تَفْسِير رِسَالَةُ بُولُسَ
الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ

 

إسم السفر:

رسالة بولس الرسول الى أهل
رومية
Romans

الإختصار : رو = RO

+ كتب بولس الرسول رسالة
رومية وموضوعها عن إنجيل المسيح، لأنه قوة الله للخلاص لكل من يؤمن ويثق ثقة شخصية
ويخضع ليسوع المسيح ويقبله مخلصا وربا (رومية 16:1).

+ يرى البعض أن كلمة "
روما " من أصل يوناني تعني "قوة"، وكانت تستخدم بمعنى "مع
السلامة"، إذ تعني "ليكن لك صحة قوية" ؛ ويرى البعض انها تعني
"مرتفع". وربما دُعيت هكذا لسببين أولا لأن رومليوس أسسها عام753 ق.م. فحملت
إسمه، وأيضا لأنها بنيت على مكان مرتفع على أكمة من الآكام السبع هناك. وقد اتسعت
لتمتد فتشغل كل الآكام. وفي منتصف القرن السادس ق.م أحيطت بسور يضم المدينة كلها
مع ضخامتها، محيطة حوالي خمسة اميال، به 19 باباً.

+ صارت عاصمة الدولة
الرومانية، يقدر تعدادها في القرن الأول بحوالي مليون نسمة من أمميين ويهود وسادة
وعبيد.

+ قبلت المسيحية إما بواسطة
المستوطنين اليهود والدخلاء الذين حضروا يوم الخمسين (اع 2 : 10) أو بعض التجار
المسيحيين، وربما عن طريق بعض تلاميذ الرسول بولس الذين ذكر أسماءهم في الإصحاح
الأخير، ولقد أعلن الرسول بولس كرسول الأمم شوقه لزيارتهم وخدمتهم، حيث لم يكن بعد
قد كرز بها رسول من قبل(15 : 20،10:1-11).

 

كاتب السفر:

بولس الرسول

 

تاريخ كتابة السفر:

+ كتب بولس رومية في بداية
سنة 58. كتبها على ما يبدو في كورنتوس لأنّه يسمّي غايوس وأراستس (رو 16 : 23)
اللذين كانا من كورنثوس (1كور 1 :14؛ 2تم 4 :20) كما يسمّي الشماسة فيبة التي هي
أيضاً من كورنثوس.

+ كتبها في آخر رسالته
التبشيرية الثالثة، حوالي عام 57 م أو 58 م، من كورنثوس في بيت غايس وارسلت على يد
فيبى الخادمة أو شماسة الكنيسة التى فى كنخريا التابعة لكورنثوس (رو1:16، ختام الرسالة)،
بعدما أتم خدمته في الشرق واستعداداًلزياره روما وهو في طريقه إلي أسبانيا بعد ما
يسلم ما جمعه من عطايا للمؤمنين في أورشليم (15 :22 -28).

+ يمكننا تحديد التاريخ
المحتمل لكتابة الرسالة بشئ من اليقين. فاستنتاجاً من رومية 15 : 19 نعرف أن
الرسول بولس عندما كتب الرسالة، كان قد أوشك أن يتمم خدمته في الشرق، وأصبح يتطلع
– بالتحديد – إلى التبشير في الغرب. ولكن كان عليه أولاً أن يزور أورشليم مرة أخرى
(15 : 25 و26)، لتوصيل ما جمعه من عطايا من مكدونية وأخائية، إلى " فقراء
القديسين". وإذ نضع هذه الاشارة جنباً الى جنب مع الاشارات الواردة في
الرسالتين إلى الكنيسة في كورنثوس بخصوص الجمع ونقله الى أورشليم، مع ما جاء أيضاً
في سفر الأعمال، يمكن أن نقول إن الرسالة إلى رومية كتبت تقريباً في نفس الوقت
الذي كتبت فيه الرسالة الثانية إلى كورنثوس قبيل زيارته لأورشليم المذكورة في الأصحاح
العشرين من سفر أعمال الرسل، ويمكن تحديد السنة – بترجيح كبير – بأنها 58 م. وهو
ما يتفق مع تاريخ لا يتفوت الذي يؤيده أيضاً روبرتسون، وإن كانت الأبحاث الحديثة
ترجع بها إلى عام 56 م.

ومما يستلفت الانتباه في هذا
التاريخ، هو أن الرسالة قد كتبت بعد نحو ثلاثين عاماً – على الأكثر – من صلب الرب
يسوع المسيح. ولنتأمل في قوة الذاكرة التي تستحضر الأحداث – العامة والخاصة – التي
حفرها في الذهن انطباع ثلاثين عاماً مضت، ولنذكر كيف تحيا صور الأشخاص البارزين
منذ ثلاثين عاماً، ولم يزل الكثيرون منهم باقياً معنا، ولننتقل بأفكارنا إلى القرن
الأول إلى وقت كتابة الرسالة، ولنذكر أن لدينا – على الأقل – كتاباً مسيحياً
واحداً كتب في وقت قريب جداً من حياة الرب يسوع المسيح على الأرض، حين كان
الكثيرون من أتباعه ومعاصريه، ما زالوا على قيد الحياة، ثم لنفتح الرسالة من جديد
ونقرأها – كما لأول مرة – ولنلاحظ أن هذا التقدير السامي الرفيع، يأتينا في كتاب،
ليس بلغة شعرية أو خطابية، بل في صورة بحث دقيق يفيض بالحجج القوية، والبراهين
الدامغة، والحكمة العملية المذهلة في رسالة قوية جامعة مانعة. ولا بد أن القارئ
سيشعر أن نتيجة تأملاته في التاريخ والظروف، هي المزيد من اليقين من صلابة الأسس
التاريخية للإيمان المسيحي.

 

مكان كتابة السفر:

يمكن أن نقرر – بكل ثقة – أن
الرسالة إلى رومية كتبت في كورنثوس، فقد كان الرسول بولس في ذلك الوقت في "
المدينة " (رومية 16 : 23)، مقيماً عند " غايس مضيفه ". وغايس هذا رجل
في كورنثوس وصديق حميم للرسول بولس (1 كو 1 : 14). ويوصي الرسول بولس " بفيبي
" خادمة الكنيسة التي في " كنخريا " (رو 16 : 1)، والمرجح أن
كنخريا – وهي الجزء الجنوبي من كورنثوس – كانت قريبة من مكان كتابة الرسالة.

 

لمن كتب السفر:

لم يسجل لنا التاريخ متى دخلت
المسيحية لأول مرة إلى رومية، كما أننا لا نعرف إلا القليل جداً عن نمو المسيحية
فيها، فقد حضر في يوم الخمسين الكثيرون من الرومان – يهوداً ودخلاء (أع 2 : 10)،
ولا شك في أن بعضهم رجعوا إلى بلادهم بعد أن آمنوا بالمسيح، كما كان هناك رجل
يهودي اسمه أكيلا بنطي الجنس " كان قد جاء حديثاً من إيطالية " مع
بريسكلا إمرأته (أع 18 : 2)، ولعلها كانا قد جاءا من رومية نفسها. إلا أننا عملياً
– لا نعرف شيئا آخر عما كان قبل هذه الرسالة الموجهة إلى كنيسة كانت قائمة بالفعل،
كما كانت متقدمة روحياً. ومن جهة أخرى لا توجد أي إشارة في الرسالة إلى الكنيسة في
رومية، إلى تنظيم كنسي هناك. كما لم يرد ذكر للخدمة المسيحية (باستثناء خدمة
الرسول بولس). ومن غير المعقول أنه لو كانت قصة تبشير بطرس هناك لفترة طويلة،
وأسقفيته فيها، أمراً تاريخياً، أن لا ترد أي إشارة لخدمته وتأثيره وسلطانه. بل
إنه لمن الصعب جداً القول بأنه أقام في روما إلا لفترة قصيرة جداً قبيل استشهاده
هناك. ويحتمل أن الاعتقاد القديم بأن بطرس وبولس قد اشتركا في تأسيس الكنيسة في
رومية، نبع أساساً من استشهادهما معاً هناك، وليس من أن بطرس كان له دور – بأي
صورة من الصور – في التبشير بالإنجيل في تلك المدينة وتأسيس الكنيسة.

أما بالنسبة لروما ذاتها – في
زمن كتابة الرسالة – فيمكن أن نتصورها وقد اكتظت – مع ضواحيها – بنحو ثمانمائة ألف
نسمة، من كل الألوان والأجناس، مع وجود العنصر الشرقي فيها بكثرة، بما في ذلك
اليهود الذين كان لهم تأثير ملحوظ. ولعلهم كانوا محتقرين أحياناً أو مرهوبين، إلا
أنهم كانوا دائما يستلفتون النظر والفضول.

 

لغة السفر:

كتب الرسول بولس رسالته إلى
الكنيسة في رومية باللغة اليونانية، " باللهجة الشائعة"، لغة الحديث في
ذلك العصر.ومن الطبيعي أن يسأل البعض : لماذا لم يكتب الرسول بولس رسالته
باللاتينية حيث أن الرسالة موجهة إلى عاصمة العالم اللاتيني ؟ لقد جاءت الغالبية
العظمى من المسيحيين من فقراء الطبقة الوسطى، ومن الطبقة الدنيا، إن لم يكن من
طبقة العبيد، وكانت غالبيتهم من المهاجرين الذين كانت لغة الحديث عندهم هي
اليونانية وليست اللاتينية، فقد كانت اللغة اليونانية هي اللغة الشائعة في بلاد
البحر المتوسط. ومن الملاحظ أن كل أساقفة روما الأوائل، كانت لهم أسماء يونانية.
وبعد نحو أربعين عاماً من تاريخ كتابة هذه الرسالة، نجد أكليمندس – أسقف روما –
يكتب إلى الكنيسة في كورنثوس باللغة اليونانية. وفي بداية القرن الثاني نجد
إغناطيوس يكتب إلى الرومان باللغة اليونانية أيضاً.

 

مناسبة كتابة السفر:

لا يمكن أن نحدد على وجه
اليقين مناسبة كتابة الرسالة إلى الكنيسة في رومية، فليس هناك ثمة إشارة إلى أي
أزمة حادة في الكنيسة هناك (كما كان الحال عند كتابة الرسائل إلى كورنثوس وغلاطية
وكولوسي). كما لم تدفع ذكريات الماضي الكاتب إلى الكتابة لأنه لم يكن قد زار رومية
بعد، ولكن يمكننا أن نفترض بعض الاحتمالات :

(1) قدمت رحلة " فيبي
" خادمة الكنيسة في كنخريا، إلى رومية، فرصة طيبة لإقامة علاقات مع الكنيسة
هناك. ولا شك في أن " فيبي " طلبت من الرسول بولس أن يكتب لها رسالة
توصية، وربما شجعه ذلك على كتابة هذه الرسالة المستفيضة إلى الكنيسة هناك.

(2) اتجهت أفكار الرسول بولس
منذ زمن طويل إلى رومية : " ينبغي أن أرى رومية أيضاً " (أع 19 : 21)،
وهي كلمات تتضمن اعلاناً من الله بذلك، فقد " وقف به الرب، وقال : " ثق
يا بولس لأنك كما شهدت بمالي في أورشليم، هكذا ينبغي أن تشهد في رومية أيضاً
" (أع 23 : 11). وهكذا تحددت خطواته بهذه الدعوة السامية، وكان الرسول بولس
يسعى دائماً إلى المدن الكبرى ليتخذ منها مراكز لخدمته. وكان عمله العظيم في
التبشير في المراكز الهامة في الشرق، قد قارب على الانتهاء، فقد عمل في أفسس
وتسالونيكي وكورنثوس وغيرها. فكان عليه أن يفكر أخيراً في أهمها جميعاً، ولابد أن
" رومية " كانت دائما محل اهتمام " رسول الأمم " ومن ثم فإن
معرفته أن تلك هي ارادة الرب، لا بد رفعت اهتمامه إلى أعلى درجة.

(3) قد يلقي أسلوب الرسالة
ضوءاً على الدافع لكتابتها، فهي على ثلاثة أجزاء. الجزء الأول من الأصحاح الأول
إلى الأصحاح الثامن، وفيه يستعرض بشئ من الاسهاب الظواهر المترابطة المتعلقة
بالخطية والخلاص، مع إشارات أساسية إلى اليهود وغيرهم. ثم الجزء الثاني ويضم
الأصحاحات من التاسع إلى الحادي عشر ويعالج موضوع رفض اليهود للمسيا وينتهي بإعلان
نبوي عن مستقبلهم في ضوء نعمة الله. وأخيراً الأصحاحات من الثاني عشر إلى السادس
عشر وتتناول النواحي العملية في الحياة المسيحية، ويختص الجزء الأخير منها بخطط
الكاتب وتحياته إلى أصدقائه وطلبته لأجل الصلاة.

وتلقي تلك الظواهر ضوءاً على
الدافع لكتابة هذه الرسالة. لقد كانت الكرازة في رومية بسبب موقعها ومجاوراتها –
من جهة – أممية تماماً، ومن جهة أخرى كان هناك – كما رأينا – عنصر يهودي قوي
التأثير في الحياة الرومانية، وبخاصة بين الطبقات الدنيا، وقد التف حول هذه
الجماعة اليهودية، جماعة كبيرة من المتعبدين، أو كما كانوا يدعون "الدخلاء
"، وهم أناس لم يختتنوا، لكنهم مارسوا العبادة اليهودية وشاركوا اليهود في
غالبية معتقداتهم وأنماط حياتهم. وقد وجد المبشرون الأوائل في روما – بين أولئك
الدخلاء مجالاً خصباً بينهم. ولم تكن الكنيسة هناك- كما عرفها الرسول بولس – تضم
فئتين محددتين : المتجددين من الوثنية، والمتجددين من اليهودية، فحسب، بل كانت تضم
أيضاً العديدين ممن اختلطت في أذهانهم العقيدتان. وقد دخلت هذه المشاكل التي
أثارها التهوّد – داخل الكنيسة وخارجها – إلى أولئك المتحولين إلى المسيحية، بقوة
مضطردة. وقد شغلت قضيتهم هذه – بصورة خاصة – ذهن الرسول بولس كما يبدو في
الإصحاحات الأولى الثلاثة من الرسالة، كما في بعض الإصحاحات الأخيرة (11، 14، 15).
فقد كانوا – من جهة – في حاجة إلى ارشاد عن أهمية ماضي اسرائيل ومصير الجنس
المختار في المستقبل. بالأضافة إلى أن الجدل في تلك الدوائر حول طريق الخلاص، يهئ
للكارز العظيم الفرصة لشرح مصالحة الانسان مع الله القدوس وأسرار الطهارة والطاعة
في عالم شرير، والمشاكل الكثيرة التي تثيرها النظم الطقسية في الحياة اليومية،
والمشاكل المتعلقة بالأعياد والمواسم، والأطعمة المحرمة بالنسبة لأولئك القوم، كل
هذه كانت تتطلب معالجة حكيمة منصفة.

(4) كتب الرسول بولس هذه
الرسالة بهذا الأسلوب، وأمامه هذه الظروف التي كان يعرفها من خلال العديد من وسائل
الاتصال بين رومية وكورنثوس. إن إدراك الأهمية الكبرى لرومية – قلب الإمبراطورية –
هو الذي حدد شكل الرسالة ومجالها المتسع. وكانت النتيجة هي كتابة رسالة يبدو في كل
جزء منها إحساسه بوجود المشكلة اليهودية، وهو يحسمها هنا بأقوال رقيقة قوية عن
" خطة السماء الواضحة البسيطة التي لا عسر فيها ".

للفداء والنعمة والمجد، هي
خطة تحمل في الجانب الآخر سر محبة الله. وهذه الأقوال كنز ثمين – لا ينضب –
للإيمان المسيحي الآن وإلى الأبد. ثم يضع لأبطال " الحرية " الجديدة
قانوناً للتسامح في محبة من نحو الآراء الأضيق والأضعف، هو أمر بالغ الأهمية لنا
نحن أيضاً.

(5) يعتقد بعض العلماء الكبار
وبخاصة " لا يتفوت " و" هورت " أن الغرض الرئيسي في الرسالة
إلى رومية، هو مصالحة المدارس المتعارضة في الكنيسة، وأن تناول الرسالة لخلاص
الفرد جاء أمراً ثانوياً فقط، ولكننا لسنا من هذا الرأي، وما عليك إلا أن تقرأ
الرسالة – من وجهة نظر روحية – حتى تجدها على غير ما يقولون. فالرسول مدرك على
الدوام لجميع جوانب الحياة المسيحية. وهو أمر بالغ الأهمية. إن مسألة الخلاص
الشخصي تبدو لنا في الرسول بولس حية متحركة في عمق حججه وبراهينه، حتى وإن كان
السلوك المسيحي هو الغرض المباشر.

 

محور السفر:

 + الخطية، الخلاص، النمو،
السيادة، الخدمة

 + ربنا يسوع المسيح برنا

 + التبرير بالإيمان العملي
الحي

 

غاية السفر:

 + تأسيس الإيمان المسيحي (التبرير
بالمسيح).

 + إذ حدث شقاق فكري بين بعض
المسيحيين من أصل يهودي والذين من أصل أممي، فقد كانت غالبية كنيسة روما من اليهود
ولكنها كانت تضم عدداًكبيراًمن الأمم، فبعث الرسول هذه الرسالة يقدم نفسه
للرومانيين معلناًلهم بأن الخلاص للعالم أجمع بلا تميز ولا محاباة، لذا فموضوع
الرسالة هو التبرير بالايمان العملي الحي.

 + هى أول رسائل بولس الرسول
فى الأهمية فيها التعليم الذى بنى عليها كتاباته فى رسائله الأخرى.

 

تدرج السفر:

في رسالة رومية نجد شرحا
متدرجا للحياة المسيحية:

الأصحاحات 1-3 ترسخ الحقيقة
بأن كل من اليهودي والأممي قد أخطأوا في حق الله وغير قادرين، بالمجهود البشري، أن
يتصالحوا مع الله. فالجميع أخطأوا… ليس بار ولا واحد… لأنه بأعمال الناموس كل
ذي جسد لا يتبرر أمامه (رومية 12:2؛ 9:3-10،20).

الأصحاحان 4-5 يشرحان كيف أن
الله قد أعد طريقة بها يحصل أي إنسان على غفران خطاياه. لقد تحقق ذلك من خلال موت
يسوع الكفاري وقيامته الحرفية، الذي أسلم من أجل خطايانا وأقيم من أجل تبريرنا [أي
ليحررنا ويمحو ذنوبنا التي ارتكبناها في حق الله]… بربنا يسوع المسيح…
فبالأولى كثيرا ونحن متبررون [أي أصبحنا في علاقة سليمة مع الله] الآن بدمه نخلص
به من الغضب (رومية 25:4؛ 1:5،9).

أصحاح 6 يقدم لنا شرحا كاملا
لمعنى وأهمية معمودية المؤمن: دُفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من
الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضا في جدة الحياة [أي الحياة الجديدة] (رومية
4:6).

الأصحاحان 7-8 يكشفان عن
الصراع القائم بين الطبيعة الجديدة والطبيعة العتيقة: فإن الذين هم حسب الجسد
[وتتحكم فيهم الرغبات غير المقدسة] فبما للجسد يهتمون ولكن الذين حسب الروح
[وتتحكم فيهم رغبات الروح القدس] فبما للروح… لأنه إن عشتم حسب الجسد [أي حسب ما
يشتهيه الجسد] فستموتون (رومية 5:8،13).

الأصحاحات 9-11 تبين كيف أن
الإنجيل يتجه إلى كل من اليهود والأمم لكي يبين غنى مجده على آنية رحمة قد سبق
فأعدها للمجد، التي أيضا دعانا نحن إياها ليس من اليهود فقط بل من الأمم أيضا
(رومية 23:9-24). لأن كل من يدعو باسم الرب يخلص (رومية 13:10).

الأصحاحات 12-16 تناقش النمو
الروحي والسلوك الروحي – أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية… ولا تشاكلوا [أي تتشكلوا
بحسب] هذا الدهر (رومية 1:12-2). إن جميع الحكومات هي مرتبة من الله ؛ لذا: لتخضع
كل نفس للسلاطين الفائقة [أي السلطات المدنية]… حتى إن من يقاوم السلطان يقاوم
ترتيب الله (رومية 1:13-2 و1:15). وعلينا أن نراعي روح الإشفاق على ضمائر الآخرين
(1:14-23) وأن نحتمل ضعفات الضعفاء ولا نرضي أنفسنا (رومية 1:15).

وتختتم الرسالة بتحيات النعمة
من بولس إلى شركائه في الخدمة (أصحاح 16) – وهذا مثل رائع لنا لنحتذي به.

 

مفتاح السفر:

 "اني لست استحي بانجيل
المسيح لانه قوة الله للخلاص لكل من يؤمن لليهودي اولا ثم لليوناني، لان فيه معلن
بر الله بايمان لايمان كما هو مكتوب اما البار فبالايمان يحيا" (1 : 16، 17)،"فاذ
قد تبررنا بالايمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح" (5 : 1).

 

مجمل السفر:

 لما كان صلب الرسالة هو الرد
علي المسيحيين الذين من أصل يهودي الراغبين في العودة إلي حرفية أعمال الناموس،
لهذا أعلن في الافتتاحية مفهوم الدعوة للقداسة وعمل الناموس والأنبياء ليدخلوا بنا
إلى الابن الوحيد، موضحا مفهوم القداسة، وعمومية التمتع بالنعمة لجميع الأمم أن
الخلاص للعالم أجمع بلا تميز ولا محاباة فلا ينكر أهمية الناموس وأيضا الأنبياء
ولا يتجاهل أيضاًشرور الأمم حتى يشجع من له اتجاهات يهودية علي متابعة الحديث.

 

أصالة السفر:

ليس ثمة شك في أن أصالة هذه
الرسالة، تحتاج منا إلى وقفة جادة. ويمكن تتبع الأدلة على أهمية هذه الرسالة
واتساع تأثيرها، في سائر أسفار العهد الجديد، وبخاصة في رسالة بطرس الرسول الأولى،
وفي رسالة يعقوب أيضاً – كما يرى البعض – وإن كنا نعتقد أن رسالة يعقوب كانت أسبق
منها. وقد قدَّم " لايتفوت " (
Lightfoot) الأدلة القوية على أن الفقرة التي يتحدث فيها يعقوب عن الإيمان
والتبرير (يع 2) ليس فيها ما يشير إلى معارضته لتعليم الرسول بولس، بل كان يعالج
تعاليم معلمي اليهود. وقد اقتبس اكليمندس الروماني، وإغناطيوس وبوليكاريوس
ويوستينوس، الكثير من الرسالة إلى رومية.كما يذكرها " ماركيون " (
Marcion) ضمن قائمته عن رسائل الرسول بولس.
ويمكن أن نؤكد – بصفة عامة – أن الرسالة إلى رومية اعترفت بها الكنيسة منذ أن جُمعت
رسائل الرسول بولس معاً. ولكن أعظم الأدلة على أصالتها، هو أن الرسالة نفسها هي
خير شاهد على ذلك، فصياغتها بكل ما فيها من فكر دقيق عميق، وقوتها وأصالة معالجتها
للأمور، ومستوى أخلاقياتها الرفيع، وسموها الروحي، لما يستحيل تزييفه.ويبرز في كل
عبارة فيها عقل جبار وقلب عظيم ونفس مرهفة الحس تهدف دائماً إلى الحق والقداسة.

 

وحدة السفر:

ومع قبولنا الرسالة في مجملها
كإحدي رسائل الرسول بولس، فهناك سؤال عما إذا كانت الرسالة التي بين أيدينا في كل
تفاصيلها، قد وصلتنا كما دونتها يد كاتبها. وما يدعو لهذا التساؤل – بصفة خاصة –
هو وجود بعض الظواهر في الأصحاحين الأخيرين من الرسالة. ونستطيع أن نؤكد أن هذين
الأصحاحين كتبهما الرسول بولس، حيث نتنسم في كل جملة فيهما، رائحة الرسول بولس. ولكن
هل يبدوان تماماً جزءاً من الرسالة إلى رومية ؟ فهناك – على سبيل المثال – سلسلة
من الأسماء (رو 16 : 1 – 15) تمثل دائرة واسعة من الأشخاص المعروفين شخصياً للكاتب
والمحبوبين له، وهي قائمة أكبر بكثير من مثيلاتها في الرسائل الأخرى، ويفترض – على
أساس أن هذه القائمة جزء مكمل للرسالة – أن تكون هذه الأسماء لأشخاص مقيمين في
رومية. ألا يمكن أن يكون هذا الجزء قد تسرب – بعد كتابة الرسالة – إليها من رسالة
أخرى ؟ ألا يجوز أن تكون هذه التحيات، كانت موجهة إلى أصدقاء في فيلبي، أو
تسالونيكي، أو أفسس، وهي الأماكن التي كوّن فيها الرسول بولس بالفعل علاقات صداقة
حميمة، وأن تكون هذه التحيات قد سقطت من مكانها، ووجدت لها – بطريقة ما – مكاناً
في هذه الرسالة الى رومية ؟.

ويبدو أنه يكفي أن نجيب على
ذلك بعبارة موجزة تعلن الحقيقة، وهي أن لدينا نحو ثلثمائة مخطوطة قديمة للرسالة
إلى رومية، ليس بينها أي مخطوطة ينقصها أي أصحاح من الأصحاحات التي بين أيدينا،
وبنفس الترتيب الحالي، كما يمكن في نفس الوقت ملاحظة أن مسألة تكوين الرسول بولس
لصداقات حميمة مع عدد كبير من الأصدقاء المقيمين في رومية قبل أن يصل إليها، ليست
بالأمر المستحيل أو الخطير، فقد كان هناك باستمرار انتقال للسكان بين رومية ومختلف
أنحاء الامبراطورية. ولعل أكيلا وبريسكلا – مثلاً – كانا قد اعادا حديثاً من أفسس
إلى روما (أع 18 : 2)، وقد تكون هناك تنقلات وهجرات مماثلة، حدثت في السنوات
الأخيرة من اليونان ومن أسيا الصغرى إلى رومية، ومن ثم يسهل علينا التعليل للتحيات
الكثيرة المذكورة في الأصحاح السادس عشر من الرسالة إلى رومية.

وقد أوضح " لايتفوت
" ذلك بجلاء (في تعليقه على الأصحاح الرابع من الرسالة إلى فيلبي)، فالكثير
من الأسماء (مثل أمبلياس، أوربانوس، تريفينا) الواردة في الأصحاح السادس عشر من
الرسالة إلى رومية، كانت شائعة في رومية في ذلك العصر، وموجودة في نقوش العصر
الامبراطوري المبكر، في الجبانات التي دفن فيها أعضاء من بيت قيصر. إن هذا يرجح –
على الأقل – الاحتمال الكبير بأن المتجددين والأصدقاء من بيت قيصر، الذين التفوا (بعد
فترة قصيرة لعلها لا تتعدى السنوات الثلاث) حول بولس، في رومية – عند كتابته
الرسالة إلى فيلبي (في 4 : 22) وأرسلوا تحياتهم الخاصة إلى المؤمنيين في فيلبي –
كانوا أساساً يقيمون في فيلبي أو في أي مكان آخر في مكدونية، ثم أنتقلوا من هناك
إلى العاصمة قبل كتابة الرسول بولس الرسالة إلى الكنيسة في رومية بوقت قصير. أما أ.
روبرتسون (
A. Robertson) – بعد
دراسة دقيقة للنظريات الحديثة – فيصل إلى نتيجة قوية مؤداها: "إن نقل هذا
الجزء من موقعه في رسالة مفقودة لأفسس، أمر ينقصه الدليل".

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد قديم سفر مراثى إرميا 00

 

أقسام السفر:

ويمكن تقسيم الرسالة عموما
إلي:

 + الحاجة إلي مخلص (ص 1- 3).

 + التبرير بالمخلص (ص 4- 5).

 + التبرير حياة وليس موقف (ص
6- 8).

 + دور اليهود في الخلاص (ص
9- 11).

 + حياة المؤمن في الكنيسة
والمجتمع والعلاقات (ص12-16).

 

 كما يمكن استعراض الرسالة كالاتي
:

 أولا : الله لا يحابى :

 1- مسئولية اليهود عن رفضهم
المخلص ص 2.

 2 – خضوع الكل يهود وأمم –
تحت الحكم ص 3.

  ثانيا : الدعوى بأنهم أولاد
إبراهيم :

 1 – إبراهيم دعي وهو في
الغرلة ص 4.

 2 – اليهود والأمم، الكل
أبناء أب واحد ص 5.

 3 – الكل صاروا أحرارا ص 6.

  ثالثا : اتكالهم علي
استلامهم للناموس :

 1 – الناموس يكشف الخطية ولا
يبررها ص 7.

 2 – الناموس يؤكد الحاجة إلى
بر النعمة ص 8.

 رابعا : اتكالهم علي أنهم
شعب الله المختار :

 1 – الله الذي اختارهم يختار
أيضا الأمم ص 9.

 2 – اختيار الله لنا لا
يفقدنا حرية الإرادة ص 10.

 "الذي لم يشفق علي إبنه
بل بذله لأجلنا أجمعين كيف لا يهبنا أيضا معه كل شيء ؟ " (8 : 32).

 خامسا : تحذير لمن هم من
الأمم ص11

 + إن كان الرسول في حديثه مع
من هم من أصل يهودي يؤكد لهم عمومية الخلاص مفندا حججهم الأربع السابقة فإنه من
الجانب الآخر إذ يتحدث مع من هم من أصل أممي محذرا إياهم من كبرياء اليهود مؤكدا
أن الله لم يرفض كل اليهود بل منهم من قبل الإيمان وأنه في نهاية الدهور البقية
منهم لهم مستقبل الإيمان.

 + إن كان الله لم يشفق علي
الأغصان الطبيعية بسبب كبريائها فانه لن يشفق علي من هم من الزيتونه البرية إن
سقطوا في العجرفة.

 + أن كان عصيان اليهود فتح
الباب للأمم لقبول الإيمان فكم تكون البركات حين يقبلون الإيمان ؟

  سادسا : الجانب العملي ص 12
– 15

 (أ) : وصايا خاصة بحياة
المؤمن:

 + تقديس الحياة 12 : 1- 2.

 + إضرام المواهب 3 – 13.

 + محبة الآخرين 14 – 21.

 (ب) : وصايا خاصة بعلاقة
المسيحي بالوطن :

 + الخضوع للرؤساء 13 : 1 -7.

 (ج) : وصايا خاصة بعلاقة
المسيحي بالغير 13 : 8 -14.

 (د) : علاقة المسيحي بضعيف
الإيمان ص 14، ص 15: 1- 15.

 (و) : وصايا خاصة بعلاقة
الرسول بهم 15 : 14 – 33.

 "البسوا الرب يسوع
" 13 : 14

  سابعا : الختام ص 16.

 + يكشف هذا الإصحاح الختامي
عن مشاعر الأبوة الحانية التي للرسول واهتمامه العجيب بكل شخص، معطيا إياه صفة
خاصة به، أو مادحا إياه.

 + لا ينسي أن يقدم تشكراته
علي تعب كل واحد منهم سواء من أجله أو من أجل الخدمة.

 + يدعو هذا " حبيبى
" وذاك " نسيبى " ويقول عن هذه إنها أمه الخ.. إنه يؤمن بتقديس
مشاعر الحب التى تتدفق بطهارة ونقاوة في المسيح يسوع.

 

محتويات السفر:

(1) التمهيد (1 : 1 – 15)

(أ) التحية (1 : 1 – 7)

(ب) المقدمة (1 : 8 – 15)

(2) أساس التعليم المسيحي (1
: 16 – 8 : 39).

(أ) موضوع الإنجيل : بر الله
المعلن (1 : 16 و17).

(ب) الخطية والجزاء : حاجة كل
العالم (1 : 18 – 3 : 20).

(1) العالم الوثني (1 : 18 –
32)

(2) الأفاضل (2 : 1 –16)

(3) اليهود (2 : 17 – 3 : 8)

(4) كل الجنس البشري تحت
الدينونة (3 : 9 – 20)

(ج) الطريق إلى البر : سد
حاجة العالم (3 : 21 – 5 : 21)

(1) تدبير الله (3 : 21 – 31)

(2) أمثلة من العهد القديم (4
: 1 – 25)

(3) البركات المصاحبة للتبرير
: سلام، فرح، رجاء،

 (5 : 1 – 11)

(4) الطبيعة البشرية العتيقة
والجديدة (5 : 12 – 21)

(د) الطريق إلى القداسة (6 :
1 – 8 : 39)

(1) التحرر من الخطية (6 : 1
– 23)

أ – اعتراض محتمل (6 : 1 و2)

ب – معنى المعمودية (6 : 3 –
14)

ج – التشبيه بسوق الرقيق (6 :
15 – 23)

(2) التحرر من الناموس (7 : 1
– 25)

أ – التشبيه بالزواج (7 : 1 –
6)

ب – فجر الضمير (7 : 7 – 13)

ج – الصراع في الداخل (7 : 14
– 25)

(3) التحرر من الموت (8 : 1 –
39)

أ – الحياة في الروح (8 : 1 –
17)

ب – المجد العتيد (8 : 18 –
30)

ج – غلبة الإيمان (8 : 31 –
39)

(4) بر الله في التاريخ (9 :
1 – 11 : 36)

(1) مشكلة عدم إيمان إسرائيل (9
: 1 – 5)

(2) اختيار الله المطلق (9 :
6 – 29)

(3) مسئولية الإنسان (9 : 3 –
10 : 21)

أ – حجر العثرة (9 : 30 – 33)

ب – الطريقان للبر (10 : 1 –
13)

ج – الكرازة لكل العالم (10 :
14 – 21)

(4) قصد الله من نحو اسرائيل (11
: 1 – 29)

أ – إن رفض اسرائيل ليس
نهائياً (11 : 1 – 16)

ب – مثل شجرة الزيتون (11 :
17 – 24)

ج – رد إسرائيل (11 : 25 – 29)

(5) قصد الله من نحو الجنس
البشري (11 : 30 – 36)

(5) الطريق المسيحي للحياة (12
: 1 – 15 : 13)

(1) الذبيحة الحية (12 : 1 و2)

(2) حياة الشركة للمؤمنين (12
: 3 – 8)

(3) ناموس المسيح (12 : 9 –
21)

(4) المسيحي والدولة (13 : 1
– 7)

(5) المحبة والواجب (13 : 8 –
10)

(6) حياة المسيحي في الأيام
الحرجة (13 : 11 – 14)

(7) الحرية المسيحية والمحبة
المسيحية (14 : 1 – 15 : 6)

أ – الحرية المسيحية (14 : 1
– 12)

ب – المحبة المسيحية (14 : 13
– 23)

ج – مثال المسيح (15 : 1 – 6)

(8) المسيح والأمم (15 : 7 –
13)

(6) الخاتمة (15 : 14 – 16 :
27)

(1) تقرير شخصي (15 : 14 – 33)

(2) التوصية بفيبي (16 : 1 و2)

(3) تحيات لأصدقاء عديدين (16
: 3 – 16)

(4) تحريض ختامي وبركة ختامية
(16 : 17 – 20)

(5) تحيات من رفقاء بولس (16
: 21 – 23)

(6) التسبحة (16 : 24 – 27)

 

موجز السفر:

(أ) تمهيد : يتوسع الرسول
بولس في تمهيده للرسالة (1 : 1 – 7) ليؤكد دعوته الخاصة، وطبيعة الإنجيل الذي دعاه
الله للكرازة به، فالإنجيل هو إنجيل الله، وموضوعه هو يسوع المسيح ابنه، وهو ليس
شيئاً جديداً، ولكن سبق أن وعد به الله على فم الأنبياء منذ القديم. ويسوع المسيح
هو من نسل الملك داود (ليبين لليهود أنه المسيا)، ولكن قيامته أثبتت بقوة الروح
القدس أنه "ابن الله بقوة ". ولكي يأتي بالأمم إلى طاعته، اختار بولس –
عبده – ومنحه نعمة رسولية. وحيث أن رومية جزء من عالم الأمم، فهي تقع في دائرة
رسولية بولس، ويوجه تحيته للمؤمنين في رومية بالعبارة المعتادة : " نعمة لكم
وسلام ".

(ب) المقدمة : (1 : 8 – 15)
يؤكد لقرائه أنه يصلي لأجلهم باستمرار ويشكر الله لأجلهم لأن إيمانهم ينادى به في
كل العالم، ويوضح لهم أن سبب عدم زيارتهم هو عدم توفر الفرص، حيث أنه كثيراً ما
قصد أن يراهم لكي يكرز بالإنجيل في رومية كما في سائر الأمم، ولكي يستمتع بالشركة
والتعزية في صحبتهم. فالكرازة بالإنجيل هي التزام عليه، لا يمكنه أن يتخلى عنه
طالما هو يحيا في هذا العالم.

(ج) أساس التعليم المسيحي : (1
: 16 – 8 : 39) يبدأ القسم الرئيسي من الرسالة ببيان موجز عن طبيعة الإنجيل
وموضوعه : فهو وسيلة الله القديرة لخلاص كل من يؤمن، سواء من اليهود أو الأمم، هو
يعلن بر الله – ليس طبيعة الله البارة، بل البر الذي يمنحه – في نعمته – لكل من
يؤمن مستشهداً بما ذكره حبقوق النبي (حب 2 : 4) الذي يفسره الرسول بولس ليعني :
" من تبرر بالإيمان سيحيا " (1 : 16 و17).

ثم يعلن أنه لا سبيل للحصول
على بر الله إلا بالإيمان (1 : 18 – 3 : 20) ويوضح – خطوة بعد خطوة – إفلاس الجنس
البشري كله إفلاساً أدبياً. وأن الخلفية المعتمة وراء نعمة الله في الإنجيل، هي
غضب الله المعلن في تاريخ البشرية، فالأفكار الخاطئة عن الله تؤدي إلى أساليب
خاطئة في الحياة. والاتهامات الموجهة للعالم الوثني، لم تكن أمراً مألوفاً في
الكتابات اليهودية فحسب، بل في كتابات كثيرين من كتَّاب الأمم، وعبارة "
أسلمهم الله " (التي تتكرر في الأعداد 24 و26 و28) تبين عمل الله في مجازاتهم
في التاريخ، وقوله إن معرفة الله متاحة للناس في الخليقة (19 – 28) تشبه ما قاله
الرسول بولس للأثينويين في " أريوس باغوس " (أع 17 : 24 – 31)،
والاختلاف بين الفصلين يرجع إلى اختلاف السامعين الموجه إليهم الخطاب، وقد جاء
ملخص هذه الأقوال في سفر حكمة سليمان (14 : 12) : " لأن اختراع الأصنام هو
أصل الفسق، ووجودها فساد الحياة".

ثم يتخيل الرسول بولس شخصاً
واقفاً أمامه يبدي رضاءه عن استنكاره لانحلال الوثنيين، فيتحول إليه الرسول بولس
ليؤكد له أنه ليس في حالة أفضل (رو 2 : 1 – 16). ومع أن الرسول يخاطب ناقداً
يهودياً من بداية الأصحاح الثاني، إلا أن لغته حتى العدد السادس عشر يمكن أن تكون
موجهة – على الأكثر – لشخص وثني مثل سنيكا الفيلسوف. إذ لا يكفي الشخص أن يتجنب
الخطايا الشنيعة، إذا كان مندمجاً في مجتمع يشجعها أو يمارس نفس الرذائل بطرق أكثر
تحفظاً. فدينونة الله عادلة تماماً ولا محاباة فيها أبداً، وهي تتناسب مع أعمال كل
إنسان سواء كان يهودياً أو أممياً، متحفظاً أو مستبيحاً، وإذا ظن أنه معفي من تلك
الدينونة لأن مجازاة الله لم تتم في حياته، فليشكر الله على صلاحه وطول أناته،
وليدرك أن طول أناة الله، إنما هي دليل صبره عليه ليعطيه الفرصة للتوبة، فإذا كسر
اليهود ناموس موسى، فعليهم أن يتوبوا عن تعديهم. وحقيقة أن الأمم ليس لهم الناموس،
لا تعفيهم من ضرورة التوبة، إذ لهم ناموس إلهي مكتوب في ضمائرهم، ومتى كسروه،
فإنهم يدركون أنهم قد أخطأوا، وسيدانون عليه في الدينونة الأخيرة.

ثم يوجه الرسول بولس كلامه
مباشرة إلى اليهودي (2 : 17 – 29)، فيقول له، : ليس هناك ما يجعله يفترض أنه
يستمتع بمركز الرضى الخاص أمام الله بسبب الامتيازات التي خلعها الله على أمته،
فليس الأمر الهام هو معرفة الناموس، بل العمل بالناموس، فاليهودي الذي يعرف مشيئة
الله من خلال الاعلان الإلهي، يكون – متى عصاها– أعظم ذنباً من الأممي الذي ليست
عنده هذه المعرفة، وهناك طرق بلا عدد لكسر وصايا الله. وما يستشهد به الرسول بولس
من أقوال النبي إشعياء (52 : 5) : " لأن اسم الله يجدف عليه بسببكم بين الأمم
" (رو 2 : 24)، في وصف ما كان لليهود من سمعة في الامبراطورية الرومانية، له
ما يؤيده تماماً في أقوال الكتَّاب المعاصرين له، سواء من اليهود أو من الأمم.
والأمر الذي له المكانة الأولى من الأهمية، هو أن يكون قلب الإنسان مستقيماً أمام
الله، فبدون ذلك تصبح معرفة الناموس وعهد الختان بلا قيمة. فالله يقبل الأممى الذى
يفعل مشيئته دون اليهودى الذى لا يفعل مشيئته، فالمهم هو ختان القلب (انظر تث 10 :
16) واليهودي الحقيقي هو الإنسان الذي تفوز حياته " بالمدح " من الله (رو
2 : 28 و29، انظر أيضاً تك 29 : 35، 49 : 8)، وهذا " المدح " غير مقصور
على أي شعب معين.

ومتى كان الأمر كذلك، فقد
يسأل سائل : فما فضل أن يكون الانسان يهودياً ؟ والتعرض لسؤال في وسط الحديث، هو
إحدى خصائص أسلوب البلاغة في اليونانية، ويجيب الرسول بولس بأنه " كثير على
كل وجه.. لأنهم استؤمنوا. وقد استخدمه الرسول بولس مراراً فى هذه الرسالة على
أقوال الله " ليكونوا أداة اتمام قصده في العالم، حقيقة لقد كان البعض منهم
غير أمناء، ولكن لأن الله هو الله، فلا يمكن لعيب في الآلة أن يعطل قصده، ولا يمكن
أن يُلام الله، لأنه لابد كان يعرف هذا العيب مسبقاً، فلا يمكن أن تنجح قضية ضد
الله، ولا يمكن لمن كانوا غير أمناء فيما استودعهم الله إياه، أن يدَّعوا البراءة،
لأن الله قد سيطر على عدم أمانتهم وحوَّله لمجده، فعمل الشر لكي يأتي بالخير، يجب
أن يدان دائما (رو 3 : 1 – 8).

ورغم كل الامتيازات اليهودية
الموروثة، فعدم استخدامهم لها استخداماً مسئولاً، يعني أنهم ليسوا أفضل من الأمم
في نظر الله. ثم يسرد الرسول سلسلة من الفصول الكتابية من العهد القديم لأثبات فساد
كل الجنس البشري، تنطبق على الأمم، ولكنها تنطبق أولاً على اليهود، لأنهم هم الشعب،
الذين أعطى لهم العهد القديم أساساً. فالعالم كله مدين أمام محكمة الله، ولا يمكن
أن يبرر إنسان نفسه على أساس أعماله أو طاعته لناموس الله، فالناموس الذي يعلن
مشيئة الله، يعلن في نفس الوقت عجز الإنسان عن فعل هذه المشيئة (3 : 9 – 20).

فكل محاولة من الإنسان لإثبات
بره أمام الله، محكوم عليها بالرفض أمام محكمة الله، وبذلك ينفتح الطريق لإدخال بر
الله. ويكرس الرسول بولس الآيات التالية بالغة الأهمية لهذا الغرض (3 : 21 – 23)،
ويمكن التعبير عن الجزء الأول، كما يلي : " والآن قد أعلن الطريق مع المصالحة
مع الله، عن غير طريق البر بالناموس، وهذا الطريق، المشهود له من الناموس
والأنبياء، هو من تدبير الله، على أساس الإيمان بيسوع المسيح، وهو لكل من يؤمن به.
لا فرق، فاليهود والأمم على حد سواء قد أخطأوا وأصبحوا عاجزين عن بلوغ ما يمجد
الله، ولكن اليهود والأمم – على السواء – يمكن أن يحصلوا على شركة صحيحة مع الله
ويضمنوا غفرانه، وينالوا هذا مجاناً بنعمته الخالصة، بناء على عمل الفداء الذي
أتممه يسوع المسيح، فالله يقدمه للجنس البشري باعتبار أن موته الكفاري قد كفر عن
الخطية، وما أنجزه هو، يمكن أن يحوزه الإنسان بالإيمان، وهكذا ظهر بر الله، فقد
تجاوز – في طول أناته – عن الخطايا التي ارتكبت قبل مجئ المسيح، عوضاً عن توقع
العقاب الذي تستحقه، وقد فعل ذلك انتظاراً لإظهار بره في الزمن الحاضر. وبينما يظل
هو باراً تماماً، فإنه يعفو عن كل من يؤمن بيسوع ويأتي بهم إلى علاقة صحيحة مع
نفسه ". والكفارة (عد 25) التي قدمها المسيح تدفع غضب الله (رو 1 : 18) وتمحو
مذنوبية الخاطئ. فهي ليست عملاً به يحاول الخاطئ أن يسترضي الله (كأن هذا أمراً
ممكناً) ولكنه عمل يأخذ فيه الله المبادرة. وكلمة كفارة – في العبرية – هي نفس
الكلمة المستخدمة للدلالة على " الغطاء " (أو كرسي الرحمة) حيث أكد الله
للشعب قديماً غفرانه وقبوله متى اعترفوا بخطاياهم من خلال ممثليهم من الكهنة. فما
كان يتم عن طريق الطقوس لتعليمهم تجلي الآن بقوة في المسيح " بدمه " وأصبح
متاحاً للجميع بالإيمان به.

ومتى كانت هذه هي طريق الله
لتبرير الإنسان – رجلاً كان أو إمرأة – فليس أمامهم مجال للافتخار لأن كل شئ نبع
من نعمته، لا من استحقاق فيهم. وهي طريق مفتوحة لليهود وللأمم على حد سواء، لأن
الله هو إله الجميع. وهكذا لم يعد هناك أحد أفضل من الآخر، وهذا لا يبطل الناموس
بل بالحري يثبته (3 : 27 – 31).

ولكي يبين الرسول كيف أن مبدأ
التبرير بالإيمان يثبت الناموس، رجع إلى قصة إبراهيم في سفر التكوين (رو 4 : 1-25).
فلو أن الطاعة لمشيئة الله هى أساس التبرير، لكان إبراهيم خير مثال (انظر تك 26 : 5)،
ولكن أساس تبرير إبراهيم – كما يقول الكتاب – كان تصديقه لقول الله " آمن
إبراهيم بالله فحسب له براً " (رو 4 : 3 اقتباساً من تك 15 : 6). ونستطيع أن
ندرك أهمية هذا الشاهد عند الرسول بولس من رجوعه إلى استخدامه أيضاً في الرسالة
إلى غلاطية (3 : 6). وعندما يتقدم الرسول بولس ليقول عن الله إنه هو " الذي
يبرر الفاجر " فإنه يعلن بكل جراءة، أن الله في الإنجيل يفعل ما يقول في
الناموس إنه لن يفعله : " لأني لا أبرر المذنب " (خر 23 : 7)، وقد جاءت
هذه العبارة في الترجمة السبعينية بنفس الاسم والفعل اللذين استخدمها الرسول بولس.

وقبل أن يستوفي كلامه عن
إبراهيم، يلتفت الرسول بولس إلى استخدام كلمة "يحسب" في العهد القديم :
" طوبى للرجل الذي لا يحسب له الرب خطية " (مز 32 : 2، رومية 4 : 6 – 8)،
فعدم حسبان الخطية للخاطئ، يعادل تماماً حسبانه باراً، فلم تكن حالة إبراهيم فريدة،
بل إن شهادة داود تؤيدها.

ثم إذ يعود الرسول بولس إلى
إبراهيم (4 : 9 – 25)، يسأل : هل حُسب الإيمان لإبراهيم براً قبل الختان أو بعده ؟
ثم يجيب على السؤال بأن الإيمان حُسب لابراهيم براً قبل أن يختتن، بل قبل أن يعطيه
الله عهد الختان بسنين كثيرة (تك 17 : 24). وهنا يجد الرسول بولس عهداً يسمح بدخول
المؤمنين من الأمم على قدم المساواة مع المؤمنين من اليهود، كورثة لإبراهيم.
فالإيمان – وليس الختان – هو الأساس، وذلك واضح من قول الله لإبراهيم : " لا
يدعى أسمك بعد أبرام بل يكون اسمك إبراهيم، لأني أجعلك أباً لجمهور من الأمم
" (تك 17 : 5، انظر رومية 4 : 17). فإبراهيم أب روحي لجميع المؤمنين. ولم يكن
إيمانه أمراً سهلاً، بل كان إيماناً في مواجهة ظروف بالغة الشدة، كانت كفيلة بأن
تجعل مثل هذا الإيمان أمراً مستحيلاً في نظر السواد الأعظم من الناس. ولكن في نظر
إبراهيم، كان وعد الله أقوى من كل تلك الظروف، لقد آمن بالوعد قبل أن تبدو أي
بارقة أو أي إحتمال لإمكانية تحقيقة، وقد حُسب له براً هذا بّراً. وبنفس الطريقة،
يحسب الله براً للكل من يؤمن " بكلمة الله " التي قالها من خلال الرب
يسوع المصلوب والمقام.

 

وبعد أن أثبت الرسول بولس،
الأساس الكتابي للأخبار الطيبة عن التبرير بالإيمان، أخذ في وصف البركات المصاحبة
له في حياة المؤمن (5 : 1 – 11) فالسلام والفرح والرجاء هي الهبات التي يستمتع بها
المتبررون، مهما كانت الضيقات التي يتعرضون لها، فإحتمال الضيقات يؤدي إلى قوة
الشخصية، ولكن أفضل الكل هو أن الروح القدس الذي قبلوه، والذي يمنحهم هذه الهبات،
قد سكب محبة الله في قلوبهم، وعمل الخلاص الذي بدأ في حياتهم، سيستمر إلى النهاية
عندما ينسكب غضب الدينونة، فسينقذهم منه المخلص الذي بررهم بسفك دمه. هذا هو
رجاؤهم، وهو رجاء أكيد وبهيج، لذلك فهم يفتخرون " بالله بربنا يسوع المسيح
الذي نلنا به الآن المصالحة " (5 : 11).

 

ويختم الرسول بولس كلامه عن
طريق الله للبر بمقابلة بين آدم – رأس الخليقة القديمة، والذي به دخلت الخطية
والموت إلى كل ذريته، نتيجة لمعصيته – والمسيح رأس الخليقة الجديدة، الذي يأتي
بشعبه إلى البر والحياة، نتيجة لطاعته. وهذا الفصل هو أحد الفصلين الرائعين اللذين
يشرح فيهما الرسول بولس مفهومه عن المسيح كآدم الأخير (والفصل الثاني هو 1 كو 15 :
21 – 28 و45 – 49). كما يمكننا أن نجد هذا المفهوم في مواضع أخرى من رسائله. كما
يمكن ربط هذا المفهوم بالفصول الكتابية التي يُذكر فيها " ابن الإنسان "
فبعمل الفداء – الذي أتممه المسيح على الصليب – انتهت صلتنا بآدم، صلة الخطية
واليأس، لتحل محلها صلتنا بالمسيح حيث الغفران والرجاء. فإن نتائج طاعة المسيح
التي أتت بالخلاص (طاعته طيلة حياته والتي بلغت ذروتها في خضوعه للموت). أعظم وأعم
من نتائج عصيان آدم الذي جلب الخراب.

 

وإذ ثار سؤال عن مكان الناموس
في هذا المفهوم، فالجواب : إنه لا أثر له في قضية الموت في آدم، في مقابل الحياة
في المسيح. فقد دخل الناموس ليكشف الخطية الكامنة، وفي نفس الوقت عمل على زيادة
أعمال الخطية : " لأنه حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جداً " (رو 5 : 20).

 

ويواصل الرسول بولس حديثه عن
طريق التبرير (3 : 21 – 5 : 21)، إلى الكلام عن طريق القداسة. ويقدم لهذا الموضوع
بافتراض وجود من سمع قوله : " لأنه حيث كثرت الخطية، ازدادت النعمة جداً
"، فيسأله : فلماذا لا يستمر الإنسان في الخطية لكي تستمر النعمة في الزيادة
؟ (6 : 1)، والأرجح أنه لم يكن سؤالاً خيالياً، فقد عرف الرسول بولس بعض أعضاء في
كنائس الأمم، كان سلوكهم يبدو قائماً على مثل تلك الحجة. ولكنه يجيب بأنه لا يمكن
أن يجتمع الضدان : الموت عن الخطية، والحياة في الخطية، ويشرح ذلك بأمرين : (1)
ابراز المعنى العملي للمعمودية (6 : 3 – 14). (2) ويستعير تشبيهاً من نظام الرق (6
: 15 – 23).

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس شخصيات ز 2

 

فالمعمودية " ليسوع
المسيح " تدل على اتحادنا به، ولذلك يصبح الشخص المعتمد "في المسيح
يسوع"، فقد اتحد مع المسيح في موته، فمات عن الطريق القديم. واتحد مع المسيح
في قيامته، فيحيا الآن في الطريق الجديد، وتصبح العيشة في الخطية – لمثل هذا الشخص
– مناقضة تماماً لحياته في المسيح، وكأنه ينكر معموديته. فهو لم يعد الإنسان الذي
كانه قبلاً (الإنسان العتيق – 6 : 6)، فالحياة التي يحياها الآن هي الحياة التي
يحياها فيه المسيح المقام. لقد مات المسيح مرة حاملاً خطايانا، ولكن لن يسود عليه
الموت بعد. والإنسان " في المسيح " قد مات للخطية ليحيا لله (6 : 11)،
ولم يعد مجبراً – كما كان من قبل – أن يقدم أعضاءه وقواه آلات للخطية، بل عليه أن
يكرسها لله كآلات لاتمام مشيئته، وسيجد نفسه متحرراً من سلطان الخطية. وعبارة :
" لستم تحت الناموس بل تحت النعمة " (عد 14) تتضمن العلاقة الوثيقة – في
فكر الرسول بولس – بين الناموس والخطية (ارجع إلى الاصحاح السابع من الرسالة).

 

ويمكن تمثيل الخطية بسيد
يمتلك عبداً، والعبد مجبر على تنفيذ أوامر سيده، وإذا مات العبد، لم يعد لسيده
سلطان عليه، والإنسان في المسيح قد مات بالنسبة لعلاقته بالخطية، سيده السابق، أو
بصورة أخرى، إذا أصبح العبد ملكاً لسيد آخر، فإنه يصبح ملزماً بطاعة سيده الجديد
وليس سيده القديم. وهكذا المؤمن كان قبلاً عبداً للخطية، ولكنه أعتق ليخدم الله في
حرية. لقد دفع له سيده السابق أجرته وهي الموت، أما سيده الجديد فيهبه حياة في
المسيح، ليست أجرة أو مكافأة على الخدمة، بل هبة مجانية.

والناموس، مع أنه صالح، إلا
أنه يشجع على الخطية التي هي شر، فالناموس يكشف ويدين الخطية، ولكنه لا يستطيع أن
ينقذ منها. والتحرر من الخطية للبر هو وجه واحد من العملة، والوجه الآخر هو التحرر
من الناموس للنعمة. ثم ينتقل الرسول من موضوع التحرر من الخطية (الأصحاح السادس)
إلى التحرر من الناموس (الأصحاح السابع). ولتوضيح هذا الجانب من الحرية المسيحية،
استعان بعلاقة شرعية أخرى، هي علاقة الزوج والزوجة. فالمرأة مرتبطة حسب الشريعة
بزوجها طالما بقى حياً. أما إذا مات فإنها تصبح حرة تستطيع أن تتزوج رجلاً آخر (وذلك
سواء كان الرسول يشير إلى الشريعة اليهودية أو إلى الشريعة الرومانية، فلم يكن
هناك فرق كبير بينهما في هذا الصدد). والرسول هنا يشبه الناموس بالرجل، والمؤمن
بالمرأة، ولكن ليس الناموس هو الذي يموت، ولكنه المؤمن الذي مات مع المسيح.
والمسألة هي أنه كما يفصم الموت العلاقة الزوجية، فإن موت المؤمن مع المسيح يفصم
علاقته بالناموس ليصبح حراً ليتحد بالذي أقيم من الأموات (7 : 4). فالارتباط
بالناموس شجع الشهوات الشريرة وأثمر للموت، أما الاتحاد بالمسيح، فيجعل الإنسان
قادراً أن ينكر هذه الشهوات وأن يثمر لله.

 

ونجد في الأعداد من 7 – 25 من
الأصحاح السابع، فصلاً مكتوباً بضمير المتكلم المفرد، وبصيغة الفعل الماضي، ثم
يتحول في العدد الرابع عشر إلى صيغة الفعل المضارع، مع ضمير المتكلم المفرد أيضاً.
ويبدو – حسب الظاهر – أن الفصلين عبارة عن سيرة ذاتية للرسول بولس، وإن كان البعض
لا يرون ذلك. ولكن هذه اللغة اللاذعة ما زالت تدفع البعض إلى اعتبارها صدى اختبار
شخصي لنفس بَّرح بها الألم. ويمكن أن نقول إن لغة الرسول بولس هنا هي لغة كل إنسان.
فمن وجهة نظر البعض، يصف الرسول بولس هنا شبابه البرئ والاحساس المتزايد بالعبودية
بعد أن افترض مسئوليته عن حفظ الناموس، فوجد أن الناموس يدفعه إلى فعل ما ينهي عنه.
وقد يكون الرسول بولس – من وجهة نظر أخرى – يصف آدم قبل وبعد النهي عن الأكل من
الشجرة المحرمة. ومن وجهة نظر ثالثة. يلخص الرسول بولس هنا تاريخ العائلة البشرية
قبل إعطاء الناموس (من آدم إلى موسى 5 : 14) وبعد اعطاء الناموس (انظر 5 : 20) ثم (7
: 25) بعد التحرر من الناموس في المسيح (انظر 5 : 21).

 

وبعد هذا التصوير لفجر الضمير،
يواصل الرسول بولس حديثه في صيغة الفعل المضارع، ليصف الصراع الداخلي يالذي يعانيه
شخص يصادق على ناموس الله ويرغب في حفظه، ولكن يمنعه من ذلك " ناموس آخر
" يجبره – ضد ارادته – على فعل الشر الذي لا يريده، " فأنا نفسي بذهني
أخدم ناموس الله، ولكن بالجسد ناموس الخطية " (7 : 25 ب) فكل موارد الإنسان –
رغم كل سمو في مقاصده ونياته – لا تكفي لعمل ارادة الله وتحدي قوى الشر. ولا سبيل
إلى القوة لفعل ذلك إلا " بيسوع المسيح ربنا " (7 : 25 أ).

 

وهذه القوة متاحة لكل "
الذين هم في المسيح يسوع " (8 : 1)، فليس ثمة داع لاستمراراهم تحت عقوبة
العبودية (وقد يكون هذا المعنى المقصود بالدينونة في 8 : 1 في رأي البعض)، فقد
أصبحت هناك قوة جديدة في داخلهم هي " ناموس روح الحياة في المسيح يسوع "
(8 : 2) الذي يحررهم، ليس من استرقاق الخطية وعبودية الناموس فحسب، بل من الموت
ذاته. وهذا هو موضوع الأصحاح الثامن حيث نجد – بوضوح – النبع الرئيسي لطريق
القداسة، ألا وهو وجود الروح الواهب للحياة في المؤمن.

 

"والحياة في الروح"
(8 : 1 – 17) تمنح المؤمن القدرة على اتمام مطالب الناموس العادلة (8 : 4) التي لا
تستطيعها الحياة تحت الناموس، بسبب عجز الطبيعة البشرية التي يتعامل معها الناموس.
فإبن الله – الذي شاركنا في اللحم والدم – قدم نفسه ذبيحة خطية (فهذا هو معنى
" لأجل الخطية " في العدد الثالث) وذهب إلى الموت "، ومنه إلى
القيامة، والآن فإن " روح الذي أقام يسوع من الأموات يسكن في أولاد الله (عد
11) ويمنحهم حياة جديدة وقوة القيامة، فالقداسة المسيحية ليست بذل أقصى الجهد
لتنفيذ قانون خارجي، بل هي بالحري ما يثمره الروح في حياة المؤمن من فضائل ظهرت
بكل كمالها في حياة سيده، الرب يسوع المسيح. فامتلاك روح المسيح هو السمة المميزة
لكل مؤمن (العدد التاسع)، فالروح هو الذي يمنحه القدرة على ادراك ميراثه كابن لله،
والاعتراف بذلك بدعوة الله " أبا الآب " (وهي كلمة " بابا "
التي يدعو بها الابن أباه) كما فعل الرب يسوع نفسه (مرقس 14 : 36)، فعندما نصرخ
قائلين " يا أبا الآب " فذلك لأن " الروح نفسه يشهد لأرواحنا أننا
أولاد الله " (8 : 15 و16). كما أن الروح القدس يمنحنا اليقين بقيامة أجسادنا
المائتة. وبالمجد الذي سيشارك فيه المسيح المؤمنون الذين يتألومن لأجله الآن.

 

وهذا المجد العتيد (8 : 18 –
30) ليس لمكافأة المؤمن على ما تحمله من آلام في الزمان الحاضر فحسب، بل إن
الخليقة كلها تتطلع إليه، لأنه عندما يستعلن أبناء الله في المجد، ستعتق الخليقة
كلها من العبودية التي ظلت تزرح تحتها منذ السقوط (19 – 22). وهذا التسربل بالمجد
سيتم في يوم القيامة، يوم " فداء أجسادنا " (عد 23) عندما تتحقق كل
نتائج آلام المسيح ويستعلن المؤمنون كأبناء الله. وإلى أن يبزغ ذلك النهار، سيظل
الروح يعينهم في ضعفهم ويشفع فيهم ويجعل كل الأشياء تعمل معاً للخير (الأعداد 26 –
28). وعندما يشرق ذلك النهار، سيتحقق بذلك قصد الله الأزلي الذي قصده باختياره
أولاده في المسيح قبل تأسيس العالم (29 و30) وجاء الفعل " مجَّدهم " (في
العدد الثلاثين) في صيغة الماضي، لأنه، مع أنه يشير إلى المستقبل، إلا أن اتمامه
مقرر تماماً في مشورة الله.

 

وبهذا الرجاء يستطيع المؤمن
أن يفتخر في الله (31 – 39)، ومع أن كل الأشياء تبدو ضده، فإن الله له، ومع أن
الناس قد يدينونه، فإن المسيح – عن يمين الله – هو الذي يشفع فيه ويدافع عنه. ولا
يمكن لكل ما يتعرض له في العالم من فاقة وحرمان، ولا كل عداوة الجحيم، أن تفصله عن
محبة الله التي تجلت في المسيح.

 

(د) بر الله في التاريخ : (9
: 1 – 11 : 36) : يبدو لنا أن الأصحاحات الثلاثة من التاسع إلى الحادي عشر هي فصل
معترض في حديث الرسول بولس، ولكن في فكره، كان ذلك أمراً لا غناء عنه، فحقيقة أن
الشعب الذي كان معدَّا للإنجيل، أبي – في غالبيته – أن يؤمن به، مع أن المسيح نفسه
جاء منهم " حسب الجسد " (9 : 5)، ولا شك في أن هذه الحقيقة واجهت الرسول
بولس ومعاصريه بمشكلة في حكمة الله : هل انحرف قصد الله عن هدفه ؟ هل يعوزه نفاذ
البصيرة ؟ فلو أن دعواي بولس صادقة، لكان أقرباؤه وأنسباؤه هم أول من يعترفون بها.
ولاشك في أن تقدير الرسول بولس للمشكلة كان أكبر، لأنه في أيامه السالفة، كان هو
نفسه متورطاً في عدم الإيمان كسائر الإسرائيليين. وإذ يواجه المشكلة، يبدأ بقضية
مقاومة اليهود للإنجيل، وينتهي بتوضيح قصد الله في التاريخ.

 

ويذكر الرسول بولس – أولاً –
حلين للمسألة : (1) إن مقاومة اليهود للإنجيل تتفق مع ترتيب قصد الله في الاختيار (9
: 6 – 29)، (2) – إن إسرائيل في مقاومته للإنجيل إنما كان يكرر ما سبق أن حدث منه
طيلة تاريخه (9 : 30 – 10 : 21).

 

ثم يردف الرسول بولس ذلك
بسببين آخرين أكثر تفاؤلاً : (3) – إن حقيقة إيمان "بقية" من إسرائيل،
لدليل على أن إسرائيل سيؤمن كأمة (11 : 1 – 16)، (4) – إذا كان رفض إسرائيل
للإنجيل – حالياً – هو بركة للأمم، فإن قبول إسرائيل للإنجيل في المستقبل، سيكون
بركة أعظم للعالم (11 : 17 – 32).

 

(1) اختيار الله المطلق (9 :
6 – 29) :

على مدى التاريخ كان الله
يختار شخصاً ويرفض آخر، فقد اختار من أولاد إبراهيم إسحق لا إسماعيل، وفي الجيل
التالي، اختار يعقوب من ابني إسحق لا عيسو. وقد ذكر هذا الاختيار حتى قبل أن يولدا،
لكي يثبت حقه المطلق في الاختيار (9 : 6 – 13)، بل إن الذين لم يقع عليهم اختياره،
تمموا مقاصده طوعاً أو كرهاً. ففرعون العنيد القاسي القلب، كان آلة في يد الله
لإظهار قوة الله وتمجيد اسمه، " فهو يرحم من يشاء ويقسي من يشاء " (9 :
14 – 18).

 

وفى رده على من يعترض على ذلك،
بإن الله يكون بذلك ظالماً " لأن من يقاوم مشيئته ؟ " يجيب إجابة حاسمة
مستنداً إلى أنبياء العهد القديم (انظر إش 29 : 16، 45 : 9) بأن الإناء ليس له
الحق في أن يعترض على عمل الفخاري. فإن كان الله قد أختار أن يجعل بعض "
الآنية " – من الأمم كما من اليهود – آنية لرحمته، وأخرى للهلاك، لتكون عبرة
لدينونتة ؟ ولا يقول الرسول بولس إن الله قد اختار البعض للهلاك، ولكنه يفترض لو
أن الله أختار أن يفعل ذلك، فلا يمكن أحد أن يحاسبه (9 : 19 – 24).

 

ولكن ما فعله الله في الحقيقة
– كما يقول الرسول بولس – هو أنه أراد أن يظهر رحمته بصورة غير معهودة، بأن يدعو
من لم يكن لهم الحق في أن يكونوا شعبه، يدعوهم شعبه (بناء على ما جاء في نبوة هوشع)،
وأن يحفظ بقية فقط من إسرائيل شعبه القديم (بناء على ما يؤكده اشعياء). وبهذا يختم
تفسيره لطريق الله في الاختيار (9 : 6 – 29). ولكنه يعود إلى هذا الموضوع مرة أخرى
قبل نهاية حواره عنه.

 

(2) مسئولية إسرائيل (9 : 30
– 10 : 21) :

إن كان عدم إيمان اسرائيل
يمثل – من جانب واحد – اختيار الله، فإنه – من الجانب الآخر – يبين المسئولية
البشرية. فحجر العثرة الذي تكلم عنه إشعياء (28 : 16)، والذي تحقق في المسيح
والإنجيل، قد أعثرهم لأنهم لم يسلموا ذواتهم له لكي لا يخزوا (9 : 30 – 33).

ويعبر مرة أخرى عن أمنيته
القلبية وصلواته من أجل خلاص أقرباؤه، وينسب عدم إيمانهم في الوقت الحاضر، وغيرتهم
غير المستنيرة، إلى جهلهم بطريق بر الله، إذ كانوا يسعون وراء البر المؤسس على
الناموس كما جاء في اللاويين (18 : 5 – "اعمل فتحيا") غير عالمين أنه
بمجئ المسيح قد انتهي عهد الناموس، وأصبح الخلاص الآن من حق كل من يؤمن به. وطُرق
البر هذه سبق أن أنبأ عنها سفر التثنية (30 : 11 – 14)، ويفسر الرسول بولس ذلك هنا
بأنها تعني أن البر والخلاص يتأتيان لكل من يعترف بفمه بيسوع ربّاً، ويؤمن بقلبه
بقيامته من الأموات، وهو ما سبق أن أكده بقوله عن صخرة العثرة : " كل من يؤمن
به لا يخزي "، وهذا التأكيد هو لليهود وللأمم سواء، " لأنه لا فرق
" بينهما لأن الجميع أخطأوا (رومية 3 : 22 و23)، كما أنه " لا فرق
" (10 : 12) لأن رحمة الله مقدمة للجميع على قدم المساواة " لأن كل من
يدعو باسم الرب يخلص " (10 : 1 – 13).

ولابد أن يسمعوا البشارة
باسمه، قبل أن يؤمنوا به، وكانت أمامهم الفرصة واسعة، فقد انطلق المبشرون إلى كل مكان
يكرزون بالأخبار الطيبة المفرحة، وأصبح الأمر معروفاً في جميع أنحاء العالم حيث
توجد مجتمعات يهودية (انظر مز 19 : 4). فإن كان إسرائيل لم يؤمن، فلم يكن ذلك
لأنهم لم يسمعوا، بل لأنهم رفضوا الانتباه إلى ما يسمعونه، كان أساس شكوي النبي :
" يارب من صدق خبرنا ؟ " (إش 53 : 1، رومية 10 : 16). فقد بسط الرب يده
بالإنجيل إلى " شعب معاند ومقاوم " (رو 10 : 21، إش 65 : 2)، بينما أمسك
الأمم – الذين لم تكن لهم من قبل، شركة مع إله إسرائيل – بشغف ببركات الإنجيل
حالما سمعوه، وهكذا تمموا بعض النبوات الأخرى من العهد القديم، ومن هذه النبوات ما
جاء في نشيد موسى عندما أراد أن يغيرهم " بما ليس شعباً " (تث 32 : 21)،
ويوضح الرسول هنا أنه يقصد بهم الأمم (رو 10 : 19)، ويذكر أثر هذه الغيرة في
الأصحاح الحادي عشر، ولكنه هنا يؤكد أن إسرائيل قد رفضوا الإنجيل رغم إتاحة كل
الفرص لهم (10 : 14 – 21).

 

(3) إن رفض إسرائيل ليس
نهائياً (11 : 1 – 16) :

فلا يجب – على أي حال – الظن
بأن عدم إيمان إسرائيل حالياً ورفضهم، هما أمران دائمان، فإن الحفاظ على بقية، كما
حدث في القديم، وكان يحمل معه الرجاء في المستقبل، هكذا الآن فإن وجود " بقية
" حسب اختيار النعمة (والتي ينتمي إليها بولس نفسه)، ينطوي على وعد بالخلاص
النهائي لإسرائيل، فبالنسبة للوقت الحاضر قد عثر إسرائيل، ولكنهم لم يقعوا وقعة لا
قيام منها، فإن كان " عصيانهم " في الوقت الحاضر يعتبر بركة "
للعالم "، فإن رجوعهم سيعني بركة أعظم (11 : 1 – 16).

(4) مثل الزيتونة (رو 11 : 17
– 24) :

ينظر الرسول بولس – باعتباره
رسولاً للأمم – نظرة سامية لخدمته، ليس بسبب البركة التي ستمنحها للمؤمنين من
الأمم فحسب، بل أيضاً بسبب أن تجديداً الأمم – في قصد الله، بناء على ما جاء في
سفر التثنية (32 : 21 – الذي اقتبسه الرسول في رومية 10 : 19) – سيثير غيرة
إسرائيل، ويدفعهم إلى طلب نصيبهم في هذه البركات التي هي ميراثهم الطبيعي. ويصور
تاريخ شعب الله بالزيتونة التي قطعت منها بعض الأغصان الأصيلة، لتطعم فيها أغصان
زيتونة برية (وهي عملية يقول عنها الرسول بولس بحق إنها " بخلاف الطبيعة
" – 11 : 24). والأغصان التي قطعت هم اليهود الذين انفصلوا عن الأصل لعدم
الإيمان، أما الأغصان التي طُعمت، فهم الأمم الذين طُعموا بالإيمان، في شعب الله.
وهنا نستطيع أن نلاحظ تحذيراً للمسيحيين من الأمم، في رومية وفي كل مكان، أن
الأغصان التي طُعِّمت، يمكن أن تقطع بدورها لعدم الإيمان، وتعود الأغصان التي
اقتطعت أولاً، لتتحد بالإيمان بالزيتونة الأصلية. فبالإيمان وحده يخلص اليهود
والأمم، وبعدم الإيمان يسقط كلاهما (11 : 13 – 24).

 

وقصد الله في بركة الجنس
البشري يفوق كل ما يمكن أن يتصوره الإنسان أو يرجوه. فإذا كان الله قد وجد أن
الجميع – يهوداً وأمماً على حد سواء – عصاة خطاة، حكم عليهم جميعاً بذلك، فلم يكن
ذلك ليوقع بهم القصاص، بل " لكي يرحم الجميع " (11 : 32). وعندما يخرج
المنقذ من صهيون (انظر مز 14 : 7) " ويرد الفجور عن يعقوب " سيتمتع
الجنس البشري ببركة لا يمكن أن يحلم بها. من كان يظن أن عدم إيمان إسرائيل يمكن أن
يتحول فيصبح آلة للخير إلى هذا الحد الفائق ؟ فلا وجه للمقارنة بين حكمة الله
وحكمة الإنسان، فهو المصدر والمرشد والغاية لكل شئ (11 : 25 – 36).

 

(ه) طريق حياة المؤمن (12 : 1
– 15 : 13) :

إن التجاوب الصحيح مع إنجيل
النعمة الذي أوضحه في الأصحاحات السابقة، هو تسليم حياة المؤمن لله " ذبيحة
حية " في " عبادته الروحية "، ليصبح ذهنه – منذ هذه اللحظة فصاعداً
– متفقاً مع إرادة الله (12 : 1 و2)، ويظهر هذا بوضوح – بين أشياء كثيرة – في حياة
الشركة للمؤمنين. وقد سبق أن استخدم الرسول تشبيه الجسد والأعضاء (1 كو 12 : 12 –
27 – كما شرحه في رسالتيه لأفسس وكولوسي)، ويذكره هنا ليبين الاعتماد المتبادل
والتعاون المشترك من الجميع لخير الجميع، ومهما كانت الخدمة التي يقوم بها كل واحد،
فيجب أن يقوم بها من القلب (12 : 3 – 8).

والحياة حسب الروح، لا بد أن
تظهر ذاتها في أعمال المحبة للاخوة من المؤمنين، بل ولجميع الناس. ولعل الموعظة
على الجبل لم تكن قد كتبت كما نعرفها الآن، ولكن كانت محتوياتها معروفة جيداً في
الكنيسة، وكانت تشكل قاعدة " ناموس المسيح " (انظر غل 6 : 2) الذي يطبقه
الرسول بولس هنا. فيجب ألا يخطر الانتقام على بال المؤمن. ويقتبس الرسول هنا ما
جاء في سفر الأمثال، الذي يبدأ بالقول : " إن جاع عدوك… " ولكنه لا
يذكر العبارة الأخيرة : " والرب يجازيك " (ام 25 : 21 و22)، ويستعيض
عنها بالقول : " لا يغلبنك الشر بل أغلب الشر بالخير " (رو 12 : 9 – 21).

ولقد أثار الفصل الخامس
بعلاقة المؤمن بالدولة (13 : 1 – 7) الكثير من الجدل، ولا شك في أنه يعكس خبرة
الرسول بولس مع القانون الروماني كما نجدها في سفر أعمال الرسل. ولكن التعليم
الدائم سهل وواضح، طالما كانت الحكومة المدنية ملتزمة بمهمتها المرسومة لها من
الله، فإنها بذلك تستوجب طاعة المؤمن وتعاونه، وعلي المؤمن ألا يعترض على أمر إلا
متى كان يتعارض مع مطالب الله (انظر أع 4 : 19، 5 : 29)، ولا يتحدث الرسول هنا عن
مثل هذا الموقف. وشتان بين الأصحاح الثالث عشر من الرسالة إلى رومية، والأصحاح
الثالث عشر من سفر الرؤيا، رغم أن الامبراطورية الرومانية هي الحكومة العالمية
العظمى في كلتا الحالتين ! ولا يمكن أن يخطر على البال أن " السلاطين الفائقة
" هم سلطات من الملائكة، لأن الملائكة لا يجمعون جزية ولا جباية، كما أنهم لا
يمكن أن يطلبوا من الناس الخضوع لهم، لأن الكتاب يقول عنهم إنهم خدَّام لشعب الله (عب
1 : 14).

 

وبالاضافة إلى هذا الواجب
الخاص بالسلطات، على المسيحي واجب عام هو أن يحب جميع الناس، إنه قد مات – حقيقة –
للناموس (رومية 7 : 4)، ولكن كل ناموس العهد القديم يتلخص في وصية المحبة (كما أكد
ذلك الرب يسوع في إنجيل مرقس 12 : 29 – 31)، ولا يمكن أن يتحرر المسيحي من هذا
الناموس (رومية 13 : 8 – 10).

إن الأيام حرجة، وعي المؤمن
أن يسهر، فقد كانت الأحداث التالية تُلقي بظلالها، ويمكن أن ترجع بأفكارنا إلى
الوراء ونرى ما حدث من إضطهاد في 64 م، ومن ثورة 66م. وعلى أي حال، فإن الرسول
بولس نظر إلى ما وراء هذه الويلات، نظر إلى كمال الخلاص الذي سيصاحب ظهور المسيح.
وهو يطلب من المؤمنين أن يلبسوا " أسلحة النور " استعداداً للحرب
الروحية، وأن يعيشوا حياة تليق بالمسيح، ومما يستلفت النظر أنه وهو يوصي بغرس هذه
الفضائل التي تجلت في حياة المسيح في الأناجيل، يلخصها بالقول: " البسوا الرب
يسوع المسيح ". وقد تجدد أوغسطينوس فجأة حالما قرأ هذين العددين (رو 13 : 13
و14).

ويعالج الرسول بولس الجوانب
التي تبدو متعارضة في مطالب الحرية المسيحية والمحبة المسيحية (14 : 1 – 15 : 6)
إذ كان عليه أن يعالج ذلك أيضاً في الكنائس التي أسسها مثل كورونثوس (انظر 1 كو 8
: 1 – 13، 10 : 23 – 33). وهنا يوضح المبادئ العامة لفائدة المؤمنين في روما. ففي
غالبية المجتمعات المسيحية يوجد بعض من تحررت ضمائرهم – مثل الرسول بولس – في
الأمور المتعلقة بالطعام والمواسم والأعياد، ولكن عليهم أن يعايشوا الآخرين الذين
كانوا يمتنعون عن أكل بعض الأطعمة، وعن تأدية أشغالهم العادية في أيام خاصة، فيقول
الرسول بولس : " فليتقن كل واحد في عقله " (رو 14 5)، فيجب على المسيحي
المتحرر ألا يحتقر أخاه المتشكك في هذه الأمور، كما أن المسيحي المتشكك يجب ألا يدين
أخاه الذي يفعل بسرور أشياء لا يرضاها ضميره هو. فكل مؤمن هو عبد للرب، سواء في
الحياة، أو في الموت، وللرب وحده سيقدم الحساب في النهاية.

هل تبحث عن  م المسيح المسيح حياتة 22

 

كل هذا حسن ولكن الرسول بولس
كان يعرف من خبرته في أماكن أخرى، أن المسيحيين أصحاب الضمير الضعيف، يمكن أن
يرتبكوا بسهولة، وأن يتعطل نموهم الروحي. وعلى أصحاب الضمير القوي – مثل الرسول
بولس – أن يعتبروا أخاهم الأضعف. لقد كان الرسول بولس يرفض محاولة وضع قيود على
حريته، وحذر من تجددوا على يديه – كما في غلاطية وكولوسي – من الاصغاء لمثل هذه
المحاولات الموجهة إليهم، ولكن كان من الممكن – مع رفض القيود الناموسية – أن يقبل
القيود الاختيارية على حرية شخص لفائدة أخ "مات المسيح لأجله" (رومية14:
15)، فهذه اللفتة الصادرة عن المحبة المسيحية، يمكن أن تكون – في الحقيقة – ممارسة
للحرية المسيحية، فالمؤمن المتحرر ليس عبداً لتحرره، بل في استطاعته أن يختار أن
يفعل أو أن يمتنع، والذي يوجه اختياره إنما هو مجد الرب وخير الآخرين الروحي. فلا
تشجع أحد الاخوة من أصحاب الضمير الضعيف – اقتداء بأخ من ذوي الضمير القوي – على
فعل شئ يأباه ضميره. فإنه يفسد ضميره بهذا التصرف، وتقع المسئولية أمام الرب على
عاتق الأخ الذي تجاهل مسئوليته من جهة أخيه.

 

إنه لمن امتياز القوي أن
يساعد الضعيف ويتأنى عليه، ولنا أعظم مثال لذلك في الرب يسوع المسيح، فهو بدلاً من
أن يحيا ليرضي نفسه، عاش من أجل الآخرين، واحتمل العار لأجلهم ولأجل تمجيد الآب،
كما سبق أن تنبأ العهد القديم (مز69: 6 الذي اقتبسه الرسول في رومية 15: 3). وهذا
الاقتباس من العهد القديم يذكر الرسول بولس بأن كل الكتاب نافع لتعليم وتحريض
أولاد الله، وهو يصلي من أجل أن يتحقق الانسجام بين قرائه ليعود المجد لله.

 

ويتابع الرسول موضوع مثال
المسيح (15: 7-13)، فيقول إن المسيح صار خادماً لليهود والأمم أيضاً. لليهود ليتمم
المواعيد التي أعطيت للآباء، وللأمم لكي يمجدوا الله من أجل رحمته (15: 8 و9) ثم
يورد الرسول سلسلة من أقوال العهد القديم بأقسامه الثلاثة (الناموس والأنبياء
والمزامير) مبرهناً على أن العهد القديم قد تنبأ عن امتداد البركة إلى الأمم
(الوسيلة التي سيجمع بها الأمم باندماجهم كأعضاء في جسد المسيح – على قدم المساواة
مع المؤمنين من اليهود – كانت "سراًّ" أُعلن في العهد الجديد، ولكن
حقيقة جمعهم سبق أن تنبأ عنها العهد القديم) ويختم الرسول بولس هذا الجزء من
الرسالة ببركة (15: 13) تعكس صدى كلمات الاقتباس الأخير.

 

(و) الخاتمة : (15: 14-16:
27) :

يتحدث الرسول بولس في القسم
الثاني من الأصحاح الخامس عشر (15: 14-33) عن الموقف – وقتئذ – من برنامجه الرسولي،
فقد انتهى عمله في المنطقة الشرقية من حوض البحر المتوسط، وحالما يقدم ثمر هذا
العمل في أورشليم ويسلم عطايا كنائس الأمم لمعونة المؤمنين هناك، فإنه يتطلع
لزيارة روما في طريقه إلى أسبانيا. وهو يطلب منهم الصلاة من أجله، لأنه يدرك
المخاطر التي قد تأتي له بها الأيام القادمة.

 

وستحمل فيبي خادمة الكنيسة
التي في كنخريا (الميناء الشرقية لكورنثوس) هذه الرسالة إلى الكنيسة في رومية.
ويوصي الرسول بولس الاخوة في رومية بها (16: 1 و2)

 

ثم يبعث بتحياته لعدد من
أصدقائه. ومع أن الرسول بولس لم يزر رومية من قبل، إلا أنه لا عجب إن كان بها
كثيرون من الناس الذين تقابل معهم في أماكن أخرى في أثناء رحلاته. ويرى البعض أن
الأكثر احتمالاً أن يبعث بمثل هذه التحيات الشخصية في رسالة إلى كنيسة لم تكن صلته
بها مباشرة وقوية، مما لكنيسة يعرف فيها كل فرد، حتى إذا ما ذكر أسماء البعض، لا
يتساءل الآخرون، لماذا أهمل ذكرهم، فيقول كل منهم : لماذا نسى أن يذكرني ؟ فذكره
لأبينتوس باكورة أخائية للمسيح (16: 5)، وبريسكلا وأكيلا (16: 3) اللذين كانا في
أفسس عندما ذكرا لآخر مرة (أع18: 26، 1كو16: 19)، جعل الكثيرين من المفسرين يظنون
أن هذه القائمة من التحيات ربما كانت ملحقة أصلاً بنسخة مرسلة إلى أفسس، ولكن
غالبية الأسماء تحمل طابعاً رومانياً أكثر من أفسسياً (رو16: 3-16).

 

ويبدو التحريض الأخير (16:
17-20) عاجلاً وشخصياً أكثر من كل ما سبق في الرسالة، فكان بولس الرسول يخشى أن
يزور المؤمنين في رومية بعض المشاغبين من أمثال الذين أزعجوا الكنائس التي أسسها،
ويحذر المؤمنين منهم. وسيسحق إله السلام الشيطان – سبب كل شقاق – تحت أرجلهم
سريعاً إن ظلوا عابدين مخلصين لإله السلام.

 

وسبق أن أرسل لهم الرسول
تحيات كنائس الأمم (عد16)، وهنا (الأعداد21-23) يرسل لهم تحيات بعض أصدقائه الذين
كانوا برفقته في وقت كتابته للرسالة. وكان الرسول بولس يملي رسائله باستمرار على كتبة
يسجلونها، ولكن لا يذكر منهم إلا اسم "ترتيوس" (عد22).

 

ويختم
رسالته بتسبحة ختامية (16: 25-27) يوجز فيها ما سبق أن كتبه في الرسالة، كما ذكر
في تحيته في مستهل الرسالة (1: 1-7).

 

شرح السفر

رومية 1 – 3

نظن عادة أن غضب الله (رومية
18:1) هو شيء سيحدث في المستقبل، عندما يطرح غير المؤمنين في بحيرة النار الأبدية
(رؤيا 8:21). ولكن في الحقيقة، إن غضب الله المقدس يعمل الآن ضد فجور الناس
وإثمهم، الذين يحجزون الحق بالإثم [أي الذين في شرهم يعيقون الحق]… وبينما هم
يزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء… لذلك أسلمهم الله أيضا في شهوات قلوبهم إلى
النجاسة (رومية 18:1،22،24). لقد أدى الجهل المتزايد بالكتاب المقدس، الذي وحده
يكشف الخطية، إلى طوفان غير مسبوق من الفساد الأخلاقي في بلدنا.

فبدلا من المناداة بالقيم
الأخلاقية المعلنة في كلمة الله المقدسة، أصبحت الكنيسة المعترفة تساير المقاييس
الاجتماعية المعاصرة. وقد انفتح ذلك الباب أمام النزعة العاطفية العمياء
والأخلاقيات التي تتشكل حسب الظروف، وأصبح كل إنسان يضع لنفسه التعريف الذي يروق
له بشأن الخطية.

ونتيجة لذلك أصبح الشواذ
جنسيا والمدعوون مخنثين يخدعون أنفسهم بالاعتقاد بأن ما يفعلونه هو أمر عادي. ولكن
الله يسمي شذوذهم أهواء الهوان – إذ يشتهي الرجال رجالا مثلهم وتشتهي النساء نساء
مثلهن. ولكن الله يكشف خداعهم معلنا أنهم قد استبدلوا حق الله بالكذب واتقوا
وعبدوا المخلوق دون الخالق (25:1-26).

والشيء المخيف حقا هو أننا
نقرأ ثلاث مرات في هذا الأصحاح (عدد 24،26،28): لذلك أسلمهم الله أيضا في شهوات
قلوبهم إلى النجاسة لإهانة أجسادهم بين ذواتهم… لذلك أسلمهم الله إلى أهواء
الهوان لأن إناثهم استبدلن استعمال الأنثى الطبيعي بالذي على خلاف الطبيعة، وكذلك
الذكور تاركين استعمال الأنثى الطبيعي اشتعلوا بشهوتهم بعضهم لبعض فاعلين الفحشاء
ذكورا بذكور ونائلين في أنفسهم جزاء ضلالهم المحق… أسلمهم الله إلى ذهن مرفوض
(26:1-28).

إن العواطف المنحطة ليست إلا
تعبيرا عن طبيعة الإنسان الشريرة الساقطة التي اختارت أن تشبع شهوات الجسد وأن
ترفض كلمة الله التي هي المرشد الحقيقي للأخلاق الفاضلة.

ولا يفوتنا الاستعمال المشوه
لكلمة "
gay"
التي كانت قبلا تعني الفرح والبهجة والبسمة والحيوية والحرية. ولكن الآن أسيء
استخدام هذه الكلمة فأصبحت تشير إلى الشواذ جنسيا – الشهوانيين، الفاسقين –
المستعبدين لأهواء الهوان الذين يموتون موتا بطيئا.

لا يمكن أن يتحقق الانتصار
على الشذوذ الجنسي الشيطاني إلا إذا انكشفت حقيقته – إنه ليس مرضا ولا طريقة بديلة
للحياة – بل خطية بغيضة. ومع ذلك فإن كل الذين يعترفون بخطيتهم ويتركونها ويقبلون
المسيح مخلصا وربا لهم ينالون الغفران والحرية.

يقول الكتاب المقدس: لا
تضلوا، لا زناة ولا عبدة أوثان ولا فاسقون ولا مأبونون ولا مضاجعو ذكور… يرثون
ملكوت السموات (1 كورنثوس 9:6-10). ويواصل بولس قائلا: هكذا كان أناس منكم (رومية
11:6). فالتركيز هنا على كلمة "كان" أي أنهم قد تركوا خطاياهم.

الذين هم للمسيح قد صلبوا
الجسد [أي الطبيعة البشرية التي لا تخضع لله] مع الأهواء والشهوات (غلاطية 24:5).

شواهد مرجعية: رومية 17:1
(انظر حبقوق 4:2)،رومية 24:2 (انظر إشعياء 5:52)، رومية 4:3 (انظر مزمور 4:51)،
رومية 10:3 (انظر مزمور 1:14)، رومية 11:3 (انظر مزمور 2:14)، رومية 12:3 (انظر
مزمور 3:14)، رومية 13:3 (انظر مزمور 9:5؛ 3:140)، رومية 14:3 (انظر مزمور 7:10)،
رومية 15:3 (انظر إشعياء 7:59)، رومية 16:3-17 (انظر إشعياء 7:59-8)، رومية 18:3
(انظر مزمور 1:36).

 

 رومية 4 – 7

كلما فهمنا أكثر معنى موت
المسيح وقيامته كلما اختبرنا أكثر التحرر من قوة الخطية. فدفنا معه بالمعمودية
للموت، حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضا في جدة
الحياة. لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضا بقيامته، عالمين هذا
أن إنساننا العتيق قد صلب معه ليبطل جسد الخطية كي لا نعود نستعبد أيضا للخطية…
إذا لا تملكن الخطية في جسدكم المائت لكي تطيعوها في شهواته… بل قدموا ذواتكم
لله كأحياء من الأموات (رومية 4:6-6،12-13).

إن إدراكنا لشبه موته، أي حمل
الصليب وإنكار الذات يقدم لنا جانبا واحدا فقط من اتباع المسيح. أما قوة قيامته
فهي التي تعطينا القوة للارتفاع فوق التشبه بموته إلى السلوك في جدة الحياة (أي في
الحياة الجديدة).

بعض المؤمنين، يكتفون بأن موت
المسيح قد كان لأجل تبريرهم ولكنهم لا يعرفون أنه يعني أيضا أن جسد الخطية يجب أن
يبطل. فالحقيقة هي أن الشخص أو الشيء الذي تطيعه هو سيدك. وبالطبيعة نحن نطيع
الخطية. ولكن المؤمن ميت تجاه الخطية وحي تجاه الله.

إن المؤمنين الحقيقيين محررون
إلى الأبد من قوة إبليس وذلك لأن الحياة الجديدة في المؤمن هي حياة المسيح المقام
من الأموات. ونتيجة لذلك، يستطيع المؤمن أن يقول: فإن الخطية لن تسودني (رومية
14:6).

كأولاد الله، نحن مسئولون أن
نحسب أنفسنا أمواتا عن الخطية… وأن نقدم ذواتنا لله… كآلات بر لله (رومية
11:6،13). علينا أن نقبل الحقيقة، وهي أن الخطية لم تعد السيد على حياتنا وأننا
أموات تجاه طرقنا القديمة في الخطية. هذا لا يعني أننا لا نقدر أن نخطئ بل أننا
نقدر أن لا نخطئ.

فالمؤمن لم يعد مستعبدا
لطبيعة آدم الخاطئة،ولكنه مولود ولادة جديدة لها طبيعة المسيح، الذي هو رأس
الخليقة الجديدة (يوحنا 13:1؛ 3:3-5). إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة (2
كورنثوس 17:5). ولكن لأجل التمتع بهذه العلاقة الرائعة مع المسيح يجب على الإنسان
أن يخضع نفسه للروح القدس الساكن فيه.

فالخطية ليست مجرد نتيجة لعدم
الإيمان، وإنما هي التمرد على الله.

لقد وضع الله المسئولية علينا
أن نخضع حياتنا له كآلات للبر، لأن الخطية لن تسودكم (رومية 13:6-14). إن حياته
فينا هي التي تصنع هذا الفرق: أنتم بالطبع تعلمون أنكم… عبيد للذي تطيعونه
(رومية 16:6). ولكن القرار متروك لنا!

نحتاج أن ندرك قبل كل شيء
القوة غير المحدودة التي للروح القدس الساكن فينا. نحتاج أن نثق في كلمة الله وأن
نسلك متيقنين الحقيقة بأن الروح القدس الذي فينا أعظم من روح إبليس الذي في العالم
(1 يوحنا 4:4). وهو قادر أن يفعل فوق كل شيء أكثر جدا مما نطلب أو نفتكر بحسب
القوة التي تعمل فينا (أفسس 20:3).

فدعونا نكتشف ما هي عظمة
قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين، حسب عمل شدة قوته، الذي عمله في المسيح إذ
أقامه من الأموات وأجلسه عن يمينه في السماويات (أفسس 19:1-20).

شواهد مرجعية: رومية 3:4
(انظر تكوين 6:15)،رومية 7:4-8 (انظر مزمور 1:32-2)، رومية 17:4 (انظر تكوين
5:17)، رومية 18:4 (انظر تكوين 5:15)، رومية 7:7 (انظر خروج 17:20).

 

 رومية 8 – 10

لقد رفض آدم أن يطيع كلمة
الله، وبذلك دخلت الخطية إلى العالم وورث كل الجنس البشري الطبيعة الخاطئة (رومية
12:5-19)، ودمرت الخطية علاقتنا مع الله فجعلتنا روحيا أمواتا بالذنوب والخطايا
(أفسس 1:2).

ومن خلال قوة الإقناع
والتنوير قادنا الروح القدس إلى اكتشاف مدى بشاعة الخطية. فعندما يدرك الشخص أنه
خاطئ وهالك ويعيش في تمرد على خالقه الله عندئذ يتولد الحزن الذي بحسب مشيئة الله
ينشئ توبة لخلاص بلا ندامة (2 كورنثوس 10:7) فيجعلنا نبصر المسيح رجاؤنا الوحيد
للحياة الأبدية.

وعندما نقبل المسيح مخلصا
شخصيا لنا ننال طبيعة الله في أرواحنا، هذه الطبيعة التي تمكننا من الانقياد بروح
الله. لكي يتم حكم الناموس فينا نحن السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح [أي
أصبحت حياتنا منقادة ليس بمواصفات وطلبات الجسد، بل خاضعة للروح القدس]… لأن
اهتمام الجسد [بأفكاره وأغراضه الجسدية] هو عداوة لله (رومية 4:8،7).

إذا، دعونا نعيش متيقنين أن بر
الناموس يجب أن يتم فينا، نحن السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح (رومية 4:8)؛
لأنه إن عشتم حسب الجسد فستموتون، ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون
(رومية 13:8)؛ لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله (رومية 14:8).

لذلك لا يكفي أن نعترف بجميع
خطايانا بل يجب أن نتركها أيضا. لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك [أي
وثقت وتمسكت بهذا الحق] أن الله أقامه من الأموات خلصت، لأن القلب يؤمن به للبر
والفم يعترف به [أي يذيع ويجاهر بالإيمان] للخلاص [أي لتأكيد الخلاص] (رومية
9:10-10).

إذا بوجود المسيح فينا يظهر
من خلالنا شبه المسيح. فإذا سلكنا في الروح لا نتمم شهوات الجسد – بل على العكس –
فإن بر الناموس سيتحقق فينا بقوة. فإن ثمر الروح [أي العمل الذي يحققه وجود الروح
القدس فينا] هو محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان وداعة تعفف. ضد أمثال هذه
ليس ناموس (غلاطية 22:5-23). إن الله يهمه أولا طبيعتنا ثم بعد ذلك أعمالنا من
أجله.

قد ينجح الناس في تقليد
المؤمنين الحقيقيين بشتى الطرق، فينضمون إلى الكنيسة، ويشتركون في العبادة،
ويقدمون العطايا السخية، بل وأيضا يحاولون أن يحفظوا الوصايا العشر مثلما فعل
الشاب القائد الغني (متى 16:19-22؛ لوقا 18:18-23). ولكن هؤلاء قد يكونوا فقط
معبرين عن صورة التقوى ولكنهم ينكرون قوتها [أي القوة المسببة لها] (2 تيموثاوس
5:3).

إن المبدأ الأساسي هو هذا:
الروح نفسه يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله، فإن كنا أولادا فإننا ورثة أيضا ورثة
الله ووارثون مع المسيح، إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضا معه (رومية 16:8-17).

شواهد مرجعية: رومية 36:8
(انظر مزمور 22:44)، رومية 7:9 (انظر تكوين 12:21)، رومية 9:9 (انظر تكوين 10:18)،
رومية 12:9 (انظر تكوين 23:25)، رومية 13:9 (انظر ملاخي 2:1-3)، رومية 15:9 (انظر
خروج 19:33)، رومية 17:9 (انظر خروج 16:9)، رومية 25:9 (انظر هوشع 23:2)، رومية
26:9 (انظر هوشع 10:1)، رومية 27:9-28 (انظر إشعياء 22:10-23)، رومية 29:9 (انظر
إشعياء 9:1)، رومية 33:9 (انظر إشعياء 16:28)، رومية 5:10 (انظر لاويين 5:18)،
رومية 6:10-7 (انظر تثنية 12:30-13)، رومية 8:10 (انظر تثنية 14:30)، رومية 11:10
(انظر إشعياء 16:28)، رومية 13:10 (انظر يوئيل 32:2)، رومية 15:10 (انظر إشعياء
7:52)، رومية 16:10 (انظر إشعياء 1:53)، رومية 18:10 (انظر مزمور 4:19)، رومية
19:10 (انظر تثنية 21:32)، رومية 20:10 (انظر إشعياء 1:65)، رومية 21:10 (انظر
إشعياء 2:65).

 

 رومية 11 – 13

تصف رسالة رومية أولا حالة
المذنوبية لدى جميع البشر. فبدون المسيح، اليهود والأمم جميعهم خطاة ويستحقون
الموت الأبدي: ليس بار ولا واحد (رومية 10:3). ولكن المسيح، ابن الله الكامل الذي
بلا خطية،مات بدلا منا لكي نخلص ونتبرر أمام الله كهبة مجانية نابعة من محبته
الكبيرة بالإيمان بدمه الثمين (رومية 24:3-25).

المسيحية هي حياة جديدة –
بداية جديدة لحياة يعيشها المسيح فينا وبنا. لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه
موته نصير أيضا بقيامته [أي نصير أيضا مشاركين له في قيامته بحياة جديدة نحياها
لله]، عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صلب معه ليبطل جسد الخطية [أي جسدنا الذي
هو أداة للخطية يصبح غير فعال] كي لا نعود نستعبد أيضا للخطية (رومية 5:6-6).

لذلك فإنه من الحكمة أن نقدم
أجسادنا لله لكي يتمم بها مشيئته الكاملة. فالرسول بولس يكتب قائلا: أطلب إليكم
أيها الإخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله،
عبادتكم العقلية. ولا تشاكلوا هذا الدهر [أي لا تتشكلوا بحسب عاداته الخارجية
السطحية]، بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم [بواسطة المبادئ الجديدة المكتشفة في
كلمة الله] لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة (رومية 1:12-2).

عندما نقرأ الكتاب المقدس
مصلين وراغبين في عمل مشيئة الله، تصبح كلمته طعامنا الروحي – أي تصبح حياتنا.
فبما أن الغذاء الجسدي يتخلل أجسادنا لكي يزودنا بالقوة الجسدية، كذلك الروح القدس
الساكن فينا يقوي حياتنا الروحية بواسطة كلمته. وإذ تغير كلمة الله أساليبنا
القديمة في التفكير فإننا نجد أن اتجاهاتنا أيضا تتغير، وبالتالي تتغير تصرفاتنا
الخارجية. وهكذا نصبح يوما بعد يوم أكثر تشبها به.

إننا كمسيحيين حقيقيين، وسط
الأصوات العديدة التي تحاول أن تلفت أنتباهنا، نحتاج أن نصلي طالبين من الروح
القدس أن يقود اختياراتنا. يجب علينا أن نكون أبناء نور، وأن نزيل من حياتنا جميع
الأشياء التي تعيقنا عن أن نكون وكلاء أمناء على وقتنا وعلى ممتلكاتنا.

هناك إغراء مستمر لإرضاء
ذواتنا ورغباتنا الجسدية. لذا نحتاج أن نأخذ حذرنا لئلا تشغل "الأمور
الجيدة" أو حتى "الأشخاص الجيدون" أوقاتنا، وبذلك تضيع علينا فرصة
تحقيق مشيئة الله الفضلى. فالحياة أقصر من أن نجعل الممتلكات المادية والإنجازات
العالمية تتحكم في حياتنا لأن فرصة خدمة الرب والاستعداد للقائه تمران بسرعة.

هذا وإنكم عارفون الوقت أنها
الآن ساعة [أي ساعة حرجة] لنستيقظ من النوم [أي لنستيقظ للحقيقة]… قد تناهي
الليل وتقارب النهار فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور… بل البسوا الرب
يسوع المسيح ولا تصنعوا تدبيرا للجسد لأجل الشهوات [أي كفوا عن التفكير في شهوات
طبيعتكم الجسدية] (رومية 11:13-14).

شواهد مرجعية: رومية 3:11
(انظر 1 ملوك 10:19،14)، رومية 4:11 (انظر 1 ملوك 18:19)، رومية 8:11 (انظر إشعياء
10:29)، رومية 9:11-10 (انظر مزمور 22:69-23)، رومية 26:11-27 (انظر إشعياء
20:59-21)، رومية 34:11 (انظر إشعياء 13:40)، رومية 35:11 (انظر أيوب 11:41)،
رومية 19:12 (انظر تثنية 35:32)، رومية 20:12 (انظر أمثال 21:25-22)، رومية 9:13
(انظر خروج 13:20-17؛ غلاطية 14:5).

 

 رومية 14 – 16

شكرا للرب أننا لسنا قضاة على
إخوتنا المسيحيين الحقيقيين، لأننا نبني أحكامنا على ما نشاهده من الخارج. لأن
الإنسان ينظر إلى العينين، وأما الرب فإنه ينظر إلى القلب (1 صموئيل 7:16). ونحن
لا نعرف قلوبهم ولا اقتناعاتهم ولا مدى إخلاصهم. لذلك يحذرنا الكتاب المقدس قائلا:
من أنت الذي تدين عبد غيرك؟ هو لمولاه يثبت أو يسقط، ولكنه سيثبت لأن الله قادر أن
يثبته (رومية 4:14).

فيجب علينا نحن الأقوياء أن
نحتمل الضعفاء ولا نرضي أنفسنا. فليرض كل واحد منا قريبه للخير لأجل البنيان [لأجل
تشديده وبنائه روحيا]. لأن المسيح أيضا لم يرض نفسه (رومية 1:15-3).

من المدهش أن الخالق الأبدي –
المسيح ابن الله – لم يرض نفسه. فإنه من أجل الآخرين جاء إلى العالم، وعاش، وصلى،
وبكى، ومات. وحتى الآن، فإن المسيح المقام يشفع فينا (عبرانيين 25:7).. وسيأتي من
أجلنا مرة ثانية. ما أبعد ذلك عن فلسفة العالم التي تدور حول محور الذات.

إن الذين يجعلون المسيح ربا
على حياتهم، يشفقون على الآخرين، ليس فقط على إخوتهم الضعفاء في المسيح، ولكن أيضا
على الهالكين. لأننا جميعا سوف نقف أمام كرسي المسيح… كل واحد منا سيعطي عن نفسه
حسابا لله (رومية 10:14،12). ويمكننا أن نكون بركة بتفهمنا أو بإصغائنا أو عندما
نصلي مع ومن أجل الذين يحتاجون أن يقبلوا المسيح مخلصاً لهم ومن أجل الآخرين الذين
يحتاجون إلى المشاركة العطوفة.

نعم، ينبغي علينا أن ندين
الخطية. فالله يدين الخطية وهو يأمرنا بوضوح قائلا: وبّخ، انتهر، عظ بكل أناة
وتعليم (2 تيموثاوس 2:4). فالخطية مصدرها الشيطان. لذا يجب أن نقاوم الشرور
الواضحة بشدة، لكنه يجب أن تكون لنا رأفة المسيح تجاه الشخص الواقع في قبضة
الشيطان. فالقداسة لا تتسامح مع الخطية، لكنها تتعامل مع الخطاة بمحبة. فإنه منعم
على غير الشاكرين والأشرار (لوقا 35:6).

يقول الرب إلى كل المؤمنين
وفي كل الظروف: كونوا رحماء [أي متعاطفين، ولطفاء، ومتجاوبين، وشفوقين] كما أن
أباكم أيضا رحيم (لوقا 36:6).

يجب أن نحمد الرب من أجل
امتياز الاشتراك في أحمال الآخرين ومساعدتهم على تعلم المزيد عن المسيح وعن إرادته
في حياتهم!

وليعطكم إله الصبر والتعزية
أن تهتموا اهتماما واحدا فيما بينكم بحسب المسيح يسوع، لكي تمجدوا الله أبا ربنا
يسوع المسيح بنفس واحدة وفم واحد (رومية 5:15-6).

شواهد مرجعية: رومية 11:14
(انظر إشعياء 23:45)، رومية 3:15 (انظر مزمور 9:69)، رومية 9:15 (انظر مزمور
49:18)، رومية 10:15 (انظر تثنية 43:32)، رومية 11:15 (انظر مزمور 1:117)، رومية
12:15 (انظر إشعياء 1:11،10)، رومية 21:15 (انظر إشعياء 15:52).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي