الإصحَاحُ
الْخَامِسُ عَشَرَ

 

وها
هُوَ الآن يُعطِي هؤُلاء الرُّسُل واحِدةً من أعمَقِ وأبسَطِ صُوَرِهِ
المجازِيَّة. أمسَكَ بكَرمَةٍ ذاتِ أغصانٍ مَليئَةِ بعناقِيدِ العِنَب، وقالَ لهُم
ما معناهُ: "كما أنَّ هذه الأغصان تُنتِجُ ثماراً بِوفرة لأنَّها ثابِتَةٌ
ومُنسَجِمَةٌ معَ الكرمة، هكذا أنتُم أيضاً ستَكُونُونَ مُثمِرينَ إن ثَبَتُّم
فيَّ وكُنتُم في إنسجامٍ معي."

 

 ثُمَّ
وصفَ مراحِلَ حملِ الثِّمار: الذي لا يأتي بِثَمَر، الذي يأتِي بِثَمَر، والذي
يأتي بِثَمَرٍ كَثير. تُوجَدٌ أربَعَةُ رُمُوزٍ في هذه الإستِعارَة التي تنضَوي
على معنىً عميقٍ جدَّاً: فهُناكَ كرمَةٌ، أغصانٌ، ثِمارٌ، وكَرَّام. وبِحَسَبِ ما
فسَّرَ يسُوعُ وطبَّقَ هذه الإستِعارَة المجازِيَّة، فإنَّهُ هُوَ الكَرمَة،
والرُّسُلُ هم الأغصان، والثِّمارُ هي مُعجِزَةُ الكرازة بكلمتِهِ، وعمَلُ
ملَكُوتِهِ أو كنيستِهِ الذي يُعمَلُ على الأرض من خلالِ التّلاميذ. والكرَّامُ في
هذه الإستِعارَة هُو َالله.

 

 يُوجَدُ
تَصريحانِ يُرَكِّزانِ بِوُضُوحٍ في تفسيرِهِ وتطبيقِهِ لهذه الإستِعارَة
الرَّائِعة: بدُونِهِ لا يستَطيعُ الرُّسُلُ والتَّلاميذُ أن يعمَلُوا شَيئاً،
وبِدُونِهِ لا يُريدُ هُوَ أن يعمَلَ شيئاً. في هذه الإستِعارَة، الثِّمارُ لا
تنمُو مُباشَرَةً على الكرمة. فقط عندما يتدفَّقُ عصيرُ الحياةِ والطَّاقَةِ عبرَ
جِذعِ الكرمَةِ وينتَقِلُ عبرَ الأغصان، فقط عندها نرى الثِّمار. في هذه
الإستعارَة، يسُوعُ هُوَ تلكَ "الكرمة التي تبحَثُ عن أغصان."

 

 عندما
علَّمَ يسُوعُ وفسَّرَ وطبَّقَ هذه الإستِعارَة، أعطاهُم حَضَّاً يُمكِنُ إعطاؤُهُ
عُنواناً: "ثمانِيَةُ أسبابٍ لأن تَكُونَ مُثمِراً." فتِّشْ وانظُرْ إن
كانَ بإمكانِكَ أن تجِدَ هذه الأسباب الثَّمانِية بينما تقرَأُ الأعداد السِّتَّة
عشَر الأُولى من الإصحاحِ الخامِس عشَر من إنجيلِ يُوحَنَّا:

 

 "أَنَاْ
الكَرْمَةُ الحَقِيْقِيَّةُ وَأَبِيْ الكَرَّاْمُ. كُلُّ غُصْنٍ فِيَّ لا يَأْتِيْ
بِثَمَرٍ يَنْزَعُهُ. وَكُلُّ مَاْ يَأْتِيْ بِثَمَرٍ يُنَقِّيْهِ لِيَأْتِيَ
بِثَمَرٍ أَكْثَرَ. أَنْتُمُ الآنَ أَنْقِيَاْءُ لِسَبَبِ الكَلامِ الذِيْ
كَلَّمْتُكُمْ بِهِ. أُثْبُتُوْا فِيَّ وَأَنَاْ فِيْكُمْ. كَمَاْ أَنَّ الغُصْنَ
لا يَقْدِرُ أَنْ يَأْتِيَ بِثَمَرٍ مِنْ ذَاْتِهِ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِيْ
الكَرْمَةِ كَذَلِكَ أَنْتُمْ أَيْضَاً إِنْ لَمْ تَثْبُتُوْا فِيَّ. أَنَاْ
الكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَاْنُ. الذِيْ يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَاْ فِيْهِ
هَذَاْ يَأْتِيْ بِثَمَرٍ كَثِيْرٍ. لأَنَّكُمْ بِدُوْنِيْ لا تَقْدِرُوْنَ أَنْ
تَفْعَلُوْا شَيْئَاً. إِنْ كَاْنَ أَحَدٌ لا يَثْبُتُ فِيَّ يُطْرَحُ خَاْرِجَاً
كَالغُصْنِ فَيَجِفُّ وَيَجْمَعُوْنَهُ وَيَطْرَحُوْنَهُ فِيْ النَّاْرِ
فَيَحْتَرِقُ. إِنْ ثَبَتُّمْ فِيَّ وَثَبَتَ كَلامِيْ فِيْكُمْ تَطْلُبُوْنَ مَاْ
تُرِيْدُوْنَ فَيَكُوْنُ لَكُمْ. بِهَذَاْ يَتَمَجَّدُ أَبِيْ أَنْ تَأْتُوْا
بِثَمَرٍ كَثِيْرٍ فَتَكُوْنُوْنَ تَلامِيْذِيْ. كَمَاْ أَحَبَّنِيْ الآبُ
كَذَلِكَ أَحْبَبْتُكُمْ أَنَاْ. أُثْبُتُوْا فِيْ مَحَبَّتِيْ. إِنْ حَفِظْتُمْ
وَصَاْيَاْيَ تَثْبُتُوْنَ فِيْ مَحَبَّتِيْ كَمَاْ أَنِّيْ أَنَاْ قَدْ حَفِظْتُ
وَصَاْيَاْ أَبِيْ وَأَثْبُتُ فِيْ مَحَبَّتِهِ. كَلَّمْتُكُمْ بِهَذَاْ لِكَيْ يَثْبُتَ
فَرَحِيْ فِيْكُمْ وَيُكْمَلَ فَرَحُكُمْ. هَذِهِ هِيَ وَصِيَّتِيْ أَنْ
تُحِبُّوْا بَعْضُكُمْ بَعْضَاً كَمَاْ أَحْبَبْتُكُمْ. لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ
أَعْظَمُ مِنْ هَذَاْ أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّاْئِهِ.
أَنْتُمْ أَحِبَّاْئِيْ إِنْ فَعَلْتُمْ مَاْ أُوْصِيْكُمْ بِهِ. لا أَعُوْدُ
أُسَمِّيْكُمْ عَبِيْداً لأَنَّ العَبْدَ لا يَعْلَمُ مَاْ يَعْمَلُ سَيِّدُهُ.
لَكِنِّيْ قَدْ سَمَّيْتُكُمْ أَحِبَّاْءَ لأَنِّيْ أَعْلَمْتُكُمْ بِكُلِّ مَاْ
سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِيْ. لَيْسَ أَنْتُمُ اخْتَرْتُمُوْنِيْ بَلْ أَنَاْ
اخْتَرْتُكُمْ وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوْا وَتَأْتُوْا بِثَمَرٍ وَيَدُوْمَ
ثَمَرُكُمْ. لِكَيْ يُعْطِيَكُمُ الآبُ كُلَّ مَاْ طَلَبْتُمْ بِاسْمِيْ. بِهَذَاْ
أُوْصِيْكُمْ حَتَّىْ تُحِبُّوْا بَعْضُكُمْ بَعْضَاً". (يُوحَنَّا 15: 1-
16)

 

 بمعنىً
ما تدرَّبَ التلاميذُ على يدي يسُوع في كُلِّيَّةِ لاهُوتٍ إستَمَرَّت ثلاث سنوات.
وما أسمَيتُهُ "الخُلوة المسيحيَّة الأخيرة" يُمكِنُ تسمِيَتُهُ أيضاً
"حفلَ التَّخَرُّج"، وهذا الجزء منَ الخُطاب يُمكِنُ تَسمِيَتُهُ
"عِظتَهُ لتلاميذِهِ في حفلِ تخرُّجِهِم." فرِسالَتُهُ العاطِفيَّةُ هذه
في حفلِ تخرُّجِهِم ما هِيَ إلا تَحَدٍّ لهُم، الذي يقَولُ أنَّهُم ينبَغي أن
يَكُونُوا مُثمِرينَ لثمانِيَةِ أسبابٍ!

 

السَّبَبُ
الأوَّل

أوَّلاً
جَوهَرُ ما يقولهُ يسوع إنّه يجب أن نكون مثمرين، لأنَّهُ ما من تلميذٍ حقيقيٍّ
يتبع يسوع ويبقَى غير مثمرٍ (2، 6). ويقول أيضاً إن كان ثمّة غصنٌ لا يحمل أيّ
ثمرٍ، فسيقطعه أباه ويرميه بعيداً ويسقط على الأرض حتّى يأتيَ الناس ويجمعوا تلك
الأغصان اليابسة ويرموها في النار. أعتقد أنّه يقول هنا أمراً مرعباً. فهو يقصد
أنّ "كُلَّ غصنٍ فيَّ لا يحمل ثَمَراً لا يَقبَلُهُ الآبُ، الذي هُوَ
الكرَّامُ الحقيقيّ."

 

 فبينما
كانَ ينطِقُ يسُوعُ بكلماتِهِ الأخيرة لهؤلاء الرِّجالِ الذين درَّبَهُم لثلاثِ
سنواتٍ، كانَ سَبَبُهُ الأوَّل لضَرُورَةِ كونِهِم مُثمِرين هي التَّصريحُ
المَهُوب، الواضح والدِّيناميكيّ أنَّهُ عليهِم أن يَكُونُوا مُثمِرين لأنَّهُ:
"بهذا يَعرِفُ النَّاسُ أنَّكُم تلاميذِي." (8) إنَّ تفسيرَ وتطبيقَ هذا
الأمر لنا اليوم، هُوَ أنَّهُ لا يُوجَدُ ما يُسَمَّى بتلميذٍ غير مُثمِرٍ ليَسُوع
المسيح. هذا مَثَلٌ عمَّا يُسمِّيهِ أحدُ مُفَسِّري الكتابِ المُقدَّس، "أقوال
يسُوع الصَّعبَة." تُوجَدُ أوقاتٌ، عندما أُفَسَّرُ وأُطَبِّقُ فيها تعاليمَ
يسُوع، أجِدُ نَفسي أقُولُ: "أنا لم أقُلْ هذا؛ يسُوعُ قالَ هذا!" وهذا
واحِدٌ من هذه الأوقات.

 

 لأَكثَرِ
من عِشرينَ قرناً منَ الزَّمان، مُعظَمُ هذا العالم كانَ يقسِمُ التَّاريخَ
البَشَريَّ إلى قِسمَين: ما قبلَ يسُوع المسيح وما بعدَ يسُوع المسيح. عندما يعيشُ
إنسانٌ ما فقط لمُدَّةِ ثلاثٍ وثلاثِينَ سنَةً، ويستخدِمُ العالَمُ تاريخَ
ولادَتِهِ كحدٍّ فاصِلٍ للتَّاريخ، علينا أن نستَنتِجَ أنَّ هكذا إنسان قد تركَ
أثراً عميقاً جدَّاً على العالم. بِكلماتٍ أُخرى، لقد عاشَ يسُوعُ حياةً مُثمِرَةً
بِحَقّ. لهذا، كُلُّ من يدَّعي كونَهُ تلميذاً ليسُوع، عليهِ أن يُبَرهِنَ
مِصداقِيَّةَ إدِّعائِهِ هذا، بأن يكُونَ مُثمِراً. من غَيرِ المَعقُول أن
يتوجَّبَ علينا أن ندَّعِيَ أن نَكُونَ تلاميذَ ليسُوع المسيح، وأن لا نَأتِيَ
بِثَمَر.

 

السَّبَبُ
الثَّانِي

 في
هذا العدد نفسِهِ، أعلَنَ يسُوعُ السببَ الثَّانِي الذي لأجلِهِ يتوجَّبُ على
تلاميذِهِ الذين وظَّفَ في حياتِهِم الكثير، أن يَكُونُوا مُثمِرين: عليهِم أن
يَكُونُوا مُثمِرينَ لأنَّهم بهذا يُمَجِّدُونَ الآب (8).كيفَ مجَّدَ يسُوعُ الآب؟
أجابَ على هذا السُّؤال عندما صَلَّى للهِ الآب قائِلاً: "أَنَاْ مَجَّدْتُكَ
عَلَىْ الأَرْضِ. العَمَلُ الذِيْ أَعْطَيْتَنِيْ لأَعْمَلَ قَدْ
أَكْمَلْتُهُ". (يُوحَنَّا 17: 4) كيفَ كانَ هؤُلاء الرُّسُل سَيُمَجِّدُونَ
الله؟ بإكمالِهِم العمل الذي أعطاهُم إيَّاهُ يسُوعُ ليَعمَلُوه. تطبيقُ هذا علينا
هُوَ أنَّهُ علينا أن نَكُونَ مُثمِرين، لأنَّنا بهذا نُمَجِّدُ الله.

 

السَّبَبان
الثَّالِث والرَّابِع

 أعطانا
يسُوعُ سَبَباً ثالِثاً ورابِعاً اللذين لأجلِهما ينبَغي على تلاميذِهِ وعلينا
نحنُ أن نَكُونَ مثمرِين، وذلكَ عندما قالَ: "كَلَّمْتُكُمْ بِهَذَاْ لِكَيْ
يَثْبُتَ فَرَحِيْ فِيْكُمْ وَيُكْمَلَ فَرَحُكُمْ". (11) هل لاحظتم يوماً
أنّكم تستطيعون أن تملأوا الربّ يسوع المسيح بالفرح؟ هل تعلمون أنّ رؤية ثمارٍ في
حياتكم يجلب له فرحاً كبيراً؟ هذا هُوَ السَّببُ الثَّالِث الذي لأجلِهِ ينبَغي أن
يكون رُسُلُهُ مثمرين، بِحَسَبِ خطابِ التَّخرُّج الذي ألقاهُ يسُوعُ هُنا.

 

 سَبَبٌ
رابِعٌ أخبَرَ يسُوعُ رُسُلَهُ بأنَّهُ عليهِم لأجلِهِ أن يَكُونُوا مُثمِرين
وهُوَ: "ليُكمَلَ فَرَحُكُم." (11) وتماماً مثل سلام الله، الفرحُ أيضاً
مَشرُوط. هل درستم يوماً الشروط الواردة في الكتاب المقدّس لبلوغ فَرَحِ الرَّبّ؟
فَرَحُ الرَّبِّ هُوَ واحِدٌ من ثِمارِ الرُّوح (غلاطية 5: 22، 23). أحدُ
الكُتَّابِ المُفَضَّلينَ عندي يُذَكِّرُنا قائِلاً أنَّ "الألمَ والعذاب لا
مَفَرَّ منهُما، أمَّا البُؤسُ واليأسُ فهُما إختِيارِيَّان،" بالنِّسبَةِ
للمُؤمِنِ المملوء بالرُّوح، لأنَّ الرُّوحَ القُدُسَ يُمكِنُهُ أن يُعطِيَ فرحاً
للمُؤمن، حتَّى عندما يَكُونُ في وسطِ المصائِب.

 

 هذا
الفَرَح يُمكِنُ وَصفُهُ بالفَرَح الذي يُناقِضُ المَنطِق. فالسَّلامُ والفَرحُ
اللذين يَتِمُّ وَصفُهُما في هذه الأعداد يُمكِنُ تَسمِيَتُهُما: "سلامٌ
رُغمَ الظُّرُوف،" أو "فرَحٌ رُغمَ الظُّرُوف." بإمكانِنا أن
نختَبِرَ السَّلامَ والفَرَح اللَّذَينِ وعدَنا بهِما يسُوعُ – رُغمَ الظُّرُوفِ
المُحيطة – لأنَّ هذا السَّلام وهذا الفَرَح لا ينبُعان من داخِلِنا.

 

 كتبَ
أحدُ المُفَكِّرين، "هناك أناسٌ يعتقدون أنّ الفرح يَسقُطُ من السماء على شكل
قطعٍ، ويهبط على بعض الناس (الآخرين) دُونَ البَعضِ الآخر (نحنُ). ليس هذا ما
يعلّمنا إيّاه الكتاب المقدّس." بِحَسَبِ ما يُعَلِّمُ يسُوعُ هُنا، أحد
أسباب الفرح هو أن نكون مثمرينَ. كتبَ بُولُس ما يلي:"لِيَمْتَحِنْ كُلُّ
وَاْحِدٍ عَمَلَهُ وَحِيْنَئِذٍ يَكُوْنُ لَهُ الفَخْرُ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ
فَقَطْ لا مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ". (غلاطية 6: 4)

 

 عندما
كُنتُ قَسِّيساً في رَيعانِ الشَّباب، أرسلني راعي الكنيسة التي كُنتُ أخدِمُ
فيها، والذي كانَ قد أشرَفَ على رِعايتي وتقدُّمي في الإيمانِ بالمسيح وفي الخدمة،
أرسَلَني لأؤسّس كنيسةً تابعةًٍ لكنيسته في مدينَةٍ أُخرى، ولم أَشَأِ أن أترُكَ
فريقَ العملِ الرَّاعَويّ الكبير في الكنيسةِ الكبيرة التي كان يرعاها هذا
القسِّيس، ولم أَشَأْ تأسيسَ كنيسةٍ جديدة. كنتُ أعمل معه لأنّي حصلتُ حقّاً على
فرحٍ عظيمٍ من خدمته المثمرة. لكنّه طلب منّي أن أكونَ أنا أيضاً مُثمِرَاً.
وعندما أثبتَّتُ أنّ اللهَ يستطيع استخدام أمثالي، أي عندما قمتُ بعملي الخاص، قال
لي إنّ لديّ سبباً للفرح في نفسي وليس في نفسٍ أخرى. ولقد طبَّقَ راعي الكنيسةِ
على خدمَتي العددَ الذي إقتَبَستُهُ أعلاهُ، أي غلاطية 6: 4.

 

 بعدَ
ثلاثَ عشرَةَ سنَةً، عندما بارَكني الرَّبُّ يسُوعُ المسيحُ الحَيُّ المُقام
بخدمَةٍ مُثمِرَة في تلكَ الكنيسة التي كُنتُ أُؤَسِّسُها، شعرتُ بالمَمنُونِيَّةِ
الجَمَّة لراعي كنيستِي، لأنَّهُ كانَ يعلَمُ أنَّ هذه المُهِمَّة سوفَ تأتي
بالفَرَحِ العظيم للرَّبِّ ولي أنا شَخصِيَّاً. ولا أَقصُدُ أنَّهُ سيتطَلَّبُ
الآخرينَ ثلاثَ عشرَةَ سنَةً ليقُومُوا بمثلِ هذا الأمر. ما أُريدُ قولَهُ هُوَ
أنَّ هذا هُوَ الفَرَحُ الذي يَصِفُهُ يسُوعُ وينصَحُ بهِ عندَما يَقُولُ:
"أُخبِرُكُم بِكُلِّ هذه الأُمُور لأنَّني أُريدُكُم أن تَكُونُوا مصدَرَ
فرَحٍ لي، وأُريدُكُم أن تمتَلِئُوا أنتُم أنفُسُكُم بالفَرَح."

هل تبحث عن  الكتاب المقدس بولسية عهد جديد رسالة يوحنا الرسول الأولى 04

 

السَّبَبُ
الخامِس

 أمّا
السبب الخامسُ الذي من أجلِهِ قالَ يسُوعُ لرُسُلِهِ أن يَكُونُوا مُثمرِين، فهُوَ
أنَّهُ إختارَهُم ليَكُونُوا مُثمِرين: "لَيْسَ أَنْتُمُ اخْتَرْتُمُوْنِيْ
بَلْ أَنَاْ اخْتَرْتُكُمْ وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوْا وَتَأْتُوْا بِثَمَرٍ
وَيَدُوْمَ ثَمَرُكُمْ. لِكَيْ يُعْطِيَكُمُ الآبُ كُلَّ مَاْ طَلَبْتُمْ بِاسْمِيْ".
(يُوحَنَّا 15: 16)

 

 هؤلاء
الرجال اختاروا إتِّباعَ يسوع وقاموا بعهودٍ له. ولو حاول هؤلاء الصيّادون حمل
سفنهم على ظهورهم، لما استطاعوا أن يتبعوه كما فعلوا. لقد اتّخذوا قراراتٍ وقدّموا
عهوداً ليسوع. هل بإمكانِكُم أن تتصوَّرُوا الأفكارَ التي جالَت بخاطِرِهم عندما
سَمِعُوا يسُوعَ يَقولُ ما جَوهَرُ معناهُ: "أعلم أنّكم قمتم بخياراتٍ،
وتعتقدون أنّكم اخترتموني. لكنّ الحقيقة هي أنّي أنا مَن إخترتُكم وأقمتُكُم، وليس
أنتم اخترتموني". (يُوحَنَّا 15: 16)

 

 إنّ
كلمة "أقامَ أو رَسَمَ" هنا ليست بمعنى رِسامة قَسِّيس في يَومِنا
الحاضِر. إنّ كلمة "رَسَمَ أو أقامَ" هي ترجمةٌ لكلمةٍ يونانيّةٍ نجدها
ثلاثَ مرّاتٍ في العهد الجديد. وهي تعني أن نحتلّ مكاناً استراتيجيّاً، كَشَمعَةً
على شمعدانٍ، كذلكَ التَّشبيه الذي إستَخدَمَهُ يسُوعُ في موعِظَتِهِ على الجَبَل
(متَّى 5: 14- 16). في هذا العدد، يقصُدُ يسوع: "أنا اخترتكم وأنا وضعتكم في
مكانٍ استراتيجيٍّ في هذا العالم المُظلِم مثل شمعةٍ في شمعدانٍ لتكونوا مثمرين.
عليكُم أن تَكُونُوا مُثمِرينَ لأنِّي إختَرتُكُم لتَكُونُوا مُثمِرين."

 

السَّبَبُ
السَّادِس

 ثُمَّ
أعطاهُم السَّبَبَ السادِسَ الذي لأجلِهِ عليهِم أن يَكُونُوا مُثمِرين. قال يسوع
إنّ علينا أن نكون مثمرين لأنّنا نتمتّع بأفضليّةٍ روحيّةٍ وهي أنّنا اختبرنا
محبّة المسيح لأنفسنا وللعالم بأسره، ويريدنا أن نتشارك مع العالم هذه المحبّة:
"كما أحَبَّني الآبُ كذلكَ أحبَبتُكُم أنا. أثبتُوا في محَبَّتِي. إن
حَفِظتُم وصايايَ تثبُتُونَ في مَحَبَّتي كما أنِّي أنا قد حَفِظتُ وَصايا أبِي
وأثبُتُ في محَبَّتِهِ." (يُوحَنَّا 15: 9، 10) ولقد كانَ يسُوعُ بِذلكَ
يُكَرِّرُ بِوضُوحٍ وصِيَّتَهُ الجديدة التي نراها في الإصحاحِ الثَّالِث عشَر
والعَدَدَين 34 و35. وهُوَ يُكَرِّرُ التَّعليمَ القائِلَ بأنَّنا نُظهِرُ
محبَّتَنا للرَّبِّ عندما نُطيعُ وصاياهُ.

 

 عندما
صلّى يسوع لهؤلاء الرجال ولأُولئكَ الذين سيُؤمِنُونَ بهِ من خلالِهم، كانت صلاته
من أجل أن نعيش بطريقةٍ تجعل العالم أجمع يعرف ويُؤمِن أنَّهُ "هَكَذَاْ
أَحَبَّ اللهُ العَاْلَمَ حَتَّىْ بَذَلَ إِبْنَهُ الوَحِيْدَ" من أجلِ
خلاصِهم. ثُمَّ صَلَّى أيضاً من أجلِ أهلِ هذا العالم، ليَعرِفُوا من محبَّةِ
تلاميذِهِ أنَّ اللهَ يُحِبُّهُم بمقدارِ ما يُحِبُّ إبنَهُ (3: 16؛ 17: 22 و23)

 

 لقدِ
إختَبَرَ هؤلاء الرجال محبَّةَ المسيح لمدّة ثلاث سنوات، لكنّ العالم الهالِك لم
يختَبِرْ معنى محبَّة يسوع. لذلكَ قال لهؤُلاء الرِّجال الذي أحبَّهُم لِثلاثِ
سنواتٍ، أن يتشاركوا مع العالم أجمع محبّة يسوع التي سُكِبَتْ عليهم. هذه
الوصِيَّة بأن يُحِبُّوا كما هُوَ أحبَّهُم، هي سَبَبٌ آخر الذي لأجلِهِ يتوجَّبُ
على هؤلاء الذين عرفُوا محبَّتَهُ أن يَكُونُوا مُثمِرين.

 

 في
إطارِ هذا التَّعليم، قدَّمَ يسُوعُ التَّصريحَ العَظيم بأنَّهُ ليسَ حُبٌّ أعظَمُ
من أن يضعَ الإنسانُ نفسَهُ من أجلِ أحِبَّائِهِ. في رسائِلِ العهدِ الجديد، التي
تُعَلِّمُ المُؤمنين، يُطَبَّقُ هذا التَّعليمُ عندما يلتَزِمُ الأزواجُ بأن
يُحِبُّوا زَوجاتِهِم كما أحَبَّ المسيحُ كنيستَهُ وأسلَمَ نفسَهُ لأجلِها، أي
لأجلِ خلاصِنا. وتمَّ تعليمُ النِّساءِ بأن يُكَمِّلنَ أزواجَهُم، وأن يَكُونَ
تركيزَهُنَّ على الزَّوجِ الآخر، بينَما يُقدِّمنَ حياتَهُنَّ من أجلِ أزوجِهِنَّ
وأطفالِهِنّ. في حضاراتِنا التي تُرَكِّزُ على الذَّات، مُعظَمُ الرِّجالِ
والنِّساء مُنشَغِلُونَ بأنفُسِهم أكثرَ منَ اللازِم، ممَّا لا يسمَحُ لهُم تطبيقُ
هذا التَّعليم. كم نحتاجُ أن نسمعَ هذا التَّحدِّي من يسُوع، أنَّهُ لا يُوجَدُ حُبٌّ
أعظَمُ من هذا أن نضعَ حياتَنا من أجلِ الآخرين، مُبتَدِئينَ بزيجاتِنا
ومنازِلِنا.

 

السَّبَبُ
السَّابِع

 أمّا
السبب السَّابِعُ ليكونوا مثمرين فهو أنَّ الكَرَّامَ – أي الله الآب – مُلتَزِمٌ
تماماً بأن يجعَلَهُم مُثمِرين. لِنَقرَأْ بِرَوِيَّة العدَدَ الثَّانِي، ثُمَّ
لِنُلاحِظْ أنَّهُ عندما يجدُ الآبُ السَّماوِيُّ غُصناً مُثمِراً في هذه الكرمة،
فإنَّهُ يُشَذِّبُهُ ليأتي بِثَمَرٍ أكثَر.

 

 منذُ
عدَّةِ سنواتٍ، ساعَدني زوجٌ وزوجَةٌ تَقِيَّينِ على فهمِ هذه الصُّورَة
المجازِيَّة التي إستَخدَمَها يسُوع. فقَصَّا عليَّ بالتَّفصيل كيفَ أنَّهُما قاما
بإتِّخاذٍ قرارٍ بالتَّقاعُدِ المُبَكِّر من عَمَلِهِما الصَّعب، فإشتريا كروماً
في شمالِي كالِيفُورنيا. وبما أنَّهُما لم يعرِفَا شَيئاً بتاتاً عن العنايَةِ
بالكُرُوم، وظّفا كرّاماً خَبيراً مُتَقدِّماً بالسِّنّ ليريهما كيف يعتنيان بتلك
الكروم.

 

 أوّل
أمرٍ علّمهما إيّاه الكرّام كان عبورَ كلِّ الكروم التي اشترياها وقَطْعَ كلِّ
الأغصان اليابسة والمتروكة من الموسم السابق.

 

 وبعدَ
أنِ إنتَهوا جَميعاً من القِيامِ بهذا الأمر، فَرحَ الزَّوجانِ كَثيراً عندما بدأت
بعض البراعم تنبت على كرومهما. فقال الكرّام لهما: "تلك هي الجُذَيْرَاْتُ.
سوف نسير ونقطعها كلَّها، لأنّكما لن تحصلا على نوعيّةٍ وكمّيّةٍ جيّدتينِ من
الثمر، إلا إذا قطعتما تلك الجُذَيْرَاْتِ. إنّ الجذيرات تمتصّ كلّ العناصر التي
تعطي الحياة، وبالتالي، لا تنتج الكرمة الثمار التي تريدان رؤيتها".

 

 وأخبَرَني
الزَّوجانِ أنَّهُم تَشَجَّعا كَثيراً حين ظهرت عناقيد العنب الصغيرة على أغصانِ
الكرُوم. ولكن، للمرّة الثالثة قال لهما الكرّام: "سوف نعبر الكروم مجدّداً
ونقطع هذه العناقيد، وإلا لن تحصلا أبداً على نوعيّة الفاكهة وكمّيّتها اللتينِ تريدانها".

 

 ولقد
أخبَرني الزَّوجانِ أنَّهُما للمرّة الأولى في حياتهما فَهِما العدد الثاني من
الإصحاح الخامس عشر من إنجيل يوحنّا، حيثُ علَّمَ يسُوعُ قائِلاً أنَّهُ عندما
يجدُ الكَرَّامُ/الآبُ، غُصناً ثابِتاً في الكَرمة ومُثمِراً، يُنَقِّيهِ
ويُشذِّبُهُ لأنَّ يُريدُ أن يرى المزيدَ منَ الثِّمارِ عليهِ.

 

 فأجَبتُهُما
أنَّ الإستِماعَ إلى إختِبارِهما كَكَرَّامَينِ جَديدَين، قد ساعَدَني كثيراً على
تطبيقِ هذا التَّشبيهِ العَميق الذي أعطاهُ يسُوع، على الأحداثِ التي كُنتُ
أختبِرُها في حياتِي وخدمَتي. أعتَقِدُ أنَّ الرَّبَّ نظَرَ إلى خدمَتي كما كانت
في السَّبعينات، ورأى أنَّني كُنتُ مُثمِراً. وكُنتُ ثابِتاً فيهِ وأحمِلُ ثماراً
لأجلِه. ولكنَّهُ لم يَكُن راضِياً على نَوعِيَّةِ أو كَمِّيَّةِ الثِّمار التي
كانَ يجنيها من حياتِي. لهذا قالَ: "سوفَ أُشَذِّبُهُ وأَجعَلُهُ أكثَرَ
إثمارً."

 

 في
نهايَةِ الثَّمانِينات، كُنتُ قد أصبَحتُ مَشلُولاً تماماً، بِسَبَبِ مرضٍ عُضالٍ
لا يُرجَى شِفاؤُه. فمُنذُ أوائِل الثَّمانِينات، كُنتُ قد بدأتُ أشعُرُ بالشَّلَل
في جسدي. وهكذا أصبحتُ مَشلُولاً تماماً الآن، منذُ عدَّةِ سنوات. ينظُرُ النَّاسُ
إلى مَرَضِي ويَرْثُونَ لِحَالِي قائِلين: "يا لِهذا العَجز." فأُجيبُ،
"لا، هذا ليسَ عجزاً، بل تشذِيباً. إنَّهُ تشذيبُ الآبِ السَّماوِيِّ المُحب،
الذي يُحِبُّني لدَرَجَةِ أنَّهُ لا يُريدُني أن أُتابِعَ حياتِي بِسَطحِيَّةٍ،
وأنا مُنشَغِلاً بِألفِ أمرٍ وأمر، ظانَّاً أنِّي بِذلكَ أُنتِجُ ثماراً، ولكنَّهُ
يُريدُني أن أكُونَ مُثمِراً بطريقَةٍ مُختَلِفَة.

 

 ومنذُ
العام 1980، إنخَرَطتُ في أكثَرِ خدمَةٍ مُثمِرَةٍ في حياتِي. ولم يَكُن مُمكِناً
أن أُصبِحَ مُثمِراً إلى هذا الحَدّ، لو أنَّني كُنتُ لا أزالُ أتمتَّعُ بِجَسَدٍ
سَليم. أنا أُحِبُّ الكرَّامَ الإلهِيّ، لأنَّهُ شَذَّبَني وقطعَ أغصاناً كثيرةً
في حياتِي، لكَي لا يسمَحَ بأن تَفُوتَني أعظَمُ فُرصَةٍ لأُثمِرَ بما أسماهُ
يسُوع، "ثماراً تَدُوم." (يُوحَنَّا 15: 16)

 

 السَّبَبُ
السَّابِعُ الذي لأجلِهِ يَقُولُ يسُوعُ لهؤُلاء الرُّسُل أنَّهُ عليهِم أن
يَكُونُوا مُثمِرينَ، هُوَ أنَّ أباهُم السَّماوِيَّ مُلتَزِمٌ بأن يجعَلَهُم
مُثمِرين. وفي محبَّتِه لنا، تَمُرٌّ أوقاتٌ يُشَذِبُنا فيها الرَّبُّ ليُحَسِّنَ
نوعِيَّةَ وكمِّيَّةَ الثِّمار التي تُنتِجُها حياتُنا لأجلِهِ.

 

السَّبَبُ
الثَّامِنُ

 السَّببُ
الثَّامِنُ والأخيرُ ليَكُونَ الرُّسُلُ مُثمِرين، نجدُهُ في الجُملَةِ
الإفتِتاحِيَّةِ من هذا التَّعليمِ العظيم. لم أُعالِجْ هذه التَّحريضات على
الإثمار بحَسَبِ التَّرتيب الذي تظهَرُ فيهِ في هذا الإصحاح. فأنا أُشيرُ إلى
أوَّلِ هذه التَّحريضات كالسَّبَبِ الأخير، لأنَّني أعتَقِدُ أنَّهُ السَّببُ
الأهَمّ. عندما تحدَّى الرَّبُّ يسُوع الرُّسُلَ بأن يَكُونُوا مُثمِرين، لكَونِهِ
هُوَ الكَرمة وهُم الأغصان، قالَ لهُم أنَّهُ عليهِم أن يَكُونُوا مُثمِرين، لأنَّ
لم تكُن لدَيهِ طريقَةٌ أُخرى يُوصِلَ بها خلاصَهُ إلى هذا العالم، إلا من خلالِ
رُسُلِهِ المُثمِرين.

 

 يُوجَدُ
شِعرٌ يَصفُ لِقاءَ يسُوع معَ الملائِكَة بعدَ صُعُودِهِ إلى السَّماء. فسألَهُ
الملائِكَةُ عن الثَّلاث والثَّلاثينَ سنَةً التي قضاها على الأرض، خاصَّةً عن
إنتِصارِهِ على الصَّليب، الذي تمَّتِ المُصادَقَةُ عليهِ بقيامَتِهِ. ثُمَّ سألَ
أحدُ الملائِكَةِ يسُوعَ عن مأمُوريَّتِهِ العُظمى وعن خدمَة تبشير العالَم.
فأجابَ يسُوعُ بأنَّهُ أوكَلَ هذه المُهِمَّة للرُّسُلِ الأحد عشَر، ولحوالَي
خمسئة أخ. فَرَدَّ أحدُ الملائِكَةِ بالسُّؤال، "وماذا لو فَشِلُوا بتبشيرِ
العالَمِ بإنجيلِكَ؟" فأجابَ يسُوع، "ليسَ لدَيَّ أيَّةُ خُطَّةٍ
بَديلة."

 

خُلاصَة

 إنَّها
خُطَّةُ اللهُ بأن يضعَ قُوَّةَ اللهِ في شَعبِ الله، ليُحَقِّقَ مقاصِدَ الله، من
خلالِ شَعبِ الله، بِحَسَبِ خُطَّةِ الله. هذه هي رُوحُ التَّحريضِ الأوَّل، الذي
أُقدِّمُه في الأخير للتَّشديد. في هذه الإستِعارة المجازِيَّة الجميلة، يسُوعُ
هُوَ الكَرمة التي تبحَثُ عن أغصان. فالثِّمارُ لا تظهَرُ على الكَرمَةِ، بل على
أغصانِها. يُشيرُ هذا إلى الحقيقَةِ العميقة أنَّني لو كُنتُ مَوجُوداً عندما
رَتَّبَ اللهُ لهذه الخُطَّة، لكُنتُ نصحتُهُ بأن يعمَلَ خلافَ هذا التَّرتيب،
لأنَّ الطبِيعَةَ البَشَريَّةَ ضَعيفَةٌ. هل تعتَقِدُ أنَّ اللهَ عرفَ عن ضَعفِ
الطَّبيعَةِ البَشَريَّة عندما إتَّخذَ هذا القَرار؟ في الكتابِ المُقدَّس، تعني
كلمة "جَسَد" غالِباً، "الطَّبيعة البَشَريَّة بِدُونِ مُساعَدَةِ
الله." فَلِماذا خطَّطَ اللهُ القَادِرُ على كُلِّ شَيءٍ لخُطَّةِ تَحُدُّهُ
بمُشارَكَةِ الإنجيل من خلالِ كائناتٍ بَشَرِيَّةٍ ضَعيفَةٍ، قد تَقُومُ أو لا
تَقُومُ بالكِرازَةِ به؟

هل تبحث عن  بدع وهرطقات بدع حديثة عبادة الأصنام فى الكنيسة ة

 

 الجوابُ
القصيرُ على هذا السُّؤال هُوَ أنَّ هذه هي خُطَّةُ الله. بمعنَىً ما، عندما
نطرَحُ أحياناً السُّؤال، "لماذا فعلَ اللهُ هذا أو ذاك؟" يَكُونُ
الجوابُ دائماً هُوَ نفسُهُ، "اللهُ وحدَهُ يعلَم." يُعطينا يسُوعُ بعضَ
الأجوِبَةِ على هذا السُّؤال في هذا المقطَع. سَببانِ يستخدِمُ اللهُ لأجلِهِما
الأغصانَ ليُنتِجَ الثِّمارَ التي تَدُوم، وهُما أنَّهُ عندما تتدفَّقُ حياةُ
اللهِ وقُوَّتُهُ من خلالِ الأغصانِ البَشَريَّة، وعندما تَكُونُ هذه الأغصان
مُثمِرَة، يتمجَّدُ اللهُ، وتختَبِرُ هذه الأغصانُ فرحاً عظيماً. ولكنَّ الجوابَ
الأساسيّ على هذا السُّؤال هُوَ أنَّ المسيحَ الحَيَّ المُقام ليسَ لدَيهِ خُطَّةٌ
بَديلة.

 

 هل
رأيتم كيف أنّ يسوع يستَخدِمُ هذه الإستِعارَة المجازِيَّة عنِ الكَرمَةِ و
الأغصان، ليُوضِحَ ويُطَبِّقَ جَوهرَ المفاهِيم التي علّمنا إيّاها في الغرفة
العلويّة؟ "إن كنتم متّحدين معي كما أنا متّحدٌ مع الآب، تقدرون أن تعملوا
أعمال اللهِ وأن تلفظوا كلامَ اللهِ. وبالحقيقَة، ستعمَلُونَ أعمالاً أعظَمَ منِّي".
(يُوحَنَّا 14: 12).

 

 هذا
ما كانَ يَقُولُهُ بالحقيقة، عندما أمسَكَ بكَرمَةٍ ذاتِ أغصانٍ مُثمِرًة، وقالَ:
"هل تَرَون هذه الأغصان المتّصلة بالكرمة بطريقةٍ أنّ العناصر التي تعطي
الحياة تأتي من الكرمة وتعبر الأغصان وتُنْتِجُ الثمر؟ فبالطريقة عينها عليكم أن
تكونوا فيّ وأنا فيكم لتكونوا مثمرين. لأنَّكُم بِدُوني لا تَقدِرُونَ أن تعمَلُوا
شَيئاً، وبِدُونِكُم إختَرتُ أن لا أعمَلَ شَيئاً. ليس لديّ أيّ طريقةٍ أخرى
لإنجازِ عمَلِي في هذا العالم إلا بأن أُعلِنَ كَلِمَتـي وأعملَ عملي من خلالِكُم،
ومن خلالِ أُولئكَ الذين أصبحُوا تلاميذِي من خلالِ ثمارِكُم".

 

 قبلَ
أن نترُكَ هذه الأعداد السِّتَّة عشر من الإصحاحِ الخامِس عشَر من إنجيلِ
يُوحَنَّا، ينبَغي أن أُشيرَ إلى أنَّ بعضَ مُفَسِّري العهدِ القَديم يُؤمِنُونَ
أنَّ هذا هُوَ تفسيرُ يسُوع لإستِعارَةٍ مجازِيَّة نَجِدُها في كِتابَاتِ ووعظِ
أنبياء مثل إشعياء (إشعياء 5: 1- 7). الطريقَةُ التي إستَخدَمَ بها الأنبِياءُ هذه
الإستِعارَة، هي أنَّ إسرائيل هي الكرمة، وهذه الكرمة هي غير مُثمِرَة. الكرمَةُ
غيرُ المُثمِرَة التي كرزَ عنها الأنبياءُ، هِيَ صُورَةٌ عن الشَّر، وعن كَونِ
إسرائيل لم تَعُد بتاتاً كما أرادَ لهاَ الرَّبُّ أن تَكُون كأُمَّةِ شَعبِ الله.
وهكذا يستَخدِمُ يسُوعُ في بعضِ أمثالِهِ هذه الإستِعارَة المجازِيَّة نفسَها
وبالطَّريقَةِ نفسِها التي إستَخدَمَها بها الإنبياء (متَّى 21: 33- 40).

 

 لهذا
يُؤمِنُ مُفَسِّرُوا العهدِ القَديم بأنَّ يسُوعَ بدأَ إستِخدامَ إستِعارَتِهِ
العظيمة في الحَقلِ، قائِلاً ما جَوهَرُهُ، "أنا الكَرمَةُ الحقيقيَّة، وليس
الكرمة غير المُثمِرَة التي تكلَّمَ عنها الأنبِياء." في هذه الإستِعارَة
الرَّائِعة، يقتَرِحُ البَعضُ أنَّهُ يَقُولُ للرُّسُل أنَّ الخلاصَ، السَّلام،
وثَمرَ الرُّوح هي الحياة الأبديَّة الفَيَّاضة التي وعدَ بأنَّها لن تُوجَدُ
بمُجَرَّدِ التَّدَيُّنِ اليَهُودِي. فهذه البَركاتُ الرُّوحِيَّةُ الخارِقَةُ
للطَّبيعة، تمَّ إختِبارُها فقط في إطارِ علاقَةٍ حيويَّةٍ معَ يسُوع، بينما
عرَفُوهُ آنذاكَ، وخاصَّةً عندما كانُوا سيتعرَّفُونَ مُجدَّداً عليهِ كالمسيحِ
الحَيِّ المُقامَ منَ المَوت.

 

"مُهِمَّةٌ
مَهُوبَة"

(يُوحَنَّا
15: 18- 27)

 إنَّ
إستِعارَةَ الكَرمَةِ والأغصان كانت التطبيقَ العميق لجَوهَرِ تعليمِ يسُوع في
العُلِّيَّة. هُنا يُشارِكُ يسُوعُ بِبَعضِ الحقائقِ الصَّعبة التي سيُواجِهُها
هؤُلاء الرِّجال، خلالَ تطبيقِهِم للمأمُوريَّةِ العُظمة، التي كانَ قد كَلَّفَهُم
بها في عظتِهِ في حفلِ تخريجهم. وهوَ سيتبَعُ هذه التَّوقُّعاتِ الواقِعيَّة
الصَّعبة عن مُواجَهتهم المُقاومة والإضطِّهاد، التي كانُوا سيُواجِهُونَها بمعلُوماتٍ
أكثَر تحديداً عن عملِ الرُّوحِ القُدُس فيهم ومن خلالِهم عندما يقبَلُونَ
المُعَزِّي:

 

 "إِنْ
كَاْنَ العَاْلَمُ يُبْغِضُكُمْ فَاعْلَمُوْا أَنَّهُ قَدْ أَبْغَضَنِيْ
قَبْلَكُمْ. لَوْ كُنْتُمْ مِنَ العَاْلَمِ لَكَاْنَ العَاْلَمُ يُحِبُّ
خَاْصَّتَهُ. وَلَكِنْ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ العَاْلَمِ بَلْ أَنَاْ
اخْتَرْتُكُمْ مِنَ العَاْلَمِ لِذَلِكَ يُبْغِضُكُمُ العَاْلَمُ. اذْكُرُوْا
الكَلامَ الذِيْ قُلْتُهُ لَكُمْ لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ. إِنْ
كَاْنُوْا قَدِ اضْطَهَدُوْنِيْ فَسَيَضْطَهِدُوْنَكُمْ. وَإِنْ كَاْنُوْا قَدْ
حَفِظُوْا كَلامِيْ فَسَيَحْفَظُوْنَ كَلامَكُمْ. لَكِنَّهُمْ إِنمَّاْ
يَفْعَلُوْنَ بِكُمْ هَذَاْ كُلَّهُ مِنْ أَجْلِ اسْمِيْ لأَنَّهُمْ لا
يَعْرِفُوْنَ الذِيْ أَرْسَلَنِيْ. لَوْ لَمْ أَكُنْ قَدْ جِئْتُ وَكَلَّمْتُهُمْ
لَمْ تَكُنْ خَطِيَّةٌ. وَأَمَّاْ الآنَ فَلَيْسَ لَهُمْ عُذْرٌ فِيْ
خَطِيَّتِهِمْ. الذِيْ يُبْغِضُنِيْ يُبْغِضُ أَبِيْ أَيْضَاً. لَوْ لَمْ أَكُنْ
قَدْ عَمِلْتُ بَيْنَهُمْ أَعْمَاْلاً لَمْ يَعْمَلْهَاْ أَحَدٌ غَيْرِيْ لَمْ
تَكُنْ لَهُمْ خَطِيَّةٌ. وَأَمَّاْ الآنَ فَقَدْ رَأَوْا وَأَبْغَضَُوْنِيْ
أَنَاْ وَأَبِيْ. لَكِنْ لِكَيْ تَتِمَّ الكَلِمَةُ المَكْتُوْبَةُ فِيْ
نَاْمُوْسِهِمْ إِنَّهُمْ أَبْغَضُوْنِيْ بِلا سَبَبٍ. وَمَتَىْ جَاْءَ
المُعَزِّيْ الذِيْ سَأُرْسِلُهُ أَنَاْ إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ رُوْحُ الحَقِّ
الذِيْ مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ فَهُوَ يَشْهَدُ لِيْ. وَتَشْهَدُوْنَ
أَنْتُمْ أَيْضاً لأَنَّكُمْ مَعِيْ مِنَ الإِبْتِدَاْءِ". (يُوحَنَّا 15:
18- 27)

 

 تُسَجِّلُ
هذه الأعداد الطريقة التي حضَّرَ بها يسُوعُ الرسل لأمرٍ سيأتي قريباً وهو
الإضطهاد والعذاب. خلال القرون الثلاثة الأولى من تاريخ الكنيسة، كان من غير
الشرعي أن يكون الإنسان تلميذاً ليسوع المسيح. وحدثت موجاتٌ رهيبةٌ من الإضطهاد
ضدّ أتباع المسيح. لهذا السبب لم تُبنَ كنائس في القرون الثلاثة الأولى من تاريخ
الكنيسة، حتَّى قُبُول الأمبراطُور قسطنطين للإيمانِ المسيحي، الأمرُ الذي جعلَ
إتِّباع يسُوع أمراً شَرعيَّاً مقبُولاً (عام 312 م.) وحتَّى قسطَنطِين، كانت
الكنيسة تجتمع في المنازل غالِباً بشكلٍ سرّيٍّ، أو في مقابرَ تحت الأرض ضمن
مجموعاتٍ صغيرةٍ، تحتَ عاصِمة الأمبراطُوريَّة الرُّومانيَّة.

 

 منذُ
تلكَ الأيَّامِ المُبَكِّرَة من تاريخِ الكنيسة، كانَ يُعتَبَرُ عقدُ الإجتماعاتِ
كتلاميذ يسُوع أمراً غيرَ شَرعِيٍّ، وكان يُشَارُ إلى هذه الإجتماعات بالكَنيسَةِ
السِّريَّة تحتَ الأرض." وإذا كانَ الكَثيرُونَ على غَيرِ عِلمٍ بهذا
الواقِع، فهُناكَ الملايين منَ المُؤمنينَ اليوم الذي يجتَمِعُونَ في كنائِسَ
سِرِّيَّة "تحتَ الأرض"، لأنَّ الكثيرَ منَ الحضاراتِ المُعاصِرَة
تضطَّهِدُ المُؤمنينَ بالمسيح وتعتَبِرُ إتِّباعَ يسُوع علَناً هُوَ أمرٌ غَيرُ
شَرعِيّ.

 

 الكلمة
اليُونانِيَّة للإشارَةِ إلى "منزِل" هي، "إيكُوس". لهذا
يُشيرُ المُفَسِّرُونَ إلى الكنيسة السّرِّيَّة التي تجتَمِعُ تحتَ الأرض في
جماعاتٍ صَغيرَة، إلى كَونِها "كنائس المنزِل." تعليماتُ العهدِ الجديد
المُوحَى بها عنِ النِّظامِ، الهيكَلِيَّة، وعملِ الكنيسة، جميعُها مَبنِيَّةً على
حقيقَةِ أنَّ الكنيسة كانت تجتمِعُ في إطارِ هذه المَجمُوعَة الصَّغيرة
(1كُورنثُوس 14: 26 – 40). وبما أنَّهُ يجرِي اليوم إضطِّهادٌ مُخيفٌ للمُؤمنين في
كافَّةِ أرجاءِ العالم، فإنَّ الكنيسةَ تتَّجِهُ مُجَدَّداً إلى مفهُوم
"كنيسة المنزِل"، خاصَّةً عندما كانت تُقرَأُ الإصحاحاتُ الأخيرة من
سفرِ أعمال الرُّسُل.

 

 عندما
قالَ يسُوعُ لتلاميذِهِ مُحَذِّراً، "إِنْ كَاْنَ العَاْلَمُ يُبْغِضُكُمْ
فَاعْلَمُوْا أَنَّهُ قَدْ أَبْغَضَنِيْ قَبْلَكُمْ،" (يُوحَنَّا 15: 18)،
إستَخدَمَ كلمة "عالم" بمعنى فلسَفة العالم، أو طريقَة تفكير العالم، أو
نظام قِيَم العالم الخالِي من المُطلَقاتِ والمُسَلَّماتِ الأخلاقِيَّة. لهذا
علَّمَ يسُوعُ أنَّ تلاميذَهُ سيَكُونُونَ كمدِينَةٍ على جَبَلٍ لا يُمكِنُ
إخفاؤُها (متَّى 5: 14). بِحَسَبِ يسُوع، العالَمُ سيُبغِضُهُم لأنَّ كُلَّ ما هُم
عليهِ، وما يُؤمِنُونَ بهِ، ونظام القِيم الذي يتمسَّكُونَ بهِ، هي جيمعُها في
نزاعٍ مُباشَر معَ ما يُؤمِنُ بهِ أهلُ هذا العالم وما يُعطُونَهُ قيمَةً.
التَّطبيقُ الشَّخصِيُّ لكَ ولي كتلاميذ للمسيح اليوم هُوَ في غايَةِ الوُضُوح.

 

 في
العدد 19 يُقدِّمُ لنا يسُوعُ وصفاً دَقيقاً للمُؤمِنِ كَفَرد وللكنيسَةِ كجماعة،
عندما يَقُولُ، "إختَرتُكُم لتخَرُجُوا منَ العالم." إنَّ عبارَة
"منَ العالَم" هي تعريفٌ حَرفِيٌّ للكَنيسة. وباللُّغَةِ التي كتبَ بها
يُوحَنَّا هذا الإنجيل، أي اليُونانِيَّة، كلمة كنيسة هي "إكليسيَّا"،
التي تعني "مدعُوُّونَ إلى خارِج." فأُولئكَ المدعُوُّونَ منَّا إلى خارِج
يُشَكِّلُونَ الكنيسة. ولكن مدعُوُّونَ من ماذا؟ مدعُوُّونَ منَ الفَلسَفَةِ
العِلمانِيَّة، ومن طريقَةِ التَّفكير، ومن نظامِ قِيَمِ النَّاسِ في هذا العالم.

 

 وكأتباعٍ
للمَسيح، علينا أن نُدرِكَ أنَّنا مَدعُوُّونَ من هذا العالم لكي نُصبِحَ أهلَ
"عالَمٍ آخر." لأنَّهُ يدعُونا للخُرُوجِ من هذا العالم عندما نأتي
إليهِ بالإيمان ونلتَزِمُ بإتِّباعِهِ. ولا ينبَغي أن نتعجَّبَ عندَما نكتَشِفُ
أنَّ العالمَ لا يتمسَّكُ بِقِيَمِ المسيح. والعالَمُ لن يدَعَنا ننسى أبداً
أنَّنا نسيرُ على إيقاعٍ آخر، وأنَّهُ علينا أن لا نتعجَّبَ عندما نجدُ أنَّ أهلَ
هذا العالم لا يتمسَّكُونَ بالقِيَمِ والآداب والأهداف والمقاصِد التي نتمسَّكُ
بها نحنُ. فإن كُنَّا بالحقيقةِ نسمَعُ كلماتِ يسُوع هذه، فسَوفَ نتحضَّرُ لهذا
الإختبار.

 

 قالَ
يسُوعُ أيضاً، "أُذكُرُوا ما كلَّمتُكُم بهِ أنَّ العَبدَ ليسَ أفضَلَ من
سَيِّدِهِ." (20) عندما تكلَّمَ بهذه الكلمات، كانَ يُكَرِّرُ تصريحاً أعطاهُ
في بِدايَةِ هذه الخُلوة معَ التلاميذ. (يُوحَنَّا 13: 16). ثُمَّ يُتابِعُ،
"إن كانُوا قدِ إضطَّهَدُونَني فسيَضطَّهِدُونَكُم." ولكن لاحِظُوا هذا
التَّشديد الإيجابِيّ: إن كانُوا قد أطاعُوا تعليمي، فسيُطِيعُونَ تعليمَكُم
أيضاً." (20)

 

 بكلماتٍ
أُخرى، "أنتم تتعاملون مع العالم عينه الذي تعاملتُ أنا معهُ. وأنتُم
تتوقَّعُونَ منَ أهلِ هذا العالم نفسَ التَّجاوُبَ الإيجابِيّ و السَّلبِي الذي
حصَلتُ عليهِ أنا في تجاوُبِهِم معِي. ومعظم الشعب الذي تعاملتُ معه اضطهدني في
ردّه عليّ. لكنّ البعض آمن. لذا، توقّعوا أن يضطهدكم معظم الشعب. ولكن توقَّعُوا
أيضاً أن يُؤمِنَ الكَثيرُونَ ويتبَعُوني ويعيشُوا مبادِئِي في حياتِهِم، نتيجَةً
لكرازَتِكُم ولتَعلِيمِكُم."

هل تبحث عن  هوت روحى عيد النيروز 04

 

تطبيقٌ
شَخصِيّ

 إنَّ
كلمة "شاهِد" تعني حرفِيَّاً باليُونانِيَّة "شَهيد." لِهذا،
عندما نعيشُ أنا وأنتَ إيمانَنا بالمسيح في العالم، وعندما نكرِزُ بالمسيحِ
الحَيِّ فينا في هذا العالم الذي نعمَلُ فيهِ، علينا أن لا نتعجَّبَّ عندما
يتجاوَبُ النَّاسُ معَ شهادَتِنا مُعتَدِّينَ بِأنفُسِهِم فِكرِيَّاً، مُقاوِمينَ
تعليمَ وقِيَمَ المسيح. ولكن علينا أن نتذكَّرَ أيضاً وعدَ المسيح الإيجاِبي
المليء بالرَّجاء، الذي أعطاهُ يسُوعُ لهؤُلاء الرِّجال عندما قالَ: "أنتُم
أنفُسُكُم نماذِجَ عنِ الحَقيقَةِ المَجيدَة أنَّ البَعضَ أيضاً أطاعُوا تعليمي
الذي قَبِلتُهُ من أبِي. بالطريقِةِ نفسِها، سوفَ تحصلونَ على تجاوُبٍ إيجابِيٍّ
معَ خِدمَتِكُم. فأنتُم أيضاً سَتَصنَعُونَ تلاميذ سيُطيعُونَ بِدَورِهِم
التَّعليمَ الذي قَبِلتُمُوه منِّي."

 

 عندما
إضطُّهِدَ
William Tyndale بسببِ
ترجَمَتِهِ للكتابِ المُقدَّس إلى الإنكليزيَّة ليسمحَ لعامَّةِ الشَّعبِ
بِقِراءَةِ الكتابِ المُقدَّس، أجابَ على إضطِّهادِهِ بالقَول، "هذا ما
توقَّعتُهُ تماماً." فعندما يَقومُ النَّاسُ الذين نكرِزُ لهُم بالمسيح
بالإستِهزاءِ والسُّخرِيَةِ منَّا وباضطِّهادِنا بسببِ القِيَم التي نُحاوِلُ أن
نعيشَها ونكرِزَ بها، علينا أن نتبَعَ مِثالَ وليَم تِندايل، فلا نتعجَّب بل
نتوقَّع عدم التَّجاوُب وعدم التَّعاطُف معَ رِسالَتِنا.

 

 علينا
أن نَكُونَ واقِعِيِّينَ بِشَكلٍ كافٍ لنَتَذَكَّرَ تحذِيرَ يسُوع بأنَّ العالَمَ
تجاوَبَ دائماً معَ الأنبياءِ والشُّهُود بهذه الطريقة. فلقد حذَّرَ يسُوعُ هؤلاء
الرِّجال في بدايَةِ علاقَتِهِم معَهُم، عندما قال لهم: "وَيلٌ لكُم إذا قالَ
فيكُم جَميعُ النَّاسِ حَسَناً. لأنَّهُ هكذا كانَ آباؤُهُم يفعَلُونَ بالأنبِياءِ
الكَذَبَة". (لُوقا 6: 26) لهذا، علينا أن نتوَقَّعَ تجاوُباً لا مُبالٍ أو
حتَّى عدَائِيّ، وأن نكُونَ أكثر من قلقينَ عندما يمدَحُنا أهلُ العالَم
ويُكرِمُونَنا بأوسِمَةِ إستِحقاق. فعلينا أن نتوقّع ردّاً مضادّاً للمسيح الذي
نقدّمه للعالم.

 

 لكن
ثمّة رَجاءٌ أيضاً وهو أنَّهُ من بين الخطاة المُضطَّهِدِينَ والعدائيّين حيال ما
نقول لهم في ما يتعلّق بالمسيح وبالإنجيل، ثمّة أملٌ كبيرٌ في أن يُؤمِنَ بعضُ
النَّاسِ ويتجاوَبُوا معَ وعظِنا وتعليمِنا. لم يَكُن هذا إختبارَ رَبِّنا يسُوع
فقط، بل وكانَ أيضاً إختِبارَ الرُّسُل، كما سنرى في قراءَتِنا لِسفرِ الأعمال.

 

 عندما
وَصلَ بُولُس إلى مدينَةِ كُورنثُوس الفاسِدة والخاطِئَة، حيثُ لم يُكرَز بالمسيحِ
بتاتاً من قَبل، وقبلَ أن يبدَأَ خدمَتَهُ العجائِبيَّة بتأسيسِ كنيسة كُورنثوس،
ظهَرَ لهُ الرَّبُّ وقال لهُ ما جَوهَرُ معناهُ: "لا تَخَفْ، يا بولس. لديّ
أُناسٌ كثيرون في هذه المدينة. عليك أن تُعْلِنَ فقط الإنجيل وستكتشف مَن
هم". (أعمال 18: 9، 10)

 

 هذا
أمرٌ مُثير! فعِندَما نُعلِنُ الإنجيل، لن نَعرِفَ تماماً من هُمُ الذين
سيتجاوَبُونَ معَ كِرازَتِنا، ولكن لدَينا هذا الرَّجاءُ المَبنِيُّ على وعدِ
يسُوع بأنَّهُ سيَكُونُ هُناكَ أشخاصٌ سيتجاوَبُونَ معَ البِشارَة. فإن كانت
لدَينا الشَّجاعَةُ والإيمان لنُشارِكَ معَ الآخرين بالكِرازَةِ بالإنجيل، فسوفَ
نكتَشفُ من هُم هؤُلاء الآخرين.

 

 بما
أنَّ بولس توقَّعَ أن يَزُورَ المُؤمنينَ في رُوما ليُعلِنَ الإنجيلَ هُناك، كتبَ
يَقُولُ لهُم: "أَعلم أنّه عندما آتي إليكم، سآتي بكامل بَرَكَةِ إنجيل
المسيح". (رُومية 15: 29) عندما نَكُونُ مَدعُوِّينَ لنُسافِرَ إلى مكانٍ ما
بهدَفِ الكرازَةِ بإنجيلِ يسُوع المسيح، أو أذا طَلِبَ منَّا تقديم الإنجيل لأحدِ
الأفراد، أهَمُّ شَيءٍ يُمكِنُنا أن نعِدَ بهِ أُولئكَ الذين دَعونا، هُوَ أنَّنا
سنأتي بملءِ بَرَكَةِ المسيح. علينا أن نقتَرِبَ من هذا الإمتِياز عالِمينَ
أنَّهُ، رُغمَ أنَّ الأكثَريَّة قد تتجاوَبُ بعداوَةٍ وسَلبِيَّة، أو حتَّى قد
تضطَّهِدُنا، سيَكُونُ أُولئكَ "المَدعُوُّون" الذين سيُؤمِنُونَ
وسيُطيعُونَ وعظَنا وتعليمَنا، تماماً كما أطاعُوا وعظَ وتعليمَ يسُوع والرُّسُل.

 

 وتابع
يسوع قائلاً: "لَكِنَّهُمْ إِمَّاْ يَفْعَلُوْنَ بِكُمْ هَذَاْ كُلَّهُ مِنْ
أَجْلِ اسْمِيْ لأَنَّهُمْ لا يَعْرِفُوْنَ الذِيْ أَرْسَلَنِيْ". (يُوحَنَّا
15: 21) لاحظوا كيف أنّه يستمرّ بالقول إنّه والآب والروح القدس مرفوضون. فهو قصد
ما يلي: "الذي يَقبَل الذي أُرْسِلُهُ يقبلني. والذي يَقبَلُني يقبَلُ الذي
أرسَلَني." (يُوحَنَّا 13: 20؛ أنظُرُ أيضاً 14: 9- 11) فهُوَ والآبُ واحِد،
ولا يُمكِنُ أن تقبَلَهُم مُنفَصِلين. وهُوَ يُكَرِّرُ هذا للتَّشديد، ويشرَحُ
قائِلاً أنَّ رفضَهُ هُوَ مُجَرَّدُ إعلانٍ عنِ المُشكِلَة الأعمق أنَّ العالَمَ
لا يَعرِفُهُ، أو أنَّهُم رفضَوا الذي أرسَلَهُ.

 

 ثُمَّ
في العدد الثاني والعشرين وما يتبَع من الإصحاح الخامس عشر من إنجيل يوحنّا،
يمنحنا يسوع تصريحاتٍ عميقَة تشبه التصريح الوارد في نهاية الإصحاح التاسع. تذكّروا
أنّ في الإصحاح التاسع، وبعد أن شفى يسوع الرجل الأعمى قصد: "أنا نوعٌ مميّزٌ
من النور. أمنح البصر للعميان. لكنّي أيضاً أُزِيْلُ عَمَى الذين يعتقدون أنّهم
يَرَوْنَ".

 

 رجال
الدين فَهِمُوا ما كان يَقْصُدُهُ، لذلك أجابوا: "أتقول إنّنا عميانٌ
روحيّاً؟" فأجابهم: "لو كنتم عمياناً، لما كانت لديكم أيُّ خطيئةٍ.
لكنّكم الآن تقولون إنّكم تَرَوْنَ. لذا، خطيئتُكم باقيةٌ". (يُوحَنَّا 9:
40، 41) إنَّ هذا لَتعريفٌ عميقٌ للخطيئة: فبِدُونِ عَمَى، لا خَطيَّة، أي بِدُونِ
نُورٍ رُوحِيٍّ لا خَطِيَّة. في العدد الثاني والعشرين من هذا الإصحاح، يقول يسوع
الأمر عينه الذي ورد في الإصحاح التاسع من إنجيل يوحنّا: "أنا هُوَ نُورُ
العالم." هذا يعني أنَّ تعريفَ الخَطيَّةِ بِحَدِّ ذاتِهِ هُوَ رَفضُ الذي
يَقُولُ عن نفسِهِ أنَّهُ هُوَ نُور العالم. لِهذا، تعريفُ الخَطيَّةِ وأكثَرُ
الخطايا جدِّيَّةً هُوَ رَفضُ يسُوع المسيح.

 

 يُثيرُ
هذا سُؤالاً: هل يُوجَدُ أيُّ كائِنٍ بَشَريٍّ على الأرض، الذي ليسَ لدَيهِ أيُّ
نُورٍ رُوحِيٍّ على الإطلاق؟ يكتُبُ بُولُس الرَّسُول قائِلاً أنَّ كُلَّ إنسانٍ
لديهِ شَيءٌ منَ النُّور (رُومية 1: 20). هذا ما يُسمِّيهِ اللاهُوتِيُّون
"الإعلان الطَّبيعي." جَوهَرُ تعليم يسُوع هذا، وتعليمِ بُولُس
المُماثِل لهُ، هُوَ أنَّنا إذا عِشنا على مُستَوى النُّور الذي لدَينا، سنُعطَى
المَزيدَ منَ النُّور: "منَ المُهِمِّ أن نمضِيَ قدماً على ضَوءِ هذه
الحقيقَة، كما تعلَّمنا سابِقاً." (فيلبِّي 3: 15- 18) فأن لا نمضِيَ قدماً
على ضَوءِ ما قَبِلناهُ هُوَ نَوعاً ما تعريفٌ للخطيَّة.

 

 منذُ
عدَّةِ سنواتٍ، بينما كُنتُ أُقدِّمُ تعليماً تبشيريَّاً في إجتِماعِ دَرسِ
الكتابِ المُقدَّس في أحدِ المنازِل، كانت تُوجَدُ وسطَ هذا الجمعِ الكَبير منَ
النَّاسِ المُجتَمِعينَ هُناك إمرأَةٌ يابانِيَّة، كانت تتجاوَبُ بحَماسٍ معَ
تعليمي للإصحاحِ الأوَّل منَ الكتابِ المُقدَّس. وكانَ وجهُها يَشِعُّ نُوراً.
فإنتَظَرت إلى أن غادَرَ الآخرون، وطلَبت أن تتحدَّثَ إليَّ.

 

 لن
أنسَ أبداً تلكَ المُحادَثَة. قالَت، "في الأيَّامِ الأخيرَةِ منَ الحَربِ
العالَمِيَّةِ الثَّانِيَة، عندما كانت طائِرات
B – 29 تَقصِفُ طُوكيو، صَلَّيتُ في الملجَأِ لإلهٍ آخر. عرفتُ أنَّهُ
يُوجَدُ إلهٌ آخر، الذي كانَ الإله الحقيقيّ، فصَلَّيتُ لهُ. ولعُقُودٍ منَ السنين
منذُ ذلكَ الحين تكوَّنَ لدَيَّ شُعورٌ قَوِيٌّ بأنَّني يوماً ما سوفَ أعرِفُ
كُلَّ شيءٍ عن هذا الإله. وبينما كُنتَ أنتَ أيُّها القَسِّيس تُعَلِّمُ الكتابَ
المُقدَّس الليلة، عرفتُ في قَلبِي أنَّ هذا هُوَ الإله الحقيقيّ الذي صَلَّيتُ
لهُ في ملجَأِ القنابِل في طُوكيو."

 

 إنَّ
جوهَرَ الخَطِيَّة هُو رَفض النُّور. هذا يعني أنَّنا مَسؤُولونَ وسوفَ نُحاسَبُ
على أساسِ النُّور الذي أخذناهُ. إنَّهُ لأَمرٌ في غايَةِ الجَدِّيَّةِ أن
نتعرَّضَ لنُورٍ رُوحِيّ، لأن المنافِعَ الرُّوحِيَّة تَزيدُ من مَسؤوليَّتِنا
الرُّوحيَّة. عندما نَكُونُ قد سَمِعنا كلمةَ اللهِ ورأينا عجائِبَ الله، عندها
سيترتَّبُ علينا أن نُقَدِّمَ عن أنفُسِنا حِساباً على ما سَمعناهُ ورأيناهُ.
فالذي نعمَلُهُ حيالَ ما نعلَمُهُ هُوَ قياسُ المُحاسَبة الذي نَجِدُهُ في الكتابِ
المُقدَّس – خاصَّةً هُنا في تعليمِ يسُوع هذا، وفي ختامِ الإصحاحِ التَّاسِع من
هذا الإنجيل.

 

المُعَزِّي
آتٍ

 وفي
الأعداد الأخيرة من الإصحاح الخامس عشر، قالَ يسوع: "وَمَتَىْ جَاْءَ
المُعَزِّيْ الذِيْ سَأُرْسِلُهُ أَنَاْ إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ، فَهُوَ يَشْهَدُ
لِيْ". (26) إحدى أهمّ خدمات الروح القدس هي أن يشهَدَ، أو أن يُشِيرَ إلى يسُوع.
لا يَجْذِبُ الروح القدس الأنظار والإنتباه لنفسه، وإنّما يَرْفَعُ يسوع ويشهد له.
ثُمَّ أضافَ يسُوع: "وَتَشْهَدُوْنَ أَنْتُمْ أَيْضاً لأَنَّكُمْ مَعِيْ مِنَ
الإِبْتِدَاْءِ". (27)

 

 تذكّروا
مجدّداً ما هو الشاهد وماذا يفعَل. إنّ الشاهد هو إنسانٌ قد رأى أمراً ما واختبره.
قال يسوع: "كنتم مَعِيْ مِنَ الإِبْتِدَاْءِ. سيأتي الروح القدس وسيشهد لي،
لكن عليكم أن تشهدوا أنتم أيضاً". (26)

 

 أن
نكون شهوداً هي مسألةٌ تتعلّق بما نحن عليه بنعمةِ اللهِ، وينبغي علينا أن نكون
شهوداً كشمعَةٍ على منارَةٍ، حيثُ وضعَنا يسُوعُ ستراتيجيَّاً لهذا الهدَف.
ولكنَّنا لم نُوصَ فقط بأن نَكُونَ شُهُوداً. بل أُوصِينا بأن نَكُونَ شُهُوداً،
وهذا يعني أن نفتح فمنا ونشهد لِما رأيناهُ، سَمِعناهُ، وإختَبرناهُ. الشَّاهِدُ
هُوَ جَوهَرُ ماهِيَّة وحياة المُؤمن، ولكنَّ الشَّاهِدَ ينبَغي أن يشهَدَ كلاميَّاً
أيضاً. بحَسَبِ قَولِ يسُوع، الرُّوح القُدُس سيشهَد، ونحنُ علينا أن نشهَد.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي