الإصحَاحُ
التَّاسِعُ

 

4 – ظهور
المسيح لشاول أمام دمشق (9: 1 – 5)

1 أَمَّا
شَاوُلُ فَكَانَ لَمْ يَزَلْ يَنْفُثُ تَهَدُّداً وَقَتْلاً عَلَى تَلامِيذِ
ٱلرَّبِّ، فَتَقَدَّمَ إِلَى رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ 2 وَطَلَبَ مِنْهُ
رَسَائِلَ إِلَى دِمَشْقَ إِلَى الْجَمَاعَاتِ، حَتَّى إِذَا وَجَدَ أُنَاساً مِنَ
ٱلطَّرِيقِ، رِجَالاً أَوْ نِسَاءً، يَسُوقُهُمْ مُوثَقِينَ إِلَى
أُورُشَلِيمَ. 3 وَفِي ذَهَابِهِ حَدَثَ أَنَّهُ ٱقْتَرَبَ إِلَى دِمَشْقَ
فَبَغْتَةً أَبْرَقَ حَوْلَهُ نُورٌ مِنَ ٱلسَمَاءِ، 4 فَسَقَطَ عَلَى
ٱلأَرْضِ وَسَمِعَ صَوْتاً قَائِلاً لَهُ: «شَاوُلُ، شَاوُلُ، لِمَاذَا
تَضْطَهِدُنِي؟» 5 فَسَأَلَهُ: «مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟» فَقَالَ
ٱلرَّبُّ: «أَنَا يَسُوعُ ٱلَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ. صَعْبٌ
علَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ».

تلقى شاول
دروسه في التوراة على يد العليم غمالائيل الحكيم وآمن بأن الله واحد، وتعصب في
إيمانه ممتلئاً غيرة للكفاح من أجل وحدانية الله وتنفيذ ناموسه في أمته. وكل من
يخرج على إيمان الآباء ولا يخضع له، فإن شاول كان يخضعه غصباً أو يقتل حقداً.
وشاول الشاب اغتاظ كثيراً من مواعظ استفانوس أثناء دفاعه عن نفسه ومن تصريحه برؤية
المسيح، فعذب المؤمنين التابعين هذا المذهب ليرتدوا عن الإيمان ويجدفوا على
المسيح. وكان المجمع الأعلى مسروراً من شاول النشيط الشجاع. وأعطوه سلطاناً ووائق،
لما تقدم إليهم طالباً أن يرسلوه إلى دمشق، تلك الواحة الواسعة وسط الصحراء، لكي يصلح
هناك الطائفة اليهودية، ويلاشي البدع اليسوعية، ويثبت إيمان الآباء.

فركب شاول
المفتخر فرسه إلى العاصمة السورية وسط البراري، ليبيد حاملي روح المسيح، الذين
كانوا يصلون لأجل عدوهم، وأحبوه وعرفوا مقاصده. فقد أتى الإيمان الجديد للشام
بواسطة تجار ولاجئين ومسافرين، وليس بواسطة رسل أو شمامسة.

ولما رأى
شاول أبراج المدينة وقببها من بعيد، استعد للدخول متباهياً. فأبرق مجد الرب فجأة
كصاعقة حول هذا الغيور، الذي ظن أنه يخدم الله، وبالحقيقة كان عبداً للشيطان. فسقط
شاول من على فرسه إلى الأرض. ولا نقرأ فيما بعد أنه امتطى مرة أخر فرساً طيل
حياته، بل كان يمشي على قدميه منسحقاً متواضعاً.

وسمع الشاب
صوتاً نخس صميم قلبه، وجمد عقله: شاول شاول، لماذا تضظهدني؟ فالمتكلم عرف اسمه
وأخلاقه وماضيه وتخطيطه. فالله كشفه وأعلن كل حياته وكل ذنوبه. وهو معلن أمام
القاضي الأزلي.

وارتجف شاول
لما قال له الصوت: انت تضطهدني! فلم يقل يسوع أنك تضطهد الكنيسة، بل تضطهدني
شخصياً، لأن يسوع وكنيسته وحدة كاملة. فالرب هو الرأس، ونحن أعضاء جسده الروحي.
ومهما حدث لأحد الأصاغر من أتباعه، فهو يقع عليه شخصياً. والرب يتألم ع كنيسته لكل
ظلم واقع عليها. فقد أعلن يسوع بهذه الجملة الصغيرة سر كنيسته وغاية مقاصده، إنه
متحد اتحاداً إلهياً مع أتباعه، بواسطة الروح القدس في المحبة.

ولم يقل
يسوع للمنسحق فقط، أنت تضطهدني، بل لماذا تضطهدني؟ لأنه مؤلم وصعب لدى الله، أن
الناس لا يدركون حقيقة الثالوث الأقدس. فلا سبب ولا حق لإنسان ما، أن لا يخضع
ليسوع. فالذنب الأساسي هو أن الناس لا يقبلون محبة الخالق الفائقة المعلن في
المسيح. وهذه هي الخطية الرئيسية أن لا يؤمن الإنسان بغفران خطاياه بواسطة
المصلوب. فهذا يضاد فكر الله، فيدين كل عنيد بقوله: لماذا تضطهدني وتضاد محبة
الثالوث الأقدس؟

وشعر شاول
نوعاً ما أن رب المجد لا يبيده حالاً، رغم أنه عدوه! وأن الحي ذا الجلال لا يخنقه
رغم أن شاول قتل أتباعه. فأشرق في نفسه الشعور أن الرب المتكلم هو المحبة وليس
الانتقام، وأن جوهره النعمة وليس الدينونة. ولم يكن لشاول أي عمل صاح يقدمه لمرضاة
الله، إلا جريمته بالقتل واضطهاد القديسين. ولكن شاول حصل على النعمة الإلهية
مجاناً، وبدون استحقاق، رغم أنه كان أهلاً للموت والجحيم. فتمتم شاول المضطرب
بكلمته: من أنت يا رب؟ فلم يسمه بالنص اليوناني سيداً أو ملاكاً عظيمأً، ب أدرك أن
التكلم هو الله بالذات، وسماه الرب. فقول شاول عني صلاة مرتجفة وطلبة متواضعة لأجل
إعلان اسم الله، ليعرف من هو المتكلم في النور. لقد شعر شاول بالنعمة الفائقة وسط
الدينونة المهلكة. فتجاسر مرتعباً أن يكلم الله مؤمناً.

وجاوب الرب
عدوه، ولم يحطمه، واستجاب صلاته، وأنعم على المجرم. فقول المسيح لشاول يعني أن
الرب رحم الشرير، وتنازل، فأخبره بكلمات مفهومة عن مشيئته. وهذه الكلمات طهرت شاول
وبررته، وكانت أساساً لمستقبله.

وأعلن يسوع
جوهره بالكلمة الفريدة (أنا هو). فيا أيها المسكين شاول الصغير الملبوس المبهور،
أنا موجود أنا مقام من بين الأموات، أنا حي، أنا يسوع. أنا لست خيالاً أو كذباً.
لست منفسداً في القبر، بل أنا رب المجد، واقف شخصياً أمامك، وعارفنيتك الصالحة.
ولكن عقلك مبهور بسبب بغضتك المتدينة. ولا تستطيع إدراكي بسبب تعصبك المقيت. ولكنك
تضطهدني، أنا غالب الموت، والمنتصر على جهنم، مفكراً أنك بهذا تخدم الله. وهذه هي
الحقيقة حتى اليوم، أن كل الذين يضطهدون يسوع المسيح يعبدون الشيطن، لأن يسوع الحي
جالس عن يمين الله الآب، وقد دُفع إليه كل السلطان في السماء وعلى الأرض

ولا ريب في
أن المسيح كسر بظهوره وكلماته شاول المنتفخ وحطم إيمانه بذاته وثقته ببره
الناموسي. وأعلن له أن المصلوب هو حي ومحور للكون، ولا يهلك أعداءه، بل يمنحهم
نعمة فوق نعمة. وأنه واحد مع كنيسته الممتلئة بالروح القدس وحدة كاملة. فهذ
المبادئ الثلاثة المعلنة لشاول في لحظة واحدة، لا تزال هي حتى اليوم ركن إيماننا
في العهد الجديد: قيامة المسيح، ونعمته في الصليب، وكنيسته الحية الممتلئة بالروح
القدس. فهل تنسجم مع هذه الأركان الثلاثة تماماً، أو تعارض روح المسيح وحقه؟ فعندذ
يقول الرب لك: صعب عليك أن ترفس مناخس الله، وتتألم كثيراً لأنك تضاد الحق
والحياة.

الصلاة: نسجد لك
أيها الرب المجيد الحنون، لأنك لم تبد شاول بل رحمته. فأنت حي وموجود. أعلن نفسك
لكل الذين يطلبونك. وخلص كل غيور متدين، يضطهد كنيستك عن نية صالحة، وهو غير عالم
بخطأه. ونعظم اسمك، لأنك واحد مع كنيستك المحبوة.

5 – معمودية
شاول على يد حنانيا (9: 6 – 18)

9: 6
فَسَأَلَ وَهُوَ مُرْتَعِدٌ وَمُتَحَيِّرٌ: «يَا رَبُّ، مَاذَا تُرِيدُ أَنْ
أَفْعَلَ؟» فَقَالَ لَهُ ٱلرَّبُّ: «قُم وَٱدْخُلِ ٱلْمَدِينَةَ
فَيُقَالَ لَكَ مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ تَفْعَلَ». 7 وَأَمَّا ٱلرِّجَالُ
ٱلْمسَافِرُونَ مَعَهُ فَوَقَفُوا صَامِتِينَ، يَسْمَعُونَ ٱلصَّوْتَ
وَلا يَنْظُرُونَ أَحَداً. 8 فَنَهَضَ شَاوُلُ عَنِ ٱلأَرْضِ، وَكَانَ
وَهُوَ مَفْتُوحُ ٱلْعَيْنَيْنِ لا يُبْصِرُ أَحَداً. فَٱقْتَادُوهُ
بِيَدِهِ وَأَدْخَلُوهُ إِلى دِمَشْقَ. 9 وَكَانَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ لا يُبْصِرُ،
فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ. 10 وَكَانَ فِي دِمَشْقَ تِلْمِيذٌ
ٱسْمُهُ حَنَانِيَّا، فَقَالَ لَهُ ٱلرَّبُّ فِي رُؤْيَا: «يَا
حَنَانِيَّا». فَقَالَ: «هٰأَنَذَا يَا رَبُّ». 11 فَقَالَ لَهُ
ٱلرَّبُّ: «قُمْ وَٱذْهَبْ إِلَى ٱلّزُقَاقِ ٱلَّذِي
يُقَالُ لَهُ ٱلْمُسْتَقِيمُ، وَٱطْلُبْ فِي بَيْتِ يَهُوذَا رَجُلاً
طَرْسُوسِيّاً ٱسْمُهُ شَاوُلُ – لأَنَّهُ هُوَذَا يُصَلِّي. 12 وَقَدْ رأَى
فِي رُؤْيَا رَجُلاً ٱسْمُهُ حَنَانِيَّا دَاخِلاً وَوَاضِعاً يَدَهُ
عَلَيْهِ لِكَيْ يُبْصِرَ». 13 فَأَجَابَ حَنَانِيَّا: «يَا رَبُّ قَدْ سَمِعْتُ
مِنْ كَثِيرِينَ عَنْ هٰذَا ٱلرَّجُلِ، كَمْ مِنَ ٱلشُّرُورِ
فَعَلَ بِقِدِّيسِيك فِي أُورُشَلِيمَ. 14 وَهٰهُنَا لَهُ سُلْطَانٌ مِنْ
رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ أَنْ يُوثِقَ جَمِيعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ
بِٱسْمِكَ». 15 فَقَالَ لَهُ ٱلرَّبُّ: «ٱذْهَبْ، لأَنَّ
هٰذَا لِي إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ ٱسْمِي أمَامَ أُمَمٍ
وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ. 16 لأَنِّي سَأُرِيهِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ
يَتَأَلَّمَ مِنْ أَجْلِ ٱسْمِي». 17 فَمَضَى حَنَانِيَّا وَدَخَلَ
ٱلْبَيْتَ وَوَضَعَ عَلَيْهِ يَدَيْهِ وَقَالَ: «أَيُّهَا ٱلأَخُ
شَاوُل، قَدْ أَرْسَلَنِي ٱلرَّبُّ يَسُوعُ ٱلَّذِي ظَهَرَ لَكَ فِي ٱلطَّرِيقِ
ٱلَّذِي جِئْتَ فِيهِ، لِكَيْ تُبْصِرَ وَتَمْتَلِئَ مِنَ ٱلرُّوحِ
ٱلْقُدُسِ». 18 فَلِلْوَقْتِ وَقَعَ مِنْ عَيْنَيْهِ شَيْءٌ كَأَنَّهُ
قُشُورٌ، فَأَبْصَرَفِي ٱلْحَالِ، وَقَامَ وَٱعْتَمَدَ. 19
وَتَنَاوَلَ طَعَاماً فَتَقَّوَى. وَكَانَ شَاوُلُ مَعَ ٱلتَّلامِيذِ
ٱلَّذِينَ فِي دِمَشْقَ أَيَّاماً.

ما كان شاول
مرتعباً فقط، بل أوشك على الموت، لأن كل ما كان مهماً في حياته من إيمان وشرف وبر
وغيرة وإرادة، انكسرت دفعة واحدة، حين ظهر له المقام. ففهم شاول: إنني مخطئ وعدو
لله، وعميل للشيطان. فكل ثقافتي وتقواي لم تنفعني شيئاً. أنا ثائر وكافر وهالك.
فلا يوجد سقوط أعظم من سقوط المدعي بالتقوى في ذاته من عليائه، إلى معرفته أن كل
إنسان هو في طبيعته عدو لله.

ولكن يسوع
لم يبد مضطهد كنيسته، بل أعطاه فرصة للتوبة. فتمتم شاول: ماذا تريد يا رب أن أفعل؟
ولم يكن بعدئذ شاول حراً، بل استغنى عن حريته وأصبح عبداً ليسوع. وقد وجد ربه وخضع
له طوعاً بدون قيد أو شرط إلى الأبد. وربه شفاه من عماه الروحي وأبرأه من إيمانه
المتجمد بفكر الوحدانية. فقد أدرك شاول أن يسوع هو الرب الحي والإله الحق الواحد
مع الآب والروح القدس.

وهذا الرب
امتحن حالاً إيمان المنسحق، وأمره بالذهاب إلى دمشق. وقبل دقائق كان شاول عازماً
أن يدخل أبواب العاصمة راكباً فرساً، مصلحاً غيوراً قوياً. ولكن الآن فقد صار
مترنحاً، منقاداً من رفقائه المرتعبين إلى داخل أبواب دمشق. فنزل في بيت أحد
الأصدقاء، الذين تعجبوا من خبر النور البهي، الذي ابرق حولهم في البرية.

ولم يتكلم
شاول مع الناس، بل انعزل وصلى وصام ولم يرد الحياة وانفصل عن كل الأحياء، واتجه
نحو الله ولم يشتق إلا للخضوع للعلي والسلام مع الله وإطاعته إطاعة تامة. فقد أدرك
شاول أن الرب يسوع حي، ولم يرفضه. فصلى ملتمساً منه الغفران والخلص من غضب الله.
فتعمق في معاني القيامة من بين الأموات وأسرار الصليب، وبنى نفسه على حقائق العهد
الجديد.

ويسوع
يستجيب كل صلوات التوبة المستقيمة. ووكل رأساً مؤمناً اسمه حنانيا، ليذهب إلى شاول
ويساعده للدخول إلى الحياة. فالرب لم يكلف رسولا عظيماً أو ملاكاً بهياً بل
إنساناً مغموراً مؤيداً بالله. وقد أعلن الرب لشاول المصلي بنفس الوقت مجي حنانيا
إليه، وأنه يضع يديه باسم يسوع على رأسه، لكيلا يرفض دخوله إليه.

وما كان
حنانيا منشرحاً لأمر الرب وتفويضه إياه لهذه المهمة، بل خاف من شاول، وارتجف من
سلطته، لأن المؤمنين جميعاً قد علموا، أن شاول الشاب المتفقه بالتوراة كان شيطاناً
مريداً فاعلاً شراً كثيراً ومضطهداً القديسين في أورشليم. فظهر مستحلاً لحنانيا أن
يضع يديه على المتعدي، ليحل فيه الروح القدس، مع أنه لم يعرف يسوع حقاً، ولم يتب
توبة نصوحاً. أما الرب فقطع كلمة حنانيا المضطرب، وأمره بحدة: اذهب! فأيها الأخ
إذا دعاك يسوع وأمرك بشيء فاذهب. تكلم! اعمل! صل! فنفذ أمر الرب رأسا وكاملاً.
ملكك لا ينتظر طويلاً بل ينتظر منك الإطاعة المباشرة.

ولم يوضح
يسوع لحنانيا قصة ظهروه لشاول وسبب تبدله، لكنه اعلم المصلي المتواضع الغاية من
تعيينه شاول وإرساله. فقد اختاره الله إناء للنعمة ممتلئاً بسلطان الروح القدس. هل
فهمت كلمة النعمة؟ لقد جعل الله من عدوه رسولاً ومن الحاقد عليه محاً. وخلص الغارق
من عمى التعصب والغرور بالذات، وجعله فاتح عيون الملايين روحياً. وحل الروح القدس
في الملبوس التائب، وحرره من كل ثقة على أسس دنيوية، وثبته في النعمة والرجاء الحي
في المسيح. وهكذا حمل شاول اسم يسوع في كيانه واعترف به بشفتيه. وقلبه وذهنه وعقله
كان ممتلئاً باسم يسوع. فصار شاول شحناً ممتلئاً بهذا الاسم الفريد. فهل أدركت من
هو المسيحي الحق؟

فذاك الذي
يظهر فيه المسيح قولا سلوكاً، عفة وحقاً براً وقوة. فهل يشرق المسيح في حياتك
جلياً؟

وكان على
بولس أن يشهد للمسيح أمام الملوك والأمراء والولاة، مقيداً كربه ومنقاداً بحراس.
وربه أرسله أيضاً إلى اليهود المتغربين. فكان بولس منشقاً في محبته بين الوثنيين
وأبناء أمته، وتألم قلبه لجهالة الأولين، ومن غيظ الآخرين والذي يقر رسائله، يدرك
بأي مقدار تعذب بولس لأجل اسم يسوع. ومع ذلك لم يتفاخر لأجل تألمه، لأنه أدرك أن
ليس له مكافأة أو استحقاق، إلا النعمة. وليس إلاها.

وسمع حنانيا
متعجباً إعلان الرب عن مستقبل شاول وآمن وذهب. ولعله استفهم عما حدث لشاول في
الطريق، لأنه كلم الأعمى باسم الرب، الذي ظهر له على الطريق. تغير الناس تماماً
وتصلح الأخصام جاعلة إياهم إخوة في عائلة محبة الله.

وعرف حنانيا
المصلي، أن الرب يسوع لم يرسله إلى شاول ليفتح عينيه الجسديتين فقط بواسطة قوة وضع
الأيادي على رأسه، بل علم أن غاية هذه المعاملة الطقسية هي الامتلاء بالروح القدس
وحلول الغفران وتحقيق السلام مع الله والتفويض للخدمة والتقوي للمحبة في سلطان
التواضع. فلم يستطع بولس أن يخرج هذه الفضائل من نفسه، ولا من ثقافته ولا من
عنصرية قومه، بل المسبح أرسل إليه أخاً بسيطاً ممتلئاً بالروح القدس، لكيلا يتفاخر
أحد.

وعندئذ وضع
حنانيا الغير مثقف يديه على رأس شاول الفقيه. وفي الحال أبصر الأعمى وامتلأ طالب
الله بروح الرب. ولا يستطيع إنسان أن يفسر هذه اللحظة في تاريخ بولس إلا بما قاله
لوقا الطبيب، إنه وقع من عينيه شيء كأنه قشور. فأدرك فجأة أن الدان الأزلي هو أبوه
السماوي. والمصلوب المحتقر هو حمل الله الوديع. وأن الروح القدس هو محبة الله
بالذات. والمسيح المقام هو رجاء المجد المنتظر الآتي قريباً. ففي هذه اللحظة تحقق
خلاص المسيح في التائب. فصار قلبه منوراً كأن لمبة كهربائية قد أشعت في قبو دامس.

وبعد
معموديته بالروح القدس، مارس شاول معمودية الماء أيضاً، لأنه أراد إطاعة كل كلمات
المسيح. وشهد أمام أعضاء الكنيسة وكل العالم، أنه ترك الحياة القديمة والمذهب
المتجمد، وقد دخل إلى الحياة الأبدية، وثبت في العهد الجديد. فاعتبر شاول ن ماضيه
قد دُفن، وقام إنسان جديد اسمه بولس الصغير.

ونقرأ بعدئذ
شيئاً مفرحاً، أن المفدي لم يبتدئ بتسابيح متحمسة، ولم ينفجر بشلال التكلم
بالألسنة، بل طلب أكلا عادياً وتغذى جيداً، لأنه صام ثلاثة أيام بلياليها ولم يشرب
شيئاً. ولكن بعد ما تصالح مع الله، صح جسده ونفسه في تيار الروح القد، وصار
إنساناً عادياً. ولم يكمل بولس مسيره بزهد وتقشف، بل أكل وشرب وعاش لربه الحي.

الصلاة: أيها الرب
يسوع، نشكرك لأنك أرسلت حنانيا لتملأ شاول بوضع الأيادي بالروح القدس. قدنا إلى
التوبة الحقة والرجوع إليك بصدق. لكي يملأنا روحك اللطيف، ونصبح شاحنات مفعمة
باسمك وفضائلك.

6 – تبشير
شاول في الشام واضطهاده من اليهود (9: 19 – 25)

9: وَكَانَ
شَاوُلُ مَعَ ٱلتَّلامِيذِ ٱلَّذِينَ فِي دِمَشْقَ أَيَّاماً. 20
وَلِلْوَقْتِ جَعَلَ يَكْرِزُ فِي ٱلْمَجَامِعِ بِٱلْمَسِيحِ «أَنْ
هٰذَا هُوَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ». 21 فَبُهِتَ جَمِيعُ
ٱلَّذِينَ كَانُوا يَسْمَعونَ وَقَالُوا: «أَلَيْسَ هٰذَا هُوَ
ٱلَّذِي أَهْلَكَ فِي أُورُشَلِيمَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ بِهٰذَا
ٱلِاسْمِ، وَقَدْ جَاءَ إِلَى هُنَا: لِيَسُوقَهُمْ مُوثَقِينَ إِلَى
رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ؟». 22 وَأَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ يَزْدادُ قُّوَةً،
وَيُحَيِّرُ ٱلْيَهُودَ ٱلسَّاكِنِينَ فِي دِمَشْقَ مُحَقِّقاً «أَنَّ
هٰذَا هُوَ ٱلْمَسِيحُ». 23 وَلَمَّا تَمَّتْ أَيَّامٌ كَثِيرَةٌ
تَشَاوَرَ ٱلْيَهُودُ لِيَقْتُلُوهُ، 24 فَعَلِمَ شَاوُلُ بِمَكِيدَتِهِم.
وَكَانُوا يُرَاقِبُونَ ٱلأَبْوَابَ أَيْضاً نَهَاراً وَلَيْلاً
لِيَقْتُلُوهُ. 25 فَأَخَذَهُ ٱلتَّلامِيذُ لَيْلاً وَأَنْزَلُوهُ مِنَ
ٱلسُّورِ مُدَلِّينَ إِيَّاهُ فِي سَلٍّ.

حيثما يعم
الروح القدس تملك المحبة في الكنيسة، ويجري التبشير بين الذين لا يعرفون الرب
يسوع. فقد اشترك شاول أياماً في حياة الكنيسة مع التعمق في الأسفار المقدسة والشكر
لله. فظهرت له بصيرة العهد الجديد في النبوات القديمة جلياً.

ولم يقدر
شاول أن يخبئ كنز اختباراته من التقائه بالمسيح. وكان معروفاً في كنيس اليهود
كسفير المجلس الأعلى في أورشليم. فتقدم وسط الكنيس وبشر بيسوع علانية ولم يكتف كما
عمل الرسل في أول تبشيرهم بأن يبين الناصري كرجل الله أو نبياً عظيما أو المسيح
الموعود، بل قد رأى شاول مجد يسوع فشهد له أنه إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق،
ذو جوهر واحد مع الآب. فهذه الشهادة سببت ثورة روحية وطعنت في إيمان اليهود
المتجمد بوحدانية الله، لأن كل لفظة أن لله ابناً، تحسب عند اليهود تجديفاًوكفراً.
أما شاول فشهد من أول يوم بتبشيره عن حقيقة الثالوث الأقدس، لأنه قد سمع صوت يسوع،
وعاين مجده، وأدرك أن الإنسان يسوع هو ابن الله بالذات. ولم يشك ثانية في هذه
الحقيقة، ونادى بها ضد كل تقاليد وتفاسير وعقائد أخرى. وصرح بولس أن أبوة اله ليست
فكراً غريباً، بل هكذا الله وهكذا فقط. ولا يوجد إله آخر إلا الآب والابن والروح
القدس. فالإيمان الميت بالوحدانية المجردة هو تخيل غريب بدون عصارة حياة ولا قوة.
وإلهنا محبة ويحققها في الشركة بين الآب والابن والروح القدس الإله الواحد.فمن
يرفض الابن لا يعرف الله. ومن لا يؤمن بالآب السماوي لم يحصل على الروح القدس بعد.

وبرهن شاول
الفقيه المثقف والممتلئ بالروح القدس لليهود العصاة الناقدين، أن يسوع الناصري هو
المسيح الحق وأن كل اليهود خطاة، لأنهم قتلوا ابن الله، المرسل إليهم. فلم يباحثهم
شاول بأمور ثانوية، بل تقدم إلى لب القضية. ولم يبشر بولس بمسيح حبيب ينعم على كل
مستمعيه ويباركهم بلا قيد ولا شرط. بل طلب الخضوع للملك المسيح. لأن ربه عارض
طريقه بسلطة نوره الساطع، وأراه أن بره الغيور باطل، وأن النعمة وحدها هي أساس
حياته.

واليهود في
دمشق فزعوا وتحيروا، لأنهم رجوا أن يرسل إليهم سفير المجلس الأعلى حليفاً، ليقضوا
على الحركة اليسوعية النامية في طائفتهم. أما الآن فبرهن هذا الفقيه، أن يسوع هو
المنتصر والرب الحي. فليس أحد من اليهود المتزمتين استطاع أن يغلبه. ويعد أيام
كثيرة ازداد عدد المؤمنين بالمسيح من اليهود، وصاروا تلاميذ لبولس، وتحمسوا
بنشاطه. فقرر المسؤولون في الكنيس اليهودي قتل بولس. فاضطر للاختفاء حيث دخل
جواسيس اليهود إلى بيوت المؤمنين كأصدقاء أوفياء. وكان لهم تأثير على رؤوساء
الدينة. حتى أنهم اشتركوا مع حراسها في حراسة أبواب المدينة. لكيلا يقدر شاول على
الهرب.

وهكذا اختبر
الشاب المؤمن لأول مرة، أن لنشر الإنجيل رد فعل، القبول والرفض، الشكر واللعنة،
المحبة والبغضة. فلم يقرر شاول البقاء في دمشق، قائلاً لنفسه: الآن علي البقاء هنا
مهما كلف الأمر، وأموت للمسيح شهيداً. ولكنه اتفق مع الإخوة الممنين على أن يدلوه في
السلة من السور ليلاً. وقبل أسابيع كان قد جاء إلى دمشق كفارس فخور. والآن صار
لاجئاً، عليه أن يغادر مدينة الواحة حالاً. وكما كان قلبه سابقاً بارداً قاسياً
وغيوراً للناموس، صارت الآن محبته للمسيح في صميم فؤاده ملتهبة. قوة الروح القدس
دفعت رسول الأمم إلى كل العالم.

الصلاة: يا ابن
الله، نسجد لك، ونكرس لك قلبنا وأذهاننا. ونشكرك لأنك أعلنك لنا أباك السماوي،
ومحوت الذنوب، ومسحتنا بروحك القدوس. احفظنا في اسمك، وادفعنا للتبشير بإنجيلك،
ليدرك كثيرون اسمك والآب الحنون.

7 – اللقاء
الأول بين بولس والرسل في أورشليم (9: 26 – 30)

9: 26
وَلَمَّا جَاءَ شَاوُلُ إِلَى أُورُشَلِيمَ حَاوَلَ أَنْ يَلْتَصِقَ
بِٱلتَّلامِيذِ، وَكَانَ ٱلْجَمِيعُ يَخَافُونَهُ غَيْرَ مُصَدِّقِينَ
أَنَّهُ تِلْمِيذٌ. 27 فَأَخَذَهُ بَرْنَابَا وَأَحْضَرَهُ إِلَى ٱلرُّسُلِ،
وحَدَّثَهُمْ كَيْفَ أَبْصَرَ ٱلرَّبَّ فِي ٱلطَّرِيقِ وَأَنَّهُ
كَلَّمَهُ، وَكَيْفَ جَاهَرَ فِي دِمَشْقَ بِٱسْمِ يَسُوعَ. 28 فَكَانَ
مَعَهُمْ يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ فِي أُورُشَلِيمَ وَيُجَاهِرُ بِٱسْمِ
ٱلرَّبِّ يَسُوعَ. 29 وكَانَ يُخَاطِبُ وَيُبَاحِثُ ٱلْيُونَانِيِّينَ،
فَحَاوَلُوا أَنْ يَقْتُلُوهُ. 30 فَلَمَّا عَلِمَ ٱلإِخْوَةُ أَحْدَرُوهُ
إِلَى قَيْصَرِيَّةَ وَأَرْسَلُوهُ إِلَى طَرْسُوسَ.

لم يكتب
لوقا لنا سيرة الرسل بالتدرج والتفصيل، بل أخذ من اختبارات الأفراد ما وافق موضوع
كتابه، لأن شعار سفره ليس أعمال الرسل بالتسلسل وبدون نقص، بل بالحري مسير الإنجيل
من أورشليم إلى روما.

فلم يخبرنا
الطبيب كلمة واحدة عما عمل بولس في السنوات، التي تلت هروبه من دمشق، لأنه في
الرسالة إلى غلاطية (1: 17-24) كتب الرسول بذاته، أنه بقي ثلاث سنوات بعدئذ في
العالم العربي. والأغلب أنه تعلم هناك العربية، واشتغل بيديه وبشر بالإنيل. ولكننا
لا نعلم أين قضى هذه الفترة من الزمن، وهل أسس هناك كنائس؟ أو هل اختفى من جواسيس
المجلس الأعلى اليهودي؟ أو هل بشر أعضاء العهد القديم في هذه المناطق العربية؟

إنما نعلم
أنه بعد ثلاث سنوات تقريباً، تقدم إلى أورشليم وحاول أن يتصل بالرسل. ولكن يا
للأسف! لم يرد أحد رؤيته، لأنهم لم ينسوا الأموات الذين قتلهم. وربما فكر البعض أن
اهتداءه أمام الشام حيلة، ليتسرب إلى قلب الكنيسة، ويقبض على الرسل،ويلاشي الحركة
اليسوعية. فلا تتعجب أيها الأخ العزيز المهتدي إلى المسيح، إن كنت لا تختبر شيئاً
مختلفاً عما اختبره شاول. فمن الممكن أن المسيحيين لا يقبلونك أو لا يثقون بك
ويخافونك، وبنفس الوقت تضطهدك عائلتك وأصدقاؤك السابقون. اقبل هذه الضيقات في
الفترة الانتقالية، كمرحلة امتحان إيمانك من ربك، حتى تتعلم الثقة التامة فيه.
لأنه ملعون الإنسان، الذي يتكل على الناس، ويجعلهم ذراعه.

أما يسوع
فإنه لم يترك عبده البتة، بل وضع على قلب برنابا المؤمن القبرصي، ليتصل بالمضطهد
السابق، ويصغي إلى شهادته ويثق بعدوه، ويؤمن بحقيقة ظهور المسيح له أمام الشام،
ويتيقن من تجديد ذهنه. فتجرأ أخيراً وتوسط بين الرسل وشاول كشبين له،وفتح له الباب
المؤدي إلى الإخوة. فأصبح برنابا الجسر بين المتجدد والكنيسة. وهكذا سيوقف المسيح
بجانبك إخوة أفراداً، يثقون بك سنوات طويلة، ويحتملونك بأمانة وإخلاص. ولكن انتبه،
فليسوا هم الفداة لك، بل المسيح هو مخلصك وربك ومكملك. فعليه ثقتكوحده.

وشهد شاول
أمام بطرس ويعقوب، أن الرب ظهر له، وأنه رأى مجده بعينيه. وسمع صوته المخترق
أحشائه. وكيف بشر باسم يسوع بعدئذ، كمدعو مفوض من الرب بكل مجاهرة في الشام وبلدان
العرب. وكيف اضطهده اليهود وهددوه بالقتل. فبهذه الشهادة والأبحاث الويلة نمت
علاقة الثقة بين الرسل الأصليين ورسول الأمم الجديد. فغفروا له خطية القتل
السابقة، وسامحوه بالضيق والدموع، التي سببها لأعضاء الكنيسة، لأنهم غفروا له كما
الرب غفر لهم. والثقة التي تأسست في تلك الأيام بين رجال المسيح، بقيت ثابتة حت في
الأوقات التي هزت فيها الأسئلة المبدئية عن البر والناموس والخلاص بالنعمة أسس
الكنيسة. فكانت هذه الفترة القصيرة، وهي خمسة عشر يوماً التي التقى بها شاول مع
الرسل، بالغة الأهمية بتطوير المسيحية، حتى لا تنشق إلى مسيحية يهودية وأممية، بل
عاشوا واحداً في المسيح في روح واحد وقوة واحدة.

وبنفس الوقت
تباحث بولس الضليع في الناموس مع اليهود اليونانيين المفكرين، الذين أوقعوا
استفانوس قبلئذ في الفخ. ولما فند بولس المثقف كل انتقاداتهم، وبرهن لهم من
التوراة، أن يسوع هو المسيح الموعود وابن الله في الجوهر، جنوا وقصدوا قتله
واعتبروه مرتداً مستحقاً الإبادة بدون شفقة.

أما الرسل
وأعضاء الكنيسة، فقد ألحوا على بولس أن يسافر، لكيلا يحدث مرة أخرى اضطهاداً
صارماً على الكنيسة. ورافقوه إلى قيصرية على البحر. فأبحر إلى طرطوس بلده الواقعة
في جنوب آسيا الصغرى، وعاش هناك مدة طويلة. وربما بشر من هنالك في محيه وفي سوريا،
ولكن ليس عندنا علم أكيد بذلك (غلاطية 1: 21).

الصلاة: أيها الرب
يسوع، نشكرك لأنك أنت أساس المبتدئين في الإيمان وحمايتهم ورجائهم. علمهم أن
ينظروا إليك فقط رئيساً لإيمانهم ومكمله.

8 – عظائم
المسيح على يد بطرس (9: 31 – 43)

9: 31
وَأَمَّا ٱلْكَنَائِسُ فِي جَمِيعِ ٱلْيَهُودِيَّةِ
وَٱلْجَلِيلِ وَٱلسَّامِرَةِ فَكَانَ لَهَا سَلامٌ، وَكَانَتْ تُبْنَى
وَتَسِيرُ فِي خَوْفِ ٱلرَّبِّ، وَبِتَعْزِيَةِ ٱلرُّوحِ
ٱلْقُدُسِ كَانَتْ تَتَكَاثَرُ. 32 وَحَدَثَ أَنَّ بُطْرُسَ وَهُوَ
يَجْتَازُ بِٱلْجَمِيعِ نَزَلَ أَيْضاً إِلَى ٱلْقِدِّيسِينَ
ٱلسَّاكِنِينَ فِي لُدَّةَ، 33 فَوَجَدَ هُنَاكَ إِنْسَاناً ٱسْمُهُ
إِينِيَاسُ مُضْطَجِعاً عَلَى سَرِيرٍ مُنْذُ ثَمَانِي سِنِينَ، وكَانَ
مَفْلُوجاً. 34 فَقَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «يَا إِينِيَاسُ، يَشْفِيكَ يَسُوعُ
ٱلْمَسِيحُ. قُمْ وَٱفْرُشْ لِنَفْسِكَ». فَقَامَ لِلْوَقْتِ. 35
وَرَآهُ جَمِيعُ ٱلسَّاكِنِينَ فِي لُدَّةَ وَسَارُونَ ٱلَّذِينَ
رَجَعُوا إِلَى ٰلرَّبِّ.

ونجد للعدد
(31) أهمية كبرى، لأن لوقا كتب لنا بكلمات موجزة، أن كنيسة المسيح انتشرت رغم
الاضطهاد، في كل المناطق المعروفة باسم فلسطين، التي تجول يسوع فيها. وحتى في
المنطقة الجبلية الجليل، قامت كنائس، لا نعرف من أسسها.

ولما رجع
شاول إلى المخلص يسوع فقد الاضطهاد ضد المسيحيين قوته الدافعة، لأن الفقهاء كانوا
نظريين، واكتفوا بموت استفانوس، كإنذار مخيف للعامة. وبما أن بولس بقي ثلاث سنوات
بعيداً عن أورشليم، وتوقف الاضطهاد مدة. وكانت البغضاء كالنار الخمدة المخبأة تحت
الأرض، لكنها لم تنشب جهراً، ولم تضطهد المؤمنين علانية.

فاستراحت
الكنائس فيما بين الشام والجليل وعلى شاطئ البحر، وبنيت داخلياً في المحبة والتعمق
والصبر والتضحيات والشركة، بل خوف الرب بقي فيهم كرأس الحكمة. ففرح المسيحيين
ومحبتهم لله الثالوث الأقدس مرتبطة بالوقار أمام القدوس وإذا سمينا اله أبانا بشكر
وحمد، فلا ننسى الطلبة الأولى في الصلاة الربانية: ليتقدس اسمك.

وحيث تعيش
الكنائس أمام الله في المحبة، وتمتلئ بالروح القدس، يجري التبشير تلقائياً. فلا
تحتاج هذه النهضة إلى اجتماعات انتعاشية خاصة، لأن كل مؤمن هو نور في الظلمة. وكل
ثابت في الرب ككوكب متلألئ في الليل الدامس، مرشداً الطريق إلى اللاص. وحيث يدمج
الروح القدس شهادة السلوك بقوة الكلمة تمسح تعزيته القلوب المضطربة الخائفة من
دينونة الله. وحيث يدلنا بشرى الإنجيل على المصلوب، فهناك تتكلل التوبة ببر
الإيمان المختوم بحلول الروح القدس في المؤمن. فالروح القدس نفسه هو دافع اتبشير،
ويتكلم للأفراد بواسطة المؤمنين المتجددين، حتى أن الكنائس لتزداد بفاعلية قوته:
فكيف الحال في كنيستكم؟ وهل تحبون بعضكم بعضاً؟ هل ثبتم في المسيح محوركم؟ وهل
تعلن شهادتكم المشتركة إلى كل الناس في قوة المعزي الإلهي؟

وفي الفترة
التي استراحت فيها الكنيسة من الاضطهاد، ترك بطرس أورشليم مركز المسيحية، وزار كل
الكنائس في الشمال والجنوب، في الشرق والغرب. ونزل أيضاً إلى شاطئ البحر، ووصل إلى
المدن القريبة من يافا اليوم.

وفي لدة
وجدت شركة للقديسين، لأن الرب اختارهم من العالم، وأخذهم خاصة له. فطهرهم بدم
المسيح، وامتلأوا بالروح اللطيف. هكذا أصبحوا قديسين بالنعمة بالإيمان بالمسيح،
الذي خلصهم وثبتهم وقدسهم، وحفظهم في محبته.

ورغم هذه
الامتيازات كان بينهم مرض وتجارب وضيق. فأحد المؤمنين كان منذ ثماني سنوات
مفلوجاً. وقد سمع بطرس عنه، وبحث عن بيته، وزاره كراع أمين لرعويته، وكلمه عن
المسيح. وتعمقوا في هذا الاجتماع مع الإخوة في التوراة وصلوا معاً، واعترفوا ي
دعائهم بخطاياهم. فأكد بطرس للمفلوج غفران ذنوبه. وقال له: ايها الأخ، يشفيك يسوع
المسيح. وبهذه الجملة لخص بطرس الإنجيل كله، واعترف جهراً بأن الناصري يسوع هو
المسيح الحق، الذي دُفع إليه كل السلطان في السماء وعلى الأرض. وتجري منه قوى
الخلص والشفاء بواسطة المؤمن وإلى المؤمنين، كما قال المسيح: كل من يؤمن بي كما
قال الكتاب، تجري من بطنه أنهار مياه حية.

وإينياس
المريض سمع وآمن، ووثق بالرسول وأطاع أمره. وقام ولف فراشه المبلول بالدموع، وجلس
مع المجتمعين عنده للشركة في الصلاة، وعظموا ربهم. وكل المؤمنين في الساحل، الذين
عرفوا هذا الأخ المؤمن في صبره. تهللوا وفرحوا. وأذاعوا الخبر، أن يس بطرس هو الذي
أنشأ عجيبة، بل المسيح تدخل في شفاء الكنيسة لأن الرب الحي مجد اسمه بآيات وعجائب
متعددة.

الصلاة: أيها الرب
يسوع، نشكرك لنمو كنيستك. ونعظمك لأجل قوتك العاملة في خدامك. ونطلب لأجل إيماننا
الضعيف. اغفر آثامنا، وطهرنا من كل خبث. واشف فتورنا، واجعلنا راكضين في سبيلك.

9: 36
وَكَانَ فِي يَافَا تِلْمِيذَةٌ ٱسْمُهَا طَابِيثَا، ٱلَّذِي
تَرْجَمَتُهُ غَزَالَةُ. هٰذِهِ كَانَتْ مُمْتَلِئَةً أَعْمَالاً صَالِحَةً
وَإِحْسَانَاتٍ كَانَتْ تَعْمَلُهَا. 37 وَحَدَثَ فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ
أَنَّهَ مَرِضَتْ وَمَاتَتْ، فَغَسَّلُوهَا وَوَضَعُوهَا فِي عِلِّيَّةٍ. 38
وَإِذْ كَانَتْ لُدَّةُ قَرِيبَةً مِنْ يَافَا، وَسَمِعَ ٱلتَّلامِيذُ أَنَّ
بُطْرُسَ فِيهَا، أَرْسَلُوا رَجُلَيْنِ يَطْلُبَانِ إِلَيْهِ أَنْ لا يَتَوَانَى
عَنْ أَن يَجْتَازَ إِلَيْهِمْ. 39 فَقَامَ بُطْرُسُ وَجَاءَ مَعَهُمَا. فَلَمَّا
وَصَلَ صَعِدُوا بِهِ إِلَى ٱلْعِلِّيَّةِ، فَوَقَفَتْ لَدَيْهِ جَمِيعُ
ٱلأَرَامِلِ يَبْكِينَ وَيُرِينَ أَقْمِصَةً وَثِيَاباً مِمَّا كَانَتْ
تَعْمَلُ غَزَالَة وَهِيَ مَعَهُنَّ. 40 فَأَخْرَجَ بُطْرُسُ ٱلْجَمِيعَ
خَارِجاً، وَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَلَّى، ثُمَّ ٱلْتَفَتَ إِلَى
ٱلْجَسَدِ وَقَالَ: «يَا طَابِيثَا، قُومِي!» فَفَتَحَتْ عَيْنَيْهَا.
وَلَمَّا أَبْصَرَتْ بُطْرُسَ جَلَسَت، 41 فَنَاوَلَهَا يَدَهُ وَأَقَامَهَا.
ثُمَّ نَادَى ٱلْقِدِّيسِينَ وَٱلأَرَامِلَ وَأَحْضَرَهَا حَيَّةً. 42
فَصَارَ ذٰلِكَ مَعْلُوماً فِي يَافَا كُلِّهَا، فَآمَنَ كَثِيرُونَ
بِٱلرَّبِّ. 43 وَمَكَثَ أَيَّاماً كَثِيرَة فِي يَافَا، عِنْدَ سِمْعَانَ
رَجُلٍ دَبَّاغٍ.

أمر يسوع
رسله قبل سنين عديدة بالكرازة قائلا: أكرزوا قائلين فقد اقترب ملكوت السموات.
اشفوا مرضى. طهروا برصاً. أقيموا موتى. أخرجوا شياطين. مجاناً أخذتم مجاناً اعطوا
(متى 10: 7-8). ومنح يسوع لرسله السلطان أن يمارسوا هذه الأعمال باسمه في انسجام
كامل معه. ففي أعمال الرسل تحققت إرادة يسوع. والروح القدس أرشدهم لتمجيد الابن
وتحقيق مملكة محبته.

وكانت
تلميذة في يافا، قد ماتت. وهنا نقرأ للمرة الأولى والوحيدة، في كل الكتاب المقدس
كلمة تلميذة تطلق على إحدى المؤمنات بالمسيح. واسم التلميذة طابيثا الذي معناه
بالعربية غزالة. وكانت هذه الأخت تتمتع بالخلق الكريم والوداعة. فلا تسار بالنميمة
بين الجيران، بل تسارع لمساعدة المرضى. ونظفت بيوت العجائز، وساعدت في تربية
الأولاد عند الأمهات المتعبات. ورحمت الأرامل في الكنيسة، اللواتي عشن في ضيق
كبير. فضحت غزالة بكثير من ممتلكاتها. وعملت يداها بالتطريز في فراغها، مصلية أثاء
أشغالها اليدوية، ليطرز المسيح اسمه في قلوب أعضاء الكنيسة ويصبحوا معاً بساطاً
جميلاً لتمجيد اسمه.

وفجأة ماتت
القديسة. ولم تكن العادة عندهم وضع المتوفي في العلية. ولكنهم فضلوا ذلك، ليقدر
الناس أن يأتوا إليها أفواجاً، ويبكوا ذاكرين محبتها وتضحيتها. ايها الأخ إن مت
مرة هل سيبكون عليك، لأجل أعمالك الصالحة المضحية؟ أو هل سيلعنونك، أنك عشت أنانياً
قاسياً غير مضح.

وشيوخ
الكنيسة سمعوا، أن بطرس مقدام الرسل كان قريباً من مدينتهم. فطلبوا إليه أن يعزي
الحزانى، ويساعد الحاضرين في مأساتهم، لأن الفقيدة انتظرت مثلهم مجيء المسيح
الثاني، ورجت لقائه في أيام حياتها. فصارت الصدمة في الكنيسة كبيرة، لأن إحى
فاضلات الكنيسة قد ماتت قبل مجيء المسيح.

وسمع بطرس
الدعوة، وذهب رأساً حوالي 18 كيلو متر من لدة إلى يافا مصلياً، ليعزي الكنيسة.
وتذكر بطرس، وتصور كيف دخل الرب يسوع إلى بيت يايروس، حيث كانت النساء يلطمن،
ويحلشن شعورهن، ودخل إلى غرفة البنت الميتة، فأحياها. حيث طرد كل الباكي وأقامها
بقوله: يا بنتي قومي.

وفي جو هذه
التصورات، دخل بطرس إلى بيت غزالة. وقد حزن في قلبه، لما سمع صراخ النساء. واستاء
من سلطة الموت بين المؤمنين الأحياء في المسيح. فطرد كل الباكين من الغرفة، وجثا
منفرداً وصلى مؤمناً. فقاد الروح القدس دعاءه ليطلب من يسوع إقاة التلميذة. ولما
أيقن بطرس، أن يسوع سيمجد في هذه الساعة اسمه، لم يبتدئ بحركات غريبة وتمتمة
ساحرة، بل نطق نفس الكلمات التي قالها يسوع لبنت يايروس: يا طابيثا قومي.

وللعجب!
فإنه لم يذكر اسم يسوع علناً، لكنه بالقوة الإلهية أقامها بنفس الكلمات التي استخدمها
الرب سابقاً. ولا شك أن مقدام الرسل لم يقم الميتة باسمه الخاص، لأنه ليس إنسان
فان يقدر أن يغلب الموت من تلقاء نفسه. المسيح وحده فاز على هذا لشبح المميت، لأنه
قدوس وثبت بلا خطية دائماً. فإيمان بطرس في المسيح يسوع جرد الموت من قوته، وأعاد
التلميذة إلى الحياة.

وسمعت
المؤمنة صوت يسوع في كلمات الرسول، وفتحت عينيها مندهشة. وجلست وشمت الطيب، ورأت
الأقمطة حول جسدها. وشاهدت الرجل الغريب في غرفتها، مصلياً وناظراً إليها. فبطرس
أمسك بيدها وأجلسها كاملاً، وأوضح لها أن يسوع يريدها، أن تخدمه مدة طولة، لتصبح
في كيانها شهادة حية لانتصار المسيح على الموت في كل مدن الساحل والمناطق حولها.

ولما دخلت
الجموع صامتة فزعة إلى الغرفة وقعوا في حيرة وخجل وبعضهم صلوا، والآخرون جثوا
وسبحوا المسيح غالب الموت. وانتشر الخبر في المدينة وما حولها. وكثير من الناس
جاءوا أفواجاً للدخول في الإيمان، وكسبوا الحياة الأبدية بثقتهم بيسوع رهم. ولكن
لم يثبتوا جميعاً في رئيس الحياة، بل أن عدداً وافراً منهم هو الذي انضم عملياً
إلى الكنيسة. وصار عضواً في جسد الله. ولأجل هذه النهضة الإيمانية بقي بطرس مدة
طويلة في يافا، يخدم الكنيسة المزدهرة.

وللعجب أن بطرس
لم ينزل في أفخم بيوتات الطائفة بل سكن عند دباغ محتقر، وبيته ممتلئ برائحة الجلود
ووساختها المنتنة. وكان يسكن خارج المدينة حسب القانون آنذاك، حتى لا يتأذى الناس
برائحة مهنته. فأقام بطرس عند هذا الرجل المسكين المؤمن، امكتوب اسمه في السموات.

الصلاة: أيها الرب،
نسجد لك لأجل أعجوبة إقامة الميتة في يافا. ونشكرك لأجل إيمان بطرس، الذي أطاع
إرشاد صوتك. علمنا أن نطيع جذب روحك، لكل خدمة في اسمك. وطهرنا لنخدمك في قوتك.

هل تبحث عن  هوت دستورى قوانين ورسائل مجمع نيقية 01

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي