٍّ على الرَّسُول بُطرُس. ينتَهي هذا الإصحاحُ معَ الرَّبِّ
يسُوع وهُوَ يتنبَّأُ بنُكرانِ بُطرُس لهُ ثلاثَ مرَّات. حاوِلُوا أن تتصوَّرُوا
الإضطِّراب الذي أصابَ بطرُس في قَلبِهِ عندما سَمِعَ الرَّبَّ يَقُولُ لهُ أنَّهُ
قبلَ أن يَصيحَ الدِّيكُ سيُنكِرُهُ بُطرُس ثلاثَ مرَّاتٍ. لقد كانَ بُطرُس
الفُرصَةَ التي أعطَتْ يسُوعَ مَجالاً ليُعَلِّمَ هذه الحقائق الرَّائِعَة، في
إطارِ غَسلِ أرجُلِ بُطرُس وباقِي الرُّسُل من قِبَلِ الرَّبّ يسُوع نفسهِ. لقد
أصبَحَ بُطرُس الآن الشَّرارَةَ التي حوَّلَت هذه العِظَة إلى حِوارٍ بينَ يسُوع
وهؤُلاء الأحد عشَر.

 

كانَ
التَّنبُّؤُ بِنُكرانِهِ جواباً على سُؤالَينِ طرَحُهما بُطرُس. ففي تدريبِ يسُوع
لهؤُلاء الرُّسُل، منَ الواضِحِ أنَّ أُسلُوبَ يسُوع في التَّعليم كانَ المَقصُود
منهُ تشجيع لا بَل إستِدراج التلاميذ ليَطرَحُوا أسئِلَةً. مثلاً، تصريحُ يسُوعُ
أنَّهُ كانَ ماضٍ إلى حَيثُ لا يَستَطيعُونَ أن يُرافِقُوهُ، كانَ هذا هُوَ ما
دَعا بُطرُس ليَطرَحَ السُّؤالَين: "يا سَيِّد إلى أينَ تَذهَبُ؟ إنِّي أضَعُ
نَفسي عنكَ." (13: 36، 37).

 

الطريقَةُ
التي ينتَهِي بها هذا الإصحاحُ الثَّالِث عَشَر تُعطِينا مِثالاً آخَر من مبادِئِ
دَرسِ الكتابِ المُقدَّس، الذي شارَكتُهُ معَكُم في دراسَةِ الكُتَيِّب الخامِس
والعشِرين – أنَّنا لا ينبَغي أبداً أن ندعَ تقسيمَ الإصحاحاتِ أن يقطَعَ تسلسُلَ
الأفكارِ خلالَ قراءَتِنا للكتابِ المُقدَّس. هذانِ السُّؤالانِ اللذانِ طرَحُهما
بُطرُس، أثاراَ أسئِلَةً من تُوما، فيلبُّس والرَّسُول يَهُوَّذا، التي طَرحَها
يسُوع وأجابَ عليها أمامَ التَّلاميذ وغيرهم في الإصحاح 13.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد قديم سفر أخبار الأيام الأول 14

 

أجابَ
يسُوعُ على أسئِلَةِ بُطرُس في نهايَةِ هذا الإصحاح، ولكنَّهُ أجابَ على أسئِلَةِ
بُطرُس وأسئِلَةِ أُولئِكَ الرُّسُلِ الآخرين في الإصحاحِ الرَّابِع عَشَر.
أسئِلَةُ هؤُلاءِ الرُّسُلِ الأربعة، خاصَّةً أجوِبَةُ يسُوع على أسئِلَتِهِم،
تُعتَبَرُ مفتاحَ الإصحاحِ الرَّابِع عشَر من إنجيلِ يُوحَنَّا. خلفِيَّةُ
الإصحاحِ الرَّابِع عَشَر تُوجَدُ بالفِعل في خاتِمَةِ الإصحاحِ الثَّالِث عشَر.

 

بينَما
تقرَأُونَ الإصحاحَ التَّالِي من هذا الإنجيلِ العَميق، فتِّشُوا عن الأجوِبَة على
الأسئِلَةِ التي طَرَحَها بُطرُس في نهايَةِ هذ ا الإصحاح، ولاحِظُوا أسئِلَةَ
باقِي الرُّسُل. رَكِّزُوا بالتأكيدِ في دِراسَتِكُم على أجوِبَةِ يسُوع على
أسئِلَتِهِم. فأجوِبَتُهُ هي جوهَرُ عِظَتِهِ الطَّويلَة.

 

بينما
أختَتِمُ تفسيري لإصحاحٍ آخر من هذا الإنجيلِ المَجيد، ولكَي أُلَخِّصَ أوَّلَ
أربَعِ إصحاحاتٍ تتكلَّمُ عنِ عِظَةِ يسُوع في العُلِّيَّة، عليَّ أن أرجِعَ إلى
الأسئِلَةِ التي كنتُ أطرَحُها عبرَ هذه الدِّراسَة بكامِلِها.

 

من
هُوَ يسُوع؟ في هذا الإصحاح، يسُوعُ هُوَ الرَّبُّ والمُعَلِّمُ المُتواضِعُ، الذي
يأخُذُ دَورَ عَبدٍ ويخدُمُ تلاميذَهُ بِغَسلِ أرجُلِهم، مُظهِراً لهُم محبَّتَهُ
القُصوَى. إنَّهُ الرَّبُّ المُحِبُّ، الذي يُحِبُّ رُسُلَهُ ويُوصِيهم بأن
يُحِبُّوا بَعضُهُم بعضاً كما هُوَ أحبَّهُم.

 

وما
هُوَ الإيمانُ؟ الإيمانُ هُوَ ما نعمَلُهُ حِيالَ ما نعلَمُهُ. الإيمانُ هُوَ أن
نُطَبِّقَ في علاقَتِنا معَ الرَّبِّ وفي كُلِّ علاقَاتِنا معَ النَّاس، كُلَّ ما
تَعَلَّمناهُ من يسُوع عنِ التَّواضُعِ والمحبَّة. الإيمانُ هُوَ أن نسألَ
الرَّبَّ، ومن ثَمَّ الناسَ الذين نلتَقيهِم في حَياتِنا، "كيفَ أستَطيعُ أن
أخدُمَكَ؟" الإيمانُ هُوَ أن نسأَلَ أنفُسَنا إن كُنَّا وَطَنَ المَحَبَّةِ
الذي يُريدُنا الرَّبُّ أن نَكُونَهُ، ثُمَّ أن نُجاهِدَ لنَتبَعَ مِثالَ الرَّبّ.
الإيمانُ هُوَ أن نطرَحَ السُّؤال: "لو إتُّهِمنا بأنَّنا نُحِبُّ بَعضُنا
بعضاً كما أحبَّ مُؤمِنُو القَرنِ الأوَّل بعضُهُم بَعضاً، فهَل سيَكُونُ هُناكَ
ما يكفي منَ الأدِلَّةِ ليَثبُتَ علَينا هذا الإتِّهام؟ إن لَم يَكُن هُناكَ ما
يكفي منَ الأدِلَّة، عندَها سيَكُونُ الإيمانُ أن نعمَلَ ما يُمكِنُ أن يُحدِثَ
هكذا أدِلَّة – أن نُحِبَّ بَعضُنا بعضاً كما أحَبَّنا يسُوع (34).

 

وما
هِيَ الحياةُ؟ الحَياةُ هِيَ ما نَختَبِرُهُ عندما نُحَبُّ بِدُونِ شُرُوطٍ، كما
أحَبَّ المسيحُ الرُّسُلَ. الحَياةُ هي كُلُّ ما نَختَبِرُهُ عندما نُحِبُّ
ونُحَبُّ بمحبَّةِ المسيح.

 

صَلاتي
هي أن تتعرَّفُوا إلى يسُوع، وأن تَصِلُوا إلى إيمانٍ أقوى وأن تختَبِرُوا تلكَ
النَّوعِيَّة منَ الحياة التي أرادَها الرَّبُّ لكُم من خلالِ دِراسَتِنا معاً
لإنجيلِ يُوحَنَّا. فلقد تعلَّمنا معاً الكَثيرَ من دِراسَتِنا للإصحاحات 11 -14
من إنجيلِ يُوحَنَّا. وعلينا أن نختُمَ هذا الكُتَيِّب هُنا، ولكنِّي أُشَجِّعُكُم
أن تطلُبُوا الحُصُولَ على الكُتَيِّب رَقم 27، الذي يُتابِعُ من حَيثُ ننتَهي
هُنا، دراسَةَ إنجيلِ يُوحَنَّا، عدداً بعدَ الآخر. أختُمُ بكَلماتِ الرِّبِّ يسُوع
المسيح القائِلة، "وَصِيَّةً جَديدَةً أنا أُعطيكُم، أن تُحِبُّوا بَعضُكُم
بَعضاً؛ كما أحبَبْتُكُم أنا تُحِبُّونَ أنتُم أيضاً بَعضُكُم بَعضاً."
(يُوحَنَّا 13: 34).

 

"أسئِلَة
وأجوِبَة"

(يُوحَنَّا
13: 33- 14: 14)

كما
أشَرتُ، يبدَأُ يُوحَنَّا في مُنتَصَفِ الإصحاحِ الثَّانِي عشَر النِّصفَ
الثَّانِي من إنجيلِ يُوحَنَّا. النِّصفُ الأوَّلُ من هذا الإنجيل يتكلَّمُ
بِشَكلٍ عامٍّ عن خدمَةِ يسُوع من وَعظٍ وتعليمٍ وشِفاءٍ وتدريبٍ للرُّسُل الذين
سيُتابِعُونَ ما بدأَهُ خلالَ السَّنواتِ الثلاث من خدمَتِهِ العَلَنيَّة. بدَأَ
يُوحَنَّا القِسمَ الثَّانِي من إنجيلِهِ بتخصيصِ أربَعَةِ إصحاحاتٍ للطَّريقَةِ
التي ذَكَّرَ بها بأطوَلِ عِظَةٍ مُدَوَّنَةٍ ليسُوع، والتي نَجِدُها مُسَجَّلَةً
في الإصحاحاتِ الأربَعة، والتي تُسَمَّى بِعِظَةِ العُلِّيَّة." (يُوحَنَّا
13- 16).

 

غالِباً
ما إستَخدَمَ مُعَلِّمُو النَّامُوس القُدَامَى منهَجِيَّةَ الأسئِلَة والأجوِبَة
خلالَ تعليمِهم. ولقد أجابُوا بالفعلِ على الأسئِلَةِ بأسئِلَةٍ أُخرى طرحُوها
بِدَورِهِم. وعندما سُئِلَ مُعَلِّمُ النَّامُوس هِلِّل، "لماذا تُجِيبُونَ
أنتُم الرَّابِّيُّونَ على السُّؤالِ بِسُؤال؟" أجابَ بالسُّؤال، "ولمَ
لا؟" وكما يُشَدِّدُ هذا الإنجيلُ، كانَ يسُوعُ أكثَرَ من مُجَرَّدِ
مُعَلِّمٍ للنامُوس. ولكن، كَونَهُ المُعَلِّمُ الكامِل، إستَخدَمَ طريقَةَ
الأسئِلَة والأجوِبَة خلالَ تعليمِهِ. ولقد أثارَ تعمُّداً أسئِلَةً تَجُوبُ في
قُلُوبِ وأفكارِ هَؤُلاء الرُّسُل الذين خاطَبَهُم بعظَتِهِ الطَّويلة في
العُلِّيَّة.

 

ألقَى
يسُوعُ أطوَلَ عِظَةٍ لهُ عندما إلتَقى معَ تلاميذِهِ للمرَّةِ الأخيرة قبلَ
مَوتِهِ. وبما أنَّ كُلَّ هذا التَّعليم أُعطِيَ في إطارِ خُلوَة، لهذا أُسمِّيهِ
"الخُلوة المسيحيَّة الأخيرة." في مرحَلَةٍ مُبَكِّرَةٍ من خدمَةِ يسُوع
العلنيَّة لثلاثِ سنواتٍ، ألقَى يسُوعُ عِظَةً تُسَمَّى "المَوعِظَة على
الجبل." أُسمِّي هذه العِظة "الخُلوة المسيحيَّة الأُولى،" لأنَّ
يسُوعَ أعطَى هذا التعليم في إطارِ خُلوة. ومن بَينِ التَّلاميذِ الذين وضعَ
أمامَهُم التَّحدِّي على ذلكَ الجَبل، كلَّفَ يسُوعُ الإثنَي عَشَر ليَكُونُوا
رُسُلَهُ أَو مُرسَليه. ولقد علَّمَهُم لثلاثِ سنواتٍ، وأظهَرَ لهُم كيفيَّةَ
العمَل بتعليمِهِ، ثُمَّ دَرَّبَهُم وأرسَلَهُم ليُغامِرُوا في خِدمَتِهِ. وها
هُوَ الآن يأخُذُ خُلوَةً معَهُم، وهُوَ على وَشكِ أن يُخَرِّجَهُم من مدرَسَةِ
تدريبِهِ.

 

الأعدادُ
الأخيرَةُ من الإصحاحِ الثَّالِث عشَر تَذكُرُ سُؤالَين طَرَحَهُما بُطرُس على
يسُوع: "يا مُعَلِّم، أينَ تذهَب؟ ولماذا لا أستَطيعُ أن أذهَبَ معكَ؟ فأنا
مُستَعِدٌّ أن أضعَ حياتِي عنكَ!" أجابَ يسُوعُ على أسئِلَةِ بُطرُس
بالتَّنبُّؤِ عن نُكرانِ بُطرُس المُثَلَّث لهُ، وتابَعَ يسُوعُ بالإجابَةِ على
هذينِ السُّؤالَين اللذَينِ طرَحَهُما بُطرُس في بدايَةِ الإصحاحِ التَّالِي.
وبعدَ أن طرحَ بُطرُس سُؤالَيهِ، وبعدَ أن أجابَ الرَّبُّ عليهِما، تقدَّمَ
الرُّسُلُ تُوما، فيلبُّس، ويَهُوَّذا وطرَحُوا أسئِلَةً على يسُوع أيضاً. ولقد
شكَّلَت أسئِلَتُهُم وأجوِبَةُ يسُوع على أسئِلَتِهِم هذه قَلبَ الإصحاحِ
الرَّابِع عشَر من إنجيلِ يُوحَنَّا.

 

أنا
مُقتَنِعٌ أنَّ يسُوعَ كانَ يُشَجِّعُ عمداً طرحَ مثل هذه الأسئِلَة، عندما
إستَخدَمَ كَلِماتٍ مُفعَمَةٍ بالعَطفِ، التي نراها مُدَوَّنَةً في نهايَةِ
الإصحاحِ الثَّالِث عشَر." "يا أولادي، أنا معَكُم زَماناً قَليلاً
بَعد. سَتَطلُبُونَني وكَما قُلتُ لِليَهُود حيثُ أذهَبُ أنا لا تَقدِرُونَ أنتُم
أن تأتُوا، أقُولُ لكُم أنتُم الآن." (يُوحنَّا 13: 33). في هذَينِ
الإصحاحَين، ومن العدد 31 من الإصحاحِ الثالِث عشَر وحتَّى العدد 31 منَ الإصحاح
الرَّابِع عشَر، ليسَ بإمكانِكُم أن تقرَأُوا خمسَةَ أعدادٍ بِدُونِ أن تمُرُّوا
عبرَ مَوضُوعِ الدُّخُولِ والخُرُوج – أي أنَّ يسُوعَ دَخَلَ إلى هذا العالم وها
هُوَ الآن يخرُج ليَمضِيَ إلى الآب.

 

عندما
شَدَّدَ يسُوعُ على هذا المَفهُوم تِكراراً، كانَ يُثيرُ عمداًَ هذينِ
السُّؤالَينِ اللذينِ طرحَهُما بُطرُس، في أذهانِ كُلِّ أُولئكَ الرُّسُل. قامَ
يسُوعُ بِهذا لأنَّ أجوِبَتَهُ على هذه الأسئِلة شكَّلَت قَلبَ الحقيقَةِ التي
أرادَ أن يُشارِكَها معَهم في إطارِ هذه الخُلوة الأخيرة.

 

عندما
أجابَ يسُوعُ أوَّلَ سُؤالٍ لبُطرُس القائِل، "حيث أمضِي أنا لا تقدِرُونَ
أنتُم أن تتبَعُونَني، ولكنَّكُم ستَتبَعُونَنِي لاحِقاً،" تأكَّدُوا من أن
تُلاحِظُوا أنَّ يسُوعَ لم يُجِبْ بالفِعل على سُؤالِ بُطرُس. فهُوَ لم يُخبِرْ
بُطرس تماماً أينَ كانَ سيمضِي. بل قالَ بِبَساطَة: "لا تَقدرُ أن تَتبَعَني
الآن، ولكنَّكَ ستَتبَعُني لاحِقاً." ثُمَّ عادَ بُطرُس ليَطرَحَ سُؤالَهُ
الثَّانِ]: "يا سَيِّد، لماذا لا أقدِرُ أن أتبَعَكَ؟" إنِّي أضَعُ
نفسِي عنكَ."

 

يبدُو
أنَّ بُطرُس أدرَكَ أنَّهُ عندَما يَقُولُ يسُوعُ أنَّهُ سيمضِي بَعيداً، كانَ
يُشيرُ بِذلكَ إلى مَوتِهِ. وكما أشَرتُ في الكُتَيِّبِ السَّابِق، كانَ رِجالُ
الدِّينِ يُحَرِّضُونَ رُوما لتُطبِقَ على الرَّبِّ يسُوع وعلى رُسُلِهِ. وهكذا
بَرَزَ خَطَرٌ كَبيرٌ أَحْدَقَ بالتَّلاميذ. فعرَفُوا أنَّهُ منَ المُمكِنِ جدَّاً
أن يُطلَبَ منهُم أن يمُوتُوا معَ المسيح – خاصَّةً عندما أخبَرَهُم بأنَّهُ ماضٍ
ليَمُوت، وأنَّهُم هُم أيضاً سيَمُوتُونَ وسيُدفَنُونَ في التُّرابِ مثل حبَّةِ
الحِنطَة. (يُوحَنَّا 12: 24)

 

أجابَ
يسُوعُ على تصريحِ بُطرُس القائِل بأنَّهُ مُستَعِدٌّ أن يُضَحِّيَ بِنَفسِهِ
لأجلِ يسُوع، أجابَ يسُوعُ بالكلماتِ التَّالِيَة: "أحَقَّاً أنتَ مُستَعِدٌّ
أن تضعَ حياتَكَ عنِّي؟ الحَقَّ أقُولُ لكَ، قبلَ أن يصيحَ الدِّيكُ ستُنكِرُني
ثلاثَ مرَّاتٍ." تأمَّلَ كيفَ كانَ وَقْعُ هذه الكلماتِ على قَلبِ بُطرُس وكم
سَبَّبَتْ لهُ منَ الألَمِ والأسى.

 

لا
يُخبِرُنا يُوحَنَّا شَيئاً عنِ تعابيرِ وَجهِ يسُوع ولا عن نبَرَةِ صَوتِهِ عندما
تكلَّمَ بهذه الكلماتِ الرَّهيبَة لبُطرُس. ولكنَّني مُقتَنِعٌ، رُغمَ عدَم توفُّر
الدَّليل، بأنَّهُ عندَما تكلَّمَ يسُوعُ بهذه الكلمات معَ بُطرُس، كانَت عيناهُ
مملُووءَتانِ بالمحَبَّةِ تجاهَ بُطرُس، وعبَّرَ صَوتُهُ عنِ الكَثيرِ منَ
الحَنانِ تجاهَهُ.

 

قَبلَ
لَحظاتٍ فقط من قَولِهِ هذه الكلمات لبُطرُس، خاطَبَهُم جَميعاً كأطفال. وبما أنَّ
الكلامَ كانَ بهدَفِ التَّودُّدِ والعَطفِ تجاهَهُم، نعلَمُ أنَّ الرَّبَّ يسُوعَ
كانَ في مرحَلَةِ عطفٍ وحنانٍ على التَّلاميذ في هذه المرحلة. أعتَقِدُ أنَّ
محبَّتَهُ وحنانَهُ إستَمرَّا عبرَ حوارِهِ معَ بُطرُس. حتَّى أنَّني أظُنُّ
أنَّهُ كانت لدَيهِ بَسمَةٌ على وجهِهِ عندَما خاطَبَ بُطرُس قائِلاً:
"أحَقَّاً يا بُطرُس؟ الحقَّ الحقَّ أقُولُ لكَ إنَّهُ لا يَصيحُ الدِّيكُ
غداً صباحاً، حتَّى تُنكِرَ ثلاثَ مرَّاتٍ أنَّكَ تَعرِفُني – ليسَ مرَّةً
واحِدَةً، بل ثلاثَ مرَّاتٍ!".

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي