الإصحَاحُ
الأَوَّلُ

 

1
بُولُسُ، الْمَدْعُوُّ رَسُولاً لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ بِمَشِيئَةِ اللهِ،
وَسُوسْتَانِيسُ الأَخُ، 2 إِلَى كَنِيسَةِ اللهِ الَّتِي فِي كُورِنْثُوسَ،
الْمُقَدَّسِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، الْمَدْعُوِّينَ قِدِّيسِينَ مَعَ
جَمِيعِ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِاسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ فِي كُلِّ
مَكَانٍ، لَهُمْ وَلَنَا: 3 نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ أَبِينَا
وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. (عدد 1-3). كان بولس رسولاً بموجب دعوة إلهية، شاء
الله واختارهُ ليكون إناء خصوصيًّا لخدمة كنيستهِ على الأرض ثم ظهر لهُ الرب يسوع
ودعاه وأفرزهُ لهذه الخدمة انظر (أعمال الرسل 1:9-22؛ غلاطية 15:1، 16). وأما
سوستانيس فالمحتمل أنهُ هو المذكور في (أعمال الرسل 17:18) الذي صار رئيس المجمع
بعد أن آمن كريسبس رئيس المجمع وقت حضور بولس وإن كان ذلك كذلك فآمن سوستانيس
أيضًا بعد ذلك وانضمَّ إلى المسيحيين وكان مع بولس حين كتب هذه الرسالة. كان بولس
ملهمًا بكتابتها وسوستانيس إنما اتفق معهُ فيما كتب أنهُ كلمة الله للقديسين في
تلك المدينة. يُخاطبهم ككنيسة الله والمقدسين في المسيح يسوع والقديسين. ينبغي أن
نُلاحظ هذا العنوان لأن كنيسة الله بمعناها الخاص هي مؤلفة من الذين قد بلغهم كلام
الله بقوةٍ. أنتم الآن أتقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم بهِ (يوحنا 3:14). كما
أحبَّ المسيح أيضًا الكنيسة وأسلم نفسهُ لأجلها … إلخ (أفسس 25:5، 26). لا شك
بأنهُ من الأمور الممكنة أن بعض أُناس مرائين يدخلونها ولكنها ليست مؤلفة من
المرائين ولا تتصف بهم. المدعوّين قديسين، يعني أنهم كانوا قديسين بموجب دعوة
إلهية كما كان بولس رسولاً بدعوة الله ونحن أيضًا قديسون بموجب عمل الله الذي
عملهُ فينا حين دعانا وأفرزنا لنفسهِ. مع جميع الذين يدعون باسم ربنا يسوع المسيح
في كل مكان لهم ولنا. جميع أسفار الوحي هي لنا ويجب علينا أن ندرسها ونستفيد منها
ولكنهُ كان من الأمور الضرورية أن الوحي يُنبهنا على أن هذه الرسالة ليست لإفادة
كنيسة كورنثوس وحدهم، بل إلى جميع الذين يدعون باسم ربنا يسوع المسيح في كل مكان،
لأنهُ كان من الأمور المحتملة أن نظنها مختصة بأولئك دون غيرهم باعتبار حالتهم
السيئة وإذ ذلك كنا نحاول أن نتغاضى عن إنذاراتها وتنبيهاتها. ولكنها لنا كما أنها
كانت لهم.

 

4
أَشْكُرُ إِلهِي فِي كُلِّ حِينٍ مِنْ جِهَتِكُمْ عَلَى نِعْمَةِ اللهِ
الْمُعْطَاةِ لَكُمْ فِي يَسُوعَ الْمَسِيحِ، 5 أَنَّكُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ
اسْتَغْنَيْتُمْ فِيهِ فِي كُلِّ كَلِمَةٍ وَكُلِّ عِلْمٍ، 6 كَمَا ثُبِّتَتْ
فِيكُمْ شَهَادَةُ الْمَسِيحِ، 7 حَتَّى إِنَّكُمْ لَسْتُمْ نَاقِصِينَ فِي
مَوْهِبَةٍ مَا، وَأَنْتُمْ مُتَوَقِّعُونَ اسْتِعْلاَنَ رَبِّنَا يَسُوعَ
الْمَسِيحِ، 8 الَّذِي سَيُثْبِتُكُمْ أَيْضًا إِلَى النِّهَايَةِ بِلاَ لَوْمٍ
فِي يَوْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. 9 أَمِينٌ هُوَ اللهُ الَّذِي بِهِ
دُعِيتُمْ إِلَى شَرِكَةِ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا. (عدد 4-9). الرسول
يذكر بشكر كل ما كان لهم من الله أي أنهم استغنوا في كل كلمة وعلم، ولكنهُ لا يذكر
أثمار الروح القدس كالمحبة والفرح والسلام، لأنهم ما كانوا مُظهرين هذه كما يجب في
ذلك الوقت. كانت بينهم مواهب روحية وافتخروا بها وقولهُ: في كل كلمة، يعني قدرتهم
على التعبير عن أفكارهم. وكل علم، يعني المعرفة المسيحية. فعرفوا الحقائق المتعلقة
بالإيمان وقدروا أن يعبروا عنها بالكلام مع أن معرفتهم لم تكن مثمرة فيهم كما
سنرى، لأن الرسول يأخذ بلومهم على سوء حالتهم. كما ثُبِّت فيكم شهادة المسيح.
شهادة المسيح هي البشارة أو الخبر عن المسيح وهذه الشهادة ثبتت لهم بالآيات
والعلامات التي ظهرت في بولس وهو يخدم بينهم انظر (أصحاح4:2، 5؛ 14:4، 15؛ كورنثوس
الثانية 1:3-3؛ وأصحاح14؛ وأصحاح12) فإن المسيح رافق عبدهُ بالقوة الكافية لتثبيت
كلامهِ بينهم وعدا ذلك منحهم المواهب الروحية حتى أنهم لم يكونوا ناقصين في موهبةٍ
ما. يتضح أنهم كانوا كثيري المواهب وقليلي النعمة. وأنتم متوقعون استعلان ربنا
يسوع المسيح. يسوع المسيح مُستتر الآن ولكنهُ سيظهر أيضًا، استعلامهُ هنا هو
ظهورهُ بقوة ومجد كثير ويوجد فرق بين مجيئهِ أو حضورهِ حين يختطف الكنيسة إليهِ
وبين ظهورهِ علانية حين ستنظرهُ كل عين. انظر (تسالونيكي الثانية 1:2-12) حيث
الرسول يقول: ثم نسألكم أيها الإخوة من جهة مجيء ربنا يسوع المسيح واجتماعنا إليهِ
… إلخ. فمجيئهُ هنا هو حضورهُ شخصيًّا ليأخذ القديسين إليهِ كما سبق الرسول وأعلن
لهم في (تسالونيكي الأولى 13:4-18). ثم يتقدم في كلامهِ ويُميز بين مجيئهِ وظهورهِ
حيث يقول: وحينئذٍ سيُستعلن الأثيم الذي الرب سيبيدهُ بنفخة فمهِ وسيُبطلهُ بظهور
مجيئهِ في (العدد 8). صار المؤمنون مُتزعزعين في أفكارهم إذ ظنوا أن يوم المسيح أي
وقت الانتقام قد حضر وهم ليسوا مُختطفين، فإذًا كيف تكون حالتهم؟ فخاطبهم الرسول
بخصوص هذا الموضوع وصرح لهم أن ذلك اليوم لا يأتي إن لم يأتِ الارتداد أولاً.
وفحوى كلامهِ أنهُ ينبغي أن الرب يحضر أولاً لكي يجمعنا إليهِ وعند ذلك يُرفع من
الوسط الحاجز الآن أي الذي يمنع الارتداد واستعلان الأثيم ثم بعد ذلك سيُظهر الرب
حضورهُ بإبادة الأثيم، لأنهُ سيُبطلهُ بظهور مجيئهِ. فإذًا لنا:

 

أولاً-
مجيء الرب.

 

ثانيًا-
ظهور مجيئهِ. ولم يكن المؤمنون في تسالونيكي قد ميزوا بينهما. أما من جهة مجيء
الرب فيجب علينا أن نكون بانتظارهِ في كل حين، لأنهُ لا يوجد شيءٌ مُطلقًا بيننا
وبينهُ إلاَّ مشيئة الله التي لا نعرفها وأما من جهة ظهور الرب للقضاء فنعرف أن
ذلك لا يصبر حتى بعد تكميل إثم البشر وقت الوحش والنبي الكذاب، لأن الرب لا يظهر
ليدين إلاَّ إلى أن يزداد شرُّ العالم ويبلغ الدرجة القصوى وقد ورد ذكر بعض حوادث
لا بد أن يُجرى قبل ذلك كاستعلان الأثيم واجتماع اليهود إلى أرضهم ومعاهدة بعض
الملوك مع بعضهم إلى خلاف ذلك مما يحصل في الأرض غير أن الكنيسة لا تنتظر شيئًا من
ذلك أنهُ يحدث ضرورة قبل اجتماعها إلى سيدها في الهواء.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القس أنطونيوس فكرى عهد جديد رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس 06

 

ومما
يجب أن نُلاحظهُ هنا أن ظهور الرب هو الرجاء الموضوع أمامنا انظر (تيطس 13:2؛
يوحنا الأولى 1:3-3). الذي سيُثبتكم أيضًا إلى النهاية بلا لوم في يوم ربنا يسوع
المسيح. إنهُ لا بد أن نظهر أمام كرسي المسيح لكي نعطي حسابًا عن كل ما عملناهُ
بالجسد خيرًا كان أم شرًا. (كورنثوس الثانية 10:5). ويصير ذلك عند ظهور المسيح لا
عند اختطافنا للقائهِ في الهواء، لأن اختطافنا وتغيُّر أجسادنا وصيرورتها على صورة
جسد مجد المسيح ودخولنا إلى المجد الأسنى هذا كلهُ من مجرد نعمة الله نظير تبريرنا
وقبولنا بالنعمة الآن ولا يوجد في ذلك أقلُّ سؤال عن أعمالنا ولا يذكر شيء من
المجازاة كأنهُ مقترن مع الاختطاف. وأما عند ظهور المسيح بالمجد وجلوسهِ للحكم فلا
بد أنهُ يُظهر سيرتنا الماضية تمامًا ثم يُجازينا في الملكوت على حسب أمانتنا التي
ظهرت في هذه الحياة، فلذلك الوحي دائمًا يقرن مسئوليتنا كقديسين مع ظهور الرب لا
مع الاختطاف. لو تعلق اختطافنا على شيء من أعمالنا لكان علينا جميعًا خوف عظيم أننا
لا نفوز بهِ أبدًا. ولكننا قد عرفنا أننا سنُختطف من مجرد النعمة ومن ثم ينتظر
حضور سيدنا بغاية الثقة. النهاية هنا هي نهاية سيرتنا وينظر إليها كأنها تنتهي في
يوم الرب حين نُظهر أمامهُ للمحاسبة فبالنظر إلى ذلك نحتاج دائمًا إلى إصلاح
سلوكنا ولا يزال الرب يعمل معنا لكي يُثبتنا باعتبار وقوفنا أمامهُ بلا لوم ساعة
ظهورهِ. ليُلاحظ القارئ أيضًا اليقين الشديد بأن الرب يحفظ جميع المؤمنين ليس أنهم
لا يهلكون فقط بل أنهم يُظهرون أيضًا أمامهُ بلا لوم. لأنهُ يُعاملهم الآن لكي
يزيل عنهم عيوبهم الكثيرة ويصلح سقطاتهم لكي يُحضرهم أخيرًا أمامهُ بحالة الكمال
وكثيرًا ما يستعمل زلاتهم واسطة لتنقيتهم. أمين هو الله الذي بهِ دُعيتم إلى شركة
ابنهِ يسوع المسيح ربنا. فإذًا حِفظنا متوقف على عمل المسيح وعلى أمانة إلهنا الذي
دعانا لكي نشترك في المسيح في حالة النعمة الآن وفي حالة المجد فيما بعد.

 

10
وَلكِنَّنِي أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، بِاسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ
الْمَسِيحِ، أَنْ تَقُولُوا جَمِيعُكُمْ قَوْلاً وَاحِدًا، وَلاَ يَكُونَ
بَيْنَكُمُ انْشِقَاقَاتٌ، بَلْ كُونُوا كَامِلِينَ فِي فِكْرٍ وَاحِدٍ وَرَأْيٍ
وَاحِدٍ، 11 لأَنِّي أُخْبِرْتُ عَنْكُمْ يَا إِخْوَتِي مِنْ أَهْلِ خُلُوِي أَنَّ
بَيْنَكُمْ خُصُومَاتٍ. 12 فَأَنَا أَعْنِي هذَا: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ
يَقُولُ:«أَنَا لِبُولُسَ»، و«َأَنَا لأَبُلُّوسَ»، وَ«أَنَا لِصَفَا»، وَ«أَنَا
لِلْمَسِيحِ». 13 هَلِ انْقَسَمَ الْمَسِيحُ؟ أَلَعَلَّ بُولُسَ صُلِبَ
لأَجْلِكُمْ، أَمْ بِاسْمِ بُولُسَ اعْتَمَدْتُمْ؟ 14 أَشْكُرُ اللهَ أَنِّي لَمْ
أُعَمِّدْ أَحَدًا مِنْكُمْ إِلاَّ كِرِيسْبُسَ وَغَايُسَ، 15 حَتَّى لاَ يَقُولَ
أَحَدٌ إِنِّي عَمَّدْتُ بِاسْمِي. 16 وَعَمَّدْتُ أَيْضًا بَيْتَ اسْتِفَانُوسَ.
عَدَا ذلِكَ لَسْتُ أَعْلَمُ هَلْ عَمَّدْتُ أَحَدًا آخَرَ (عدد 10-16). لما كان
الرسول ينظر إلى عمل المسيح وأمانة الله لأجل القديسين كان واثقًا من جهتهم وتأكد
حفظهم إلى النهاية بلا لوم ولكن لما التفت إلى حالتهم أخذ يلومهم على كل شيء لأن
تصرُّفاتهم كانت سيئة جدًّا، لأن الله وإن كان قاصدًا أن يخلصنا من مجرد نعمتهِ لا
يغضُّ نظرهُ عن سلوكنا. ولا يخفى أن كل مَنْ يرفض نعمة الله المطلقة يحاول أن
يفتري على القائلين بها كأنهم يستخفُّون بقداسة السلوك. ويقول: إن كان ذلك كذلك
لنفعل السيئات لتأتي الخيرات لأنهُ لا يقبل النعمة ولا يعرف عملها ولا يحب القداسة
مع أنهُ يتفوه بكلام كثير كأنهُ يودُّ أن يُحافظ عليها أكثر من الله تعالى نفسهُ.
وسنرى في هذه الرسالة كيف يعمل الله مع قديسيهِ لكي يجعلهم يسلكون كما يليق
بدعوتهم. فيلومهم الرسول أولاً على الانقسامات الحاصلة بينهم. لم يكن قد خطر على
بالهم أن يُبطلوا الاجتماع جميعًا في موضع واحد ولكنهم تنافروا بعضهم مع البعض
وكان السبب لذلك افتخارهم ببعض خدام المسيح وصار البعض ينتسب لواحد والبعض لآخر.
وكل حزب انتفخ والجميع نسوا أنهم واحد في المسيح يسوع. لا شك أنهم أخطأوا بذلك ولكن
الرسول لا يذكر خطيتهم بما عملوا بل غباوتهم. معلوم أن الله قد أعطى عبيدهُ مواهب
مختلفة ومهما اختلفت فهي جميعها لبنيان جسد المسيح. فأعطى الرسول بطرس مثلاً خدمة
عظيمة في أورشليم ولليهود في أماكن أخرى وأبلوس أيضًا انظر (أعمال الرسل 24:18-28؛
وأصحاح6:3) وكان قد استخدم بولس لإبلاغ الإنجيل إلى كورنثوس كما نعلم وكان يجب على
كل منهم أن يخدم بأمانةٍ حسب طاقتهِ وعلى المؤمنين أيضًا أن يستفيدوا بكل نوعٍ من
الخدمة بشكر عالمين أن المسيح نفسهُ هو مصدر كل بركة روحية لهم. ولكنهم أظهروا
غباوتهم إذ غضُّوا نظرهم عن المصدر وانشغلوا بالآنية الخزفية المستخدمة لإبلاغ
مياه الحياة العذبة إلى نفوسهم وعلى قدر ما ابتعدوا عن المسيح انتفخوا وافتخروا
بخدامهِ البشريين وتجاسروا على أن ينسبوا نفسهم لهم بروح الانقسام حتى أن البعض
قالوا: نحن للمسيح على طريق الافتخار كأنهم أفضل من أخوتهم الآخرين فيذكرهم الرسول
بما نسوهُ وهو الفرق العظيم بين السيد وعبيدهِ لأن المسيح وحدهُ قد صُلِب لأجلهم
وفداهم بدمهِ وأيضًا لما آمنوا بهِ اعترفوا لا بواحد من خدامهِ بل بالمسيح
واعتمدوا باسمهِ. فكانت هذه الحقائق الابتدائية كافية لتقنعهم بغباوتهم. لا يخفى
أن أتباع المسيح قد انقسموا إلى أقسام عديدة من زمان طويل وزادوا على غباوة
الكورنثيين فإنهم انفصلوا بعضهم عن البعض وأصبحوا طوائف كثيرة وكل طائفة تتصرف
ككنيسة بقط النظر عن وجود الآخرين. نعم قد تفرقوا وليس أحد يقدر أن يجمعهم ولكن
يجب علينا أن نعترف بسوء حالتنا ولا نستخفَّ بتفريق الذين قد مات المسيح لكي
يجمعهم إلى واحد. وإن قيل أن القديسين لا بد أن يكونوا معًا في السماء. أقول: لا
شك بذلك ولكن هذا مما يزيد الحزن لعدم كونهم معًا الآن.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس غ غَرَّ غرور ر

 

17
لأَنَّ الْمَسِيحَ لَمْ يُرْسِلْنِي لأُعَمِّدَ بَلْ لأُبَشِّرَ، لاَ بِحِكْمَةِ
كَلاَمٍ لِئَلاَّ يَتَعَطَّلَ صَلِيبُ الْمَسِيحِ. 18 فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ
عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ
فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ، 19 لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ:«سَأُبِيدُ حِكْمَةَ الْحُكَمَاءِ،
وَأَرْفُضُ فَهْمَ الْفُهَمَاءِ». 20 أَيْنَ الْحَكِيمُ؟ أَيْنَ الْكَاتِبُ؟
أَيْنَ مُبَاحِثُ هذَا الدَّهْرِ؟ أَلَمْ يُجَهِّلِ اللهُ حِكْمَةَ هذَا
الْعَالَمِ؟ 21 لأَنَّهُ إِذْ كَانَ الْعَالَمُ فِي حِكْمَةِ اللهِ لَمْ يَعْرِفِ
اللهَ بِالْحِكْمَةِ، اسْتَحْسَنَ اللهُ أَنْ يُخَلِّصَ الْمُؤْمِنِينَ
بِجَهَالَةِ الْكِرَازَةِ. 22 لأَنَّ الْيَهُودَ يَسْأَلُونَ آيَةً،
وَالْيُونَانِيِّينَ يَطْلُبُونَ حِكْمَةً، 23 وَلكِنَّنَا نَحْنُ نَكْرِزُ
بِالْمَسِيحِ مَصْلُوبًا: لِلْيَهُودِ عَثْرَةً، وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً!
24 وَأَمَّا لِلْمَدْعُوِّينَ: يَهُودًا وَيُونَانِيِّينَ، فَبِالْمَسِيحِ قُوَّةِ
اللهِ وَحِكْمَةِ اللهِ. 25 لأَنَّ جَهَالَةَ اللهِ أَحْكَمُ مِنَ النَّاسِ!
وَضَعْفَ اللهِ أَقْوَى مِنَ النَّاسِ! (عدد 17-25). للمعمودية المسيحية أهمية في
موضعها الخاص ولكنها لا تقوم مقام كلمة الله لأن الله يلدنا ثانيةً بكلمتهِ (يعقوب
18:1) ويبنينا ويُنمينا روحيًّا بها أيضًا (بطرس الأولى 2:1). ومن الفضول لي أن
أقول: أن الرسول ليس بقاصد أن يستخفَّ بالمعمودية بكلامهِ هذا فأنهُ إنما يضعها في
محلها بالنسبة إلى كلمة الله. لأن المسيح لم يُرسلني لأُعمد بل لأُبشر. كان المسيح
قد أعطاهُ موهبة للمناداة بالكلمة وأما العماد وإن يكن مهمًّا في موضعهِ فلا يقتضي
موهبة في من يجريهِ. حنانيا الذي عمد بولس إنما كان تلميذًا حسب ما ورد عنهُ
(أعمال الرسل 10:9). لا بحكمة كلام لئلا يتعطل صليب المسيح. من هنا فصاعدًا يتكلم
كثيرًا عن خدمتهِ وكيف كان يمارسها. فينفي أولاً الحكمة الإنسانية نفيًا مطلقًا.
لأنها تعطل صليب المسيح يعني في تخصيصهِ لنا للخلاص. لا يُخفى أننا نستفيد من
الصليب أو من موت المسيح بواسطة الإيمان وموضع الإيمان هو القلب لا العقل كقولهِ
في موضع آخر أن آمنت في قلبك… إلخ (رومية 9:10، 10). فإن كلمة الصليب عند الهالكين
جهالة وأما عندنا نحن المُخلَّصين فهي قوة الله. كلمة الصليب هي الخبر عن الصليب
والهالكون هم الغير المؤمنين باعتبار كونهم على حالة الابتعاد عن الله فأنهم
يرفضون طريقًا بسيطًا كهذا ولا يرون شيئًا فيهِ. وأما الذين آمنوا وخلصوا بهِ
فتحققوا أن فيهِ قوة الله (قابل مع ما ورد في رومية 16:1، 17). وقد أورد الرسول
شهادة من نبوة إشعياء على أن الله سبق فأنبأ أنهُ مزمع أن يكمل عمل الفداء بطريق
خلاف أفكار البشر تمامًا (انظر إشعياء 13:29، 14). نرى في (العدد 13) أن إسرائيل
كانوا على حالة ردية جدًّا بحيث أن قلبهم كان مبتعدًا عن الله فإنما اقتربوا إليهِ
بالفم وأكرموهُ بشفاههم فقط وهذه كانت حالتهم في زمان المسيح كما قال لهم (مَتَّى
8:15، 9). ثمَّ في (العدد 14) يقول: لذلك هانذا أعود أصنع بهذا الشعب عجبًا
وعجيبًا فتبيد حكمة حكمائهِ ويختفي فهم فهمائهِ. ويشير بذلك إلى العمل العظيم الذي
كان الله قاصدًا أن يجربهُ بموت المسيح. فائدة الرسول اقتبس هذه الشهادة حسب
الترجمة السبعينية تقريبًا. أين الكاتب؟ أين مباحث هذا الدهر؟ فهذه الشهادة هي
أيضًا من نبوة (إشعياء 18:33) ومعناها حسب قرائنها هو أن الدينونة مقبلة على
إسرائيل وبالتبعية على العالم أيضًا وأن الحكماء والمُشيرين لا يستطيعون أن يخلصوا
خلاصًا وينقذ شعبهُ. ألم يجهل الله حكمة هذا العالم. هذا كلام الرسول نفسهُ بناء على
ما أورد من نبوة إشعياء فأن الله تصرف في إجراء عمل الفداء وخلاص المؤمنين بطريق
ينفي حكمة الإنسان. لأنهُ إذ كان العالم في حكمة الله لم يعرف الله بالحكمة استحسن
الله أن يخلص المؤمنين بجهالة الكرازة. فيشير هنا إلى حالة العالم قبل زمان المسيح
خصوصًا حالة الأمم. كان الله قد ترك جميع الأمم يسلكون في طرقهم (أعمال الرسل
16:14؛ انظر أيضًا رومية 18:1-32) حيث نرى ما هي طرقهم فأنهم من وقت الطوفان عرفوا
الله كالخالق والديان الذي جلب القضاء العادل على عالم الفجار ولكنهم لم يبقوا على
هذه المعرفة بل تركوا الإله الواحد وتهوَّروا في كل نوع من عبادة الأوثان حاسبين
ذلك أعظم حكمةٍ. مع أن الله حسبهُ أزمنة الجهل (أعمال الرسل 30:17). فإذًا لم
يقدروا أن يعرفوا الله بحكمتهم ولما كانوا على هذه الحالة استحسن الله أن يبدي
طريقًا جديدًا ويخلص المؤمنين بجهالة الكرازة. الكرازة هنا هي الأخبار المكروز بها
ويُقال لها جهالة الكرازة باعتبار ظهورها هكذا في أعين العالم.

 

لأن
اليهود يسألون آية واليونانيين يطلبون حكمةً. كان الله قد أعلن نفسهُ لليهود شعبهُ
الخاص إعلانات جزئية وصنع في وسطهم أعمال قوة لتثبيت كلامهِ لهم، ولكنهم على وجه
العموم أهملوا كلمتهُ ولم يكتفوا بها وانصبوا إلى الكبرياء مفتخرين بامتيازاتهم
كأمة مختارة وعوضًا عن أن يخضعوا لكلمة الله استمرُّوا على عدم الإيمان بها وطلبوا
دائمًا أعمال القوة التي لا تقدر أن تنشئ إيمانًا قلبيًّا في من يشاهدها واظهروا
ميلهم الشديد هذا في زمان خدمة السيد نفسهِ في وسطهم فأنهم طلبوا منهُ آيات فصنع
لهم آيات وعجائب كثيرة، ولكن لم يكن لكلمة الله موضع في قلوبهم فرفضوهُ وصلبوهُ.
وأما اليونانيين أي الأمم غير اليهود فلم تكن بينهم آيات لكنهم انصبوا إلى الحكمة
الإنسانية الباطلة فلذلك احتقروا بشارة كلمة الله.

 

ولكننا
نحن نكرز بالمسيح مصلوبًا لليهود عثرةً ولليونانيين جهالةً. أننا لا نستطيع في
أيامنا هذه أن نتصور كيف ظهر بر موت المسيح للذين سمعوهُ أولاً فأنهُ بالضرورة ظهر
لهم كشيء حقير لا يُعتدُّ بهِ كانت الحوادث العظيمة المُقترنة مع حضور المسيح
وصلبهِ قد حصلت في وسط اليهود ولم يكن المسيح لهم سوى صخرة عثرةٍ. فأنهم بينما
كانوا مُنتظرين المسيح الموعود بهِ على هيئةٍ خلاف ذلك تمامًا فتواضع عند أقدامهم
فعثروا بهِ. وأما الأمم فلما بلغهم الخبر بما جرى لم يروا فيهِ شيئًا يناسب
أفكارهم فرفضوهُ كشيء لا يليق إلاَّ بالجُهال أن يتكلموا عنهُ. قد ورد لنا بعض
المواعظ التي ألقاها خدام الرب على الأمم (أعمال الرسل 34:10-43؛ 5:14-18؛
22:17-33). ونرى أنهُ لم يكن لها قبول إلاَّ عند الذين عمل الله فيهم على نوع
خصوصي. وحكماء العالم في أثينا أما استهزءوا بما بلغهم عن يسوع المسيح وقيامة
الأموات أو أهملوهُ كأنهُ من الأمور الزهيدة.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ت تارح 1

 

وأما
للمدعوين يهودًا ويونانيين فبالمسيح قوة الله وحكمة الله. لا شك بأن الله يدعو
جميع الناس إلى التوبة والإيمان، ولكن ليس أحدٌ يتوب ويؤمن أن لم يدعهُ دعوة فعالة
بعمل الروح القدس وللمدعوين هكذا فالكرازة هي قوة الله وحكمتهُ. ونرى وصفًا لهذه
القوة في (أفسس 19:1، 20) وهي القوة نفسها التي عمل بها حين أقام المسيح من
الأموات وأجلسهُ عن يمينهِ أي قوة أقامة الأموات. ولا يمكن خلاص أحد من البشر
إلاَّ بقوة كهذه لأن الجميع أموات روحيًّا فيحتاجون إلى من يستطيع أن يحييهم. جميع
حكماء العالم لا يقدرون أن يعطوا حياةً لنفسٍ واحدة. فإذًا لا مدخل لحكمتهم في هذا
الموضوع. لأن جهالة الله أحكم من الناس وضعف الله أقوى من الناس. يتضح أن مقصد
الرسول بهذا الكلام أن يظهر المُباينة العظيمة بين أفكار الله وأفكار البشر وبين
طريق الفداء بدم المسيح وبين الأعمال التي يعتمد عليها البشر لخلاص أنفسهم. فقولهُ
جهالة الله أحكم من الناس يظهر سمو أفكار الله بالمُقابلة مع حكمة الإنسان. وليس
كأنهُ يوجد شيء من الجهالة فيهِ تعالى حاشا وكلا. كذلك قولهُ: وضعف الله أقوى من
الناس فأنهُ يشير بهِ إلى الوسائط التي شاء الله واستخدمها لإبلاغ قوتهِ لنفوسنا
وهي كلمتهُ المخبرة عن المسيح ولا شيء يظهر للعالم أنهُ أضعف منها ومع ذلك هي قوية
وفعالة (انظر عبرانيين 12:4، 13).

 

26
فَانْظُرُوا دَعْوَتَكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنْ لَيْسَ كَثِيرُونَ حُكَمَاءَ
حَسَبَ الْجَسَدِ، لَيْسَ كَثِيرُونَ أَقْوِيَاءَ، لَيْسَ كَثِيرُونَ شُرَفَاءَ،
27 بَلِ اخْتَارَ اللهُ جُهَّالَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الْحُكَمَاءَ. وَاخْتَارَ
اللهُ ضُعَفَاءَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الأَقْوِيَاءَ. 28 وَاخْتَارَ اللهُ
أَدْنِيَاءَ الْعَالَمِ وَالْمُزْدَرَى وَغَيْرَ الْمَوْجُودِ لِيُبْطِلَ
الْمَوْجُودَ، 29 لِكَيْ لاَ يَفْتَخِرَ كُلُّ ذِي جَسَدٍ أَمَامَهُ. (عدد 26-29).
الألفاظ جهال، وضعفا، وأقوياء، هي كلها على صيغة الجمع لغير العاقل ومقصد الرسول
بها أن يوضح بهذه الألفاظ البالغة، الفرق العظيم بين الوسائط البسيطة التي
يستخدمها الله وبين الأشياء المحسوبة عالية وفعالة عند الناس. لكي لا يفتخر كل ذي
جسدٍ أمامهُ. فأنهُ قد سلك مسلكًا من شأنهِ أن يناقض أفكار الناس ويضعهم في
التراب. يود الإنسان دائمًا أن يفتخر بشيء من نفسهِ، ولكن ليس لافتخارهِ موضع مع
صليب المسيح. فأين الافتخار؟ قد انتفى. بأي ناموس. أبناموس الأعمال، كلا. بل
بناموس الإيمان (رومية 27:3). فالله المطلق السلطان قد اختار أن يرسل ابنهُ الوحيد
إلى العالم فبعد قضائهِ السنين المعيَّنة لهُ صُلب بضعفٍ وإهانةٍ ثمَّ قام من
الأموات غير منظور من العالم. ثمَّ بعد ذلك شاع الخبر في العالم أن الذي صلب كان
بالحقيقة ابن الله وأنهُ ارتفع إلى المجد وأن كل من يؤمن بهِ لا يهلك بل تكون لهُ
الحياة الأبدية. فالعامل من الأول إلى الآخر هو الله. هو المحسن ونحن المحسن
إليهم. حكمتنا وأعمالنا المبرورة جميعها مرفوضة على السوية ولم يكن لنا شيءٌ في
صليب المسيح إلاَّ خطايانا فقط التي قدَّمت الفرصة لله أن يعلن برَّهُ من السماء.

 

30
وَمِنْهُ أَنْتُمْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ، الَّذِي صَارَ لَنَا حِكْمَةً مِنَ اللهِ
وَبِرًّا وَقَدَاسَةً وَفِدَاءً. 31 حَتَّى كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ:«مَنِ افْتَخَرَ
فَلْيَفْتَخِرْ بِالرَّبِّ». (عدد 30، 31). بهذا الكلام الرسول يهدم أساس افتخارهم
بالناس فأنهم في غباوتهم صاروا يقولون. أنا لبولس وأنا لأبلوس… إلخ. كأن مصدر
حياتهم وخلاصهم هو في الناس فيذكرهم هنا أنهم من الله بالمسيح يسوع. نعلم أننا من
الله والعالم كلهُ قد وُضع في الشرير (يوحنا الأولى 19:5). فلا يوجد الآن سوى
جنسين أي الذين قد ولدوا من الله وصاروا أولادًا لهُ والذين هم من إبليس باعتبار
كونهم بعد في حالة السقوط والابتعاد عن الله. ونحن نعلم ذلك كجزء من معرفتنا
المسيحية. وقد اكتفينا بالمسيح كل الاكتفاء ولا نحتاج إلى شيء إلاَّ ما يوجد فيهِ.
أنحتاج إلى حكمةٍ؟ فهم حكمتنا. أ إلى برٍ؟ فهو برُّنا. كما أنهُ قداستنا وفدائنا
أيضًا. وأما من جهة كونهِ حكمةً لنا فراجع الأصحاح الأول من أفسس والإصحاحين الأول
والثاني من رسالة كولوسي حيث يوضح الرسول أفكار الله ومقاصدهُ لأجل بنيان المؤمنين
لكي لا يكون أحدٌ يسبيهم بالفلسفة وبغرور باطل حسب تقليد الناس حسب أركان العالم
وليس حسب المسيح. ولا يُخفى أن موضوع رسالتهِ إلى أهل رومية هو كون المسيح نفسهُ
برَّنا أمام الله. وأما رسالتهِ إلى العبرانيين فيوضح كون المسيح قداستنا فأنهُ
صنع تطهيرًا لخطايانا. ثمَّ لفظة فداء هنا تعني إقامة أجسادنا من الأموات وفكاكها
من قوة الفساد (انظر رومية 23:8؛ أفسس 14:1). فالمسيح يكفينا من الآن إلى أن ندخل
المجد الأبدي فمن الغباوة أن نلتفت إلى قوة الإنسان أو حكمتهِ كأنها تنفعنا أقل
نفع أمام الله. قد نفى الافتخار في (العدد 29) على سبيل سلبي وأما هنا فيعطينا من
نستطيع ن نفتخر بهِ كل الافتخار حتى كما هو مكتوب من افتخر فليفتخر بالرب. أبارك
الرب في كل حين. دائمًا تسبيحهُ في فمي. بالرب تفتخر نفسي. يسمع الودعاء ويفرحون.
عظموا الرب معي ولنعلِ اسمهُ معًا (مزمور 1:34-3).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي