الإصحَاحُ التَّاسِعُ

 

(9: 131)
المسار الثاني لانتشار الكنيسة:

أعمال شاول الأولى.

(9: 32
43) المسار الثالث لانتشار الكنيسة:

أعمال القديس بطرس خارج
أُورشليم:

أولاً: القديس بطرس
الرسول في لدة وشفاء إينياس (32:935).

ثانياً: القديس بطرس
الرسول في يافا وشفاء طابيثا (36:943).

 

المسار
الثاني لانتشار الكنيسة

[ 9: 131]

 

1 أعمال شاول
الأُولى

( أ )
تحوُّل شاول على طريق دمشق 9: 1
9

(ب) حنانيا
يُرسَل إلى شاول 9: 10
19

( ج ) بولس
يبشِّر في دمشق 9: 19
22

( د ) بولس
يهرب من دمشق 9: 23
25

( هـ ) بولس
يعود إلى أورشليم ثم يُرسَل إلى طرسوس 29:9
30

( و )
الكنائس تُبنَى في اليهودية بسلام 31:9

 

( أ )
تحوُّل شاول على طريق دمشق (9: 1
9):

مَن هو
شاول:

من طرسوس مدينة مشهورة
في سهول كيليكية جنوب شرق أسِيَّا الصغرى، كانت تحت الحكم الروماني.
» عبراني من
العبرانيين
«كان أبواه من اليهود المحافظين على كل ميراث اليهود من عادات
ناموسية وغير ناموسية ولغة وتهذيب حتى وهما في الشتات. ولكن الوالد كان ذا شخصية
ممتازة وأتى بأعمال باهرة فكافأته الدولة الرومانية بالرعوية الرومانية، بمعنى أن
يكون له كل امتيازات المواطن الروماني هو وكل أسرته. لذلك أتقن شاول اليونانية
علماً وفلسفة.

فرِّيسي ابن
فرِّيسي:

كان أبوه من فئة
الفريسيين، بمعنى أنه في أيامه كان يُحتسب كأنه حاصل على “دكتوراه في اللاهوت”
بلغة اليوم. والفرِّيسية تمثل آنئذ أرقى طبقات اليهود، التي تحيا حياة مدققة
للغاية:
» طريق عبادتنا الأضيق «(أع 5:26). وكان ذا مُثُل عليا يحياها عملياً وسط شعب مستهتر فاسد
نَسِيَ كل تراثه إلاَّ الافتخار الكاذب بإبراهيم. تعوَّد على طاعة الناموس طاعة
عمياء لا تعرف المناقشة. لذلك قيَّم نفسه أنه كان بلا لوم من جهة وصايا الناموس
والبر
المتحصِّل من حفظه. يصوم مرتين في الأسبوع
الاثنين والخميس ويعشِّر كل ما يملك.

طبيعته:

كان ملتهباً ثقةً
بعبادة يهوه العظيم وأمانةً واستعداداً للبذل حتى الموت.

ولكن في ذات الوقت كانت
طبيعته بحسب رسائله تفيض رقةً ولطفاً وتودُّداً، ودموعه سهلة يذرفها محبةً وشفقةً
على الصديق والزميل والابن والقريب والبعيد، باستعداد أن ينفق كل ماله وصحته في
حقل خدمته كرامة للاسم يهوه العظيم.

كان أكثر غيرة على
يهوديته من جميع أقربائه وأقرانه حتى معلميه.

مهنته:

تعلَّم بحسب أمر
الناموس صنعة فاختار غزل شعر الماعز ونسجه لعمل الخيام بإتقان تجاري، فكان يعمل
بلا توقف ويبيع عمل يديه ليستقل بمهنته وسيرته ومبادئه وعبادته. ويبدو أنها كانت
صنعة أسرته منذ زمن طويل، لأن سهول كيليكية ذات مراعٍ غنية وفي موقع جغرافي لملتقى
قوافل الجنوب الآتية من فلسطين وسوريا وفينيقية مع خطوط الاتصالات مع أسِيَّا
الصغرى واليونان. وكانت بلدة طرسوس مشهورة بنوع خاص من قماش الخيام الثمين يُدعى
اسمه كيليكيوم  باسم المنطقة (كيليكيا).

الأخلاق:

أوضح ما فيه
التمييز
الدقيق بعد الفحص والدراسة لاستخراج المعاني والحقائق التي تفوت على الجميع! وبعد
التأكُّد من الحق حسب البراهين الدامغة ينحاز إلى الحق انحيازاً شديداً وعنيفاً لا
يعرف المهادنة. لذلك يعتبر أعظم وأكثر إنسان عانى في الانتقال من الحق اليهودي إلى
الحق المسيحي!! ولكن لأنه عاش الحقَّين استطاع أن يكشف، بعد أن ارتقى إلى الحق
الأعلى، كل ضعف الحق الأقل دون أن يهينه. ولذلك استطاع أن يقول معاً وبآن واحد:

+ » مبطلاً
بجسده ناموس الوصايا في فرائض …
«(أف 15:2)

+ » لأنكم لستم
تحت الناموس بل تحت النعمة.
«(رو 14:6)

+ » إذاً،
الناموس مقدَّس والوصية مقدَّسة وعادلة وصالحة …
«(رو 12:7)

لذلك كان منهجه تطبيقاً
واقعياً عميقاً نظرياً وعملياً على رسالة المسيح:
» ما جئت
لأنقض بل لأكمل
«(مت 17:5).

كانت له شخصية حرَّة
غير مقيَّدة بأحد على الإطلاق، لا بأب ولا معلِّم ولا بلد ولا حتى بتعليم، لذلك
بمجرد أن عرف الحق ترك في الحال كل ما كان يملك وكل ما كان يعرف وكل ما كان قد دخل
حياته من عادات وتدقيقات لا حصر لها، خرج منها كلها كمولود جديد لحساب الحق
الجديد.

ولك أن تتصوَّر مثلاً
أن الدرس الأول للفريسي الذي يتلقنه من فم معلِّمه عن الأمم والأمميين والعلاقة
بين اليهودي والأممي هو هذا: “إذا سقط أمامك أممي في البحر فلا يليق باليهودي
انتشاله”. هذا هو شاول، وبعد ذلك الرسول الذي قال:

+ » يا إخوتي
الأحباء والمشتاق إليهم يا سروري وإكليلي.
«(في 1:4)

+ » وأمَّا أنا
فبكل سرور أُنفِق وأُنفَق لأجل أنفسكم …
«(2كو 15:12)

+ » مَنْ يضعف
وأنا لا أضعف، مَنْ يعثُر وأنا لا ألتهب.
«(2كو 29:11)

وربما لهذا كله اختاره
المسيح ليكون إناءً مختاراً ليحمل اسمه إلى أمم وملوك!! نعم وحَمَّلَهُ أحسن حمل
وأبلغه أحسن بلاغ. خاصة في الوقت الذي ظل جميع الرسل متخبّطين حتى آخر حياتهم لا
يتعاملون مع الأمم إلاَّ باستثناءات فردية لم يدوموا فيها. ولم يستطيعوا أبداً
تحطيم سياج التعصُّب والبُغضة والاحتراس الشديد من نحو الأمم. فبطرس الرسول بعد
مدة طويلة من السنين وبعد أن أعلمه الله بالرؤيا أن لا يخشى من الذهاب للأمم
لتبشيرهم نجده سريعاً عاد إلى قوقعته اليهودية، فلمَّا أتى قوم من عند يعقوب
(كنيسة أورشليم) تنحَّى عن المائدة التي كان يأكل عليها
مع الأمم
واعتزل خائفاً من أهل الختان (المسيحيين اليهود) (غل 2: 11و12)!! وهذا هو بطرس
المكني عنه باسم الصخرة التي أراد المسيح أن يبني عليها كنيسته، نعم بناها ولكن في
داخل أورشليم فقط كما سجَّل لنا سفر الأعمال. لهذا تحتَّم أن يكون ما كان على طريق
دمشق!

يا لحكمة
الله ويا لعظمة تدبيره في توعية وبناء مختاريه:

كان لابد لشاول أن يأخذ
صورة صحيحة عن مَنْ هو المسيح لأنه لم يسمعه ولم يره قبل أن يفاجئه بالرؤيا من
السماء. فأوعز لملائكته أن يدبروا له مقابلة مع أصدق إنسان في إيمانه بالمسيح
وأقوى شخصية تشهد له بالمنطق اليهودي الذي يتقنه شاول، على أن تكون المقابلة على
أعلى مستوى من الشهادة، أي لابد أن تبلغ حدّ الشهادة في قوتها النارية، على أن
يرافقها صورة تذكارية تنطبع في ذهن شاول فلا تُمحى منه!

ونجحت الملائكة في
إقناع شاول أن يكون سامعاً في السنهدريم لقضية استفانوس وشاهداً لمقتله وعن أقصى
قرب، إذ جعلوه يقف في مقابل الرجم تماماً كحافظ لثياب القتلة. فرأى وسمع وشاهد
والتقط صورة الوجه الملائكي وهو يشهد لمشاهدته الرب يسوع في السماء، حيث
سيظهر لشاول تماماً من السماء لتنطبق الحقيقة على الأوصاف التي سمعها. وهكذا سلَّم
استفانوس شهادته ومشاهدته ودفاعه وإيمانه وحرارته وبذله وحياته وروحه لشاول ليسير
على هداها.

هذا بالإضافة إلى ما
اختزنه شاول في الوعي واللاوعي من محاجاة استفانوس في مجمع الكيليكيين الذي كان
يرأسه شاول على أغلب الظن، وهي التعاليم التي كانت بالنسبة لشاول بعد
أن أدرك صحتها البذار الكثيرة التي استنبتها في تربته الخاصة لتخرج
لنا مناهج لاهوتية تغطِّي مساحة الصليب الذي انفرش على كل الأرض والسماء.

وهكذا مِنْ شهيد لشهيد
انتقلت كنيسة البرية إلى مُلْك الأمم لتضرب أوتادها في أرض العالم لتخرج أعظم
كاتدرائيات لا في فخامة المباني بل في قوة ومجد اللاهوت، ومن شعلة وهَّاجة أضاءت
ما حولها إلى شعلة ملتهبة أضاءت المسكونة كلها ولا تزال، “وصداها”([1])
أضاء وجه السماء!!

1:9و2 «أمَّا شاولُ
فكانَ لم يَزل يَنفُثُ تهدُّداً وقتلاً على تلاميذ الربِّ ، فتقدَّمَ إلى رئيس الكهنةِ وطلبَ منه رسائلَ إلى دِمشقَ إلى
الجماعاتِ حتى إذا وَجَدَ أُناساً مِنَ الطريقِ رِجالاً أو نِساءً يسوقُهُم
مُوثَقِينَ إلى أُورشليمَ».

لم يكتف شاول بما عمله
في الكنيسة في أورشليم وما حولها في اليهودية، بل وسَّع خططه لتشمل كل المدن
المحيطة:

+ » وإذ أفرط
حنقي عليهم كنت أطردهم إلى المدن التي في الخارج.
«(أع 11:26)

ولكن هذه المرة أراد
تعقّبهم حتى في المدن خارجاً. واستطاع بواسطة رئيس الكهنة أن يدبِّر حركة التفاف
على المسيحيين الذين هربوا نحو دمشق:

+ » واضطهدت هذا
الطريق حتى الموت مقيِّداً ومسلِّماً إلى السجون رجالاً ونساءً، كما يشهد لي أيضاً
رئيس الكهنة وجميع المشيخة الذين إذ أخذت أيضاً منهم رسائل للإخوة إلى دمشق ذهبت
لآتي بالذين هناك إلى أُورشليم مقيَّدين لكي يُعاقبوا.
«(أع 22: 4و5)

وهكذا يوضِّح مدى سلطة
رئيس الكهنة على كل اليهود داخل محيط أرضه وخارجها بحجة سلامة الدولة، طالما كان اليهود
في بلاد تحت حكم الرومان يحكمون أورشليم وفلسطين، وذلك بمقتضى معاهدة أُبرمت سنة
138ق.م([2]).
ودمشق آنذاك كانت عاصمة دولة الأراميين التي كانت قد أُسقطت بيد الآشوريين  سنة
732 ق.م. ومنذ سنة 64 ق.م. دخلت تحت الحكم الروماني كمقاطعة باسم سوريا. ولكن دمشق
أخذت بنوع خاص امتيازاً مدنياً مع عشر مدن في سوريا وعبر الأردن المعروفة بالعشر
المدن (انظر مر 20:5، 21:7). غير أن ملك النباطيين العرب الذي كان يملك من خليج
العقبة حتى إلى ما حول دمشق كانت له بعض السلطة في دمشق نظراً لكثرة رعاياه في
المدينة([3]).

والمعروف أنه كان يوجد
آنذاك
في دمشق عدد كبير من اليهود، وذلك على ضوء الحقيقة التي تسجَّلت بعد ذلك أن ما بين
عشرة آلاف إلى عشرين ألف يهودي ذُبحوا في دمشق سنة 66 م، والذي سجَّل ذلك هو
يوسيفوس المؤرِّخ. فقد سجَّل عشرة آلاف في مناسبة، وفي أخرى قال إنهم كانوا 18
ألفاً([4])،
وذلك في بداية الحرب السبعينية. ومن هذا يستفاد أنه كان لهم هناك عدة مجامع يهودية
وسلطات عالية غير عادية.

والمُلاحَظ أن بولس
الرسول يصف اسم المسيحيين في ذلك الحين
» بالطريق « وذلك في مواضع عديدة كما في هذه الأيات 9:19و23؛ 4:22؛ 14:24و22؛
17:16؛ 25:18. وكان هذا الاسم من تسمية المسيحيين أنفسهم تعبيراً عن انتمائهم
للمسيح
» الطريق والحق والحياة «

ولكن يبدو أن المسيحيين
في دمشق كانوا مستوطنين وليسوا من الهاربين، لأن حنانيا الرجل القديس الذي عمَّد
بولس هو مواطن دمشقي وله علاقة وثيقة بالرب. ويبدو أنه كان أحد التلاميذ الذين
تبعوا يسوع([5])،
ولا بد أنه كان له عمل في تبشير تلك النواحي. وبولس اعتمد في بيت أحدهم، وبعد ذلك
انضم إلى جماعتهم وخدم معهم. فالمسيحيون في دمشق لم يكونوا قلَّةً، لأن أثر يوم
الخمسين قد بلغ حتى إلى كل تلك النواحي المحيطة.

علماً بأن مسيحيي دمشق
كانوا كلهم أصلاً يهوداً، وكانوا لا يزالون ملتصقين بالمجامع. وحتى حنانيا نسمع
أنه كان مشهوداً له من اليهود أنفسهم (أع 12:22). ويبدو أن تأثير تبشير هؤلاء
اليهود المتنصرين كان شديداً للغاية، وهذا هو الذي بلغت أخباره إلى شاول
والسنهدريم. ورأوا أنه كما نجح شاول في تشتيت الكنيسة في أورشليم أرسلوه ليكمِّل
المهمة في دمشق، بخطابات توصية لرؤساء هذه المجامع.

 

حادثة طريق
دمشق التاريخي
([6])

“الرب من
السماء”

نور أشد
لمعاناً من الشمس

 

كانت آخر
علاقة للقديس الشهيد استفانوس مع المسيح أن رآه في السماء!

وصارت أول
علاقة لشاول (المدعو بولس) مع المسيح هو حينما رآه “الرب من السماء”.

وكأنها
تسليم وتسلُّم!

3:95
«وفي ذهابهِ حَدَثَ أَنَّهُ اقتربَ إلى دِمِشقَ فبغتَةً أَبرقَ حولهُ نُورٌ
مِنَ السماء. فسقطَ على الأرضِ وسَمِعَ صوتاً قائلاً لهُ شاولُ شاولُ لِماذا
تَضطَهِدُني. فقالَ مَنْ أَنتَ يا سيِّدُ، فقالَ الربُّ أَنا يسُوعُ الذي أَنتَ
تضطَهِدُه، صَعْبٌ عليكَ أَن ترفُسَ مَنَاخِسَ».

كانت رحلة أعدَّ لها
شاول كل ما في قدراته من خطط ليُسكت صوت الكنيسة في كل مكان، فنجاحه في أورشليم
وسَّع دائرة طموحاته. خرج من أورشليم وهو لا يعلم أنه لن يعود إليها يهودياً
فرِّيسياً مرة أخرى، وأن كل خططه ستتبخَّر في الهواء وتتلاشى كالدخان.

كان اليوم من أيام
الصيف الشديد
القيظ والشمس محرقة
وضوءها يعمي الأبصار.

والرحلة كانت مضنية وقد
قاربت النهاية وأسوار دمشق في الأفق، وقد
انتصف النهار. ولكن
كان ضميره متعباً للغاية، فكل الأرواح التي أزهقها كانت
تلاحقه بوجوهها الملائكية. ولكن ما كان يقلقه بالأكثر ولم يستطع أن يهرب من
إزعاجها هو اعترافات هؤلاء القديسين وحبهم الطاغي للمسيح وأمانتهم التي كلفتهم
حياتهم دون تفريط في عبادته تحت أقسى العقوبات. وهذا الغريم الخطر استفانوس، أين
يهرب شاول من وجهه الملائكي واعترافه برؤية المسيح عياناً في السماء!

كانت هذه هي المناخس
التي ما فتئت تنخس في ضميره نخساً وهو يرفضها ويشيح بوجهه عنها، ويكاد يرفسها
رفساً …

وفجأة وفي لحظة أزاحت
السماء الستار عن ناظريه وبرز وجه الرب ببهاء نوره الطاغي، فانحسر نور الشمس

واستظهر
نور وجه الرب عليها بعينيه الملتهبتين اللتين اخترقتا كل كيانه، فوقع على الأرض هو
وكل الرَكْب معه. والقديس يوحنا اللاهوتي يقص نفس الاختبار:
» ووجهه
كالشمس وهي تضيء في قوتها. فلمَّا رأيته سقطت عند رجليه كميت. فوضع يده
اليمنى عليَّ قائلاً لا تخف …
«(رؤ 17:1). أمَّا هو فسمع الصوت الذي يخاطب ضميره المعذَّب: » شاول شاول
لماذا تضطهدني
«(بلغته العبرانية
(أو الأرامية) التي ترجمها د.هـ. دالمان([7]) هكذا: “شاول
شاول ما إتْ راديفيني =
Sha’ul
Sha’ul ma att  radephinni
”.

فردَّ شاول: » مَنْ أنت يا
سيد
« لأنه ظنَّ أن
الصوت صوت إنسان فإذا به يُصدَم الصدمة التي أفاقته: «أنا يسوع الذي أنت
تضطهده»!
وهكذا انقشعت كل الشكوك التي راودته عن يسوع وظهرت الحقيقة كالشمس في
منتصف النهار. ثم صوت التأنيب الذي يزكي صراخ ضميره ويزكي صراخ قتلاه والذين
عذَّبهم: «صعب عليك أن ترفس مناخس». أنا أنا الذي كنت أوقظ ضميرك بلا جدوى
وأوبِّخك بلا طائل وأحذِّرك بلا فائدة، وأنت سادر في غَيِّك ومنساقٌ  في جهالتك.

«شاول شاول
لماذا تضطهدني»:

هذا أسلوب الله في
النداء
» إبراهيم إبراهيم « » موسى موسى « » صموئيل صموئيل « » مرثا مرثا « » سمعان سمعان « » شاول شاول « وراء النداء المزدوج دائماً رسالة تشجيع أو تحذير أو استعلان أو
رثاء.

ويُقال إن قديس الهند
المسيحي المشهور صادهو ساندر سنغ
Sadhu
Sundar Singh
وهو من ديانة السيخ، ظهر له
المسيح وخاطبه نفس الخطاب بلغتة: [إلى متى تضطهدني]([8])
بعد أن تمادى في معاداته للإنجيل بكل قوة، فبينما كان يصلِّي في الصباح إذا نور
أضاء وفي وسط النور كما يقول هو بفمه
» رأيت الرب
يسوع نفسه وحدَّثني
«!

«مَنْ أنت
يا سيد»:

هذا السؤال بوضعه هذا
يفيد تماماً أن شاول لم يصل بعد إلى حقيقة المتكلِّم، فالرب لا يقال له «أنت» في
الأدب العبري. ولكن المتكلِّم وافق في وداعة على أنه على مستوى «أنت»،
وأجاب الإجابة التي فتحت بصيرته في الحال وردَّت على آلاف الأسئلة المحيِّرة التي
أقلقت روحه كل الأيام السالفة: لعله يكون هو المسيَّا؟ لا يمكن، إنه لا يحفظ
الناموس؛ لعله يكون هو المسيَّا؟ لا يمكن إنه لا
يحفظ السبت؛ لعله يكون هو المسيَّا؟ لا يمكن، إنه يتعالى على إبراهيم وموسى. لا
يمكن، لا
يمكن.

«أنا هو
يسوع الذي أنت تضطهده»:

إذاً، فقد قتلتُ
استفانوس! وآذيتُ قديسي العلي! وأتلفتُ الكنيسة وعاديتُ المسيَّا وأحزنت قلب
الله!! يا ويحي أنا الإنسان الشقي مَنْ ينقذني من هذا الموت الذي هو أشد من الموت!

«صعبٌ عليك
أن ترفس مناخس»:

إذاً، هو الذي كان
يكلِّمني ويحذرني ويلومني وصوته هو الذي عذَّب ضميري!

6:9 «فقالَ
وهو مُرتَعِدٌ ومُتحيِّرٌ يا ربُّ ماذا تُريدُ أن أَفعَلَ. فقالَ لهُ الربُّ قُم
وادخُلِ المدينةَ فيُقالَ لكَ ماذا ينبغي أَن تفعلَ».

الملفت للنظر بصورة
شديدة للغاية، أن شاول دخل في حوار علني مع الرب في السماء يسمع ويُجيب، ويسأل
ويُجاب. المسألة ليست وهماً ولا حالة صرع كما يقول العلماء، ولا هي حالة داخلية
تهيأ له فيها ما تهيأ، بل نور من السماء أوقعه أرضاً وصوت يتحدَّث عن ماضٍ يتقطَّر
دماً ومؤاخذة، وتحذير ثم قيادة وتدبير. هذا هو الوعي الكامل فوق الوعي المنحصر
بالعقل، وعي ذهني وفكري، وحواس ووعي بالسماء المفتوحة والرب من السماء يتكلَّم.
نحن هنا أمام أقوى التحام تمَّ بين إنسان خاطئ
معاند
مُفْترٍ وبين السماء وقلب الله، والمسيح يختار ويقدِّس لنفسه إناءً أهان نفسه
وأهان الكنيسة وأهان الرحمة والتعقُّل، ليجعله إناءً مختاراً له.

وبالمقابل
نقول
من جهة ق. بطرس، بالألغاز تكلَّم مع
» الله «وليس المسيح
المستعلن، في لغز ملاءة مدلاَّة ووحوش وطيور تُرفع وتُدلَّى، وصوت من ورائها
يتكلَّم باللغز. ولكن هنا نحن أمام وجه لوجه وحوار مفتوح وتدبير ووعد بأن كل شيء
قد ترتب وسيُعلن الواحد بعد الآخر.

كل هذا وبولس منطرح على
الأرض غير قادر على الحركة، وفاقد البصر من شدة النور الإلهي الذي اصطدم بالظلمة
التي فيه ممثَّلةً في عينيه!

7:9و8 «وأمَّا
الرجالُ المسافرونَ معهُ فوقفوا صامتينَ يسمعُونَ الصَّوتَ ولا ينظرُونَ أَحداً.
فَنَهَضَ شاولُ عنِ الأَرضِ وكانَ وهوَ مفتوحُ العينينِ لا يُبصِرُ أَحداً،
فاقتادوهُ بيدهِ وأَدخلُوهُ إلى دمشقَ».

في البداية عند ظهور
النور السمائي فجأة وقعوا جميعهم على الأرض، ولكن هؤلاء قاموا بعد زوال الصدمة.
وهذه أيضاً تضاف على مدى شدة تأثير الحادث على أجسامهم وحواسهم جميعاً. إذاً، فهي
ليست حادثة داخلية دخل فيها بولس وحده، بل حادث اهتزت له كل الأجسام والحواس، بل
اهتزت له الكنيسة على مدى العصور!

بولس وقع مثلهم فاقد
البصر، أمَّا هم فسمعوا الصوت، وأمَّا المسيح فلم يروه، لأن ظهوره هو ظهور
استعلاني يظهر لمَنْ يريد المسيح أن يعلن له نفسه، فهو ظهور في حالة قيامة تكملةً
للظهورات التي بدأها بعد القيامة من الأموات في اليوم الثالث. فهو ظهور خاص ببولس
وحده:
» وآخر الكل كأنه للسقط ظهر لي أنا «(1كو 8:15). لذلك أصبح بولس في الحال:

1
مُعتبَراً شاهداً لقيامة الرب من بين الأموات.

2
ومكلَّفاً بالشهادة للقيامة التي رآها.

3
ومحسوباً من الأخصاء الذين اختارهم الرب ليُظهر لهم ذاته.

4 كما دخل
في علاقة شخصية مع الرب الذي ظهر له من السماء.

5 وظهور
الرب له في حالة القيامة كان بادرة تعني أن الله سيعلن له كل ما فات من قصة حياته
السابقة على الأرض حتماً وبالضرورة:

( أ ) الولادة من
امرأة تحت الناموس.

(ب) بحلول ملء
اللاهوت جسدياً.

( ج ) والظهور في
هيئة عبد.

( د ) والطاعة حتى
الصليب.

( هـ ) وآلام وشدائد
الرب بالجسد.

( و ) والموت.

( ز ) والدفن في
القبر.

( ح ) والقيامة بقوة
الله.

( ط ) واستعلان بنوة
الله.

 

«يسمعون
الصوت»:

صوت مجرَّد غير
واضح
المعالم والكلمات، لأنه مُرسل لبولس وحده، تماماً كمثل ما حدث حينما قال الرب:
» أيها الآب
مجِّد اسمك، فجاء صوت من السماء مجَّدتُ وأُمجِّد أيضاً. فالجمع الذي كان واقفاً
وسمع قال قد حدث رعد. وآخرون قالوا قد كلَّمه ملاك
«(يو 12: 28و29). فهنا الكلام من السماء كلام حقيقي ولكن ليس لأحد
أن يُفسِّر إلاَّ المرسَل له.

8:9 «فَنَهَضَ
شاوُلُ عِنِ الأَرضِ وكانَ وهوَ مفتُوحُ العينينِ لا يُبصِرُ أَحداً،
فاقتادوه بيدهِ وأدخلوهُ إلى دمشقَ.»

ما أصدق هذا الوصف، فهو
طِبْق الأصل نقرأه في كل حادث تكلم فيه الله أو ملاك إلى إنسان. فلكي ينفتح الوعي
الروحي العالي ليتقبَّل الكلام الفائق عن الكلام الطبيعي، لابد أن يفقد
الإنسان حواسه الجسدية وانتباهه الجسدي حتى يستقبل ما هو فوق الطبيعي، ففقدُ البصر
الوقتي الذي حدث لبولس كان حتميًّا لكي يستطيع البصر الروحي بالوعي الفائق للطبيعة
أن يطَّلع على وجه المسيح بكل دقائقه الإلهية ويتعرَّف عليه تعرُّف الحق للحق
والنور للنور
» بنورك يا رب نعاين النور «(مز 9:26 حسب السبعينية). أمَّا الكلام فلا يحتاج
لفقدان السمع الطبيعي لأنه كلام يختص بالجسد والحركة على الأرض وعليه أن يسمعه كما
هو لينفِّذه كما هو. ولكن من الجهة الأخرى نسمع من بولس أنه فقد وعيه بالجسد
نهائياً بحواسه كلها
» أفي الجسد لست أعلم أم خارج الجسد لست أعلم «(2كو 2:12)، لكي تستطيع الروح أن تُرفع إلى السماء لترى وتسمع
كلاماً لا يسوغ أن يُنطق به لأنه كلام لا يختص بالجسد أو الأرض.

كل هذه الوثائق
المختبرة والمعروفة لدى الروحيين توثِّق بصورة تلقائية صدق كل هذه الرواية صدقاً
لا يشوبه أي تأليف أو إدعاء كما يهذي العلماء. وبولس نفسه يعترف بذلك بعدئذ
قائلاً:

+ » وإذ كنت لا
أبصر من أجل بهاء ذلك النور اقتادني بيدي الذين كانوا معي فجئت إلى دمشق.
«(أع 11:22)

واقتادوا ذلك الجبَّار
الذي زلزل الكنيسة هنا وهناك وأينما حلَّ، اقتادوه وهو يتلمَّس بعصاه الطريق
صامتاً لا يتكلَّم بل لا يأكل ولا يشرب، حتى أدخلوه بيت يهوذا في الطريق الذي
يُدعى المستقيم (درب المستقيم الآن)، والذي لا تزال آثاره باقية ومدخله تحت قوس
كبير. وانزوى شاول في ركن الغرفة التي نزل فيها ثلاثة أيام متوالية يستعيد
ويستعيد، يستعيد كل شيء، كل يوم، كل حادثة في الماضي البعيد والقريب: مِنْ ذلك
الذي رآه وسمعه على الطريق، والوجه المضيء المتلأليء بالمجد، يسوع …، ثم
استفانوس وكل ضحاياه الأخر، ثمَّ فرِّيسيته التي انتهت إلى مقاومة الحق من أجل

الحق،
وكيف أن الحق الذي حارب عنه كان هو الضلالة الحقيقية عن الحق، ثم غمالائيل،
والناموس، وموسى، والأنبياء، وإبراهيم، وكأن  لسانُ حاله يقول:

“ما هذا الذي حدث؟؟
لابد أن أعيد كل ما عرفت وأعيد كل ما آمنت به على ضوء هذا الوجه الأمين الصادق
الرب من السماء!! أكان هذا هو المسيا ونحن صلبناه؟ يا للهول، أهذا هو الفادي ونحن
دفنَّاه؟ فرحنا بموته وانزعجنا من قيامته فقلبنا على رؤوسنا الوعد وحوَّلناه إلى
لعنة؟ وزدنا على لعنتنا كل هذه الدماء البريئة؟ حملناه على رؤوسنا فزادتنا بعداً
على بعد حتى تأوه المسيح من السماء لما آذينا جسده في هؤلاء القديسين.

إلى هنا!! وهل بقيتْ لي
توبة؟ هل يرضى بي الرب مؤمناً؟؟”

(ب) إرسال
حنانيا إلى شاول (9: 10
19):

السماء
تتحرَّك على جبهتين لتحاصر الإناء المختار لحمل رسالة الأمم:

كان هذا من ناحية يحدث
على طريق دمشق، وحلقته الثانية في بيت يهوذا ذلك الإنسان اليهودي المتنصِّر في
حارة اليهود حيث شاول يدعو ويصلِّي حتى يغفر الله ما حدث ويقبله المسيح مؤمناً
وينير قلبه ليفهم ما جرى. وهو صائم لا يريد أن يزدرد طعاماً،  ولا شراباً. والنفس
مُرَّة، والروح جفَّتْ تطلب إصبع إبراهيم (انظر لو 24:16). وما كاد يفرغ من صلاته
حتى أحس برؤيا غير عينية بالوجه المنير يطمئنه، وبرجُلٍ اسمه حنانيا يدخل عليه
ويضع يده على عينيه ليُشفى. وهكذا بدأت السماء مرة أخرى تُضِيء قلبه بمستقبل
العلاقات التي لن تنقطع بين الرب من السماء وعمله الجديد.

ومن الناحية الأخرى في
المقابل، حنانيا يبشر باسم المسيح من بيت إلى بيت. وإذا السماء تنفتح أيضاً والصوت
الذي كلَّم شاول على الطريق يفتح الخط على حنانيا.

10:916 «وكانَ
في دمِشْقَ تلميذٌ اسمُهُ حنانيَّا، فقالَ لهُ الربُّ في رؤُيا: يا حنَانيَّا.
فقالَ: هأَنذا يا رَبُّ. فقالَ لهُ الربُّ قُمْ واذهبْ إلى الزُّقاقِ الذي يُقالُ
لهُ المُستَقِيمُ واطلُبْ في
بيتِ يهُوذا
رجُلاً طَرسُوسيًّا اسمُهُ شاوُلُ، لأَنَّه هوذا يُصَلِّي وقد رأَى في رؤيَا
رجُلاً اسمُهُ حنانيَّا داخلاً وواضعاً يَدَهُ عليهِ لكي يُبصِرَ. فأَجَابَ
حنانيَّا يا ربُّ قد سَمِعتُ مِنْ كثيرينَ عن هذا الرَّجُلِ كَمْ مِنَ الشُّرورِ
فَعَلَ بقدِّيسيكَ في أُورشليمَ. وهَهُنَا لهُ سُلطَانٌ مِنْ قِبَلِ رؤُساءِ
الكَهَنَةِ أَن يُوثِقَ جميعَ الذينَ يَدعُونَ
باسمِكَ. فقالَ لهُ الربُّ اذهبْ، لأن هذا لي إِناءٌ مختارٌ ليحملَ اسمي أَمامَ
أُممٍ وملوكٍ وبني إِسرائيلَ. لأَني سأُريهِ كَمْ ينبغي أَن يتألَّمَ مِنْ أجل
اسمي».

هكذا كانت السماء
تتخاطب على الخطين لتوصِّل هذا بذاك بطرق لا تخطر على قلب بشر.

منذ استشهاد استفانوس
ونحن نسمع الأعاجيب. لقد دخلنا بالفعل في أجمل وأحلى أيام العهد القديم حين كانت
السماء تُفتح بكلمة وبكلمة تُغلق. تمطر أو تكفّ عن المطر برأي وفكر وكلمة إنسان!
وحين كان إذا عزّ على الإنسان أن ينتقل على رجليه، فالروح يحمله إلى حيث يريد. حين
كان الخشب يلتقط الحديد من قاع النهر، والسم يلغي سطوته حفنة دقيق، وحين يطلب
الإنسان ناراً من السماء لتبتلع أُوُرْطة من جنود الجيش وتتكرر الحادثة إذا لزم
الأمر.

وباختصار كانت السماء
قد فرَّطت في قوانينها الحتمية وسلَّمتها ليد الإنسان ليستخدمها كما يشاء بلا
مانع. فبعد ما رأينا أعاجيب فيلبُّس وهي لا زالت تُجرى، نجيء إلى شاول فنراه
يتعقَّب القديسين ليقتلهم، وإذا بالرب يتعقَّبه ليختاره رسولاً خاصاً له.

ثم نراه وهو سائر على
طريق دمشق يدبِّر خطط القبض لإيداع فرائسه السجن، اصطاده الرب وقبض عليه ليودعه
ملكوته ليدبِّر معه خطط خلاص أمم وملوك وشعب إسرائيل.

وإذ فقد بصره وصار في
ظلام كان ذلك إعداداً له ليُخرج الأمم من الظلمات إلى النور.

وبينما
شاول يرى في رؤيا رجلاً اسمه حنانيَّا آتياً وواضعاً يده على عينيه ليُشفى، مجرَّد
رؤيا، كان
الرب
يقول لحنانيا اذهب إلى شاول لأنه الآن يرى رؤيا: يراك داخلاً وواضعاً يدك على
عينيه للشفاء، فدخل حنانيا على شاول، وشاول رآه داخلاً قبل أن يدخل!! وحنانيَّا
عازم على وضع يده، وشاول رآها موضوعة قبل أن توضع!! فشُفي شاول، وكان قد رأى أنه
قد شُفي!! كل هذه الأعاجيب كانت بالنسبة لشاول مناهج تعليم جديدة ليُخرجه من حبس
وقيود الناموس إلى عمل الروح الحرّ البديع الذي لا يخضع لناموس ولا قانون ولا نظام
ولا معقول. لأن الروح يخدم الروح، والروح حرّ تماماً كالله.

أمَّا لماذا ظهر الرب
لشاول من السماء، فذلك
لكي يَعْلم بولس
ويُعلِّم أن مصدر تعليم العهد الجديد ليس من سيناء بل من السماء.

أمَّا لماذا ظهر له وجه
الرب أكثر لمعاناً من الشمس وفي وقت الظهيرة، فذلك ليعلم أن لمعان وجه موسى حينما
تلقَّى الشريعة غطَّاه ظِلُّ شمس البر من السماء ليظهر الإنجيل في ملء بهاء مجد
الله وشعاع نور لاهوته.

«فأجاب
حنانيا:

يا ربُّ قد
سمعت من كثيرين عن هذا الرجل كم من الشرور فعل بقديسيك…»:

إذاً، فحنانيا لم يكن
هارباً مع المسيحيين الذين هربوا من أورشليم، بل وأنه ليس مواطناً من أورشليم،
وغالباً هو يهودي من دمشق تنصَّر بفاعلية يوم الخمسين حينما كان في العيد ورأى
وسمع بطرس وتاب واعتمد وذهب يبشِّر في دمشق.

ويصفه بولس الرسول
قائلاً:

+ » ثم إن
حنانياً رجلاً
تقيًّا حسب الناموس
ومشهوداً له من جميع اليهود السكَّان، أتى إليَّ ووقف وقال لي: أيها الأخ شاول
أَبصر. ففي تلك الساعة نظرت إليه. فقال: إله آبائنا انتخبك لتعلم مشيئته وتُبصر
البار (يسوع المسيح) وتسمع صوتاً من فمه. لأنك ستكون له شاهداً لجميع الناس بما
رأيت وسمعت. والآن لماذا تتوانى. قُم واعتمد واغسل خطاياك داعياً باسم الرب.
«(أع 22: 1216)

«لأن هذا لي
إناءٌ مختارٌ»:
skeàoj ™klogÁj، وباللاتينية vas
electiones

ولقد فهم بولس الرسول
هذا الاصطلاح فهماً عميقاً: فعبَّر عنه هكذا:

+ » ولكن لمَّا
سَرَّ الله الذي أفرزني من بطن أمِّي ودعاني بنعمته …

«(غل 15:1)

وهنا نحن مرَّة أخرى
داخلون في سِمات العهد القديم، فالكلام هنا مرادف لما قاله الله عن إرميا النبي:

+ » فكانت كلمة
الربِّ إليَّ قائلاً: قبلَمَا صوَّرتُك
في البطن
عرفتُك (مختار) وقبلما خرجتَ من الرحم قدَّستك (أفرزتك) جعلتك نبيًّا للشعوب
(الأمم) … لا تخف من وجوههم لأني أنا معك لأُنقذك يقول الرب. ومدَّ الرب يده
ولمس فمي وقال الرب لي ها قد جعلتُ كلامي في فمك.
«(إر 1: 4و5و8و9)

وظل بولس متمسِّكاً
بهذه الكلمة التي قالها لحنانيا:
» هذا إناءٌ مختارٌ ليحمل
اسمي أمام أمم وملوك وبني إسرائيل
« كسمة ولقب ووظيفة ورسالة و“كارت” (بطاقة) مرور لكل الشعوب: » بولس عبد ليسوع
المسيح المدعو رسولاً المفرز لإنجيل الله … لإطاعة الإيمان في جميع
الأمم!!
«(رو 1: 1و5)

«سأُريه كم
ينبغي أن يتألَّم من أجل اسمي»:

وهذه الآلام التي لم
يكن لها مثيل قط في كل مَنْ أرسله الله ليكرز باسمه، وإن كانت كما علم بولس وتأكد
تخليص ذنب ومذاقة مختارة تتناسب مع ما أذاقه من مرارة لمئات وربما ألوف من قديسي
الله وقديساته!! إلاَّ أنه بمهارة الكارز وبحذق فهم معنى حمل الصليب حوَّلها كلها
لحساب امتيازه!! عن الجميع!! بل وعن باقي الرسل أجمعين اسمعه يقارن بينه وبين
الرسل:

+ » أهُم
عبرانيون فأنا أيضاً … أهُم خدام المسيح، أقول كمختل العقل، فأنا أفضل.
في الأتعاب أكثر، في الضربات أَوْفَر، في السجون أكثر، في
الميتات مراراً
كثيرة … «(2كو 11: 22و23)

بل عاد واتخذ آلامه
الكثيرة فرصة للافتخار جاعلاً آلامه منسوبة إلى الكنيسة، لأنه فعلاً تألَّم لتنمو
هي واضطُهِد لتنتعش وسُحق لتتحرَّرَ، وتمرَّرت حياته من الداخل والخارج لتفرح
الكنيسة بلاهوتها وعلمها واستعلاناتها، وتتهلَّل. فلمَّا وجد أن آلامه آلت إلى مجد
الكنيسة اجترأ وقال:

+ » الذي الآن
أفرح في آلامي لأجلكم وأكمِّل نقائص شدائد المسيح في جسمي لأجل جسده الذي هو
الكنيسة.
«(كو 24:1)

ولكن كان الرب بقدر ما
يكيل له الآلام بقدر ما كان يحوِّلها في قلبه وفكره إلى عزاء يتحوَّل إلى إنجيل
وبالنهاية صارت آلام بولس مصدر عزاء العالم وجزءاً لا يتجزأ من إنجيل الخلاص.

يا له من مجد! فمَنْ ذا
يتألم ويلتفت إلى بولس، ثم يعود ليذكر آلامه. أو مَنْ ذا يتعذَّب ويُسجن ويُضرب
ويُهان من أجل الإيمان ويتذكر بولس ثم لا يتهلل! لقد تقدَّم بولس وصار سابقة يُقاس
عليها أقسى الآلام من أجل الإنجيل فتهون على أصحابها.

لقد كان بولس كعرق
نَبَتَ من جذر الصليب حاملاً سِماته أيضاً في جسده!!

 

وقفة قصيرة

ما رأيك أيها القارئ
العزيز في “المسيح” هذا بعد “معاملته” هذه في “شاول” هذا؟؟

شاول ينكِّل بأولاده
ويُذيق قديسيه العذاب، ويرجم شهيده حتى الموت، ويجرّ النساء القديسات مع الرجال
إلى السجن، ويعاقبهم حتى الموت، ويجدِّف على اسمه ألف مرة في اليوم، ثم يدعوه
المسيح بكل لطف ويختاره إناءً مكرَّماً يحمل اسمه إلى أمم وملوك!! نعم ما رأيك
أيها القارئ العزيز في هذا المسيح؟ ما رأيك الخاص في شخصيته؟ وفي أسلوبه في
التعامل مع خصومه؟

ماذا تتصوَّر في قياس
قامته وعمقه واتساعه، هل يمكن أن يدانيه بشر؟ هل يمكن أن يكون له قلب إنسان؟ أو

فكر
إنسان؟ خاصة وأنه في السماء ومن السماء يتكلَّم ويعمل؟

إذاً، إن
قرأتَ
لبولس ما كتبه عن المسيح ولاهوته وربوبيته ومجده فاعلم أنه يكتب عن رؤيا صافية
جداً وأمانة دقيقة. إذ لم يحدث في عالم الإنسان قاطبة أن إنساناً أساء بأشنع
الإساءات وعادى بأقسى العداوات وحارب بأضرى المحاربات إنساناً حسبه

إنساناً
فإذا هو الإله وابن الله، فجازاه هذا أعظم المجازاة وقرَّبه إلى نفسه أقصى القربى
بل جعله واحداً مع نفسه وأقامه رسولاً على كل ملكه وأغدق عليه من النعم والمواهب
ما لم يُعطِ لآخر … وهكذا أثبت المسيح لبولس وفي بولس وللعالم كله مَنْ هو
المسيح!! بل مَنْ هو الله!! لأنه لم يظهر في العالم على مدى تاريخه شخصية أرضية أو
سماوية أعطتنا صورة حقيقية عن الله إلاَّ المسيح!

17:9 «فمضَى
حنانيَّا ودخَلَ
البيتَ ووضعَ عليهِ
يديهِ وقالَ أَيـُّها الأَخُ شاولُ قد أرسلني الربُّ يسوُعُ الذي ظَهَرَ لك في
الطريقِ الذي جئتَ فيه لكي تُبصِرَ وتمتلِئَ من الروحِ القُدُسِ».

يُلاحِظ القارئ هنا أن
هذا كان بأمر الرب من السماء، فهذا طقس رسمي في الكنيسة يحمل سرّ إعطاء الروح
القدس. وهنا حدث أمران في وقت واحد: امتلأ شاول من الروح القدس وانفتحت عيناه.
ويُلاحَظ أيضاً أن حنانيا ليس رسولاً، ولكن يُقال إنه تلميذ، ربما من تلاميذ الرب
الكثيرين الذين تبعوه أيام كان يكرز على الأرض. فهنا لم يكلِّف الله رسولاً من
الرسل في هذه المهمة الخطيرة. إذاً، اختيار شاول ثم وضع اليد عليه وتعيينه رسولاً
أمر خطير في الطقس والقانون الكنسي. فتعيين شاول رسولاً بأمر الرب كباقي الرسل
ولخدمة جديدة تختص بكافة الشعوب والأمم يعادل في مستواها الكرازي الكنسي يوم
الخمسين، فهو تكميل رسمي لأمر الرب بالذهاب والكرازة إلى أقصى الأرض. فالرسل
اختُصُّوا بأورشليم واليهودية والسامرة وبولس اختُصَّ بالعالم وإلى أقصى الأرض.

«الرب
يسوع»:
Ð KÚrioj ¢pšstalkšn me, ‘Ihsoàj
Ð Ñfqe…j soi

لم تأتِ هكذا باليوناني
ولكن جاءت بمعنى الرب الذي هو يسوع هكذا:
» الرب أرسلني
(الذي هو) يسوع الذي ظهر لك …
«فهنا توجيه لذهن شاول
وفي نفس الوقت اعتراف وشهادة من حنانيا بأن
» الرب «هو » يسوع «وليس العكس،
وذلك تأكيداً لاستعلان شخص يسوع الرب، بمعنى أن الرب الذي نعبده ظهر أنه هو يسوع.

«قد أرسلني
الرب يسوع الذي ظهر لك في الطريق»:

انتبه أيها القارئ: هنا
عملية تأكيد للرؤيا خارجة عن نطاق فكر بولس وشهادته، هنا شهادة صادرة من رجل عاش
في دمشق أُعلم بواسطة الرب ما حدث لشاول في الطريق، كما حدث تماماً بشهادة الرب
يسوع نفسه. فهنا إعادة رواية حادث دمشق
من شاهدين
الأول هو الرب يسوع نفسه من السماء لحنانيا، والثاني حنانيا الذي تقبَّل شهادة
الرب يسوع برؤيا ليقولها لشاول ليتأكد شاول أن ما حدث له هو صحيح وهو من الرب
يسوع، ولنا أيضاً لنتأكد نحن من صدق شاول في روايته ومن كل ما حدث لشاول من

الرب
نفسه عن طريق حنانيا. فهنا شهادة ثلاثة شهود لذلك تحتَّم التصديق. ولكن العلماء لا
يصدِّقون ويقولون إن شاول كان مصاباً بالصرع!!

هنا حدثت “رسامة رسول”
بطريق مباشر من السماء إنما منقولاً على فم وعلى يد تلميذ. وواضح غاية الوضوح
اعتناء الرب يسوع أن تكون رسامة شاول رسولاً من فمه مباشرة، لأنه رسوله مباشرة
وليس عن طريق رسول، حتى لا يكون شاول أقل من رسول، وحتى تكون خدمة بولس
فيما بعد تحت عناية وتدبير الرب مباشرة وليس عن طريق وسيط. فيد حنانيا ونُطْق فمه
تُحسب أنها وضع يد المسيح ونُطْق من فمه لأنها بتكليف مباشر منه.

وحنانيا
يبرِّئ ذمته من أنه ليس وسيطاً ولكنه مُبلِّغٌ أمراً وناقل تكليفاً بقوله:
» قد أرسلني
الرب يسوع الذي ظهر لك في الطريق الذي جئت فيه لكي تبصر وتمتلئ من الروح القدس
«

وعلى أساس هذا الذي
تمَّ كما شرحناه تماماً، يؤكد بولس أنه رُسِم رسولاً لا من الناس ولا

بواسطة
إنسان ما بل بالمسيح رأساً:
» بولس رسولٌ لا من
الناس ولا بإنسان،
بل بيسوع المسيح والله الآب الذي أقامه من الأموات
«(غل 1:1)، كذلك لم يتقبَّل الإنجيل بكل ما فيه من إنسان!! » وأُعرِّفكم
أيها الإخوة الإنجيل الذي بشَّرت به أنه ليس بحسب إنسان، لأني لم أقبله من
عند إنسان ولا عُلِّمتُهُ، بل بإعلان يسوع المسيح.
«(غل 11:1و12)

بل ويزيد أنه بالنسبة
لكنيسة أُورشليم فهو لم يكن عضواً فيها ولا صديقاً لأعضائها بل بالعكس تماماً
اضطهدها واضطهد رسلها أجمعين وبدَّد وشتَّت رعيتها. ورغماً عن ذلك اختاره الرب ليس
منذ وقت الرؤيا بل وحتى وهو في بطن أمّه:

+ » فإنكم سمعتم
بسيرتي قبلاً في الديانة اليهودية أني كنت أضطهد كنيسة الله بإفراط
وأُتلفها، … ولكن لمَّا سَرَّ الله الذي أفرزني من بطن أمي ودعاني بنعمته
أن يعلن ابنه فيَّ لأُبشِّر به بين الأمم، للوقت لم استشر لحماً ودماً، ولا
صعدت إلى أورشليم إلى الرسل الذين قبلي، بل انطلقت إلى العربية ثم رجعت أيضاً إلى
دمشق. ثم بعد ثلاث سنين صعدت إلى أورشليم لأتعرَّف ببطرس فمكثت عنده خمسة عشر
يوماً. ولكنني لم أرَ غيره من الرسل إلاَّ يعقوب أخا الرب.
«(غل 1: 1319)

هذه هي سيرة شاول
المدعو بولس وكيف صار رسولاً من المسيح والله رأساً فيما يختص بالأمم. كما قال هو
نفسه:
» فإن الذي عمل في بطرس لرسالة الختان عمل فيَّ أيضاً للأمم «(غل 8:2). ليس لأن بولس يقود كنيسة أخرى أو إنجيلاً آخر، إذ هو
نفسه الإنجيل ونفس الكنيسة، ولكن لبشارة الأمم:

+ » فإذ علم
بالنعمة المعطاة لي يعقوب وصفا ويوحنا المعتبرون أنهم أعمدة، أعطوني وبرنابا يمين
الشركة لنكون نحن للأمم وأمَّا هم فللختان.
«(غل 9:2)

ولكن قد يسأل سائل، فأي
طقس كنسي يتبعه بولس الرسول رسمياً، أي مِنْ يد مَنْ استلم سلطان الكنيسة والتعليم
الذي سلَّمه المسيح للاثني عشر؟ للجواب على هذا مهَّد القديس لوقا بالمعلومات
المتوفرة لديه في قصة فيلبس وحنانيا، بإظهار بروز طقس “النبوَّة” في
الكنيسة المرافق والموازي والمعادل للرسولية، باعتباره مُسَلَّماً من الله وليس
بوضع يد الرسولية. فرأينا في القديس فيلبُّس طقس كرازة حرَّة كاملة وناجحة
وممتدَّة اعترف بها الرسل، ووضعوا ختمهم عليها في السامرة. كذلك رأينا في حنانيا
طقس كرازة حرَّة وناجحة بعيدة عن مركز أُورشليم ومنفصلة عنها.

من هنا كان عمل حنانيا
بالنسبة لبولس كونه ينقل رسالة سماوية من المسيح رأساً وبالفم إلى شاول باعتباره
نبيًّا رسميًّا، هنا يأخذ طقس رسامة بولس للرسولية صفة فائقة ورسمية طقسيًّا!
علماً بأن حنانيا لم يُزد ولم يُنقص عمَّا أعطاه المسيح في فمه لينطقه. وبذلك لا
يُعتبر بولس ولا يُحسب أنه يتبع حنانيا في شيء، بل ولا يُقال إن حنانيا قدَّمه
للرسولية أو حتى قام برسامته. لذلك وبكل يقين قال بولس: «لا من الناس ولا
بإنسان»،
لأن حنانيا لم يُعطِه الإنجيل، ولم يعطه الروح القدس من عنده، بل
بمجرد أن وضع يده حلَّ الروح القدس بملئه من قِبَل الرب، بل ولا حتى علَّمه أو
أعلمه بشئ مما للمسيح.

والذي أعطاه قوة
الرسولية لقوة الكرازة ظل يعطيه وينمِّيه:

+ » وأمَّا شاول
فكان يزداد قوة ويحيِّر اليهود الساكنين في دمشق محقِّقاً أن هذا هو المسيح
(المسيَّا).
«(أع 22:9)

وكم
تدين الكنيسة لهذا النبي الهادئ الوديع المشهود له من اليهود والمسيحيين على حد
سواء، المحسوب أنه صاحب أكبر دور في حياة أعظم رسول، الذي أحيا نفسه المنكسرة
بعزاء صوته المملوء محبة ولطفاً وتكريماً، وشاول في أسوأ حالات بؤسه ينتظر تعليمات
السماء فاقد البصر، صائماً عطشاناً مصلِّياً تائباً حزيناً:
» أيها الأخ شاول قد أرسلني الرب يسوع الذي ظهر لك في الطريق … «
يا لها من بشارة فتحت كُوى السماء على بولس وعلى الكنيسة في بولس.

ولكن بقدر ما ظهر
حنانيا هكذا فجأة عظيماً متألِّقاً بدوره المميَّز، بقدر ما انحسر دوره بأسرع مما
ظهر ليختفي ضمن جيش الأتقياء والأخصاء المقدَّسين الذين لا تعلم الكنيسة عنهم
شيئاً:

+ » ينبغي أن
ذلك يزيد وأني أنا أنقص.
«(يو 30:3)

(ج) بولس
يكرز في دمشق (9: 19
22):

18:920 «فللوقتِ
وقعَ مِنْ عينيهِ شيءٌ كأنَّه قشورٌ فأَبصَرَ في الحالِ وقامَ واعتمدَ، وتناولَ
طعاماً فتقوَّى. وكانَ شاولُ مع التلاميذِ الذينَ في دِمشقَ أَياماً. وللوقتِ
جعَلَ يَكرِزُ في المجامِعِ بالمسيحِ أَنْ هذا هو ابن اللهِ».

وكأني بهذه القشور
توافه الناموس وقشور المعارف التي حجزت عن عينيه رؤية المسيح متجلِّياً.

اللص عرفه على الصليب
آتياً في ملكوته؛ والفرِّيسي المتمرِّس تحت رجلي غمالائيل أنكره بل جحده بل أهانه
بل عذَّب أولاده حتى الموت.

هذه هي قشور عمى
إسرائيل، فبمجرَّد أن وُضِعَتْ اليد حلَّ الروح فسقطت قشور الظلمة، ودخل النور،
فأبصر بولس نور العهد الجديد، والنفس الجائعة شبعت من الخيرات المذخّرة، وتقوَّى
وتشدَّد بالروح ودخل في عهد البنوَّة ودُعي بالاسم الذي جدَّف عليه، فحلَّتْ عليه
بركات البنين، والذئب صار حملاً وديعاً وأطعموه طعام الحملان بعد أن كانت شهوته
الجيف، وقام وتبع القطيع بعد أن غيَّر رقطه، ودخل المجامع مبشِّراً بالاسم
محقِّقاً أن هذا هو ابن الله!!

آه لو سمعه
شاول ذاك الزمان شاول أمس، لخنقه بكلتا يديه. لذلك كم نادى بعد ذلك
وكم توسَّل وكم حذَّر مما لم يَحْذَرْ منه هو
» لا تحكموا
في شيء قبل الوقت …
«(1كو
5:4). لقد حكم سابقاً ونفَّذ، وأفرط في الحكم وفي التنفيذ، وما فتئ حتى وقع الحكم
عليه، ولولا لطف المسيح ووداعته لنفَّذ فيه ما حكم هو به، ولكن هيهات بين أحكام
الناس وأحكام ابن الإنسان، ولهذا تعرَّفنا على المسيح أنه هو حقاً ابن الله.

«وللوقت جعل
يكرز في المجامع أن هذا هو ابن الله»:
Ð
uƒÕj toà Qeoà

يا للعجب
أن
ينطق بولس أول ما ينطق واصفاً “المسيح ابن الله”. فكانت هذه أول مرَّة
يُذْكَرُ هذا اللقب في سفر الأعمال منذ أن حلَّ الروح القدس يوم الخمسين حتى اليوم
الذي نطق فيه بولس أول ما نطق فوصف المسيح بأنه ابن الله بتحقيق! ثم العجب مرة
أخرى، وهذا أعجب، أن تكون تسمية بولس للمسيح بأنه ابن الله هي أيضاً المرة الوحيدة
التي وردت في سفر الأعمال!! وهكذا يأتي التعليم الاهوتي لبولس الرسول عاجلاً
صافياً عميقاً فائقاً. لقد عملت فيه الرؤيا ووجه المسيح المضيء من السماء عملاً
استعلانياً كاشفاً ليس له نظير. وبهذا وبحسب تحقيق وعد إنجيل يوحنا، إذ قبل بولس
المسيح ابناً لله نال هو بالتالي سلطاناً أن يصير واحداً من أولاد الله، فكيف لا
يتعرَّف عليه في أبيه!

والغريب حقاً أن بولس
يضع يده بل عينيه على حقيقة المسيح الأُولى لحظة دعاه المسيح وتحقق هو من الدعوة،
إذ يقول عن نفسه، وفي قوله اعتراف وشهادة ببنوَّة المسيح لله أتاها عفواً:

+ » ولكن لمـَّا
سَرَّ الله الذي أفرزني من بطن أُمي ودعاني بنعمته أن يُعْلَن ابنه فيَّ
لأبشِّر به …
«(غل
1: 15و16)

والحقيقة، يا عزيزي
القارئ، أن المسيح في حياته كانت له سيماء العظمة المحتجبة وشكل الإله المخفى
» حقاً أنت
إله محتجبٌ يا إله إسرائيل المخلِّص
«(إش 15:45)، وله صورة مهيبة ولكن مستورة، وكأنه يسترها بيده حتى لا
تُرى؛ كان تارة تفلت منه كلمات تنمُّ عن مِنْ أين أتى وإلى أين يذهب، وتارة يطرح
نور حضرته على الواقفين فتأخذهم القشعريرة، وتارة يحسر نوره فلا يُرى إلاَّ عبداً
متألـِّماً باكياً فيعثر فيه المتكبرون. لقد ضاق به ذرعاً رئيس الكهنة فكانت هيبته
ترعبه، وفي يوم باح بسرِّه الذي يخفيه فصارحه وطارحه بحذر وتوسُّلٍ:
» أَأَنت
المسيح ابن المبارك؟ فقال يسوع أنا هو
«(مر 61:14و62). نعم، فمهما أخفى المسيح حقيقة نفسه كانت حقيقة
بنوَّته لله تسبق كلماته بل تسبق خطواته، ولم يستطع هو أن ينكرها أحياناً. ولكن كانت
قشور الناموس والمال والسيرة الردية والسلطان الذي يغرِّر بالنفس يحجب حقيقة
المسيح عن كل الذين لم يحبُّوا الحق.

«ابن الله»:

وابن الله لقب جاء في
العهد القديم متواعداً مع عدة شخصيات كلها معنوية:

1 فهو
أُطلق من فم الله على شعب إسرائيل جملة:

+ » فتقول لفرعون
هكذا يقول الرب: إسرائيل ابني البكر.
«(خر 22:4)

+ » لمَّا كان
إسرائيل غلاماً أحببتُه ومن مصر دعوت ابني.
«(هو 1:11)

2 وكان
يُطلَق على ملك إسرائيل إذ يُمسح بقرن الدهن:

+ عن سليمان «أنا
أكون له أباً وهو يكون لي ابناً.»
(2صم 14:7)

3 وكان
يُطلق على المسيَّا:

+ » هو يدعوني أبي
أنت، إلهي
وصخرة خلاصي. أنا أيضاً أجعله بكراً أعلى من ملوك الأرض.
« (مز 89: 26و27)

+ » أَأَنت
المسيح ابن المبارك؟
«(مر 61:14)

+ » أستحلفك
بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله.
«(مت 63:26)

+ » فقال الجميع
أفأنت ابن الله؟ فقال لهم أنتم تقولون إني أنا هو.
«(لو 70:22)

وهكذا يصبح لقب ابن
الله بعد أن استعلنه المسيح مؤكداً أنه ليس لقباً بل حقيقة علاقته بالله. وبذلك
أصبحت كل التعبيرات السابقة ذات صفات حتمية تُضاف إلى المسيح:

فهو الممثِّل
الحقيقي لشعب إسرائيل أمام الله!
= إسرائيل الجديد.

وهو ملك
إسرائيل
حقاً الممسوح مِنْ قِبَل الله!
» أفأنت إذاً
ملك؟ أجاب يسوع أنت تقول إني ملك.
«(يو 37:18)

وهو
المسيَّا «الكائن والذي كان والذي يأتي.» (رؤ 8:1)

وكونه ابن
الله، فهذه حقيقة جوهرية من صميم طبيعة الله. فالله آب وابن وروحٌ قُدْسٌ، الثالوث
المبارك. وعمله كان بحسب الطبيعة هو لاستعلان أبوة الله الفريدة بالنسبة لنا في
شخص المسيح الابن:
» ليس أحد يعرف الابن إلاَّ الآب، ولا أحد
يعرف الآب إلاَّ الابن
ومَنْ أراد الابن أن يعلن له. «(مت 27:11)

تَذْكِرَة:

وعلى القارئ أن يهتم في
قراءة كل رسائل بولس الرسول، لأن التركيز المباشر على بنوَّة المسيح لله يأخذ أقصى
اهتماماته
اللاهوتية. فهو نطقها في البداية كأول هجاء في
منهج لاهوته، ولكنَّها تَصح أن توضع عنواناً لكل منهجه اللاهوتي.

21:9 «فبُهِتَ جميعُ
الذين كانوا يسمعُونَ وقالوا أَليسَ هذا هو الذي أَهلَكَ في أُورشليمَ الذين
يدعُونَ بهذا الاسمِ وقد جاء إِلى
هنا لهذا
ليسوقَهُم مُوثَقينَ إلى رُؤَساءِ الكهنةِ».

كان مقدَّراً أن يدخل
شاول المجمع ليعلن قرار السنهدريم في أُورشليم بالقبض على كل الذين ينادون باسم
المسيح. هكذا كان الهمس يدور في البيوت قبل وصوله، والكل ذهب إلى المجمع وهو منتظر
هذه المفاجأة التي بلبلت عقول يهود دمشق، لأن معظمهم كان قد سمع الكثير عن أعمال
المسيح وأتباعه وهم قلقون يتمنُّون أن يعرفوا أكثر عن هذا الطريق. ولكنهم بُهتوا
حقًّا لمَّا رأوا شاول واقفاً وقفة استفانوس يُقنع الحاضرين بتحقيق وآيات ونبوَّات
من موسى والمزامير أن يسوع هو مسيَّا الذي ينتظرونه، لم يكن هذا بالأمر الهيِّن
على مسامع اليهود عموماً خاصة وأن المتكلِّم معروف أنه إسرائيلي فرِّيسي متمكن ومتعصِّب:

+ » ولمَّا رآه
جميع الذين عرفوه منذ أمس وما قبله أنه يتنبأ مع الأنبياء (يعظ) قال الشعب الواحد
لصاحبه، ماذا صار لابن قيس؟ أشاول أيضاً بين الأنبياء؟
«(1صم 11:10)

ولكن لم يتجه فكر
المجمع إلى الديانة اليهودية عامة إذ كانت في قلوبهم قد رسخت ومن الصعب زحزحتها،
ولكن الأمر انصبَّ على شاول نفسه، فهو الذي تركزت عليه الأنظار، لأنه كان المفروض
أن يتكلَّم عكس هذا تماماً. لذلك كان ظهور شاول بعد خدمة حنانيا والتلاميذ تنبيهاً
عنيفاً للأخصاء الذين كانوا ينتظرون الخلاص كسمعان الشيخ وحنَّة النبيَّة، فهؤلاء
في الحال قبلوا الكلمة
واعتمدوا. أمَّا اليهود
المتمسكون بالناموس والتقاليد فهؤلاء رتَّبوا أنفسهم لقتله.

22:9 «وأمـَّا شاول
فكانَ يزدادُ قوَّةً ويحيِّرُ اليهودَ الساكنينَ في دمشقَ محقِّقاً أَن هذا هو
المسيحُ».

وهكذا أخذ شاول موقف
استفانوس، من مجمع إلى مجمع، يحاجج اليهود أن هذا هو المسيح الذي صلبتموه وقد قام
من الأموات ونحن شهود له. نعم فقد صار شاول شاهداً بقيامة المسيح الذي كلَّمه من
السماء عياناً:

+ » لأني لهذا
ظهرت لك لأنتخبك خادماً وشاهداً بما رأيت وبما سأَظْهَر لك به.
«(أع 16:26)

هنا ترادف وتوازن بديع:
» وأمَّا شاول فكان يزداد قوة … «في مقابل » شاهداً بما
رأيت وبما سأظهر لك به
« فـ» يزداد قوة « متوازنة مع » سأظهر لك به « فكأن شاول ظل يتلقَّى من المسيح ظهورات جديدة يتعلَّم فيها علم
معرفة المسيح بإطراد بديع، فَعَلى قَدْر نمو قامته بالروح كان يُسكَب عليه المزيد
من الاستعلان. لأن معرفة المسيح دائماً أبداً تزداد عند الذين يطلبون:

+ » طوبى
للإنسان
الذي يسمع لي ساهراً كل يوم.
«(أم 34:8)

+ » والذين
يُبكِّرون إليَّ
يجدونني. «(أم 17:8)

«محقِّقاً»:
sumbib£zwn

معنى
الكلمة اليونانية “جامعاً معاً”، والمعنى: جامعاً الشواهد من النبوات معاً، وبهذا
يحقِّق الموضوع. فهي الطريقة المفضلة عند المسيح:
» ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسِّر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب. «(لو 27:24)

وها هو بولس يختط نفس
الطريق ليصل إلى أن كل الكتب تحقق أن يسوع هو المسيح!!

( د ) بولس يهرب من دمشق
مدلَّى في سلٍّ (9: 2325):

23:925 «ولمـَّا
تمَّت أيامٌ كثيرةٌ تشاورَ اليهودُ ليقتلوه. فعَلِمَ شاول بمكيدتهم، وكانوا
يراقبونَ الأبواب أيضاً نهاراً وليلاً ليقتلوه. فأخذه التلاميذ ليلاً وأنزلوه من
السور مدلِّين إِيَّاه في سلٍّ».

«ولمـَّا
تمَّت أيامٌ كثيرةٌ»:

هي في الحقيقة ثلاث
سنوات قضاها شاول في العربية وعاد إلى أورشليم، ولكن لم يأتِ القديس لوقا هنا في
سفر الأعمال على ذكرها. ولكن بولس الرسول ذكرها لنا في رسالته إلى غلاطية 18:1.

والقصة رواها ق. بولس
بالتفصيل في رسالته الثانية إلى كورنثوس:

+ » في دمشق
والي الحارث (أريتاس) الملك كان يحرس مدينة الدمشقيين يريد أن يمسكني، فتدلَّيت من
طاقة في زنبيل من السور ونجوت من يديه.
«(2كو 32:11و33)

هذا الحارث الملك يُدعى
أريتاس الرابع (9 ق.م 40 م) كان يحكم بلاد النباطيين وعاصمتها بترا
التي أمضى فيها بولس عزلته، وهي تُدعى العربية وتخومها من حول دمشق حتى خليج
العقبة.

وطبعاً لم يتوقف بولس
عن التبشير بالمسيح الأمر الذي أغضب الحارث (أريتاس) هذا، بالإضافة إلى أن يهود
دمشق كانوا يريدون قتله أيضاً. وهكذا اتفق هذا الوالي مع اليهود وأمر بحراسة
الأبواب حتى يقبض عليه.

والملاحَظ هنا أن النص
يقول: «والي الحارث» هذا يعني أن هناك والياً كان قد عيَّنه الحارث من طرفه
على رعاياه النباطيين الذين كانوا يعيشون في مدينة دمشق، وكانوا جالية عربية
كبيرة، ولم يُذكر اسم هذا الوالي.

«سلٍّ»: sfur…j

وهي باليونانية تعني
“شبكة”([9])،
وقد وردت هكذا في رواية إشباع السبعة آلاف في (مر 8:8) وهي تعني عندنا الشبكة التي
يوضع فيها التبن وتسمَّى “شنف”، وهي مجدولة بحبال من الليف ولها قدرة أن
تسع رجلاً كاملاً، ومتينة الصنع جداً وتحتمل أن يجلس فيها رجل بسهولة ويُدلَّى من
السور بسهولة أيضاً.

وقد اعتبر بولس هروبه
من السور بهذا الوضع المهين أسوأ حالة مهانة احتملها من أجل المسيح، وظل يذكرها كل
أيام حياته كنوع من الإذلال قَبِلَهُ عن رضى من يد الرب حتى ذكره مع مجموعة آلامه
في رسالته الثانية إلى كورنثوس (32:11).

( هـ ) بولس يعود إلى
أُورشليم ثم يرحَّل إلى طرسوس (9: 26
30):

26:930 «ولمَّا
جاءَ شاولُ إلى أُورشليمَ حاوَلَ أَن يلتصِقَ بالتلاميذ، وكان الجميعُ يخافُونَه
غير مصدِّقينَ أَنه تلميذٌ. فأَخذَهُ برنابا وأَحضرهُ إلى الرُّسلِ وحدَّثهم كيفَ
أَبصَرَ الربَّ في الطريقِ وأَنهُ كلَّمه وكيفَ جاهرَ في دمشقَ باسمِ يسوعَ. فكانَ
معهُم يدخُلُ ويخرُجُ في أُورشليمَ ويُجاهِرُ باسمِ الربِّ يسوعَ وكانَ يخاطبُ
ويُباحِثُ اليونانيينَ فحاولوا أَن يقتلوهُ. فلمَّا عَلِمَ الإخوةُ أَحدرُوهُ إلى
قيصريَّةَ وأَرسلُوهُ إلى طَرسُوسَ».

صار موقف بولس واسمه
مصدراً لرعب الباقين المتبقين بعد الاضطهاد، الذين عانوا الاضطهاد منه في أورشليم.
فلمَّا حاول الالتصاق بهم للعمل معهم لم يصدقوه، إذ حسبوه جاسوساً يتجسَّس على
حريتهم في المسيح لينكِّل بهم أكثر. وفي هذه المدة خدم بين كنائس اليهودية التي
قال عنها فيما بعد:

+ » ولكنَّني
كنت غير معروف بالوجه عند كنائس اليهودية التي في المسيح. غير أنهم كانوا يسمعون
أن الذي كان يضطهدنا قبلاً يبشِّر الآن بالإيمان الذي كان قبلاً يتلفه، فكانوا
يمجدون الله فيَّ.
«(غل
1: 2224)

وهكذا سعدت اليهودية
على مدى عشر سنوات بخدمة المعمدان ثم المسيح نفسه في بداية كرازته وختامها، ثم
بولس أيضاً.

وفي الحقيقة يقول هو في
رسالته إلى غلاطية (1: 1824) إنه لم يمكث في أورشليم إلاَّ 15 يوماً
ليتعرَّف على بطرس الرسول ويسائله، الذي أخذه إلى بيته. وكم تحادثا معاً عن كل ما
قاله وعمله يسوع بينهم، وبهذا توطدت العلاقات بين بطرس وبولس([10]).

ولكن بولس في رسالته
إلى غلاطية أورد هذه المعلومة ليبرهن أنه ذهب لا ليتلقَّى رسوليةً أو إنجيلاً
وإنما لزيارة فقط وسؤال عن بطرس.

«فأخذه
برنابا وأحضره إلى الرسل وحدَّثهم كيف أبصر الرب في الطريق وأنه كلَّمه»:

«برنابا»: المكني عنه
ابن الوعظ أو ابن العزاء
Barnab©j

ونذكِّر القارئ به، فهو
الذي ذُكر في الأصحاح الرابع:
» ويوسف الذي يُدعى من
الرُسل برنابا الذي يُترجم ابن الوعظ
uƒÕj parakl»sewj (أو ابن العزاء) وهو لاوي قبرسي
الجنس، إذ كان له حقل باعه وأتى بالدراهم ووضعها عند أرجل الرسل
«(أع 36:4و37). لاحِظ أن الرسل أعطوه اسماً جديداً وهذا يعني بوضوح
حلول
الروح القدس عليه ودخوله كشخصية مرموقة في الكنيسة كمسئول.
وهو الذي سيرسله الرسل في الأصحاح (22:11) إلى أنطاكية لكي يرعى حالة المسيحية
الجديدة التي دخلت هناك على يد اليونانيين الذين تشتتوا من أورشليم في الاضطهاد
الذي وقع بعد استشهاد استفانوس، وأنشأوا كنيسة للأمميين هناك:

+ » فأرسلوا
برنابا لكي يجتاز إلى أنطاكية، الذي لمَّا أتى ورأى نعمة الله فرح ووعظ الجميع

أن
يثبتوا في الرب بعزم القلب، لأنه كان رجلاً صالحاً وممتلئاً من الروح القدس
والإيمان.
«(أع 11: 22 24)

وكان دائماً يدافع عن
حقوق الأمميين في الكنيسة، وقد ذكره بولس الرسول في رسالته إلى غلاطية لأنه كان
معروفاً لديهم، مما يفيد أنه وسع رحلاته بمفرده إلى هناك (غل 1:2و13)؛ وكذلك عند
أهل كورنثوس (1كو 6:9)؛ وكذلك في كولوسي (10:4). والمعروف تاريخياً أنه هو مؤسس
كنيسة قبرس. ويُقال إنه استشهد في سلاميس سنة 61م. كذلك يُحسب أنه واحد من
السبعين. ويقول التقليد إنه هو الذي أنشأ كنيسة ميلان بإيطاليا وكان أول أُسقف
عليها ويعيِّدون له في 11 يونيه([11]).

لذلك أصبح الفضل
لبرنابا في تعرُّف الرسل على بولس، والتأكد من اختيار الله له وظهور الرب له على
طريق دمشق وحديثه إليه. ولكن من الملاحَظ أن برنابا كان قد تعرَّف على شاول ربما
قبل تحوُّله، وذلك حسب العالم روبنسون([12])، فقد كانت
تربط برنابا بشاول علاقات قديمة ربما في اليهودية، علماً بأن هذا كان لاويًّا وذلك
فرِّيسيًّا، بحكم وجود قبرس في مواجهة طرسوس وعلى خط ملاحة دائم.

وإذا كان شاول قد
تحوَّل سنة 33م يكون وصوله إلى أورشليم في أواخر سنة 35م([13]).
وهكذا كما قيَّض الله لبولس في محنته في دمشق الأخ التقي حنانيا ليعزيه، قيَّض له
في أورشليم برنابا ابن العزاء!
» لا أهملك ولا أتركك «(يش 5:1، عب 5:13) » عيني عليك «(مز 8:32). ولولا برنابا في أورشليم لما اطمأن الرسل
لبولس ولَمَا قبلوه بهذه السهولة ليخدم بينهم، لأن الرعبة التي أثارها حوله كانت
شديدة للغاية.

ولكن يلاحَظ أنه ولو أن
الآية تنعت الرسل بالجمع
» أحضره إلى الرسل «إلاَّ أن
بولس في الرسالة إلى غلاطية (18:1) يقول إنه لم يقابل آنئذ إلاَّ بطرس ويعقوب أخا
الرب فقط. لذلك لزم التوعية هنا لأن اليونانية تخلو من المثنَّى. وهنا يُنعت يعقوب
أنه رسول، لأنه فقط رأى قيامة الرب([14])، ولكنه لم يكن
يؤمن بالرب طيلة حياته حتى الصليب.

«وكان يخاطب
ويباحث اليونانيين فحاولوا أن يقتلوه»:

بولس لم يطقْ أن يمكث
15 يوماً في أورشليم دون أن يمر على المجامع يبشِّر ويجاهر باسم المسيح والقيامة.
كانت له فرصة العمر ليمسح عن ضميره العثرة التي وقع فيها تجاه المسيح وتجاه هؤلاء
اليهود، لذلك كانت لهفته في التأكيد على أن يسوع هو المسيح شديدة للغاية كمن يريد
أن ينتقم من نفسه.

هؤلاء
اليهود اليونانيون الذين كان يخاطبهم بولس الرسول هم أنفسهم الذين كان استفانوس
نفسه واحداً منهم، وكان شاول أيضاً يُحسب أنه منهم إلاَّ أنه كان يُنسب إلى
العبرانيين أكثر، كونه كان يتكلَّم العبرانية؛ لكن هؤلاء اليهود كانوا لا
يتكلَّمون إلاَّ اليونانية بحكم مولدهم في الشتات.

وعليك أن تلاحِظ الدهشة
والحيرة والتعجب الذي أصابهم لمَّا رأوا وسمعوا شاول يحاججهم مجاهرة أن يسوع هو
المسيح، بعد أن كان يحاجج استفانوس بالعكس ويلعن ويجدِّف. لذلك لم يحتملوه على
الإطلاق لأنه كان يحطِّم نفوسهم بمقاومته للناموس وموسى دون أن يستطيعوا أن يردوا
عليه، فحاولوا أن يقتلوه بصورة جدِّية مما حدا بالإخوة وبرنابا([15])
بالذات أن يرحِّلوه سرًّا إلى قيصرية ثم إلى طرسوس بيد برنابا.

وفي الحقيقة لم ينتشله
من وسط هؤلاء اليونانيين المتعصبين المتربصين لقتله إلاَّ ظهور المسيح له في
الرؤيا وهو قائم في الهيكل يصلِّي كما شهد هو في الأصحاح 17:2221:
» وحدث لي بعد
ما رجعت إلى أورشليم وكنت أصلِّي في الهيكل أني حصلت في غيبة، فرأيته
قائلاً لي أسرع واخرج عاجلاً من أورشليم لأنهم لا يقبلون شهادتك عني. فقلتُ
يا رب هم يعلمون أني كنت أحبس وأضرب في كل مجمع الذين يؤمنون بك. وحين سُفك دم
استفانوس شهيدك كنت واقفاً وراضياً بقتله وحافظاً ثياب الذين قتلوه. فقال لي اذهب
فإني سأرسلك إلى الأمم بعيداً
«

ويُلاحَظ أن شاول يحاول
أن يقنع المسيح أنه شاهد ممتاز لأنه كان يضطهده سابقاً، فالآن شهادته هامة
وضرورية، مُلِحًّا أن يبقى في أورشليم فكرر له المسيح الأمر «اذهب»! …

«إلى
طرسوس»:

طرسوس مرة أخرى مدينة
الوطن، المدينة الحرة عاصمة إقليم كيليكية، المدينة المفتخرة بجامعاتها، فقد
اعتبرها استرابو المدينة الجامعية حيث كانت تُدرَّس الفلسـفة واللغات والعلوم
الثقافية الأخرى من طب وفلك ورياضـة … إلخ. ولكن يقطع كل من العالِم و.م. رامزي
والعالِم و.ل. لوكس أن بولس الرسول لم يتلوَّث بأي فلسفة منها، ولم يتثقَّف إلاَّ
بما كانت متثقِّفة به توراته وعلومه الفرِّيسية([16]).

وإلى هنا يتركنا شاول
لينشغل بالكرازة في وطنه إلى عدة سنين حيث نتقابل معه في الأصحاح (25:11)

( و )
الكنائس تُبْنَي في اليهودية بسلام (31:9):

31:9 «وأمَّا
الكنائسُ في جميعِ اليهوديةِ والجيليلِ والسَّامرةِ فكانَ لها سلامٌ وكانت تُبنىَ
وتسيرُ في خوفِ الربِّ وبتعزيةِ الروحِ القدس كانت تتكاثرُ».

بتحوُّل شاول إلى
الإيمان بالمسيح انتهى الاضطهاد الذي وُضعَ على الكنيسة بضغط زائد. وببداية خدمته
هدأت العاصفة نهائياً، بل وتحوَّلت إلى تزكية للإيمان المسيحي بين اليونانيين
واليهود على السواء. وهكذا بدأت الكنيسة تنمو في هدوء وسلام لا يعكِّرها هزات أو
اضطهادات أخرى. وهكذا نسمع عن الكنيسة التي في الجليل، وهذه أول مرة يُذكر فيها
الجليل في سفر الأعمال. وكان من المهم أن تبدأ الكنيسة هناك نشاطها، خاصة وأن
بالجليل كان يوجد رسل للمسيح لم يغادروه منذ البدء، وهو كان مركز خدمة المسيح
المفضَّل.

والقارئ
المدقِّق يستطيع أن يشعر بخطة القديس لوقا في تقديمه الحوادث التي حدثت في أورشليم
منذ أيام الخمسين سواء نشاط ق. بطرس ويوحنا المتزايد في المنطقة، أو نشاط السبعة
وأخصهم استفانوس وفيلبس، ثم الاضطهاد الذي أفزع الكنيسة وشتتها، ثم ظهور المسيح
وتعيين شاول المُضطهِد رسولاً للأمم، فهو بذلك يكون قد أعطى الخلفية التي عليها
يتبيَّن كيف بدأت الكنائس في اليهودية وأورشليم والسامرة تُبنى في سلام. وذلك
تمهيداً للدخول في خدمة الأمم أي ما خارج أورشليم وإلى أقصى الأرض.

 

المسار
الثالث لانتشار الكنيسة

[32:9 18:11]

 

بقية نشاط
القديس بطرس وفتح باب خدمة الكنيسة في الأمم رسمياً

 

أولاً: بطرس
في لُدَّة وشفاء إينياس (9: 32
35).

ثانياً:
بطرس في يافا وإقامة طابيثا (9: 36
43).

ثالثاً:
بطرس في قيصرية وتعميد كرنيليوس وعائلته:

1 كرنيليوس
يرى رؤيا أثناء صلاته (10: 1
8).

2 بطرس يرى
رؤيا وهو يصلِّي (10: 9
16).

3 رسُل من
طرف كرنيليوس يصلون إلى قيصرية (10: 17
23).

4 بطرس يدخل
بيت كرنيليوس (10: 24
33).

5 الأمم
يسمعون بشارة الإنجيل (10: 34
43).

6 الأمم
يقبلون الروح القدس (10: 44
48).

7 بطرس يدافع
عن دخوله بيت الأممي (11: 1
18).

أولاً: بطرس الرسول في
لدة وشفاء إينياس (9: 32
35):

32:935
«وحَدَثَ أَن بُطرسَ وهو يجتازُ بالجميعِ نزَلَ أَيضاً إلى القدِّيسينَ
الساكنينَ في لُدَّة. فوَجَدَ هناك إنساناً اسمهُ إِينياسُ مُضطَجِعاً على سريرٍ
منذُ ثماني سنينَ وكان مفلوجاً. فقال لهُ بطرسُ يا إينياسُ يشفيكَ يسُوعُ المسيحُ،
قُمْ وافرُش لنفسِكَ. فقامَ للوقتِ. ورآهُ جميعُ الساكنينَ في لُدَّةَ وسارُونَ
الذينَ رَجَعُوا إلى الربِّ».

تذكير
للقارئ:

نحن الآن نكمِّل رواية
نشاط ق. بطرس الذي انقطع عنَّا بسبب دخول فيلبُّس في سياق السرد وتكليف الملاك له
بتعميد الخصيِّ وزير كنداكة (25:8).

فبعد أن رجع ق. بطرس
وق. يوحنا من السامرة، يبدو أن روحه ارتاحت في التجوال خارج أُورشليم فابتدأ يمرّ
على ما حول أُورشليم من البلاد، وانتهي به الأمر نحو الساحل في لُدَّة، فسأل على
المسيحيين من أهل الختان الساكنين هناك.

وهنا يلزمنا أن نتذكَّر
أن فيلبُّس مرَّ على مدن الساحل هذه (40:8) وبشَّر فيها باسم المسيح من مدينة إلى
مدينة، حتى استقر به المقام في قيصرية. وها القديس بطرس يتبع نفس الخط خاصة وأنه
تبع فيلبُّس في ذهابه إلى السامرة. فحينما ذهب فيلبُّس وبشَّر هناك ذهب بطرس ليجمع
الثمر:

+ » آخرون تعبوا
وأنتم دخلتم على تعبهم.
«(يو 38:4)

«لُدَّةَ»: LÚdda

مدينة قديمة مذكورة في
أخبار الأيام الأُولى 12:8، وسفر عزرا 33:2، وسفر نحميا 35:11. وقد دعاها
البيزنطيون “ديوس بوليس
Dios polis”.

ويقول العالِم بروس إن
في لُدَّة كما يقول التقليد المسيحي صـرع القديس
مارجرجـس
St. George التنين: dragon. ويشيع في مدينة لُدَّة أن المسيح سوف يأتي في هذه المدينة ويصرع
الضد للمسيح أو الدجال.

وبعد سنة 70م، أي بعد
خراب الهيكل وهروب اليهود العلماء والربيين، كوَّنوا في لُدَّة مركزاً خاصاً
للتعليم. وفي القرون الوسطى صارت لُدَّة مركز أسقفية مشهور.

ولُدَّة مركز تجارة
الأقمشة المصبوغة بالأحمر الملوكي “الأرجوان”.

وهناك قدَّموا لبطرس
هذا الإنسان المريض بالفالج أي الشلل
paralelumšnoj. ومعروف قطعاً في الطب أن لا شفاء من هذا المرض
بأي عقار أو بأي وسيلة، بل ولا يستطيع الطب أن يقدِّم له أي علاج، لأن هذا المرض
منشأه تدمير جزء من خلايا المخ التي لا إصلاح ولا شفاء لها. هذا الإنسان أقامه ق.
بطرس بكلمة صحيحاً معافىً.

«يا إينياس
يشفيك يسوع المسيح»:
„©ta…
se ‘Ihsoàj CristÒj

وكلمة » يشفيك «تأتي هنا
باليونانية في حالة المضارع، بمعنى “الآن تدخل في حالة شفاء”. وأردفها بأمر ليقوم
ويفرش
لنفسه. فقام للوقت. وهذا معناه أن الشلل تحوَّل
إلى حركة وقوة وصحة.

لاحِظ دائماً بعد
المعجزة أن الروح القدس يعطي إلهاماً لعمل شيء لصاحب المعجزة وللواقفين أيضاً
ليخفِّض من درجة الانفعال.
» حِلُّوه ودعوه يذهب « » أعطوها طعاماً لتأكل « » قم واحمل
سريرك وامشِ
« » اذهب واغتسل
في بركة سلوام
« » أَرِ نفسك
للكاهن
« » قم وافرش
لنفسك
«

«لُدَّة
وسارون»:
Sarîna

» سارونه «مدينة ليست
يهودية تماماً، وهي تُدعى “شارونه” ويتاخمها سهل شارون، وهي أرض خصبة ممتدة حتى
جبل الكرمل. والمُلاحَظ أن عندنا في الصعيد بلاداً تُسمَّى بأسماء المدن في
فلسطين. فعندنا مدينة شارونه ونطقها العبري هو “شارونه”، مثل شالوم.

وواضح أن اليهود الذين
قبلوا الدعوة وآمنوا غالباً على يد فيلبُّس، وربما من النازحين من أُورشليم أيضاً
بسبب الاضطهاد، هؤلاء رأوا آية إينياس للشفاء فازدادوا فرحاً في الرب.

ثانياً: بطرس الرسول في
يافا وإقامة طابيثا (9: 36
43):

36:942 «وكان
في يافَا تلميذَةٌ اسمُها طابيثا الذي ترجمَتُهُ غزالةٌ، هذهِ كانت مُمتَلِئةً
أَعمالاً صالحَةً وإِحساناتٍ كانت تعمَلُهَا. وحَدَثَ في تلكَ الأَيَّامِ أَنها
مَرِضَتْ وماتَتْ، فغسَّلُوها ووضعُوها في عِلِيَّةٍ. وإِذ كانت لُدَّةُ قريبةً مِنْ
يافا وسَمِعَ التلاميذُ أَن بُطرُسَ فيها أَرسَلُوا رَجُلَيْنِ يَطلُبانِ إِليهِ
أَن لا يتوَانَى عن أَن يجتازَ إِليهِم. فقامَ بُطرُسُ وجاءَ معهُمَا. فلمَّا وصلَ
صَعِدُوا بهِ إلى العِلِيَّةِ فوَقَفَتْ لديهِ جميعُ الأَرامِلِ يبكينَ ويُرِينَ
أَقمصةً وثياباً ممَّا كانت تعملُ غزالةُ وهي معهُنَّ. فأخرجَ بُطرُسُ الجميعَ
خارجاً وجَثَا على ركبتيهِ وصلَّى ثم التفتَ إلى الجسدِ وقالَ يا طابيثا قومي،
فَفَتَحَتْ عينيها، ولمَّا أَبصَرَتْ بُطرُسَ جَلَستْ. فناوَلَهَا يَدَهُ
وأَقامَهَا، ثُمَّ نادى القدِّيسينَ والأَرامِلَ وأَحضرَها حيَّةً. فصارَ ذلكَ
معلوماً في يافا كلِّها فآمنَ كثيرونَ بالربِّ».

«يافا»: ‘IÒppV

وهي على بُعد عشرة
أميال في الشمال الغربي للدَّة.

مدينة قديمة جداً ذُكر
اسمها في نقوش تحتمس الثالث (14901436 ق.م). في المدن التي

وقَّع
عليها ضرائب. وهي مذكورة في سفر يشوع 46:19، أثناء دخول الشعب الأرض. ولكنها ظلَّت
تابعة للفلسطينيين. ويوناثان المكابي استطاع أن يغزوها ويستولي عليها من ملوك
سوريا سنة 148 ق.م. ولكن بومبي الروماني استعادها للسوريين سنة 47 ق.م. ثم أُعطيت
لهركانوس الثاني المكابي وهو الملك والكاهن اليهودي. وكان مواطنوها معظمهم من
اليونان، وقد حطَّمها فسبسيان سنة 68 م. وهي كانت ولا تزال أهم مدن الجنوب باعتراف
يوسيفوس([17]).

«تلميذة
اسمُها طابيثا»:
maq»tria

هنا » تلميذة «ترد لأول
مرة كسيِّدة ذات عمل في الكنيسة وخدمة، ومعلوم أنها تلميذة للمسيح، ولكن ليس على
مستوى التلاميذ الكارزين. وكلمة تلميذة تُستخدم فيها الكلمة اليونانية
maq»tria أو maq»trij ولكن أمامها ¹ أداة التعريف
“ألـ” للمؤنث. أمَّا طابيثا فتعني غزالة واسمها اليوناني
Dork£j وبالعبري ظبية = zibiah = sibyah
كما ذُكرت في 2مل 1:12.

«غسَّلوها»:
loÚsantej

وتعني عند اليهود تطهير
الميت فالماء هنا عنصر تطهير وليس مجرد غسل كما يطهِّر
الإنسان أيَّ شيء بالماء. وذلك بحسب الطقس اليهودي.

«أقمصة»: ƒm£tia

القميص عندنا يُستخدم
تحت الملابس، ولكن في الطقس العام اليوناني والعبراني يُلبس فوق الملابس، بعكس
استخدامه عندنا. فللسيدات يُلبس فوق الفستان. لذلك نسمع أنهم فرشوا القمصان أمام
المسيح وهو داخلٌ أُورشليم، أي خلعوا القميص الخارجي. أمَّا الرداء
citîn فهو للسيدات الفستان وللرجال الجلباب (قديماً).

قصة طابيثا تكشف لنا عن
تلمذة بين السيدات لخدمة الكنيسة. وطابيثا كانت قد كرَّست حياتها لخدمة الأرامل،
وكانت خيَّاطة تحيك الملابس والقمصان الخارجية المزركشة للسيدات.

والذي يستهوينا في هذه
القصة هو روح المحبة الشديدة لطابيثا، إذ تألَّمن لمرضها وموتها. كل اللائي خدمتهن
والعمل الذي قمن به يدل على إيمان فائق في الحقيقة، كونهن يستدعين بطرس للسفر عشرة
أميال، أي سفر يوم كامل، ليحضر ويصلِّي ليقيمها من الموت. هذا شيء فائق للعقل، فهو
يعني أولاً ثقة مطلقة في قوة بطرس والمسيح، وبالمقابل استهتار بالموت بالنسبة
للإيمان بالمسيح والقيامة.

وقد استخدم بطرس أسلوب
المسيح وكلماته تماماً. فكما خاطب المسيح ابنة يايرس بالقول عبريًّا:
» طاليثا قومي
Talitha Kumy «
هكذا قالها بطرس عبريًّا أيضاً
» Tabetha Kumy «
وتم قول الرب تمجَّد وتبارك:

+ » الحق الحق
أقول لكم مَنْ يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضاً ويعمل أعظم
منها!!
«(يو
12:14)

أمـَّا بالنسبة لمغزى
آية إقامة طابيثا من الموت بالنسبة لخدمة الأمم، فإن كانت إقامة إينياس من الشلل
يكني عن خروج الأمة اليهودية من جمودها الطويل جداً، فإقامة طابيثا من الموت تعني
إعطاء روح الحياة للعبادة اليهودية التي كانت شبه مائتة. وصحَّ قول الرب لبطرس:
»
وعلى
هذه الصخرة أبني كنيستي.
«(مت 18:16)

وطبعاً واضح أن هاتين
الآيتين صُنعتا بين أهل الختان وليس الأمم.

ويلذ لنا هنا
أن
نمعن النظر في كيفية صلاة بطرس:
» فأخرج بطرس الجميع
خارجاً، وجثا على ركبتيه وصلَّى …
«واضح هنا عزم بطرس على
مواجهة الموت منفرداً كجبَّار يصارع جباراً بقوة الصليب والدم.
» وهم غلبوه
بدم الخروف وبكلمة شهادتهم!
«(رؤ 11:12)

أمَّا جثو بطرس فهو
استدعاء للحضرة الإلهية، استعدَّ لها قبل أن يدعوها، وكونه لم يدْعُ باسم الرب،
فهو نَطَق منطوقه حرفيًّا، وكأنه استدعاه لينطق، فجاء ونَطَق تمجد
وتبارك.
» لأن لستم أنتم المتكلِّمين بل روح أبيكم الذي يتكلَّم فيكم «(مت 20:10» أين شوكتك يا موت أين
غَلبَتُكِ يا هاوية.
«(1كو
55:15)

ويُلاحَظ هنا أن خدمة
بطرس الرسول وكرازته قامت أساساً على عمل المعجزات أكثر منها على التعليم والوعظ،
وكان هذا الأسلوب مناسباً جداً لليهود لأنهم لا يؤمنون إن لم يروا آيات حسب قول
الرب. شعب لا يُقاد بالروح ولا بالكلام لأن آذانهم ثقيلة للغاية وقلوبهم غليظة أو قاسية كقول استفانوس، فلا يبقى إلاَّ الآية والمعجزة،
وقلَّ أن نفعت، وإن نفعت
قلّ أن بقي نفعها.

والرسالة إلى
العبرانيين تكشف مدى استعداد اليهود بعد أن آمنوا واعتمدوا وذاقوا مواهب الله، لأن
تحدثهم قلوبهم ويميلوا أشدَّ الميل للرجوع إلى اليهودية وعبادة الناموس والحرف،
لأن الروح صار كبيراً عليهم بل وغريباً. واستفانوس لمَّا برَّح به الضيق من ضيق
عقولهم صرخ فيهم
» يا قساة الرقاب وغير المختونين بالقلوب والآذان،
أنتم دائماً تقاومون الروح القدس، كما كان آباؤكم كذلك أنتم.
«(أع 51:7)

في حين أننا سوف نجد أن
خدمة بولس الرسول بين الأمم لم تقم قط على الآية والمعجزة ولكن على الوعظ بالكلمة
والروح. لأن اليونانيين شعب مستنير، شعب حكمة أي فلسفة، وله وعي تأملي عالٍ، أمضى
كل حياته في البحث عن الله وكيف خلق العالم. وفلاسفته عاشوا وماتوا يتكلَّمون عن
الأصول والغايات والحق في أعمق أوضاعه وإعلاناته.

43:9 «ومكثَ
أياماً كثيرةً في يافا
عند سمعان
رجل دبَّاغٍ».

لا نعرف مدى الأيام
الكثيرة التي قضاها بطرس عند سمعان على البحر. ولكن الأمر الغريب جداً أنه نزل عند
«رجل دبَّاغ». وليس جزافاً أن يذكر ق. لوقا مهنة هذا الرجل صاحب الضيافة
الطويلة الأمد. ولكن ذكرها ق. لوقا لأن وراءها أمراً جديداً في حياة ق. بطرس. لأن
الدباغة مهنة غير طاهرة، وكل ما في البيت يُعتبر نجساً. فهذا يُعتَبر خطوة جديدة
على ق. بطرس نحو التحرر من التدقيق في الناموس. لأن الدباغة هي دباغة جلود
لحيوانات مائتة، وأحياناً تكون الجلود عفنة أيضاً.

ويقول العالِم هارناك([18])
إن الذي استهوى بطرس للمكوث طويلاً عند سمعان هو وجود بيته على البحر، وبطرس أصلاً
صياد سمك على بحيرة، هنا البحر الأبيض بجماله الخلاَّب استهواه حقًّا. ولكن على
علم من الله ورِضاً، فالرب أرشد إلى مكان وجوده، كما سنرى في الأصحاح القادم.



([1])
«لكي يعرَّف الآن عند الرؤساء والسلاطين في السماويات بواسطة الكنيسة بحكمة الله
المتنوعة حسب قصد الدهور الذي صنعه في المسيح يسوع ربنا.» (أف 3: 10و11)

([2])  Bruce, II, p. 193, N.9., 194.

([3]) Ibid.

([4]) Josephus, Jewish
War
, ii. 20. 2 – vii. 8.7.

([5]) Rackham op.
cit., p. 129.

([6]) هذا الحادث الهام في تاريخ المسيحية، قمنا بشرحه على مستوى شامل
لجميع البيانات التي توفرت له في سفر الأعمال والرسائل وذلك في كتاب “ القديس
بولس الرسول: حياته، لاهوته، أعماله”
(انظر صفحة 71).

([7]) Bruce, II, p.
194.

([8]) Bruce, I, p.
198.

([9]) Bruce, II, p.
204, n. 42.

([10]) C.H. Dodd:
The Apost. Preaching,
London
1939. p. 26.

([11]) Dict. of
Christ. Church
p. 134.

([12]) J.A. Robinson,
The Hidden Romance of N.T. London. 1929.

([13]) Bruce, II, p.
205.

([14]) Lightfoot, On
Galat.
ad. loc.

([15]) Rackham, op.
cit.,
p. 139.

([16]) Cited by
Bruce, II p. 208.

([17]) Antiq., XIV, 4.4. 10:6.

([18]) Harnak, The Acts of Apostles
p. 85.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ل لُوز ز

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي