الإصحَاحُ
الثَّامِنُ عَشَرَ

 

بولس
يكرز في كورنثوس

1
وَبَعْدَ هَذَا مَضَى بُولُسُ مِنْ أَثِينَا وَجَاءَ إِلَى كُورِنْثُوسَ 2فَوَجَدَ
يَهُودِيّاً اسْمُهُ أَكِيلاَ بُنْطِيَّ الْجِنْسِ كَانَ قَدْ جَاءَ حَدِيثاً مِنْ
إِيطَالِيَا وَبِرِيسْكِلاَّ امْرَأَتَهُ – لأَنَّ كُلُودِيُوسَ كَانَ قَدْ أَمَرَ
أَنْ يَمْضِيَ جَمِيعُ الْيَهُودِ مِنْ رُومِيَةَ. فَجَاءَ إِلَيْهِمَا. 3
وَلِكَوْنِهِ مِنْ صِنَاعَتِهِمَا أَقَامَ عِنْدَهُمَا وَكَانَ يَعْمَلُ،
لأَنَّهُمَا كَانَا فِي صِنَاعَتِهِمَا خِيَامِيَّيْنِ. 4 وَكَانَ يُحَاجُّ فِي الْمَجْمَعِ
كُلَّ سَبْتٍ وَيُقْنِعُ يَهُوداً وَيُونَانِيِّينَ. 5 وَلَمَّا انْحَدَرَ سِيلاَ
وَتِيمُوثَاوُسُ مِنْ مَكِدُونِيَّةَ كَانَ بُولُسُ مُنْحَصِراً بِالرُّوحِ وَهُوَ
يَشْهَدُ لِلْيَهُودِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ. 6 وَإِذْ كَانُوا يُقَاوِمُونَ
وَيُجَدِّفُونَ نَفَضَ ثِيَابَهُ وَقَالَ لَهُمْ: «دَمُكُمْ عَلَى رُؤُوسِكُمْ.
أَنَا بَرِيءٌ. مِنَ الآنَ أَذْهَبُ إِلَى الأُمَمِ». 7 فَانْتَقَلَ مِنْ هُنَاكَ
وَجَاءَ إِلَى بَيْتِ رَجُلٍ اسْمُهُ يُوسْتُسُ كَانَ مُتَعَبِّداً للهِ، وَكَانَ
بَيْتُهُ مُلاَصِقاً لِلْمَجْمَعِ. 8 وَكِرِيسْبُسُ رَئِيسُ الْمَجْمَعِ آمَنَ
بِالرَّبِّ مَعَ جَمِيعِ بَيْتِهِ، وَكَثِيرُونَ مِنَ الْكُورِنْثِيِّينَ إِذْ
سَمِعُوا آمَنُوا وَاعْتَمَدُوا. 9 فَقَالَ الرَّبُّ لِبُولُسَ بِرُؤْيَا فِي
اللَّيْلِ: «لاَ تَخَفْ بَلْ تَكَلَّمْ وَلاَ تَسْكُتْ، 10 لأَنِّي أَنَا مَعَكَ
وَلاَ يَقَعُ بِكَ أَحَدٌ لِيُؤْذِيَكَ، لأَنَّ لِي شَعْباً كَثِيراً فِي هَذِهِ
الْمَدِينَةِ». 11 فَأَقَامَ سَنَةً وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ يُعَلِّمُ بَيْنَهُمْ
بِكَلِمَةِ اللهِ (أعمال 18: 1 – 11).

وعظ
بولس في أثينا ولاقى نجاحاً قليلاً، فتركها وذهب إلى كورنثوس، وهي مدينة كبيرة تقع
على بُعد خمسين ميلاً غرب أثينا، وهي من بلاد اليونان، واشتهرت بعظمة متاجرها
وكثرة هياكلها الوثنية التي كان أهمها «هيكل الزهرة» الذي كانت تخدمه ألف كاهنة
زانية، كما كان في كورنثوس يهود كثيرون. وبقي بولس يعظ ويعلّم في كورنثوس سنة
ونصف.

وجد
بولس في كورنثوس رجلاً يهوديَّ الأصل، وُلد في مدينة بنطس، اسمه «أكيلا» كان قد
آمن بالمسيح، وكانت زوجته «بريسكلا» رومانية الأصل تعرف الكتاب المقدس جيداً. وقد
جاء كلاهما من إيطاليا إلى كورنثوس، لأنّ الإمبراطور كلوديوس قيصر كان قد طرد جميع
اليهود من رومية بسبب مشاغباتهم وفتنهم. وأقام بولس في منزلهما. وكانت عادة اليهود
أن يعلّموا أولادهم حرفةً ليكسبوا منها رزقهم إن ضاقت بهم السّبل، وكان صُنع
الخيام حرفة أكيلا وبريسكلا، وبولس.

وفي
كل يوم سبت كان بولس يذهب حسب عادته إلى مجمع اليهود ليبشّر اليهود واليونانيين
المتهوّدين بأنّ المسيّا المخلِّص المنتظَر قد جاء. واقتنع بعضهم بصدق رسالته.

ولحق
سيلا وتيموثاوس ببولس في كورنثوس، بعد أن كانا في مدينة تسالونيكي حيث تركهما
بولس. ووجدا بولس مملوءاً من الرّوح القدس والغيرة ينادي بأنّ يسوع هو المسيح
الموعود به في العهد القديم، حتى سمع كل من كان في مجمع اليهود في كورنثوس. لكنّ
بعض الذين سمعوا شتموا بولس وأنكروا لاهوت المسيح، فنفض بولس ثيابه إشارة إلى أنّ
الله رفضهم لأنهم رفضوا الحق، وقال لهم: «دَمُكُمْ عَلَى رُؤُوسِكُمْ». أي أنّ
اللوم عليكم في هلاككم لأنّكم رفضتم المسيح. وهو قول معروف عند اليهود الذين
طالبوا بصلب المسيح قائلين: «دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلاَدِنَا» (متّى 27:
25). ثمّ تركهم وذهب ليبشّر الأمم، فجاء إلى بيت رجل روماني اسمه «يوستس» كان قد
آمن بالمسيح. وكان بيت يوستس ملاصقاً لمجمع اليهود.

وفتح
الرب قلب «كريسبس» أحد قادة اليهود، كان رئيساً لمجمعهم، فآمن هو وكل بيته أنّ
يسوع هو المسيح المنتظَر وأنّه الرب والمخلّص، واعتمدوا. وبلغ هذا الخبر كثيرين من
أهل كورنثوس فآمنوا واعتمدوا أيضاً.

وشجَّع
الله رسوله بولس في رؤيا في الليل وقال له: «لاَ تَخَفْ بَلْ تَكَلَّمْ وَلاَ
تَسْكُتْ.. لأَنَّ لِي شَعْباً كَثِيراً فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ». ولعلّ بولس كان
خائفاً من مقاومة اليهود الشّديدة ومن شرور المدينة، فأكَّد الله له أنّه موجود
معه يقف بجانبه فلا يؤذيه أحد، ولا يعطّل أحدٌ انتشار رسالته في كورنثوس.

وتشدّد
بولس وتشجّع وأقام في كورنثوس سنة وستة أشهر يبشّر بكلمة الله. ومن هذا نتعلّم
أنّه يجب ألاّ نيأس من التبشير باسم المسيح، حتى في الأماكن التي تقاومه «لأنّ
كَلِمَةَ اٰللّٰهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ
ذِي حَدَّيْنِ» (عبرانيين 4: 12).

آية
للحفظ

«لاَ
تَخَفْ بَلْ تَكَلَّمْ وَلاَ تَسْكُتْ، لأَنِّي أَنَا مَعَكَ وَلاَ يَقَعُ بِكَ
أَحَدٌ لِيُؤْذِيَكَ، لأَنَّ لِي شَعْباً كَثِيراً فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ»
(أعمال 18: 9، 10)

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كتاب الحياة عهد جديد رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 12

 

بولس
أمام غاليون الوالي

12
وَلَمَّا كَانَ غَالِيُونُ يَتَوَلَّى أَخَائِيَةَ قَامَ الْيَهُودُ بِنَفْسٍ
وَاحِدَةٍ عَلَى بُولُسَ وَأَتَوْا بِهِ إِلَى كُرْسِيِّ الْوِلاَيَةِ 13
قَائِلِينَ: «إِنَّ هَذَا يَسْتَمِيلُ النَّاسَ أَنْ يَعْبُدُوا اللهَ بِخِلاَفِ
النَّامُوسِ». 14 وَإِذْ كَانَ بُولُسُ مُزْمِعاً أَنْ يَتَكَلَّمَ قَالَ
غَالِيُونُ لِلْيَهُودِ: «لَوْ كَانَ ظُلْماً أَوْ خُبْثاً رَدِيّاً أَيُّهَا
الْيَهُودُ لَكُنْتُ بِالْحَقِّ قَدِ احْتَمَلْتُكُمْ. 15 وَلَكِنْ إِذَا كَانَ
مَسْأَلَةً عَنْ كَلِمَةٍ وَأَسْمَاءٍ وَنَامُوسِكُمْ فَتُبْصِرُونَ أَنْتُمْ،
لأَنِّي لَسْتُ أَشَاءُ أَنْ أَكُونَ قَاضِياً لِهَذِهِ الأُمُورِ». 16
فَطَرَدَهُمْ مِنَ الْكُرْسِيِّ. 17 فَأَخَذَ جَمِيعُ الْيُونَانِيِّينَ
سُوسْتَانِيسَ رَئِيسَ الْمَجْمَعِ وَضَرَبُوهُ قُدَّامَ الْكُرْسِيِّ وَلَمْ
يَهُمَّ غَالِيُونَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ (أعمال 18: 12-17).

أقام
بولس في كورنثوس سنةً ونصف إقامة مستريحة، وكانت هذه أطول مدة قضاها في مكان واحد
منذ بدأ رحلاته التبشيريّة وحتى ذلك الوقت، فأسّس كنائس في ثلاث بلاد من مقاطعة
أخائية هي كورنثوس (العاصمة)، وكنخريا، وأخائية. واغتاظ اليهود من نجاح كرازة بولس
فاشتكوه لغَالِيُون والي إقليم أخائية. وغَالِيُون هذا شقيق الفيلسوف الروماني
«سنيكا» الذي علَّم الإمبراطور نيرون. وكان غَالِيُون حسن الأخلاق محبوباً من جميع
الناس. وكان من عادة الولاة الرومان أن يذهبوا في أيام معيّنة إلى ساحة المدن التي
يحكمونها للنظر في شكاوى السكان. فنقل عساكر غاليون كرسي الحكم ليجلس عليه الوالي
وسط ساحة المدينة. وانتهز اليهود هذه الفرصة وأحضروا بولس أمام الحاكم واشتكوا
عليه قائلين إنّه يستميل الناس ويخدع اليهود حتى يعبدوا الله بطريقة تخالف شريعة
موسى.

وعندما
حاول بولس أن يتكلّم دفاعاً عن نفسه قاطعه غَالِيُون، فقد كان والياً حكيماً، سمع
عن بولس وعن تبشيره من قبل، كما كان يعرف تعصُّب اليهود وميلهم إلى المباحثات
الكلامية في الشريعة. فلم يترك بولس يدافع عن نفسه ودافع هو عنه، وقال لليهود إنّ
شكواهم باطلة وإنّه لا حاجة لبولس أن يدافع عن نفسه لأنّ الشريعة الرومانية لا
تدينه، فهي تحترم حقوق الإنسان. وقال إنّه سمع كلامهم الطويل وشكواهم ضد بولس
لأنّه يقول عن يسوع الناصري إنّه المسيح، وهذا يخالف ناموس اليهود. فعلى اليهود أن
يحكموا في هذه القضية بموجب شريعتهم. ثمّ طردهم من محضره!

وكان
«سوستانيس» رئيس مجمع اليهود زعيم المشتكين على بولس. وكان الوثنيون يبغضون
اليهود، فأخذ اليونانيون الوثنيون سوستانيس من أمام غَالِيُون الوالي وضربوه، فلم
يمنعهم الوالي من ضربه!

لقد
قصد اليهود أن يؤذوا بولس، فحقَّق الله له ما رآه في الرؤيا وأنقذه من يدهم،
وحلَّت الإهانة بسوستانيس رئيس اليهود بدلاً منه. بل إنّ الرؤيا تحقّقت أكثر لأنّ
سوستانيس آمن بالمسيح بعد ذلك، واشترك مع بولس في إرسال رسالة إلى كورنثوس
(1كورنثوس 1:1).

 

بولس
يرجع إلى أنطاكية

18
وَأَمَّا بُولُسُ فَلَبِثَ أَيْضاً أَيَّاماً كَثِيرَةً ثُمَّ وَدَّعَ الإِخْوَةَ
وَسَافَرَ فِي الْبَحْرِ إِلَى سُورِيَّةَ وَمَعَهُ بِرِيسْكِلاَّ وَأَكِيلاَ
بَعْدَمَا حَلَقَ رَأْسَهُ فِي كَنْخَرِيَا – لأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ نَذْرٌ. 19
فَأَقْبَلَ إِلَى أَفَسُسَ وَتَرَكَهُمَا هُنَاكَ. وَأَمَّا هُوَ فَدَخَلَ
الْمَجْمَعَ وَحَاجَّ الْيَهُودَ. 20 وَإِذْ كَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَمْكُثَ
عِنْدَهُمْ زَمَاناً أَطْوَلَ لَمْ يُجِبْ. 21 بَلْ وَدَّعَهُمْ قَائِلاً:
«يَنْبَغِي عَلَى كُلِّ حَالٍ أَنْ أَعْمَلَ الْعِيدَ الْقَادِمَ فِي
أُورُشَلِيمَ. وَلَكِنْ سَأَرْجِعُ إِلَيْكُمْ أَيْضاً إِنْ شَاءَ اللهُ».
فَأَقْلَعَ مِنْ أَفَسُسَ. 22 وَلَمَّا نَزَلَ فِي قَيْصَرِيَّةَ صَعِدَ وَسَلَّمَ
عَلَى الْكَنِيسَةِ ثُمَّ انْحَدَرَ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ (أعمال 18: 18-22).

رفض
غَالِيُون الوالي أن يعاقب بولس، ولم يسمع لشكوى اليهود عليه، فسكّت هياجهم ولم
يعارضوه، وبقي بولس بعد ذلك في كورنثوس أياماً كثيرة، ثمّ ودّع أعضاء الكنيسة
وسافر في البحر الأبيض المتوسط قاصداً أنطاكية في سوريا التي بدأ منها رحلته
التبشيريّة الثانية. وكان في عزمه أن يزور أورشليم ويعيِّد فيها عيد الخمسين. وأخذ
بولس معه من كورنثوس أكيلا وزوجته بريسكلا.

وفي
الطريق توقّف بولس في «كنخريا» حيث كانت توجد كنيسة (رومية 16: 1). وفيها حلق شعره
وفاءً لنذر شخصي لا نعرف سببه. ربّما كان قد نذر نذره إن نجا من خطر، أو إن نجح في
تبشيره، أو ليُظهر لليهود أنّه لا يكره الديانة اليهودية كما اتَّهموه. والنذور
الشخصية كثيرة في الكتاب المقدس، وكان حلق الشعر عند انتهاء مدة النذور من الطقوس
اليهودية (عدد 6: 1-21 وأعمال 21: 24).

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كينج جيمس إنجليزى KJV عهد قديم سفر الخروج Exodus 10

ومن
كنخريا سافر بولس إلى أفسس ومعه أكيلا وبريسكلا. وأفسس مدينة كبيرة في آسيا
الصغرى، كانت ميناءً هاماً يسكنها يهود كثيرون، فبشّرهم بالمسيح موضّحاً لهم ذلك
من العهد القديم. وقد استحسن يهود أفسس وعظ بولس فطلبوا منه أن يمكث معهم مدة أطول
للوعظ، لكنّه اعتذر لأنّه يرغب أن يذهب إلى أورشليم ليعيِّد عيد الخمسين فيها،
وكان يجب أن يسافر بدون تأخير لأنّ حالة البحر في ذلك الوقت من السنة كانت مناسبةً
لسفر السفن الشراعية، وكان بولس قد قدَّر مدة السفر، ولم يكن يريد أن يتأخر عن
موعد العيد حتى يبشّر اليهود القادمين من كلّ أنحاء الدنيا إلى أورشليم ليحتفلوا
بعيد الخمسين. ووعد بولس يهود أفسس أن يرجع إليهم مرّة أخرى إن كانت هذه إرادة
الله.

وأبحر
بولس من أفسس إلى قيصريّة في طريقه إلى أورشليم. وكانت قيصريّة ميناءً هاماً نزل
فيها بولس من السفينة وذهب بطريق البر إلى أورشليم. وفي أورشليم ذهب إلى الكنيسة
وسلّم على الإخوة واجتمع بالرسل بعد غيابه الطويل عنهم. وكانت هذه زيارته الرابعة
لأورشليم بعد أن أصبح مسيحياً.

ثم
سافر من أورشليم إلى أنطاكية في سوريا. وبوصوله إليها انتهت رحلته التبشيريّة
الثانية التي استغرقت حوالي ثلاث سنوات ونصف السنة (من سنة 51 – 54م). وكانت
زيارته لأنطاكية هي آخر زياراته لها.

ومن
رحلة بولس الرسول الثانية نلاحظ أنّه انتهز كل فرصة لتبشير اليهود والأمم، وأنّه
لم يكن يخاف من الاضطهاد لأنّ الروح القدس ملأ قلبه غيرة على توصيل رسالة الإنجيل
لجميع الناس الذين قابلهم.

والرب
يطلبك لتشهد له. فهل أنت مستعد أن تخبر الآخرين ببركة اختبارك لخلاص المسيح؟

 

الفصل
الحادي عشر: الرّحلة التبشيريّة الثالثة (أعمال 18: 23 – 21: 16)    

أنهى
بولس الرّسول رحلته التّبشيرية الثانية بوصوله إلى أورشليم. وأثناءها أعطى الربّ
بولس ورفاقه نجاحاً فتأسّست كنائس كثيرة رغم اضطهاد اليهود وغيرهم للمسيحيين. لكنّ
هذا كلّه لم يوقف بولس ورفاقه عن التّبشير، فلا بدّ أن يتمْ قصد المسيح في أن يكون
بولس رسولاً للأمم يكرز لهم بالإنجيل. لذلك قرّر أن يقوم برحلة تبشيريّة ثالثة،
يثبِّت أثناءها الكنائس القديمة، ويؤسّس بعمل الروح القدس كنائس جديدة.

أبلّوس
يفهم طريق الرب

23
وَبَعْدَمَا صَرَفَ زَمَاناً خَرَجَ وَاجْتَازَ بِالتَّتَابُعِ فِي كُورَةِ
غَلاَطِيَّةَ وَفِرِيجِيَّةَ يُشَدِّدُ جَمِيعَ التَّلاَمِيذِ. 24 ثُمَّ أَقْبَلَ
إِلَى أَفَسُسَ يَهُودِيٌّ اسْمُهُ أَبُلُّوسُ إِسْكَنْدَرِيُّ الْجِنْسِ رَجُلٌ
فَصِيحٌ مُقْتَدِرٌ فِي الْكُتُبِ. 25 كَانَ هَذَا خَبِيراً فِي طَرِيقِ الرَّبِّ.
وَكَانَ وَهُوَ حَارٌّ بِالرُّوحِ يَتَكَلَّمُ وَيُعَلِّمُ بِتَدْقِيقٍ مَا
يَخْتَصُّ بِالرَّبِّ، عَارِفاً مَعْمُودِيَّةَ يُوحَنَّا فَقَطْ. 26 وَابْتَدَأَ
هَذَا يُجَاهِرُ فِي الْمَجْمَعِ. فَلَمَّا سَمِعَهُ أَكِيلاَ وَبِرِيسْكِلاَّ
أَخَذَاهُ إِلَيْهِمَا وَشَرَحَا لَهُ طَرِيقَ الرَّبِّ بِأَكْثَرِ تَدْقِيقٍ. 27
وَإِذْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَجْتَازَ إِلَى أَخَائِيَةَ كَتَبَ الإِخْوَةُ إِلَى
التَّلاَمِيذِ يَحُضُّونَهُمْ أَنْ يَقْبَلُوهُ. فَلَمَّا جَاءَ سَاعَدَ كَثِيراً
بِالنِّعْمَةِ الَّذِينَ كَانُوا قَدْ آمَنُوا 28 لأَنَّهُ كَانَ بِاشْتِدَادٍ
يُفْحِمُ الْيَهُودَ جَهْراً مُبَيِّناً بِالْكُتُبِ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ
الْمَسِيحُ (أعمال 18: 23-28).

صرف
بولس زماناً في أورشليم ثمّ سافر ليزور بعض الكنائس، فذهب إلى إقليمي غلاطية
وفريجية في أسيا الصغرى، وكان قد أسّس فيهما كنائس في الرحلة التبشيريّة الثانية
(أعمال 16: 6). وكان ذهابه إليهما ليشدّد أعضاء الكنائس فيهما، فحصلت الكنائس على
بركة ومساعدة روحيّة. ثمّ وصل إلى أفسس.

وكان
قد جاء إلى أفسس يهودي اسمه «أبلّوس» من الإسكندرية في مصر، كان مقتدراً في الكلام
لأنّه تعلّم في أشهر مدارس الإسكندرية، وكان عارفاً بكلمة الله قادراً على تفسيرها،
غيوراً على تعليم الناس أفراداً وجماعات. غير أنّ معرفته الدينية عن المسيح كانت
قاصرةً على تعليم يوحنّا المعمدان. وربما يكون قد سمع عن صَلب المسيح وقيامته،
ولكنّه لم يكن قد سمع عن حلول الرّوح القدس يوم الخمسين، ولم يكن يعرف أنّ في موت
المسيح غفراناً لخطايا كل من يؤمن به، وبه يستغني العالم عن طقوس شريعة موسى
وذبائحها.

وحضر
أبلّوس مجمع اليهود في أفسس يوم السبت، وبقدر ما كان يعرف وعظ ما نادى به يوحنّا
المعمدان، ودعا المستمعين إلى معمودية التوبة. وكان أكيلا وزوجته بريسكلا من بين
سامعيه، فأخذاه وشرحا له طريق الرب، وأوضحا له التّعليم عن المسيح الذي أكمل ناموس
موسى كلّه، وأنّ موته فداءٌ للعالم، فلم تبقَ حاجة إلى ذبائح الهيكل، ثم أخبراه
بموهبة الروح القدس. وسمع أبلّوس كلام أكيلا وبريسكلا بكل فرح وتواضع، وفتح الرب
قلبه للإيمان.

هل تبحث عن  كتب أبوكريفا عهد قديم وصايا الآباء وصية زبولون 03

وأراد
أبلوس أن يذهب إلى كنيسة كورنثوس (عاصمة إقليم أخائية) بعد أن سمع من أكيلا
وبريسكلا عن أخبار نجاح تلك الكنيسة، فكتب له الإخوة في أفسس خطاب توصية إلى
الإخوة في كورنثوس. وهذه أوّل مرّة يُذكر فيها في سفر الأعمال «خطاب توصية» صارت
الكنائس تكتبه بعد ذلك لتعرِّف غيرها بالمؤمنين الصادقين (2كورنثوس 3: 1) حرصاً
منها على سلامة العقيدة من خطر المعلِّمين المنحرفين، وحفظاً لسلامة أعضائها من
الجواسيس والمندسِّين. فالذي يحمل رسالة توصية من كنيسة ترحِّب به الكنائس الأخرى.

وهكذا
جاء أبلّوس إلى كنيسة كورنثوس، ووهبه الروح القدس نعمة خاصة استطاع بها أن ينفع
الكنيسة ويخدمها، فساعد المؤمنين بتقويتهم في الإيمان والمعرفة، وبشَّر اليهود
الذين لم يؤمنوا، وقدَّم لهم البراهين القويّة حتى عجزوا عن مجادلته.

ومن
حياة أبلّوس نتعلّم أنّ المبشّر المسيحي يجب أن تكون له القدرة على إفادة
المؤمنين، والقوّة الحكيمة على إقناع غير المؤمنين.

 

بولس
يعظ في أفسس

1
فَحَدَثَ فِيمَا كَانَ أَبُلُّوسُ فِي كُورِنْثُوسَ أَنَّ بُولُسَ بَعْدَ مَا
اجْتَازَ فِي النَّوَاحِي الْعَالِيَةِ جَاءَ إِلَى أَفَسُسَ. فَإِذْ وَجَدَ
تَلاَمِيذَ 2 سَأَلَهُمْ: «هَلْ قَبِلْتُمُ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمَّا آمَنْتُمْ؟»
قَالُوا لَهُ: «وَلاَ سَمِعْنَا أَنَّهُ يُوجَدُ الرُّوحُ الْقُدُسُ». 3
فَسَأَلَهُمْ: «فَبِمَاذَا اعْتَمَدْتُمْ؟» فَقَالُوا: «بِمَعْمُودِيَّةِ
يُوحَنَّا». 4 فَقَالَ بُولُسُ: «إِنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِمَعْمُودِيَّةِ
التَّوْبَةِ قَائِلاً لِلشَّعْبِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِالَّذِي يَأْتِي بَعْدَهُ أَيْ
بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ». 5 فَلَمَّا سَمِعُوا اعْتَمَدُوا بِاسْمِ الرَّبِّ
يَسُوعَ. 6 وَلَمَّا وَضَعَ بُولُسُ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ
عَلَيْهِمْ فَطَفِقُوا يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتٍ وَيَتَنَبَّأُونَ. 7 وَكَانَ
جَمِيعُ الرِّجَالِ نَحْوَ اثْنَيْ عَشَرَ (أعمال 19: 1-7).

كان
أبلّوس يعمل في كورنثوس (عاصمة إقليم أخائية) قبل أن يصل بولس إلى أفسس، لأنّ بولس
كان يجول في إقليمي غلاطية وفريجية، وهما مرتفعتان عن ساحل أفسس. وكان بولس قد وعد
بزيارة كنيسة أفسس (أعمال 18: 21) فوفى بوعده، وجعل أفسس مركزاً للرّحلة
التّبشيريّة الثالثة. وقصد أن يجعلها حصن الدين المسيحي في أسيّا، كما سبق أن جعل
كورنثوس حصن الدين المسيحي في بلاد اليونان.

وأفسس
مدينة كبيرة في أسيّا الصغرى اشتهرت بتجارتها وغناها، وعبد أهلها الأوثان ومارسوا
السّحر، وكان فيها ملعب يسع ثلاثين ألف مشاهد، كما كان فيها هيكل أرطاميس (ديانا)
العظيم الذي كان واحداً من عجائب الدنيا السبع.

وكان
في أفسس بعض اليهود الذين صاروا تلاميذ ليوحنّا المعمدان، ثم اعترفوا بالمسيح على
قدر ما عرفه يوحنّا المعمدان. فجاء بولس إليهم وسألهم إن كانوا قد قبلوا الرّوح
القدس وقت معموديّتهم، فأجابوه أنهم لم يسمعوا بوجوده، وكانوا في ذلك مثل أبلّوس.
فبدأ بولس يشرح لهم أنّ رسالة المعمدان لم تكن سوى تجهيز لطريق المسيح، وأنها لم
تكن كافية لتوضِّح حقيقة الديانة المسيحية ولا طريق الخلاص، لكنّها دلّت الناس على
أنّ المسيح هو «حَمَلُ اٰللّٰهِ اٰلَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ
اٰلْعَالَمِ» (يوحنّا 1: 29).

تأثّر
السّامعون من كلام بولس الرسول فآمنوا، وأظهروا إيمانهم بقبول المعمودية باسم
المسيح، ثم وضع بولس يديه عليهم ليحلّ الروح القدس عليهم، كما حدث مع مؤمني
السّامرة (أعمال 8: 17) ففي الحال ابتدأوا يتكلّمون بألسنة أي بلغات مختلفة،
ويتنبّأون أي يعظون ببنيان وتسلية وتشجيع (أعمال 8: 16، 17 و9: 17، 18 و10: 46، 48
و1كورنثوس 14: 3). وكان عدد أولئك التلاميذ اثني عشر شخصاً.

وهنا
نلاحظ الفرق بين معمودية يوحنّا المعمدان ومعمودية المسيح: معمودية يوحنّا كانت
إعلاناً للمسيح الذي سيأتي، ومعمودية المسيح كانت للإيمان أنّه أتى. وكانت معمودية
يوحنّا تجهيزاً للنظام المسيحي وليست بديلاً للختان، أما معمودية المسيح فكانت
سراً وعهداً أعطاه المسيح للكنيسة كما كان الختان في العهد القديم. ولم تكن
معمودية يوحنّا باسم أقانيم اللاهوت الثلاثة الآب والابن والروح القدس، أمّا
معمودية المسيح فهي باسم الإله الواحد المثلّث الأقانيم.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي