الإصحَاحُ
الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ

 

4 – احتجاج
بولس أمام شعبه (22: 1 – 29)

اَلأَصْحَاحُ
ٱلثَّانِي وَٱلْعِشْرُونَ : 1 «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ
ٱلإِخْوَةُ وَٱلآبَاءُ، ٱسْمَعُوا ٱحْتِجَاجِي
ٱلآنَ لَدَيْكُمْ». 2 فَلَمَّا سَمِعُوا أَنَّهُ يُنَادِي لَهُمْ
بِٱللُّغَةِ ٱلْعِبْرَانِيّةِ َعْطُوا سُكُوتاً أَحْرَى. فَقَالَ: 3
«أَنَا رَجُلٌ يَهُودِيٌّ وُلِدْتُ فِي طَرْسُوسَ كِيلِيكِيَّةَ، وَلٰكِنْ
رَبَيْتُ فِي هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةِ مُؤَدَّباً عِنْدَ رِجْلَيْ
غَمَالائِيلَ عَلَى تَحْقِيقِ ٱلنَّامُوسِ ٱلأَبَوِيِّ. وَكُنْتُ
غَيُوراً لِلّٰهِ كَمَا أَنْتُمْ جَمِيعُكُمُ ٱلْيَوْمَ. 4
وَٱضْطَهَدْتُ هٰذَا ٱلطَّرِيقَ حَتَّى ٱلْمَوْتِ،
مُقَيِّداً وَمُسَلِّماً إِلَى ٱلسُّجُونِ رِجَالاً وَنِسَاءً، 5 كَمَا
يَشْهَدُ لِي أَيْضاً رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ وَجَمِيعُ ٱلْمَشْيَخَةِ،
ٱلَّذِينَ إِذْ أَخَذْتُ أَيْضاً مِنْهُمْ رَسَائِلَ لِلإِخْوَةِ إِلَى
دِمَشْقَ، ذَهَبْتُ لآتِيَ بِٱلَّذِينَ هُنَاكَ إِلَى أُورُشَلِيمَ
مُقَيَّدِينَ لِكَيْ يُعَاقَبُوا. 6 فَحَدَثَ لِي وَأَنَا ذَاهبٌ وَمُتَقَرِّبٌ
إِلَى دِمَشْقَ أَنَّهُ نَحْوَ نِصْفِ ٱلنَّهَارِ، بَغْتَةً أَبْرَقَ
حَوْلِي مِنَ ٱلسَّمَاءِ نُورٌ عَظِيمٌ. 7 فَسَقَطْتُ عَلَى ٱلأَرْضِ،
وَسَمِعْتُ صَوْتاً قَائِلاً لِي: شَاوُلُ شَاوُلُ، لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟
فَأَجَبْتُ: مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟ فَقَالَ لِي: أَنَا يَسُوعُ
ٱلنَّاصِرِيُّ ٱلَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ».

سمى بولس
قتلته إخوة وآباء، ولم يحاسبهم على بغضتهم وتعصبهم، بل أحبهم وسامح جهلهم. وحسب
العهد الجديد ليس عامة اليهود أعضاء في عائلة الله مولودين من الروح القدس، ولكن
حسب الوعود التي جاءت في العهد القديم لقبوا أنفسهم بهذه الألقاب. فخطب رسول الأمم
الجماهير الصامتة بلغتهم الصميمة، وأكرمهم لأجل كرامة آبائهم. وها هي ذي ملابسه
ممزقة وجلده دام، والسلسلتان المقيد بها تخشخشان عند كل حركة من جسده أثناء خطابه.

سمى بولس
خطابه احتجاجاً. فماذا كانت شكاية اليهود عليه؟ لم ينزل الرسول إلى مستوى الاتهام
السطحي، إنه نجس الهيكل الكريم بإدخاله أممي إليه. فهذا كان قولاً تافهاً لا يحتاج
إلى رد، بل تقدم الرسول مباشرة إلى جوهر الاضطهاد الذي وقع عليه،لأنهم قالوا أنه
يعلم الارتداد عن الدين اليهودي، ويعلم بقبول الأمميين غير المختونين في العهد مع
الله. وفي جوابه أرى بولس مستمعيه العبوسين، أنه لم يخترع هو إنجيل النعمة. وما
أراد تبشير الأمم من نفسه، بل أن الرب الحي ظهر له شخصياً وأمره مبشرة بأن يشهد
له. فبولس إذاً ليس هو مبتدع المذهب الجديد، بل الرب المقام من بين الأموات. فتدخل
المسيح في حياة بولس، كان إعلاناً لإنجيل النعمة وتبشير الأمم.

وأبرز في
القسم الأول من خطابه حداثته اليهودية الغيورة. فقد ولد في طرسوس، المدينة النبيلة
اليونانية الأصل. ولكنه تأثر بالدرجة الأولى بمحيطه في أورشليم، حيث طبع بالروح
والحضارة اليهودية.

وهذا
الانتقال والتطور توج بواسطة خضوعه للمعلم العليم غمالائيل، الذي كان قمة لعلماء
التوراة لسنين عديدة. ولم يحفظ الشاب شاول تفاصيل الناموس غيباً فقط، بل حفظها
عملياً وبعنف، وكان شديداً على نفسه وإرادته وجسده. فكان غيوراً لله، مريدً خدمة
القدوس وتكريمه وتعظيمه في اجتهاده الخاص وطاقته البشرية الضئيلة.

فأبغض
المسيحيين كل البغضة، لأنهم اتكلوا على النعمة. ورفضوا الناموس طريقاً لله. وألقوا
رجاءهم بالتمام على محبة القدوس، التي ظهرت في المسيح المعلن نفسه الطريق الوحيد
إلى الآب. فتقرب بولس في غيرته لله وناموسه إلى درجة أنه اضطهد المسييين. ففي
غليان بغضته لم يكتف بإزهاق أرواح الرجال، بل أيضاً أمات نساء، الأمر الذي كان
يحسب في زمنه غير جائز. وإذا لم يصدقه اليهود العائدون من آسيا والمشتكون عليه،
فلهم أن يسألوا رئيس الكهنة والمشيخة كلها عن صحة كلامه.

وهذه الهيئة
كانت قد وكلت الشاب الغيور أن يذهب إلى دمشق، ليبيد اليسوعية. ولكن في طريقه أعلن
له يسوع الناصري ذاته وسط الصحراء القاحلة. ويسوع المجيد الحي الحاضر الذي فكر
بولس أنه قد تفتت واضمحل في القبر بعد صلبه، حطم كل الأسس التي كات في حياة بولس
من امتيازات وألقاب شرف وتكبر. ففي ضوء وجه المسيح ظهرت له الغيرة التقية لأجل
الناموس باطلة. وأظهر شاول المعتد بتقواه عدواً لله.

ولكن العلي
لم يبد في ملء رحمته العدو المتعصب الجاهل، بل سامحه مجاناً، وأعلن له محبته
للكنيسة الحقة، وأنه واحد معها بالروح القدس فبهذا الإعلان دخل عالم وحق جديد إلى
حياة بولس. ولم يتأخر بل خضع رأساً لربه الجديد، وسأله أوامره لينفذه حالاً. فهل
جاءك الرب يسوع بكلمته، وظهر لك مجد شخصيته المجيدة في العهد الجديد؟ وهل استسلمت
له بلا قيد ولا شرط، وأصبحت ثابتاً في كنيسته؟

الصلاة: أيها الرب
يسوع المسيح نسجد لك، لأنك ظهرت لمضطهدك شاول، وغيرته إلى عبد محبتك. غيرنا أيضاً
وكثيراً من طلاب الله إلى صورتك، لكي نعيش لمحبتك.

22: 9
وَٱلَّذِينَ كَانُوا مَعِي نَظَرُوا ٱلنُّورَ وَٱرْتَعَبُوا،
وَلٰكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا صَوْتَ ٱلَّذِي كَلَّمَنِي. 10
فَقُلْتُ: مَاذَا أَفْعَلُ يَا رَبُّ؟ فَقَالَ لِي ٱلرَّبُّ: قُمْ
وَٱذْهَبْ إِلَى دِمَشْقَ، وَهُنَاكَ يُقَالُ لَكَ عَنْ جَمِيعِ مَا
تَرَتَّبَ لَكَ أَنْ تَفْعَلَ. 11 وَإِذْ كُنْتُ لا أُبْصِرُ مِنْ أَجْلِ بَهَاءِ
ذٰلِكَ ٱلنُّورِ، ٱقْتَادَنِي بِيَدِي ٱلَّذِينَ كَانُوا
مَعِي، فَجِئْتُ إِلَى دِمَشْقَ.

12 «ثُمّ
إِنَّ حَنَانِيَّا رَجُلاً تَقِيّاً حَسَبَ ٱلنَّامُوسِ، وَمَشْهُوداً لَهُ
مِنْ جَمِيعِ ٱلْيَهُودِ ٱلسُّكَّانِ 13 أَتَى إِلَيَّ، وَوَقَفَ
وَقَالَ لِي: أَيُّهَا ٱلأَخُ شَاوُلُ، أَبْصِرْ! فَفِي تِلْكَ
ٱلسَّاعَةِ نَظَرْتُ إِلَيْه 14 فَقَالَ: إِلٰهُ آبَائِنَا
ٱنْتَخَبَكَ لِتَعْلَمَ مَشِيئَتَهُ، وَتُبْصِرَ ٱلْبَارَّ، وَتَسْمَعَ
صَوْتاً مِنْ فَمِهِ. 15 لأَنَّكَ سَتَكُونُ لَهُ شَاهِداً لِجَمِيعِ
ٱلنَّاسِ بِمَا رَأَيْتَ وَسَمِعْتَ. 16 وَٱلآنَلِمَاذَا تَتَوَانَى؟
قُمْ وَٱعْتَمِدْ وَٱغْسِلْ خَطَايَاكَ دَاعِياً بِٱسْمِ
ٱلرَّبِّ».

عند وصولهم
إلى مشارف دمشق رأى رفقاء شاول بهاء مجد المسيح. ولكن لم يدركوا المقام الحي، الذي
أشرق نوره بألمع من الشمس. وصوته أيضاً لم يسمعوه. وربما سيكون نظير هذا في قيامة
الأموات، أن المؤمنين المختارين هم الذي يرونه حقاً ويفهمون صوته، لأنهم متعودون
لروح محبته، وحياته ثابتة فيهم. وأما الكفار والسطحيون فإنهم سييأسون من مجده
الدائن. ولا يسمعون صوته، إلا في رعد الدينونة.

وفي تجلي
المسيح ترك بولس رأساً بره الخاص المبني على أعمال الناموس، وآمن بالرب المسيح
ونعمته. وهذا الرب أرسله إلى دمشق، ليمتحن إيمانه، ليسمع هناك ما هي مشيئة الله
الجوهرية، وأنه قد أنعم على المجرم المتبرر شاول ليفتح أمامه خدمة مقدسة بين
الأمم.

واختار
المسيح أخاً بسيطاً من بين المؤمنين ليكسر كبرياء الفقيه المتعلم. فحنانيا كان
مؤمناً من أصل يهودي وعضواً في أسرة الله بواسطة إيمانه بالمسيح. فأتى باسم ربه
إلى بولس وتوسط لإعادة البصر إليه. ففجأة قدر الأعمى أن يرى. لقد أعماه مجد المسيح
سابقاً، ولكن الروح القدس استخدم ظلامه الدامس، وأنشأ فيه التوبة والإيمان. حتى
أصبح بواسطة وضع أيدي حنانيا مبصراً وممتلئاً بالروح القدس. فأول ما رآه بولس كان
أخاً في المسيح. وبواسطته اكتشف كنيسة الله الساكن فيها روحه، وهي سر عصرن الحاضر.

لكن المسيح
لم يفتح لنا أعيننا الروحية للتمتع الذاتي، بل لندرك مشيئة الله، ونتغير في
تفكيرنا حسب طرقه. فسمع بولس من حنانيا أن إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب قد اختاره هو
القاتل الناموسي، ليدرك لب إرادته من جديد ويعلنها للعالم. فما هي مشئة الله الأصلية؟
فليست إلا إدراكنا يسوع أنه البار القدوس، المولود من الروح القدس ونؤمن بتجسد
إلهنا. فهل انفتحت عيناك، وهل أدركت في شخص يسوع اللطف الإلهي ومحبته الناعمة
وصبره في احتمال الصليب ومجده حالياً؟ ادرس سيرة يسوع لتعرفه وتسمع صوت. لأن ربنا
ليس ميتاً، بل حي ومتكلم ومعز وآمر. وليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة
تخرج من فم المسيح. اصغ إلى صوت المخلص، فيثبتك إلى عهده وفي شركته وتصبح قديساً
حسب صورته.

عندئذ تصبح
شاهداً متواضعاً لمشيئة الله الظاهرة في شخص يسوع. وليس الناصري لك إنساناً عادياً
نكرة، بل ربا مقتدراً، التقيت به في الإنجيل. وتراه بصفاته، وتعرفه بيقين الروح
القدس، وتطيع هداه اليومي. فاعلم أنك مختار من ربك لتكون شاهداً ه، لتعلن لكل
الناس من هو، وماذا عمل، وكيف يخلص اليوم أناساً. فإعلان يسوع الرب بواسطة الشهادة
لكل الناس هذه هي مشيئة الله الجوهرية.

ولم يترك
حنانيا وقتاً لبولس أن يتفلسف، بل سرعان ما بسط أمامه مشيئة الله الرئيسية ووضع
شهادة النعمة في فمه. فهذا العمل الإلهي، يتطلب فعلاً لا تخيلاً. ولكن كان ما يزال
هناك مانع في حياة بولس، وهو خطاياه. وقد كثرت خطاياه خصوصاً لأجل هالته المتعصبة
وعدواته لله، وقتله أنفساً بريئة. ولكن كل هذا محاه يسوع على الصليب. تيقن أيها
الأخ أن دم المسيح غسل كل خطيته نهائياً. وقبل ولادته أصبح بولس باراً بالنعمة.
ولكن كان عليه أن يقبل هذا الحق، ويؤمن ببره الموهوب له مجاناً. ويعلنهذا القرار
بواسطة المعمودية. فكان على المتعلم الفقية أن يموت لذاته في رمز التعميد. ويعترف
بحاجته إلى تطهير كامل طالباً خلاصه من المسيح وحده. ويسلم ذاته إليه بدون قيد أو
شرط.

فيا أيها
الأخ، هل أنت متعمد؟ وهل تركت حياتك القديمة، ودخلت بعزم وثبات إلى رحاب المسيح؟
انك بار لأجل الصليب. آمن بخلاصك المكتمل في المسيح، واقبل معنى معموديتك. أنت
مقبول عند الله القدوس لأجل موت المسيح وشفاعته. ادع ربك اليوم فتحيا لى الأبد.

الصلاة: أيها الرب يسوع
المسيح، أشكرك لأنك محيت خطاياي نهائياً. أعترف قدامك بأغلاطي وعيوبي، وأطلب إليك
ألا تطرحني من وجهك. بل أعلن صورتك قدام عيني نفسي، لكي أتجدد وأدخل إلى شركتك في
رمز معموديتي.

لم يكن بولس
هو موجد إنجيل النعمة، وما خلق رمز المعمودية، إنما يسوع قد أمره أن يشهد بكيانه
المجيد، كباب وحيد مؤد إلى الله لكل الذين يؤمنون به. فشهد بولس أمام الجمع الضخم
الصامت في ساحة الهيكل بظهور آخر من المسيح له. فرآه أثناء سفرت الأولى إلى
أورشليم وسط الهيكل. وهذا يعني معجزة مدهشة تتحقق، اعتبرها كثير من اليهود تجديفاً
شنيعاً. إن يسوع المصلوب المرفوض من الأمة ظهر وسط مسكن الله القدوس. فهذه العبارة
طعنت قلب كل يهودي وجرحته من جهتين. الأول دلالتها أن يسوع إله حق،واحد مع القدوس
الساكن في الهيكل، منسجم معه من الأزل إلى الأبد. وتدل ثانياً أن اليهود هم
قاتلوه. فحكم على كل اليهود مرة واحدة بالهلاك، لقتلهم ابن الله وعدم إدراك مجده.
وليس أحد من الحضور في الهيكل رأى يسوع إلا بولس.

وربه لم
يلتق به كما أمام دمشق شخصياً، بل ظهر له في غيبوبة. وكان هذا الإعلان الثاني من
المقام من بين الأموات حقيقياً أيضاً. فأقام بولس شهادته عن مجد شخص يسوع، كشهادة عن
الحقيقة أمام مستمعيه. فلم يباحثهم عن قضايا الناموس البتة، بل شد بشخص يسوع الحي.

ولم يعلن
يسوع نفسه لعبده لتمتع روحي خاص، بل ليبني كنيسة الله في كل العالم. وأمره: أسرع،
اركض، امش، اذهب، تحرك لا تبق جالساً، بل اترك القدس وشركة القديسين. ولا تبشر
المتعصبين، وابتعد عن الناموسيين، لأنهم لا يسمعون. ولكن يا للعجب! فولس، كان
عنيداً. وما أراد الذهاب إلى البعد، بل فضل البقاء قرب مسكن الله، حيث ظهر له
يسوع. وأصر على أن يشهد لليهود، أن يسوع حي. ورجا أنهم سيؤمنون بشهادته، لأنه كان
شاهد الشرف عند رجم استفانوس، وكان معروفاً كقاتل المسيحيين. فجسد بولس وإراته،
كانت بطيئة غير فعالة. فلم يخترع هو تبشير الأمم، ولم يرد جذب الوثنيين إلى العهد
مع الله. ولكن ربه الحي أمره بكل وضوح، أن يذهب إلى الأمم، لأنه أرسله إلى البعد
البعيد. فالعهد الجديد لكل الناس، وليس لليهود فقط. فالرب يسوع نفسه فجر حدود لعهد
القديم. وفتح الباب المؤدي إلى الله للبشر جميعاً. فعصر الأمم قد ابتدأ والنعمة
تمطر على كل طلاب الله المخلصين.

22: 22
فَسَمِعُوا لَهُ حَتَّى هٰذِهِ ٱلْكَلِمَةَ، ثُمَّ صَرَخُوا
قَائِلِينَ: «خُذْ مِثْلَ هٰذَا مِنَ ٱلأَرْضِ، لأَنَّهُ كَانَ لا
يَجُوزُ أَنْ يَعِيشَ». 23 وَإِذْ كَانُوا يَصِيحُونَ وَيَطْرَحُونَ ثِيَابَهُمْ
وَيَرْمونَ غُبَاراً إِلَى ٱلْجَّوِ، 24 أَمَرَ ٱلأَمِيرُ أَنْ
يُذْهَبَ بِهِ إِلَى ٱلْمُعَسْكَرِ، قَائِلاً أَنْ يُفْحَصَ بِضَرَبَاتٍ،
لِيَعْلَمَ لأَيِّ سَبَبٍ كَانُوا يَصْرُخُونَ عَلَيْهِ هٰكَذَا.

25 فَلَمَّا
مَدُّوهُ لِلسِيَاطِ، قَالَ بُولُسُ لِقَائِدِ ٱلْمِئَةِ ٱلْوَاقِفِ:
«أَيَجُوزُ لَكُمْ أَنْ تَجْلِدُوا إِنْسَاناً رُومَانِيّاً غَيْرَ مَقْضِيٍّ
عَلَيْهِ؟» 26 فَإِذْ سَمِعَ قَائِدُ ٱلْمِئَةِ ذَهَبَ إِلَى
ٱلأَمِيرِ، وَأَخْبَرَهُ قَائِلاً: «ٱنْظُرْ مَاذَا أَنْتَ مُزْمِعٌ
أَنْ تَفْعَلَ! لأَنَّ هٰذَا ٱلرَّجُلَ رُومَانِيٌّ». 27 فَجَاءَ
ٱلأَمِيرُ وَقَالَ لَهُ: «قُلْ لِي. أَأَنْتَ رُومَانِيٌّ؟» فَقَالَ:
«نَعَمْ». 28 فَأَجَابَ ٱلأَمِيرُ: «أَمَّا أَنَا فَبِمَبْلَغ كَبِيرٍ
ٱقْتَنَيْتُ هٰذِهِ ٱلرَّعَوِيَّةَ». فَقَالَ بُولُسُ: «أَمَّا
أَنَا فَقَدْ وُلِدْتُ فِيهَا». 29 وَلِلْوَقْتِ تَنَحَّى عَنْهُ ٱلَّذِينَ
كَانُوا مُزْمِعِينَ أَنْ يَفْحَصُوهُ. وَٱخْتَشَى ٱلأَمِيرُ لَمَّا
عَلِمَ أَنَّهُ رُومَانِيٌّ، وَلأَنَّهُ قَدْ قَيَّدَهُ.

تمسك اليهود
باختيار إبراهيم ونسله، وتشبثوا بوعود الله في عهده مع موسى. فكان لهم مستحيلاً أن
يفتح الله فجأة في عهده لدخول الوثنيين النجسين إلى رعويته. واعتبروا الناموس
والختان والسبت والهيكل عربوناً لحضور الله معهم. فاغتاظوا وأنكرو التصور، أن تكون
كل هذه الكنوز الثمينة باطلة، وأن تنال الأمم النعم جميعها، بدون تعبها في حفظ
الناموس، بواسطة الإيمان فقط. لقد فاق هذا التصور قدرة تفكير اليهود، فانفجروا
ورأوا في بولس ملوياً للحق ومجدفاً كنودا، وعدواً لله مبينا. وطلبوا إادته رأساً.
وازداد غضب الجمهور إلى ضجة جهنمية، حتى أنهم مزقوا ثيابهم. ورموا الغبار في الجو،
بينما وقف بولس محفوظاً وسط الهيجان. ولم يدرك اليهود دعوة المسيح الأخيرة إلى
التوبة. لقد أرسل يسوع بولس إلى الشعوب، وليس بولس هو مرسل نفسه. ولكن ذهن اليهود
العنيد تقسى ضد جذب روح الله نهائياً.

وفي القصة
التالية أخبر لوقا مستلم سفره الموظف الروماني ثاوفيلوس الشريف، كيف أن الضباط
الرومان تصرفوا مع بولس باستقامة، لما عرفوا أنه روماني. وقصدوا قبل معرفته أن
يستخرجوا منه اعترافاً بالحق بواسطة العذاب، لأن الأمير لم يفهم خطاب بلس الذي كان
باللغة العبرانية، إنما شاهد الصياح والضجيج نتيجة لذلك الخطاب.

ومع أن بولس
كان مستعداً للموت، كافح لبقائه شاهداً للمسيح، واستخدم حقه المدني للحصول على
الحرية. وأخبر الضابط الذي أعده للعذاب بالخطر المقبل عليه إن هو جلد رجلاً
رومانياً، لأن من يجلد رومانياً يحكم عليه بالموت رأساً. فأسرع الأمير امسؤول عن الألف
جندي إلى بولس المقيد خائفاً في صميم قلبه، لأنه ربط رومانياً حراً بسلاسل.
وبواسطة احتجاج الرسول نعلم، أن والديه أصبحا رومانيين على الأغلب، لما زار القيصر
أنطونيوس مع كليوباترا طرسوس في زواجهما، مانحا ً لكل أهالي المدينة المستقرين
فيها الرعوية الرومانية مجاناً. ولولا هذا الامتياز، لألهبت ظهر بولس السياط
المحددة وكشطت ظهره كما فعلوا بيسوع.

الصلاة: أيها الرب
يسوع المسيح نشكرك، لأنك اخترتنا نحن الغير مستحقين وكل الشعوب، لنصبح شعبك
المختار بالنعمة وحدها، وبدون حفظ الناموس. اغفر لنا شكرنا الناقص، وساعدنا لنسلك
قديسين وبلا لوم قدامك في المحبة. ونبلغ خلاصك لكلالناس، ولا نصمت بل نتكلم.

5 – بولس
أمام المجلس اليهودي الأعلى (22: 30 – 23: 10)

30 وَفِي
ٱلْغَدِ إِذْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَعْلَمَ ٱلْيَقِينَ: لِمَاذَا
يَشْتَكِي ٱلْيَهُودُ عَلَيْهِ؟ حَلَّهُ مِنَ ٱلرِّبَاطِ، وَأَمَرَ
أَنْ يَحْضُرَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَكُلُّ مَجْمَعِهِمْ. فَأَحْضَرَ
بُولُسَ وَأَقَامَهُ لَدَيْهِمْ.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد قديم سفر إشعياء 60

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي