الإصحَاحُ
السَّادِسُ

 

على
ضوء كل ما ذكر، هل من عجب في أن الرسول، وهو يدرك النزعة المتأصلة في القلب البشري
لأن تحيل نعمة الله إلى فسق، يضع على فم القارئ هذا السؤال: "هل سنستمر في
الخطيئة لكي تكثر النعمة؟" ويجيب الإصحاح 6 على هذا الفكر التافه (وهو هكذا
فعلاً) بطريقة تدل على براعة.

 

""حَاشَا!"،
يهتف بلهجة ساخطة، " نَحْنُ الَّذِينَ مُتْنَا عَنِ الْخَطِيَّةِ كَيْفَ
نَعِيشُ بَعْدُ فِيهَا؟" فلماذا متنا عن الخطيئة إذاً؟ إن كنا متنا عن
الخطيئة حقاً فلا ينبغي أن نهتم بالسؤال أو بجوابه. إن ما يحيرنا هو حقيقة أنه بينما
نحن نكره الخطيئة فإننا نجد في أنفسنا نزعة للاستسلام لها. ولكن يقال لنا أننا
متنا عنها. كيف وأين؟ الآيات التالية تقدم الإجابة.

 

إن
نفس الحقيقة التي تشير إلى أن ارتباطنا بآدم كرأس لنسلنا يقطعه اشتراكنا مع المسيح
في موته تدل على أن لنا الحق بأن نعتبر أنفسنا قد متنا، بموته هو نفسه، لسلطان
الخطيئة كسيد علينا. لقد أُعْتِقَ الإسرائيليون من الدينونة بدم الحمل. وهذا يشكل
جواباً على أول جانب في موضوع الخلاص. فبعبورهم البحر الأحمر ماتوا لفرعون
وأعوانه. هذا يوضح الجانب الذي سنتناوله الآن. فالخطيئة لم يعد لها سلطان علينا،
بينما كنا خداماً لها في الماضي. ولكن الموت غير كل ذلك. وانتهت حالة العبودية
التي كنا فيها. ونحن الآن مرتبطون بالمسيح القائم وهكذا جُعلنا لله.

 

وهذا
ما يتحدث عنه أول طقس في المسيحية ""أتَجْهَلُونَ أَنَّنَا كُلَّ مَنِ
اعْتَمَدَ لِـ (في) يَسُوعَ الْمَسِيحِ اعْتَمَدْنَا لِـ (في) مَوْتِه؟" إن
شعب إسرائيل كانوا "َجَمِيعَهُمُ اعْتَمَدُوا لِمُوسَى فِي السَّحَابَةِ
وَفِي الْبَحْرِ". فاجتازوا عبر الموت رمزياً أو مجازياً، وكان موسى قائدهم
الجديد. وانتهى سلطان فرعون عند ذلك في نظرهم (1 كو 10). ولذلك فإننا نحن المخلَّصين
قد اعتمدنا لموت المسيح أو في موت المسيح. لقد قبلنا موته على أنه موتنا، عالمين
أنه مات بدلاً عنا. وإننا نعتمد له كقائد جديد لنا.

 

هل
هذه معمودية الروح؟ لا أعتقد ذلك. فالروح لا تعتمد للموت، بل للجسد الجديد الواحد.
إنه توطّد في المسيح السري. معموديتنا بالماء هي معمودية لموت المسيح.

 

ويتابع
الرسول حديثه في هذا الموضوع. "فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ
لِلْمَوْتِ حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ بِمَجْدِ الآبِ
هَكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضاً فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ" (الآية 4). ففي
معموديتي أقرّ بأنني قد مت عن الحياة القديمة كإنسان في آدم تحت سطوة الخطيئة. وقد
انتهيت من كل ذلك. والآن دعوني أبرهن حقيقة ذلك بأن أحيا حياة إنسان قيامي– إنسان
مرتبط بالمسيح من الجانب الآخر من الموت- إذ أسلك في جدة الحياة. ومن هنا فإن كل
فكرة بالعيش في الخطيئة مرفوضة، وكل ما هو ضد الناموس مفنّدة. إن حياتي الجديدة هي
أن أتجاوب مع الاعتراف الذي قمت به من خلال معموديتي.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كتاب الحياة عهد قديم سفر المزامير 18

 

عليّ
أن أدرك عملياً توحدي واندماجي مع المسيح. لقد دُفِنْتُ معه بشبه موته – أي في
المعمودية – وسأكون (واحداً معه) أيضاً في شبه قيامته. فلست أعيش تحت سطوة
الخطيئة. فأنا أحيا لله، وهو أيضاً كذلك، ذاك الذي هو رئيسي الجديد.

 

ويتابع
الرسول حديثه بشكل منطقي فيقول: "عَالِمِينَ هَذَا: أَنَّ إِنْسَانَنَا
الْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ لِيُبْطَلَ جَسَدُ الْخَطِيَّةِ (أو، ليصير ضعيفاً)
كَيْ لاَ نَعُودَ نُسْتَعْبَدُ أَيْضاً لِلْخَطِيَّةِ. لأَنَّ الَّذِي مَاتَ قَدْ
تَحرّر (أو، تَبَرَّأَ) مِنَ الْخَطِيَّةِ."(الآيات 6، 7).

 

إن
إنساني العتيق ليس طبيعتي القديمة وحسب، بل إنه كل ما كُنْتُه كإنسان في الجسد،
"الإنسان العتيق"، الإنسان غير المخلَّص بكل عاداته ورغباته. ذلك الإنسان
قد صُلِبَ مع المسيح. عندما مات يسوع متُّ أنا أيضاً (كإنسان بحسب الجسد) لقد رآني
الله على الصليب مع ابنه الحبيب المغبوط.

 

كم من
الناس صُلبوا على الجلجثة؟ كان هناك اللصين، وكان هناك المسيح نفسه – إذاً ثلاثة.
ولكن هل هؤلاء فقط الذين صُلبوا؟ يقول بولس في (غلاطية 2: 20): "مع المسيح
صُلِبتُ". إذاً فقد كان هناك أيضاً؛ وهذا يجعل المصلوبين أربعاً. ويمكن لكل
مؤمن أن يقول: "إن إنساننا العتيق صُلب معه (مع المسيح)".

 

ملايين
لا تحصى من الناس رآهم الله معلقين على الصليب مع المسيح. وهذا لم يكن يعني فقط أن
خطايانا قد تمت تسويتها، بل إننا نحن أيضاً كخطأة، كأولاد من نسل آدم الساقط، قد
أُقصينا عن نظر الله الغاضب وانتهى موقفنا القديم إلى الأبد.

 

ولكننا
نحن الذين صُلبنا معه نحيا الآن معه. ولذلك يتابع الرسول كلامه في (غلاطية 2: 20)
قائلاً: "مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا بَلِ الْمَسِيحُ
يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي
الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ
لأَجْلِي." وهكذا هو الحال هنا. إن جسد الخطيئة يبطل، مثله مثل جسد فرعون، فكل
سلطة مصر قد انمحقت بالنسبة لإسرائيل. لم يعد للخطيئة سيادة عليّ الآن. وفي المسيح
أحيا لله. ما عدت عبداً للخطيئة. لقد أُعْتِقْتُ (تبررت) من سلطان الخطيئة.

 

ويُظهر
الرسول هنا التأثير العملي لكل هذه الحقيقة الثمينة. لقد متنا مع المسيح. ولنا
إيمان بأننا سنحيا أيضاً معه. وعندئذ – في السماء – سوف لن يكون للخطيئة سيادة
علينا. ولن نخضع لسلطانها هنا باستسلامنا لها. إننا نعلم أن المسيح الناهض من بين
الأموات سوف لن يموت ثانية. فقد أُبْطِل سلطان الموت إلى الأبد (حيث الخطيئة
تستوجب الموت). "لأَنَّ الْمَوْتَ الَّذِي مَاتَهُ قَدْ مَاتَهُ
لِلْخَطِيَّةِ مَرَّةً وَاحِدَةً"، قد ماته عن الخطيئة كسيد قديم كان يسود
علينا (وليس عليه – فهو لم يكن أبداً تحت نير الخطيئة بل كان دائماً خلواً منها)،
والآن في القيامة يعيش لله فقط. ونحن متحدون معه، ولذلك فعلينا من الآن فصاعداً أن
نحيا لله وحده. وهذا يعني تحريراً عملياً من سيادة أو سلطان الخطيئة.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ب بوعز ز

 

بالتأكيد
لم يكن في فكر الله أبداً أن يترك شعبه المفتدى بالدم تحت سلطان الطبيعة الجسدية
الشهوانية، عاجزاً عن أن يسلك في حرية الناس الأحرار في المسيح. ولكن التحرر
العملي لا يتم الوصول إليه بمحاربة السيد القديم، الخطيئة بالجسد، بل بالإدراك
اليومي للحقيقة التي أمعنا النظر فيها الآن لتونا.

 

ولذلك
يُطلب إلينا أن نؤمن حقاً بما يعتبره الله حقيقة وذلك في أننا قد متنا مع المسيح
عن كل ادعاءات خطيئة فرعون، وأننا نسلك الآن كأحرار في جدة الحياة متحدين مع
المسيح القائم. "كَذَلِكَ أَنْتُمْ أَيْضاً احْسِبُوا أَنْفُسَكُمْ
أَمْوَاتاً عَنِ الْخَطِيَّةِ وَلَكِنْ أَحْيَاءً لِلَّهِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ
رَبِّنَا" (الآية 11). هذه الكلمة "احسبوا" هي إحدى مفاتيح الكلمات
الرئيسية في الإصحاح. إنها تعني حرفياً: "اعتبروا الأمر حقيقة." يقول
الله أني أعيش له وإني أعتبر أن هذا الأمر حقيقة. بما أن الإيمان يقوم على كل هذه
الافتراضات الحقيقية فإني أجد أن الادعاءات بالخطيئة باطلة. ليس من طريقة أخرى
للتحرر والانعتاق سوى تلك التي تبدأ بهذه الاعتبارات. قد يقول المنطق: "ولكنك
لا تشعر أنك ميت"، فما علاقة المشاعر بهذا؟ إنها حقيقة تتعلق بقضاء الله. موت
المسيح هو موتي. لذلك أعتبر أو أحسب نفسي قد متّ لسلطان الخطيئة.

 

وتأتي
الآية التالية على نفس التتابع المنطقي. "إِذاً لاَ تَمْلِكَنَّ الْخَطِيَّةُ
فِي جَسَدِكُمُ الْمَائِتِ لِكَيْ تُطِيعُوهَا فِي شَهَوَاتِهِ". أشعر بنزوة
تتصاعد في داخلي تطالبني بالاستسلام لرغبة آثمة ما. ولكن عند تنبهي لذلك أقول في الحال:
"لا، فقد مت عن ذلك. وليس لها من بعد أن تسيطر على إرادتي. فأنا للمسيح.
وسأحيا له". وإن حافظت على الإيمان بذلك فإن قوة وسطوة الشهوة سوف تتحطم.

 

الأمر
يتطلب انتباهاً ويقظة وتمييزاً مطرداً لاتحادي مع المسيح. كنت في الأيام الخوالي
معتاداً على الاستسلام إلى أعضائي الجسدية كأدوات للإثم، وخاضعاً للخطيئة، أما
الآن فأنا أسلم ذاتي بدون ريبة وبدون تحفظ لله لأني حييت عبر ذلك الموت الذي عبرته
مع المسيح، ومن النتائج الطبيعية لذلك هو أن كل أعضائي الجسدية قد باتت له وله أن
يستخدمها كأدوات لعمل البر لمجد الله الذي خلصتني نعمته. إن الكلمة المترجمة بـ
"آلات" تعني حقاً "أسلحة" أو "درع" كما يرد في
(الإصحاح 13: 2) وفي (2كو 6: 7، 10: 4). إن مواهبي، وأعضائي الجسدية، وكل طاقاتي
يجب أن أستخدمها الآن في الصراع كأسلحة بيد الله. فأنا جندي له تحت تصرفه دون تحفظ
أو تردد.

 

لأنه
ما من مبدأ قانوني خلصني بل النعمة المجانية وحدها، فإنه ليس للخطيئة بعد أن تسيطر
على حياتي. إن المسيح القائم هو ربان خلاصي، أوامره يجب أن تضبطني وتوجهني في كل
الأمور.

هل تبحث عن  كتب أبوكريفا عهد قديم اليوبيلات 27

 

قد
تحاول الطبيعة أن تجادلني محاولة إقناعي بالاتجاه المعاكس وتقول لي أنه طالما كنت
تحت النعمة وليس الناموس فإن سلوكي ليس بذي أهمية كبيرة، وإني لذلك حر بأن ارتكب
الخطيئة لأن أعمالي ليس لها علاقة بخلاصي. ولكن كإنسان متجدد مولود من جديد لا
أريد أن أكون حراً لارتكاب الخطيئة. بل أريد اكتساب القوة لأحقق القداسة. إن اعتدت
على الاستسلام للخطيئة، أطيع أوامرها تلقائياً فإني إنما أُظهِرُ أني لا زلتُ
عبداً للخطيئة، وستكون نهاية خدمتي للخطيئة الموت. ولكن كإنسان متجدد، أرغب في
إطاعة ذاك المتحد معي الآن والذي أخدمه. ولذلك يقول بولس: "فَشُكْراً لِلَّهِ
أَنَّكُمْ كُنْتُمْ عَبِيداً لِلْخَطِيَّةِ وَلَكِنَّكُمْ أَطَعْتُمْ مِنَ
الْقَلْبِ صُورَةَ التَّعْلِيمِ الَّتِي تَسَلَّمْتُمُوهَا. وَإِذْ أُعْتِقْتُمْ
مِنَ الْخَطِيَّةِ (أي من خلال صليب المسيح) صِرْتُمْ عَبِيداً لِلْبِرِّ."
(الآيات 17، 18).

 

إنه
يتحدث بطريقة رمزية مجازية موضحاً فكرته بتجسيد الخطيئة والبر لعل فكرنا الإنساني
الضعيف يستطيع فهمهما، ويكرر تحذيره، أو بالحري ما قاله على شكل عقائد، يكرره الآن
كأمر: "لأَنَّهُ كَمَا قَدَّمْتُمْ أَعْضَاءَكُمْ عَبِيداً لِلنَّجَاسَةِ
وَالإِثْمِ لِلإِثْمِ (أي في الحياة القديمة قبل التوحد مع المسيح) هَكَذَا الآنَ
قَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ عَبِيداً (رقيقاً) لِلْبِرِّ لِلْقَدَاسَةِ" (الآية
19).

 

عندما
كنا عبيداً للخطيئة، لم يكن البر سيدنا الأميز، وما كنا لنستطيع سوى أن ننكس
رؤوسنا في خزي ونحن نفكر بثمار العلاقة الشريرة، التي ستودي بنا إلى التهلكة،
جسدياً وأبدياً معاً.

 

أما
الآن وقد تحررنا بحكم قضائي من سيادة الخطيئة وأصبحنا عبيداً لله، فإن حياتنا
ستكون وافرة الثمار للقداسة وستكون النهاية حياة أبدية. إن لنا حياة أبدية الآن في
متناول يدنا في الوقت الحاضر، ولكن ها هنا الآن الغاية التي في منظورنا حيث أننا
في ديارنا في المشهد الذي غادرنا فيه المسيح الذي هو حياتنا.

 

ويختم
هذا القسم بقوله المهيب والثمين: " أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ
وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ
رَبِّنَا". الخطيئة بشكل ما سيد مخلص. وإن يوم حسابها أكيد. وأجرتها الموت.
لاحظ أن ما لدينا الآن ليس الدينونة الإلهية بل أجرة الخطيئة. فالموت هو عاقبة
الخطيئة، ولكن "بعد ذلك تأتي الدينونة". ولابد من تلقي العقاب في قفص
الاتهام أمام الله. وإذ أخطأ كثيرون في رؤية هذا الأمر فإن الكثيرين اعتقدوا خطأً
أن الموت الجسدي يعني انقطاع الكينونة وأنه بآن معاً أجرة وعقوبة. أما الكتاب
المقدس فيخبرنا بوضوح عن الدينونة الإلهية التي تأتي بعد دفع أجرة الخطيئة.

 

من
جهة أخرى، إن الحياة الأبدية هبة مجانية، هي هبة من الله. لا أحد يمكنه أن
يكتسبها. إنها تُعطى لجميع الذين يؤمنون بالمسيح مخلصاً للخطأة. إنها لنا الآن نحن
الذين نؤمن بالإنجيل وسننعم بها بتمامها في "النهاية".

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي