الإصحَاحُ
الثَّامِنُ عَشَرَ

 

"إلقاءُ
القَبضِ على يسُوع"

(يُوحَنَّا
18: 1- 27)

 بَينما
نقتَرِبُ منَ الإصحاحاتِ الأخيرة من هذا الإنجيلِ الرَّابِع، نبدَأُ بِدراسَةِ
أعمَقِ سِجِلٍّ في الأناجيل الأربَعة لموتِ المسيحِ وقيامتِهِ. وكما أشرتُ
سابِقاً، يُخَصِّصُ يُوحَنَّا تقريباً نِصفَ إنجيلِهِ ليتكلَّمَ عنِ الثلاثِ
والثَّلاثينَ سنَةً التي عاشَها يسُوعُ كأهَمَّ حياةٍ عاشَها أيُّ إنسانٍ على
الإطلاق، والنِّصف الثاني من إنجيلِهِ خصَّصَهُ يُوحَنَّا للحديثِ عنِ أحداثِ
الأُسبُوعِ الأخير من حياةِ المسيح. وإبتداءً منَ الإصحاح الثَّاني عشَر، يُعطي
يُوحَنَّا وقائِعَ مُفصَّلَةً عن هذا الأُسبُوعِ الأخير من حياةِ يسُوع.

 

 في
الإصحاحاتِ الأربَعة الأخيرة، يسرُدُ يُوحَنَّا بالتَّفصيل وقائِعَ إلقاءِ القَبضِ
على يسُوع المسيح، مُحاكَمتِهِ، صَلبِهِ وقيامَتِهِ. وسوفَ يَكُونُ تفسيري لهذهِ الإصحاحاتِ
الأخيرة بِمثابَةِ تَلخِيصٍ لما أخبَرَتنا بهِ هذه الإصحاحات عن تلكَ الأحداثِ
الحَيويَّةِ الهامَّة في حياةِ إبنِ اللهِ الوحيد.

 

 يَصِفُ
أوَّلُ إصحاحٍ من هذه الإصحاحاتِ الأربَعة الأخيرة إلقاءَ القَبضِ على يسُوع. وإذ
نبدَأُ دراسَةَ الإصحاحِ الثَّامِن عَشَر، نقرَأُ: "قالَ يسُوعُ هذا وخرجَ
معَ تلاميذِهِ إلى عَبرِ وادِي قِدرُون حيثُ كانَ بُستانٌ دَخَلَهُ هُوَ
وتلاميذُهُ.

 

"وكانَ
يَهُوَّذا مُسَلِّمُهُ يَعرِفُ المَوضِعَ. لأنَّ يسُوعَ إجتَمَعَ هُناكَ كَثيراً
معَ تلاميذِهِ. فأخذَ يَهُوَّذا الجُندَ وخُدَّاماً من عندِ رُؤساءِ الكَهَنَة
والفَرِّيسيِّين وجاءَ إلى هُناكَ بِمَشاعِلَ ومصابِيحَ وسِلاحٍ."

 

"فخرجَ
يسُوعُ وهُوَ عالِمٌ بِكُلِّ ما يأتي عليهِ وقالَ لهُم من تَطلُبُونَ؟ أجابُوهُ
يسُوعَ النَّاصِريّ. قالَ لهُم يسُوعُ أنا هُوَ. وكانَ يَهُوَّذا مُسَلِّمُهُ أيضاً
واقِفاً معَهُم. فلمَّا قالَ لهُم إنِّي أنا هُوَ رجَعُوا إلى الوراء وسَقَطُوا
على الأرض. فسألَهُم أيضاً من تَطلُبُون؟ فقالُوا يسُوعَ النَّاصِريّ. أجابَ
يسُوعُ قد قُلتُ لكُم إنِّي أنا هُوَ. فإن كُنتُم تَطلُبُونَني فدَعُوا هَؤُلاء
يَذهَبُون. لِيَتِمَّ القَولُ الذي قالَهُ إنَّ الذين أعطَيتَني لم أُهلِكْ منهُم
أحداً."

 

"ثُمَّ
إنَّ سِمعانَ بُطرُس كانَ معَهُ سَيفٌ فإستَلَّهُ وضربَ عبدَ رَئيسِ الكَهَنةِ
فقطعَ أُذُنَهُ اليُمنى. وكانَ إسمُ العَبدِ مَلخُس. فقالَ يسُوعُ لِبُطرُس إجعَلْ
سَيفَكَ في الغَمدِ. الكأسُ التي أعطاني الآبُ ألا أشرَبُها؟" (يُوحَنَّا 18:
1- 11)

 

لاحِظُوا
الطَّريقَة التي يُشيرُ بها يُوحَنَّا إلى أنَّ يسُوعَ كانَ يُتَمِّمُ ما جاءَ في
الكُتُب، والسَّاعَةَ التي من أجلِها جاءَ إلى هذا العالم. لقد أدخَلَ يُوحَنَّا
بإستِمرارٍ تعليقاتٍ تَضَعُ هذه الأحداث في إطارِ العنايَةِ الإلهيَّة. مثلاً،
يسُوعُ كانَ يعرِفُ كُلَّ ما كانَ سيحدُثُ لهُ، وكانَ يُتَمِّمُ ما جاءَ في
الكُتُب عندما حفِظَ حياةَ رُسُلِهِ.

 

السُّؤالُ
الذي طَرَحَهُ يسُوعُ على بُطرُس يُشَدَّدُ على الحقيقَةِ المُرعِبَة أنَّهُ
بِبَساطَةٍ كانَ على وَشَكِ أن يشرَبَ الكأسَ التي أعطاهُ إيَّاها اللهُ وأرادَهُ
أن يشرَبَها (11). ولقد قامَ كُتَّابُ الأناجيل الأُخرى، خاصَّةً متَّى بإضافَةِ
التفسير نفسَهُ على سيرَةِ حياة يسُوع المُوحاة.

 

ويُتابِعُ
يُوحَنَّا بالتَّشديدِ بإستِمرار على الحقيقَةِ أنَّ يسُوعَ كانَ أكثَر من رَجُل.
هذه النُّقطَة تمَّ توضِيحُها في هذا المقطَع، عندما ذكَرَ يُوحَنَّا أنَّ الذينَ
جاؤُوا لإلقاءِ القَبضِ على يسُوع، سقطُوا إلى الورَاء عندما قالَ لهُم يسُوع
"أنا هُو." (6) هذه الكلمات هي نفسُها المُستَخدَمة للإشارَةِ إلى كلمة
يهوَة، والتي تعني: أنا الذي كُنتُ، وأكُون، وسأكُونُ."

 

كَلِمَةٌ
هامَّةٌ ورَدَت في المَقطَعِ المَذكُورِ أعلاه، وهي عندما يَصِفُ يُوحَنَّا عددَ
الجُنُود الذي جاؤُوا لإلقاءِ القَبضِ على يسُوع. الكَلِمَةُ التي يستَخدِمُها
يُوحَنَّا هُنا، والمُتَرجَمَة "فِرقَة" هي "كَتيبَة." وتعني
الكَتيبَةُ أنَّهُ جاءَ ستَّمائَة جُندِيّ رُومانِيّ للقَبضِ على يسُوع.

 

لقد
إعتادَ الرُّومانُ أن يُرسِلُوا أعداداً كَبيرَةً من الجُنُودِ، حتَّى ولو كانَت
المُهِمَّةُ تَستَهدِفُ توقيفَ شخصٍ واحِد. نقرَأُ في سفرِ الأعمال أنَّ أربعمئة
وسبعينَ جُندِيَّاً رُومانِيَّاً رافَقُوا بُولُس الرَّسُول عندما تمَّ نقلُهُ من
سِجنٍ إلى أخر (أعمال 23: 23). فمن المَعقُولِ جداً أن تكُونَ كَتيبَةٌ كبيرَةٌ قد
أُرسِلت لإلقاءِ القَبضِ على يسُوع، وكانت كامِلَةَ العَديدِ والعِتاد، خوفاً من
أن يَقُومَ تلاميذُ يسُوع بمُقاوَمَةِ توقيفِ مُعَلِّمِهم، أو أن يَقُومَ يسُوعُ
بإستِخدامِ قواهُ العجائِبيَّة لمُقاوَمةِ عمليَّةِ توقيفِه.

 

هذا
يجعَلُ من رَدَّةِ فِعلِ بُطرُس أمراً مُثيراً للإهتِمام. إنَّ الكلمة التي
إستَخدَمَها يُوحَنَّا للإشارَةِ إلى السَّيف الذي إستَخدَمَهُ بُطرُس، هي الكلمة
اليُونانيَّة التي قد تَعني سِكِّيناً طَويلاً. وقد تتساءَلُونَ ماذا كانَ يفعَلُ
بُطرُس بِسَيفٍ على جَنبِهِ؟ فهل إنضَمَّ إلى بعضِ الرُّسُل الباقِين في
قناعَتِهِم بأنَّ يسُوعَ كانَ سيُطيحُ بِرُوما وسيُؤَسِّسُ ملكُوتَهُ على الأرض؟
(أعمال 1: 6).

 

هُناك
الكَثيرُ منَ التَّفسيرات لردَّةِ فعلِ بُطرُس على توقيفِ سَيِّدِهِ هُنا.
بطريقَةٍ ما، بإمكانِنا القَول أنَّهُ الأكثَرُ شجاعةً بينَ التلاميذ، لكَونِهِ
شَهَرَ سيفَهُ بوَجهِ ستَّمائة جُندِيٍّ رُومانِيّ. تفسيرٌ آخر هُوَ أنَّ بُطرُس
لم يتمتَّعْ بالشَّجاعَةِ أو القُوَّةِ المَمسُوحَةِ بالرُّوحِ القُدُس ليُطَبِّقَ
تعليمَ يسُوع الذي أعطاهُ على الجَبل – أنَّهُ علينا أن نُحِبَّ أعداءَنا وأن
نُقاوِمَ الشَّرّ (متَّى 5: 39، 44). وُجهَةُ النَّظَر الثَّانِيَة هذه،
تُؤيِّدُها كلماتُ يسُوع لبُطرُس، عندما قالَ لهُ أن يضعَ سيفَهُ جانِباً.

 

ويُتابِعُ
يُوحَنَّا قائِلاً: "ثُمَّ إنَّ الجُندَ والقائِدَ وخُدَّامَ اليَهُودِ
قَبَضُوا على يَسُوعَ وأوثَقُوهُ. ومضَوا بهِ إلى حَنَّان أوَّلاً لأنَّهُ كانَ
حَما قِيافا الذي كانَ رَئيساً للكَهَنَةِ في تلكَ السَّنة. وكانَ قِيافا هُوَ
الذي اشارَ على اليَهُودِ أنَّهُ خَيرٌ أن يمُوتَ إنسانٌ واحِدٌ عن الشعب."

هل تبحث عن  هوت دستورى قوانين الكنيسة 13

 

"وكانَ
سِمعانُ بُطرُسُ والتِّلميذُ الآخَرُ يَتبَعانِ يسُوع. وكانَ ذلكَ التِّلميذُ
مَعرُوفاً عندَ رَئيسِ الكَهَنةِ فدخلَ معَ يسُوعَ إلى دارِ رَئيسِ الكَهَنَةِ.
وأمَّا بُطرُسُ فكانَ واقِفاً عندَ البابِ خارِجاً. فخرجَ التِّلميذُ الآخرُ الذي
كانَ معرُوفاً عندَ رَئيسِ الكَهَنةِ وكلَّمَ البوَّابَةَ فأدخَلَ بُطرُسَ.
فقالَتِ الجارِيَةُ البَوَّابَةُ لِبُطرُس ألستَ أنتَ أيضاً من تلاميذِ هذا
الإنسان. قالَ ذاكَ لَستُ أنا. وكانَ العَبيدُ والخُدَّامُ واقِفينَ وهُم قد
أضرَمُوا جَمراً. لأنَّهُ كانَ بَرَدٌ. وكانُوا يصطَلُونَ وكانَ بُطرُس واقِفاً
معَهُم يصطَلِي." (يُوحَنَّا 18: 12- 18)

 

لا
ينبَغي أن نقسُوَ كثيراً على بُطرُس، لأنَّ كُلاً من هؤُلاء الرُّسُل الأحد عشَر
قد فَرَّ هارِباً عندما تمَّ إلقاءُ القَبضِ على يسُوع. وسوفَ أُقدِّمُ المزيدَ
منَ المُلاحظاتِ وسأُشارِكُ بالمزيدِ منَ الأفكارِ عن نُكرانِ بُطرُس عندما
سأُلَخِّصُ الإصحاحَ الأخير من هذه الإنجيل.

 

يُعطينا
يُوحَنَّا تفاصيلَ عن مُثُولِ يسُوع أمامَ حَنَّان: "فسألَ رَئيسُ الكَهَنَةِ
يسُوعَ عن تلاميذِهِ وعن تعليمِهِ. أجابَهُ يسُوعُ أنا كَلَّمتُ العالَمَ
علانِيَةً. أنا علَّمتُ كُلَّ حِينٍ في المجمَعِ وفي الهَيكَلِ حيثُ يجتَمِعُ
اليَهُودُ دائماً. وفي الخفاءِ لم أتكلَّمْ بِشَيء. لماذا تسألُني أنا. إسألِ
الذين قد سمِعُوا ماذا كلَّمتُهُم. هُوَّذا هَؤُلاء يَعرفونَ ماذا قُلتُ أنا.

 

"ولمَّا
قالَ هذا لطمَ يسُوعَ واحدٌ من الخُدَّامِ كانَ واقِفاً قائِلاً أهَكَذا تُجاوِبُ
رَئيسَ الكَهَنَةِ. أجابَهُ يسُوعُ إن كُنتُ قد تكلَّمتُ رَدِيَّاً فاشهَدْ على
الرَّدِيِّ وإن حَسَنا فلِماذا تَضرِبُني. وكانَ حنَّانُ قد أرسَلَهُ مُوثَقاً إلى
قِيافا رَئيسِ الكَهَنة." (يُوحَنَّا 18: 19- 24)

 

الطريقَةُ
التي قُيِّدَ بها يسُوعُ والتي تمَّت مُعامَلَتُهُ بها من قِبَلِ أُولئكَ
الجُنُودِ الرُّومان، كانت عمليَّةً نمُوذَجِيَّةً عندما كانَ الجُنُودُ
يُوقِفُونَ أحداً عادَةً. ما كانَ غيرَ إعتِيادِيٍّ هُوَ أنَّهُم أخَذُوهُ إلى
حَنَّان قبلَ أن يأخُذُوهُ إلى قِيافا رَئيس الكَهَنة. فلماذا أُخِذَ يسُوعُ
لِيَمثُلَ أمامَ حنَّان الذي لم يَكُنْ رَئيسَ الكهنة؟

 

لقد
كانَ حَنَّان القُوَّة الكامِنَة خلفَ نظامٍ دينِيٍّ فاسِدٍ، كانَ يستَغِلُّ
الحُجَّاجَ اليَهُود الذين جاؤُوا إلى أُورشَليم من أجلِ قضاءِ واجِباتِهِم
الدِّينيَّة في الأعيادِ المُقدَّسَة، الأمرُ الذي كانَ يتطلَّبُ منهُم تقديمَ
ذبائح حيوانِيَّة. فكانتِ الحيواناتُ التي يَتِمُّ تقديمُها كذبائِح تُفحَصُ من
قِبَلِ الكهنة الذين كانُوا يُصَرِّحُونَ ما إذا كانت هذه الحيواناتُ طاهِرةً أم
لا.

 

وكانَ
حَنَّانُ يتحكَّمُ بتجارَةِ الحيواناتِ على حوالَي أربَعة هكتارات ونِصف التي كانت
تُشَكِّل ساحَةَ الهَيكل، بالإضافَةِ إلى الحيواناتِ التي كانت تُبَاعُ في
أُورشَليم، حيثُ كانَ يُرغَمُ أُولئكَ الحُجَّاج على دفعِ ثمن حيواناتِ الذَّبائِح
تلك خمسَةً وسبعينَ ضعفاً أكثَر من ثمنِها الحقيقيّ. وإن لم يَشتَرِ هؤُلاء
الحُجَّاج الحيوانات من أسواقِ حَنَّان، كانَ الكَهَنَةُ يعتَبِرُونَها حيواناتٍ
غير طاهِرَة ولا يُمكِنُ قُبُولها لتُقدَّمَ كذبائِح. وبالطَّبعِ كانَ هؤُلاء
الكَهنة تحتَ سيطَرَةِ حَنَّان. وعندما دمَّرَ الرُّومانُ أُورشَليم كُلِّيَّاً
بعدَ أربَعينَ سنَةً من ذلكَ التَّاريخ، وجدُوا في خزنَة ِالهَيكَل ما يُعادِلُ
قيمَةَ خمسة ملايين دُولار أميركِيّ.

 

كانَ
هذا في مُنتَهَى الفسادِ والإستِغلالِ الدِّينيّ، وكانَ يَدُرُّ الملايين على
حَنَّان سنَويَّاً. بإمكانِنا فهم سبب قِيام يسُوعُ مُعَبِّراً عنِ إستِنكارٍ
بارٍّ، بتطيهرِ باحَةِ الهيكل الكبيرة، إذ قَلبَ الموائِدَ وطردَ الباعَةَ
مُستَخدِماً سَوطاً. ولقد كانَ لكلماتِهِ معنَىً عظيماً عندما نفهَمُ هذا
الإستِغلال الشرِّير للحُجَّاجِ الدِّينيِّين من قِبَلِ حنَّان: "مكتُوبٌ،
بَيتي بيت الصَّلاةِ يُدعَى لجميعِ الأُمَم، وأنتُم جعَلتُمُوهُ مغارَةَ
لُصُوص." (مرقُس 11: 17).

 

هذه
المَعلُوماتُ التي يُقدِّمُها عُلماءُ الكتابِ المُقدَّس تُساعِدُنا على فهمِ سببِ
دَعوَةِ حنَّان ليَسُوع ليمثُلَ أمامَهُ، مُباشَرةً بعدَ إلقاءِ القَبضِ عليه.
بإمكانِنا أيضاً أن نُثَمِّنَ الحقيقَةَ الصَّعبَة أنَّهُ عندما طَهَّرَ يسُوعُ
الهَيكَلَ الذي تحوَّلَ إلى سُوقٍ للبَاعَةِ والصَّيارِفَة، كانَ يُواجِهُ
بالتَّأكيد الرَّجُلَ الشِّرِّير حَنَّان. فمُثُولُهُ أمامَ حَنَّان لم يَكُن
مُحاكَمَة. بل كانَ مُواجَهَةً قَسرِيَّةً معَ أحدِ ألَدِّ أعدائِهِ!

 

كانَ
النامُوسُ اليهُوديُّ يقُولُ أنَّهُ لا يَحِقُّ لكَ أن تسألَ أسئِلَةً للشخصِ الذي
يُدافِعُ عن نفسِهِ، بشكلٍ يسمَحُ بِتَجرِيمِه. فلا يُمكِنُ أن تضَعهُ في موضِعٍ
تجعَلُهُ يشهَدُ ضِدَّ نفسِهِ. ولقد أظهَرَ حنَّان مُباشَرَةً أنَّ الأسئِلَةَ
التي طَرَحَها على يسُوع لم تُشَكِّل بتاتاً مُحاكَمةً رَسمِيَّة. وهكذا نفهَمُ
هذا الأمر عندما أجابَ يسُوعُ، "لماذا تسألُني أنا؟" بعدَ ذلكَ، قامَ
أحدُ حُرَّاسِ الهَيكَل بصَفعِ يسُوعَ على وجهِهِ!

 

كانَ
الشَّعبُ اليَهُودِيُّ مَهزُوماً ويرزَحُ تحتَ نيرِ الإحتِلالِ الرُّومانِيّ. ولكن
سُمِحَ لرجالِ الدِّين اليَهُود بأن يُقيمُوا مُحاكَماتٍ دينيَّة، تختَصُّ
بالقَوانِينَ والشَّرائِع التي لا حَصرَ لها، والتي أضافُوها إلى نَامُوسِ مُوسى.
رُغمَ ذلكَ، فإنَّ السُّلطاتِ الرُّومانِيَّة لم تمنَحْ هذه المحاكِم اليَهُوديَّة
سُلطَةَ إنزالِ حُكمِ الإعدام بِأَحَد. وبما أنَّ اليَهُودَ أرادُوا يسُوعَ بأن
يُصلَبَ، توجَّبَ أن يخضَعَ يسُوعُ، بالإضافَةِ إلى المُحاكَمَةِ الدِّينيَّة، إلى
مُحاكَمَةٍ مَدَنِيَّة رُومانيَّة. جَرَت المحاكَمَةُ الدِّينيَّةُ عندما أرسَلَ
حَنَّانُ يسُوعَ ليَمثُلَ أمامَ قِيافَا. تتكلَّمُ الأناجيلُ الأُخرى عن
مُحاكَمَةِ يسُوع الدِّينيَّة. أمَّا يُوحَنَّا فلم يتكلَّمْ عن هذه المُحاكَمة،
بل تعمَّقَ في ذكرِ تفاصيل المُحاكَمَة الرُّومانِيَّة لِيَسُوع أمامَ الوالِي
الرُّومانِيّ بيلاطُس البُنطِيّ.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ش شـعر معـزي ي

 

يستأنِفُ
يُوحنَّا سردَهُ للوقائِع، بِذِكرِ نُكران بُطرُس المُثَلَّث ليسُوع:
"وسِمعانُ بُطرُسُ كانَ واقِفاً يَصطَلِي. فقالُوا لهُ ألَستَ أنتَ أيضاً من
تلاميذِهِ. فأنكَرَ ذاكَ وقالَ لَستُ أنا. قالَ واحِدٌ من عَبيدِ رَئيسِ الكَهَنةِ
وهُوَ نَسيبُ الذي قطعَ بُطرُسُ أُذُنَهُ أما رأيتُكَ أنا معَهُ في البُستان.
فأنكَرَ بُطرُسُ أيضاً. ولِلوَقتِ صاحَ الدِّيكُ." (يُوحنَّا 18: 25- 27)

 

بما
أنَّ يُوحَنَّا كانَ مُهتَمَّاً بذِكرِ تفاصيل إلقاء القَبض على يسُوع
ومُحاكَمَتِهِ الرُّومانِيَّة، لا يُخبِرُنا أنَّهُ عندما كانَ يحدُثُ هذا، خَرجَ
بُطرُس إلى الظلامِ وبكى بُكاءً مُرَّاً. يُعطِينا لُوقا تفاصيلَ الحادِثَةِ
المُؤثِّرَة، عن كيفَ أتَوا بِيَسُوع من جلسَةِ سُوءِ مُعامَلَتِهِ أمامَ حنَّان،
وُهناك نظَرَ يسُوعُ إلى عَينَي بُطرُس. فَعِندَما إلتَقَت عيناهُ بَعينَي بطرُس،
ووُضِعَ إكليلٌ من الشَّوكِ على رأسِهِ، وعلاماتُ اللَّكماتِ والضَّربِ على
وجهِهِ، عندها صاحَ الدِّيكُ، وعندها خَرجَ بُطرُس إلى الظُّلمَةِ وبكى بُكاءً
مُرَّاً. (لُوقا 22: 60- 62).

 

لماذا
إستَخدَمَ الرُّوحُ القُدُسُ بُطرُسَ بِقُوَّةٍ ليُلقِيَ عظَةً عظيمَةً يومَ
الخَمسين؟ أنا مُقتَنِعٌ بأنَّ السَّبَبَ هُوَ أنَّ بُطرُس كانَ قد تعلَّمَ
شَيئاً، عندما بكَى في الظَّلامِ خارِجاً، الأمرُ الذي جعَلَ منهُ وسيلَةً وقناةً
لقُوَّةِ الرُّوحِ القُدُس المُحرِّكَة. بكلمةٍ واحدَة، الأمرُ الذي تعلَّمَهُ
بُطرُس يُمكِنُ تسمِيَتُهُ "الإنكِسار." لقد عبَّرَ يسُوعُ عن هذا
المَوقِف عينِهِ عندَما علَّمَ المَوقِفَ الأوَّلَ الجميل الذي يجعَلُ منَّا ملحَ
الأرضِ ونُورَ العالم: "طُوبَى للمَساكِينِ بالرُّوح، لأنَّ لهُم ملكُوت
السَّماوات." (متَّى 5: 3).

 

يُخبِرُنا
المُفسِّرُونَ أنَّ كلمة "مساكِين" في هذا المَوقِفِ الأوَّل من
المَوعظَةِ على الجَبل، يُمكِنُ ترجَمَتُهُ "مُنكَسِرين" بالرُّوح.
المَوقِفُ الثَّانِي الذي طوَّبهُ اللهُ، هُوَ "طُوبى للحَزانَى."
(متَّى 5: 4). على الأقل، هُناكَ تطبيقٌ واحِدٌ مُبارَك لهذا المَوقِف الثَّاني،
وهُوَ أنَّنا نحزَنُ خلالَ تعلُّمِنا أن نَكُونَ مُنكَسِرين أو مساكِين بالرُّوح.
لقد إستُخدِمَ بُطرُس بِقُوَّةٍ يومَ الخمسين، لأنَّهُ عندما خرجَ إلى الظلامِ
خارِجاً وبكى بُكاءً مُرَّاً لكَونِهِ قد أنكَرَ رَبَّهُ يسُوع ثلاثَ مرَّاتٍ،
حَزِنَ كَثيراً وإنكَسَرَ بالرُّوح. لقدِ إختِير بُطرُس لِيَكُونَ إناءً
يستَخدِمُهُ الرُّوحُ القُدُس يومَ الخَمسين، وليَقُودَ كنيسةَ العهدِ الجديد،
لأنَّهُ تعلَّمَ وإختَبَرَ أوَّلَ حقيقَتَين علَّمَهُما يسُوعُ في مَوعِظَتِهِ على
جَبَلِ الجليل.

 

أنا
أُترجِمُ هاتَين التّطويبَتَين الأُولَيَين بالإعترافِ التَّالِي: "أنا لا
أستَطيع، ولكنَّهُ هُوَ يستطيع!" أنا مُتَيَقِّنٌ أنَّ اللهَ إستَخدَمَ
بُطرُس بِقُوَّة كقائِدِ الجيل الأوَّل من كنيسةِ المسيح، لأنَّهُ بينما كانَ يبكي
في الظُّلمَةِ خارِجاً، تعلَّمَ أن يعتَرِفَ قائِلاً، "أنا لا أستَطيع، ولكن
هُوَ يستَطيع." منَ الواضِح أنَّهُ إختَبرَ المَوقِفَ الثَّانِي الذي
يُطَوِّبُهُ الله، عندما كانَ يتعلَّمُ المَوقِفَ الأوَّل. سوفَ نتعلَّمُ المزيدَ
عن بُطرُس في دراسَتِنا للإصحاح الأخير من هذا الإنجيل.

 

"مُحاكَمة
يسُوع الرُّومانِيَّة"

(يُوحَنَّا
18: 28- 19: 16)

 

كتبَ
يُوحَنَّا يَقُولُ أنَّ مُحاكَمَةَ يسُوع الرُّومانِيَّة بدأَت كالتَّالِي:
"ثُمَّ جاؤُوا بِيَسُوع من عندِ قِيافا إلى دارِ الوِلاية. وكانَ صُبحٌ. ولم
يدخُلُوا هُم إلى دارِ الولاية لِكَي لا يتنجَّسُوا فيأكُلُونَ الفِصحَ. فخرجَ
بِيلاطُس إليهِم وقالَ: "أيَّةَ شِكايَةٍ تُقَدِّمُونَ على هذا الإنسان؟
أجابُوا وقالُوا لهُ، لو لم يكُنْ فاعِلَ شَرٍّ لما كُنَّا قد سَلَّمناهُ إليكَ.
فقالَ لهُم بِيلاطُس خُذُوهُ أنتُم واحُكُمُوا عليهِ حسبَ نامُوسِكُم. فقالَ لهُ اليَهُودُ
لا يَجُوزُ لنا أن نقتُلَ أحَداً. لِيَتِمَّ قولُ يَسُوعَ الذي قالَهُ مُشيراً إلى
أيَّةِ مِيتَةٍ كانَ مُزمِعاً أن يَمُوتَ." (يُو18: 28- 32)

 

تَذَكَّرُوا
أنَّنا عندما نَقُومُ بِدَرسِ هذا السَّردِ التَّارِيخي في إنجيلِ يُوحَنَّا،
لدينا فقط كَلماتٍ مكتُوبَة، بِدُونِ أن نُخبَرَ عن نبرَةِ الصَّوتِ التي كانت
تُستَخدَمُ في تلكَ الظُّرُوف. ونادِراً ما نُخبَرُ عن تعابيرِ وتقاسيمِ الوجهِ
وحركات ِجسدِ الذي يَتِمُّ إقتِباسُ أقوالِهِ، عندما نقرَأُ هكذا مقاطِع من كلمةِ
الله. لو كُنَّا نعرِفُ أبعادَ الإتِّصالِ بينَ بِيلاطُس وهؤُلاء اليَهُود،
لإتَّضَحَ أنَّ بِيلاطُس كان يَكرَهُ هؤُلاء القادَة الدِّينيِّين اليَهُود
وكانُوا هُم يكرَهُونَهُ.

 

قَبلَ
أن أُلَخِّصَ مُحاكَمَةَ يسُوع الرُّومانيَّة، أعتَقِدُ أنَّهُ منَ المُهِمِّ لنا
أن نعرِفَ هذا الوالِي الرُّومانِيّ الذي كانَ يُسَمَّى بِيلاطُس البُنطِي.
المُؤرِّخُ اليَهُودِيُّ يُوسِيفُوس، الذي كتبَ التَّاريخ اليَهُودِيّ، وعاشَ
حياتَهُ خلالَ زَمانِ العهدِ الجديد، يُخبِرُنا أنَّ بِيلاطُس أصبَحَ حاكِمَ
اليَهُوديَّة سنة 26 ميلاديَّة، وبَقِيَ في هذا المَنصَب لمُدَّةِ عشرِ سنواتٍ.
ولكنَّهُ حَظِيَ بِبدايَةٍ سَيِّئة لحُكمِهِ معَ القادة الدِّينيِّين اليَهُود،
لأنَّهُ في أوَّلِ زيارَةٍ لهُ إلى أُورشَليم، آتِياً من مَركَزِهِ في قيصَريَّة
في فلسطِين، رفعَ الجُنُودُ الذين رافَقُوهُ راياتٍ كانت تعلُوها تماثيلُ
منحُوتَةٌ منَ البُرونز لرأسِ الأمبراطُور طيباريُوس يُوليُوس قَيصَر أُوغسطُس.

 

 وبما
أنَّ الأمبراطُور كانَ مُعتَبَراً إلهاً من قِبَلِ رُوما، وبما أنَّ اليَهُودَ
بعدَ السَّبِي لم يرجِعُوا أبداً إلى عبادَةِ الأوثان والأصنام، وكانُوا يكرَهُونَ
تماماً أيَّ نوعٍ من الصُّوَرِ والتماثِيل، إحتَجُّوا على تماثيلِ رأس قيصَر
البرُونزِيَّة. وصارُوا يتوافَدُونَ إلى بيلاطُس، مُطالِبين إيَّاهُ بإزالَةِ هذه
التماثيل. وكَوَالٍ رُومانِيّ، لم يفعَلْ بيلاطُس أيَّ شَيءٍ ليُسهِّلَ الأمرَ على
هؤُلاء اليَهود.

هل تبحث عن  م الأباء كتب بستان الرهبان تدبيرات الرهبنة تدبير الروح الإحتمال ل

 

وفي
مُناسَبَةٍ مُعَيَّنة، طلبَ من القادَةِ أن يُلاقُوهُ في إحدى الملاعِب
الرِّياضِيَّة ليُناقِشُوا القَضِيَّة. وكانَ قد جعلَ جُنُودَهُ يُحاصِرونَ هذا
الملعب. وأعتَقِدُ أنَّ مُخَطَّطَهُ كانَ أن يَقُومَ بمذبَحَةٍ ضدَّ هؤُلاء
اليَهود الذي جاؤُوا ليُفاوِضُوهُ. ولكنَّ قادَةَ هؤُلاء اليهود كانُوا أُمَناءَ
لِقَضِيَّتِهم لدَرَجَةِ أنَّهم مَدُّوا أعناقَهم قائِلين، "نُفَضِّلُ أن
تقطَعَ أعناقَنا على أن نرى هذه الأصنام والأوثان في مدينتِنا المُقدَّسة."

 

فتراجَعَ
بيلاطُس عندَ هذه المُناسَبة. لَسنا مُتَأكِّدِينَ لماذا، ولكن هذا ما فعلَهُ.
ولقد إعتُبِرَ هذا إنتِصاراً للشَّعبِ اليَهُودِيّ. ولكن بإمكانِكَ المُراهَنة على
أنَّهُ لم يكُن هُناكَ أيَّةُ محبَّةٍ بين بيلاطُس ورجال الدِّين اليَهود.

 

الحادِثَة
الثَّانِية كانَت غلطَةً إقتَرَفها بيلاطُس، وهي أنَّهُ بنى قناةً مُعلَّقَةً
للمِياهِ، لأنَّ المياهَ كانت شَحيحَةً في أُورشَليم. ولكي يُمَوِّلَ مشرُوعَ بناء
هذه القناة المُعلَّقَة، إقتَحَمَ هيكَلَ أُورشَليم وسيطَرَ على أموالِ الخزنة.
قُلنا عندما كُنَّا ندرُسُ الإصحاحَ الثَّانِي، أنَّهُ عندما إحتَّلَ الرُّومانُ
اليهُوديَّة حوالي العام 70 ق. م.، كانَ يُوجَدُ في خزنَةِ هيكَلِ أُورشَليم ما يُعادِل
ما بينَ الخمسة إلى سبعة ملايين دُولاراً.

 

وذاتَ
مَرَّة، حدَثَت مُظاهراتُ إحتِجاجٍ على الطُرُقاتِ، فأرسَلَ بيلاطُس جُنوداً
جعلَهُم يتسلَّلُونَ بِثيابٍ مدنيَّةٍ بينَ المُتظاهِرينَ من اليهُود، وبإشارةٍ من
بيلاطُس، قامَ هؤُلاء الجُنود المُتَخفِّينَ بِذبحِ وقتلِ المئاتِ من اليَهود.
فأثارَت هذه المَذبَحَةُ غَضَبَاً وكُرهاً في أعماقِ قُلُوبِ رجالِ الدِّين
اليَهُودِ ضِدَّ بيلاطُس.

 

ثُمَّ
الحادِثَةُ الثَّالِثَة كانت أنَّهُ كانَ لدَيهِ تلكَ الدُّروع الذَّهَبِيَّة في
قصرِ هيرُودُس، وكانَ مرسُوماً عليها صُورَة طيباريُوس قيصَر. وكانَ هُناكَ
تذمُّرٌ عَلَنِيٌّ من هذا، إلى درَجَةِ أنَّ الأمبراطُور نفسَهُ أمرَ بِيلاطُس
بنزعِ صُورَتِهِ عن الدُّرُوع.

 

يُخبِرُنا
يُوسِيفُوس أنَّهُ بعدَ مَوتِ وقِيامَةِ يسُوع، أدَّتَ حادِثَةٌ نهائِيَّة إلى
إنهاءِ حياةِ بِيلاطُس السِّياسِيَّة. ففي العام 36 ميلاديَّة، حدَثَت ثورَةٌ في
السامِرة، وأخمَدَها بيلاطُس بطريقَةٍ فَظَّةٍ، لدرجَةِ أنَّ القائِدَ الرُّومانِي
في سُوريا وَشَى بهِ إلى الأمبراطُور طيباريُوس قيصَر، الذي أنهى ولايَتَهُ
وإستدعاهُ إلى رُوما.

 

وبينما
كانَ بيلاطُس على طريقِهِ إلى رُوما، ماتَ طيباريُوس قيصَر، وأخذَ كاليغُولا
مكانَهُ، وكانَ رَجُلاً مجنُوناً، وبإمكانِنا أن نتصوَّرَ مصيرَ بِيلاطُس عندما
وصلَ إلى رُوما لِلقاءِ الامبراطُور المَجنُون. فلقد إختَفَى إسمُهُ عن صفحاتِ
التَّاريخ منذُ ذلكَ الحِين. لقد شارَكتُ بهذه المعلُومات التَّاريخيَّة،
لأُساعِدَ القُرَّاءَ على فَهمِ عواقِبِ العداوَةِ بينَ بِيلاطُس وأُولئكَ
اليَهُود. لقد كانَ بِيلاطُس يكرَهُ اليَهُود، وكانُوا هُم يكرَهُونَهُ بِدَورِهم.

 

بدأت
مُحاكَمَةُ يسُوع الرُّومانيَّة بِخُرُوجِ بِيلاطُس من قَصرِهِ ليُخاطِبَ
اليَهُود، لأنَّهُم كانُوا يرفضُونَ دُخُولَ قصرِه. فبما أنَّ دُخُولَهُم قصرَهُ
كانَ سيجعَلُهُم نَجسِين، كانَ هذا الأمرُ سيحرِمُهُم من الإحتِفالِ بالفِصح.
يُحَيِّرُنا أن نجِدَ هؤُلاء القَادَة اليَهُود مُهتَمِّينَ بأن يَكُونُوا
مُقدَّسِينَ طقسِيَّاً، في وقتٍ كانُوا يُطالِبُونَ بِقتلِ إبنِ الله.

 

فخَرَجَ
بِيلاطُس وطَلَبَ منَ اليَهُودِ عن الإتِّهامات التي يُوَجِّهُونَها نحوَ هذا
الإنسان. فأجابُوهُ أنَّهُ لو لم يَكُنْ يسُوعُ مُجرِماً، لما كانُوا قد طالَبُوا
بإجراءِ هذه المُحاكَمة. أجابَ بِيلاطُس بأنَّهُ عليهِم أن يأخُذُوا يسُوعَ
ويحاكِمُوهُ بأنفُسِهم، بحَسَبِ نامُوسِهِم الدِّينيّ. فأجابُوا أنَّهُ لم تَكُنْ
لدَيهِم السُّلطة لإنزالِ حُكمِ الإعدامِ بهذا الإنسان، رُغمَ أنَّهم أرادُوا أن
يروهُ مَيِّتاً. ولقد أدركَ بِيلاطُس لاحِقاً أنَّ هذه لم تَكُن مُحاكَمة بل جريمة
جُمهُورٍ هائِج.

 

التَّبادُل
الإفتِتاحِيّ يُظهِرُ أنَّ جَوَّ هذه المُحاكَمة الرُّومانِيَّة كانَ صراعاً بينَ
الأعداء، والعلاقَة بينَ بِيلاطُس وهؤُلاء اليَهُود كانت مملوءَة بالعَداوَة.
أدخَلَ يُوحَنَّا تعليقاً بأنَّ كُلَّ ما كانَ يحدُثُ كانَ تتميماً للنُّبُوَّات
الكتابِيَّة التي وصَفَت موتَ المسيح المَسِيَّا (29- 32).

 

فرَجَعَ
بِيلاطُس إلى الباحَةِ، ودعا يسُوعَ ليَمثُلَ أمامَهُ. وجرَت بينَهُما مُحادَثَةٌ
عميقَة، سألَهُ فيها بِيلاطُس إن كانَ هُوَ مَلِك اليَهُود. فأجابَ يسُوعُ أنَّ
مَملَكَتَهُ ليسَت من هذا العالم. في إطارِ هذا التَّبادُل بينَ يسُوع وبيلاطُس،
قدَّمَ يسُوعُ تصريحاً عميقاً عن رِسالَتِهِ إلى هذا العالم. قالَ، "لهذا قد
وُلِدتُ أنا ولِهذا أتَيتُ إلى العالم، لأشهَدَ لِلحَقّ. كُلُّ من هُوَ منَ
الحَقِّ يسمَعُ صَوتي." (يُوحَنَّا 18: 37)

 

هُنا
طرحَ بِيلاطُس سُؤالَهُ الشَّهير، "ما هُوَ الحَقّ؟" وهُوَ لم ينتَظِرْ
منهُ جواباً، بل رجَعَ إلى الباحَةِ الخارِجيَّة وأعلنَ لِليَهُودِ قائِلاً أنَّهُ
لم يَجِدْ علَّةً ولا تُهمةً على يسُوع تُبَرِّرُ مُحاكَمَتَهُ. قد يكُونُ هذا
لأنَّهُ أُعجِبَ بيَسُوع، أو لأنَّهُ كانَ يكرَهُ هؤلاء اليَهُود، ولم يَكُنْ
يُريدُ أن يعمَلَ لهُم أيَّ شَيءٍ يطلُبُونَهُ منهُ.

 

في
الإصحاحِ الثَّامِن عشَر من هذه الإنجيل، عندما أجَبنا على السُّؤال، "من
هُوَ يسُوع؟" كانَ جوابُنا أنَّهُ هُوَ الشَّاهِدُ الأمين، الذي جاءَ
لِيَشهَدَ لِلحَقّ. ألَيسَ منَ المأساةِ أنَّهُ عندما طرحَ بيلاطُس هذا السُّؤال،
كانَ ينظُرُ وجهاً لِوجهٍ إلى ذلكَ الذي هُوَ الحَقّ، وأنَّهُ لم ينتَظِرْ
لِيَسمَعَ الجواب؟

 

بِحَسَبِ
العادَةِ الرُّومانِيَّة بإطلاقِ سَراحِ سَجِينٍ واحِدٍ في إحتِفالاتِ الفِصح،
عرضَ بيلاطُس على اليَهُود بأن يُطلِقَ سراحَ يسُوع. ولكنَّهُم أخذُوا يصرُخُونَ
أنَّ الذي أرادُوا أن يُطلَقَ سراحُهُ هُوَ بارابَّاس المُجرم. (يُوحَنَّا 18: 33-
40).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي