الإصحَاحُ
الثَّالِثُ

 

1
وَأَنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أُكَلِّمَكُمْ كَرُوحِيِّينَ،
بَلْ كَجَسَدِيِّينَ كَأَطْفَال فِي الْمَسِيحِ، 2 سَقَيْتُكُمْ لَبَنًا لاَ
طَعَامًا، لأَنَّكُمْ لَمْ تَكُونُوا بَعْدُ تَسْتَطِيعُونَ، بَلِ الآنَ أَيْضًا
لاَ تَسْتَطِيعُونَ، 3 لأَنَّكُمْ بَعْدُ جَسَدِيُّونَ. فَإِنَّهُ إِذْ فِيكُمْ
حَسَدٌ وَخِصَامٌ وَانْشِقَاقٌ، أَلَسْتُمْ جَسَدِيِّينَ وَتَسْلُكُونَ بِحَسَبِ
الْبَشَرِ؟ 4 لأَنَّهُ مَتَى قَالَ وَاحِدٌ:«أَنَا لِبُولُسَ» وَآخَرُ:«أَنَا
لأَبُلُّوسَ» أَفَلَسْتُمْ جَسَدِيِّينَ؟ (عدد 1-4). الإنسان الطبيعي لا يقبل
شيئًا مما لله. وأما المؤمن الروحي فيفهم كل شيء، وأما المؤمن الجسدي فلا يقدر أن
يقبل إلاَّ اللبن فقط أي الحقائق البسيطة الابتدائية. فالكورنثيون كانوا على وجه
الإجمال مؤمنين في حالة واطئة يقال لها: جسدية. والبرهان على ذلك سوء تصرفاتهم وقد
رجع الرسول إلى الموضع الذي ذكرهُ أولاً (إصحاح10:1-16).

 

5
فَمَنْ هُوَ بُولُسُ؟ وَمَنْ هُوَ أَبُلُّوسُ؟ بَلْ خَادِمَانِ آمَنْتُمْ
بِوَاسِطَتِهِمَا، وَكَمَا أَعْطَى الرَّبُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ: 6 أَنَا غَرَسْتُ
وَأَبُلُّوسُ سَقَى، لكِنَّ اللهَ كَانَ يُنْمِي. 7 إِذًا لَيْسَ الْغَارِسُ
شَيْئًا وَلاَ السَّاقِي، بَلِ اللهُ الَّذِي يُنْمِي. 8 وَالْغَارِسُ وَالسَّاقِي
هُمَا وَاحِدٌ، وَلكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ سَيَأْخُذُ أُجْرَتَهُ بِحَسَبِ تَعَبِهِ.
9 فَإِنَّنَا نَحْنُ عَامِلاَنِ مَعَ اللهِ، وَأَنْتُمْ فَلاَحَةُ اللهِ، بِنَاءُ
اللهِ. 10 حَسَبَ نِعْمَةِ اللهِ الْمُعْطَاةِ لِي كَبَنَّاءٍ حَكِيمٍ قَدْ
وَضَعْتُ أَسَاسًا، وَآخَرُ يَبْنِي عَلَيْهِ. وَلكِنْ فَلْيَنْظُرْ كُلُّ وَاحِدٍ
كَيْفَ يَبْنِي عَلَيْهِ. 11 فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ
أَسَاسًا آخَرَ غَيْرَ الَّذِي وُضِعَ، الَّذِي هُوَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ. (عدد
5-11). إن كنا من غباوتنا نعظم عبيد المسيح لا يلبث الروح القدس أن يحطهم قدام
عيوننا قائلاً: فمَنْ هو بولس؟ ومَنْ هو أبلوس؟ بل خادمان آمنتم بواسطتهما. لأنهُ
قد حضر لكي يُمجد المسيح نفسهُ لا خدامهُ، والخادم الأمين يُظهر أمانتهُ برفضهِ
الكرامة من القديسين. ليس أنهُ لا يطلبها فقط، بل يرفضها حالاً كل الرفض كما عمل
بولس هنا.كان قد تعب كخادم الرب وغرس تعليم الإنجيل في الكورنثيين ثم حضر أبلوس
وخدمهم أيضًا بحسب ما عندهُ ولكن الغارس والساقي ليس شيئًا، فإن الله وحدهُ هو
العامل في نفوس الناس. وكما أن الفلاح مهما اجتهد لا يقدر أن يجعل حبة واحدة تنبت
وتنمو هكذا أيضًا خدام المسيح مهما بشروا وعلَّموا لا يقدرون أن يحيوا نفسًا واحدة
ولا يقدرون أن يزيدوا المؤمنين روحيًا. ينبغي أن نحفظ هذا دائمًا بالنا فإنهُ
يضعنا في محلنا. والغارس والساقي هما واحد. أي أنهما في منزلة واحدة كآلات في يد
الله. إن كان هو تعالى يشاء أن يستخدمهما فالفضل لهُ ليس لهما. يجب أن الخادم
الأمين يكون هادئًا ولا يُكثر الكلام ويحتفظ من جميع الأشياء ومن أساليب الكلام
التي من شأنها أن تجذب التفات القديسين إليهِ. لو دخلنا إلى بيت ورأينا الخدام
رافعين أصواتهم ويجلبون التفات أهل البيت والضيوف إليهم بقطع النظر عن صاحب البيت،
لكنا نستقبح المنظر جدًّا ونحكم بسوء تربية ذلك البيت. يجب أن نتعلم جيدًا أن الله
هو الذي يُنمي. وإن شاء واستخدمنا فلا نزال آلات فقط ربما يستعملنا اليوم ويرمينا
جانبًا غدًا، لأنهُ ليس ملتزمًا فينا. ونراهُ كثيرًا ما يستعمل إنسانًا كخادم
لإجراء بركة عظيمة بيدهِ ثم يتركهُ كإناء فارغ ولا يعود يبارك خدمتهُ. لا يكفينا
مجرد وجود مواهب روحية فينا فقط، فإنها كانت بكل أنواعها في الكورنثيين ومع ذلك
انحطوا روحيًا وصار الذي يتكلم كنحاس يطن وصنجًا يرن. وما المنفعة من ذلك في أمور
الله. إن كنا لا نُميز هذه الحقيقة نقع في فخ كبير إذ نظنُّ أن الذي قدر على الوعظ
والتعليم بصورة كلام صحيح يقدر أن يستمرَّ على ذلك دائمًا بحسب خاطرهِ ويعظ
ويُعلِّم حيثما وحينما شاء. فهذا ليس إلاَّ ضلال الكورنثيين. مقصد الله بإعطاء
المواهب هو بنيان جسد المسيح فلذلك نحتاج دائمًا إلى رضاهُ وعملهِ معنا. ولا يحب
كثرة الكلام. احفظ قدمك حين تذهب إلى بيت الله فالاستماع أقرب تقديم ذبيحة الجهال
لأنهم لا يبالون بفعل الشر، لا تستعجل فمك ولا يسرع قلبك إلى نطق كلام قدام الله،
لأن الله في السماوات وأنت على الأرض فلذلك لتكن كلماتك قليلة (جامعة 1:5، 2).
فيُعبر عن كثرة الكلام بذبيحة الجهال ومن أكثر الكلام فعل الشر. ونرى كيف الرسول
وبخ القديسين على تقديم ذبائح كهذه! ولا يلزم أن تكون أصوات بشرية تطرب آذاننا
اللحمية لكي نستمع لصوت إلهنا. كلاَّ. لأنهُ في أوقات كثيرة لا يعطي إلاَّ قدرة
قليلة جدًّا لأحدٍ لكي ينطق بكلامٍ. فلا نستغرب حدوث سكوتٍ طويل أو قصير كما شاء
الرب. فإن السكوت أنفع جدًّا من التكلم بقوتنا نحن. وكثيرًا ما يجعلنا الرب نشعر بحضورهِ
حين السكوت التام وعلى الأقل نتحقق ضعفنا ونعترف بهِ أمامهُ، وهذا ينفعنا أكثر من
كثرة الكلام الفارغ في المواضيع الروحية التي ربما أوهمتنا بأننا أقوياء. وحالة
كهذه هي الفتور المكروه لدى الرب انظر (رؤيا 16:3). الشعور بضعفنا يُذللنا
ويُقربنا إلى الرب الذي هو مصدر القوة. وأما الوهم بأننا أقوياء فينفخنا ويبعدنا
عنهُ. لا شك بأننا جميعًا في حالة أعظم الضعف في هذه الأيام فلنقرَّ بذلك ولا
نتظاهر بقوةٍ. ثم نتذكر أن نعمة المسيح تكفينا وقوتهُ تكمل في الضعف. إن شعرنا
بضعفنا وبضعف كنيسة الله واعترفنا لهُ يمكننا أن نجد البنيان الروحي عند اجتماعنا
معًا على الأساليب الحلوة، لأن الله يُقاوم المتكبرين ويعطي نعمة للمتواضعين. قد
بلغني عن جماعة مؤمنين أتقياء اجتمعوا معًا أمام الرب ومن شدة شعورهم بضعفهم وسوء
حالة كنيسة الله استمرُّوا نصف من الزمان في السكوت لم يستطيعوا أن يفتحوا
أفواههم، ولكن الأرض كانت مبللة بدموعهم. ألا ينفعنا الحضور مع أُناس مجتمعين هكذا
أكثر جدًّا من الاجتماع مع المؤمنين الكورنثيين حين قضوا وقت اجتماعهم ولم تكفَّ
الأصوات البشرية عن أن تُسمع؟ ربما قيل: ألا يجب أن نفتكر في الأشخاص الأجنبيين
الذين حضروا معنا من الخارج لينظروا كيفية اجتماعنا وترتيب عبادتنا؟ فأقول: أنهُ
ليس مطلوبًا منا أن نفتكر في حضور الناس أجنبيين كانوا أو خلاف ذلك، بل في حضور
سيدنا وربنا. جميع النفوس لهُ وإن شاء يستطيع أن يجعلهم يشعرون بحضورهِ وينخس
ضمائرهم ونحن صامتون متحققون ضعفنا ويؤول ذلك لمجدهِ أكثر مما لو تظاهرنا بمواهب
قدر ما كان عند الكورنثيين. الله هو الذي يُنمي. وعدا ذلك لو اجتذبنا أُناسًا
إلينا بكثرة الكلام فما المنفعة من ذلك. كل غرس لم يغرسهُ أبي السماوي يُقلع.
ينبغي أيضًا أن كل مَنْ قصد أن ينضمَّ إلينا في اجتماعنا حسب مبدأ كنيسة الله أن
يتعلم قبلاً أنهُ يشترك مع أُناس مسيحيين ضعفاء جدًّا مثلهُ وليس الفرق بيننا وبين
غيرنا من أولاد الله أننا أقوى منهم. كلاَّ. الضعف قد استولى علينا جميعًا ولا
ننتظر أن الرب يعود يلبسنا قوةً بحيث أنها لا تليق بنا الآن. لا شك بأنهُ في الأول
أتحف كنيستهُ بتحف ثمينة لكنها أساءت التصرُّف فيها فأحرمها إياها. فعلينا أن
نتذلل أمامهُ ونقترب إليهِ بالإيمان وحينئذٍ نجد أن قلبهُ المحب هو هو ولو التزمت
يدهُ أن تنزع عنا كل ما يمكن أن نفتخر بهِ. وأنهُ إن كان قد أخذ منا الزينة
الخارجية لا يزال يزيد فينا إنسان القلب الخفي في العديمة الفساد زينة الروح
الوديع الهادئ الذي هو قدام الله كثير الثمن. وإن وجد فرق بيننا وبين غيرنا من
اجتماعنا المؤمنين فليس هو إلا أننا قد ابتدأنا نعرف انحطاط كنيسة الله حالتها
واعترفنا بذلك ثم طلبنا أن نجتمع معًا بحسب كلمة الله ليس لكي نتظاهر للعالم، بل
لنستمد البنيان الروحي من قِبَل الله. الذي هو مصدر كل خير لنا. لو أُجتذب إلينا
أُناس متوهمين أننا أقوى أو أفضل من الآخرين لا يلبث أن يذهب انتظارهم خائبًا
فإنهم بعد قليل يجدون الضعف لا القوة. ولكن إن كنا متواضعين وتنازل الرب أن يحضر
في وسطنا فمَنْ رغب حضور الرب وتحققهُ بيننا يطلب الانضمام معنا بطريق هادئة وديعة
فنستمرُّ جميعنا على طلب البنيان بموجب كلمة الله، لأن الرب ليس مزمعًا أن يجعلنا
شيئًا عظيمًا في أعين أنفسنا ولا في أعين العالم.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ج جوزاء ء

 

أنتم
فلاحة الله، بناء الله. ما أحلى كلام الرسول هذا بحيث أنهُ ينسب المؤمنين لله
نفسهِ! إذا عبرنا عنهم بفلاحة أو بناء فَهُم لله. كان الرسول في خدمتهِ قد وضع
الأساس الحقيقي الذي هو يسوع المسيح. كان قد علَّمهم الحق في شأن شخص المسيح وقيمة
دمهِ ومجدهِ الحاضر والمستقبل فلا يمكن لأحد من الخدام الجدد الذين حضروا إليهم أن
يأتوهم بأساس آخر فإن الأساس قد وُضع فصارت المسألة حينئذٍ من جهة البنيان الصحيح
بالمقابلة مع ما من شأنهِ أن يُعطل أو يفسد البناء. ولهذا الموضوع أهمية عظيمة
جدًّا كما سنرى بحيث أن مسئولية الخدام تقترن معهُ.

 

12
وَلكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدُ يَبْنِي عَلَى هذَا الأَسَاسِ: ذَهَبًا، فِضَّةً،
حِجَارَةً كَرِيمَةً، خَشَبًا، عُشْبًا، قَشًّا، 13 فَعَمَلُ كُلِّ وَاحِدٍ
سَيَصِيرُ ظَاهِرًا لأَنَّ الْيَوْمَ سَيُبَيِّنُهُ. لأَنَّهُ بِنَارٍ
يُسْتَعْلَنُ، وَسَتَمْتَحِنُ النَّارُ عَمَلَ كُلِّ وَاحِدٍ مَا هُوَ. 14 إِنْ
بَقِيَ عَمَلُ أَحَدٍ قَدْ بَنَاهُ عَلَيْهِ فَسَيَأْخُذُ أُجْرَةً. 15 إِنِ
احْتَرَقَ عَمَلُ أَحَدٍ فَسَيَخْسَرُ، وَأَمَّا هُوَ فَسَيَخْلُصُ، وَلكِنْ كَمَا
بِنَارٍ. 16 أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ
فِيكُمْ؟ 17 إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُفْسِدُ هَيْكَلَ اللهِ فَسَيُفْسِدُهُ اللهُ،
لأَنَّ هَيْكَلَ اللهِ مُقَدَّسٌ الَّذِي أَنْتُمْ هُوَ. (عدد 12-17). سبق في
الفصل الماضي وصرَّح أن خدام المسيح ليسوا سوى آلات بل لا شيء وإن كان القديسون
يفتخرون بهم يغيظون روح الرب فيسرع ويضعهم جميعًا في التراب، غير أنهُ لا ينتج من
ذلك انهم ليسوا تحت المسئولية العظيمة للرب في شأن خدمتهم لقديسيهِ فيوضح ذلك في
هذا الفصل مُعبرًا عن صفات الخدمة ببعض مواد مختلفة القيمة ولكن جيدة ونافعة
للبناء وببعض مواد أخرى لا تصلح لبناء عتيد أن يُمتحن بنار فإنهُ من الأمور
الواضحة أن النار تحرق ما بركَّب من خشب وعشب وقش.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد قديم سفر نشيد الأنشاد 08

 

إن
كنا نتكلم كمسيحيين نفرض دائمًا أن الأساس قد وُضع، لأننا جميعًا قد اعترفنا بيسوع
المسيح أنهُ ابن الله والمخلص الوحيد للبشر. فإذًا الأساس موجود بين جميع النصارى
في المسكونة، ونقدر أن نعبر عنهم كبناء ولا يخفى أنهُ قد شاعت بينهم تعاليم متنوعة
تحت اسم المسيح وجانب عظيم منها لا يثبت أمام الله، فيفرض الرسول هنا أُناسًا
مسيحيين بالحق يُعلمون الآخرين ويطلب منهم أن لا يعطوا كنيسة الله إلاَّ التعليم
الصافي النقي؛ لأنهُ من الأمور الممكنة أن إنسانًا مؤمنًا يتفوه بما لا يفيد بحيث
أن مجرد كونهِ مسيحيًّا لا يكفي. الطقوس والفرائض الدينية مثلاً كلها عشب وقش
وكذلك خلط الأعمال الصالحة مع نعمة الله لأجل خلاص النفس، فعمل كل واحد سيصير
ظاهرًا لأن اليوم سيُبينهُ، أي يوم ظهور المسيح لمحاسبة المؤمنين وهذا اليوم
يُستعلن بنار أي بالدينونة. ولا يبقى شيءٌ من خدمتنا إلاَّ ما هو حقٌّ. يجب أن
نلاحظ أن ما يصدر منا هو تعليم من نوع ما ولكنهُ يفعل في السامعين فعلاً صالحًا أو
غير صالح فبالتبعية نبني أشخاصًا في هذا البناء المسيحي. انظر (تسالونيكي الأولى
19:2، 20؛ يوحنا الأولى 28:2؛ يوحنا الثانية 8). إن بقي عمل أحد فسيأخذ أجرة، إن
احترق عمل أحد فسيخسر وأما هو فسيخلص ولكن كما بنار، فيمكن لإنسان مؤمن حقيقي أن
يتعاطى تعاليم عاطلة غير نافعة فلا يبقى شيء من خدمتهِ هذه غير أنهُ يخلص لكونهِ
على الأساس الحقيقي بالإيمان الشخصي. والقول: ولكن كما بنار. تشبيه مأخوذ من أمور
الحياة كإنسان مثلاً يستيقظ بالليل وبيتهُ محترق ولا يقدر أن يخلص من الحريق إلاَّ
نفسهُ، لا يقدر أن يأخذ معهُ شيئًا من أتعابهِ. لاحظ أيضًا أن الرسول ليس متكلمًا
هنا عن موضوع خلاص نفوسنا، بل عن كيفية الخدمة والحصول على أُجرتها من الرب أو
خسارتها. لاحظ أيضًا أنهُ إنما يوضح المبدأ العام ولا يذكر أشياء ثانوية استثنائية
فإننا نعلم أنهُ يمكن أن تكون خدمتنا مخلوطة أو أن نكون قد علَّمنا في وقتٍ ما
تعليمًا عاطلاً ثم أخذنا نخدم بالحق والأمانة بعد ذلك. ويمكن أيضًا أن يكون بعض
الناس قد شربوا من تعاليم العاطلة من واحد ثم حضر واحد آخر وعلَّمهم الصحيح
وانتبهوا إليهِ واستفادوا. نرى أن الغلاطيين أخذوا من بولس التعليم الصافي من
البداءة ثم حضر مُعلمون متهودون وقلبوهم فسقطوا من النعمة ورجعوا إلى أعمال
الناموس ثم تعب فيهم بولس ثانيةً ليرجعهم إلى الحق. هذه مع حقائق أخرى من جهة
الخدمة نعلمها ولكننا لا نبحث فيها هنا، لأن الرسول إنما قصد أن يُنبهنا على عظم
المسئولية التي علينا إذا اتخذنا أن ننطق بأقوال تعليمية للآخرين. فلينظر كل واحد
كيف يبني عليهِ. لا تكونوا معلمين كثيرين يا إخوتي عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم
(يعقوب 1:3). ويمكن أن تكون موهبة روحية لواحد ومع ذلك يُسيء استعمالها ويهدم
القديسين بدل ما يبنيهم كما صار في الكورنثيين. قد ظنَّ كثيرون في أيامنا أن
الخدمة الإنجيلية من الأمور الهينة وترى أن كل واحد منهم تقريبًا من الذكور والإناث
يظنُّ نفسهُ أهلاً لهذه الخدمة. ولكننا بذلك إنما نُعرّض أنفسنا لدينونة أعظم. إني
أقول: أن مَنْ شعر بحقيقة خدمة كلمة الله وبالمسئولية المختصة بها يتمنى إن أمكن
أن يستعفى عنها ولو كان الرب قد دعاهُ. يقول مع الرسول: ومَنْ هو كفؤٌ لهذه
الأمور، أو مع موسى: استمع أيُّها السيد، أرسل بيد مَنْ ترسل. فلا يتقدم للخدمة
إلاَّ مَنْ كان مدعوًّا من الرب دعوة حقيقية ومُنقادًا من الروح القدس. أَمَا
تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم؟ كان الهيكل القديم محلَّ مجد الله على
الأرض، فتدنس محلُّ مجدهِ والمجد فارقهُ انظر (حزقيال 4:10، 18؛ 22:11، 23) ثم لما
حضر المسيح صار جسدهُ محلَّ مجد الله (يوحنا 19:2) ثم بعد ارتفاعهِ إلى السماء
حلَّ الروح القدس على المؤمنين فصاروا بجمالهم محلَّ مجد الله على الأرض. هذا
وصفهم الوارد في كلمة الله. أَلا يليق بنا أن ننتبه إلى هذه الحقيقة؟ وننظر كيف
نتصرف في بيت الله؟ الأحسن بأن لا نبني شيئًا بتةً من أن نبني خشبًا وعشبًا وقشًا
وقودًا لنار الدينونة.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد قديم سفر إشعياء 37

 

إن
كان أحد يُفسد هيكل الله فسيُفسدهُ الله، لأن هيكل الله مقدَّس الذي أنتم هو.
فالمُشار إليهِ هنا هو عدو يقصد خراب الإيمان المسيحي. وكان أريوس وجميع الهراتقة
من هذا القبيل. كل مَنْ أنكر لاهوت المسيح أو عمل الفداء أو الوحي أو حقيقة أخرى
من الحقائق الأساسية هو عدو للمسيح ويقصد هدم الإيمان، فمثل هذا ليس هو على الأساس
ولا يُقال عنهُ: أنهُ يخلص ولو كما بنارٍ، فإن الله يدينهُ ويعمل معهُ كما قصد هو
أن يعمل مع هيكل الله. جميع الذين أبدعوا التعاليم الفاسدة هم أولاد إبليس، لا
يمكن لأحد من أولاد الله أن يخترع شيئًا من هذا القبيل غير أنهُ يمكن أن واحدًا
منهم ينخدع من إبليس ويتهور في الأرتقة إلى حين ولكنهُ لا يقدر أن يعيش ويموت
فيها.

 

18
لاَ يَخْدَعَنَّ أَحَدٌ نَفْسَهُ. إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَظُنُّ أَنَّهُ حَكِيمٌ
بَيْنَكُمْ فِي هذَا الدَّهْرِ، فَلْيَصِرْ جَاهِلاً لِكَيْ يَصِيرَ حَكِيمًا! 19
لأَنَّ حِكْمَةَ هذَا الْعَالَمِ هِيَ جَهَالَةٌ عِنْدَ اللهِ، لأَنَّهُ
مَكْتُوبٌ: «الآخِذُ الْحُكَمَاءَ بِمَكْرِهِمْ». 20 وَأَيْضًا:«الرَّبُّ يَعْلَمُ
أَفْكَارَ الْحُكَمَاءِ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ». 21 إِذًا لاَ يَفْتَخِرَنَّ أَحَدٌ
بِالنَّاسِ! فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَكُمْ: 22 أَبُولُسُ، أَمْ أَبُلُّوسُ، أَمْ
صَفَا، أَمِ الْعَالَمُ، أَمِ الْحَيَاةُ، أَمِ الْمَوْتُ، أَمِ الأَشْيَاءُ الْحَاضِرَةُ،
أَمِ الْمُسْتَقْبَِلَةُ. كُلُّ شَيْءٍ لَكُمْ. 23 وَأَمَّا أَنْتُمْ
فَلِلْمَسِيحِ، وَالْمَسِيحُ ِللهِ. (عدد 18-23). الحكمة الإنسانية قليلة الاعتبار
عند الله. غير إننا نميل إليها ونخدع أنفسنا بها بكل سهولةٍ. الله قد أخفى أمورهُ
عن الحكماء والفهماء وأعلنها للأطفال فإن وُجد فينا جانب من الحكمة الإنسانية
ينبغي أن نتخلى عنهُ لكي نحصل على ما أعلنهُ الله. يقتبس الرسول شهادتين من (أيوب
13:5؛ مزمور 11:94) على أن الله رافض حكمة الأُمم واليهود سويةً وإنما يتخذ الفرصة
منها ليأخذ الحكماء بمكرهم أي يحوّل تآمراتهم إلى خلاف مقصدهم تمامًا. المقاومة
لكلمة الله هي من العلماء دائمًا ولكنهُ يُجري أعمالهُ رغمًا عن مقاومتهم وكثيرًا
ما يستعملها لتتميم مقاصدهِ كما فعل حين قام عظماء هذا الدهر وصلبوا ربَّ المجد.
يعود الرسول يُخبرهم بغباوتهم الظاهرة في افتخارهم بالبشر وانتسابهم إلى خُدام
المسيح فإنهم للمسيح وقد صار كل شيء لنا فيهِ، لأنهُ من بعد ما انتصر على الموت
والقبر قال: قد دُفع إليَّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض. ثم صعد إلى أبيهِ
وأبينا وإلى إلههِ وإلهنا فصرنا منتسبين للآب والابن وأما من جهة الوسائط لبنياننا
كبولس أو أبلوس أو بطرس أو غيرهم فهُم آلات فقط في يد السيد يستعملهم لخدمتنا
قليلاً ثم يذهبون إلى طريقهم غير أن المسيح باقٍ معنا في كل حين وجميع الأشياء تحت
أمرهِ فيُحضر إلينا أحدًا من عبيدهِ إذا لزم أو يبنينا بدون واسطة بشرية، لأنهُ
يحبنا كجسدهِ ويقوتنا ويُربينا. والعالم لنا أيضًا كمشهد نمرُّ فيهِ حسب مشيئة
الله لمجدهِ وأما فيما بعد فنملك عليهِ مع المسيح والحياة والموت وجميع الأشياء هي
لنا الآن فيحوّلها إلهنا لخيرنا كأولادهِ المحبوبين، فإذًا لماذا لا نفتخر بالمسيح
ربنا وحدهُ؟ والمسيح لله، أي هو ابن الله الذي أتى إلى العالم ومات وفدانا بدمهِ
والذي جعلنا منتسبين لهُ ولأبيهِ. قابل مع (أصحاح30:1؛ ورومية 28:8-39).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي