الإصحَاحُ
التَّاسِعُ عَشَرَ

 

2 – انتعاش
روحي في أفسس وحافظة آسيا الأناضولية (19: 1 – 20)

اَلأَصْحَاحُ
ٱلتَّاسِعُ عَشَرَ : 1 فَحَدَثَ فِيمَا كَانَ أَبُلُّوسُ فِي كُورِنْثُوسَ
أَنَّ بُولُسَ بَعْدَ مَا ٱجْتَازَ فِي ٱلنَّوَاحِي
ٱلْعَالِيَةِ جَاءَ إِلَى أَفَسُسَ. فَإِذْ وَجَدَ تَلامِيذَ 2 سَأَلَهُْ:
«هَلْ قَبِلْتُمُ ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ لَمَّا آمَنْتُمْ؟» قَالُوا
لَهُ: «وَلا سَمِعْنَا أَنَّهُ يُوجَدُ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ». 3
فَسَأَلَهُمْ: «فَبِمَاذَا ٱعْتَمَدْتُمْ؟» فَقَالُوا: «بِمَعْمُودِيَّةِ
يُوحَنَّا». 4 فَقَال بُولُسُ: «إِنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِمَعْمُودِيَّةِ
ٱلتَّوْبَةِ قَائِلاً لِلشَّعْبِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِالَّذِي يَأْتِي
بَعْدَهُ، أَيْ بِٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ». 5 فَلَمَّا سَمِعُوا
ٱعْتَمَدُوا بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ. 6 وَلمَّا وَضَعَ
بُولُسُ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ حَلَّ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ عَلَيْهِمْ،
فَطَفِقُوا يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتٍ وَيَتَنَبَّأُونَ 7 وَكَانَ جَمِيعُ
ٱلرِّجَالِ نَحْوَ ٱثْنَيْ عَشَرَ.

كان ينزل
بولس عادة أثناء سفراته التبشيرية في العواصم ومراكز المواصلات ومحاور التجارة،
عالماً أن من هذه النقط يشع الإنجيل تلقائياً إلى كل النواحي. هكذا أسس كنائس في
انطاكية وقونية وفيلبي وتسالونيكي وكورنثوس. وفي هذه السلسلة الطويلةمن المدن
والمراكز فيما بين أورشليم وروما كانت مدينة أفسس همزة الوصل، التي لم تنفتح
للتبشير بشكل واسع، ولم تتأصل فيها كنيسة قوية حتى ذلك الوقت.

ولما نزل
بولس من السهول الداخلية الأناضولية وصل إلى هذه العاصمة الجميلة الواقعة على
البحر التي لها مدرج يسع خمسة وعشرين ألف شخص. وكان لها حكم ذاتي فوضها به
الرومان. وأهلها كانوا تجاراً ماهرين. وقد أقيم في وسطها هيكل فخم لصنم الآله
أرطاميس المركز الديني للمدينة، الذي يحج إليه الناس زرافات ووحدانا من مختلف
البلاد.

ولما جاء
بولس إلى هذه الحاضرة، وجد اثني عشر رجلاً كانوا متعلقين بتعاليم يوحنا المعمدان،
مما يدلنا على أن لتلك المدينة أهمية دولياً وثقافياً، حيث تصلها مختلف التيارات
الدينية، ويحل فيها عدد من الأجناس، حتى أن البدع الصغيرة مثل مذهبالمعمدان، كانت
تصب فيها. وقد استعد أتباع المعمدان هنالك في شدة التوبة لمجيء المسيح. منكسرين
لكبريائهم فاتحين قلوبهم لرب الإنجيل. ولربما سمعوا من أبلوس أن يسوع الناصري، هو
مسيح الله، الذي مات ودُفن وقام وصعد إلى السماء. والآن ها هم أولاء منتظرون مجيئه
الثاني، مترقبين ظهوره ليلاً نهاراً.

ولاحظ بولس
بسرعة أن الإيمان بالتوبة العاطفية والتعمق في الكتاب المقدس باستمرار والثقة
العقلية بيسوع لا تكفي، لأن هؤلاء التلاميذ كان ينقصهم الروح القدس. فأرادوا أن
يستعدوا بتقواهم الخاصة لمجيء المسيح. ولم يعرفوا سر النعمة جوهر إيمانا. فعلينا
الاعتراف بكل خجل، أن كثيراً من المسيحيين يدرسون الإنجيل، ويقرأون الكتاب المقدس،
ويدخلون الكنائس، ويتوبون بخشوع، ويعرفون كثيراً عن الإيمان، ولكن لم يخرجوا بعد
من عبودية الناموس إلى حرية الخلاص، لأن قوة المسيح تنقصهم.

فمعرفة
حقائق الخلاص وممارسة المعمودية بالماء لا تخلصك، بل الروح القدس الذي يأتي من
الآب والابن. فهدف الإيمان ليس العلم الديني فقط، بل تجديد القلوب والولادة
الثانية. وغاية موت المسيح هي تطهيرنا من الخطايا لننال الحياة الأبدية
اليومبواسطة انسكاب الروح القدس في فؤادنا. فتأكد أيها الأخ العزيز أن هدف العهد
الجديد، ليس الفكر ولا العلم ولا التوبة ولا الندامة ولا التقوى ولا التدين ولا
درس سيرة يسوع، إنما غاية الخلاص هو امتلاؤنا بالروح القدس، الذي هو روح المسيح
الوديع التواضع اللطيف.

وسأل بولس
هؤلاء الرجال الاثني عشر بكل صراحة: هل قبلتم الروح القدس، لما آمنتم بالمسيح؟
وهكذا نسألك شخصياً: هل تسلمت الروح القدس حقاً، أو لا زلت ميتاً في خطاياك؟ لا
تهرب من هذا السؤال، بل قف وأدرك حالك، واعترف بحاجتك، واركع وسلم نفس نهائياً إلى
يسوع الحي. واتحد به بالإيمان في وعوده. انك ستنال قوة متى حل الروح القدس عليك،
وتكون شاهداً له وليس لنفسك بل للذي اشتراك بدمه الثمين خاصة له.

وهذا
التسليم الكلي، تم عند الرجال الاثني عشر في أفسس بواسطة المعمودية على اسم يسوع،
ووضع يدي بولس على رؤوسهم. وعندئذ تسربت قوة الله إلى التائبين، وامتلأوا من روح
الرب. ونقول لك إن تعمدت سابقاً على اسم يسوع، فليس ضرورياً إعادة معمويتك. بل
تمسك بتعميدك، وآمن أن الرب الحي وعدك شخصياً بروحه القدوس. وهو يعطيك حسب إيمانك
طلباتك المواظبة. لأن المسيح نفسه يشاء أن يملأك بفضائله، لتعيش إلى الأبد. وقد
قال يسوع بكل وضوح: اسألوا تعطوا. اطلبوا تجدوا. اقرعوا يُفتح لكم. فاطلب من ربك
انسكاب الروح القدس فيك، فيحل الله في قلبك. ويصبح جسدك هيكلاً للروح القدس.
ويمتلئ فؤادك بمحبة طاهرة، وينطلق لسانك، وتشترك في شوق المرنمين، الممتد في كل
قارات أرضنا. وحمد الله من القلوب الفائضة بالروح هو العلامة الواضحة للمفديين.
فهل يسمع أصدقاؤك وأقرباؤك شكرك للخلاص؟ هل تحب ربك؟ وهل تشكره باستمرار؟ إن كل
كلماتك تتغير إن يثبت الروح فيك. عندئذ لا تمجد ذاتك بل الله. ولا تشهد بقدرتك، بل
تعظم المسيح مخلصك. وكل كلمات بذيئة تزول، وكل كذب يمضي، لأن روح الرب يخلق فيك
قلباً جديداً ولساناً جديداً وخليقة جديدة.

وبجانب
الحمد والتعظيم، يكون الثمر الثاني من انسكاب الروح القدس في قلبك، أن تدرك أسرار
الله أكثر من نبي، وترى فجأة أن الله أبوك. ليس إنسان يستطيع القول أن الخالق
الأزلي، القادر على كل شيء هو أبوه. ومستحيل الفكر أن لله أولاداً، بطرية جسدية.
ولكن المولودين من الروح القدس يعرفون تلقائياً، أنهم ليسوا أناساً طبيعيين فقط،
بل لأجل موت المسيح، حصلوا على حق التبني الإلهي. ودخل فيهم جوهر الله بالنعمة.
ولما أتى الروح القدس إليهم عرفوا قلوبهم وشر كل البشر. ولكن انتصار المسيحأشرق
على كل الظلمة، مانحاً لنا تأكد تبريرنا. حتى نتنبأ أن ملكوت الله يأتي أكيداً
وينتصر نهائياً، لأن القوة الموهوبة لنا هي عربون لمجد عتيد أبدي، غير فانٍ، نام
غالب.

فنسألك مرة
أخرى: هل قبلت الروح القدس؟ هل تحمد الله أبيك، وتمجد المسيح مخلصك بكل قلبك
وسلوكك؟ هل تأكدت من أبوة الله وتترقب مجيء المسيح الثاني؟ عندئذ نؤكد لك، أنك من
مولودي الروح القدس، وواحد معنا في انكسار القلب والمحبة والفرح.

الصلاة: أيها الآب
السماوي، نسجد لك بتهلل، لأنك فديتنا بابنك الحبيب من كل خبثنا، وغفرت لنا خطايانا
كلها، وطهرت ضمائرنا بدم المسيح. وملأتنا بروحك القدوس الطاهر اللطيف. امسح كل شاب
وبنت تطلبك من كل القلب، واملأهم بقدرتك. أن ليس أحد، يقدر أن يخرج روحك من
ذواتهم. فنؤمن بنعمتك وعملك وجريان خلاصك. آمين. تعال أيها الرب يسوع.

19: 8 ثُمَّ
دَخَلَ ٱلْمَجْمَعَ، وَكَانَ يُجَاهِرُ مُدَّةَ ثَلاثَةِ أَشْهُرٍ مُحَاجّاً
وَمُقْنِعاً فِي مَا يَخْتَصُّ بِمَلَكُوتِ ٱللّٰهِ. 9 وَلَمَّا كَانَ
قَوْمٌ يَتَقَسُّونَ وَلا يَقْنَعُونَ، شَاتِمِينَ ٱلطَّرِيقَ أمَامَ
ٱلْجُمْهُورِ، ٱعْتَزَلَ عَنْهُمْ وَأَفْرَزَ ٱلتَّلامِيذَ،
مُحَاجّاً كُلَّ يَوْمٍ فِي مَدْرَسَةِ إِنْسَانٍ ٱسْمُهُ تِيرَانُّسُ – 10
وَكَانَ ذٰلِكَ مُدَّةَ سَنَتَيْنِ، حَتَّى سَمِعَ كَلِمَةَ ٱلرَّبِّ
يَسُوعَ جَمِيعُ ٱلسَاكِنِينَ فِي أَسِيَّا، مِنْ يَهُودٍ وَيُونَانِيِّينَ.
11 وَكَانَ ٱللّٰهُ يَصْنَعُ عَلَى يَدَيْ بُولُسَ قُّوَاتٍ غَيْرَ
ٱلْمُعْتَادَةِ، 12 حَتَّى كَانَ يُؤْتَى عَنْ جَسَدِهِ بِمَنَادِيلَ أَوْ
مَآزِرَ إِلَى ٱلْمَرْضَى، فَتزُولُ عَنْهُمُ ٱلأَمْرَاضُ، وَتَخْرُجُ
ٱلأَرْوَاحُ ٱلشِّرِّيرَةُ مِنْهُمْ.

منذ مجيء
المسيح الأول أصبح شعار تاريخ عالمنا كيان ملكوت الله على الأرض ونموه وإكماله.
وكل التطورات الساسية والثورية والدينينة والاقتصادية، ليست إلا مخاضاً لظهور
ملكوت الله أبينا. وقد دعا يسوع لهذه المملكة الروحية الحاضرة فيه باستتر. فهو
الملك الإلهي ورب الأرباب. ولكنه لم يسيطر الآن على شعوب الأشرار، بل أرسل روحه
اللطيف المنسكب إلى قلوب المصلين. فمنذ هذا الوقت، حضر ملكوت الله مستتراً في
الكنيسة الحقة. وامتد إلى كل القديسين الحامدين أمواتاً وأحياء، لأنهم شعب الله
لحي. ولكنا نترقب وصول المسيح الظاهر، ليتضح لكل خليقة أنه رب المجد، وأن موكب
انتصاره يمر بهتاف في كل البلدان. هل وصل ملكوت الله إلى قريتك ومدينتك ومدرستك؟
إن المسيح قال حيث يجتمع إثنان أو ثلاثة باسمي، هناك أكون في وسطهم.

إن عظات
بولس عن ملكوت الله بمثل هذه الأفكار، كانت طيلة ثلاثة أشهر مواضيع أبحاثه مع
المجتمعين في كنيس اليهود في أفسس. وكل أهل العهد القديم استمعوا بلذة وانتباه.
لأن كل يهودي يترقب انبثاق سلطان الله على الأرض. ولكن بولس تقدم وقال: ل يأتي
الملكوت في المستقبل، بل قد صار. فالملك مولود. وكان حياً، وقُتل وغلب الموت.
وأطفأ غضب الله، ومحا خطايانا، وارتفع إلى أبيه مالكاً وبانياً ملكوته.

لم يناقش
بولس ملكوت الله كموضوع فلسفي، بل أعلنه وطلب الخضوع الكامل له والتسليم إلى الملك
الإلهي. فليس ديننا فكراً تقياً، أو قانوناً مستحيلاً تطبيقه، بل التصاقاً بشخص حي
يسوع المسيح المنتصر على الموت والشيطان.

لم يكن كل
المستمعين في كنيس أفسس موافقين على عظات بولس. ولم يتوبوا جميعاً، بل أن بعضهم
تقسى، وعارضوا الرسول وشتموه جهراً. وللعجب فإن عامة الناس لم يسكتوهم، إنما بقوا
صامتين، وأرادوا مشاهدة الفرقة التي ستغلب. عندئذ قرر بولس الانعزا، لأن كرازة
الإنجيل ليست مسابقة، بل إعلان وخلاص وفداء. فمن يسمع ويطع يخلص. ومن يقبل المسيح
مخلصاً شخصياً يعش إلى الأبد.

وبعض
المستمعين قرروا نهائياً تسليم حياتهم ليسوع، وتبعوه وأرادوا أن يسمعوا أكثر عن
ربهم الحي، فقد أصبحوا تلاميذ. وأفرز بولس هذه الجماعة المستعدة لملكوت الله، من
الشاتمين والسامعين بلا مبالاة، وكون من التلاميذ كنيسة حية.

ولهذه
الغاية استأجر بولس داراً كبيرة مشابهة للجامعة. ولم يعلم المستمعين يوم السبت
فقط، بل وزع كل يوم للجائعين إلى خبز الحياة الغذاء الروحي. ويا للعجب! فإن بولس
كان يشتغل صباحاً وبعد الظهر بيديه لكسب معيشته. ووعظ ظهراً ومساء في أوقت
الاستراحة. فهذا الرجل الطرسوسي كان ملبوساً بمحبة الله وممتلئاً بمواهب النعمة،
وبذل حياته في سبيل ملكوت يسوع. ووعظ واشتغل بولس طيلة سنتين، بكل قوة قلبه وجسده
رغم ضعفه الشخصي. حتى كملت نعمة المسيح في ضعفه.

وكثيرون من
أهل القرى والمدن المحيطة تراكضوا إلى أفسس ليروا هذا الرجل الغريب اليهودي.
وتكلموا عنه في السوق وفي مجالس النساء وحلقات الشبيبة. فكان هو موضوع الأبحاث.
الكل شعروا أن بولس لم يقدم لهم أفكاراً فلسفية فارغة بمثل عليا، بل تجي منه قوة
الله مباشرة إليهم، مزعزعة القلوب ومجددة الناس وخالقة رجاء في اليائسين.

وحدثت عجائب
فائقة. لقد شفى المرضى أيام المسيح بلمس ملابسه. وبمرور بطرس شفى المرضى بفيئه.
وعند بولس خطفوا وزرة مهنته أو منديله، الذي كان يمسح به عرقه. ولما تناوله المرضى
شفوا، إن كانوا قد آمنوا بالمسيح. ولكن انتبه، فلم يقم بولس بعجئب وآيات، بل الله
برهن قدرته وطرد أمراضاً وأرواحاً شريرة من المساكين بواسطة الإيمان بالمسيح، الذي
كان بولس رسوله.

وابتدأ في
محافظة آسيا انتعاش روحي كبير، كما لم يحدث في أي منطقة من حوض البحر المتوسط
قبلا. لقد فكر بولس قبل سنين أن يذهب تلقائياً إلى أفسس لتبشيرها. أما الروح القدس
فمنعه من الذهاب إلى العاصمة. والرسول أطاع جذب الروح، وانقذف إلى أروبا. وللمرة
الثانية رفض التجربة، ولم يبق في أفسس رغم الفرص الإيجابية. بل أتم نذره مطيعاً
لربه. فلهذا أثبت يسوع الحي إطاعة عبده وفتح بواسطته كنوز ملكوته، وأظهر قدرته،
لأن يسوع حاضر وعامل ومخلص حيث يستسلم الناس مطيعين لروحه.

الصلاة: نعظمك أيها
الآب السماوي، لموكب انتصار ابنك، الواصل إلينا اليوم، ونشكرك لأجل القوة الإلهية،
النابعة من الصليب. قدسنا إلى طاعة كاملة. لتكن مشيئتك وليأت ملكوتك عندنا وفي كل
الأرض.

19: 13
فَشَرَعَ قَوْمٌ مِنَ ٱلْيَهُودِ ٱلطَّوَافِينَ ٱلْمُعَّزِمِينَ
أَنْ يُسَمُّوا عَلَى ٱلَّذِينَ بِهِمِ ٱلأَرْوَاحُ
ٱلشِّرِّيرَةُ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ، قَائِلِينَ: «نُقْسِمُ
عَلَيْكَ بِيَسُوعَ ٱلَّذِي يَكْرِز بِهِ بُولُسُ!» 14 وَكَانَ
ٱلَّذِينَ فَعَلُوا هٰذَا سَبْعَةَ بَنِينَ لِسَكَاوَا، رَجُلٍ
يَهُودِيٍّ رَئِيسِ كَهَنَةٍ. 15 فَقَالَ ٱلرُّوحُ ٱلشِّرِّيرُ
لَهُمْ: «أَمَّا يَسُوعُ فَأَنَا أَعْرِفُهُ، وَبُولُسُ أَنَا أَعْلَمُهُ، َأَمَّا
أَنْتُمْ فَمَنْ أَنْتُمْ؟» 16 فَوَثَبَ عَلَيْهِمُ ٱلإِنْسَانُ
ٱلَّذِي كَانَ فِيهِ ٱلرُّوحُ ٱلشِّرِّيرُ، وَغَلَبَهُمْ
وَقَوِيَ عَلَيْهِمْ، حَتَّى هَرَبُوا مِنْ ذٰلِكَ ٱلْبَيْتِ عُرَاةً
وَمُجَرَّحِينَ. 17 وَصَارَ هٰذَا مَعْلُوماً عِنْدَ جَمِيعِ
ٱلْيَهُودِ وَٱلْيُونَانِيِّينَ ٱلسَّاكِنِينَ فِي أَفَسُسَ.
فَوَقَعَ خَوْفٌ عَلَى جَمِيعِهِمْ، وَكَانَ ٱسْمُ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ
يَتَعَظَّمُ. 18 وَكَانَ كَثِيرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُوا يَأْتُونَ
مُقِرِّينَ وَمُخْبِرِينَ بِأَفْعَالِهِمْ، 19 وَكَانَ كَثِيرُونَ مِنَ
ٱلَّذِينَ يَسْتَعْمِلُونَ ٱلسِّحْرَ يَجْمَعُونَ ٱلْكُتُبَ
وَيُحَرِّقُونَهَا أَمَامَ ٱلْجَمِيعِ. وَحَسَبُوا أَثْمَانَهَا فَوَجَدُوهَا
خَمْسِينَ أَلْفاً مِنَ الْفِضَّةِ. 20 هٰكَذَا كَانَتْ كَلِمَةُ
ٱلرَّبِّ تَنْمُو وَتَقْوَى بِشِدَّةٍ.

إن إنشاء
ملكوت الله حرب وكفاح بين السماء وجهنم، بين روح الله وروح الشيطان. فأما أن يفتح
الناس أنفسهم للأرواح الشريرة أو لقوة أبينا السماوي. فنجد ملبوسي جهنم وممتلئي
محبة الله.

وقد حصل بعض
المؤمنين في العهد القديم على القدرة أن يخرجوا باسم الرب الحي أرواحاً شريرة، كما
نعلم هذا من الإنجيل، لأن الشياطين تقشعر من الله القدوس. ولكن اليهود لم يقدروا
أن يسكبوا في المتحرر من الروح الشرير روحاً جديداً. فأصبح المحررون بعض المرات
أكثر شراً مما كانوا قبلاً.

وكان سبعة
شباب هم أولاد لرجل اسمه سكاوا الذي سمى نفسه ادعاء رئيس الكهنة، يتجولون في أفسس
ومحيطها مخرجين أرواحاً نجسة. وهؤلاء الشباب سمعوا عن بولس ولربما شاهدوا، كيف شفى
باسم يسوع وغلب قوات نجسة ففكروا بتجريب استعمال اسم يسوع، ليربوا من وراء قدرته.
فاستخدموا اسم الأسماء كقاعدة للسحر. ولكنهم لم يعرفوا المخلص شخصياً، ولم يلتجئوا
إلى قدرته ولم يؤمنوا به. هذا كان ذنبهم، لأنهم استخدموا اسم يسوع كسحر مجربين
الله.

وروح
الملبوس تحرك رأساً وصرخ بألم قائلاً: أعرف من هو يسوع. واسم بولس ليس غريباً عني.
إن جهنم تعترف وهي تصر بأسنانها، أنها تعلم غالب الشيطان، ولا تستطيع أن تغلبه
بعد، لأن حمل الله قد رفع خطية العالم، وأتم المصالحة بين الله والناس. الأبالسة
تعرف الصليب والمسيح الحي المقام من بين الأموات، وهي عالمة إقبال ساعة الدينونة.
وبولس كان أحد سفراء المسيح، وكلماته معروفة ومسجلة في الدوائر السفلى. وأفكاره لم
تكن باطلة، بل مفعمة القوة لإنشاء مكلوت الله على الأرض.

أيها الأخ،
هل أدركت أن جهنم تعرف يسوع وترتجف منه؟ كثيرون من الناس عمي ويسدون آذانهم ويقسون
قلوبهم ضد الإنجيل. إنهم يسقطون غنمية لأيدي الشيطان. وهجوم الملبوس على السبعة
شباب مجربي الله كان دليلاً على هجوم الشيطان على الذين لم يطمئنا في رحاب المسيح.
فالأرواح لم تجد لها سلطة وقوة وحقاً في بولس وفي أعضاء جسد المسيح الروحي. ولكن
من يبق بعيداً عن المخلص يقف بدون معرفة في دائرة الشيطان، لأن العالم كله قد وُضع
في الشرير. أما المسيح فيتدخل إلى مملكة الشيطان ويحرر الأسرى يخرجهم ظافراً. ومن
يتبع المسيح يختبر أن الغلبة التي تغلب العالم هي إيماننا.

وإن حدث أن
سألك الناس: من أنت؟ فأجب. أنا خاصة يسوع المسيح، متبرر بدمه ثابت فيه. وإن شاء
الرب تختبر بالإيمان في شخصيته، أن الناس يتحررون بواسطة شهادتك من سلطة الشيطان.

ولما سمع
أهل أفسس أن اسم يسوع معروف في جهنم، وأن بولس هو سفير الرب الحي، وقع خوف على كل
المفكرين. وفكروا في حالتهم وحالة أنفسهم، وتأكدوا من إتيان دينونة الله. فتابوا
حقاً وسجدوا ليسوع طالبين السماح والخلاص. ولم يعظموا بولس البتة، ل مجدوا يسوع
المسيح، الذي فك قيود الخطية عن كثيرين في أفسس، وحررهم من كابوس السحر. وقد أتى
هؤلاء المنقذين من السحر، واعترفوا بذنبوهم ومكرهم وأعمالهم الظالمة جهراً أمام
الرسول والشيوخ، ليتخلوا تماماً من كل خبثهم، وليشترك الإخوة الراسخون صلاتهم للرب
أن يحررهم دم المسيح إلى التمام، ويقدسهم الروح القدس تقديساً أبدياً.

أيها الأخ
إن المسيح ما يزال حتى اليوم مخلصاً قادراً أن يخلصك من سلطة الأرواح الشريرة.
ربما استشرت عرافاً مرة، أو اتكلت على نوع من السحر. أو ذهبت إلى شيخ ليرقيك
ويشفيك. أو آمنت بخرزة زرقاء أو إحدى وسائل الشرور الموجودة في محيطك. فنلب إليك
باسم المسيح أن تعترف بهذه الخطايا جهراً أمام الله. وإن أمكن أن تصلي مع خدام
الرب الراسخين، لكي يحررك اسم يسوع من كل أربطة الشيطان. مع العلم أن من يعط
للشيطان اصبعه الصغير عمداً، فإنه يأخذ منه اليد والذراع والجسد كله. ولكن من
يتبمن كل قلبه ويلتجئ إلى يسوع يحرره ابن الله تحريراً كاملاً. فلا تهمل ساعة
خلاصك. اليوم يتحقق انتصار الله فيك إن آمنت بيسوع.

لقد حدثت
طقطقة في جهنم لما أنشئت كنيسة المسيح في أفسس وهرب أفراد من الموت الأزلي إلى
الحياة الأبدية. وإيمان المفديين المشترك وشركة صلواتهم أنزلت قوة كبيرة من المسيح
إلى الكلمة المكروز بها، لأن ليس بسحر ولا بعقول بشرية، ولا بتقوى نموسية يغلب
المسيح ظلام الوثنيين بل بواسطة كلمة عبيده فقط. ولا يمنحك المسيح اليوم قوة أخرى
قادرة أن تغلب العالم غير الإنجيل الشريف. فاملأ فؤادك بكلمة ربك، لكي تثبت في
شركة المصلين، فيحرر المسيح بواسطة خدمتكم المشتركة كثيرين من الملبوسين يثبتهم في
ملكوته. وهذه هي الغلبة، التي تغلب العالم إيماننا.

الصلاة: نسجد لك
أيها الرب يسوع، المنتصر على الموت والشيطان والخطية. أنت القدوس الأزلي، ولم تسقط
في تجربة. اغفر لنا ذنوبنا وحررنا من كل ارتباط شيطاني. ونجنا وكل الذين يطلبونك،
وثبتهم في شركة القديسين. عليك نتكل وإياك نعم. أنت مخلصنا وناصرنا ومكملنا. آمين.

 

3 – الرسول
يخطط لعودته إلى أورشليم وتقدمه من ثم إلى رومية (19: 21 – 22)

19: 21
وَلَمَّا كَمِلَتْ هٰذِهِ ٱلأُمُورُ، وَضَعَ بُولُسُ فِي نَفْسِهِ
أَنَّهُ بَعْدَمَا يَجْتَازُ فِي مَكِدُونِيَّةَ وَأَخَائِيَةَ يَذْهَبُ إِلَى
أُورُشَلِيمَ، قَائِلاً: «إِنِّي بَعْدَ مَا أَصِيرُ هُنَاكَ يَنْبَغِي أَنْ أَرى
رُومِيَةَ أَيْضاً». 22 فَأَرْسَلَ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ ٱثْنَيْنِ مِنَ
ٱلَّذِينَ كَانُوا يَخْدِمُونَهُ: تِيمُوثَاوُسَ وَأَرَسْطُوسَ، وَلَبِثَ
هُوَ زَمَاناً فِي أَسِيَّا.

أطلق
الرومان كلمة آسيا أولاً على إحدى المناطق التابعة لهم في الأناضول. وكانت أفسس
عاصمة هذا الإقليم ومحوراً للمواصلات. ثم بعدئذ أطلقت هذه الكلمة (آسيا) على
القارة الأسيوية كلها، التي لم تعرف بدقة بحدودها ومناطقها وتفصيلاتها إلا من قرن
تقريباً، من باب إطلاق اسم الجزء على الكل.

وفي تلك
المنطقة الأناضولية التي سميت آسيا أولا، بشر بولس زهاء سنتين ونصف، وأشبع الجياع
إلى البر. فنشأت كنيسة حية شعت أنوار محبتها على محيطها، وإلى آخر قرية من
المحافظة دخلت بشرى الخلاص. فأصبحت أفسس المركز الثالث الرئيسي بعد أورشلي
وانطاكية لانطلاق الإنجيل إلى روما. وقد كتب بولس من هذه العاصمة رسالتيه
الغيورتين إلى أهل كورنثوس، وتألم من مشاكلهم مصلياً، حتى أرشد الرب الإخوة هناك
إلى تمييز الأرواح، وحررهم من العقد الفكرية والنفسية.

وفي فترة
بقائه في هذه المدينة قام بولس بمشروع جمع تبرعات لكنيسة أورشليم المحتاجة، وأشرك
الكنائس اليونانية والأناضولية في هذا المشروع الهام، كما نقرأ في رسالته الثانية
الأصحاح 8-9. وبقيت هذه المدينة مئات السنين بعد ذلك محوراً للمسيية، حيث رعى
الرسول يوحنا خراف المسيح هنالك. وذكرها الرب الحي ليوحنا في رؤياه كأم الكنائس في
أولها (رؤيا 2: 1-7). وفي زمن القياصرة البيزنطيين عقدت بأفسس إحدى المؤتمرات
المسكونية سنة 431 ب م.

وفي نهاية
خدمة بولس هنالك سنة 55 إذ شكر المسيح لأجل انتصاره في آسيا الصغرى، وضح الروح
القدس لرسول الأمم، أنه عليه قريباً أن يرجع إلى أورشليم. ليربط الكنيسة الجديدة
بالكنيسة الأولى في القدس.

ولكن بولس
أراد أن يرى أعضاء الكنائس اليونانية المحبوبين مرة أخرى، وخطط في صلوات كثيرة
وبإرشاد الروح القدس للسفر أولاً غرباً نحو روما وبعدئذ إلى الشرق تجاه أورشليم.

وعلم الرسول
أن المدينة المقدسة، ليست هي نهاية المطاف في سفراته التبشيرية، لأن الروح القدس
أعلن له، أن روما ستكون هدفه الأخير. فالإنجيل مندفع من أورشليم إلى روما، ومن
مركز الروح القدس إلى مركز السلطة المدنية، لكي يغلب سلاح البر كل لأسلحة الظالمة.
فما وجدت بلدة ولا حزب ولا دين إلا ويطلب المسيح منه الخضوع. إنه هو الرب وأمامه
ستجثو كل ركبة، مما في السموات وما على الأرض وتحت الأرض، وتعترف كل الألسنة أن
يسوع المسيح هو الرب لمجد الله الآب. فتعظيم هذا الاسم الفريد كان ادافع والضرورة
في رحلات بولس التبشيرية.

ولم يكن
بولس عبقرياً منعزلاً في ملكوت الله، بل خدم مشتركاً مع إخوة كثيرين، الذين هم
يمثلون جسد المسيح الروحي. وليس أحد من الإخوة قادراً على الخدمة دواماً بدون
إخوته الآخرين. فنعترف بأننا محتاجون إلى صلواتك وشركتك، كما أنك تحتاج إل خدمتنا
وابتهالاتنا. فنصلي لأجلك. فهل تصلي لأجلنا عملياً؟ لقد بعث بولس تيموثاوس ممهداً
لسفرته، الذي خدمه بأمانة كابنه. وتيموثاوس هذا الخليط الدم كان همزة الوصل بين
الرسول والكنائس المؤسسة جديداً في أغلب الأحيان. وها هوذا الآن يمهد الطريق لبولس
لسفرته الوداعية الكبيرة.

الصلاة: نشكرك أيها
الرب المسيح، لأن ليست السلطة ولا الشيطان يستطيع منع موكب انتصارك. لقد أدخلتنا
إلى رحاب ملكوتك. علمنا الإطاعة لصوت روحك القدوس، لكي نركض حيثما تريد، ونقف
حيثما تشاء.

 

4 – ثورة
صاغة الفضة في أفسس (19: 23 – 41)

19: 23
وَحَدَثَ فِي ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ شَغَبٌ لَيْسَ بِقَلِيلٍ بِسَبَبِ
هٰذَا ٱلطَّرِيقِ، 24 لأَنَّ إِنْسَاناً ٱسْمُهُ
دِيمِتْرِيُوسُ، صَائِغٌ صَانِعُ هَيَاكِلِ فِضَّةٍ لأَرْطَامِيسَ، كَانَ
يُكَسِّبُ ٱلصُّنَّاعَ مَكْسباً لَيْسَ بِقَلِيلٍ. 25 فَجَمَعَهُمْ
وَٱلْفَعَلَةَ فِي مِثْلِ ذٰلِكَ ٱلْعَمَلِ وَقَالَ: «أَيُّهَا
ٱلرِّجَالُ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ سِعَتَنَا إِنَّمَا هِيَ مِنْ
هٰذِهِ ٱلصِّنَاعَةِ. 26 وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ وَتَسْمعُونَ أَنَّهُ
لَيْسَ مِنْ أَفَسُسَ فَقَطْ، بَلْ مِنْ جَمِيعِ أَسِيَّا تَقْرِيباً،
ٱسْتَمَالَ وَأَزَاغَ بُولُسُ هٰذَا جَمْعاً كَثِيراً قَائِلاً: إِنَّ
ٱلَّتِي تُصْنَعُ بِٱلأَيَادِي لَيْسَتْ آلِهَةً. 27 فَلَيْسَ
نَصِيبُنَا هٰذَ وَحْدَهُ فِي خَطَرٍ مِنْ أَنْ يَحْصُلَ فِي إِهَانَةٍ،
بَلْ أَيْضاً هَيْكَلُ أَرْطَامِيسَ – ٱلإِلٰهَةِ ٱلْعَظِيمَةِ
– أَنْ يُحْسَبَ لا شَيْءَ، وَأَنْ سَوْفَ تُهْدَمُ عَظَمَتُهَا، هِيَ
ٱلَّتِي يَعْبُدُهَا جَمِيعُ أَسِيَّا وَٱلْمَسْكونَةِ». 28 فَلَمَّا
سَمِعُوا ٱمْتَلَأُوا غَضَباً، وَطَفِقُوا يَصْرُخُونَ قَائِلِينَ:
«عَظِيمَةٌ هِيَ أَرْطَامِيسُ ٱلأَفَسُسِيِّينَ». 29 فَٱمْتَلَأَتِ
ٱلْمَدِينَةُ كُلُّهَا ٱضْطِرَاباً، وَٱنْدَفَعُوا بِنَفْسٍ
وَاحِدَة إِلَى ٱلْمَشْهَدِ خَاطِفِينَ مَعَهُمْ غَايُوسَ وَأَرِسْتَرْخُسَ
ٱلْمَكِدُونِيَّيْنِ، رَفِيقَيْ بُولُسَ فِي ٱلسَّفَرِ.

30 وَلَمَّا
كَانَ بُولُسُ يُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ بَيْنَ ٱلشَّعْبِ لَمْ يَدَعْهُ
ٱلتَّلامِيذُ. 31 وَأُنَاسٌ مِنْ وُجُوهِ أَسِيَّا – كَانُوا أَصْدِقَاءَهُ
– أَرْسَلُوا يَطْلُبُونَ إِلَيْهِ أَنْ لا يُسَلِّمَ نَفْسَهُ إِلَى
ٱلْمَشْهَدِ. 32 وَكَانَ ٱلْبَعْضُ يَصْرُخُونَ بِشَيْءٍ
وَٱلْبَعْضُ بِشَيْءٍ آخَرَ، لأَنَّ ٱلْمَحْفَل كَانَ مُضْطَرِباً،
وَأَكْثَرُهُمْ لا يَدْرُونَ لأَيِّ شَيْءٍ كَانُوا قَدِ ٱجْتَمَعُوا! 33
فَٱجْتَذَبُوا إِسْكَنْدَرَ مِنَ ٱلْجَمْعِ، وَكَانَ ٱلْيَهُودُ
يَدْفَعُونَهُ. فَأَشَارَ إِسْكَنْدَرُ بِيَدِهِ يُرِيدُ أَنْ يَحْتَجَّ
ِللشَّعْبِ. 34 فَلَمَّا عَرَفُوا أَنَّهُ يَهُودِيٌّ، صَارَ صَوْتٌ وَاحِدٌ مِنَ
ٱلْجَمِيعِ صَارِخِينَ نَحْوَ مُدَّةِ سَاعَتَيْنِ: «عَظِيمَةٌ هِيَ
أَرْطَامِيسُ ٱلأَفَسُسِيِّينَ!».

عزم بولس
على الذهاب إلى أورشليم، ولكنه تباطأ وبقي في آسيا. وقد شاء الرب أن يلقنه درساً
صعباً في الكفاح مع الأرواح وامتحان إيمانه.

كان في افسس
هيكل مشهور للآلهة أرطاميس. وقد انتصب بمئة وستين عموداً مرمرياً على علو تسعة عشر
متراً. وتمثال الآلهة كان مصنوعاً من خشب أسود متين. وكان بولس خلال السنتين
اللتين أقام بهما في أفسس، قد علم أهلها إن كل الآلهة أباطيل، وأن لهياكل فارغة
وبدون معنى. فامتنع المؤمنون بالمسيح عن الاشتراك بالطقوس الأرطاميسية، وهزوا
رؤوسهم إشفاقاً بالذين اتكلوا على أصنام مصنوعة من حجر وخشب مذهب.

وهذا
الابتعاد عن الاعتقاد بالآلهة المتحجرة، سرعان ما لاحظه بياعو التحف والأيقونات
والصاغة الذين كانوا يصنعون هياكل من فضة مصغرة من هيكل أرطاميس العظيم، ويبيعونها
للحجاج بربح كبير. وفي وادي النيل وبلاد الهند اكتشفوا في هذه الأيام بضاً من هذه
النماذج الأرطاميسية الفضية، التي كان يشتريها السواح لحماية أنفسهم، ويأخذونها
معهم إلى بلادهم. ولكن منذ أعلن بولس أن المسيح هو رب الأرباب، اضمحلت أرزاق هؤلاء
الصياغ، لأن كل متجدد يعرف أن الكتابة والخرز وكل ما يستعمله الناس للحماية والحفظ
ليس إلا غروراً وكذباً وخداعاً بلا قوة.

عندئذ جمع
أحد الصاغة وهو موظف في الهيكل أيضاً، واسمه ديمتريوس كل شركائه ووضح لهم خطر
الحالة، وأن الجوع متربص بهم، لأن بولس جذب في بلدهم وسائر البلاد الآسيوية الناس
من التقاليد وإيمان الآباء، قائلاً أن كل الأصنام والصور ليست إلا هبء باطلاً.

وفهم
ديمتريوس زعيم الصياغ، أنه ليست فقط النماذج المصغرة للهيكل باطلة عند بولس، بل
أيضاً الهيكل برمته، مما يؤرث الخطر على المدينة كلها، لأن زعامتها الدينية تضمحل
واقتصادها يخرب. فاعتبر بولس أنه العدو الأكبر لمدينة أفسس العاصمة.

فجن الصناع
العاملون في الصياغة، وانطلقوا راكضين متظاهرين علناً صارخين بتأييد عقيدتهم
«عظيمة هي أرطاميس الأفسسيين». ولما وجد الهائجون زميلي بولس خطفوهما. ولكن لم
يصبهما ضرر، لأن يد الرب حمتهما وسط الهيجان. لم يكن بولس جباناً وأراد أييد
زميليه، فقام للمبادرة إليهما. ولكن التلاميذ المجتمعين للصلاة أخذوه ومنعوه.
عالمين ألا معنى للقول والشهادة أمام جمهور أسكرته التخيلات وتملكه الغرور، فراح
يتدفق كنهر كبير مخيف وسط الشوارع. ففي مثل هذه التيارات الصاخبة يفقد الفرد شخصيه
وتفكيره لمدة، ويلتحم الجميع في روح واحد، يدفعهم بلا روية. فقد صاروا نفساً واحدة،
ليس للخير بل للخراب، وحدة شريرة حسب الروح الذي حل فيهم.

ولعل بولس
الجريء كان رغم ضغط أتباعه عليه مزمعاً أن يدخل إلى المدرج، حيث يجتمع الشعب في
الملمات والأفراح عادة. وكان هذا المكان يسع خمسة وعشرين ألف شخص. وقد أرسل فجأة
المسؤولون عن الهياكل في العاصمة وسائر آسيا الصغرى خبر لبولس، مفاد أن حضوره إلى
المدرج الممتلئ بالناس الساخطين عليه لا ينفع البتة بل يضر، وألحوا على بولس أن
يبقى بعيداً عنهم. أما الشعب في ذلك المدرج فكان يصرخ. وديمتريوس مسبب هذا الهيجان
اختفى، لأن المظاهرة لم تتم بإذن من البلدية. وكان كل هيجان شعبي مموعاً من حكام
الرومان ونظام البلدة. فخاف ديمتريوس من القصاص. والجمهور المجنون هاج بلا قائد في
المدرج الواسع.

عندئذ ابتدأ
اليهود المبغضون لبولس، أن يدفعوا يهودياً آخر إلى الأمام. وكان على الأغلب
مسيحياً، ليدافع عن بولس والكنيسة. فقبض الجمهور على هذا الشاب اسكندر كذبيحة
مقبولة، ورفعوه إلى المنبر في وسطهم. لقد حاول التكلم لأجل الكنيسة، لكن رعان ما
أدرك الجمهور، أن المتلكم ليس بولس بالذات، بل يهودي آخر. فانفجروا وصبوا حقدهم
على اليهود في شخص اسكندر هذا، وزمجروا مدة ساعتين كاملتين بعقيدة إيمانهم صارخين:
عظيمة هي أرطاميس الأفسسيين.

واليوم لا
يعرف أحد هذه الآلهة أرطاميس. فكان الحق مع ديمتريوس الصائغ، الذي قال أن شهرتها
ستزول بسبب انتشار الإنجيل. ولكن آنذاك في ذلك الموقف كان عشرات الألوف مستعدين في
سبيلها، أن يمزقوا اسكندر قطعاً وإرباً. فصلّت الكنيسة وبولس لأج هذا المتضايق
ورفيقاه الاثنين. وبسط الرب يده فوق شهوده، حتى لم تطلهم أيدي الحاقدين، ولم
يصيبوا شعرة من رؤوسهم. إلا أن الهواء ارتج من صراخ الجماهير المتصرفة كوحوش
ملتحمة بروح شرير.

الصلاة: أيها الرب
يسوع المسيح، نشكرك لأن جيش ملكوتك أقوى من جنود الشيطان، ولم يسقط أحد من أولادك
وسط الجماهير الهائجة في أفسس. علمنا الاتكال عليك، لكيلا نخاف من إنسان أو روح،
لأنك اشتريتنا لله خاصة بدمك الثمين.

19: 35
ثُمَّ سَكَّنَ ٱلْكَاتِبُ ٱلْجَمْعَ وَقَالَ: «أَيُّهَا
ٱلرِّجَالُ ٱلأَفَسُسِيُّونَ، مَنْ هُوَ ٱلإِنْسَانُ
ٱلَّذِي لا يَعْلَمُ أَنَّ مَدِينَةَ ٱلأَفَسُسِيِّينَ مُتَعَبِّدَةٌ
لأَرْطَامِيسَ ٱلإِلٰهَةِ ٱلْعَظِمَةِ وَٱلتِّمْثَالِ
ٱلَّذِي هَبَطَ مِنْ زَفْسَ؟ 36 فَإِذْ كَانَتْ هٰذِهِ
ٱلأَشْيَاءُ لا تُقَاوَمُ، يَنْبَغِي أَنْ تَكُونُوا هَادِئِينَ وَلا
تَفْعَلُوا شَيْئاً ٱقْتِحَاماً. 37 لأَنَّكُمْ أَتَيْتُمْ بِهٰذَيْنِ
ٱلرَّجُليْنِ، وَهُمَا لَيْسَا سَارِقَيْ هَيَاكِلَ، وَلا مُجَدِّفَيْنِ
عَلَى إِلَهَتِكُمْ. 38 فَإِنْ كَانَ دِيمِتْرِيُوسُ وَٱلصُّنَّاعُ
ٱلَّذِينَ مَعَهُ لَهُمْ دَعْوَى عَلَى أَحَدٍ، فَإِنَّهُ تُقَامُ أَيَّامٌ
لِلْقَضَاءِ، وَيُوجَدُ وُلاةٌ، فَلْيُرَافِعُوا بَعْضُهُمْ بَعْضاً. 39 وَإِنْ
كُنْتُمْ تَطْلُبُونَ شَيْئاً مِنْ جِهَةِ أُمُورٍ أُخَرَ، فَإِنَّهُ يُقْضَى فِي
مَحْفِلٍ شَرْعِيٍّ. 40 لأَنَّنَا فِي خَطَرٍ أَنْ نُحَاكَمَ مِنْ أَجْلِ فِتْنَةِ
هٰذَا ٱلْيَومِ. وَلَيْسَ عِلَّةٌ يُمْكِنُنَا مِنْ أَجْلِهَا أَنْ
نُقَدِّمَ حِسَاباً عَنْ هٰذَا ٱلتَّجَمُّعِ». 41 وَلَمَّا قَالَ
هٰذَا صَرَفَ ٱلْمَحْفَلَ.

كان رجل
حكيم بجلس في المدرج بين الهائجين، هادئ الأعصاب ومتفهماً شعبه. وهو رئيس البلدية.
ولقبوه بالكاتب. فلم يحاول تكليم الصارخين، بل تركهم للزمجرة والعجيج ساعتين،
مفتكراً أنهم حالما يتعبون يقرعهم تقريعاً. ولما رأى أن الأكثرية قد تعبت في الجو
الحار، قام وابتدأ التكلم، فصمت الجمهور صمتاً كاملاً. وأبرز المسؤول أولاً شهرة
الأفسسيين. وشهد أن الصنم الخشبي الأسود لأرطاميس الآلهة قد هبط من السماء. ولا
ضرورة للمجادلة مطلقاً. كل العالم يعرفه. ولا أحد ينكر هذا الاعتقاد. فالهدوء واجب
ضروري، لكيلا يقع أي عمل متسرع. وهو مستعد للبث بكل التفاصيل.

وبعدئذ بيّن
أن رفيقي بولس والشاب اسكندر، لم يسرقوا شيئاً، ولم يجدفوا على الهياكل، كما اتضح
من التحقيق، الذي أجراه أثناء صراخهم مدة الساعتين. فهؤلاء الثلاثة أبرياء.
والجمهور هو الملام، لأنهم خطفوهم بلا حق.

وبما أن
ديمتريوس زعيم الصاغة لم يقدم شكوى رسمية، والغالب أنه لم يحضر فيما بعد إلى
المحفل، خوفاً من اتهامه بالثورة، فقد طلب الكاتب من جماعة الصياغين أن يتقدموا
إليه بشكوى رسمية، إن كان لهم أية أدلة اتهامية ضد شخص معين. فتسير القضيةبطريقها
القانوني.

واستمر يهدئ
الشعب أكثر فأكثر، إذ لم يمنعهم من تبلور رأيهم العام واتخاذهم قراراً جماعياً، بل
طلب منهم تقديم طلباتهم في اجتماع رسمي يحضره كل الأهالي الذين لهم حق التصويت.
وهذه الأدلة من لوقا تعطينا بصيرة عميقة لكيفية تنظيم المدن في لحضارة اليونانية
أثناء الاستعمار الروماني.

وفي النهاية
هدد رئيس البلدية الجماهير المصغية إلى كلامه، ودلهم على خطر غضب الرومان، الذين
سحبوا من كل مدينة غير مستحقة امتيازات، كما أنهم منحوا لكل جماعة منظمة امتيازات
جديدة. فليس أحد من أهل أفسس أراد أن يكون سبباً لفقدان لطف المعاملة الرومانية،
بل بالعكس فالكل سعوا نحو هذه الغاية وازديادها. فهدأت رؤوس المجانين خلال خطاب
الكاتب الحكيم، وعاد الجميع إلى بيوتهم ككلاب مقعية.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر المزامير خادم المسيح 26

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي