الإصحَاحُ
الْخَامِسُ

 

14 – موت
حنانيا وسفيرة الكاذبين (5: 1-11)

5: 1
وَرَجُلٌ ٱسْمُهُ حَنَانِيَّا، وَٱمْرَأَتُهُ سَفِّيرَةُ، بَاعَ
مُلْكاً 2 وَٱخْتَلَسَ مِنَ ٱلثَّمَنِ، وَٱمْرَأَتُهُ لَهَا
خَبَرُ ذٰلِكَ، وَأَتَى بِجُزْءٍ وَوَضَعَهُ عِنْدَ أَرْجُل ٱلرُّسُلِ.
3 فَقَالَ بُطْرُسُ: «يَا حَنَانِيَّا، لِمَاذَا مَلَأَ ٱلشَّيْطَانُ
قَلْبَكَ لِتَكْذِبَ عَلَى ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ وَتَخْتَلِسَ مِنْ
ثَمَنِ ٱلْحَقْلِ؟ 4 أَلَيْسَ وَهُوَ بَاقٍ كَانَ يَبْقَى لَكَ؟ وَلَمَّا
بِيعَ، أَلَمْ يَكُنْ فِي سُلْطَانِكَ؟ فَمَا بَالُكَ وَضَعْتَ فِي قَلْبِكَ
هٰذَا ٱلأَمْرَ؟ أَنْتَ لَمْ تَكْذِبْ عَلَى ٱلنَّاسِ بَلْ
عَلَى ٱللّٰهِ». 5 فَلَمَّا سَمِعَ حَنَانِيَّا هٰذَا
ٱلْكَلامَ وَقَعَ وَمَاتَ. وَصَارَ خَوْفٌ عَظِيمٌ عَلَى جَمِيعِ
ٱلَّذِينَ سَمِعُوا بِذٰلِكَ. 6 فَنَهَضَ ٱلأَحْدَاثُ
وَلَفُّوهُ وَحَمَلُوهُ خَارِجاً وَدَفَنُوهُ.

كل خطية
ترتكب لا تكون خطأ فحسب، بل جرماً تجاه الناموس. وكل إثم ليس سهواً فقط، بل هو تعد
مباشر على جلال الله. فمن يقس تصرفاته الشخصية بسلوك الناس، يحكم على نفسه بسطحية
وإنسانية ويسامح ذاته بالقول: كلنا ضعفاء. ولكن من يعرف الله ويعي في قوة الروح
القدس، يعلم أن كل خطية صغيرة أم كبيرة إنما تستوجب الموت المباشر. فقصة حنانيا
وسفيرة هي في الواقع قصتنا. وترينا كيف يكون لله الحق، إن يبيدنا نحن المؤمنين.

ربما تسأل:
لم يصبر الله القدوس علينا ولا يهلكنا مباشرة مثلما حصل لحنانيا، الذي أتى جهراً
وتبرع بجزء كبير من ممتلكاته؟ إننا لا نعرف أسرار دينونة الله، ولكن في العدد 2
نقرأ أن الزوجين لم يخطئا سهواً، بل حاولا بتخطيط عمداً غش الرسل، نهما لم يؤمنا
أن القدير حضر في بطرس. فالقدوس ساكن في مؤمنيه وعالم بالقلوب.

ولعل
الزوجين حاولا ضمان مصير عائلتهما بالمال، رغم أن اسم حنانيا يعني «الله حنون».
فلم يتكلا على الله وحده، بل جربا خدمة سيدين، الأمر المستحيل فأحبا المال أكثر من
الخالق.

ولم يكن
حنانيا وامرأته مضطرين ليضحيا بكل ممتلكاتهما للكنيسة، لأن التبرع كان طوعاً.
والبعض حفظوا جزءاً من أموالهم لأنفسهم، وقالوا ذلك جهراً بدون مواربة. ولكن في
حالة حنانيا وسفيرة فإنهما بسبب الغيرة أرادا التظاهر بالتقوى مثل أحسن عو في
الكنيسة. فأتى حنانيا بوجه تقي للإجتماع، وتقدم إلى منبر الرسل، وتبرع بأمواله،
كأنه تحرر نهائياً وكاملاً من المال، وكأنه يضحي بذاته قرباناً كاملاً لله.
وبالحقيقة فإنه كان قد أخفى جزءاً من المال لنفسه. ويسمي يسوع تصرفات مثل هذه
«مراءا»، أو غشاً أبيض. أي أشنع خطية في الكنيسة. وتصدر مباشرة من الشيطان، أبي
الكذابين.

كلنا
منافقون لأننا نعرف كثيراً من خطايانا التي ارتكبناها، ونظهر كأننا أحسن أناس في
الدنيا. وضمائرنا سجلت بكل وضوح أكاذيبنا ونجاساتنا واختلاساتنا ونمائمنا
وشهواتنا. ورغم هذا فإننا نريد أن عائلاتنا والمجتمع والكنيسة يقدروننا ويعتبرونا
كاملين مستقيمن مقبولين. كلنا نتجول كطواويس. وحقاً أننا قبور ممتلئة بسم زعاف.
فهل أدركت نفسك في دينونة الله؟

وحنانيا
وامرأته سفيرة، التي معنى اسمها «الجميلة» لم يفضلا فقط المال عى الله وراءيا ككل
الناس، بل أنهما ابتعداً رويداً رويداً من خط نعمة المسيح. فملأ الشيطان قلبيهما
مثلما فعل بيهوذا. فمن يحب المال يفر تدريجياً إلى جبهة الشيطان. وفي هذه الحالة
صارا كلاهما خطراً على الكنيسة، إذ الشرير أراد إدخال مبادئه الرديئة مثل الحسد
والبخل والكبرياء والكذب إلى ملكوت الله في الخفاء. وحتى الآن كانت شركة القديسين
قلباً ونفساً واحدة، والكل خضع للكل. والجميع عاشوا من عناية أبيهم الساوي، وقدموا
أنفسهم لله ذبيحة حية ممتلئين من الروح القدس.

وبهذا
السلطان العظيم كان لجسد المسيح المناعة لرفض تجربة الشيطان. وابصر بطرس بموهبة
تمييز الأرواح مباشرة، أن حنانيا أتى إليه بكذب. فمزق عن وجهه قناعه، وسمى غشه
كذباً على الروح القدس وكذباً على الله بالذات. لقد اختبر حنانيا سابقاً صيم خلاص
المسيح، ولكنه سقط تدريجياً إلى الخطية ضد الروح القدس.

وهذا الروح
الإلهي أثبت كلمات الرسول وأمات مجرب الله. فروح الحق لم يغفر في هذه الحالة
الذنوب بواسطة كلمات الرسول، بل أدان الخاطئ غير التائب. ليس إلهنا محبة فقط، بل
هو قدوس أيضاً. إنه يحب الغفران، ولكن من يقسي نفسه لصوت الحق، ويغلق لبه للمحبة
الإلهية يصبح شيطاناً شريراً في ذاته، فلا يرحم.

وكانت
الكنيسة الأصلية قريبة لله، فأدان الله في وسطها ارتباط المرتد بالشيطان مباشرة.
ولم يتم بهذا الحكم إلا الوصية الأساسية أن أجرة الخطية هي الموت.

الصلاة: يا رب لا
تدني. أنا منافق وتعرف خطاياي واتكالي على المال. اغفر لي كل نوع من الكذب، وحررني
من كل شكل مراءاة. لكي أصبح صحيحاً مثلك، ولا يوجد في فمي غش. طهر كنائسنا من
الاستكبار والغرور بالنفس. قدسنا معاً في صبرك.

5: 7 ثُمَّ
حَدَثَ بَعْدَ مُدَّةِ نَحْوِ ثَلاثِ سَاعَاتٍ أَنَّ ٱمْرَأَتَهُ دَخَلَتْ،
وَلَيْسَ لَهَا خَبَرُ مَا جَرَى. 8 فَسَأَلَهَا بُطْرُسُ: «قُولِي لِي،
أَبِهٰذَا ٱلْمِقْدَارِ بِعْتُمَا ٱلْحَقْلَ؟» فَقَالَتْ:
«نَعَم بِهٰذَا ٱلْمِقْدَارِ». 9 فَقَالَ لَهَا بُطْرُسُ: «مَا بَالُكُمَا
ٱتَّفَقْتُمَا عَلَى تَجْرِبَةِ رُوحِ ٱلرَّبِّ؟ هُوَذَا أَرْجُلُ
ٱلَّذِينَ دَفَنُوا رَجُلَكِ عَلَى ٱلْبَابِ، وَسَيَحْمِلُونَكِ
خَارِجاً». 10 فَوَقَعَتْ في ٱلْحَالِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَمَاتَتْ.
فَدَخَلَ ٱلشَّبَابُ وَوَجَدُوهَا مَيْتَةً، فَحَمَلُوهَا خَارِجاً
وَدَفَنُوهَا بِجَانِبِ رَجُلِهَا. 11 فَصَارَ خَوْفٌ عَظِيمٌ عَلَى جَمِيعِ
ٱلْكَنِيسَةِ وَعَلَى جَمِيعِ ٱلَّذِينَ سَمِعُوا بِذٰلِكَ.

تزعزعت
الكنيسة من دينونة الله، وكل رأى في نور الرب رواسب الخطية في حياته، وخاف أن
يصيبه غضب الله في دوره. فتابوا توبة بالدموع، وانسحقوا أمام وجه الله، وتقدسوا
بخوف ورعدة.

وقد قام
الشباب ولفوا الميت وحملوا بقلوب مرتجفة من وسطهم جثة الذي تبرع قبل برهة وجيزة،
ولكنه سقط بكلمة الروح القدس مصاباً كإنما بصاعقة. فلا بد أن حاملي الجثة صلوا،
وسلموا لله حياتهم ذبيحة حية كاملة، وأقلعوا نهائياً عن حب المال.

ولكن لم
يتجاسر أحد من الكنيسة أن يخبر زوجة الميت، بأن الله قاصص غشه بموت مباشر. والروح
القدس منعهم من هذا الإخبار، لأن الكل شعروا أن روح الرب مارس دينونة شخصية. ولما
جاءت سفيرة بعد ثلاث ساعات إلى الاجتماع. لتتشمس متبخترة في شكر الخوة للتقدمة
الكبيرة، فتقدم بطرس إليها وسألها رأساً. أبهذا المقدار بعتما الحقل؟ فالرسول أراد
أن يعطي للمرأة فرصة للتوبة والتأمل بحق الله. ولكن المرأة قد أساءت إلى علاقتها
الطبيعية مع زوجها، إذ قصرت في نصحه. ولم تحرضه للحق والتواضع، بل اتدت معه في
قصده المخادع. ولعلها شجعته، لكيلا يضحي بكل المال، بل يفكر أيضاً بعائلته.
فانسجمت مع بعلها في الكذب والكبرياء والمراءاة.

وهنا مزق
بطرس لهذه المنافقة قناعها كزوجها من قبل، وسألها متعجباً عن الشر الناشب بحيلتها
وسط الكنيسة: كيف يمكن أن تجربا روح الله؟! حقاً أنه في الزواج يجب أن تكون الطاعة
لله قبل الاستسلام للزوج. فينبغي أن نطيع الله أكثر من الناس، حتى في عائلتنا.
وحيث يميل الزود إلى خطية ما، فعلى زوجته أن تنذره وتوبخه بكلمات، وتصلي لأجله
باستمرار، لكي يتحرر من الذنب والخبث والأنانية.

أما سفيرة
فقد انفتحت مع زوجها لروح الشيطان، وقاوما جذب الروح القدس، وابتدأا بإدخال روح
الكبريا والكذب والمراءاة في حلقات الاتقياء الأبرار، ليميتا المحبة المتبادلة
منهما أن يأتيا بثمن الحق بأرجلهما. لم يطلب الرسل منهما أن يأتيا بثم مبيع الحقل
كاملاً، ولكنهما لأجل الافتخار أمام الجماعة قصدا كذباً مشتركاً.

فأصابت لعنة
الله امرأة الخداع أيضاً، وسقطت مماتة من رب الحياة، على الأرض قدام أرجل الرسل،
رمزاً للذبيحة الكاملة، التي لم يقدماها إلى أرجل الرسل طوعاً. فسقوطها كان
عظيماً. وكل امرأة في الكنيسة ابتدأت تفكر من جديد بمعنى مسؤوليتها الوحية تجاه
زوجها في البيت. إن المرأة تستطيع أن تجذب بعلها إلى السماء أو تلقيه إلى جهنم.
فالمتواضعات والمجتهدات والمتكلات على الله يغلبن بصلواتهن على تجارب رجالهن. ولكن
من أرادت منهم أن ترفع زوجها إلى مستوى الوجوه والدخول إلى أسماء العائلت البراقة
وتطمع بالمال، فإنها تسقط حتماً إلى أيدي الشيطان المفتوحة مع زوجها وأولادها.

والارتجاف
في قلوب الشباب ازداد، لما حملوا امرأة المحتال ودفنوها بجانبه في وادي قدرون.
وكان درساً من الله للجماعة، إن زوجين من عائلة واحدة، أب وأم، في يوم واحد، وفي
كنيسة واحدة، ماتا. فكانت ضربة مرعبة لهؤلاء المؤمنين المدربين على اتمال بعضهم في
الروح القدس، وسألوا أنفسهم: هل قصرنا في الملاحظة والنصح للإخوة؟

وهل نحن
أحسن في نوايا قلوبنا؟ فصار حنانيا وسفيرة مثلاً منذراً لكل المسيحيين في كل
الزمان معلماً إيانا، أن إلهنا إله غيور ونار آكلة.

الصلاة: أيها الله
القدوس، أنت العليم وتعرف ماضينا ومستقبلنا. خلصنا من أنفسنا ولا تدخلنا في تجربة.
حررني من مالي وشموخي وكذبي، وقدسني بدم ابنك تماماً. واخلق في كنائسنا عائلات
مستقيمة، حيث يقول الزوجان الحق بعضهم لبعض. مين.

15 – النهضة
الانتعاشية والشفاءات الكثيرة (5: 12 – 16)

5: 12
وَجَرَتْ عَلَى أَيْدِي ٱلرُّسُلِ آيَاتٌ وَعَجَائِبُ كَثِيرَةٌ فِي
ٱلشَّعْبِ. وَكَانَ ٱلْجَمِيعُ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ فِي رِوَاقِ
سُلَيْمَانَ. 13 وَأَمَّا ٱلآخَرُونَ فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ
يَجْسُرُ أَنْ يلْتَصِقَ بِهِمْ، لٰكِنْ كَانَ ٱلشَّعْبُ يُعَظِّمُهُمْ.
14 وَكَانَ مُؤْمِنُونَ يَنْضَمُّونَ لِلرَّبِّ أَكْثَرَ، جَمَاهِيرُ مِنْ رِجَالٍ
وَنِسَاءٍ، 15 حَتَّى إِنَّهُمْ كَانُوا يَحْمِلُونَ ٱلْمَرْضَى خَارِجاً
فِي ٱلشَّوَارِع وَيَضَعُونَهُمْ عَلَى فُرُشٍ وَأَسِرَّةٍ، حَتَّى إِذَا
جَاءَ بُطْرُسُ يُخَيِّمُ وَلَوْ ظِلُّهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ. 16
وَٱجْتَمَعَ جُمْهُورُ ٱلْمُدُنِ ٱلْمُحِيطَةِ إِلَى
أُورُشَلِيمَ حَامِلِينَ مَرْضَى وَمُعَذَّبِينَ مِنْ أَروَاحٍ نَجِسَةٍ،
وَكَانُوا يُبْرَأُونَ جَمِيعُهُمْ.

إن القديسين
في شركتهم لم يكونوا أنانيين عائشين لأنفسهم، متبخرين من بعضهم برياء المديح. كلا،
ولكنهم كانوا مفعمي الرحمة، وتألموا لضيقات أمتهم طالبين تدخل يد الله. فلم يبشروا
فقط، بل شفوا أيضاً. ولم يخدموا الله بافواههم فقط، بل أيضاً بأيديهم وعضلاتهم.

وللعجب أنهم
لم ينطلقوا بقدرتهم الشخصية، ولم ينظموا مؤسسة خيرية، وما جمعوا أموالاً للمساكين.
كلا. إنهم قد أعطوا من قوة الله الموهوبة لهم. فأصبحت خدمتهم آية مشيرة إلى تمجيد
يسوع. وحصلت آيات كثيرة وعجائب عديدة، عملها يسوع بواسطتهم. وهذه كلها كانت
استجابة لصلواتهم المذكورة في الأصحاح 4: 24-30. فمد الله يده، وانتصر برسله على
الأمراض والشياطين والضيقات. فملكوته كان مقبلاً ظاهراً ملموساً.

لم يبن
المؤمنون كنيسة مصنوعة من حجارة، ولم يكونوا بحاجة إلى بيت مقدس لله، لأن قلوبهم
هي المكان الذي سكنه الله. فاجتمعوا في بيوتهم حلقات صغيرة، أو التقوا سوياً في
دور الهيكل الواسع، حيث علم يسوع الشعب سابقاً. فهناك رتلوا وتكلموا وصوا معاً.
وفرقتهم أصبحت معروفة لدى كل الشعب ومحبوبة ومكرمة، لأنه لم يشتك أحد على الآخر،
بل عرفوا بعضهم بالروح القدس، واشتاقوا لتلاقيهم دائماً.

وللعجب فلم
تتراكض اليهم ألوف من الناس لعلمهم أنه يوجد في حوزة الرسل صندوق مليئ بالمال
للتوزيع على الأعضاء المحتاجين، ولم يأتوا إليهم لاختبارهم قوة الله الجارية من
خدامه مجاناً. كلا بل الجماهير بقيت مراقبة على الحياد وفي قلوبها رهب، لأنهم
شعروا أن في هؤلاء المؤمنين يسكن الله. ومن لم يكن مستعد ليموت لأنانيته حالا، بقي
بعيداً عن شركة القديسين. إلا الجماعات من الرجال والنساء، الذين آمنوا واهتدوا
وأتوا بعزم وثبات إلى كنيسة المسيح فتجددوا ولبسوا قوة واطمئنانا في الرب.

في العادة
عند العبرانيين أن الرجال فقط يحسبون. ولكن البشير لوقا يؤكد بأهمية، أن جماهير من
النساء قد تبعن رسل المسيح، واختبرن قوة الروح القدس وخلاصه. فإيمانهم لم يكن
تصديقاً متفلسفاً، بل اشتراك في خلاص الله وقوته الحالة فيهن.

وازداد
جريان قوة الروح القدس في تلك الأيام، حتى حدثت عجائب، كما حدث في أيام يسوع (مرقس
6: 56) الذي في زمنه وضع المرضى على الطريق، لكي يلمسوا ثوبه إذا مر في القرى
والمدن، فيشفون لإيمانهم بيسوع. ونظير ذلك حدث لبطرس، فصار فيئه ممتلئ اقوة، لأن
الروح القدس فاض منه كما تنبث جمل الخطب من إذاعة الراديو. فإن محبة المسيح هي جو
روحي ملموس تُشفى فيه نفس الإنسان.

لم تبق حركة
هذه النهضة مجهولة في القرى والمدن اليهودية، بل أتى أناس من الجوار بمرضاهم وملبوسيهم
بالأرواح الشريرة، ليشفيهم الرسل. هكذا تحقق الجزء الثاني من أمر المسيح لتبشير
العالم، لأنه كان على الرسل أن يبتدأوا في أورشليم، وبعدئذ نشرون الإنجيل في
اليهودية. وقد شفى الرسل بسلطان المسيح كل المرضى. وهذه الكلمة (جميعهم) لم تصدر
من أخبار قسيس أو كاهن أو أسقف، بل كتبها طبيب خبير، الذي علم بدقة القوى والأمراض
المفسدة، والأرواح المجننة، التي تعمل في الناس. ولكن قوة المقا من بين الأموات
تغلبت بواسطة الكنيسة الحية على كل خراب إبليس في العالم. وهكذا رافق التلاميذ
ربهم في موكب انتصاره. وحتى اليوم يحرر المسيح كثيرين من قيود الخطية، وأربطة
الشياطين والأمراض المؤلمة، شرط أن يلتصق المؤمنون بشركة المحب، ويصلوا عاً كهيكل
الله، ويخضعوا لإرشاد الروح القدس بالمحبة والحق. فهل تحققت كنيسة المسيح عندكم؟
ادرس سفر أعمال الرسل وأخباره بالتفصيل، لأن يسوع المسيح، هو هو أمس واليوم وإلى
الأبد.

الصلاة: باركي يا
نفسي الرب، وكل ما في باطني ليبارك اسمه القدوس. باركي يا نفسي الرب، ولا تنسي كل
حسناته. الذي غفر جميع ذنوبك، الذي يشفي كل أمراضك، الذي يفدي من الحفرة حياتك،
الذي يكللك بالرحمة والرأفة، الذي يشبع بالخير مرك، فيتجدد مثل النسر شبابك.

16 – القاء
الرسل إلى السجن وتحريرهم بملاك (5: 17-25)

5: 17
فَقَامَ رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ وَجَمِيعُ ٱلَّذِينَ مَعَهُ،
ٱلَّذِينَ هُمْ شِيعَةُ ٱلصَّدُّوقِيِّينَ، وَٱمْتَلَأُوا
غَيْرَةً 18 فَأَلْقَوْا أَيْدِيَهُمْ عَلَى ٱلرُّسُلِ وَوَضَعُوهُمْ فِي حَبْسِ
ٱلْعَامَّةِ. 19 وَلٰكِنَّ مَلاكَ ٱلرَّبِّ فِي ٱللَّيْلِ
فَتَحَ أَبْوَابَ ٱلسِّجْنِ وَأَخْرَجَهُمْ وَقَالَ: 20 «ٱذْهَبُوا
قِفُوا وَكَلِّمُوا ٱلشَّعْبَ فِي ٱلْهَيْكَلِ بِجَمِيعِ كَلامِ
هٰذِهِ ٱلْحَيَاةِ». 21 فَلَمَّا سَمِعُوا دَخلُوا ٱلْهَيْكَلَ
نَحْوَ ٱلصُّبْحِ وَجَعَلُوا يُعَلِّمُونَ. ثُمَّ جَاءَ رَئِيسُ
ٱلْكَهَنَةِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ، وَدَعَوُا ٱلْمَجْمَعَ وَكُلَّ
مَشْيَخَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ٱلْحَبْسِ لِيُؤْتَى
بِهِمْ. 22 ولٰكِنَّ ٱلْخُدَّامَ لَمَّا جَاءُوا لَمْ يَجِدُوهُمْ فِي
ٱلسِّجْنِ، فَرَجَعُوا وَأَخْبَرُوا 23 قَائِلِينَ: «إِنَّنَا وَجَدْنَا
ٱلْحَبْسَ مُغْلَقاً بِكُلِّ حِرْصٍ، وَٱلْحُرَّاسَ وَاقِفِينَ
خَارِجاً أَمَامَ ٱلأَبْوَابِ، وَلٰكِن لَمَّا فَتَحْنَا لَمْ نَجِدْ
فِي ٱلدَّاخِلِ أَحَداً». 24 فَلَمَّا سَمِعَ ٱلْكَاهِنُ وَقَائِدُ
جُنْدِ ٱلْهَيْكَلِ وَرُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ هٰذِهِ
ٱلأَقْوَالَ، ٱرْتَابُوا مِنْ جِهَتِهِمْ: مَا عَسَى أَنْ يَصِيرَ
هٰذَا؟ 2 ثُمَّ جَاءَ وَاحِدٌ وَأَخْبَرَهُمْ قَائِلاً: «هُوَذَا
ٱلرِّجَالُ ٱلَّذِينَ وَضَعْتُمُوهُمْ فِي ٱلسِّجْنِ هُمْ فِي
ٱلْهَيْكَلِ وَاقِفِينَ يُعَلِّمُونَ ٱلشَّعْبَ».

حيثما يبني
الرب كنيسته، فإن الشيطان ينشئ بجانبها معبداً لأرواحه.

وحيث يتجدد
الناس باسم يسوع، تطفوا بغضة جهنم. وهذا طبيعي. فلا تتعجب إذا هجم معارضون على
خدمتكم التبشيرية المشتركة بالعنف. لأن يسوع نفسه مات على الصليب، مأخوذاً من وسط
عمله الخلاصي.

ولما رأى
رؤساء الكهنة أن الرسل لا يبالون بمنعهم من التكلم عن اسم يسوع، وأن أفواجاً من
الناس دخلوا هذا المذهب، داعين بانتصار المقام من بين الأموات، وقوته عملت ألف
برهان للمصالحة الكاملة مع الله، عند ذلك انتهى صبر رئيس الكهنة نهائيا. وربما خاف
لأجل وحدة الأمة ظاناً، أنه كراع للشعب عليه واجب مقدس، أن يبيد هذه البدعة
الجديدة. وهب معه كل التقليدين الجامدين والمتحررين فكرياً، وتخيلوا أنهم بإزالة
المسيحية من الوجود إنما يخدمون الله. وخاصة الصدوقيون المنكرون لإمكانية قيمة
الأموات، أبغضوا أتباع يسوع لأجل شهادتهم الفعالة عن غالب الموت.

وشعر الرسل
والكنيسة بتلك الكراهية المتزايدة. ولكنهم لم يهربوا ولم يختفوا. إنما اجتمعوا في
ساحة الهيكل أمام أعين الجميع، لأن المسيحية ليست للاستخفاء بل للظهرو في وضح
النهار. وفي يوم معلوم، ألقى الزعماء على الرسل الاثني عشر جميعاً وضعوهم في
السجن، ظانين كما المثل: اقطع رأس الحية فلا يهمك بعدئذ التواءها واضطراب جسدها.

أما المسيح
ففكر بعكس هذا القول، لأنه رأس جسد الكنيسة، وليس الرسل أو الأساقفة أو الرعاة.
فأرسل ملاكه ليلاً ففتح أبواب السجن بلا صوت. ووقف فجأة أمام الرسل المتحيرين،
الذين قد صلوا استعداداً لجسلة المحاكمة. وللعجب فالملاك لم يقصد تخلص الرسل من
المحكمة، ولم يحضر لهم سريراً ولا فراشاً مريحاً، ولم يأمرهم بالهرب، بل أوصاهم
بالذهاب إلى ساحة الهيكل، لكي يعلموا جهراً ما عمله المسيح وقاله. لأن من كلمات
الإنجيل هذه تحل الحياة الأبدية في قلوب المستمعين. وأمرهم الملاك بأن ينقوا رغم
المعارضة والتهديد، كل كلمة حياة الله إلى آذان الشعب، انتبه (كل كلمة) بدون نقص أو
تقصير خوفاً من الأعداء. وهذا أمر الله ولكل مؤمن: كلم شعبك بكل كلمات الحياة هذه.
فليست كلماتك وتخيلاتنك مهمة البتة. إنها مفعمة الموت. أما الشهادة عن ياة المسيح
فتولد وتخلف حياة أبدية في المؤمنين.

عندئذ قام
الرسل الاثنا عشر وتقدموا وتركوا سجنهم وعبروا وسط الحراس، وذهبوا إلى ساحة الهكيل
قبل شروق الشمس، وابتدأوا يعلمون الحجاج والزوار، الذين أقبلوا باكراً. وانتظروا
بارتباك وحيرة ما يقصده الرب بهم. لأنهم شعروا أنه وشيكاً سيقبل عليهم شيء هائل،
لأن الرب الحي قد تدخل في مسيرة تلك الأحداث بواسطة ملاكه البراق.

وفي صحوة
ذلك النهار اجتمع المجمع الديني الأعلى كله، المكون من رؤساء الكهنة والشيوخ
المحترمين والفقهاء الماكرين، وهم سبعون عضواً. وفوق ذلك استدعى رئيس الكهنة وجوه
الشعب، لأن قصده كان إبادة هذه البدعة اليسوعية الناصرية نهائياً. ولماحضر كل
الرجال وجلسوا جلوسهم الكريم، أرسل رئيس المجمع إلى السجن، يطلب إحضارالموقفين.
ولكن ما أروع خوف الحراس ودهشتهم! لأنه رغم الأبواب المغلقة والأقفال السليمة،
اختفى المسجونون ولم يجدوا لهم أثراً. ولما جاء المجمع الخبر، عمتهم الحيرة، لأ
الكل كانوا عارفين عن العجائب، التي صنعها الرسل، حتى أن ظل الرسول بطرس أبرأ
المرضى.

وكان هذا
الخبر صدمة عنيفة للمفكرين الواعين، وعاراً للداعي إلى هذه المحاكمة. فزعزع الله
هؤلاء القضاة مسبقاً، ليريهم جلياً، أنهم يوشكون أن يحكموا على مؤمنين أبرياء، هم
أبناء الأمة المخلصون. فحمت يد المسيح رسله، الذين بشروا شعبهم بكلة الحياة
الكاملة.

الصلاة: أيها الرب
أنت الله وحياتك موضوعة في إنجيلك. فساعدنا لنوضح بجرأة وتواضع بحكمة اسمك لكل
الناس الجياع إلى البر ليشبعوا.

17 – جميع
الرسل أمام المجمع الأعلى (5: 26 – 33)

5: 26
حِينَئِذٍ مَضَى قَائِدُ ٱلْجُنْدِ مَعَ ٱلْخُدَّامِ، فَأَحْضَرَهُمْ
لا بِعُنْفٍ، لأَنَّهُمْ كَانُوا يَخَافُونَ ٱلشَّعْبَ لِئَلاَّ يُرْجَمُوا.
27 فَلَمَّا أَحْضَرُوهُمْ أَوْقَفُوهُمْ فِي ٱلْمَجْمَعِ. فَسَأَلَهمْ
رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ: 28 «أَمَا أَوْصَيْنَاكُمْ وَصِيَّةً أَنْ لا
تُعَلِّمُوا بِهٰذَا ٱلاسْمِ؟ وَهَا أَنْتُمْ قَدْ مَلَأْتُمْ
أُورُشَلِيمَ بِتَعْلِيمِكُمْ، وَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْلِبُوا عَلَيْنَا دَمَ
هٰذَا ٱلإِنْسَانِ». 2 فَأَجَابَ بُطْرُسُ وَٱلرُّسُلُ:
«يَنْبَغِي أَنْ يُطَاعَ ٱللّٰهُ أَكْثَرَ مِنَ ٱلنَّاسِ. 30
إِلٰهُ آبَائِنَا أَقَامَ يَسُوعَ ٱلَّذِي أَنْتُمْ قَتَلْتُمُوهُ
مُعَلِّقِينَ إِيَّاهُ عَلَى خَشَبَةٍ. 31 هٰذَا رَفَّعَهُ اللّٰهُ
بِيَمِينِهِ رَئِيساً وَمُخَلِّصاً، لِيُعْطِيَ إِسْرَائِيلَ ٱلتَّوْبَةَ
وَغُفْرَانَ ٱلْخَطَايَا. 32 وَنَحْنُ شُهُودٌ لَهُ بِهٰذِهِ ٱلأُمُورِ،
وَٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ أَيْضاً، ٱلَّذِي أَعْطَاهُ
ٱللّٰهُ لِلَّذِينَ يُطِيعُنَهُ».

يحب الله
أعداءه، ويرحم الأشرار أكثر مما يتصور عقلنا. فانقلبت الجلسة إلى دعوة للتوبة
أطلقها إثنا عشر صوتاً رسولياً، ليرجع كل زعماء إسرائيل إلى ربهم. لأن الحضور ما
كانوا فقط لجنة الاستنطاق، بل المجمع كله.

لقد مضى
رئيس جند الهكيل، وطلب من سفراء المسيح بلياقة، أن يذهبوا معه لمقابلة المجمع.
فأتوا معه ليس كمجرمين مقيدين، بل أحراراً محترمين. ورئيس الجند لم يتجرأ أن يقبض
عليهم لكيلا يثور الشعب مؤازراً رسل الله، وراجماً الحراس. وهكذا تبع الرسل رجال
الأمن طوعاً.

وفي دار
رئيس الكهنة اجتمع السبعون عضواً كان هذا الرئيس متأففاً ضجراً، ممتلئاً قلبه
بالبغضاء والحقد والتهديد. واغتاظ أكثر، لأن هؤلاء المشاغبين سببوا له خجلاً أمام
ممثلي الشعب، بخروجهم الغريب من السجن. فانتهرهم أول ما جاءوا بخشونة، تسائلاً:
لماذا استمررتهم بذكر اسم يسوع، رغم أننا منعناكم من التفوه به. ورغم التحذير
الشديد ملأتم مدينة أورشليم كلها بحكاياتكم التافهة. وما قصدكم إلا إهانتنا
وتحقيرنا أمام الشعب، وإبرازنا قضاة ظلم كأن يسوع بار ونحن مجرمون. وهذا الشاب من
لناصرة، لم يكن إلا إنساناً مضلاً مجدفاً. وقد مات وألقي في حفرة، واسترحنا منه،
لكنكم استهزأتم بالمجمع الأعلى وأهنتمونا وتعديتم علينا بأكاذيب وخرافات واحتيال.

عندئذ قام
بطرس وكل الرسل سوياً، وتكلموا بكل مجاهرة بنفس الأفكار، منسجمين بإرشاد الروح
القدس كأنهم يقولون: لا نتبع تخيلات، وليس فينا نية سيئة، إلا أننا حصلنا على
إعلان الله. فنطيع الرب بشهادتنا. ومستحيل أن نطيعكم، لأن الله أكبر منك وهو ربنا.
ويل لنا أن نصمت عن حقائقه. فتحترق ألسنتنا. إننا نتكلم على أساس إعلان الله
المباشر لنا.

ولربما
سألهم الشيوخ بعدئذ: ما هو مضمون إعلان الله لكم؟ فجاوب أحد الرسل: ليس لنا إعلان،
إلا حقيقة قيامة يسوع من الأموات. فهو لم يظهر لنا كروح أو شبح، بل الله قد أقامه
جسدياً. لأن يسوع كان مع الله في كل حين والله كان معه.

وهنا صاح
أحد القضاة : أهكذا تقولون، إننا أعداء الله؟ فجاوب بطرس بشدة ويقين: ليس غيركم من
حكم على يسوع البار. وأنتم الذين أجبرتكم الوالي بيلاطس لصلبه. نعم أنتم قتلة
وأعداء الله. ويسوع هو قدوس. وقد علقتموه على خشبة اللعنة بأيدي نجسة.

ورغم صرير
الأسنان في صفوف القضاة، أكمل أحد الرسل الحديث قائلاً: أما الله فلم يقم يسوع من
الموت فقط، بل أيضاً رفعه إليه جاعلاً إياه رأس الكنيسة، المخلص لكل العالم. فيسوع
هو الرب بالذات، حامل صفات الله في ذاته. وهو المسيح المنتظر منم، عائشاً عن يمين
الله، كما قال في وجوهكم آنذاك: من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة،
وآتياً في سحاب السماء.

فقفز بعض
الحضور إذ ذاك، ولكنهم ظلوا ضابطين أنفسهم، مرتجفين من الغيظ ومنتظرين بقية
المدافعة من الرسل. وتمتم أحدهم: فلم يبق لكم إلا أن تدعونا لنسجد لربكم. فقال أحد
التلاميذ: حقاً أن يسوع لا يرفضكم، بل يدعوكم إلى التوبة، وينتظر رجوع عب إسرائيل
كله، لأنه هو المحبة، ولا يزال مستعداً أن يغفر لكم خطاياكم تماماً. تعالوا إليه
لأن رحمته أعظم من بغضتكم. والله يغفر لكم إن تبتم حقاً.

ولعل أحد
المحايدين من الحضور سأل الصيادين بتعجب: من أين لكم هذه الجرأة والوقاحة لتدينوا
قضاتكم بالذنب، وتقدموا بنفس الوقت لهم الغفران. من أنتم وماذا تظنون أنفسكم،
أآلهة؟

فأرشد الروح
القدس التلاميذ، حتى لا يقعوا في فخ تجربة الاستكبار أو التجديف فقالوا: لسنا إلا
شهوداً لحقيقة قيامة يسوع وصعوده إلى السماء. والروح القدس حل فينا عملياً، لأننا
مؤمنون بالمسيح المرتفع. وهذا الروح يثبت لنا، أن معرفتنا حق، نعيش بانسجام مع
الله.

فضحك أحد الشيوخ
قائلاً: ماذا تفهمون أنتم الجهلاء الأميون من الروح القدس؟ وجابهه مباشرة الجواب
الواضح: إن الله يعطي روحه فقط لمن يطيع كلمته ويقبل إعلان المسيح. ولكن الذي لا
يؤمن يهلك، لأنه يعاند الروح القدس في شهادته. وكل الخطايا تفر للإنسان، ولكن
الخطية ضد الروح القدس لن تغفر.

فكل واحدة
من هذه الجمل، التي قالها الرسل، أصابت الحضور السبعين كسهم حق إلهي في قلوبهم.
فأكثرية هؤلاء الوجوه الذين جرحوا بكرامتهم واغتاظوا لإهانتهم، انتفضوا لإبادة
هؤلاء، الذين اعتبروهم مجدفين غوغائيين متبجحين. فتكاثف الجو ظلاماً، استعدت جهنم
لتهجم بقهقهة على زعماء كنيسة المسيح لإفنائهم رجماً.

الصلاة: أيها الرب
يسوع المسيح أنت حي. نسجد لك ونسبحك لأجل القوة والجرأة الموهوبة لرسلك. في ذلك
الموقف القاطع لم ينكروك بل شهدوا لحقيقتك. فساعدني في ساعة التجربة أن أثبت
أميناً لك حتى الموت. آمين.

18 – نصيحة
غمالائيل وجلد الرسل (5: 34 – 42)

5: 34
فَقَامَ فِي ٱلْمَجْمَعِ رَجُلٌ فَرِّيسِيٌّ ٱسْمُهُ غَمَالائِيلُ،
مُعَلِّمٌ لِلنَّامُوسِ، مُكَرَّمٌ عِنْدَ جَمِيعِ ٱلشَّعْبِ، وَأَمَرَ أَنْ
يُخْرَجَ ٱلرُّسُلُ قَلِيلاً. 35 ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: « أَيُّهَا
ٱلرِّجالُ ٱلإِسْرَائِيلِيُّونَ، ٱحْتَرِزُوا لأَنْفُسِكُمْ
مِنْ جِهَةِ هٰؤُلاءِ ٱلنَّاسِ فِي مَا أَنْتُمْ مُزْمِعُونَ أَنْ
تَفْعَلُوا. 36 لأَنَّهُ قَبْلَ هٰذِهِ ٱلأَيَّامِ قَامَ ثُودَاسُ
قَائِلاً عَنْ نَفْسِهِ إِنَّهُ شَيْءٌ، الَّذِي ٱلْتَصَقَ بِهِ عَدَدٌ مِنَ
ٱلرِّجَالِ نَحْوُ أَرْبَعِمِئَةٍ، ٱلَّذِي قُتِلَ، وَجَمِيعُ
ٱلَّذِينَ ٱنْقَادُوا إِلَيْهِ تَبَدَّدُوا وَصَارُوا لا شَيْءَ. 37
بَعْدَ هٰذَا قَامَ يَهُوذَا ٱلْجَلِيلِيُّ فِي أَيَّامِ
ٱلاكْتتَابِ، وَأَزَاغَ وَرَاءَهُ شَعْباً غَفِيراً. فَذَاكَ أَيْضاً
هَلَكَ، وَجَمِيعُ ٱلَّذِينَ ٱنْقَادُوا إِلَيْهِ تَشَتَّتُوا. 38
وَٱلآنَ أَقُولُ لَكُمْ: تَنَحَّوْا عَنْ هٰؤُلاءِ ٱلنَّاسِ
وَٱتْرُكُوهُمْ! لأَنَّهُ إِنْ كَانَ هَٰذا ٱلرَّأْيُ أَوْ
هٰذَا ٱلْعَمَلُ مِنَ ٱلنَّاسِ فَسَوْفَ يَنْتَقِضُ، 39 وَإِنْ
كَانَ مِنَ ٱللّٰهِ فَلا تَقْدِرُونَ أَنْ تَنْقُضُوهُ، لِئَلاَّ
تُوجَدُوا مُحَارِبِينَ لِلّٰهِ أَيْضاً». 40 فَٱنْقَادُوا إِلَيْهِ.
وَدَعُوا ٰلرُّسُلَ وَجَلَدُوهُمْ، وَأَوْصُوهُمْ أَنْ لا يَتَكَلَّمُوا
بِٱسْمِ يَسُوعَ، ثُمَّ أَطْلَقُوهُمْ. 41 وَأَمَّا هُمْ فَذَهَبُوا
فَرِحِينَ مِنْ أَمَامِ ٱلْمَجْمَعِ، لأَنَّهُمْ حُسِبُوا مُسْتَأْهِلِينَ
أَنْ يُهَانُوا مِنْ أجْلِ ٱسْمِهِ. 42 وَكَانُوا لا يَزَالُونَ كُلَّ
يَوْمٍ فِي ٱلْهَيْكَلِ وَفِي ٱلْبُيُوتِ مُعَلِّمِينَ وَمُبَشِّرِينَ
بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ.

آمن
الفريسيون بوجود الملائكة وقيامة الأموات، وإمكانية رؤية الله في دنيانا. فلما
سمعوا أن الرسل تحرروا من السجن المغلق فزعوا. لأنهم لم ينكروا إمكانية إقامة يسوع
وتدخله في المجتمع.

فقام زعيم
الفريسيين غمالائيل المعلم العليم الفقيه الواسع الاطلاع، الذي صار بعدئذ معلماً
لبولس أيضاً. وهذا المحترم تكلم مهدئاً المجمع الأعلى الهائج الغليان. وما كان
غمالائيل متأكداً هل يد الله عاملة مع الرسل أم لا، وهل هؤلاء الرجالحقاً مرسلون
من العلي، أم لم يُرسلوا بتاتاً؟ لأن هذا المتعلم تفرس فيهم، ولم ير شراسة ولا
وقاحة، بل رجولة ومحبة واستقامة. فلم يظهروا كمبتدعين أو أشرار. فنصح بحكمته
زملاءه في المجمع الأعلى ليتريثوا ولا يحكموا عليهم بالموت قتلاً. وما أحب أن يسفك
دم بريء مرى أخرى، لكيلا يقف المجمع عن جهل مكافحاً ضد إرادة الله.

إن غمالائيل
لم يؤمن بيسوع المسيح، ولم يقرر قبول دعوة الرسل. ولكن الرب الحي استخدم معلم
الناموس المتواضع ليحفظ في هذه الساعة القاطعة رسله ويبقيهم شهوداً لقيامته.

وللعجب،
فهذا العالم لم يستخدم التوراة للاستشهاد بها وتقوية حجته، بل أرشد الحضور إلى
حقائق اختبارية. فالزعماء السياسيون أو مؤسسو البدع يسخرون أتباعهم، ولكن إن لم
تكن القوة فيهم من الله فإن أتباعهم يتبددون بعد موت الزعماء. فالله وحد يعطي في
ملكوته البداية والاستمرار والنهاية، كما أن المسيح هو رئيس الإيمان ومكمله.

وحكم
غمالائيل يمكننا اليوم أن نستدل على ألوهية يسوع بطريقة اختبارية، لأن حركته لم
تتبدد بعد موته، بل تقوت جداً، وشملت نصف العالم.

ولم يحصل
إجماع من الأعضاء السبعين في المجمع الأعلى. ولم يشعر عدد كبير منهم براحة الضمير
للموافقة على قتل جماعي لهؤلاء الاثني عشر رجلاً مستقيماً. فوافقوا على الانتظار.
ولكن المغتاظين ورئيس الكهنة تشوقوا للانتقام والقصاص الصارم. وأجروا المجمع للحكم
بالجلد على كل من هؤلاء الأبرياء فاعلي الخير، أربعين جلدة إلا واحدة على ظهورهم
العارية.

فقاد الحراس
المتهمين خارجاً الذين لم يعترضوا، بل احتملوا العار صامتين مصلين، بينما كانت
ظهورهم تلسعها السياط الجلدية بأمر حكم المجمع الأعلى الظالم. لقد احتملوا هذا
العار بفرح، لأنهم لم يتألموا لأجل ذنوبهم الشخصية، بل لأجل اسم يسوع المسيح وحده.
والرب قد قال لهم سابقاً: طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة
من أجلي كاذبين. افرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم في السموات.

ماذا كانت
نتيجة هذه الجلسة القاطعة؟ إن ذكر اسم يسوع بقي بين اليهود حتى اليوم ممنوعاً وغير
مرغوب. ولكن الذي ينطق به، لا يُقتل أو يُضطهد. فكان للكنيسة استراحة لمدة، وبشروا
باسم يسوع جهراً رغم المنع. وظل سيف الخطر مع ذلك فوق رؤوسهم.

وبعد الجلد
تقدم الرسل بفرح وجرأة إلى ساحة الهيكل واستمروا بشهادتهم عن المسيح المقام المنتصر،
رغم أن ظهروهم كانت مفلعة دامية. فأدرك الشعب أن زعماء أمتهم كرهوا اسم يسوع
كالسابق. وأن كل مؤمن به يشرف على الاضطهاد. ولكن هذا الخطر فرق اتبن عن القمح،
وجعل المؤمنين ثابيتن رصينين. والرب زاد النعمة فيهم يومياً.

وكان الرسل
يزورون البيوت باستمرار، ويعلمون المؤمنين ويثبتونهم في التوراة والمزامير
والانبياء. ويفسرون لهم كلمات يسوع، التي سمعوها منه وجمعوها جزئياً. وبنفس الوقت
فتش الرعاة عن خرافهم الضالة وبشروا الجماهير في الهيكل، مقدمين لهم اللاص الكامل
في المصلوب. ومضمون رسالتهم تبلورت في اسمين: أن يسوع هو المسيح. وأن المصلوب هو
المقام من بين الأموات، وأن الناصري المرفوض هو الملك الإلهي المالك اليوم في
السموات عن يمين الآب. فلم يخف الرسل، بل شهدوا أن يسوع المسيح هو الرجاء الوحيد
لكل الناس.

الصلاة: أيها الرب
الحي قد ضربت لأجل محبتك ورسلك تبعوك. اغفر لي جبني وانقسام قلبي، وعلمني شكراً
لمحبتك. وقدنا إلى تعليم المؤمنين بالحكمة، وإلى تبشير الجهلاء بالقوة.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس يسوعية كاثوليكية عهد جديد إنجيل لوقا 14

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي