الإصحَاحُ
الأَوَّلُ

 

الجزء
الأول: تأسيس كنيسة يسوع المسيح في أورشليم واليهودية والسامرة وسوريا برعاية
الرسول بطرس المنقاد من الروح القدس الأصحاح 1 – 12

 

 

أولا: نشأة
ونمو الكنيسة الأصلية في أورشليم (الأصحاح 1 – 7)

 

1 – افتتاحية السفر وآخر مواعيد المسيح (1: 1 – 8)

1 : 1 اَلْكَلامُ ٱلأَّوَلُ أَنْشَأْتُهُ يَا ثَاوُفِيلُسُ،
عَنْ جَمِيعِ مَا ٱبْتَدَأَ يَسُوعُ يَفْعَلُهُ وَيُعَلِّمُ بِهِ، 2 إِلَى
ٱلْيَوْمِ ٱلَّذِي ٱرْتَفَعَ فِيهِ، بَعْدَ مَا أَوْصى
بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ ٱلرُّسُلَ ٱلَّذِينَ
ٱخْتَارَهُمْ.

كثير من الناس
كتبوا كتباً شتى. ولو رصفناها جميعاً لصارت جبلاً ضخماً كبيراً، يحترق ملتهباً في
غضب الله لأن كل كلام الناس باطل مستكبر فارغ.

ولكن
الكتابين اللذين كتبهما الطبيب لوقا، سيلمعان يوم الدين أعظم بهاء من الشمس ولا
يزولان، ويرتفعان عالياً أمام عرش الله، لأن البشير لوقا وصف في كتابه الأول أعمال
وكلام المسيح، علماً أنه ذكر عمله قبل أقواله، لأن المسيح ما جاء معلما فقط، بل
مخلص العالم جميعاً، فإياه أراد البشير أن يمجد. وأرانا كيف تاب الخطاة قرب يسوع
معترفين بخطاياهم، ومتبررين بإيمانهم في نعمة الرب، كما اختبر اللص الذي صُلب مع
يسوع، حين دخل مع يسوع مباشرة نعيم الفردوس. فإنجيل لوقا هو كتاب الفرح الظيم،
مثلما بشرنا الملاك عند ميلاد الطفل في المذود، لأن الرب بالذات تجسد إنساناً،
ليطلب ويخلص ما قد هلك. بواسطة إنجيل لوقا. وأن أحرفه السوداء هذه، تنبع منها قوة
الحياة الأزلية إلى عقول وقلوب المؤمنين.

وقد اختبر
ثاوفيلس الموظف الروماني العالي هذا الخلاص العجيب من المسيح، فوكل صديقه الطبيب
لوقا اليوناني، أن يجمع كل التفاصيل عن حياة يسوع الناصري، ويدون تاريخ انتشار
بشرى الخلاص في الأمبراطورية الرومانية بدقة، لأن الوالي الروماني لميكتف بالشعور
العاطفي، بل أراد أسساً تاريخية لإيمانه الحي. فلوقا الرجل المثقف كتب لهذا الوالي
كتابيه ليثبته في حياته الروحية، وليجهزه كمؤمن لوظيفته وكخادم مهم في الدولة
الرومانية. فشهد له، ألا رجاء لعالمنا القلق إلا في المسيح يسوع الحي.

كل دول
عالمنا تزول، وكل فلاسفة باطلون، حتى إذا قدموا لنا أبنية فكرية من عقولهم
العبقرية. فإن المسيح لم يبن مملكته على ذكاء مفكرين بارزين، ولم يستند على قدرة
جيوش جبارة، بل اختار أناساً عاديين وصيادين غير مثقفين ودعاهم رسلاً. وهذا
لاختيار للبسطاء يعني رفض كل ما هو كبير وقوي وذكي في العالم، لأن الله يقاوم
المستكبرين، أما المتواضعون فيعطيهم نعمة.

وهذا ينسجم
تماماً مع مقاصد الروح القدس الذي يقوي الغير مقتدرين ويحي الفانين. ولم يحقق
المسيح كل أعماله مستقلاً، بل دائماً في الوحدة مع الروح القدس ثابتاً في مشيئة
أبيه، لأن الله الآب والروح القدس والمسيح يسوع، وحدة كاملة أكثر مما عرف ونعلم.
والثالوث القدوس قد عزم منذ الأزل أن يبني كنيسته وسط العالم الضال، وينشر السماء
بين أموات الأرض. وتاريخ خلاص الله هذا، ابتدأ بدعوة الرسل حيث دعاهم المسيح
ودربهم وفوضهم لتبشير الناس. والبشير لوقا هو الوحيد الذي وصف حركة هؤلاء
امنطلقين، لأنه قد أدرك أن قوة محبة الله الحالة في الصيادين البسطاء، هي المعجزة
الجديدة في العالم، والرجاء الحق لمستقبل أفضل.

والتمهيد
لهذه المعجزة كان أن المسيح المقام من بين الأموات لم يبق بين تلاميذه في العالم،
ليدبر كملك انتشار ملكوته بطريقة استراتيجية منظمة، بل صعد إلى السماء. فلم يخف
الرب ويضطرب خوفاً من خطأ يقع فيه الرسل، لأنه عرف أن الروح القدس سحل فيهم مكملاً
عمله. وقد صعد إلى السماء مطمئناً، وارتفع إلى أبيه، وجلس عن يمين المجد واحداً
ومالكاً معه وبانياً في العالم الشرير كنيسته المقدسة، غالباً كل القوى المضادة
لله، ومخلصاً ملايين الناس. فبهت لوقا من أعجوبة نمو ملكوت الله المستر على الأرض.
ووصف في كتابه الثاني هذه الحركة من نقطة انطلاقها أورشليم إلى هدفها روما.

الصلاة: أيها الرب
يسوع المسيح الحي، نسجد لك ونبارك محبتك ومجدك العامل مستتراً في كنيستك حتى
اليوم. ونشكرك لأن لطفك قد وصلنا أيضاً، علمنا إدراك أعمالك في أعمال الرسل
الكرام. ونعظمك في تنفيذ أفكارهم في حياتنا العملية تعظماً كثيراً.

1: 3
اَلَّذِينَ أَرَاهُمْ أَيْضاً نَفْسَهُ حَيّاً بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ، بَعْدَ مَا
تَأَلَّمَ، وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْماً، وَيَتَكَلَّمُ عَنِ
ٱلأُمُورِ ٱلْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ ٱللّٰهِ. 4 وَفِيمَ
هُوَ مُجْتَمِعٌ مَعَهُمْ أَوْصَاهُمْ أَنْ لا يَبْرَحُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ، بَلْ
يَنْتَظِرُوا «مَوْعِدَ ٱلآبِ ٱلَّذِي سَمِعْتُمُوهُ مِنِّي، 5 لأَنَّ
يُوحَنَّا عَمَّدَ بِٱلْمَاءِ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَسَتَتَعَمَّدُونَ
بِٱلرُّحِ ٱلْقُدُسِ، لَيْسَ بَعْدَ هٰذِهِ ٱلأَيَّامِ
بِكَثِيرٍ».

إن إشراق
ملكوت الله ابتدأ بقيامة المسيح من بين الأموات! تصور إنساناً ميتاً يقوم من
القبر، ويري نفسه أربعين يوماً بين أصدقائه، ويجلس معهم هادئاً ويأكل أمامهم،
ويأتي بلا صوت عابراً الجدران، ويخرج هادئاً بلا خبط الباب. فهذه الحوادث م المسيح
المقام الحي فجرت عقول التلاميذ، لأنهم قد اختبروا سابقاً، كيف حُكم على يسوع
بالظلم والعار. فمات مسكيناً على الصليب، مستهزءاً به من الرؤساء والعامة. ودفن
حقاً في يوم الجمعة، وكأن في موته ودفنه نهاية لرجائهم.

وابتدأ
اليوم الأول مشعلاً لعصر جديد، بدخول الأزلية في الزمن. وبرهن المسيح بحضوره أن
مملكته ليست من هذا العالم بل أنها دولة روحية، غير قابلة للفناء، مفعمة الفرح
والبر والمحبة والحق والتواضع والعفة والفرح. فرسائل الرسل ممتلئة بوصف هه الحقيقة
السماوية، وسط البغضة والنجاسة والاستكبار والكذب والحروب والظلم. والمسيح فسر
لتلاميذه طيلة أربعين يوماً من التوراة والمزامير والأنبياء ما هو سر الحركة
العجيبة، التي أشارت إليها النبوة الحقة الصادرة من كل الأنبياء الصالحين، الذي
اشتاقوا وترقبوا إشراق ملكوت الله. أما الآن فقد حضرت الدولة السماوية، وظهر الملك
الأزلي واقفاً ملموساً بين أتباعه.

وملكوت الله
هذا ابتدأ في أورشليم، قاتلة الأنبياء وساحقة ابن الله. أما الرب فأخرج سلامه من
مدينة السلام هذه، وأمر الصيادين الجليليين، ألا يعودوا إلى مهنة الصيد في بحيرة
طبريا، بل يبقوا مصلين في المدينة العدائية، منتظرين بإيمانهم تحقيق موعد الله
فيهم.

والمسيح صرح
منذ البداية لتلاميذه معنى هذا الوعد الإلهي، إنهم سيدركون الله كما هو، ولا
يخافون بخساً ولا رهقاً من المهلك الجبار والقاضي المجهول، بل أنه يعلن لهم نفسه
أباً يجعلهم أولاداً له آمنين. هذه هي رسالة المسيح الخصوصية أن اللهالقدوس، هو آب
حنون. فمن هذا الإعلان تتغير حضاراتنا، ونفهم أن الملكوت الآتي هو ملكوت أبوي
وأولاده هم أمراء خدام، وقضاة مصلون حسب قدوة يسوع، الذي مات لأجل الجميع، وفداهم
من غضب الله العادل.

وبهذا سجل
لنا لوقا إحدى الكلمات الأخيرة من فم يسوع: قد سمعتم مني موعد الآب. وهذه الجملة
تعني خلاصة كل تعاليم ابن الله، أن القدوس العظيم، يتبنانا ويملأنا بجوهره ويجعلنا
أولاده. هذا بالصواب هو هدف موت يسوع على الصليب. فغفر لنا خطاياا وقدسنا، لنجد
الدخول إلى الله، ونحب الآب، ويتقدس اسمه بسلوكنا.

وقبل هذا
علم يوحنا المعمدان الانقلاب الآتي المحرك السموات والأرض، ولكن الساعي للمسيح في
البرية علم أيضاً أن ملكوت الله لا يقدر أن يأتي إلى الناس الأشرار والبشر
الطبيعيين مباشرة، بل ينبغي قبل ذلك فلح القلوب المتحجرة وتغيير الأذهان لمرفوضة.
فعمد التائبين في مياه نهر الأردن رمزاً لاستحقاقهم الموت. وفد دلت إقامتهم من
المياه على ظهورهم خليقة جديدة ولكن يوحنا علم واعترف جهراً، أن معموديته لا تغير
الإنسان حقاً، وأن الغمر بالماء هو رمز ألا إنسان يقدر أن يصلح نفسه، ولا يذب
غيره، ولا ينقي ذاته متقشفاً. فكلنا أشرار طبيعيون خبثاء.

وأشار النبي
في تلك البرية إلى حمل الله، الذي يعمد التائبين بالروح القدس، لأنه هو المولود من
روح الله، وثبت بلا خطية، فبذل نفسه لله بهذا الروح بلا عيب، وصالح كل المؤمنين مع
أبيه، لننال نصيباً في هذا الروح المبارك اللطيف. هل أدركت معد الآب؟ فإن الروح
القدس يعزم أن يحل فيك. والمسيح ذاته يتمركز في قلبك. ويصبح جسدك هيكلاً لله الحي.
فهل أنت مستعد لاستقبال الله اليوم؟

تواضع
مستعداً لموعد الله، كما أن المسيح كان دائماً متواضعاً. فلم يقل «أنا» أعمدكم
بروح القدس، كما أنبأ المعمدان عنه، بل يسوع ترك هذا المجد لأبيه، وعلم أن الروح
القدس نفسه عزم أن يأتي إلينا. هكذا يهبنا الآب والابن والروح القدس ذاتهبوحدة
كاملة، لأن هذا الروح من الآب والابن ليس إلا المحبة الإلهية. فهل أدركت مشيئة
الله، وتستعد مصلياً لقبوله، كما أمر المسيح رسله بالانتظار والصلوات؟

الصلاة: أيها الرب
يسوع المسيح، أنت القدوس وتعمد التائبين في وحدتك مع الآب بروحك القدوس، لكيلا
نخاف فيما بعد من الله العظيم ودينونته، بل نحبه كأبينا الحق ونطيعه بفرح، وننطق
باسمه ونصح في جوهرنا. نشكرك لأنك سمحت لنا أن نطق بهذا اللفظ الفريد: أبانا الذي
في السماوات ليتقدس اسمك الأبوي. آمين.

1: 6 أَمَّا
هُمُ ٱلْمُجْتَمِعُونَ فَسَأَلُوهُ: «يَا رَبُّ، هَلْ فِي هٰذَا
ٱلْوَقْتِ تَرُدُّ ٱلْمُلْكَ إِلَى إِسْرَائِيلَ؟» 7 فَقَالَ لَهُمْ:
«لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا ٱلأَزْمِنَةَ وَٱلأَوْقَاتَ
ٱلَّتِي جَعلَهَا ٱلآبُ فِي سُلْطَانِهِ، 8 لٰكِنَّكُمْ
سَتَنَالُونَ قُّوَةً مَتَى حَلَّ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ عَلَيْكُمْ،
وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ ٱلْيَهُودِيَّةِ
وَٱلسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى ٱلأَرْضِ».

ما كان
التلاميذ قد حصلوا على الروح القدس بعد، لما تقدموا بهذا السؤال الدنيوي السياسي
إلى يسوع، حيث كانوا لا يزالون مفتكرين بوطنيتهم اليهودية، ومركزهم في القدس.
وتصوروا أن المسيح الملك المقام من الأموات سيملك في مجد وبهاء ويحكم من ناك
الشعوب كلها. وللعجب فإن المسيح لم يرفض هذا السؤال مطلقاً، بل أثبت المملكة
الإلهية الآتية بلا شك، ولكنه أوضح لرسله، أن إنشاء هذه المملكة السماوية لا يتم
حسب تصوراتهم البشرية، وليس في زمنهم الحاضر.

إن لله
تخطيطاً خاصاً. وأنه أبصر منذ الأزل تاريخ الشعوب أمامه. وأعطى لكل قبيلة وأمة
وقتاً للتوبة النصوحة والإيمان الحي. وحدد زمن صبره تحديداً. ولكن مسيرة التاريخ
هذه المعينة، لا تقف أمامنا كقضاء مهلك وقدر مخيف. لأننا عالمون أن أبان هو الذي
عين مسيرة الأزمنة المكتوبة. فنعرف أن محبته عملت وتعمل الخير للعالم، ولأن محبته
هي مالكة للأزمنة، لا نخاف شيئاً. فأبونا هو الحاكم والسلطان الحق. وكل الأعمال
الثورية وجمع الأسلحة، لا تنفع فتيلاً، ولا تغير تنفيذ خطته، لأن ملكوته سأتي ليس
روحياً مستتراً فقط، بل ظاهراً مجيداً قاهراً. وسلطان الله هذا مبني على المحبة
والحق، لا على اللامبالاة والظلم. فمن يعرف الله أباً يفرح للمستقبل.

فقد حذف
المسيح كل الأفكار السياسية من عقول تلاميذه، وأعد أتباعه لموعد الآب الجوهري،
وسمى تنفيذه تناولاً للقوة. هل أدركت أنك ضعيف؟ أنك ستموت ككل الناس، لأنك فانٍ
غبي قبيح شرير بنسبة مجد الله وقداسته وحكمته. فلا تحل قدرته على إنسان بيعي، ولا
تستطيع إصلاح ذاتك بذاتك، لأنك ضعيف ككل الناس وعبد للخطية. فعمل المسيح الأول
لإنشاء مملكته المستترة، هو إعطاء قوة لأتباعه. والكلمة اليونانية للقوة تعني
ديناميت. فقوة الله تفجر قلوبنا المتحجرة، وتجعل فينا قلوباً رحيمة، وتغلب أذهننا
القاسية، لنفكر أفكار الله. فهبة الله السماوية لأجل المؤمنين بالمسيح، هي قوته
الخاصة، التي خلق بها العوالم، الظاهرة في يسوع.

فهل حصلت
على قوة الله أو لا تزال ميتاً في الخطية؟ هل تعيش في محبة الآب، وتستطيع كل شيء،
في الذي خلصك؟ إن قوته تكمل في ضعفك. وصلاة البار تقتدر كثيراً في فعلها.

وقوة الله
ليست سراً، بل انها الروح القدس بالذات، الروح الذي هو من الأزل إلى الأزل، أحد
الأقانيم الثلاثة في الله الواحد، مستحق سجودنا وتسليمنا. فنسجد لهذا الروح الإلهي
بكل فرح وشكر، ونعظم هذا النور من الآب والابن. لأنه حل حقاً فينا نحن المساكين،
وأكد لنا خلاصنا في المسيح، وفتح لنا أعيننا الباطنية لحقيقة الله، إنه أبونا
السماوي. فليس إنسان طبيعي هو حامل هذا الجوهر الإلهي في ذاته تلقائياً، بل إنه
يأتي من خارج دنيانا، وينير أحباء المسيح، ويملأهم بحياته ومحبته وسلامه.

فليس أحد
يقدر أن يسمي المسيح رباً، إلا من يرشد من روح الحق، الذي يؤسس فينا الإيمان
الصحيح. وروح الابن يفتح لنا أفواهنا ويعلمنا نطق اللغة السماوية، ويشجعنا لنقول:
أبانا الذي في السموات ليتقدس اسمك، ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك، كما في لسماء كذلك
على الأرض. فهل انفتحت لهذا الروح الصالح؟ إنه حاضر وعازم، أن يملأك.

والروح
القدس هو الذي أقدر الرسل الغير قادرين أن يدركوا المسيح في ألوهيته. وأنشأ
الإيمان فيهم، وقادهم ليشهدوا بكلماتهم لحقيقته، وقواهم ليعملوا إرادته بتواضع.
فالروح القدس يجعلنا شهوداً للمسيح. فليس ضرورياً أن نبرز تجديدنا الخاص، ونبختر
في ولادتنا الثانية، بل ندل على مخلصنا ومجددنا. فنعترف بفسادنا ونشهد بسلطان يسوع
لغفران خطايانا. وندل كل الناس على أن المولود من الروح القدس هو ابن الله الحق،
الذي قدسنا بدمه ويقوينا بروحه. ونعلم ونؤمن أن الرب يسوع يغير اليوم كثيرين بروح
إنجيله، ويخرج منهم الأرواح الشريرة بكلمته، ويبني ملكوته بقلوب منكسرة. ولا ننسى
أن كلمة «الشهود» مشتقة من كلمة شهداء. فلا نتعجب إن قام روح هذا العالم ضدنا،
لأنه صلب ربنا قبلاً.

إن بزوغ روح
الله ابتدأ في أورشليم، وجرى كنار بين اليهودية ووصل إلى السامرة. وتقدم إلى
أنطاكية، وغطى آسيا الصغرى. وانتشر بنفس الوقت إلى أفريقيا الشمالية، وأثيوبيا
والعراق. ودخل اليونان، وفتح العاصمة روما. فلقد أدرك لوقا البشير سيرةنار محبة
الله، وسجلها لنا في كتابه. وها نحن الآن نضع اليوم باسم المسيح مشعل الإنجيل في
يدك. ونقول لك: أنر محيطك بمحبة ابن الله، لأنكم أنتم نور العالم. ولكن امتحن نفسك
أولا، فهل حصلت على قوة الله ويسكن الروح القدس فيك؟ وإلا فانتظر موعد اآب، واطلبه
مصلياً في الإنجيل، حيث تجده موضوعاً مفتوحاً أمامك.

الصلاة: أيها الآب،
نسجد لك ونحبك، لأنك جعلتنا بموت ابنك أولاداً لمجدك المتحقق فينا بروحك القدوس.
احفظنا في محبتك. أنت أبونا. نسلم لك حياتنا شكراً، طالبين امتلاءنا بروحك القدوس،
ليستنير محيطنا باسم المسيح.

2 – صعود
المسيح إلى السماء (1: 9 – 12)

1: 9
وَلَمَّا قَالَ هٰذَا ٱرْتَفَعَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ، وَأَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ
عَنْ أَعْيُنِهِمْ. 10 وَفِيمَا كَانُوا يَشْخَصُونَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ
وَهُوَ مُنْطَلِقٌ، إِذَا رَجُلانِ قَدْ وَقَفَا بِهِمْ بِلِبَاسٍ أَبْيضَ 11
وَقَالا: «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلْجَلِيلِيُّونَ، مَا بَالُكُمْ
وَاقِفِينَ تَنْظُرُونَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ؟ إِنَّ يَسُوعَ هٰذَا
ٱلَّذِي ٱرْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى ٱلسَّمَاءِ سَيَأْتِي
هٰكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقاً إِلَى ٱلسَّمَاءِ». 12
حِينَئِذٍ رَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ مِنَ ٱلْجَبَلِ ٱلَّذِي
يُدْعَى جَبَلَ ٱلّزَيْتُونِ، ٱلَّذِي هُوَ بِٱلْقُرْبِ مِنْ أُورُشَلِيمَ
عَلَى سَفَرِ سَبْتٍ.

أدرك
التلاميذ أن المسيح حي، وله جسد روحي، غير خاضع للقوانين الطبيعية. لقد كان
إنساناً حقاً وإلهاً حقاً. وقد أرشد أتباعه طيلة الأيام الأربعين، لينيرهم بمعاني
النبوة من العهد القديم الدالة على موته وقيامته. وكلل تعليمه أخيراً بموعد انسكاب
الروح القريب عما قليل، ليمتلئ الرسل بقوة الله.

وهذا
الإعلان كان آخر ما تكلم به يسوع على الأرض. وما كان هناك ضرورة لأكثر من ذلك.
فالروح القدس أتم وأكمل عمل المسيح. وبعد ذلك مضى نهائياً، فليس كما اختفى مدة
الأربعين يوماً الماضية اختفاءاً مفاجئاً ودخل عبر الجدران والأبواب المغلقة كلا
بل أن المقام من بين الأموات ارتفع ظاهراً رويداً رويداً، في هدوء وجلال، أمام
أعين التلاميذ. لقد غلب جاذبية الأرض. وكان أخف من النور. واجتذب بقوة المحبة إلى
أبيه مصدره.

والسحابة
التي تحيط الله المجيد القدوس. غطته بلطف. قد أكمل المسيح عمله، فترك كونه
الإنساني. ودخل مجد الله أبينا الغير المنظور.

إن الخالق
الأزلي لا يسكن من فوق في السماء، لأن كرتنا الأرضية تدور حول نفسها. فمرة الفوق
تحت. كما التحت فوق. وحتى الشمس ليست هي فوق، لأنه تصبح ككرة نارية هائلة في
الفضاء بين مجموعات من الشموس هاربة الى المجهول. فأين الله وأين المسيح؟ أن ربنا
جاوب على هذا السؤال بصواب قاطع قائلاً: وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر.

فليس الله
فوق أو تحت، بل هو حاضر حولنا، وفي كل مكان، لأنه غير مقيد بالزمن والمكان. فلا
يستطيع إنسان أدراك عظمة مجد الله. فاستخدم المسيح طرق التفكير في تلاميذه، وارتفع
ظاهراً، لأنهم فكروا أن السماء فوق. وهكذا علم المسيح أتباعه بهذه الصورة. إنه
يتركهم الآن نهائياً، ويرجع إلى أبيه، ويجلس عن يمينه. ويملك معه في وحدة أبدية.
إن المسيح والآب واحد. والابن في الآب، والآب في الابن. ومن ير المسيح ير الله.
فنؤمن بالثالوث القدوس إله واحد، الآب والابن والروح القدس. ولا يقدر إنان أن يوضح
سر هذه الوحدة الذاتية كافياً. أما الإنجيل فيعلمنا أن المسيح قد انطلق بعد قيامته
من بين الأموات بأربعين يوماً، وترك كياننا البشري، ودخل السماء كون الله. ويجلس
الآن على عرش النعمة مع أبيه ذي المجد الكامل والمحبة العظمى والسلطان الأكبر.

وشعر
التلاميذ أن صعود يسوع إلى السماء سبب تغييراً جذرياً في حياتهم وتاريخ خلاصهم.
فشخصوا إلى الأعلى، حيث ارتفع ربهم محجوباً بالسحاب. ومن الخير العميم لنا، أن
ننظر إلى فوق، ونرفع قلوبنا إلى المسيح، حيث يكون المسيح عند الآب. لأن سيرنا في
السماء. ووطننا عند الله أبينا.

والرب الحي
ما أراد من تلاميذه، أن يتخيلوا السماوات والأمور الآخرة، ويتخذوا بسراب ديني، بل
ثبتهم على الأرض، وارسل لهم ملاكين حقيقين. وهذان الملاكان أقبلا فجأة من خلف ستار
العالم اللامنظور، وظهرا بطهارة عظيمة. وأثبتا للتلاميذ أن يسو قد ارتفع حقاً
ونهائياً إلى السماء. فصعوده ليس خداع النظر، بل حقيقة ثابتة.

وبنفس الوقت
شهد المرسلان من المسيح، أن رجاء المؤمنين لم ينته، بل أن الرب سيأتي ثانية شخصياً
ظاهراً في السحاب كما انطلق. وبهذا الاعلان تركز هدف تاريخ العالم. أن الرب يسوع
المسيح يأتي للمرة الثانية. والمسيحية تتمسك بهذه العقيدة بلا زعزع: ربنا حي وآت
لأنه يحبنا ويشتاق إلينا. لا نعلم زمن مجيئه، ولكننا نعرف أنه يأتي سريعاً وأكيداً
مبيناً. هل تترقب يسوع؟ هل هو هدف أفكارك؟ هل تحب المسيح؟ كم مرة يومياً تفكر فيه؟
وكيف تنطلق صلواتك نحوه؟ انتظر مجيئه؟ لا يعيش إنسان حقاً واياً إلا منتظرو الرب.

وبفرح عظيم
من قلوبهم نزل التلاميذ الى وادي قدرون، ومشوا إلى أورشليم، لأنهم كانوا واقفين مع
ربهم على جبل الزيتون، غير بعيدين من جنينة جثسيماني، حيث نام الكل لما كافح ربهم
قبلئذ الموت وغضب الله، حتى قبضوا عليه بالقيود. أما الآن، فهملا يفزعون من كابوس
تلك الحادثة المرعبة، بل امتلأت قلوبهم بفرح انتصار المسيح. وبشرى الملاكين رنت في
عقولهم وقلوبهم كرعد أجراس كبيرة: الرب يأتي. أنه يأتي. الرب آت عن قريب.

الصلاة: أيها الرب
يسوع المسيح، أنتحي وأعداؤك يعرفون صعودك. وأنت المنتصر والثابت في الله الآب.
وإنك تأتي، علمنا انتصارك في فرح وحرك ايدينا وقلوبنا بواسطة كلمتك، لنعمل في
عالمنا حتى تأتي.

3 – النخبة
الذين انتظروا الروح القدس (1: 13 – 14)

1: 13
وَلَمَّا دَخَلُوا صَعِدُوا إِلَى ٱلْعِلِّيَّةِ ٱلَّتِي كَانُوا
يُقِيمُونَ فِيهَا: بُطْرُسُ وَيَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا وَأَنْدَرَاوُسُ
وَفِيلُبُّسُ وَتُومَا وَبَرْثُولَمَاوُسُ وَمَتَّى وَيَعْقُوبُ بْنُ حَلْفَى
وَسِمْعَانُ ٱلْغَيُورُ وَيَهُوذَا بْنُ يَعْقُوبَ. 14 هٰؤُلاءِ
كُلُّهُمْ كَانُوا يُواظِبُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى ٱلصَّلاةِ وَٱلطِّلْبَةِ،
مَعَ ٱلنِّسَاءِ، وَمَرْيَمَ أُمِّ يَسُوعَ، وَمَعَ إِخْوَتِهِ.

لقد أمر
يسوع تلاميذه باكتساح العالم كله. ولكن يا للعجب! لم ينطلقوا في قوتهم الشخصية،
ولم يتكلموا بكلمات فارغة ببلاغة بشرية، بل اعتزلوا للصلاة، وأتموا أمر المسيح
الثاني، وهو انتظار موعد الآب. فضيق العالم فظيع. وجماهير الأموات في الخطايا
كطوفان. ولكن ويل للمؤمنين، الذين يقصدون تبشير العالم في حكمتهم الشخصية. انهم
يسقطون إلى تيار زمننا، ويغرقون حتماً. أما من يصلي فيثبت. ومن ينتظر قوة الله،
يغلب. فلا تظنن أنك تستطيع إصلاح إنسان واحد، أو إرشاده إلى المسيح بفن قدرتك
الخصية، إو باحتيال ذكائك، بل اصمت وصل، منتظراً عمل الله. وأدرك أن تاريخ أعمال
الرسل ابتدأ بالصلوات، وليس بكلام جهوري منتفخ. فأول عمل قام به رسل المسيح هو
الصلاة والانتظار، لأنهم قد أدركوا، ألا نتيجة من قدرتنا، فنحن ضالون سريعاً. ولكن
يكاف لأجلنا الرجل الحق المختار من الله. هل تسأل من هو المنتصر الوحيد؟ اسمه يسوع
المسيح! هو الذي يخلص ويفدي ويغلب وحده. أما نحن فنتبع خطواته، ونشهد بظفره.

لم ينعزل
التلاميذ إلى مغارة أو صحراء، ولم يتأملوا في أسرار الكون، متشائمين ومحتقرين عالم
البغضاء، بل اجتمعوا وصلوا في شركة، وواظبوا على الصلوات معاً. فمضمون اجتماعاتهم
كانت الصلوات المشتركة. فسبحوا الله لأعمال يسوع التي اختبروها. تابوا توبة نصوحا
عن فشلهم الخاص، وجعلوا من اختباراتهم وآمالهم صلوات. وتكلموا مع أبيهم السماوي عن
كل أمور حياتهم، شاكرين معترفين طالبين ومبتهلين. فالصلاة كانت عملهم ومهنتهم
وجهدهم.

ولربما كانت
العلية هي مقر الاجتماعات، المكان الذي تناول يسوع فيه الفصح مع تلاميذه قائلا،
كما أن الخبز يدخل إلى جوفهم، فهكذا يحل هو فيهم. وكما أن الخمر يجري في عروقهم،
هكذا ينقي دمه دماءهم، ويطهرهم تطهيراً كاملاً، حتى يتجدد كيانهم جديداً حقاً
بواسطة ارتكازه فيهم.

ومن هم
الرجال الذين اتحدوا مع المسيح في هذه الغرفة بعهد جديد، والذين واظبوا على
الاجتماعات في هذا المقر المقدس لهم؟ نميز أولاً بطرس الصياد النشيط المتسرع، الذي
أنكر ربه، وحصل على غفرانه بالتقاء شخصي مع المقام من بين الأموات، فهو مذكور
أولاً من بين أسماء الرسل، لأنه كان المفوض من ربه، ليترأس زملاءه. ويتكلم عنهم.
ونرى مقارباً له يوحنا الوديع الهادئ اللطيف الفتي، الذي كان يتكئ على صدر يسوع.
إنه أبصر وشهد بمجد الرب أكثر من أي إنسان آخر. وإلى جانبه صلى أخوه يعقوب، الذي
رجا الجلوس عن يمين ابن الله في ملكوته. وقد صار الشهيد الأول من هؤلاء الحضور،
الذي مجد المسيح بموته. وقد كان صديقاً لأندراوس، ذلك الرجل الكبير، الذي آمن
بالمسيح قبل الجميع، وأرشد رأساً أخاه بطرس إلى المخلص (يوحنا 1: 40-41) وكان بين المصلن
فيلبس أحد التلاميذ الأولين، الذي بحث يسوع عنه، ووجده، ودعاه بكلمة واحدة: اتبعني
(يوحنا 1: 43-45). فهو الذي ذهب رأساً مفتشاً عن صديقه نثنائيل، المسمى أيضاً
برتولماوس. وهو كان جالساً تحت التينة، ساكباً قلبه لله، فرآه المسيح من البعيد،
وداه إلى صلوات مستمرة، ليرى هو وزملاؤه السماء مفتوحة والملائكة نازلة وصاعدة
آتية إلى ابن الإنسان وأتباعه.

ونجد في هذه
الحلقة من التلاميذ الستة الأول الذين من بيت صيدا الجليلية، توما جالساً مطمئناً،
هذا المشكك السابق والنقاد، الذي حصل بأسئلته المخترقة على أعمق معرفة بالله من
بين كل التلاميذ، حتى سجد ليسوع صارخاً «ربي ربي». ونرى من منتظي الروح القدس
هؤلاء أيضاً متى العشار المرابي التاجر الجابي الحسابي والمترجم الماهر، الذي لبى
دعوة المسيح مطيعاً، وجمع كلماته ووصف أعماله، ومجد المسيح بإنجيله المجيد، فنمتلئ
من القوة الموهوبة له حتى اليوم. ولا نعرف كثيراً عن سيرة الرسل الثلاثة الأخر.
فقد حصلوا كالبقية على سلطان من يسوع ليشفوا الأمراض، ويخرجوا شياطين، وفرحوا لأن
أسماءهم كانت مكتوبة في السماء. فمجدوا يسوع ببشرى الخلاص في محيطهم. ولا نعلم
تفاصيل كثيرة عن حياتهم. ولكن هذا ليس مهماً، لأن لوقا لم يرد وصف أعما الرسل
كلها، بل أبرز عمل المسيح الحي في رسله الكرام. إنهم فتحوا قلوبهم لهداه وصلوا
معاً.

وللعجب
فإننا نجد في شركة المصلين أيضاً مصليات اللواتي اشتركن في سلسلة هذه الاجتماعات.
لقد وقفن منفردات قرب الصليب. وهن اللواتي فوضهن الرب ليبشرن بقيامته في أول يوم
من الأسبوع. وانتظرن مع الجميع حلول قوة الروح القدس، الذي ليس معداًللرجال فقط بل
سواسية للنساء أيضاً.

ومريم أم
يسوع كانت في شركة المنتظرين لموعد الآب. وهنا يرد اسمها لآخر مرة في العهد
الجديد. ولم تظهر كملكة السماء، بل مصلية متواضعة محتاجة إلى قوة الروح القدس.

ولوقا
البشير، الذي عرف الأم شخصياً، واستفهم منها عن ابنها، شهد أيضاً بوضوح، أن ليسوع
إخوة، حاولوا في السابق منعه من وظيفة عمله كمخلص، لكيلا ترفض العائلة كلها من
الأمة (متى 13: 55، مرقس 3: 21 و31-35 والأصحاح 6: 3 ويوحنا 7: 3-8). ولكن عد
قيامته من الموت ظهر يسوع لأخيه يعقوب (1 كورنثوس 15: 7). فتزعزع هذا تزعزعاً
فظيعاً من ألوهية يسوع، حتى جلب كل إخوته الباقين إلى حلقة الرسل. فصلوا معاً،
وتغيروا في ذهنهم، وانتظروا موعد الآب. وامتلأ يعقوب بعدئذ من الروح القدس، فصار
قدوة لمصلين، وأحد الأركان في كنيسة المسيح. وأصبح مع بطرس ويوحنا اللب القائد في
الكنيسة الأولى (أعمال الرسل 12: 17 و15: 13 وغلاطية 2: 9).

إن المقام
من بين الأموات وحد نخبة أتباعه والنساء المؤمنات وعائلته حسب الدم بكنيسة مصليه.
فاصبحوا جميعاً قلباً ونفساً واحدة، واجتهدوا معاً في الصلاة. فهل أنت مصل، طالب
شركة الإخوة بكل اشتياق وعزم، أو تنعزل منفرداً؟ إن نخبة المصلين ي نقطة الانطلاق
لأعمال الرسل والكنيسة كلها.

الصلاة: أيها الرب
يسوع المسيح، نشكرك لأن رسلك لم يبنوا ملكوتك بقوتهم وحكمتهم الخاصة، بل صلوا
معاً، منتظرين موعد الآب وقوة سلطانك. علمنا الصلاة والانتظار لقدرتك، مؤمنين
خاضعين بعضاً لبعض.

4 – اختيار
رسول بديل عن يهوذا الخاطئ (1: 15 – 26)

1: 15 وَفِي
تِلْكَ ٱلأَيَّامِ قَامَ بُطْرُسُ فِي وَسَطِ ٱلتَّلامِيذِ، وَكَانَ
عِدَّةُ أَسْمَاءٍ مَعاً نَحْوَ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ. فَقَالَ: 16 أَيُّهَا
ٱلرِّجَالُ ٱلإِخْوَةُ، كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ هٰذَا
ٱلمَكْتُوبُ ٱلَّذِي سَبَقَ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ فَقَالَهُ
بِفَمِ دَاوُدَ، عَنْ يَهُوذَا ٱلَّذِي صَارَ دَلِيلاً لِلَّذِينَ قَبَضُوا
عَلَى يَسُوعَ، 17 إِذْ كَانَ مَعْدُوداً بَيْنَنَا وَصَارَ لَهُ نَصِيبٌ فِي
هٰذِهِ ٱلْخِدْمَةِ. 18 فَإِنَّ هٰذَا ٱقْتَنَى حَقْلاً
مِنْ أُجْرَةِ ٱلظُّلْمِ، وَإِذْ سَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ ٱنْشَقَّ مِنَ
ٱلْوَسَطِ، فَٱنْسَكَبَتْ أَحْشَاؤُهُ كُلُّهَا. 19 وَصَارَ
ذٰلِكَ مَعْلُوماً عِنْدَ جَمِيعِ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ، حَتَّى ُعِيَ
ذٰلِكَ ٱلْحَقْلُ فِي لُغَتِهِمْ «حَقْلَ دَمَا» (أَيْ: حَقْلَ دَمٍ).
20 لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ ٱلْمَزَامِيرِ: لِتَصِرْ دَارُهُ خَرَاباً
وَلا يَكُنْ فِيهَا سَاكِنٌ، وَلْيَأْخُذْ وَظِيفَتَهُ آَخَرُ.

شركة تلاميذ
يسوع الحيوية تزعزعت خلال أيام قليلة بحادثتين مرعبتين، فقد انقض عليهم موت سيدهم
على الصليب في سبيل الفداء لكل الناس مؤلماً. وبنفس الوقت اهتزوا لانتحار يهوذا
يأساً من خيانته. فالأول سكن فيه ملء اللاهوت جسدياً، وفي الثاني حل الشيطان
ولبسه. فيا أيها الأخ، اختر طريقك. هل تريد تضحية حياتك في سبيل روح الله لأجل
خطاة كثيرين، أو تريد أن تموت خاطئاً يائساً وخائفاً في دينونة الله الغاضبة؟

وقد شعر
الرسل أن موت يهوذا، أنقصهم واحداً من العدد اللازم. لأن الرب دعاهم ليبشروا
الأسباط الإثني عشر لأمتهم، ويدينهم في اليوم الأخير إن لم يؤمنوا. فاجتمعوا
واختاروا عوضاً عن ذلك الخائن، أحد أتباع يسوع الأمناء الذين كانوا شهود عيانليحل
محله. وهكذا جمعوا قرابة المائة والعشرين رجلاً، الذين كانوا يعرفون بعضهم.
فاجتمعوا للصلاة، وانتظروا موعد الآب. ما أروع ذلك الاجتماع!

ووقف بطرس
في وسطهم لقيادة الاجتماع. والكل عرفوه كمنكر المسيح، وبينوا إنكاره صراحة في
الأناجيل الأربعة. ولكنهم عرفوا أيضاً أن يسوع غفر للتلميذ، الذي انسحق بالتوبة كل
ذنوبه، وأثبته قائداً عليهم بعد قيامته من الأموات. وإن في ذلك لدليل بارز على
وجود روح الحق في الكنيسة الأولى، إنهم لم يداهنوا إنكار كبيرهم، ويصمتوا عنه
وبنفس الوقت تجلى روح المحبة فيها، لأنهم قبلوه كمسؤول عن الرعية. ويا للعجب! فها
هوذا بطرس قائم وسط الاجتماع الكبير، بلا عقد نفسية ولعله قال: أنا موقن بأن
المسيح قبلني، وأنا أكبر خاطئ، وطهرني من كل ذنوبي وفوضني لخدمته، أنا الفاشل. فلم
يتكلم بطرس باسمه الخاص فيما بعد، ولم يعمل لنفسه، بل كل ما عمله وقاله كان لتمجيد
ربه الحي.

لم يتكلم
بطرس كأسقف أو بابا، بل كشيخ أكبر مع شيوخ آخرين بنفس المستوى. فسمى الرجال
المجتمعين إخوة، لأن الله أبوهم، فليس لقب أعظم لا في السماء ولا على الأرض من هذا
اللقب الفريد «أخ» رمزاً للعلاقة في عائلة الله.

ولقد فكر
التلاميذ مصلين متأملين بنهاية يهوذا، الذي أصبح قائد أعداء الله، فسلم المسيح
البار بحيلة إلى أيدي الظالمين. والتلاميذ تذكروا أيامهم، التي قضوها في رفقة
يهوذا ضمن شركة يسوع. وكان يهوذا من لب ملكوت الله. وحصل من ربه على دعوة ووظيفة
وسلطة. وخدم الله مع بقية التلاميذ الآخرين مدة من الزمن.

ولكن يهوذا
هذا أحب المال. وكما كتب لوقا عنه أنه لم يرفض رشوة الظلم، بل قبلها أخيراً. وأراد
ضمان نفسه المضطربة، فاشترى خارج المدينة حقلاً واسعاً. ولكنه ما اطمأن، وشعر في
ضميره بسياط ضربات الله، ويئس في وسوسات الشيطان المشتكية عليه.فركض وعلق نفسه
منتحراً. والحبل الذي شنق نفسه به، انشق فسقط جسده نصف المشنوق من الشجرة على صخرة
مروسة. فانشق بطنه واندلقت أمعاؤه. وعلم الطبيب لوقا من اختباراته، كيف يظهر مشهد
مريع كهذا.

وسمع كل
سكان أورشليم هذه القصة، وشعروا بغضب الله على الخائن وابتعدوا عن هذا الحق، لأنه
كان مرطباً بالدم الملعون.

إن الله علم
خطية الخيانة من قبل في نفس الشرير، وحذره عدة مرات في عظاته، فلم يغن التحذير
شيئاً، لأن يهوذا فضل قوة المال لضمان حياته، على قدرة ربه الحي. ففقدهما كليهما،
وحصته السماوية وحقله الأرضي. ووظيفته أمام الله انتقلت لآخر. وبيته المشترى
حديثاً أصبح خالياً. فانهدت الجدران، وصار للوطاويط مسكناً.

ارتعب
التلاميذ ارتعاباً عميقاً، لأنهم في العشاء الرباني ما كانوا متأكدين من أنفسهم،
لما أعلن المسيح الخيانة، التي ستقع من أحدهم، فرأى كل نفسه بها جديراً. وأكثر من
ذلك أنهم في صلواتهم المشتركة، أدركوا أن روح الله أبصر من زمان طريق اخائن. ولكن
القدوس لم يرشد الخائن لخطيته، لأنه ليس إنسان ما مسيراً للخطية، وإنما الرب
يخيره. فيهوذا قسى قلبه تجاه محبة المسيح، فمات في لعنة الله. هذا ما أنبأ به
الروح القدس من قبل بألف سنة على فم داود بكل وضوح (مزمور 69: 26 و109: 8).

أيها الأخ
لا تقسي قلبك ضد جذب روح الله بل وافق على تحرير القدوس لك من محبة المال وقيادته
إياك للتضحية وخدمته. لا تطلب لنفسك ثروة وغنى وإكراماً وشرفاً وسلطة، بل اطلب
التواضع والقناعة والوداعة والبساطة كما أن يسوع وتلاميذه عاشوا فقراء بالمال
وأغنياء بروح الله.

الصلاة: يا رب اغفر
لي محبتي للمال وأنانيتي وطمعي. وحررني لخدمة اسمك. وأن أتكل على عنايتك بي.
وليملأ روحك القدوس نفسي وكل الإخوة، لنثبت في محبتك غير ساقطين في لعنة أبداً.
آمين.

1: 21
فَيَنْبَغِي أَنَّ ٱلرِّجَالَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَمَعُوا مَعَنَا
كُلَّ ٱلّزَمَانِ ٱلَّذِي فِيهِ دَخَلَ إِلَيْنَا ٱلرَّبُّ
يَسُوعُ وَخَرَجَ، 22 مُنْذُ مَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا إِلَى ٱلْيَوْمِ
ٱلَّذِي ٱرْتَفَعَ فيهِ عَنَّا، يَصِيرُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ شَاهِداً
مَعَنَا بِقِيَامَتِهِ. 23 فَأَقَامُوا ٱثْنَيْنِ: يُوسُفَ ٱلَّذِي
يُدْعَى بَارْسَابَا ٱلْمُلَقَّبَ يُوسْتُسَ، وَمَتِّيَاسَ. 24 وَصَلَّوْا
قَائِلِينَ: «أَيُّهَا ٱلرَّبُّ ٱلْعارِفُ قُلُوبَ ٱلْجَمِيعِ،
عَيِّنْ أَنْتَ مِنْ هَذَيْنِ ٱلاثْنَيْنِ أَيّاً ٱخْتَرْتَهُ، 25
لِيَأْخُذَ قُرْعَةَ هٰذِهِ ٱلْخِدْمَةِ وَٱلرِّسَالَةِ
ٱلَّتِي تَعَدَّاهَا يَهُوذَا لِيَذْهَبَ إِلَى مَكَانِهِ». 26 ثُمَّ
أَلْقوْا قُرْعَتَهُمْ، فَوَقَعَتِ ٱلْقُرْعَةُ عَلَى مَتِّيَاسَ، فَحُسِبَ
مَعَ ٱلأَحَدَ عَشَرَ رَسُولاً.

لم يتفلسف
الرسل عن السبب الذي من أجله خان يهوذا سيده يسوع، بل آمنوا بدينونة الله العادلة.
ولم ينظروا طويلاً إلى الوراء، ولم يقفوا متزعزعين في شعورهم، بل اتجهوا إلى
الأمام، وفكروا بواجب تبشير العالم، وأرادوا بواسطة صلواتهم أن يطلبو من يسوع،
العدد الكامل لحلقتهم الرسولية، حتى لا ينقص هؤلاء المفوضون عندما ينسكب عليهم
الروح القدس.

وشرط
الاختيار لتسمية إنسان ما رسولا، هو مصاحبته ليسوع من البداية، حتى كان شاهد عيان
لأعماله واقواله، مختبراً المقام من بين الأموات شخصياً. وبهذا بان أن الاثني عشر
تلميذاً لم يكونوا يتجولون لوحدهم مع يسوع، بل كثيرون أيضاً من أتباعه كما أن يسوع
أرسل إلى الجليل سبعين تلميذاً وفوضهم للخدمة. فحددوا الشروط للخدمة الرسولية
بتشدد أكثر، حتى ينحصر الترشيح لهذه الخدمة بعدد قليل، ممن انضووا تحت لواء
التلمذة عند يوحنا المعمدان، وتابعوا عنده واعترفوا أمامه بخطاياهم، منتظرين إراء
ملكوت الله. وحقاً فإن عدداً وفيراً من تلاميذ يوحنا هم الذين سمعوا نداءه القائل:
هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم. فتركوا معلمهم بمعمودية الماء لغفران
الخطايا، وتبعوا المعلم الجديد الذي سيعمدهم بالروح القدس، ويثبتهم في افراح
العهدالجديد.

ولربما نفكر
أن من تبع يسوع بلا انقطاع أصبح إنساناً أفضل وأحكم من بقية البشر. ولكن سير
التلاميذ يبرهن العكس. ليس إنسان يستطيع الإيمان الحق والمحبة الحارة والرجاء
الممتد بدون الروح القدس. فسمع التلاميذ كلمات يسوع، ولكن قلوبهم بقيت متكبرة. وقد
رأوا مجده بعد قيامته، ولكنهم كانوا خالين من الحياء الأبدية، لأن الروح القدس لم
يحل فيهم بعد. فبعض المفسرين يظنون أن الاختيار عوض يهوذا كان عملاً متسرعاً
إنسانياً غير إلهي، لأن الرب اختار في حينه بولس رسولاً، الذي حصل على خدمةوسلطان
يهوذا، ليبشر الأمم.

ولكن
التلاميذ الاحد عشر، لم يفكروا أولاً بتبشير العالم، بل بتجديد قبائل شعبهم الاثني
عشرة. فتصرف بطرس في انسجام مع بقية الرسل، ودعا إلى اجتماع كبير لأتباع يسوع،
طالباً من الجميع تسمية المرشحين. وبعدئذ وضعوا الاختيار النهائي بين يد الرب،
الذي سموه عارف القلوب. فنرى أن بطرس لم يتصرف كاسقف في سلطان مطلق. وكذلك لم يجر
الاختيار في الاجتماع بطريقة ديموقراطية حيث يقرر الأكثرية، بل الجميع تقدموا معاً
إلى الله، طالبين منه الحكم الإلهي وتدخله مباشرة.

وللحصول على
صوت الله استخدموا قبل انسكاب الروح القدس القرعة. ولكن لما اختاروا بعدئذ
الشمامسة السبعة أعطى الرسل إلى الكنيسة حق الاختيار كله. وحصل في أنطاكية أن
الروح القدس بذاته اختار برنابا وبولس لخدمة التبشير، بينما كان الشيوخ يصون وهم
صائمون طالبون تدخل المسيح وإرشاده. فبالحقيقة أن تاريخ أعمال الرسل هو تاريخ
المسيح المقام من بين الأموات وأعماله تحقيقاً لانتشار ملكون الله. فلا نعيش في
الكنيسة تحت سلطة بابوية، ولا في الديموقراطية السياسية، ولا في الديكتاتورية
الشتراكية، بل تحت إشراف المسيح المتحقق بقوة الروح القدس العامل في قلوب
المؤمنين.

ليتنا لا
نعتمد في إسناد الخدمات الكنسية للشمامسة والشيوخ والمعاونين على عقلنا وإرادتنا
وقدرتنا العائلية فحسب بل على الصلاة أولا وأخيراً، لكي يختار يسوع هو بنفسه
خدامه، ليس حسب أموالهم ومواهبهم الطبيعية أو مستواهم الاجتماعي، ولكن حب مسرته
وحدها. عندئذ يجري عمل الرب ويمتلئ خدام الرب من الروح القدس فليست الشهادات اللاهوتية،
ولا العلاقة بالأحزاب، أو المدارس المذهبية، هي التي تؤمن نجاح قسيس أو شيخ أو
أسقف، بل التقاؤه بالمسيح المقام من بين الأموات ودعوته مباشرة من قبل. فالذي يخدم
الرب بدون هذه الدعوة معرض لخطر السقوط إلى جهنم حالاً.

ولم يرد
الرسل الأحد عشر أن يوزعوا خدمات وتفويض المسيح مستقلين، عالمين أن ليس إنسان يعرف
القلوب ولا المزاج والمواهب ولا الأمانة في القليل. فصلى مائة وعشرون رجلاً معاً،
ليختار الرب واحداً من المرشحين لخدمة النعمة، وليؤهله بالقوة لتنيذ خدمته، لأنه
إن لم يتدخل ابن الله في تعيين خادم الإنجيل، ستكون كل خدمته باطلة.

ورشحوا لهذا
المنصب اثنين، لم يصلنا عنهما علماً مفصلاً. وما عرفنا كيف أجريت القرعة بينهما.
لكن هذه القرعة لم تقع على الأول المحترم، بل على متياس الغير المعروف، الذي دعي
بهذا الاختيار إلى مسؤوليته كعضو في النخبة الرسولية. وقد ملأ السيح في ما تلا ذلك
من الأيام هذا البديل بروحه القدوس واثبت انضمامه إلى ملكوت الله. ولكننا لا نعرف
شيئاً آخر عن متياس المختار.

الصلاة: أيها الرب،
نشكرك لأنك تدعو أناساً غير مقتدرين للخدمة، وتدربهم وتفوضهم وتجهزهم وترسلهم
وترافقهم وتنجحهم. فإن وجدنا نعمة قدام عينيك، فلا ترفضنا بل كسر كبرياءنا وجددنا،
لكي نخدمك ونحن الأصاغر في قوتك لتمجيد اسمك.

هل تبحث عن  م الأباء كتب سائح روسى على دروب الرب 06

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي