الإصحَاحُ
الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ

 

خاتِمَة

"صناعَةُ
شخصِيَّةٍ هامَّة من شَخصِيَّةٍ نَكِرَة

(يُوحَنَّا
21: 1- 25)

تبدأُ
خاتِمَةُ إنجيلِ يُوحَنَّا كالتَّالِي: "بَعدَ هذا أظهَرَ يسُوعُ أيضاً
نفسَهُ لِلتَّلاميذِ على بَحرِ طَبَرَيَّة. ظَهَرَ هكذا. كانَ سِمعانُ بُطرُسُ
وتُوما الذي يُقالُ لهُ التَّوأَمُ ونثنائِيلُ الذي من قاناَ الجَليل وإبنا
زَبَدِي وإثنانِ آخرانِ من تلاميذِهِ معَ بَعضِهم. قالَ لهُم سِمعانُ بُطرُس أنا
أَذهَبُ لأَتَصَيَّدَ. قالُوا لهُ نَذهَبُ نحنُ أيضاً معكَ. فخرجُوا ودَخَلُوا
السفينَةَ لِلوَقتِ وفي تِلكَ الليلة لم يُمسِكُوا شَيئاً. ولمَّا كانَ الصُّبحُ
وقفَ يسُوعُ على الشَّاطِئِ. ولكنَّ التلاميذَ لم يكُونُوا يَعلَمُونَ أنَّهُ
يسُوعُ. فقالَ لهُم يسُوعُ يا غِلمانُ أَلَعَلَّ عِندَكُم إداماً. أجابُوهُ لا.
فقالَ لهُم ألقُوا الشبكة إلى جانِبِ السفينَةِ الأيمن فتَجِدُوا. فأَلقَوا ولم
يَعُودُوا يَقدِرُونَ أن يَجذِبُوها من كَثرَةِ السَّمَك. فقالَ ذلكَ التِّلميذُ
الذي كانَ يسُوعُ يُحِبُّهُ لِبُطرُس هُوَ الرَّبُّ. فلمَّا سَمِعَ سِمعانُ
بُطرُسُ أنَّهُ الرَّبُّ إتَّزَرَ بِثَوبِهِ لأنَّهُ كانَ عُرياناً وألقَى نفسَهُ
في البَحر. وأمَّا التلاميذُ الآخرُونَ فجاؤُوا بالسَّفينَةِ لأنَّهُم لم يكُونُوا
بَعيدِينَ عنِ الأرضِ إلا نحوَ مِئَتَي ذِراعٍ وهُم يَجُرُّونَ شبكَةَ السَّمَك.
فلمَّا خرجُوا إلى الأرضِ نظَرُوا جَمراً مَوضُوعاً وسمكاً مَوضُوعاً عليهِ
وخُبزاً. قالَ لهُم يسُوعُ قَدِّمُوا من السَّمَكِ الذي أَمسَكتُمُ الآن. فصَعِدَ
سِمعانُ بُطرُس وجذبَ الشَّبَكَةَ إلى الأرضِ مُمتَلِئَةً سمكاً كَبيراً مئةً
وثلاثاً وخَمسين. ومعَ هذه الكثرَة لَمْ تَتَخرَّقْ الشَّبَكَة. قالَ لهُم يسُوعُ
هَلُمُّوا تَغَدَّوا. ولم يجسُرْ أحدٌ من التَّلاميذِ أن يسألَهُ من أنتَ إذ
كانُوا يعلَمُونَ أنَّهُ الرَّبُّ. ثُمَّ جاءَ يسُوعُ وأخذَ الخُبز وأعطاهُم
وكذلكَ السَّمَكَ. هذه مرَّةٌ ثالِثَةٌ ظهرَ يسُوعُ لِتلاميذِهِ بَعدَما قامَ من
الأمواتِ." (يُوحَنَّا 21: 1- 14)

 

يعتَقِدُ
مُعظَمُ المُفَسِّرينَ أنَّ المَوضُوعَ الرَّئيسَ المُنَظَّم لإنجيلِ يُوحَنَّا
ينتَهِي في العدد 31 من الإصحاحِ العِشرين. في هذا الإصحاحِ الختامِيّ، نقرأُ أنَّ
يسُوعَ يُذَكِّرُ سبعَةً من الرُّسُل الإثني عشر الذين دعاهُم – خاصَّةً بُطرُس –
بأنَّهُ لم يدعُهُمْ لصَيدِ السَّمك، بل دعاهُم لصَيدِ النَّاس! (لُوقا 5: 10؛
مرقُس 16: 7؛ يُوحَنَّا 21: 15- 25)

 

وكانَ
الرُّسُلُ قد قَضَوا ليلَةً كامِلَةً مُحاوِلينَ أن يُمسِكُوا سَمكاً، ولكن دُونَ
جَدوَى. ومن على الشَّاطِئ، وجَّهَهُم يسُوعُ المُقامُ ليُلقُوا شِباكَهُم إلى
الجانِبِ الآخر منَ السَّفينة. وسُرعانَ ما تَبِعُوا تعليماتِهِ، حتَّى إمتَلأَتِ
الشِّباكُ بالسَّمَك، فعرَفَ الرُّسُلُ أنَّ الشخصَ الغريبَ الذي كلَّمَهُم من على
الشَّاطِئِ كانَ الرَّب يسُوع. ولقد تمَّ ذِكرُ عددَ السَّمَكِ الذي تمَّ إمساكُهُ
بِدِقَّة: "مائة وثلاث وخمسون سمكَةً كبيرة. (يُوحَنَّا 21: 11)

 

ما
هُوَ المغزى من هذا العَدَد؟ لقد قامَ آباءُ الكنيسةِ والمُفَسِّرُونَ لقُرونٍ
طويلَةٍ بمُحاوَلَةِ تفسيرِ معنى هذا العدد رمزِيَّاً. قالَ بعضُهم أنَّهُ في تلكَ
الأيَّام، كانَ الناسُ يعتقِدُونَ أنَّهُ تُوجَدُ مائة وثلاثٌ وخمسون صِنفاً من
السمك يُمكِنُ صيدُهُ، وهذا يعني أنَّ الرَّبَّ كانَ يُعَلِّمُهم أنَّهُ
سيُخَلِّصُ أُناساً من كُلِّ شَعبٍ من شُعُوبِ الأرض. (متَّى 4: 19) فإنجيلُ
الخلاص لم يكُنْ لِليَهُودِ فقط، بل كانَ لِجَميعِ النَّاس. فكما أعلنَتِ
الملائِكَةُ عندَ وِلادَةِ المسيح، كانَ يسُوعُ يُذَكِّرُ هؤُلاء الرُّسُل بأنَّ
الإنجيلَ كانَ لِكُلِّ الشُّعُوب. (لُوقا 2: 10)

 

ولقد
إعتَقَدَ آخرونَ من آباءِ الكنيسَةِ أيضاً أنَّ العدد مائة هُوَ عددُ الملء أو
الكمال – أي كما قالَ الرَّبُّ في مَثَلِ الوزنات عن أنَّ الشخصَ يُؤتي ثِماراً،
البَعضُ ثلاثِين، والآخرُ ستِّين والآخرُ مائة. (متَّى 13: 8) فبِحَسَبِ هذا
التَّفسير و التَّطبيق، من خلالِ العدد مائة وخمسين، يتنبَّأُ يسُوعُ أنَّ
الكَثيرَ من الناسِ سَوفَ يُحصَدُونَ في إرسالِيَّةِ صيدِ النَّاسِ هذه، بِشَكلٍ
يَفُوقُ كُلَّ التَّصَوُّرات.

 

ولقد
آمنَ البَعضُ أيضاً أنَّ الثلاثة بعد المائة والخمسين تُشيرُ إلى الآبِ والإبنِ
والرُّوحِ القُدُس. فهؤُلاء الثَّلاثة سيَكُونُونَ المَصدَرَ والقُوَّةَ الكامِنة
خلفَ تحقيقِ هذا الحصاد العظيم، أو صَيد السَّمك الوفير هذا، وسيَكُونُ القَصدُ من
هذا الحصادِ العَظيم إعطاء المجد للهِ الآب والإبن والرُّوحِ القُدُس.

 

ولقد
آمنَ بعضُ المُفَسِّرين عبرَ السِّنين بأنَّهُ يُوجَدُ مغزَىً رُوحيّ في كَونِ
الشباكَ لم تَتَخرَّقْ، رُغمَ الصَّيدِ الوَفير الذي تحقَّقَ آنذاك. تفسيرُ
وتطبيقُ ذلكَ بالنِّسبَةِ للرُّسُل – ولنا نحنُ اليوم الذين نُحاوِلُ أن نصطادَ
النَّاس – هُوَ أنَّنا سنكتَشِفُ أنَّهُ لن تضِيعَ أيَّةُ سَمَكَةٍ منَ الصَّيدِ
الذي أمسَكتْهُ الشَّباك التي لم تتخرَّق. وكما علَّمَ يسُوعُ سابِقاً في هذا
الإنجيل، الآبُ هُوَ المُحَرِّكُ الأساسِيُّ خلفَ تجاوُبِنا معَ المسيح، وسنَكُونُ
بأمانٍ في يَدي الإبن والآب، عندما نتجاوُبُ معَ رِسالَةِ الإنجيل ونُصبِحُ من
خِرافِهِ. (6: 44؛ 10: 28، 29)

 

تثبيتُ
بُطرُس

في
مُنتَصَفِ هذا الإصحاح الأخير، إبتداءً منَ العدد 15، نَصِلُ إلى جُزءٍ رائِعٍ منَ
العهدِ الجديد عن علاقَةِ بُطرُس مع يسُوع. في مُعظَمِ التَّرجمات، سألَ يسُوع
بُطرُس ثلاثَ مرَّاتٍ، "يا بُطرُس، أتُحِبُّني؟" أنا أقتَبِسُ من
ترجَمَةٍ تَّفسيريَّةٍ لهذه الأعداد التي تُعَبِّرُ بِوُضُوحٍ عن الكلماتِ
اليُونانِيَّة التي إستخدَمها كُلٌّ من يسُوع وبُطرُس في هذا الحوارِ العميق:

 

"وبَعدَما
أكَلُوا سأَلَ يسُوعُ سِمعانَ بُطرُسَ: يا سِمعانُ بَن يُونا، أَتُحِبُّني أكثَرَ
مِمَّا يُحِبُّني هؤُلاء؟ فأجابَهُ، نعَم يا رَبُّ، أنتَ تعلَمُ أنَّني أُعِزُّكَ
[لأنَّني صَديقُكَ]. فقالَ لهُ: أطعِمْ حُملانِي. ثُمَّ سألَهُ ثانِيَةً: يا
سِمعانُ بنَ يُونا، أتُحِبُّني؟ فأجابَهُ: نَعَم يا رَبُّ. أنتَ تعلمُ أنِّي
أُحِبُّكَ [فأنتَ صَديقِي]. قالَ لهُ، إرعَ خِرافِي. فسألَهُ مَرَّةً ثالِثَةً: يا
سِمعانُ بنَ يُونا، أتُعِزُّنِي؟ [بِمَعنَى: هل أنتَ حتَّى صَديقِي؟] فَحَزِنَ
بُطرُس لأنَّ يسُوعَ قالَ لهُ في المرَّةِ الثَّالِثة "أتُعِزُّني."
وقالَ لهُ: يا رَبُّ، أنتَ تعلمُ كُلَّ شَيءٍ. أنتَ تعلمُ أنِّي أُحِبُّكَ."
فقالَ لهُ يسُوعُ: أطعِمْ خِرافِي." (يُوحَنَّا 21: 15- 25)

 

بينما
تقرأُونَ هذا المقطَع، لاحِظُوا أنَّهُ بِحُضُورِ ستَّة منَ الرُّسُل الذين
سمِعُوا بُطرُس يفتَخِرُ مُتَبَجِّحاً في العُلِّيَّة بأنَّهُ لن يُنكِرَ
مُعَلِّمَهُ بتاتاً، سألَ يسُوعُ بُطرُسَ ثلاثَ مرَّاتٍ، "يا بُطرُس،
أتُحِبُّني أكثَرَ من هَؤُلاء؟" المَرَّةُ الثَّانِيَة التي طَرَحَ فيها
يسُوعُ السُّؤال، لم يُضَمِّن الآخرينَ الحاضرينَ في سُؤالِهِ.

 

هل
سألَ يسُوعُ بُطرُسَ هذه الأسئِلة ثلاثَ مرَّاتٍ، لأنَّهُ كَونه الله في جسد
بَشَريّ، لم يعرِف الجواب؟ بالطَّبعِ لا. فعندما طرحَ يسُوعُ هذا السُّؤال
للمرَّةِ الأُولى، ذكَرَ يُوحَنَّا الكلمة التي إستخدمَها يسُوعُ للتَّعبير عن
محبَّة، وهي "آغابِّي"، والتي تعني ذلكَ النَّوع الكامِل والتَّام منَ المحبَّة،
التي يَصِفُها بُولُس في ما يُسمِّيهِ الكثيرُونَ إصحاحَ المحبَّةِ في الكتابِ
المُقدَّس (1كُورنثُوس 13: 4- 7).

 

عندما
أجابَ بُطرُس أنَّهُ يُحِبُّ يسُوع، إستَخدَمَ يُوحَنَّا الكلمة اليُونانِيَّة
"فِيلِيُو"، التي تَعني ذلكَ النَّوع منَ المحبَّة التي هي أدنى من
محبَّة "آغابِّي" – أي تلكَ المحبَّة التي يُمكِنُ وصفُها بِمُجَرِّدِ
صداقَة. لقد كانَ بُطرُس يُجيبُ على سُؤالِ يسُوع بالقَول، "أنتَ تعرِفُ
الجوابَ على هذا السُّؤال. أنتَ تعرِفُ أنَّني مُجَرَّدُ صَديقٍ لكَ." تلكَ
النَّوعِيَّة منَ المحبَّة التي إعتَرَفَ بها بُطرُس ليَسُوع ليسَت محبَّة آغابِّي
التي أوصَى بها يسُوعُ في العُلِّيَّة – والتي تأتي من اللهِ وتُنتِجُ إلتزاماً
كُلِّيَّاً.

 

المُلاحظَة
الأكثر أهمِّيَّةً التي يُمكِنُنا القِيامُ بها حيالَ هذا اللِّقاء هي التَّغيير
الذي نراهُ في بُطرُس. فعِندَما سألَ يسُوعُ بُطرُسَ إن كانَت محبَّتُهُ أكثر من
محبَّةِ باقي الرُّسُل ليسُوع، لا نَجِدُ بُطرُس يفتَخِرُ في جوابِهِ ليسُوع أو
يتبجَّحُ بأنَّهُ يُحِبُّ يسُوع أكثَر من باقي الرُّسُل. وكأنَّ الرَّبَّ يسألُ
قائِلاً، "يا بُطرُس، أتُحِبُّني من كُلِّ قَلبِكَ، فكرِكَ، نفسكَ
وقُدرَتِكَ؟" ويُجيبُ بُطرُس، "أنتَ تعلَمُ الجوابَ يا رَبّ. أنتَ
تعلَمُ أنَّ محبَّتي لكَ هِي مُجَرَّد صداقَة."

 

هُنا
نَجِدُ بُطرُس يجتازُ فيما يُمكِنُ وصفُهُ بكلمةٍ واحِدة هي
"الإنكِسار." لقد كانَ بُطرُس مسحُوقاً في الرُّوح. طريقَةٌ أُخرى لقولِ
هذا الأمر نفسهِ هي بأن نَقُولَ أنَّهُ يختَبِرُ المَوقِفَ الجميلَ الأوَّل الذي
علَّمَ عنهُ يسُوعُ في مَوعِظَتِهِ على الجَبَل – والذي أسماهُ يسُوع "مساكين
بالرُّوح." فلقد صادَقَ على ذلكَ الموقِف الجميل بالحُزن، مثل بُطرُس،
لأنَّنا غالِباً ما نحزَنُ ونكتَئِبُ عندما نختَبِرُ الإنكِسار أو الإنسحاق، أو
عندما نَكُونُ مساكين في الرُّوح. (متَّى 5: 3، 4)

 

أجمَلُ
الأعداد في الكِتابِ المُقدَّس

تأكَّدُوا
من أن تُلاحِظُوا أنَّهُ عندَما إعتَرَفَ بُطرُس بأنَّ محَبَّتَهُ لِرَبِّهِ هي
مُجَرَّدُ صدَاقَة، أجابَ الرَّبُّ، "إذاً، إرعَ غَنَمِي يا بُطرُس."
أعتَقِدُ أنَّ هذا هُوَ واحِدٌ من أَجمَلِ الأُمُور في كلمةِ الله. وأعتَقِدُ أنَّ
الرَّبَّ يقُولُ لِبُطرُس، "يا بُطرُس، أُريدُ شخصاً مثلَكَ ليَرعَى غَنَمِي.
أُريدُ شخصاً مثلكَ يعرِفُ معنى الفَشَل. ولا أُريدُ شخصاً كمالِيَّاً مِثالِيَّاً،
يَضَعُ مُتَطَلِّباتٍ غير واقِعيَّة على خِرَافِي. أُريدُ شخصاُ مَكسُوراً
ومُنسَحِقاً – أُريدُ شَخصاً يرعى الخراف التي مُتُّ لأجلِها. أُريدُ شخصاً
عَطُوفاً، يَهتَمُّ بآلامِ الخرافِ التي أحبَبتُها أنا كثيراً، ويُعالِجُ فشلَها.
أُريدُ شخصاً مِثلَكَ ليَرعَى خِرافي الغالِيَة والعَزيزة يا بُطرُس."

هل تبحث عن  هوت طقسى طقس القداس الإلهى 13

 

المرَّةُ
الثَّانِيَة، طَرَحَ فيها الرَّبُّ السُّؤال، "يا بُطرُس، أتُحِبُّني
حقَّاً؟" وهُنا أيضاً إستخدم يُوحَنَّا كلمة "آغابِّي." المرَّةُ
الثَّانِيَة التي أجابَ بها بُطرُس بأنَّهُ يُحِبُّ الرَّبّ، إقتَبَسَ يُوحَنَّا
قولَ بُطرُس وهُوَ يُجيبُ ثانِيةً بِكلمة "فِيلِيُو." رَدَّاً على هذا
الإعتِرافِ الثَّانِي لِبُطرُس، يذكُرُ يُوحَنَّا جوابَ يسُوع لِبُطرُس
مُستَخدِماً العبارَة اليُونانيَّة التي تَعني: "إذاً إرعَ غَنَمي، يا
بُطرُس." ولكنَّ جَوهَرَ ما تعنيهِ هذه الكلمات هُوَ: "إذاً، إهتَمَّ
بِخِرافِي. فأنا أُريدُ شخصاً مثلكَ يا بُطرُس ليَهتَمَّ بِحاجاتِ خِرافي."
(يُوحَنَّا 21: 16)

 

وتَصِلُ
هذه الدَّراما الحاسِمَة لهذا الحوار الدينامِيكيّ بينَ يسُوع وبُطرُس إلى
ذُروَتِها، عندما يسألُ الرَّبُّ في المرَّةِ الثَّالِثَة، "يا بُطرُس،
أَتُحِبُّني؟" المرَّةُ الثَّالِثَةُ يستَخدِمُ يُوحَنَّا كلمة
"فيليُو" للتَّعبِيرِ عن كلمة محبَّة. هذا يعني أنَّ يسُوعَ كانَ يسألُ
هذا القائِدَ المُستَقبَلِيّ للكنيسة، "يا سِمعانُ بنَ يُونا، هل أنتَ حَتَّى
صَديقِي؟"

 

عندما
نفهَمُ هذه الكلمات اليُونانِيَّة، نُدرِكُ لماذا حَزِنَ بُطرُس بسبِبِ الطريقة
التي بها طرحَ الرَّبُّ السُّؤالَ ثالِثَةً. وكذلكَ نحنُ نُثَمِّنُ إنكسارَ بُطرُس
المُمَثَّل في هذا الجوابِ الأخير من بُطرُس على أسئِلَةِ يسُوع الثَّلاثة:
"يا رَبُّ، أنتَ تَعرِفُ قَلبِي. أنتَ تعلَمُ كُلَّ شَيء. أنتَ تعلَمُ أنَّني
على الأقَلّ لديَّ هذا المقدار من المحبَّة. أنتَ تعلَمُ بالتأكيد أنَّي على الأقل
صديقُكَ" (يُوحَنَّا 21: 17).

 

وكما
أشَرتُ سابِقاً، أجمَلُ جُزءٍ في هذا الحِوار بينَ يسُوع وبينَ هذا الرَّسُول،
الذي أنكَرَ رَبَّهُ ثلاثَ مرَّاتٍ، هو أنَّهُ عندما إعتَرَفَ بُطرُس بإنكِسارِهِ،
كانَ جَوابُ الرَّب الأخير لهُ هُوَ: "إذاً إرعَ غَنَمِي، يا بُطرُس!"
أعتَقِدُ أنَّ هذا في غايَةِ الرَّوعة. فإن كُنتَ قد خَيَّبتَ آمالَ الرَّبِّ
مَرَّةً، عليكَ أن تُفَكِّرَ أيضاً بأنَّ كلمات يسُوع الأخيرة هذه لبُطرُس هي من أجمَلِ
ما كُتِبَ في الكِتابِ المُقدَّس.

 

فكلماتُ
التَّثبيت هذه التي قالَها يسُوعُ لبُطرُس – والتي كرَّرَها الرَّبُّ ثلاثَ
مرَّاتٍ – تعني أنَّ يسُوعَ المسيح الحَيّ المُقام لا يُريدُ أشخاصاً كَمالِيِّين،
يُدافِعُونَ عن أُسطُورَة كمالِيَّتِهم، ويطلُبُونَ تَوَقُّعاتٍ غير واقِعيَّة منَ
الخراف. لقد كانَ الفَرِّيسيُّونَ الوحيدينَ الذين أثارُوا مشاعِرَ الغَضَب عندَ
ذلكَ الذي كانَ "الله معنا." أحدُ أسباب غَضَب الرَّب منَ
الفَرِّيسيِّين كانَ أنَّهُم وضَعُوا مُتَطَلِّباتٍ غير واقِعيَّةَ على شَعبِ
الله. (متَّى 23: 13).

 

قالَ
لي أحدُ أساتِذَتي: "أنتَ لستَ الله، لذلكَ إسمَحْ لِنَفسِكَ بأن تفشَلَ،
وإسمَحْ للآخرينَ بما تَسمَحْ بهِ لنَفسِكَ بِواقِعيَّة. فالأشخاصُ الذين
يَرفُضُونَ أن يسمَحُوا بالفَشَل لذواتِهِم وللآخرين، سوفَ يَقُودُونَ أنفُسَهُم
والآخرينَ نحوَ اليأس." وقالَ لي أُستاذٌ آخر من أساتِذَتي أنَّهُ عندما كانَ
يُودِّعُ زوجَتَهُ ماضِياً لأوَّلِ يومٍ عمَلٍ كقَسِّيسٍ لِمَجلِسِ الشُّيوخ
الأميركي، قالَ لِزَوجَتِهِ: "كُلُّ يَومٍ عِشتُهُ أعَدَّني لهذا
اليوم."

 

هذا
الحِوارُ بينَ يسُوع وبُطرُس يلمِسُ قُلُوبَنا عندما نُدرِكُ أنَّ يسُوعَ يُقنِعُ
بُطرُس – ويُقنِعُكَ ويُقنِعُني – بأنَّ إنتِصاراتِنا وسقطاتِنا هي أدواتٌ
يستَخدِمُها الرَّبُّ ليُطَوِّرَ شَخصِيَّاتِنا الرُّوحِيَّة، ولِيُقنِعَنا
بالحقيقَةِ الدِّينامِيكيَّة التي علَّمَ بها في الخُلوَةِ المسيحيَّةِ الأخيرة.
فعندَما علَّمَ يسُوعُ رُسُلَهُ مثلَ الكرمة، علَّمَهُم وإيَّانا أنَّنا بِدُونِهِ
لا نستَطيعُ أن نعمَلَ شَيئاً، لا قَليل ولا كثير، بل لا شَيءَ البَتَّةَ!
(يُوحَنَّا 15: 5) وبينما نتبَعُ يسُوع، كُلُّ ما يحدُثُ لنا يُمكِنُ أن يكُونَ
جزءاً من كُلِّيَّةِ اللاهُوت، والدِّراسَةُ في كُلِّيَّةِ اللاهُوتِ هذهِ لا
تَنتَهي أبداً.

 

لماذا
أظهَرَ يسُوعُ المسيحُ المُقامُ قُوَّةً عظيمَةً يومَ الخمسين من خلالِ هذا
الرَّجُل بُطرُس؟ أعتَقِدُ أنَّنا عندَما نفهَمُ ديناميكيَّاتِ مُقابلَة يسُوع معَ
بُطرُس على الشَّاطِئ، صبيحَةَ ذلكَ اليوم، نَجِدُ الجوابَ على هذا السُّؤال.

 

لقد
كان الرَّبُّ يُعَلِّمُ بُطرُس ثلاثَةَ دُرُوسٍ يحتاجُ رِجالاتُ اللهِ أن
يتعلَّمُوها، قبلَ أن يُصبِحُوا أدواتٍ يستَخدِمُها اللهُ بيدَيهِ بِقُوَّة.
الدَّرسُ الأوَّل هُوَ: "أنتَ لا أحد ذُو شَأن." الدَّرسُ الثَّانِي
هُوَ: "أنتَ أحَدٌ ذُو شأن." الدَّرسُ الثَّالِثُ هُوَ: "دَعني
الآن أُظهِرُ لكَ ماذا أستَطيعُ أن أعمَلَ من خلالِ شَخصٍ تعلَّمَ أنَّهُ لا أحد
ذو شأن." في كُتَيِّبي عن سفرِ الخُروج، أظهَرتُ هذه الدُّرُوس الثَّلاثَة من
خلالِ حياةِ وإختِبارِ مُوسى. (الكُتَيِّب رَقَم 1). سوفَ تَجِدُونَ اللهَ
يُعَلِّمُ هذه الدُّرُوس الثَّلاثَة لأشخاصٍ يستَخدِمُهُم عبرَ الكتابِ المُقدَّس.
وسوفَ تكتَشِفُونَ أيضاً أنَّ اللهَ يُعَلِّمُ هذه الدُّرُوس الثَّلاثَة لأُناسٍ
اليوم. فعندما يُريدُ اللهُ أن يستخَدِمَكَ، سوفَ يُعَلِّمُكَ هذه الدُّرُوس الثَّلاثَة
نفسَها.

 

طَريقَةٌ
أُخرى لتَلخيصِ هذه الدُّرُوس الثَّلاثَة هي بالقَول أنَّ أشخاصاً مثل مُوسى
وبُطرُس، اللذينِ تعلَّما هذه الدُّرُوس الثَّلاثة، إكتَشَفا البَرَكَةَ
النَّاتِجَة عن معرِفَةِ هذه الأسرارِ الرُّوحِيَّةِ الأربَعة:

 

"لا
يَهُمُّ من أو ما أنا، بل المُهِمُّ من هُوَ وما هُوَ الله. ما يَهُمُّ هُوَ ليسَ
ما أستَطيعُ أو لا أَستَطيعُ عملُهُ، بل ما يَستَطيعُ وما يُريدُ الرَّبُّ أن
يعمَلَهُ. لهذا فالمُهِمُّ هُوَ ليسَ ما أنا أُريد، بل ما هُوَ يُريدُ."
عندما أتَعَلَّمُ هذه الأسرار الرُّوحيَّة الأربَعة، عندما بإمكانِي أن أنظُرَ إلى
الوراء، حيثُ إستَخدَمَني المسيحُ، وأن أقُول، "عندما أُفَكِّرُ بِقيمَةِ
حياتِي، أُدرِكُ أنَّهُ لم يَكُنِ المُهِمُّ ما أنا عمِلتُ، بل ما عَمِلَهُ
الرَّبُّ من خِلالِي، ذلكَ هُوَ ما سيكُونُ لهُ نتائج أبديَّة لا تَزُول. فقط عندَما
إختَبَرتُ هذه الحقائِق الرُّوحيَّة، فقط عندَها أنتَجَتْ حياتِي ما دَعاهُ
يسُوعُ، "الثَّمَر الذي يَدُوم." (يُوحَنَّا 15: 16)

 

أعرِفُ
شابَّاً كانَ يُحَقِّقُ إنجازاتٍ جَبَّارَة، قبلَ أن يتعلَّمَ هذه الأسرار
الرُّوحيَّة الأربَعة، ولكنَّهُ سُرعانَ ما تعلَّمَها ولَخَّصَها بالتَّالِي:
"يسُوع المسيح + أي شَيء = لا شَيء؛ يسُوع المسيح + لا شَيء = كُلّ
شَيء." والرَّبُّ يستَخدِمُهُ بِقُوَّةٍ اليوم كمُبَشِّرٍ مَعرُوفٍ
عالَمِيَّاً، لأنَّهُ تعلَّمَ ماذا يستطيعُ اللهُ أن يعمَلَهُ من خلالِ شَخصٍ
تعلَّمَ أنَّهُ لا أحد.

 

أنا
مُتَيَقِّنٌ أنَّ المسيحَ الحَيَّ المُقامَ إختَارَ أن يستَخدِمَ بُطرُس يومَ
الخمسين، لأنَّ بُطرُسَ تعلَّمَ أنَّهُ لا أحد ذو شأن. فعلى الشَّاطِئ صبيحَةَ
ذلكَ اليوم، أقنَعَ يسُوعُ بُطرُسَ أنَّهُ أصبَحَ شخصاً ذا شأنٍ وبإمكانِ اللهِ أن
يستَخدِمَهُ، لأنَّهُ تعلَّمَ أنَّهُ لم يَكُن أحداً ذا شأن. فيوم الخمسين،
إكتَشَفَ العالَمُ أجمَع والكنيسة بأسرِها ماذا يستَطيعُ أن يعمَلَهُ المسيحُ
الحَيُّ المُقام، من خلالِ شَخصٍ تعلَّمَ أنَّهُ لا أحد. (أعمال 2: 32، 33).

 

مَشيئَةُ
اللهِ لِحَياتِكَ (21: 18- 23)

في
هذا الإطار، علَّمَ يسُوعُ أيضاً دَرساً حَيويَّاً قَيِّماً عن مشيئَةِ اللهِ
لِحَياةِ التلميذِ الحقيقي. كتبَ يُوحَنَّا أنَّ الرَّبَّ قالَ لِبُطرُس:
"الحَقَّ الحَقَّ أقُولُ لكَ لمَّا كُنتَ أكثَرَ حداثَةً كُنتَ تُمنطِقُ
ذاتَكَ وتَمشِي حَيثُ تَشاءُ. ولكن متى شِختَ فإنَّكَ تَمُدُّ يَدَكَ وآخَرُ
يُمنطِقُكَ ويَحمِلُكَ حيثُ لا تشاء." (يُوحَنَّا 21: 18)

 

 لَرُبَّما
كانَ يُشيرُ الرَّبُّ إلى زَمَنِ الشَّيخُوخةِ، وإلى حاجَةِ الإنسان لمَن يعتَني
بهِ في شَيخُوخَتِهِ. ولكن لئلا نفهَمُ هذه الأعداد بهذه الطريقة، يُتابِعُ
يُوحَنَّا بالقَول، "قالَ هذا مُشيراً إلى أيَّةِ مِيتَةٍ كانَ مُزمِعاً أن
يُمَجِّدَ اللهَ بها." (يُوحَنَّا 21: 19)

 

الأرجَح
أنَّهُ كانَ يتكلَّمُ هُنا عن الصَّلبِ عندما قال، "فإنَّكَ تَمُدُّ
يدَكَ." كانَ هذا تَعبيراً شائِعاً في تلكَ الأيَّامِ، تماماً مثل عبارَة
"يُرفَع" التي إستَخدَمها يسُوعُ في الإصحاحِ الثَّالِث من هذا الإنجيل،
الذي يعني بِوُضُوحٍ الصَّلب. (3: 14)

 

ثُمَّ
نقرَأُ ما يَقُولُهُ الكتابُ، "فإلتَفَتَ بُطرُسُ ونظَرَ التِّلميذَ الذي
كانَ يسُوعُ يُحِبُّهُ [أي يُوحَنَّا] يَتبَعُهُ وهُوَ أيضاً الذي إتَّكَأَ على
صَدرِهِ وقتَ العَشاء وقالَ يا سَيِّد مَن هُوَ الذي يُسَلِّمُكَ. فَلَّما رَأَى
بُطرُس هذا قالَ لِيَسُوعَ يا رَبُّ وهذا ما لَهُ. [أيَّةُ مِيتَةٍ
سيَمُوتُ؟]" (يُوحَنَّا 21: 20- 21)

 

كانَ
بطرُس دائماً يتفاخَرُ بأنَّهُ كانَ مُستَعِدَّاً أن يمُوتَ من أجلِ الرَّبِّ.
فيُمكِنُ أن يكُونَ الرَّبُّ في هذا الإصحاحِ الختامِيّ قد قَرَّرَ أن يُخبِرَ
بُطرُس أيَّةَ مِيتَةٍ سيَمُوت. وإن كانَ التقليدُ دقيقاً في ما يَقُولُهُ عن
مَوتِ بُطرُس، فهذا يعني أنَّ يسُوعَ قالَ لبُطرُس أنَّهُ كانَ سيتمتَّعُ
بإمتِيازٍ، أي يُصلَبَ رأساً على عَقِب، من أجلِ رَبِّهِ يسُوع.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ق قمر أقمار ر

 

عندما
سَمِعَ بُطرُس هذا، تحرَّكَت طبيعَتُهُ البَشَرِيَّة عندما أشارَ بإصبَعِهِ إلى
شَريكِهِ في شَرِكَة زَبَدِي للصَّيدِ البَحرِيّ، أي يُوحنَّا، فقالَ للرَّب،
"أنا أعلَمُ أنَّكَ ستمنَحُني النِّعمَةَ والسَّلامَ اللازِمَين لأتحمَّلَ
هذه الميتَة الشَّنيعَة، ولكن ماذا عنهُ هُوَ؟ ما هي إرادَتُكَ لحياتِهِ
ومَماتِهِ؟" بالطَّبعِ كانَ يُمكِنُ أن يَكُونَ بُطرُس قد سألَ هذا السُّؤال
لأنَّهُ أحَبَّ يُوحَنَّا، ولأنَّ يُوحَنَّا أظهَرَ لهُ محبَّةً جمَّةً بينَ
نُكرانِهِ للرَّب، وبينَ إعادَةِ إعتِبارِهِ وتثبيتِهِ من قِبَلِ الرَّبِّ يسُوع
المُقام.

 

أجابَ
يسُوعُ قائِلاً لِبُطرُس أنَّ لا دَخلَ لِبُطرُس في ما يتعلَّقُ بمَشيئَةِ
الرَّبِّ لِحياةِ يُوحَنَّا ومَوتِهِ. أجابَ يسُوع، "قالَ لهُ يسُوعُ إن
كُنتُ أشاءُ أنَّهُ يبقَى حتَّى أجيءَ فماذا لكَ. إتَبَعنِي أنتَ."(23)
بِكَلماتٍ أُخرى، كانَ الرَّبُّ يَقُولُ لِبُطرُس، "هذا ليسَ من شَأنِكَ يا
بُطرُس. فخُطَّتي ليُوحَنَّا هيَ هِيَ. وخُطَّتِي لكَ هِيَ هيَ لا تتغيَّر. فلا تُزعِجْ
نفسَكَ بمُحاوَلَةِ معرِفَةِ ما هِيَ خُطَّتي لهُ. بل ينبَغي أن يَكُونَ
إهتِمامُكَ وأولَويَّتُكَ بأن تكتَشِفَ ِخُطَّتي لكَ، ومسؤُوليَّتُكَ هي بأن
تنظُرَ كيفَ تتبَعني بأفضَلِ طريقَة."

 

ثُمَّ
نقرَأُ: "فذاعَ هذا القَولُ بَينَ الإخوَة إنَّ ذَلِكَ التِّلميذ لا يَمُوتُ.
ولَكِنْ لم يَقُلْ لهُ يسُوعُ إنَّهُ لا يمُوتُ. بَلْ إنْ كُنتُ أشاءُ أنَّهُ
يَبقَى حتَّى أَجِيءَ فماذا لكَ؟"(يُوحَنَّا 21: 23)

 

فبعدَ
أن يخلُقَ اللهُ أيَّ واحِدٍ منَّا كخَليقَةٍ جديدَةٍ من خلالِ التَّجديد، فإنَّهُ
يكسِرُ القالِبَ الذي خلقَنا فيهِ. فنحنُ عملُهُ عندما نختَبِرُ الخلاص
(2كُورنثُوس 5: 17 و18؛ أفسُس 2: 10). وفي العنايَةِ الإلهيَّة نحنُ جميعاً
مُصَمَّمُونَ لنَكُونَ فريدِينَ ومُمَيَّزِينَ عن كُلِّ شخصٍ آخر على الأرض
(المَزمُور 139: 16). فنحنُ نستَعيدُ تلكَ الفرادة المُمَيَّزَة من خلال خلاصِنا
(2تيمُوثاوُس 2: 23- 26؛ فيلمُون 19؛ 1تيمُوثاوُس 4: 16). فلِماذا نتوقَّعُ إذاً
أن نكتَشِفَ مشيئَةَ اللهِ لِحياتِنا – التي ستَجعَلُنا مُمَيَّزِينَ عن كُلِّ
شَخصٍ آخر على الأرض – بمُقارَنَةِ مَشيئَتِهِ لحياتِنا معَ مشيئَتِهِ لحياةِ
المُؤمنينَ الآخرين؟

 

هذهِ
حَقيقَةٌ رائِعة، لأنَّنا نقضِي الكَثيرَ من وقتِنا في التفكِيرِ بما يفعَلُهُ
الرَّبُّ في حَياةِ الآخرينَ. ولكنَّ الشخصَ الذي سَنُقدِّمُ عنهُ حِساباً،
والشَّخصُ الذي نتحمَّلُ مَسؤُوليَّتَهُ، هُوَ نحنُ أنفُسُنا. وينبَغي أن نصرِفَ
الوقتَ والطَّاقَةَ على أنفُسِنا، لنَرى إن كُنَّا نعمَلُ ما يُريدُنا الرَّبُّ أن
نعمَلَ، وأن نترُكَ الشَّخصَ الآخَرَ لِلرَّبّ.

 

تُوجَدُ
إستِعارَةٌ مجازِيَّةٌ مُستَخدَمَةٌ في كَلِمَةِ الله، التي لا تُفهَمُ
بِسُهُولَةٍ في المُجتَمَعاتِ الدِّيمقراطِيَّة. فالمُدُنُ القَديمَةُ مثل رُوما،
كانَت تحتَوي على الملايين منَ العبيد بينَ سُكَّانِها. وأنبياءُ العهدِ القَديم
عرَّفُوا عن أنفُسِهم بأنَّهُم عبيدُ الله. والرَّسُول بُولُس، في رسائِلِهِ
العظيمة، لمَّحَ إلى كَونِنا جميعاً عبيدَ الرَّبِّ يسُوع المسيح، عندما يبدأُ
رسائِلَهُ بتقديمِ نفسِهِ كعبدِ يسُوع المسيح. ففي الحضارَةِ التي كتبَ فيها
بُولُس رسائلَهُ، لم يَكُنْ للعَبدِ أولَويَّةٌ أكثَر من أن يُرضِي ويُطيعَ
سَيِّدَهُ. في هذا الإطار، كتبَ بُولُس يَقُولُ: "كُلُّ عَبدٍ هُوَ لِمَولاهُ
يَثبُتُ أو يسقُطُ." (رُومية 14: 4) بِحَسَبِ بُولُس، ليسَ علينا أن نُعطِيَ
حِساباً أمامَ بعضِنا البَعض كعَبيدٍ، ولكن علينا أن نُعطِيَ حِساباً أمامَ
سَيِّدنا الرَّب يسُوع المسيح.

 

وبما
أنَّ يسُوعَ لم يَكُنْ فقط مُخَلِّصَ بُطرُس، بل وكانَ رَبَّهُ أيضاً، فمِثل
بُولُس، كان بُطرُس عبدَ مُعَلِّمِهِ يسُوع. وكعَبدٍ ليسُوع، لم يَكُنْ لبُطرُس
حَقٌ بأن يسأَلَ مُعَلِّمَهُ عمَّا هِي خطَّتُهُ لعَبدٍ آخر هُوَ الرَّسُول
يُوحَنَّا.

 

خُلاصَة

يعتقدُ
بعضُ المُفَسِّرينَ أنَّ ليلَةَ الصَّيد غير المُجدِيَة والتي لم تُؤتِ صيداً
البتَّة، تُشيرُ إلى الواقِع الرَّهيب أنَّ أُولئكَ الرِّجال كانُوا يَرجِعُونَ
إلى عملهِم الإعتِيادِيّ، وكانُوا يتناسُونَ المأمُوريَّة التي أمرَهُم بها يسُوع،
والتي لأجلِها صَرفَ ثلاثَ سنواتٍ من حياتِهِ معَهُم. ففي ظُهُورِ يسُوع هُنا بعدَ
القِيامَة، نجدُهُ يُذَكِّرُ هؤلاء الرُّسُل بِوُضُوحٍ أنَّهُ لم يُعطِهم مأمُوريَّةَ
صَيدِ السَّمَك، بل أعطاهُم مأمُوريَّةَ صَيدِ النَّاس (لُوقا 5: 10؛ متَّى 4:
19).

 

الحقيقَةُ
الثَّانِيَة التي علَّمَها يسُوع والمُسَجَّلَة في هذه الخاتِمة، هي تحدِّيهِ
لبُطرُس ولأُولئكَ الرُّسُل بأن ينخَرِطُوا بالإهتِمامِ بأُولئكَ الذين
سيُحصَدُونَ يومَ الخَمسين وبِرعايَتِهِم. كتبَ بُولُس يَقُولُ، "وظهَرَ
لِبُطرُس." (1كُورنثُوس 15: 5) لَرُبَّما كانت هذه المُقابَلة معَ بُطرُس في
ذهنِهِ عندَما كتبَ هذه الكلمات. فتصريحُ بُولُس هُنا يجعَلُ حوارَ يسُوع معَ
بُطرُس عندَ الشَّاطئ يبدُو وكأنَّهُ مُقابَلَة خاصَّة. رُغمَ أنَّهُ يبدُو أنَّ
حِوارَهُ معَ بُطرُس كانَ فَردِيَّاً، ولكنَّ بُطرُس شارَكَ لَرُبَّما جوهَرَ هذا
الوقت معَ باقي الرُّسُل.

 

بإمكانِنا
أن نقرأَ نتائجَ هذه المرحَلة منَ إنكارِ وتثبيتِ وإعادَة إعتِبارِ بُطرُس من
قِبَلِ يسُوع، من خلالِ الكلماتِ الأخيرة التي وجَّهَها بُطرُس للشُّيُوخ في
رسالَتِهِ المُوحَاة، في نهايَةِ العهدِ الجديد: "وإلهُ كُلِّ نِعمَةٍ الذي
دَعانا إلى مَجدِهِ الأبديّ في المسيحِ يسُوع، بعدَما تألَّمتُم يَسيراً، هُوَ
يُكَمِّلُكُم ويُثَبِّتُكُم ويُقَوِّيكُم ويُمَكِّنُكُم." (1بُطرُس 5: 10)

 

الحقيقَةُ
الأساسيَّةُ الثَّانِيَة التي تمَّ تعليمُها من قِبَلِ يسُوع وتمَّ تدوينُها في
هذه الخاتِمة، كانت تحدِّيهِ لبُطرُس ولأولئكَ الرُّسُل السِّتَّة بأن يرعوا وأن
يُطعِمُوا أُولئكَ الذينَ سيُولَدُون ثانِيَةً بعدَ بِضعَةِ أسابيع من قيامَتِهِ
وصُعُودِهِ. في العُلِّيَّة، كان التَّشديدُ في تعليمِ يسُوع، "الذي
يُحِبُّني يحفَظْ وصاياي،" وكانت وصِيَتُهُ الجَديدة لهُم أن يُحِبُّوا
بعضُهُم بعضاً، كما أحبَّهُم هُوَ لِمُدَّةِ ثلاثِ سنوات. بَعدَ قِيامَتِهِ،
خاصَّةً في حوارِهِ معَ بُطرُس، ولأجلِ تعليمِ كُلِّ الرُّسُل الذين كانُوا
حاضرينَ في ذلكَ الفُطُورِ على الشَّاطِئ، كانَ التَّشديدُ: "إن كُنتُم
تُحِبُّونَني، إرعوا غنمي وخرافي الصَّغيرة."

 

التَّعليمُ
الثَّالِثُ العظيم الذي قدَّمَهُ يسُوعُ لتلاميذِهِ – وتطبيقيَّاً لي ولكَ – كانَ
إكتِشافَ إرادة الله الفَرديَّة لحياتِهِم، ومشيئَتُهُ الجماعِيَّة لكنائِسِهم،
خلالَ طاعَتِهِم وطاعَتِنا نحنُ للمأمُوريَّةِ العُظمى.

 

الكلماتُ
الأخيرة منَ الإنجيلِ المُفَضَّل (يُوحَنَّا 21: 24- 25)

نَصِلُ
الآن إلى خاتِمَةِ يُوحَنَّا الجَميلة لهذا الإنجيلِ الرَّائِع. فعبرَ هذا
الإنجيلِ الرَّائِع بكامِلِهِ، وبتواضُعٍ جَميل، كانَ يُوحنَّا يتكلَّمُ عن نفسِهِ
كالتلميذ الذي أحبَّهُ يَسُوع، أو التلميذ الآخر – التلميذ الذي أحبَّهُ يسُوع،
الذي مالَ على صَدرِهِ وقتَ العشاء وطرحَ عليهِ ذلكَ السُّؤال في العُلِّيَّة.
فنَجِدُ أنَّهُ لم يُسَمِّ نفسَهُ أبداً. ولكنَّهُ في النَّهايَةِ يَقُولُ،
"أنا هُوَ ذلكَ التِّلميذُ الذي تكلَّمتُ عنهُ عبرَ هذا الإنجيل. ولقد
رَأَيتُ كُلَّ هذه الأُمُور التي كتبتُ عنها هُنا. وجميعُنا في هذه الأخويَّة
نعرِفُ أنَّ سَردي لهذه الأحداث هُوَ في مُنتَهَى الدِّقَّة."

 

تَتَبَّعُوا
آثارَ علامَةِ يُوحَنَّا المُمَيَّزَة عبرَ هذا الإنجيلِ الرَّابِع العميق، ومن
ثَمَّ إكتَشِفُوا أنَّهُ في هذه الإصحاحاتِ الختامِيَّة، يُخبِرُنا يُوحَنَّا
بِوُضُوحٍ أنَّهُ هُوَ ذلكَ التلميذ الآخر الذي أحبَّهُ يسُوعُ، هُوَ الذي كتبَ
هذا الإنجيل (13: 23؛ 19: 26؛ 18: 16؛ 21: 24).

 

ثُمَّ
يختُمُ إنجيلَهُ بالكَلِماتِ الرَّائِعة التَّالِيَة: "وأشياءُ أُخَرُ
كَثيرَةٌ صَنَعَها يسُوع، إن كُتِبَت واحِدَةً واحِدَةً فَلَستُ أَظُنُّ أنَّ
العالَمَ نفسَهُ يَسَعُ الكُتُبَ المَكتُوبَة." (يُوحَنَّا 21: 25) أحدُ
أساتِذَتي الذي كانَ قِسِّيساً لمجلِسِ الشُيُوخ الأميركيّ، إستشارَ أحدَ أكبَرِ
المكتباتِ في العالم، أي مكتَبَة الكُونغرس الأميركي، وسألَ القَيِّمينَ عليها
قائِلاً: "كم كتاب كُتِبَ بسَبَبِ حياةِ يسُوع المسيح؟" فلم يتجرَّأُوا
على إعطائِهِ عدداً مُحَدَّداً، لأنَّهُم أخبَرُوهُ أنَّ العددَ سيكُونُ منَ
المُستَحيلِ تقريباً إحصاؤُهُ.

 

كانَ
يُوجَدُ مُعلِّمٌ لِكَلِمَةِ اللهِ، عاشَ حوالي العام 80 ميلاديَّة، الذي كتبَ في
أواخِرِ حياتِهِ الطَّويلَة الشِّعرَ التَّالي، "لو كَانتِ السماواتُ بأسرِها
صفحَةً بيضاء، ولو كانت كُلُّ أشجارِ الطَّبيعَةِ أقلاماً، ولو كانت كُلُّ
البِحارِ حِبراً، لما كانَ هُناكَ ما يكفي منَ الحِبرِ لكتابةِ كلِّ الحكمة التي
تعلَّمتُها من مُعَلِّمِيَّ؛ ورُغمَ ذلكَ، كانَ لي الشَّرَفُ بأن أتعلَّمَ منَ
الحِكمَةِ فقط بمقدارِ ما كانت ستَحمِلُهُ ذُبابَةٌ غطَسَت في أُوقيانُسِ الحِبر على
جَناحَيها."

 

تأمَّلُوا
بتلكَ الذُّبابَة تغطُسُ في أُوقيانُسِ الحبر، وكم منَ الحبر كانت ستحمِلُ معَها
عندما ستَطيرُ بعيداً. لقد أعطانا مُعلِّمُ النَّامُوسِ العَجُوز هذا صُورَةً
مجازِيَّةً فصيحة ليُظهِرَ لنا كم أنَّ ما نعرِفُهُ هُوَ نِسبِيٌّ بالنَّسبَةِ لما
يُمكِنُ معرِفَتُهُ بالمُطلَق. شَخصٌ آخر من أساتِذَتي قالَ لي أنَّ تعلُّمِي أو
إستِعدادِي للخِدمة سيَكُونُ بمثابَةِ إنتِقالٍ من عدَم إدراكٍ لجَهلِي إلى إدراكٍ
لهذا الجَهل. فكُلَّما عرَفنا، كُلَّما إزدادَ وعيُنا لما لا نَعرِفُهُ.

 

بهذه
الطَّريقَة يختُمُ يُوحَنَّا إنجيلَهُ. فخاتِمَتُهُ لهذا الإنجيل المُوحَى بهِ هي:
"لقد أخبَرتُكُم بِكُلِّ هذه الأُمُور عن يسُوع، ولكن هُناكَ المَزيدُ
لأُخبِرَكُم عنهُ. ولكنَّني إختَرتُ بعضَ هذه الآياتِ ودَوَّنتُها لكي تستطيعُوا
أن تتفحَّصُوا مِقدارَ دِقَّةِ شَهادَتي لهذه الآيات، ومن ثَمَّ أن تنالُوا
الحياةَ الأبديَّة، إذا آمنتُم بأنَّ يسُوعَ هُوَ المسيح إبن الله. ولكنَّني لم
أُخبِرْكُم بِكُلِّ شَيءٍ عن يسُوع. بل أخبَرتُكُم فقط بجزءٍ يَسيرٍ من كُلِّ
يُمكِنُ أن نُخبِرَ بهِ ونعرِفَهُ عن يسُوع."

هل تبحث عن  هوت طقسى طقوس العهد القديم الذبائح 10

 

هُناكَ
تصريحٌ خِتامِيٌّ آخر لهذا الإنجيل، كتبَهُ رَسُولُ المَحبَّةِ في الإصحاحِ
الأخيرِ من رِسالَتِهِ المُوحَى بها، والتي نَجِدُها في نهايَةِ العهدِ الجديد:
"وهذه هي الشَّهادَة: أنَّ اللهَ قد أعطانا حياةً أبديَّةً، وهذه الحياة هي
في إبنِه. من لهُ الإبنُ لهُ الحياة؛ ومن ليسَ لهُ الإبنُ ليسَت لهُ الحياة."
(1يُوحَنَّا 5: 11 و12).

 

تُوُفِّيَ
أحدُ الرِّجالِ الأغنِياء، وكانت تَرْكَتُهُ تَزيدُ على المِليار دُولار، فأصبَحَ
قصرُهُ يَعُجُّ بأعضاءِ العائِلَةِ والأقرِباء والأصدِقاء والشُّركاء، منُتَظِرينَ
قراءَةَ وَصِيَّتِه. وقبلَ أن يبدَأَ المُحامي المُكَلَّف بِقِراءَةِ الوَصِيَّة
الأخيرة، أعلنَ أنَّ لوحَةَ صُورَةِ الإبنِ المُتَوفِّي للغَنيِّ ستُعرَضُ في
المَزادِ قبلَ قِراءَةِ الوَصِيَّة. ولكنَّ الإبن كانَ سَبَبَ حَرَجٍ لوالِدِهِ
ولم يُحِبُّهُ إلا قَليلُون.

 

فبدَأَ
المَسؤولُ عنِ المزادِ العَلَنِيِّ بطرحِ المَزاد. وبعدَ صَمتٍ مُربِك، وبِدُونِ
أيَّةِ مُزايَدةٍ على الصُّورَة، قامَتِ إمرأَةٌ عَجُوزٌ كانت مُرَبِّيَةَ الإبن
عندما كانَ طِفلاً، بعَرضِ مبلغ خمسة دُولارات لِصُورَةِ الإبن، لأنَّ كانَ هذا
كُلَّ ما لدَيها منَ المال. وبما أنَّهُ لم تَكُنْ مُزايَدَةٌ على ما دَفَعَتْهُ
المرأة ثمناً لصُورَةِ الإبن، أُعطِيَت حقَّ مُلكِيَّةِ الصُّورَة. وعندَما
قُرِئَتِ وَصِيَّةُ الأبِ الغَنيّ، نَصَّتِ الإفتِتاحِيَّةُ "تَرَكتُ كُلَّ
مُمتَلَكاتِي الأرضِيَّة للذي إشتَرَى صُورَةَ إبني المُتَوفِّي."

 

تُشيرُ
هذه الصُّورَة إلى الطريقة التي ختَمَ بها يُوحَنَّا إنجيلَهُ ورِسالَتَهُ
المُرادُ منها أن تَكُونَ مُلحَقاً لإنجيلِهِ: "من لهُ الإبنُ لهُ كلُّ شَيء،
ومن ليسَ لهُ الإبن ليسَ لهُ أيُّ شَيء."

 

التَّطبيقُ
الشَّخصِيُّ

لقد
تجوَّلَنا معاً حتَّى الآن عبرَ 21 إصحاحاً من هذا الإنجيلِ الرَّائِع، طارِحينَ
هذا السُّؤال، "من هُوَ يسُوع؟" لقد قدَّمَ لنا يُوحَنَّا جوابَهُ على
هذا السُّؤال بمثابَةِ معرَضٍ فَنِّيٍّ خارِقٍ للطَّبيعة من اللَّوحاتِ
الزَّيتِيَّة التي تُشيرُ إلى صُوَرٍ عن حياةِ المسيح، والتي يُسَمِّيها يُوحَنَّا
آياتٍ، تُبَرهِنُ بالنَّتيجَةِ الحقيقَةَ المَجيدة أنَّ يسُوعَ هُوَ المسيح،
المَسيَّا، إبن اللهِ الوَحيد!

 

مِراراً
وتِكراراً طَرحَنا السُّؤالَ، "ما هُوَ الإيمانُ؟" لقد تعلَّمنا من هذا
الإنجيل أنَّ الإيمانَ ليسَ قضيَّةً فِكريَّةً فحَسب. فالإيمانُ ليسَ بِبَساطَةٍ
مُجَرَّدَ جمعِ فَرَضِيَّاتٍ منطِقيَّة معاً وإستِخلاصِ إستِنتاجاتٍ منطِقيَّةٍ
منها. إن كانَ هذا هُوَ كُلُّ ما في الإيمان، عندها سيُصبِحُ كُلُّ شَخصٍ يتمتَّعُ
بعقلٍ راجِحٍ مُؤمِناً. وعندها سيَكُونُ كُلُّ الأشخاص المَحظُوظُونَ بِثَقافَةٍ
مُمَيَّزَة مُؤمنين، وكُلُّ الذين لم تسنَحْ لهُم الظُّرُوفُ بأن يتثقَّفُوا
سيُصبِحُوا غيرَ مُؤمنين. الإيمانُ لهُ علاقَةٌ بإراداتِنا وبِحُرِّيَّتِنا
لإتِّخاذِ الخياراتِ، وليسَت علاقَتَهُ فقط معَ عُقُولِنا؛ هذا ما يُعَلِّمُنا
إيَّاهُ المسيحُ الذي إلتَقينا بهِ في هذا الإنجيل.

 

الإيمانُ
غالِباً ما يَكُونُ مَبنِيَّاً على تجاوُبِنا معَ الرُّوحِ القُدُس، الذي
يَجذِبُنا إلى الخَلاص وإلى علاقَةٍ معَ المسيحِ الحَيِّ المُقَام. فبَينما
تقرَأُونَ هذا الإنجيلِ الرَّائِع، حاوِلُوا أن تَروا المسيحَ وأن تُدرِكُوا أنَّ
هذا المسيحَ الحَيَّ المُقام يرغَبُ بإقامَةِ علاقَةٍ معَكُم وأن يحصَلَ على
تجاوُبٍ منكُم. وبما أنَّنا تعلَّمنا أنَّ الرُّوحَ القُدُسَ هُوَ مُعَلِّمُنا،
فبَينَما تقرَأُونَ هذا الإنجيل، أطلُبُوا منَ الرُّوحِ القُدُس أن يُعلِنَ لكُم
الحقيقَةَ الرُّوحيَّة.

 

يبدَأُ
إشَعياء نُبُوَّتَهُ العَظيمة عن صَليبِ المَسيح بطرحِ السُّؤالِ التَّالِي:
"من صَدَّقَ خَبَرَنا؟" وأجابَ على سُؤالِهِ عندما قالَ: "ولِمَنِ
إستُعلِنَت ذِرَاعُ الرَّبّ؟" الذين يُؤمِنُون هُم أُولئكَ الذي أُعلِنَ لهُم
الحقُّ الذي تعلَّمنا عنهُ في دراسَتِنا لهذا الإنجيل (إشعياء 53).

 

أيُّها
القارئ العَزيز، خلالَ دِراسَتِكَ معنا لإنجيلِ يُوحَنَّا، هل عَرَّفَكَ الرُّوحُ
القُدُسُ على حقيقَةِ هذه الأشياء؟ فيُوحَنَّا أخبَرَنا من هُوَ يسُوع. وأخبَرنا
ما هُوَ الإيمانُ. وكذلكَ أخبرَنا ما هي الحياةُ. وبينما أثارَ يُوحَنَّا مراراً
وتِكراراً هذه الأسئِلَة الثَّلاَثة، هل وجدتَ أجوبَِةً على هذه الأسئِلَة بينما
كانَ الرُّوحُ القُدُسُ يُقَدِّمُ أجوِبَةً عليها؟

 

أُشَجِّعُكَ
خاصَّةً حيالَ الآية الأخيرة والنِّهائِيَّة التي قَدَّمَها يُوحَنَّا في الإصحاحِ
العِشرين؛ هل تُؤمِنُ بِقيامَةِ يسُوع المسيح؟ فقيامَةُ يسُوع تعني أنَّهُ كائِنٌ
ومَوجُود. فهُوَ لم يَكُنْ فقط، بل هُوَ كائِنٌ الآن، وسوفَ يَكُونُ ويعمَلُ في
قُلُوبِ الذين يُؤمِنُونَ بهِ ويقبَلُونَهُ في حياتِهِم (يُوحَنَّا 1: 12، 13؛
رُؤيا 3: 19 و20). فمِنَ المُمكِن أن تَكُونَ لنا علاقَةٌ معَ المسيح الذي
تلتَقيهِ في هذا الإنجيلِ الرَّائِع. وخلالَ قراءَتِكَ ودِراسَتِكَ لإنجيلِ
يُوحَنَّا بإصحاحاتِه الأحد والعشرين، هل كانَ رُوحُ المسيح القُدُّوس يُعَرِّفُكَ
أنَّ هذه المُعجِزَة الخارِقَة للطَّبيعَة هِيَ مُمكِنَةٌ لكَ شَخصِيَّاً؟

 

رُغمَ
أنَّني عكَفتُ على دراسَةِ وتعليمِ هذا الإنجيل لمُدَّةِ 53 عاماً، ولكنَّ جولَتي
عبرَ هذا الإنجيل مُجدَّداً قد أثَّرَت عليَّ بِعُمق. فبينما كُنتُ أتَجَوَّلُ
عبرَ هذا المعرَضِ للَّوحاتِ الفَنِّيَّة التي تَعرضُ صُوراً عنِ المسيح، وبينما
كُنتُ أتأمَّلُ بهذه الأجوِبَة الجميلَة ليُوحَنَّا على هذه الأسئِلة: "من
هُوَ يسُوع؟ ما هُوَ الإيمانُ؟ وما هي الحَياة؟" أجِدُ نَفسي أقُولُ
مُتَعَجِّباً:

 

"أنا
أُؤمِنُ أنَّهُ كائِنٌ الآن، بينما يَشُكُّ الآخرونَ حتَّى أنَّهُ كانَ في
الماضِي. وبينما يُشكِّكُ الآخرونُ حتَّى بأنَّهُ كانَ مَوجُوداً، فأنا أعرِفُ
أنَّهُ لا يزالُ مَوجُوداً. فيسُوعُ المسيحُ الذي نراهُ في هذا الإنجيلِ
الرَّابِع، هُوَ كُلُّ ما يَدَّعي بكَونِه إيَّاهُ، وبإستِطاعَتِهِ أن يعمَلَ
كُلَّ ما يَقُولُ أنَّهُ يعمَلُهُ لأجلِ ولأجلِكَ. وأنتَ وأنا، حالُنا هي تماماً
كما يَقُولُ المسيحُ عنَّا أنَّنا نحنُ، وبإمكانِنا أن نعمَلَ كُلَّ ما يَقولُ
المسيحُ أنَّنا بإمكانِنا أن نعملَهُ، لأنَّهُ كائنٌ الآن – ولأنَّهُ معكَ ومعي
عندما نَثِقُ بهِ ونتبَعُهُ.

 

وكما
أوضَحتُ سابِقاً، هذا هُوَ الكُتَيِّبُ السَّادِسُ والأخير في مَجمُوعَةٍ من
سِتَّةِ كُتَيِّباتٍ تُقدِّمُ تعليقاً على مائَةٍ وثلاثِينَ برنامجاً إذاعِيَّاً
عن هذا الإنجيل. فإن لم تَكُن الكُتَيِّباتُ الخمسة الأُخرى بِحَوزَتِكَ،
أُشَجِّعُكَ أن تَتَّصِلَ بنا لتحصَلَ على هذه الكُتَيِّبات الخمسة الأُخرى. وسوفَ
تُزَوِّدُكَ هذه الكُتَيِّباتُ السِّتَّة بتفسيرٍ تعبُّدِيٍّ عمَلِيٍّ لإنجيلِ
يُوحَنَّا.

 

لقد
رأَيتُ شَخصِيَّاً عدداً أكبر منَ النَّاس يأُتونَ إلى الإيمانِ المُخَلِّصِ
بيسُوع المسيح خلالَ تعليمِ هذا الإنجيل بِهذه الطريقة، ممَّا رأيتُهُ وأنا
أُعَلِّمُ أيَّ سِفرٍ آخر منَ الكتابِ المُقدَّس. فهُناكَ الكَثيرُ منَ البَرَكَةِ
التَّعَبُّدِيَّة في هذه الدِّراسَة للمُؤمنين، ولكنَّني أنصَحُ أيضاً بهذه
الدِّراسَة في إطارٍ تبشيريّ. فلقد شكَّلَت هذه الكُتَيِّباتُ دراسَتي المُفضَّلة
لِغيرِ المُؤمنين، أو لِما أُسَمِّيهِ "دراسة الكتابِ المُقدَّس
التَِّبشيريَّة."

 

التَّحَدِّي
الأخير

هل
تُريدُ أن تُولَدَ ثانِيَةً؟ وهل تُريدُ أن تَكُونَ لكَ تلكَ النَّوعِيَّة منَ
الحياة الأبديَّة، التي يُخبِرُكَ عنها يُوحَنَّا في هذا الإنجيل؟ وهل أنتَ
مُستَعِدٌّ لتتَّخِذَ أعظَمَ قرارٍ في العالم، فتُؤمِنَ بتصريحِ يسُوع المسيح
العظيم؟ وهل ترغَبُ بأن تُسَلِّمَ حياتَكَ بِدُونِ شُرُوطٍ ليسُوع المسيح؟ وهل
قَرَّرتَ بأنَّكَ تُريدُ الآنَ أن تقبَلَ أعظَمَ قُوَّةٍ ديناميكيَّةٍ في العالم،
وأن تَلتَزِمَ بالبَدءِ بالتَّحَرُّكِ بإتِّجاهِ إتِّباعِ يسُوع المسيح؟ فإذا
أردتَ أن تبدَأَ رحلَةَ إيمانِكَ الرُّوحيَّة مع يسُوع، صَلِّ معِي من كُلِّ
قَلبِكَ هذه الصَّلاة لله:

 

"أيُّها
الآبُ السَّماوِيُّ المُحِبّ، أنا أعتَرِفُ أنَّني خاطِئٌ وأُؤمِنُ بإبنِكَ يسُوع
المسيح مُخَلِّصاً شَخصِيَّاً لي. وأنا أضَعُ كُلَّ إيمانِي بمَوتِهِ على الصَّليب
لِغُفرانِ كُلِّ خَطِيَّةٍ من خطاياي. وها أنا الآن أترُكُ كُلَّ خطاياي وأتُوبُ
عنها، وأطلُبُ مُصالَحَةَ إنفِصالي عنك.

 

ها
أنا أطلُبُ بإيمانِي بقِيامَةِ المسيح منَ المَوت، بأن يدخُلَ قَلبي وحياتِي وأن
يُصبِحَ على علاقَةٍ معي. وها أنا أعتَرِفُ الآنَ أنَّ يسُوعَ المسيح هُوَ رَبِّي
ومُخَلِّصِي، وأُسَلِّمُ حياتِي لهُ بِدُونِ شُرُوطٍ، تحتَ قيادَتِهِ وسيادَتِهِ.
إجعلْ حياتِي يا رَبُّ في إنسجامٍ تامٍّ معَ خُطَّتِكَ العَظيمة لِحياتِي. ساعِدني
لأتبَعَ إبنَكَ يسُوع المسيح، ولأعتَمِدَ على قُوَّتِهِ وسُلطَتِهِ، لأعيشَ
لمجدِهِ ولرَفعِ إسمِهِ. شُكراً لكَ يا رَبُّ على منحِكَ إيَّايَ هذا الخلاص
الأبدي العَظيم. آمين."

 

(يُوحَنَّا
3: 3- 8؛ 1: 12، 13؛ 1بُطرُس 1: 22- 3: 3؛ فيلبِّي 1: 6؛ 2: 13؛ أفسُس 2: 8- 10).

 

إن
كُنتَ قد صَلَّيتَ هذه الصَّلاة، أكتُبْ لنا وأَخبِرْنا بذلكَ، لكَي نُرسِلَ لكَ
المزيد منَ الكَتَيِّباتِ الرُّوحيَّة التي ستُساعِدُكَ على النُّمُوِّ
الرُّوحِيّ.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي