الإصحَاحُ
السَّابعُ وَالْعِشْرُونَ

 

سادساً:
الإبحار من قيصرية إلى روما (27: 1 – 28: 31)

 

1 –
الانتقال إلى صيدا ثم إلى كريت (27: 1 – 13)

اَلأَصْحَاحُ
ٱلسَّابِعُ وَٱلْعِشْرُونَ : 1 فَلَمَّا ٱسْتَقَرَّ
ٱلرَّأْيُ أَنْ نُسَافِرَ فِي ٱلْبَحْرِ إِلَى إِيطَالِيَا، سَلَّمُوا
بُولُسَ وَأَسْرَى آخَرِينَ إِلَى قَائِدِ مِئَةٍ مِنْ كَتِيبَةِ أُوغُسْطُسَ
ٱسْمُهُ يُولِيُوسُ. 2 فَصَعِدْنَا إِلَى سَفِينَةٍ أَدْرَامِيتِينِيَّةٍ،
وَأَقْلَعْنَا مُزْمِعِينَ أَنْ نُسَافِرَ مَارِّينَ بِٱلْمَوَاضِعِ
ٱلَّتِي فِي أَسِيَّا. وَكَانَ مَعَنَا أَرِسْتَرْخُسُ، رَجُلٌ مَكِدُونِيٌّ
مِنْ تَسَالُونِيكِي. 3 وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلآخَرِ أَقْبَلْنَا إِلَى
صَيْدَاءَ، فَعَامَلَ يُولِيُوسُ بُولُسَ بِٱلرِّفْقِ، وَأَذِنَ أَنْ
يَذْهَبَ إِلَى أَصْدِقَائِهِ لِيَحْصُلَ عَلَى عِنَايَةٍ مِنْهُمْ. 4 ثُمَّ
أَقْلَعْنَا مِنْ هُنَاكَ وَسَافَرْنَافِي ٱلْبَحْرِ مِنْ تَحْتِ قُبْرُسَ،
لأَنَّ ٱلرِّيَاحَ كَانَتْ مُضَادَّةً. 5 وَبَعْدَ مَا عَبَرْنَا
ٱلْبَحْرَ ٱلَّذِي بِجَانِبِ كِيلِيكِيَّةَ وَبَمْفِيلِيَّةَ،
نَزَلْنَا إِلَى مِيرَا لِيكِيَّةَ. 6 فَإِذْ وَجَدَ قَائِدُ الْمِئَةِ هُنَاكَ
سَفِينَةً إِسْكَنْدَرِيَّةً مُسَافِرَةً إِلَى إِيطَالِيَا أَدْخَلَنَا فِيهَا. 7
وَلَمَّا كُنَّا نُسَافِرُ رُوَيْداً أَيَّاماً كَثِيرَةً، وَبِٱلْجَهْدِ
صِرْنَا بِقُرْبِ كِنِيدُسَ، وَلَمْ تُمَكِّنَّا ٱلرِّيحُ أَكْثَرَ،
سَافَرْنَا مِنْ تَحْتِ كِرِيتَ بِقُرْبِ سَلْمُونِي. 8 وَلَمَّا تَجَاوَزْنَاهَا
بِٱلْجَهْدِ جِئْنَا إِلَى مَكَانٍ يُقَالُ لَهُ «ٱلْمَوَانِي
ٱلْحَسَنَةُ» ٱلَّتِي بِقُرْبِهَا مَدِينَةُ لَسَائِيَةَ.

9 وَلَمَّا
مَضى زَمَانٌ طَوِيلٌ، وَصَارَ ٱلسَّفَرُ فِي ٱلْبَحْرِ خَطِراً، إِذْ
كَانَ ٱلصَّوْمُ أَيْضاً قَدْ مَضَى، جَعَلَ بُولُسُ يُنْذِرُهُمْ 10
قَائِلاً: «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ، أَنَا أَرَى أَنَّ هٰذَا
ٱلسَّفَرَ عَتِيدٌ أَنْ يَكُونَ بِضَرَرٍ وَخَسَارَةٍ كَثِيرَةٍ، لَيْسَ
لِلشَّحْنِ وَٱلسَّفِينَةِ فَقَطْ، بَلْ لأَنْفُسِنَا أَيْضاً». 11
وَلٰكِنْ كَانَ قَائِدُ ٱلْمِئَةِ يَنْقَادُ إِلَى رُبَّانِ
ٱلسَّفِينَةِ وَإِلَى صَاحِبِهَا أَكْثَرَ مِمَّا إِلَى قَوْلِ بُولُسَ. 1
وَلأَنَّ مَوْقِعَ ٱلْمِينَا لَمْ يَكُنْ صَالِحاً لِلْمَشْتَى،
ٱسْتَقَرَّ رَأْيُ أَكْثَرِهِمْ أَنْ يُقْلِعُوا مِنْ هُنَاكَ أَيْضاً، عَسَى
أَنْ يُمْكِنَهُمُ ٱلإِقْبَالُ إِلَى فِينِكْسَ لِيَشْتُوا فِيهَا. وَهِيَ
مِينَا فِي كِرِتَ تَنْظُرُ نَحْوَ ٱلْجَنُوبِ وَٱلشَّمَالِ
ٱلْغَرْبِيَّيْنِ. 13 فَلَمَّا نَسَّمَتْ رِيحٌ جَنُوبٌ، ظَنُّوا أَنَّهُمْ
قَدْ مَلَكُوا مَقْصَدَهُمْ، فَرَفَعُوا ٱلْمِرْسَاةَ وَطَفِقُوا
يَتَجَاوَزُونَ كِرِيتَ عَلَى أَكْثَرِ قُرْبٍ.

مر على بولس
سنتان طويلتان وهو في السجن. وقد ملأها بالصلوات والهدوء والتأملات والرسائل
والتكلم المباشر مع افراد. وأخيراً أرسل الوالي بولس إلى روما. ولم يتم هذا
الإبحار في باخرة فخمة. إنما أرسل الرسول كأسير مع مقيدين آخرين، ما كانوا على
الأغلب رومانيين، بل سبايا مبعوثين إلى روما، ليلقوا إلى السيرك حيث عليهم أن
يدافعوا عن أنفسهم أمام الأسود الجائعة، وإلا التهمتهم الوحوش.

ولم يكن
بولس منفرداً، بل رافقه لوقا الطبيب وأرسترخس الوفي. ومن الآن فصاعداً، نقرأ مرة
أخرى في أعمال الرسل الأخبار بصيغة الجمع «نحن». فلم تنته شركة القديسين عند
الآلام والضيقات، بل تأصلت أكثر، وثبتت في أخطار الموت. وقد جمع لوقا خلال السنتين
من سجن بولس تفاصيل إنجيله وسفر أعمال الرسل من شهود العيان. ونسخ نصوصاً من كلمات
المسيح المجموعة. وحمل هذا الكنز الفريد الثمين معه في السفر الخطر الطويل. ولم
يذكر نفسه بأخباره ولا بكلمته ولا إنجيله المخبأ في محفظة لكي لا تنش المء إلى
داخلها. فنرى بهذه السفرة تعزية أن رجالاً ثلاثة اجتمعوا في شركة المحبة غالبين
بصلواتهم كل العراقيل، التي تعوقهم عن الاستمرار نحو رومية.

فاتجهوا
بحراً إلى صيداء حيث كان يعيش فريق من المؤمنين. فأعطى الضابط يوليوس الإنساني
لبولس رخصة أن ينزل إلى الشاطئ واثقاً به، إذ عرفه من سجنه في قيصرية. والأغلب أن
بولس في هذا الوقت كان مقيداً يداً بيد مع جندي حسب النظام الروماني. لكن ما كانت
السلسلة لتمنع بولس من التبشير بالإنجيل الكامل.

وبعد
إقلاعهم صوب الأناضول، ابتدأت الرياح تهب ضد اتجاه السفينة. وبما أن الشراع كان
ثابتاً غير منتقل، فلم تسطتع السفينة التقدم ضد الريح، بل اضطروا للتجديف مع
التيار رغم انقفال الشراع والتفافه. فأبحروا في حماية الجبال القبرصية بدون رح إلى
القرب نحو روما البعيدة. وأخيراً وصلوا إلى ميراليكية الأناضولية، حيث وجدوا سفينة
شراعية كبيرة شاحنة القمح إلى روما. فنقل الأسرى عليها. وهكذا اكتملت على ظهر هذه
السفينة الشحنة المعتادة. لأن العاصمة كانت تتطلب خبزاً وألعاباً، أي غذاءرخيصاً
من المستعمرات وعبيداً لاعبين في السيرك حيث تسفك دماؤهم أنهراً. وبهذه الطريقة
أرضى القياصرة الغوغاء الكسالى في روما، لكي يساندوا حكمهم. وحتى اليوم نجد نفس
المبادئ في بعض الدول، الخبز الكثير للغوغاء والألعاب العجيبة للتغلب على المل.

وكانت
الرياح مضادة لسفرة بولس الأخيرة على طول الخط، كأن أرواح الشر كانت تمانع تقدم
الإنجيل إلى رومية. وبغضة جهنم استعدت للسطو على بولس ورفقائه. وشعر الرسول بتألب
الظلمة على نفسه، وتنبأ بالضيق المقبل، وحذر الضابط والربان وصاحب السفنة من إكمال
السفر لما وصلوا إلى ميناء بسيط على جزيرة كريت، واسمه على غير حقيقته (الميناء
الصالح). وحقاً فإن المسؤولين استغنوا عن تخطيطهم الإبحار إلى رومية وسط العواصف
الشتوية، ولكنهم أرادوا الاشتاء في بلدة يتمتعون فيها، وليس في قرية جدباء.
فأبحروا عند أول هبوب للريح الذي بان كأنه صالح. ولكنه كان كطعم من الشرير ليجذبهم
إلى قاعه ليخرب السفينة ومن عليها برياح أرواحه. لا يريد إبليس منع الإنجيل فقط،
بل محوه وإبادة رسل المسيح أيضاً بدون رحمة.

الصلاة: أيها الرب،
ساعدنا لنصغي دائماً إلى صوتك. لكيلا نهلك أنفسنا ولا أنفس أصدقائنا. علمنا
الإطاعة لصوتك والثبات في حمايتك.

2 – العاصفة
البحرية وانكسار السفينة عند جزيرة مالطة (27: 14 – 44)

27: 14
وَلٰكِنْ بَعْدَ قَلِيلٍ هَاجَتْ عَلَيْهَا رِيحٌ زَوْبَعِيَّةٌ يُقَالُ
لَهَا «أُورُوكْلِيدُونُ». 15 فَلَمَّا خُطِفَتِ ٱلسَّفِينَةُ وَلَمْ
يُمْكِنْهَا أَنْ تُقَابِلَ ٱلرِّيحَ، سَلَّمْنَا، فَصِرْنَا نُحْمَلُ. 16
فَجَرَيْنَا تَحْتَ جَزِيرَةٍ يُقَالُ لَهَا «كَلَوْدِي» وَبِٱلْجَهْدِ
قَدِرْنَا أَنْ نَمْلِكَ ٱلْقَارِبَ. 17 وَلَمَّا رَفَعُوهُ طَفِقُوا
يَسْتَعْمِلُونَ مَعُونَاتٍ، حَازِمِينَ ٱلسَّفِينَةَ، وَإِذْ كَانُوا
خَائِفِينَ أَنْ يَقَعُوا فِي ٱلسِّيرْتِسِ، أَنْزَلُوا ٱلْقُلُوعَ،
وَهٰكَذَا كَانُوا يُحْمَلُونَ. 18 وَإِذْ كُنَّا فِي نَوْءٍ عَنِيفٍ
جَعَلُوا يُفَرِّغُونَ فِي ٱلْغَدِ. 19 وَفِي ٱلْيَوْمِ
ٱلثَّالِثِ رَمَيْنَا بِأَيْدِينَا أَثَاثَ ٱلسَّفِينَة. 20 وَإِذْ
لَمْ تَكُنِ ٱلشَّمْسُ وَلا ٱلنُّجُومُ تَظْهَرُ أَيَّاماً كَثِيرَةً،
وَٱشْتَدَّ عَلَيْنَا نَوْءٌ لَيْسَ بِقَلِيلٍ، ٱنْتُزِعَ أَخِيراً
كُلُّ رَجَاءٍ فِي نَجَاتِنَا.

21 فَلَمَّا
حَصَلَ صَوْمٌ كَثِيرٌ، حِنَئِذٍ وَقَفَ بُولُسُ فِي وَسَطِهِمْ وَقَالَ: «كَانَ
يَنْبَغِي أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ أَنْ تُذْعِنُوا لِي وَلا تُقْلِعُوا مِنْ
كِرِيتَ، فَتَسْلَمُوا مِنْ هٰذَا ٱلضَّرَرِ وَٱلْخَسَارَةِ. 22
وَٱلآنَ أُنْذِرُكُمْ أَنْ تُسَرُّوا، لأَنَّهُ لا تَكُونُ خَسَارَةُ نَفْسٍ
وَاحِدَةٍ مِنْكُمْ إِلاَّ ٱلسَّفِينَةَ. 23 لأَنَّهُ وَقَفَ بِي
هٰذِهِ ٱللَّيْلَةَ مَلاكُ ٱلإِلٰهِ ٱلَّذِي أَنَا
لَهُ وَٱلَّذِي أَعْبُدُهُ، 24 قَائِلاً: لا تَخَفْ يَا بُولُسُ. يَنبَغِي
لَكَ أَنْ تَقِفَ أَمَامَ قَيْصَرَ. وَهُوَذَا قَدْ وَهَبَكَ ٱللّٰهُ
جَمِيعَ ٱلْمُسَافِرِينَ مَعَكَ. 25 لِذٰلِكَ سُرُّوا أَيُّهَا
ٱلرِّجَالُ، لأَنِّي أُومِنُ بِٱللّٰهِ أَنَّهُ يَكُونُ
هٰكَذَا كَمَا قِيلَ لِي. 26 وَلكِنْ لا بُدَّ أَنْ نَقَعَ عَلَى
جَزِيرَةٍ».

دوت الزوبعة
حول جزيرة كريت وأهاجت البحر. وطردت السفينة من الميناء القريب. فحاول البحارة بكل
قدرتهم الوصول إلى ذلك الميناء فلم يفلحوا، لأن سلطة العاصفة دفعت السفينة الضخمة
مع ركابها الستة والسبعين والمائتين في عرض البحر الهائج. والارب الصغير المجرور
وراء السفينة رفعوه إلى السطح، لكيلا يمتلئ ماء ويغرق. وشاهدوا في انزلاق وتضعضع
سفينتهم جزيرة صغيرة (كلودي) تمرق بهم بسرعة. ولم يستطيعوا الرسو في خليجها لتدفق
الأمواج الهائلة عليهم. وبعدئذ ربطوا السفينة وسط الرياح المدوة بحبال غليظة،
وأحاطوها بتلك الحبال كشبكة كبيرة. لئلا تنكسر ألواحها في ضربات الأمواج العاتية.
إذ كان صناع السفن آنذاك يصنعون سفنهم من الخشب، وليس لديهم الأدوات الحديثة،
الحديد والبراغي الشديدة في مسك الأخشاب بعضها على بعض. وبعد ذلك حاول البحارة
إنزال لوحة خشبية مثقلة بحجارة ووضعها في مواجهة الأمواج أمام السفينة، لتخفيف
ضرباتها عنها.

وفي اليوم
الثاني بعد الخوف من موت الغرق، ألقوا جزءاً من القمح في البحر، لكي تخف حمولة
السفينة، فترتفع عن أشداق الأمواج. ولما لم تخف حدة الزوبعة في اليوم الثالث ألقوا
أثاث السفينة، إلى البحر وقطعوا السارية الخشبية أيضاً. ورموها مع شرعتها إلى
الموج بكل الأدوات الثقيلة. ولكن العاصفة دوت مقهقهة والبحر زمجر هائجاً.
والأكثرية من الركاب تفوعوا وداخوا. ولم تشرق عليهم شمس ولا قمر. فصلى كثيرون
بلجاجة وصاموا لكي يستجيب لهم الله. ومضت أيام طويلة بلياليها، وأصبحت الدقائق
كساعات ونما اليأس وخيم التشاؤم. ولم يأت الطباخ بالغذاء، فأصبح البحارة والأسرى
والعساكر ضعفاء وتعبانين.

عندئذ قام
بولس وشجعهم، ورغم هيجان العناصر لم يستطع أن يوفر عليهم التقريع والتوبيخ واللوم،
فقال لهم إن هذه الكارثة كانت بسبب عدم استماعهم لكلماته وعدم الثقة بخبرته
الصائبة. فكل عدم إيمان ينتج خسارة ويكلف كثيراً من المصائب. ولكن بول صلى لما صرخ
الآخرون. ورفقاؤه اجتمعوا معه لأجل الابتهال عن العنيدين. فترابطت شركة المحبة
ثابتة في هيجان جهنم. والمسيح استجاب صلواتهم، وأرسل إلى بولس في وسط البحر
المزمجر ملاكاً يؤكد له، أنه لا يموت حتى يقول للقيصر الروماني الإنجيل. نعم إن
السفينة ستغرق، لأجل عناد صاحبها وربانها. ولكن كل نفس حية ستخلص هبة لبولس المصلي
ورفقائه. أليست هذه الحادثة مثلاً عظيماً لحاضرنا؟ربما العالم بكامله قد أسلمه غضب
الله بسبب خطايانا إلى سلطة الشيطان وأجناده المخربة، ولكن قدرة المصلين تحفظ
البشر أحياء. فالله يهدي للجميع البقاء لأجل صلوات المؤمنين ورجاء الكنيسة
الخادمة.

ولم يلق
بولس على البحارة وركاب السفينة عظة تبشيرية أو درساً لاهوتياً، لأن السفينة كانت
تتمايل وتتمرجح كثيراً، والفزع ملك نفوسهم جميعاً. فشهد بولس بإيمانه الخاص
الثابت، وهو واقف كصرخة في مهب الأمواج. ووثق الرسول بالله، أنه سيتم كل يء كما
أخبره الملاك. فصار ينتظر اقترابهم من جزيرة واصطدام سفينتهم برمل الشاطئ حتماً.
فلا بد من الخراب! ولكن وسط الخراب كان الخلاص أكيداً. أليس هذا جواب الله على
مستقبل أوطاننا؟ صلوا لكي تنجوا وإخوتكم جميعاً، لأننا واقعون مع الكل في نفس
لسفينة المشرفة، والشيطان يريد أن يهلك حاملي الإنجيل في قلوبهم. فاسهروا وصلوا،
لكيلا تسقطوا في تجربة.

الصلاة: نشكرك أيها
الرب يسوع، لأنك أرسلت إلى بولس ملاكاً عزاه وسط اليأس. أرسل إلى كل محبوسين
ومتضايقين لأجل اسمك معزي المحبة. وخلصنا أيضاً وكل أهالي أوطاننا، في العاصفة
المقبلة على حضارتنا.

27: 27
فَلَمَّا كَانَتِ ٱللَّيْلَةُ ٱلرَّابِعَةُ عَشْرَةُ، وَنَحْنُ
نُحْمَلُ تَائِهِينَ فِي بَحْرِ أَدْرِيَا، ظَنَّ ٱلنُّوتِيَّةُ نَحْوَ
نِصْفِ ٱللَّيْلِ أَنَّهُمُ ٱقْتَرَبُوا إِلَى بَرٍّ. 28 فَقَاسُوا
وَوَجَدُوا عِشرِينَ قَامَةً. وَلَمَّا مَضَوْا قَلِيلاً قَاسُوا أَيْضاً
فَوَجَدُوا خَمْسَ عَشْرَةَ قَامَةً. 29 وَإِذْ كَانُوا يَخَافُونَ أَنْ يَقَعُوا
عَلَى مَوَاضِعَ صَعْبَةٍ، رَمَوْا مِنَ ٱلْمُؤَخَّرِ أَرْبَعَ مَرَاسٍ،
وَكَانُوا يَطْلُبُونَ َنْ يَصِيرَ ٱلنَّهَارُ. 30 وَلَمَّا كَانَ
ٰلنُّوتِيَّةُ يَطْلُبُونَ أَنْ يَهْرُبُوا مِنَ ٱلسَّفِينَةِ،
وَأَنْزَلُوا ٱلْقَارِبَ إِلَى ٱلْبَحْرِ بِعِلَّةِ أَنَّهُمْ مُزْمِعُونَ
أَنْ يَمُدُّوا مَرَاسِيَ مِنَ ٱلْمُقَدَّمِ، 31 قَالَ بُولُسُ لِقَائِدِ
ٱلْمِئَةِ وَٱلْعَسْكَرِ: «إِنْ لَمْ يَبْقَ هٰؤُلاءِ فِي
ٱلسَّفِينَةِ فَأَنْتُمْ لا تَقْدِرُونَ أَنْ تَنْجُوا». 32 حِينَئِذٍ
قَطَعَ ٱلْعَسْكَرُ حِبَالَ ٱلْقَارِبِ وَتَرَكُوهُ يَسْقُطُ. 33
وَحَّتّى قَارَبَ أَنْ يَصِيرَ ٱلنَّهَارُ كَانَ بُولُسُ يَطْلُبُ إِلَى
ٱلْجَمِيعِ أَنْ يَتَنَاوَلُوا طَعَاماً، قَائِلاً: «هٰذَا هُوَ
ٱلْيَوْمُ ٱلرَّابِعُ عَشَرَ، وَأَنْتُمْ مُنْتَظِرُونَ لا تَزَالُونَ
صَائِمِينَ، وَلَمْ تَأْخُذُوا شَيْئا. 34 لِذٰلِكَ أَلْتَمِسُ مِنْكُمْ
أَنْ تَتَنَاوَلُوا طَعَاماً، لأَنَّ هٰذَا يَكُونُ مُفِيداً لِنَجَاتِكُمْ،
لأَنَّهُ لا تَسْقُطُ شَعْرَةٌ مِنْ رَأْسِ وَاحِدٍ مِنْكُمْ». 35 وَلَمَّا قَالَ
هٰذَا أَخَذَ خُبْزاً وَشَكَرَ ٱللٰهَ أَمَامَ ٱلْجَمِيعِ،
وَكَسَّرَ، وَٱبْتَدَأَ يَأْكُلُ. 36 فَصَارَ ٱلْجَمِيعُ مَسْرُورِينَ
وَأَخَذُوا هُمْ أَيْضاً طَعَاماً. 37 وَكُنَّا فِي ٱلسَّفِينَةِ جَمِيعُ
ٱلأَنْفُسِ مِئَتَيْنِ وَسِتَّةً وَسَبْعِينَ.

أربعة عشر
يوماً في خطر الأمواج، ذلك وقت طويل. ونصف شهر على سفينة متأرجحة، كإنما هو
الأبدية. ومن يفقد اتجاهه وينظر إلى عيني الموت، فإنه يموت ميتات كثيرة. لكن بولس
صلى وآمن واطمأن، لأنه لم يفقد اتجاهه إلى فوق، وعقرب بوصلته اتجه نحو لله دائماً.
وضميره كان مستريحاً ومطهراً بدم المسيح وبره.

وفجأة في
منتصف الليل أحس البحارة ببر قريب وقاسوا العمق سريعاً، فإذا به يتناقص بالتتابع
كثيراً. فخافوا أن تتحطم السفينة على الصخرة، فالقوا المراسي إلى القعر لتتمثل في
سيرها. وأنزلوا القارب ليفروا به ناجين بأنفسهم. ما أشبعها من خيان! وأدرك بولس
الخبير حيلة البحارة، وأخبر الضابط الذي لم يتأخر عن الأمر بقطع حبال القارب، فسقط
مبتعداً عن السفينة. لقد أخبر الملاك بولس أن الجميع سيخلصون، وليس بعضهم.
فالشيطان حاول بخداع البحارة، أن يبطل خطة الله. وتلك الخديعة قد فشلت فشلً ذريعاً
بسبب انتباه الرسول.

وبعدئذ أدرك
بولس أنهم الآن يحتاجون إلى قوة جسدية ونشاط بدني فيلزمهم الأكل. والعون كان
قريباً فلا حاجة للاستمرار بالصيام. فاقترح بولس أن يأكل الجميع جيداً في الليل
المدلهم ودوي العاصفة المخيفة. وظهر من هذا أن بولس، صار له مكانة الزيم الروحي في
السفينة. فسلطانه وتأنيه وإيمانه وجرأته أثرت في الجميع. فتطلعوا إليه بانتباه،
لما أعلن انتهاء الصيام وكسر الخبز وصلى أمام الكل، وشكر الله وسط العاصفة لنعمته.
فاندفعوا يأكلون الطعام بشهية، بعد الجوع الشديد، مؤمنين أن الله سيخصهم. وقد أكد
لهم بولس باسم ربه، أنه لا تسقط شعرة من رؤوسهم، رغم أن السفينة آنئذ كانت متخلخلة
تتلاعب بها الأمواج. وقد دخلتها المياه من بعض جوانبها. لكن إيمان الرسول نما رغم
نمو الصعوبات وتزايدها. وكان وعد المسيح له أهم من الضيق المصادم.

27: 38
وَلَمَّا شَبِعُوا مِنَ ٱلطَّعَامِ طَفِقُوا يُخَفِّفُونَ
ٱلسَّفِينَةَ طَارِحِينَ ٱلْحِنْطَةَ فِي ٱلْبَحْرِ. 39
وَلَمَّا صَارَ ٱلنَّهَارُ لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ ٱلأَرْضَ،
وَلٰكِنَّهُمْ أَبْصَرُوا خَلِيجاً لَهُ شَاطِئٌ، فَأَجْمَعُوا أَنْ
يَدْفَعُوا إِلَيْهِ ٱلسَّفِينَةَ إِنْ أَمْكَنَهُمْ. 40 فَلَمَّا نَزَعُوا
ٱلْمَرَاسِيَ تَارِكِينَ إِيَّاهَا فِي ٱلْبَحْرِ، وَحَلُّوا رُبُطَ
ٱلدَّفَّةِ أَيْضاً، رَفَعُوا قِلْعاً لِلرِّيحِ ٱلْهَابَةِ،
وَأَقْبَلُوا إِلَى ٱلشَّاطِئِ. 41 وَإِذْ وَقَعُوا عَلَى مَوْضِعٍ بَيْنَ
بَحْرَيْنِ، شَطَّطُوا ٱلسَّفِينَةَ، فَٱرْتَكَزَ ٱلْمُقَدَّمُ
وَلَبِثَ لا يَتَحَرَّكُ. وَأَمَّا ٱلْمؤَخَّرُ فَكَانَ يَنْحَلُّ مِنْ
عُنْفِ ٱلأَمْوَجِ. 42 فَكَانَ رَأْيُ ٱلْعَسْكَرِ أَنْ يَقْتُلُوا
ٱلأَسْرَى لِئَلاَّ يَسْبَحَ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَيَهْرُبَ. 43
وَلٰكِنَّ قَائِدَ ٱلْمِئَةِ، إِذْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُخَلِّصَ
بُولُسَ، مَنَعَهُمْ مِنْ هٰذَا ٱلرَّأْيِ، وَأَمرَ أَنَّ
ٱلْقَادِرِينَ عَلَى ٱلسِّبَاحَةِ يَرْمُونَ أَنْفُسَهُمْ أَّوَلاً
فَيَخْرُجُونَ إِلَى ٱلْبَرِّ، 44 وَٱلْبَاقِينَ بَعْضُهُمْ عَلَى
أَلْوَاحٍ وَبَعْضُهُمْ عَلَى قِطَعٍ مِنَ ٱلسَّفِينَةِ. فَهٰكَذَا
حَدَثَ أَنَّ ٱلْجَمِيَع نَجَوْا إِلَى ٱلْبَرِّ.

وفي الفجر
أدركوا بفرح أن الله لم يرشدهم إلى منطقة صخرية على الشاطئ بأمواج ضاربة هائجة
مميتة، بل قادهم نحو خليج صغير هادئ بشاطئ رملي لطيف. فتشجعوا لأن القادر على كل
شيء قاد سفينتهم المتراقصة وسط هيجان العناصر إلى جزيرة مالطة، ولم تكسر السفينة
قبل الوصول. وأخذ الريح يقودهم في النهاية نحو الشاطئ الضحل المياه. وفجأة حدثت
صدمة عظيمة، لأن كثيباً رملياً اصطدموا به. فانغرزت المقدمة في الرمل بشدة، بينما
مؤخرتها انكسرت من عنف الصدمة وتلاطم الأمواج. فدخلها الماء كشلالات أنر. فرفع
العساكر سيوفهم سريعاً لقتل الأسرى، لأنهم إن تركوهم يفلتون من بين أيديهم، فسيلقون
هم إلى الأسود بدلاً عنهم. وهكذا أراد الشيطان حتى آخر لحظة إبطال خلاص بولس ومنع
وصول الإنجيل إلى روما.

ولكن المسيح
استخدم الضابط يوليوس الإنساني، الذي راقب بولس في الأيام الماضية الصعبة وضيقاتها
الهائلة. فوثق بنبوة الرسول أن البر الذي أمامهم هو جزيرة، فلا يستطيع أحد الأسرى
الهروب منها. فأمر بعدم قتل السجناء، ونظم بانتباه طريقة إنزال جميع المسافرين عند
انفجار السفينة فسبح البعض إلى الشاطئ، وتمسك بعضهم الآخر بألواح خشبية. ولم يغرق
أحد في الأمواج المتعالية. فالجميع البالغ عددهم 276 شخصاً وصلوا إلى البر سالمين.
ووقفوا على الصخور مبتلين، مرتجفين من البرودة. وعظموا الله لخلاصهم.

ولقد أتم
المسيح وعده لبولس، ومنح لأجله الحياة للضابط والربان وصاحب السفينة وكل ركابها
وسجنائها. وبنجاة بولس ورفيقيه لوقا وأرسترخس نجت نصوص ومخطوطات إنجيله وأعماله،
التي كانت مخيطة ضمن جلد، لا تتسرب إليه المياه. فأراد المسيح ونفذ إرادته، أن يصل
الرسول والإنجيل إلى روما. ولا أحد يقدر أن يمنعه من تحقيق إرادته الخلاصية.

الصلاة: أيها الرب
القدير، نشكرك لأنك خلصت بولس وكل السفينة من الغرق في البحر. فنؤمن أنك تحفظنا
أيضاً من الغرق في الدينونة الأخيرة والفوضى المسبقة. ساعدنا لنحمل إنجيلك بقلوبنا
وألسنتنا وسط بحر الشعوب الهائج، ليخلص كثيرون.

هل تبحث عن  م الأباء أثنياغوروس الدفاع عن المسيحيين 04

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي