الإصحَاحُ
الْحَادِي عَشَرَ

 

1
كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي كَمَا أَنَا أَيْضًا بِالْمَسِيحِ. 2 فَأَمْدَحُكُمْ
أَيُّهَا الإِخْوَةُ عَلَى أَنَّكُمْ تَذْكُرُونَنِي فِي كُلِّ شَيْءٍ،
وَتَحْفَظُونَ التَّعَالِيمَ كَمَا سَلَّمْتُهَا إِلَيْكُمْ. (عدد 1،2). الكلام المتضمن
في العدد الأول يلحق الموضوع الأخير في شأن تجنُّب أسباب العثرة وإرضاء الآخرين
لخيرهم. كان بولس يقتدي بالمسيح إلى هذا المقدار حتى صح لهُ بالوحي أن يُخاطب
القديسين أن يتمثلوا بهِ ولكن ليس بقطع نظرهم عن المسيح نفسهِ، لأنهُ يقول: كما
أنا أيضًا بالمسيح، فيفرض أنهم عارفون كيف سلك الرب وهو هنا ومن ثَم استطاعوا أن
يقابلوا سلوك الرسول مع سلوك السيد. لم يكونوا قد نسوا الرسول مع أنهم انتفخوا
وابتعدوا عن قدوتهِ كثيرًا، واستمرُّوا أيضًا يحافظون على التعاليم أي الإرشادات
الشفاهية التي أعطاهم وهو حاضر عندهم. وكانت هذه من جهة بعض تصرُّفاتهم في ما يجب
عليهم كمسيحيين كاجتماعهم في موضع واحد لكسر الخبز كل يوم الأحد إلى خلافهِ من
العوائد المسيحية التي نعرفها نحن بدون تعليم خصوصي، لأننا وُلدنا في دائرة
الإيمان المسيحي وتعلمنا أمورًا كثيرة من حداثتنا، وأما أولئك فكانوا في الأول
يهودًا ووثنيين واحتاجوا أن يتعلموا كل شيء من تعلُّقات الإيمان من فم الرسول
بولس. فيمدحهم على كل ما يمكنهُ أن يمدحهم قبل ما يتقدم إلى ذكر الأشياء التي
كانوا مُقصرين فيها. وقد رأينا أنهُ سلك هذا المسلك نفسهُ في (أصحاح1) في شأن وجود
المواهب بينهم قبل أن يذكر سوء تصرُّفهم فيها.

 

3
وَلكِنْ أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَأْسَ كُلِّ رَجُل هُوَ الْمَسِيحُ،
وَأَمَّا رَأْسُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ الرَّجُلُ، وَرَأْسُ الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ. 4
كُلُّ رَجُل يُصَلِّي أَوْ يَتَنَبَّأُ وَلَهُ عَلَى رَأْسِهِ شَيْءٌ، يَشِينُ رَأْسَهُ.
5 وَأَمَّا كُلُّ امْرَأَةٍ تُصَلِّي أَوْ تَتَنَبَّأُ وَرَأْسُهَا غَيْرُ
مُغُطَّى، فَتَشِينُ رَأْسَهَا، لأَنَّهَا وَالْمَحْلُوقَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ
بِعَيْنِهِ. 6 إِذِ الْمَرْأَةُ، إِنْ كَانَتْ لاَ تَتَغَطَّى، فَلْيُقَصَّ
شَعَرُهَا. وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا بِالْمَرْأَةِ أَنْ تُقَصَّ أَوْ تُحْلَقَ،
فَلْتَتَغَطَّ. 7 فَإِنَّ الرَّجُلَ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ
لِكَوْنِهِ صُورَةَ اللهِ وَمَجْدَهُ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَهِيَ مَجْدُ
الرَّجُلِ. 8 لأَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِنَ الْمَرْأَةِ، بَلِ الْمَرْأَةُ مِنَ
الرَّجُلِ. 9 وَلأَنَّ الرَّجُلَ لَمْ يُخْلَقْ مِنْ أَجْلِ الْمَرْأَةِ، بَلِ
الْمَرْأَةُ مِنْ أَجْلِ الرَّجُلِ. (عدد 3-9). يتضح أنهُ كان قد حصل من النساء
المؤمنات بعض أشياء غير لائقة إذ حضرن الاجتماع الجهاري مكشوفات الرأس. المُحتمل
أنهم ما سألوا الرسول عن هذه المسألة، بل بلغهُ خبرها بطريق آخر، فأخذ يصلح الأمر
القبيح، ولكن بغاية اللطف وفحوى كلامهِ هو هذا:

 

أولاً-
أن الله المطلق السلطان قد فوّض للبشر سلطانًا للحكم والرياسة. لا يخفى أن المسيح
نفسهُ هو الوسيط الوحيد بين الله وبين الإنسان ومن ثَم هو المصدر الحقيقي للسلطان
السياسي لنا، على أنهُ استمدَّ كإنسان السلطان من الله ولا يزال يُحافظ على مقامهِ
كوسيط قد توكل وكالة من قِبَل الله.

 

ثانيًا-
الرجل هو إناء الحكم المفوَّض للبشر بحسب ترتيب الله، فيُقال لهُ: صورة الله
باعتبار مقامهِ السياسي ولا يزال هذا المقام لهُ وإن كان قد سقط وابتعد عن خالقهِ.
ولا يقول الرسول عن المرأة: أنها صورة الرجل؛ لأن ليس لها مقام سياسي بتةً. ويقول
أيضًا عن الرجل: أنهُ مجد الله، ومعناهُ أنهُ يمكن لهُ أن يُظهر بعض صفات الله
بتصرُّفهِ كما يليق بمقامهِ إذ يخضع لله من الجهة الواحدة ويستمدُّ منهُ السلطان
والقدرة على العمل ومن الجهة الأخرى يترأس على المرأة وعلى الحيوانات والأرض نفسها
التي أخضعها الله لهُ. يقول عن المرأة: أنها مجد الرجل، بحيث أنها تخضع لهُ
وبتصرُّفها اللائق تجعل بعض صفات الرجل ظاهرة أكثر، ولكنها لا تستمدُّ سلطانًا منهُ؛
لأنها ليست إناء السياسة.

 

ثالثًا-
الرجل لا يُغطي رأسهُ عندما يقترب إلى الله بالصلاة أو يُكلِّم الآخرين باسمهِ؛
لأن الله قلَّدهُ السلطان وجعلهُ إناء لهُ نظرًا للآخرين، فلا يليق بهِ أن يُغطي
رأسهُ؛ لأن غطاء الرأس علامة الخضوع فقط ولا يوافق وجود سلطان سياسي في الرجل الذي
يترأس على المرأة وعلى غيرها من مخلوقات الله بموجب ما ترتب لهُ. وأما المرأة فيجب
أن تُغطي رأسها باعتبار كونها خاضعة كل الخضوع. ومن ثَم التي تتغطَّ تشين رأسها،
يعني تُخالف نسبتها للرجل وكأنها اختلست مقامهُ السياسي. وهذا من الأمور القبيحة.

 

رابعًا-
الله خلق المرأة من أجل الرجل وبذلك أظهر إرادتهُ أنها تكون في محلها كمُعينة لهُ
ولا تترأس عليهِ. ليلاحظ القارئ أن قول الرسول: كل امرأة تُصلي أو تتنبأ … إلخ. في
(العدد 5) لا يعني أنهُ يجوز للمرأة المؤمنة أن تُصلي بصوتها وتتكلم في اجتماع
المؤمنين، لأننا نرى فيما بعد أنهُ يأمر النساء بالسكوت في الكنيسة. ربما كان بعض
النساء في كورنثوس قد أخذن يفعلن ذلك، ولكنهُ لم يكن من اللائقة.

 

لِهذَا
يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ لَهَا سُلْطَانٌ عَلَى رَأْسِهَا، مِنْ
أَجْلِ الْمَلاَئِكَةِ. 11 غَيْرَ أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِنْ دُونِ الْمَرْأَةِ،
وَلاَ الْمَرْأَةُ مِنْ دُونِ الرَّجُلِ فِي الرَّبِّ. 12 لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ
الْمَرْأَةَ هِيَ مِنَ الرَّجُلِ، هكَذَا الرَّجُلُ أَيْضًا هُوَ بِالْمَرْأَةِ.
وَلكِنَّ جَمِيعَ الأَشْيَاءِ هِيَ مِنَ اللهِ. (عدد 10-12). سلطان على رأسها، أي
الغطا الذي هو علامة السلطان، يعني أنهُ يوجد سلطان فوقها وهي تخضع لهُ. من أجل
الملائكة، يعني ملائكة الله يطلعون على اجتماعات القديسين ويتعلمون بها ترتيب الله
وحكمتهُ المتنوعة انظر (أصحاح9:4؛ أفسس 10:3، 21). ومن ثَم إذا حصل بيننا شيءٌ
يُخالف ترتيب الله يهين اسمهُ ويظهر كأن الروح القدس يقودنا إلى مخالفة ما قد ترتب
مرة كقانون مطلق لإرشاد الإنسان. نرى:

 

أولاً-
أن الله لم يترك النسبة الأصلية التي وضعها بين الرجل والمرأة.

 

وثانيًا-
عندما يصلح تقصير القديسين حتى في الأمور الصغرى حسب الظاهر يُذكرهم ببعض الحقائق
العليا كما هو الحال هنا حيث يُراجع أصل خليقة الإنسان لكي يثبت بهِ وجوب تغطية
رؤوس النساء المؤمنات حين حضورهنَّ في الاجتماعات الكنائسية. انظر أيضًا الأصحاح
السادس حيث أراد أن ينهيهم عن إقامة دعاوي أمام المجالس العالمية، فإنهُ يُذكرهم
أن القديسين سيدينون العالم وملائكة أيضًا. فإذًا لا يوجد شيءٌ من ترتيبات الله
قليل الأهمية.

 

ثم ما
أجمل قول الرسول في آخر هذا الفصل! حيث يستنتج نتيجة أخرى من جهة نسبة الرجل
والمرأة، إن الرجال والنساء ليسوا مستغنين بعضهم عن البعض في الرب؛ لأنهُ اشتراهم
جميعًا بدمهِ وينبغي أنهم يكونون جميعهم خاضعين كل الخضوع لهُ كسيدهم. فإذًا إن
كان متوجبًا على النساء بالطاعة الكاملة فلا ينتج أن للرجال سلطانًا مطلقًا
عليهنَّ ليعملوا كما يشاءون؛ لأن المسيح هو سيد عليهم ليُطالبهم في ممارستهم هذه
الوظيفة. قابل ذلك مع ما قالهُ للأسياد المسيحيين في شأن معاملتهم عبيدهم (أفسس
9:6). الإنسان الساقط قاسي القلب ويودُّ السلطان المطلق على غيرهِ ولو كان على
امرأة ضعيفة حتى يفعل كما يشاء بدون خوف الله، ولكن كلمة الله تضعنا جميعًا تحت
سلطان المسيح الرب وتوجب علينا الطاعة الكاملة في كل الأمور. ولكن جميع الأشياء هي
من الله، يعني أنهُ وضعها ورتبها كما شاء فيجب أن نتصرف باعتبار مشيئتهِ.

 

13
احْكُمُوا فِي أَنْفُسِكُمْ: هَلْ يَلِيقُ بِالْمَرْأَةِ أَنْ تُصَلِّيَ إِلَى
اللهِ وَهِيَ غَيْرُ مُغَطَّاةٍ؟ 14 أَمْ لَيْسَتِ الطَّبِيعَةُ نَفْسُهَا
تُعَلِّمُكُمْ أَنَّ الرَّجُلَ إِنْ كَانَ يُرْخِي شَعْرَهُ فَهُوَ عَيْبٌ لَهُ؟
15 وَأَمَّا الْمَرْأَةُ إِنْ كَانَتْ تُرْخِي شَعْرَهَا فَهُوَ مَجْدٌ لَهَا،
لأَنَّ الشَّعْرَ قَدْ أُعْطِيَ لَهَا عِوَضَ بُرْقُعٍ. 16 وَلكِنْ إِنْ كَانَ
أَحَدٌ يُظْهِرُ أَنَّهُ يُحِبُّ الْخِصَامَ، فَلَيْسَ لَنَا نَحْنُ عَادَةٌ
مِثْلُ هذِهِ، وَلاَ لِكَنَائِسِ اللهِ. (عدد 13-16). يتضح من كلام الرسول هنا أن
البعض في كنيسة كورنثوس ذهب إلى العادة القبيحة المذكورة سابقًا وتعصب فيها،
فتنازل الرسول ودلَّهم على شيء واضح ومعلوم أن الشعر المرخي عيب للرجل ومجد أو زينة
للمرأة؛ لأن الله أعطاها إياهُ كبرقع لائق بها دائمًا في كل موضع. لاحظ أن شعرها
المرخي كبرقع هنا ليس غطاء رأسها المأمور بهِ سابقًا، لأن الغطاء لازم مع الشعر
المرخي. فإنما يشير إلى عوائد الناس عمومًا من جهة إرخاء شعور النساء، لكي يُبكتهم
على ما كان جاريًا عندهم في كنيسة الله. ويفرض وجود مَنْ يتعصب بعد ويحاول أن يرفض
أمر الرسول بإصلاح العادة فيبكم مقاومًا كهذا بقولهِ: فليس لنا نحن أي الرسل عادة
مثل هذه ولا لكنائس الله، يعني أن الرسل المفوَّض لهم تأسيس الكنيسة وترتيبها لم
يسمحوا للمؤمنات أن يحضرن الاجتماعات مكشوفات الرأس.

 

17
وَلكِنَّنِي إِذْ أُوصِي بِهذَا، لَسْتُ أَمْدَحُ كَوْنَكُمْ تَجْتَمِعُونَ لَيْسَ
لِلأَفْضَلِ، بَلْ لِلأَرْدَإِ. 18 لأَنِّي أَوَّلاً حِينَ تَجْتَمِعُونَ فِي
الْكَنِيسَةِ، أَسْمَعُ أَنَّ بَيْنَكُمُ انْشِقَاقَاتٍ، وَأُصَدِّقُ بَعْضَ
التَّصْدِيقِ. 19 لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَكُمْ بِدَعٌ أَيْضًا،
لِيَكُونَ الْمُزَكَّوْنَ ظَاهِرِينَ بَيْنَكُمْ. (عدد 17-19). كان قد مدحهم في
بعض أشياء وصلح تقصيراتهم في أشياء أخرى، وأما في الموضوع الذي هو مزمع أن يتكلم
عنهُ فلم يقدر أن يمدحهم أقلَّ مدح. وبقولهِ: إذ أُوصي بهذا، يُشير إلى ما هو مزمع
أن يأمرهم من جهتهِ في الفصل القادم من هذا الإصحاح. نعم استمرُّوا على الاجتماع
معًا بموجب إرشاد الرسول، ولكن اجتماعاتهم لم تكن للبنيان، بل للهدم وزيادة
التشويش. ظهرت انشقاقات بينهم حتى عند اجتماعهم للعبادة. سبق فوبخهم في الأصحاح
الأول على خصوماتهم الناشئة من غيرتهم الغبية على خُدام المسيح وأما انقسامهم
الظاهر في اجتماعاتهم فنشأ غالبًا من اختلاف أحوال الأغنياء والفقراء ومن ثَم حصلت
مُحاسدات وأعمال لا تناسب حضورهم كجماعة خطاة مفديين عند مائدة الرب. الرسول لا يقول
بأي واسطة بلغهُ الخبر عن سوء تصرُّفهم هذا على أنهُ سمعهُ وكان يُصدقهُ بعض
التصديق، أي أنهُ كان يرجحهُ ليس من وثوقهِ في الذين أخبروهُ بهِ فقط، بل أيضًا من
معرفتهِ أحوال المؤمنين في كورنثوس على وجه العموم. كقولهِ: لأنهُ لا بد أن يكون
بينكم بدع أيضًا، ومعنى بدع هو آراء بشرية في أمور الله. فيرتئي واحد مثلاً
ويُشدّد في رأيهِ في أمرٍ ما ويجعل لهُ أهمية عظيمة ويُحاول أن يُحزب آخرين معهُ
بكل الوسائط التي في طاقة يدهِ وربما يُقاومهُ واحد آخر بروح الانشقاق فيكبر الخرق
وتبتعد أفكار الجميع عن كلام الله والخضوع لهُ. عرف الرسول رغبتهم في العلوم
الفلسفية وميلهم الشديد للافتخار والارتفاع ومن ثَم استطاع أن يُصدق حصول البدع
بينهم، وقال: لا بد من ذلك باعتبار حالتهم المعروفة. وقال أيضًا: أن هذا مما يجعل
المُزكين ظاهرين، فالمُزكون هم الثابتون الراسخون في ظروف كهذه الذين يخضعون لله
ولا يُشددون لا لآرائهم ولا لآراء غيرهم. فالبدع إنما تنشأ من الإرادات العاصية
والثقة الذاتية وكثيرًا ما تظهر بين القديسين وتُكدرهم جميعًا.

 

يجب
أن نُترجم قولهُ: حين تجتمعون في الكنيسة في (العدد 18)، حين تجتمعون في اجتماع أو
ككنيسة انظر حاشية الإنجيل المشوهد.

 

فَحِينَ
تَجْتَمِعُونَ مَعًا لَيْسَ هُوَ لأَكْلِ عَشَاءِ الرَّبِّ. 21 لأَنَّ كُلَّ
وَاحِدٍ يَسْبِقُ فَيَأْخُذُ عَشَاءَ نَفْسِهِ فِي الأَكْلِ، فَالْوَاحِدُ يَجُوعُ
وَالآخَرُ يَسْكَرُ. 22 أَفَلَيْسَ لَكُمْ بُيُوتٌ لِتَأْكُلُوا فِيهَا
وَتَشْرَبُوا؟ أَمْ تَسْتَهِينُونَ بِكَنِيسَةِ اللهِ وَتُخْجِلُونَ الَّذِينَ
لَيْسَ لَهُمْ؟ مَاذَا أَقُولُ لَكُمْ؟ أَأَمْدَحُكُمْ عَلَى هذَا؟ لَسْتُ
أَمْدَحُكُمْ! (عدد 20-22).

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ع عوتاي 1

 

لا
يخفى أنهُ جرت العادة في الأول بين المسيحيين أن يجتمعون للعبادة مساء وبدل أن
يتعشوا في بيوتهم أحضروا طعامهم معهم إلى موضع الاجتماع، لكي يتعشوا معًا دلالة
على المحبة والألفة ثم يشتركوا في العبادة المقترنة مع ممارسة العشاء الرباني. ولم
يكن مانع لذلك ما داموا يجرونهُ بالبساطة والتواضع والمحبة الأخوية، وأما
الكورنثيين فأساءوا استعمالهُ إلى هذا المقدار حتى امتنع الرسول عن أن يقول: أن
اجتماعهم كان لأكل عشاء الرب. لم يشأ الوحي أن يُسميهُ ممارسة هذا الطقس
المُقدَّس؛ لأن الإخوة الأغنياء أحضروا مواكيل فاخرة وولموا وليمة ولم يُظهروا
أقلَّ مودة لأخوتهم الفقراء، بل تقدموا كل واحد وأكل عشاء نفسهِ. وكان الفقير يجوع
والغني يسكر. فوبخهم الرسول على ذلك وأمرهم بأن يأكلوا ويشربوا في بيوتهم وبذلك
ألغى عادة المسيحيين السابقة بتناولهم الطعام معًا عند اجتماعهم للعبادة. لم تكن
تلك العادة من ترتيب الرب وكانت من شأنها أن تُسبب إهانة لجماعة الله خصوصًا في
الأحوال التي امتازت بها كنيسة الكورنثيين. وتُخجلون الذين ليس لهم، يعني الإخوة
الفقراء الذين لم يستطيعوا أن يُحضروا طعامًا. فالرسول أصاب بامتناعهِ عن مدحهم
على اجتماع كهذا؛ لأنهم كانوا قد فقدوا عشاء الرب تقريبًا بواسطة مُنادمة الإخوة
الأغنياء وحسد الفقراء وخجلهم. لا يمكن أن يصير سوء التصرُّف كهذا بين النصارى
الآن في ممارسة هذا الطقس الإلهي؛ لأنهم قد اعتادوا من الزمان القديم على الاحترام
الواجب إليهِ، وإن كانوا قد أدخلوا بعض خرافات وأضافوها إليهِ فلم يزالوا
يعتبرونهُ غاية الاعتبار وهم مصيبون في ذلك. وأما الكورنثيين فكانوا حديثين في
الإيمان مع كونهم خفاف الطباع أيضًا فذهبوا بسهولةٍ إلى ما أهان الرب وأغاظهُ.
والوحي بإصلاحهِ غلطهم قد أصلحنا نحن أيضًا أو بالحري حفظنا من العمل مثلهم إذ
أعطانا إرشادات وإنذارات في شأن العشاء الرباني وممارستهِ كما يجب أوضح مما ورد
لنا عنهُ في موضع آخر. وسوء تصرُّف كنيسة كورنثوس قدَّم لذلك الفرصة المناسبة.

 

23
لأَنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ الرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكُمْ أَيْضًا: إِنَّ الرَّبَّ
يَسُوعَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي أُسْلِمَ فِيهَا، أَخَذَ خُبْزًا 24 وَشَكَرَ
فَكَسَّرَ، وَقَالَ:«خُذُوا كُلُوا هذَا هُوَ جَسَدِي الْمَكْسُورُ لأَجْلِكُمُ.
اصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي». 25 كَذلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَمَا تَعَشَّوْا،
قَائِلاً: «هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي. اصْنَعُوا هذَا
كُلَّمَا شَرِبْتُمْ لِذِكْرِي». 26 فَإِنَّكُمْ كُلَّمَا أَكَلْتُمْ هذَا
الْخُبْزَ وَشَرِبْتُمْ هذِهِ الْكَأْسَ، تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ الرَّبِّ إِلَى
أَنْ يَجِيءَ. (عدد 23-26).

 

معلوم
أن بولس الرسول لم يكن من الذين كانوا مع الرب في الليلة التي أُسلم فيها حين رسم
لتلاميذهِ هذا الطقس أولاً، ولكنهُ يتضح أن الرسول بعد إيمانهِ ودعوتهِ أخذ من
الرب إعلانًا خصوصيًا من جهة العشاء الرباني وكان ذلك من الأمور الضرورية من حيثية
أهميتهِ. وقولهُ: لأنني تسلمت من الرب … إلخ. لا يفيد أن الرب ظهر لهُ، بل أنهُ
سلم هذا إلى عبهِ بولس بواسطة إعلان أو وحي. ويتضح أيضًا أن الرسول كان قد سلم هذا
الطقس إلى الكورنثيين كما تسلمهُ من الرب ورسمهُ لهم بحسب أصولهِ وأما بعد
انطلاقهِ فتغافلوا عنهُ وأخذوا يسيئون ممارستهُ كما قد رأينا. فاستغنم الفرصة
ليرجعهم إليهِ كما كان قد رتبهُ لهم في الأول ويُصرح لهم بعظم أهميتهِ في أفكار
الرب وإرشاداتهِ لقديسيهِ في سيرتهم من حيث أنهُ جعلهُ الغرض العظيم لاجتماعهم
ومركز عبادتهم وأساسها. كان الروح القدس قد حلَّ على الكورنثيين كما على المؤمنين
بيسوع الآخرين وظهرت فيهم المواهب الروحية بأنواعها وفازوا بالأفراح الروحية
والحرية المسيحية في الرب ومع ذلك توجب عليهم أن يجعلوا المقام الأول لهذا الطقس
البسيط الذي أُحضر إلى أفكارهم موت الرب الذي هو الأساس الوحيد لكل شيء صالح لنا
كمسيحيين. لا شك بأن تناول قليل من الخبز والخمر يظهر كشيء فارغ وحقير في أعين
العالم، ولكنهُ ليس هكذا لقلوب الذين عرفوا حالتهم كخطاة هالكين ثم فازوا بالخلاص
بواسطة موت الرب. ممارسة المواهب نافعة جدًا في محلها وقد أعطاها المسيح لبنيان
جسدهِ غير أنها ليست أساس إيماننا ولا واسطة فدائنا من الغضب. وكلما ظهرت بها قوة
إلهية تأتينا بتجربةٍ أن ننشغل ونلتهي فيها أو بالحري بأصحابها الآنية الخزفية
التي استحسن الله أن يستخدمهم لإفادتنا؛ لأنهُ يوجد فيها موضع للإنسان بحيث أنهُ
إن كانت القوة أو الحكمة من الله فلا يزال الإنسان إناءها. وأما ممارستنا العشاء
الرباني ببساطة حسب ترتيبهِ الأصلي فليس كذلك، فإنهُ يرجعنا إلى محبة المسيح
وصليبهِ ويُعظم شخص الرب ويضعنا نحن، بل يلاشينا في أعين أنفسنا. يمكن أن نستغني
في المواهب ونسيء استعمالها كالكورنثيين؛ لأنهُ ليس من الأمور الضرورية أن
التكلُّم بموجب موهبةٍ يؤثر في قلوب السامعين وضمائرهم، لأنهُ يمكن أن يلهي عقولهم
فقط وأما تذكُّر موت الرب فيُنبهنا روحيًّا ويفعل أعظم فعل في قلوبنا ولا يُبقي
موضعًا للبشر أمام أعيننا إن نعلم جيدًا أننا مديونون لمحبة المسيح لكل شيء. ومن
ثَم محبتهُ الفائقة تعظم لدى نظر إيماننا. فمن العلامات غير الحسنة فينا إن كنا لا
نشتاق إلى مائدة الرب. ويتضح من كلام الرب يسوع أنهُ انتظر أن تلاميذهُ المفديين
بآلامهِ ودمهِ يرغبون في ممارسة ما يُذكرهم بذلك، ولكنهُ لم يتركهُ لخاطرهم، بل
أوجبهُ عليهم كفرض إلى أن يجيء. المرجح مما ورد في (أعمال الرسل 42:2، 46) أن
المؤمنين تناولوا كل يوم في الأول وأما بعد ذلك فجرت العادة بإرشاد الرسل أنهم
يتناولون مرة واحدة فقط كل أسبوع، فاجتمعوا لذلك خصوصًا يوم الأحد. فلا يظنَّ
القارئ المسيحي أن ذلك يجعل الملل أو يُقلل اعتبارنا لمائدة الرب، فإنهُ يفعل فينا
خلاف ذلك تمامًا إن كنا من الذين يرغبون الطاعة للرب والنمو في الحياة المسيحية.

 

إن
الرب يسوع في الليلة التي أُسلم فيها أخذ خبزًا وشكر فكسَّر وقال: هذا هو جسدي
الذي لأجلكم. يجب أن نترك الألفاظ. خذوا كلوا، والمكسور، وتركها لا يخلُّ بالمعنى،
لأن الرسول اقتبس من كلمات الرب ما يكفي ليأتي بقلوبنا إلى تلك الحادثة العجيبة
التي كانت عتيدة أن تكمل غد الليلة المذكورة؛ لأن الرب تعشى أولاً مع تلاميذهِ
عشاء الفصح ثم أخذ خبزًا وشكر فكسَّر وناولهم إياهُ قائلاً: هذا هو جسدي الذي
لأجلكم. وأما في (لوقا 19:22) فيُقال: هذا هو جسدي الذي يُبذل عنكم. وفي (مَتَّى
26:26) خذوا كلوا هذا هو جسدي. وكذلك في (مرقس 22:14) غير أن اختلاف الألفاظ
الواردة في هذه المواضع لا يقدم ولا يؤخر في فهم الموضوع نفسهِ. لا شك أن الرب نطق
بها كلها في وقت العشاء وبعد ذلك روح الوحي أرشد كلاًّ من الذين كتبوا عنهُ ليقتبس
ما يُناسب قصدهُ وقت الكتابة. فهنا الرسول ينهض أفكار القديسين الكورنثيين
المتغافلين ويقرن عواطف قلوبنا بمحبة يسوع ويذكرهم بأنهُ قام مقام الفصح القديم.
قال الرب لإسرائيل: حين فرض عليهم حفظ الفصح المرة الأولى، وهكذا تأكلونهُ أحقاؤكم
مشدودة وأحذيتكم في أرجلكم وعصيكم في أيديكم، وتأكلونهُ بعجلةٍ هو فصح للرب، فإني
اجتاز في أرض مصر هذه الليلة وأضرب كل بكر في أرض مصر من الناس والبهائم، وأصنع
أحكامًا بكل آلهة المصريين. أنا الرب، ويكون لكم الدم علامة على البيوت التي أنتم
فيها. فأرى الدم وأعبر عنكم. فلا يكون عليكم ضربة للهلاك حين أضرب أرض مصر، ويكون
لكم هذا اليوم تذكارًا فتُعيدونهُ عيدًا للرب. في أجيالكم تُعيدونهُ فريضة أبدية.
هي ليلة تُحفظ للرب لإخراجهِ إياكم من أرض مصر. هذه الليلة هي للرب. تُحفظ من جميع
بني إسرائيل في أجيالهم (خروج 11:12-14، 42).

 

نرى:

 

أولاً-
أن الفصح كان رمزًا عظيمًا إلى المسيح ومن ثَم عظمة الله بظروفهِ وتعلُّقاتهِ إذ
جعل وقتهُ رأس الشهور وأول السنة لبني إسرائيل والليلة التي ذُبح فيها كانت عظيمة
عندهم وحفظوها حفظًا مُدققًا كفريضة أبدية.

 

ثانيًا-
دم الفصح خلصهم من ضربة سيف المُهلك المجتاز في كل أرض مصر، لكي يضرب كل بيت غير
مرشوش بالدم وأكلوهُ مُتأهبين للسفر؛ لأن الله لم يحفظهم من دينونة مصر فقط، بل
أخرجهم منها أيضًا بقصد أن يأتي بهم إلى كنعان ثم بعد سكناهم آمنين في أرض الموعد
أوجب عليهم أن يحفظوا الفصح تذكارًا للخلاص العظيم الذي كانوا قد فازوا بهِ مرة
واحدة. وهكذا نحن بحيث قد حصلنا على الفداء التام الأبدي بواسطة موت الرب. وفداؤنا
سلبي وإيجابي لأننا من الجهة الواحدة حُفظنا من دينونة العالم ومن الأخرى أُخرجنا
منهُ أيضًا وأُفرزنا لله كشعبهِ. وقد صرنا روحيًّا على حالتين فإننا باعتبار
إقامتنا في العالم بعد لا نزال في البرية راحلين إلى المجد، وأما من جهة نسبتنا
للمسيح وتمتُّعنا بامتيازاتنا الروحية، فنحن جالسون في السماويات فيهِ. ولكننا على
الحالتين نتذكر بالفداء كحادثة قد تمت إلى الأبد. فلا نتناول العشاء الرباني
كمنتظرين شيئًا بهِ في المستقبل، بل كفائزين ومتمتعين بالخلاص الكامل.

 

اصنعوا
هذا لذكري، نرى:

 

أولاً-
أن الرب قد أوجب علينا أن نصنع هذا، لأنهُ تكلم على سبيل الأمر ولم يتركنا على
اختيارنا أن نصنعهُ أو نمتنع عنهُ بحسب استحساننا.

 

ثانيًا-
نصنعهُ تذكارًا، يعني فيهِ نتذكر المسيح نفسهُ مع عملهِ لأجلنا. فإن وظيفة التذكرة
تختصُّ بالماضي لا بالحاضر ولا بالمستقبل. المسيح هو على حالة المجد الآن، والروح
القدس المعطى لنا يجعلنا متحققين بذلك ومتحدين معهُ حيث هو الآن ولكننا لا نذكر
ذلك كشيء ماضٍ ولا ننتظرهُ مستقبلاً، بل نتمتع بهِ الآن. وأما في العشاء الرباني
فمن أول واجباتنا أن نتذكر سيدنا وربنا وهو مائت لأجلنا. كإسرائيل راحلين مع الله
في القفر أو ساكنين كنعان بأمن نلتفت إلى ما مضى ونراجع آلام مخلصنا وسفك دمهِ
وتقدَّم الشكر على العناصر البسيطة التي وضعها هو تذكارًا لهُ وهو مكمل عمل الفداء
الذي أُكمل فلا حاجة لتكرارهِ أو لإضافة شيء إليهِ. حتى بعد وصولنا إلى المجد نطرح
أكاليلنا عند قدميهِ ونسجد لهُ كالذي ذُبح واشترانا بدمهِ (رؤيا 10:4؛ 9:5).

 

كذلك
الكأس أيضًا بعد ما تعشوا قائلاً: هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي اصنعوا هذا كلما
شربتم لذكري. يتضح:

 

أولاً-
أنهُ يجب أن نتناول من النوعين أي من الخبز والخمر أيضًا.

 

ثانيًا-
لا يوجد أساس للاستحالة، لأن الرب يقول عن الكأس: أنها العهد الجديد بدمهِ. نعلم
أنهُ قال عنها أيضًا: أنها دمهُ الذي للعهد الجديد (مَتَّى 28:26) كما أنهُ يُقال
عن الخبز: أنهُ جسدهُ ولكن قرائن الكلام تبرهن أنهُ تكلم على سبيل المجاز حيث أن
الخبز والكأس عبارة عن جسدهِ ودمهِ، وأما هنا فيُقال: هذه الكأس هي العهد الجديد
بدمهِ. فلو صحّ الزعم بالاستحالة لالتزمنا أن نجزم أن العهد الجديد هو دم الرب
بعينهِ. وهذا خلاف الحق ومنقوض من ذاتهِ. فقولهُ أن الكأس هي العهد الجديد بدمهِ
مجاز كقولهِ عنها: أنها دمهُ؛ لأن الخمر تذكرة لبداءة العهد الجديد كما أنهُ تذكرة
للدم الذي هو أساسهُ الوحيد. انظر أيضًا (عبرانيين أصحاح8، 11:9-14؛ 1:10-23؛
20:13) وشهادات أخرى كثيرة جدًّا التي توضح أن العهد الجديد قد تثبت بدم المسيح إذ
سُفك مرة واحدة قدام الله كفارة عن الخطايا. لا شك بوجود أوجه كثيرة لموت ابن
الله، كيف لا وهو أساس كل بركة للمفديين؟ نعم والواسطة الوحيدة لمصالحة الخليقة
نفسها مع خالقها. فبذل جسدهِ أو كَسْرهُ يُشير خصوصًا إلى تسليمهِ ذاتهُ إلى
الآلام من يد الله طاعة لهُ وحبًّا بنا وحملهِ خطايانا على سبيل النيابة، وأما
الدم فيقال عنهُ غالبًا: أنهُ سفك ورُشَّ فسفكهُ يُشير أيضًا إلى آلامهِ
الأفتدائية، ولكن باعتبار وضعهِ حياتهِ ذبيحة ورشُّهُ إلى فاعليتهِ في تطهيرنا
أمام الله. على أن الرسول لا يبحث هنا في موضوع الفوائد المتنوعة الناشئة من موت
المسيح إذ قصدهُ الأعظم أن يُنبه الكورنثيين على أهمية العشاء الرباني في ذاتهِ
ووجوب حفظهِ بغاية اللياقة والاحترام، وكلام الرب المُقتبس هنا يجمع جميع أوجه
موتهِ وفوائدهُ إذ يقول عن تناولهم الخبز: اصنعوا هذا لذكري وعن الكأس اصنعوا هذا
كلما شربتم لذكري. فالأهمية العظمى هي محبة الرب لنا إذ أسلم نفسهُ إلى الموت فداء
لنا ثم تناولنا يدلُّ على أننا قد آمنا بهِ ونطيع وصاياهُ كالذين قد اشتراهم
بدمهِ. وأما في ممارستنا هذا الطقس فلا يوجد عمل بعد تقديم الشكر إلاَّ التناول
فقط الذي يُقال لهُ: كسر الخبز والاشتراك؛ لأن الرغيف الذي نتناول منهُ هو مكسور
والخمر الذي نشرب منهُ قد أُهرق. فكسر الرغيف حرفيًّا وصبّ مقدار من الخمر في كأس
ليسا من الأفعال الرمزية. نحن نتناول من العناصر المُعدَّة لنا فالأهمية لعملنا
نحن إذ نشترك في الخبز المكسور والخمر المُهرق ولا يسأل عن عمل مَنْ أعدهما هكذا
لأننا نتذكر بموت الرب كحادثة قد تمت في الماضي ليس عن يدنا. المسيح تألم لأجلنا
وناب منا بنا أمام الله. ولكنهُ واضح أننا لم نُجرِ ذلك الحكم الخطير فيهِ لأن
الله هو الذي عمل ذلك إذ سحقهُ مرة بالحَزن والمسيح هو الذي سكب نفسهُ إلى الموت.
فنحن لا نفعل فعلاً إشارة إلى ذلك حاشا وكلا، غير أن كثيرين قد أوجبوا وجود قسيس
أو كاهن ليصنع بعض أعمال رسمية لا يمكن لغيرهِ أن يصنعها لتكريس العناصر على نوع
ما وقد تطرف البعض إلى هذا المقدار حتى زعموا أن الشخص المتوظف ملتزم بأن يطعن
الخبز إشارة إلى طعن جسد الرب ويهرق الخمر على نوع رسمي، وأما ذلك فبلا أساس
مطلقًا في كلام الله عدا كونهِ عملاً فظيعًا بذاتهِ. فليس لنا إلا أن نتناول من
العناصر البسيطة المعدَّة أمامنا لأن الله قد أكمل عملهُ في المسيح مرة واحدة،
وأعطانا بنعمتهِ أن نتمتع بهِ بغاية الشكر، والراحة، واليقين. لم يتألم المسيح إلا
مرة واحدة ولا يلزم أن يموت مرارًا كثيرة. لا يخفى أن الذين يتعلموا بعد قيمة موت
السيد، وكمال فوائدهِ يقبلون بسهولةٍ وجوب شخص رسمي لكي يناولهم. وآراء وخرافات
آخر لا أساس لها في كلمة الله. فبالحقيقية نحن جميعًا كهنة الله وعند العبادة
الجهارية نجتمع كرمز كهنة حول حبرنا الأعظم الذي يقودنا بروحهِ القدوس إلى السجود
لهُ وللآب بناء على عمل الفداء الذي تم وأُكمل إلى الأبد.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر الخروج ترجوم نيوفيتى لسفر الخروج 04

 

فإنكم
كلما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أن يجيء. تخبرون أي
تظهرون لأننا باستعمالنا العناصر نعمل عملاً يتعلق بالنظر والذوق. ليس المعنى أن
الناس غير المؤمنين حاضرون ونحن نخبرهم بموت الرب على هذا المنوال، غير أنهُ لا
مانع لحضورهم إن شاءوا، والرب قادر أن يفعل فيهم بما يشاهدون إذا شاء ولكن هذا ليس
مقصد كلامهِ لو اجتمعنا حول مائدة الرب وما نطقنا بكلمة واحدة إلا بكلام الشكر
الواجب فمجرد تناولنا يُظهر موت الرب، ويُنهض أفكارنا، ويرسم المسيح مصلوبًا قدام
أعين نفوسنا بطريقة فعالة مؤثرة. على إني لا أقول انهُ يليق بنا أن نقضي وقت
اجتماعنا صامتين؛ لأن الروح القدس حاضر ليملأ قلوبنا فرحًا وأفواهنا تسبيحًا وأن
قدر أحد أن يخاطب إخوتهُ فبالضرورة يكون موضوع كلامهِ مما يناسب مقصد اجتماعنا.
إلى أن يجيء. يتضح من هذا القول أن حفظ هذا الطقس مفروض علينا طول مدة غياب الرب.
فقد وضعنا بين حادثتين يعني موت الرب في الماضي، ومجيئهِ في المستقبل. فالأولى قد
تمت وجعلتنا في أمنٍ ونحن منتظرون الثانية. كان الرب في تلك الليلة مزمعًا أن
يفارق تلاميذهُ وسبق فوعدهم انهُ يأتي أيضًا ليأخذهم إلى نفسهِ حتى يكون هو يكونون
هم أيضًا، وهكذا تركهم على رجاء رجوعهِ إليهم وقرن هذا الرجاء المبارك مع العشاء
الرباني. بقصد انهُ يحفظ دائمًا حديثًا في قلوبهم، وأما العالم فرفض المسيح وفقدهُ
وما عاد رآهُ بعد تعليقهُ على خشبة العار، ولا يوجد الآن اقل علاقة بينهُ وبين
المسيح المرفوض، وأما نحن فنعرفهُ بالإيمان كمرفوض من العالم ومزمع أن يأتي عليهِ
كَدَيان وقد صرنا متحدين معهُ بواسطة الروح القدس المرسل إلينا من السماء مدة غياب
سيدنا لكي يمجدهُ وبأخذ مما لهُ ويخبرنا بهِ وهو الذي يُعلمنا أن نقول للرب يسوع
تعالَ، ومعرفتنا حقيقة مجيئهِ تنشط إيماننا وتُزيد شوقنا إلى شخصهِ العزيز وتحملنا
إلى الامتثال بأمرهِ اصنعوا هذا لذكري. ولنا الرجاء كل مرة نتناول أنها تكون
الأخيرة إذ يحضر الرب قبل الأحد القادم وبالحقيقة هذا الرجاء يفصلنا عن محبة
العالم ويجعلنا نعيش كرجال منتظرين سيدهم.

 

27
إِذًا أَيُّ مَنْ أَكَلَ هذَا الْخُبْزَ، أَوْ شَرِبَ كَأْسَ الرَّبِّ، بِدُونِ
اسْتِحْقَاق، يَكُونُ مُجْرِمًا فِي جَسَدِ الرَّبِّ وَدَمِهِ. (عدد 27). قد وصل
الرسول إلى الموضوع العملي يعني وجوب العشاء الرباني كما يليق بشأنهِ. سبق وأوضح
لهم مقامهُ العظيم في الكنيسة بحسب أفكار الرب وتعيينهِ، ومن ثم يستخرج بعض النتائج
العملية لإفادة القديسين المتغافلين إذًا أي من أكل الخ. يعني أي مسيحي لأنهُ
يتكلم عن المؤمنين الحقيقيين ولا يفرض هنا أن إنسانًا غير مؤمن يتناول مع أن ذلك
يصير بعض الأوقات. وقولهُ: بدون استحقاق يُشير إلى حالة المؤمن المشترك وكيفية
اشتراكهِ، وهو وصف للفعلين يأكل ويشرب لا للفاعل أو الذي يأكل ويشرب. يمكن لإنسان
مسيحي أن يأكل الخبز ويشرب الكأس بخفةٍ وهو على حالة غير مُرضية للرب كما صار
وقتئذٍ في كنيسة كورنثوس فيكون مجرمًا في جسد الرب ودمهِ أي يخطئ إلى الرب من جهة
عشائهِ المقدس ويجلب تأديبًا على نفسهِ. توجد خطايا آخر تجلب تأديبات علينا ولكن
الرسول يذكر هنا هذه الخطية الخصوصية لكي يُنبههم على وجوب تناولهم الخبز والكأس
باللياقة والاحترام.

 

28
وَلكِنْ لِيَمْتَحِنِ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ، وَهكَذَا يَأْكُلُ مِنَ الْخُبْزِ
وَيَشْرَبُ مِنَ الْكَأْسِ. (عدد 28). معنى ليمتحن ليفحص ويُدين نفسهُ. قد رأينا
انهُ مطلوب من جميع تلاميذ المسيح أن يتذكروا بموتهِ في كسر الخبز ولكنهُ لا يريد
أنهم يفعلون ذلك بخفةٍ أو بحالة مهينة لهُ فأوجب عليهم فحص أحوالهم والانتباه إلى
طرقهم لكي يميزوا كل ما لا يليق بالقداسة ويحكموا على أنفسهم ثم يأكلون. وقوله:
وهكذا يأكل لا يدعنا نمتنع عن الأكل زاعمين أننا لسنا على حالة مناسبة لهُ. إن
عملنا ذلك نكون قد شهدنا شهادة ردية جدًا على أنفسنا إذ اعترافنا بوجود خطايا
مغيظة فينا لا توافق اشتراكنا في مائدة الرب ولكن بامتناعنا عنها قلنا أننا نترك
مائدة الرب ونتمسك بما أغاظهُ ولا توجد حالة أردأ من ذلك. ومن أصرَّ على طريق كهذا
لابد أن يجلب دينونة على نفسهِ. نحن أولاد النور والله أعطانا كلمتهُ، وروحهُ
القدوس لكي يجعل نورهُ الطاهر السماوي يضئُ في داخل قلوبنا وضمائرنا فلا يجوز أن
نقول أننا نرفض النور ونسلك في الظلمة؛ لأن كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف
ذي حدين وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومميزة أفكار القلب
ونياتهِ. وليس خليقة غير ظاهرة قدامهُ بل كل شيء عريان ومكشوف لعيني ذلك الذي معهُ
أمرنا (عبرانيين 12:4، 13). وإن قال قائل: إذًا الأحسن بنا ان نقلل ممارستنا هذا
الطقس المقدس خوفًا من التأديبات فأقول: أن ذلك لا يصوننا من التأديب لأن الرب قد
رتبهُ لنا وأمرنا قائلاً اصنعوا هذا لذكري ولا مناص لنا إن كنا تلاميذهُ بالحق.
فإذا أهملناهُ وخالفنا وصيتهُ وأخطأنا إليهِ وإذا مارسناهُ فنحن ملتزمون بامتحان
أنفسنا دائمًا لكي نحافظ على ما يرضيهِ ليس وقت التناول فقط بل في كل يوم. وأما من
جهة مسئوليتنا بالقداسة فلا يفرق إن كنا نتناول كل يوم أحد بحسب الترتيب الأصلي أو
كل شهر مرة واحدة في السنة بحيث أننا من تلاميذ الرب وهو يراقب دائمًا ويؤدبنا لكي
نواظب على القداسة التي تليق ببيتهِ. فتقليل أوقات التناول لا يجعلهُ يتغاضى عنا.
فليس لنا إلا أن نمتحن أنفسنا وهكذا نأكل.

 

29
لأَنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ بِدُونِ اسْتِحْقَاق يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ
دَيْنُونَةً لِنَفْسِهِ، غَيْرَ مُمَيِّزٍ جَسَدَ الرَّبِّ. (عدد 29). اللفظة
المترجمة دينونة تعني حكمًا أو علة، وليس المقصد بها الدينونة الأبدية كأن من
أرتكب ذنبًا كهذا لا يمكن لهُ أن ينال المغفرة. معلوم أننا نرتكب خطايا كثيرة
ومنها الخطية المذكورة هنا ويمكننا أن ننال مغفرتها عند التوبة، والحكم على أنفسنا
قدام الله. غير مميز جسد الرب بعني أن المشترك بخفةٍ وحالتهُ سيئة لا يلتفت إلى
الرب نفسهِ كقولهِ: اصنعوا هذا لذكري. فإن العناصر البسيطة لا تحضر أمام نظر
إيمانهِ تلك الليلة التي أُسلم فيها الرب، ولا تنهض عواطف قلبهِ وتنعشها بذكر محبة
المسيح فمثل هذا بدل ما يجد بنيانًا عند مائدة الرب إنما يأكل ويشرب لضرر نفسهِ
فإن ما كان للبركة لهُ لو أستعملهُ كما يليق قد صار علة حكم عليهِ من قِبل الرب،
ونرى في ما يأتي ما هو كمهُ هذا وكيف يجريهِ.

 

الرَّبِّ.
30 مِنْ أَجْلِ هذَا فِيكُمْ كَثِيرُونَ ضُعَفَاءُ وَمَرْضَى، وَكَثِيرُونَ
يَرْقُدُونَ. (عدد 30). ونرى هنا منظرًا مُحزنًا جدًا إذ كانت يد الرب قد ظهرت
فيهم بتأديبات شديدة متنوعة، ومع ذلك لم ينتبهوا إليها ولا ميزوا أن هذه الحوادث
الخطيرة لم تحصل بالصدفة بل من قِبل الرب الذي أغاظوهُ بسوء عملهم، ويتضح جليًا أن
الرب لا ينعس ولا يسكت عن شر المنتسبين إليهِ وإن تغافلوا هم وابتعدوا عنهُ إلى
هذا المقدار حتى لا يستطيعون أن يميزوا ضاربهم. كان للرب شعب كثير في كورنثوس
ويظهر أن الجماعة كانت كثيرة العدد. كان الخبر بما أصاب كثيرين منهم قد بلغ الرسول
وعرف يقينًا أن سبب هذه النكبات ليس سوى إهانتهم مائدة الرب. سبق فوبخهم على زلات
أخرى ظهرت منهم، ولكنهُ لم يقل عنها: أن الرب قد بدأ بتأديبهم لأجلها. لا شك بأنها
تستحقُّ تأديبهُ في بعض الظروف وقد تأنى عليهم نظرًا إلى حداثتهم في الإيمان وعدم
وجود إرشادات صريحة عندهم. وأما من جهة العشاء الرباني، فكان الرسول قد سلمهُ لهم
كما تسلمهُ من الرب فلم يكن لهم أقلُّ عذر لسوء عملهم في ذلك؛ لأن الرب لا يضربنا
إن لم يُعلمنا وينذرنا أولاً، فإنهُ ليس بسيد قاسٍ يحصد حيث لم يزرع ويجمع حيث لم
يبذر. فكان قد ضرب كثيرين منهم بأمراض متنوعة أعدمتهم الصحة وأخذ كثيرين بالموت
تأديبًا لهم. لاحظ أن الوحي بقولهِ: يرقدون، يستعمل لفظة تعني موت القديسين؛ لأنهُ
لا يفرض هلاك مؤمن ولو مات بتأديب الرب.

 

31
لأَنَّنَا لَوْ كُنَّا حَكَمْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا لَمَا حُكِمَ عَلَيْنَا، 32
وَلكِنْ إِذْ قَدْ حُكِمَ عَلَيْنَا، نُؤَدَّبُ مِنَ الرَّبِّ لِكَيْ لاَ نُدَانَ
مَعَ الْعَالَمِ. (عدد 31، 32). لم يشاء الرسول أن يطيل الكلام على هذا الموضوع
الخطير المُحزن، فإنما أوضح لهم سبب الأمراض والميتات الحاصلة بينهم ثم أخذ يدلهم
وإيانا أيضًا على الطريق والذي بهِ نقدر أن نتخلص من تأديبات كهذه. لاحظ أنهُ يجعل
كلامهُ عامًّا هنا ويجمع نفسهُ مع القديسين إذ يقول: لأننا لو حكمنا على أنفسنا …
إلخ. لم يزل بولس نفسهُ في الجسد تحت التجارب فكان من الأمور الممكنة أنهُ يسقط في
ما يهين الرب ويجلب تأديبًا على نفسهِ ومن ثَم استعمل صيغة الجمع للمتكلم،
فالواسطة لحفظنا من التأديب هي بسيطة جدًّا أي الحكم على أنفسنا. إن كنا بنعمتهِ
نُداوم على ذلك فالرب لا يؤدبنا، فلا يظن القارئ المسيحي أن هذا من المواضيع
المُخيفة الغامضة العميقة التي لا تُفهم، لأنهُ ليس هكذا. السلوك المطلوب منا هو
السلوك المسيحي لا أكثر ولا أقلَّ من ذلك. والقانون الوحيد لهُ هو كلام الله كلهُ.
ولا يُخفى وجود درجات متفاوتة من النور فينا وكلما حظينا بنور أكثر ينبغي أن نسلك
بموجبهِ؛ لأن الله لا يمتحنا نورًا ويدعنا نتهاون بهِ. ويُعاملنا دائمًا بحسب هذا
القانون: إن مَنْ أُعطي كثيرًا يُطالب بكثير، ومَنْ أُعطي قليلاً يُطالب بقليل.
وفي معاملاتهِ السياسية لنا لا يتصرف كحاكم مُستبد متقلب، لأنهُ أعلن مشيئتهُ
الصالحة الكاملة المرضية من جهة سلوكنا كأولادهِ المحبوبين. وإن كنتم تدعون أبًا
الذي يحكم بغير محاباة حسب عمل كل واحد فسيروا زمان غربتكم بخوف عالمين أنكم
افتديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء،
بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح (بطرس الأولى 17:1-19). أيليق
بنا كمفديين أن نطلب رخصة لنسلك كأولاد هذا العالم؟ حاشا! ولكن إذ قد حُكم علينا
نؤدَّب من الرب، لكي لا ندان مع العالم. فالرب لا يديننا يوم الدينونة مع العالم
فلذلك يؤدبنا الآن، لكي يُنقينا ولا يدعنا نعيش في نفس الخطايا التي ستجلب القصاص
المؤبد على غير المؤمنين. الكتاب المقدس يُعلمنا صريحًا ضعف المؤمنين وإمكان
سقوطهم في الخطية، ولكنهُ لا يفرض أنهم يعيشون فيها. انظر (رومية 15:6-23). غاية
إظهار نعمة الله ولطفهِ هي إنقاذنا من الشرور التي سلكنا فيها قبلاً، وأما المؤمن
المغلوب من شهواتهِ في وقتٍ ما فينخدع من الغضب الآتي بواسطة النعمة زاعمًا أن
النعمة واسعة إلى هذا المقدار حتى أنهُ لا يهلك وإن عاش في ما يغيظ الرب كل يوم.
وهذا هو الغلط الذي وقع فيهِ الكورنثيون، فلم يلبث الرب أن يُفيقهم من خداع إبليس.
إذ أتاهم أولاً بتأديبات ثم بكلام الرسول ولا يزال يعمل معنا على هذا المنوال
نفسهِ إذا تغافلنا عما يليق بقداستهِ؛ لأن النعمة لا تناقض القداسة، بل تطلبها
وتحصلها أيضًا.

هل تبحث عن  م التاريخ مجامع الكنيسة مجامع مسكونية تاريخ المجامع 19

 

أخيرًا
أُقدِّم بعض ملاحظات على هذا الموضوع:

 

أولاً-
الرسول إنما يُشير هنا إلى تأديب الرب القديسين، لأجل سوء تصرُّفهم نحو مائدة
الرب، فإنهم كانوا قد أهانوا الرب إذ اشتركوا بخفةٍ غير مميزين حقيقة جسدهِ
فأدَّبهم في أجسادهم. معلوم أن أجساد المؤمنين ضعيفة وقابلة الأمراض نظير أجساد
غير المؤمنين، فلا يجوز أن نقول: كلما مرض إنسان مؤمن لقد أصابهُ المرض من
اشتراكهِ في العشاء الرباني بطريق مُغيظ للرب. على أني لا أرتاب بتةً بأن جانبًا
كبيرًا من ضعفات أولاد الله وأمراضهم يأتي عليهم تأديبًا خصوصيًّا، لأنهم ما ميزوا
جسد الرب كما يجب. وكثيرون يشعرون بذلك وإن لم يكونوا قد فهموهُ فهمًا جليًّا. ومن
ثَم نرى نوعًا من الخوف في قلوبهم من مائدة الرب ويظنُّون أن اشتراكهم فيها بدون
استحقاق يكون خطية كبيرة وهو هكذا بدون شك مع أنهُ يمكن أن يغفر كغيرهِ من خطايا
المؤمنين. وإذ سأل القارئ: كيف نقدر أن نعلم في مرضٍ ما أهو تأديبٌ أو لا؟ أقول:
أن المصاب بهِ غالبًا يكون متعبًا في أفكارهِ خصوصًا إذا كان مُنتبهًا ولا تكون
لهُ حرية روحية في نفسهِ، مع أنهُ من الأمور الممكنة أنهُ يكون قد انقاد وراء
شهوات أخرى وعمي إلى هذا المقدار حتى لا يقدر أن يُميز حالتهُ وإن بلغ إلى الموت،
فإنما يتوب عن خطاياهُ بجملتها ويعترف بها للرب قبل الممات، وأما في بعض الأوقات
فتكون يد التأديب ظاهرة بيننا على كثيرين حتى نلتزم أن ننتبه إليها ونقرنها مع سوء
تصرُّفنا كجماعة مُنتسبة إليهِ. كما صار في كورنثوس نفسها. على أنهُ كان من واجبات
الكنيسة دائمًا أن تُميز تأديبات سيدها وتعرفها وتستعمل الوسائط لإزالتها.

 

ثانيًا-
إن كنا نرى في وقتٍ ما أُناسًا من إخوتنا تحت التأديب ونتحقق ذلك كل التحقيق، لا
يجوز لنا أن نشمت بهم كأننا أفضل منهم؛ لأن قصد الرب أن يُنبهنا ويُذللنا جميعًا،
فيجب أولاً أن نفحص أنفسنا ثم إذا تكلمنا مع أخ مصاب نُخاطبهُ باللطف والتواضع
ناظرين إلى أنفسنا نعم وآخذين علينا أمام الرب المسئولية للحالة السيئة الحاصلة
بيننا. إذا رفعنا رؤوسنا مفتخرين ربما نعرض أنفسنا للتأديب. وقد رأينا كيف الرسول
بولس أشار بالاختصار إلى الحوادث المُكدرة بين إخوتهِ في كورنثوس ولم يشمت بهم ولا
أعابهم، ولا قال: أن الذين مرضوا وماتوا كانوا أذنب من الآخرين، بل أخذ حالاً
يتكلم بكلام عام مناسب لهُ ولهم ولنا أيضًا في ما يصوننا من تأديبات الرب أو
ينقذنا منها إن كانت قد لحقتنا. أظنُّ أن التأديب غالبًا يقع على الذين قد عرضوا
أنفسهم لهُ أكثر بسوء عملهم، غير أننا لا نقدر أن نجزم في جسامة الذنوب ودرجاتها
المتفاوتة عند حدوث تأديبات لشعب الله انظر (لوقا 1:13-5)؛ لأن الرب يُعاملنا ليس
باعتبار مسئوليتنا الشخصية فقط، بل باعتبار المسئولية الاجتماعية أيضًا وقصدهُ أن
يُنبهنا جميعًا ويجعلنا نشعر بأننا أغظناهُ وأحرمنا أنفسنا رضاهُ. لا يغلط في مَنْ
يضربهُ والمضروب لا يقدر أن يقول: أنهُ مظلوم ولو لم يتطرف كغيرهِ، لأنهُ لا بد أن
يرى في نفسهِ ما يستحقُّ التأديب على أنهُ يمكن أن الرب يوقع أخًا في التأديب
اليوم عبرةً للآخرين وإن لم يتوبوا يلحقهم غدًا بتأديب أشدَّ، فإذًا ينبغي أن تؤثر
فينا مشاهدة التأديب وتضعنا أمام الرب. أتظنون أن هؤلاء كانوا مذنبين أكثر من جميع
الناس الساكنين في أورشليم؟ كلاَّ أقول لكم: بل إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون.

 

ثالثًا-
توجد أنواع تأديب مختلفة، لأن لله معاملات سياسية مع الجميع إن كانوا من المشتركين
في العشاء أم لا. انظر سفر أيوب كلهُ خصوصًا (الإصحاحين 33، 36؛ يوحنا الأولى
16:5؛ يعقوب 14:5، 15). وشهادات أخرى كثيرة على أن الله لا يترك الإنسان المتمرد
يعيش كما يهوى فإنهُ لا يزال يُعطيهِ إنذارات وتنبيهات وتأديبات من شأنها أن تنهض
أفكارهُ وترجعهُ إلى الله، وأما نحن المنتسبون لهُ كأولادهِ فنبقى دائمًا تحت
معاملتهِ كأبينا التي نسميها تأديب الآب بحسب ما ورد لنا في (عبرانيين 4:13-11)؛
لأنهُ يُراقبنا دائمًا ويستعمل كل أمورنا لكسر إراداتنا المستعصية وتنقية عواطفنا
التائهة الردية، لكي نشترك في قداستهِ. فلا نقدر أن ننجو من هذه ولا نريد ذلك
لأنها برهان محبتهِ الأبوية. فيحينا ويريد خيرنا ويعرف أن يحصل فينا القداسة
القلبية بالنسبة إلى مقدار النور المُعطى لنا. لو تركنا لذواتنا لابتعدنا حالاً
عنهُ وتهورنا في أباطيل العالم، ولكنهُ لا يستطيع أن يتغاضى عنا. ولا يطلب منا
طلبة باهظة مستحيل علينا القيام بها، فإنهُ إنما ينتظر الثمر الواجب مما زرعهُ وهو
مداومتنا على الشركة معهُ بضمير صالح بحسب ما أنعم علينا بهِ. إذا تغافلنا وفقدنا
الضمير الصالح بطلت شركتنا وليست عندنا قدرة لتمجيدهِ. فيتأنى علينا مدة من الزمان
حسب مشيئتهِ وإن لم ننتبه إلى حالتنا ولم نميز من أين سقطنا وسبب سقوطنا لا بد أن
يتداخل هو ليصلحنا ويمكن أن نكون قد تقسينا إلى هذا المقدار حتى نلزمهُ بأن يعدمنا
الحياة. على أنهُ توجد أنواع تأديب عدا المرض والموت كما سبقت وقلت. الحاصل أننا
لسنا متروكين لنفعل حسب أهوائنا واستخفافنا بتأديب الرب أو جهالتنا إياهُ لا
يمنعهُ عن اتخاذ المعاملة اللازمة لتذليلنا، لأنهُ لم يترك الأرض بعد ونحن لسنا
أقوى منهُ حتى نُقاومهُ ونغلبهُ. إن كنا أولادًا فالآب يُعاملنا كبنين وأي ابن لا
يؤدبهُ أبوهُ، وإن كنا تلاميذ المسيح فهو ربنا ولا يزال يُعاملنا باعتبار نسبتنا
لهُ. آه ما أردأ هذه القلوب حتى أمكن أن يخامرها الفكر بأننا نقبل خلاص أنفسنا
مجانًا بدم المسيح ثم نعيش لذواتنا. فقد قرن تأديبهُ الخصوصي هنا مع مائدتهِ حيث
العناصر البسيطة تُذكرنا بأننا قد اشترينا بالدم فلسنا بعد لأنفسنا، بل للذي مات
لأجلنا وقام. نحن كمؤمنين بيسوع قد تبرَّرنا تبريرًا كاملاً مؤبدًا وبهذا المعنى
قد غُفرت خطايانا (يوحنا الأولى 12:2) ولكنهُ لا ينتج أننا نقدر أن نعيش في
الخطية. حاشا، وكلاَّ! لأن للرب سياسة مقدسة علينا ويمكن أن يمسك علينا خطايانا في
وقتٍ ما للتأديب ومع أنهُ ليس مزمعًا أن يديننا مع العالم فلا يدعنا نعيش مثل
العالم، لا بل عدم إجرائهِ الدينونة الأبدية هو عينهُ يوجبهُ بأن يديننا الآن.

 

إن
سأل القارئ: ماذا لأولاد الله الحقيقيين المتفرقين الآن، وهم على أحوال سيئة
ويتناولون العشاء الرباني على هيئاتهِ المختلفة في النظامات العديدة أَهُم تحت
مسئولية للرب؟ أقول: نعم، عليهم مسئولية كل واحد بحسب مقدار النور الموجود عندهُ
ولا شك عندي بأن الرب لا يزال يُعاملهم جميعًا معاملات تأديبية؛ لأنهُ مهما كثرت
الخرافات والطقوس البشرية عندهم لم يفقدوا المعرفة أن الخبز والكأس عبارة عن جسد الرب
ودمهِ. وأما أولاد إبليس الموجودون تحت اسم المسيح فينبغي أن نتركهم لحكم الرب في
وقتهِ، مع أنهم تحت المسئولية الزائدة؛ لأنهم قد اعترفوا بالمسيح. الرسول لا يتكلم
عن مثل هؤلاء هنا فإنهُ يفرض وقوع تأديبات على الذين هم للرب لكي لا يُدانوا مع
العالم فيما بعد.

 

33
إِذًا يَا إِخْوَتِي، حِينَ تَجْتَمِعُونَ لِلأَكْلِ، انْتَظِرُوا بَعْضُكُمْ
بَعْضًا. 34 إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَجُوعُ فَلْيَأْكُلْ فِي الْبَيْتِ، كَيْ لاَ
تَجْتَمِعُوا لِلدَّيْنُونَةِ. وَأَمَّا الأُمُورُ الْبَاقِيَةُ فَعِنْدَمَا
أَجِيءُ أُرَتِّبُهَا. (عدد 33، 34). فيأمرهم بأن ينتظروا بعضهم بعضًا عند
اجتماعهم لأكل العشاء الرباني يعني أنهم يكونون هادئين ساكتين ولا يستعجلوا للتكلم
كعادتهم وأن كل واحد يحبُّ أن يسمع صوت أخيهِ أكثر من صوتهِ هو. وسيورد على ذلك
كلامًا مفصلاً في (أصحاح14). ثُم يلغي بتةً عادتهم القديمة أن يحضروا مواكيل للأكل
الاعتيادي وأمرهم أن يأكلوا للجوع في بيوتهم لا في محل اجتماعهم للعبادة، وأما
الأمور الباقية التي قصد أن يرتبها عند مجيئهِ فلا نعلم ما هي تمامًا. المرجح عندي
أنها كانت من المسائل التأديبية من جهة الذين استمرُّوا على الافتخار والتحزُّب
والتصلُّف، فإنهُ لم يقدر أن يتكلم عن ذلك بالتفصيل إلى أن يحضر ويُميز أحوالهم
شخصيًّا. قابل مع رسالتهِ الثانية لهم (أصحاح10؛ 11؛ 12؛ 13). حيث يتضح وجود
كثيرين استمرُّوا على حالتهم السيئة ويهددهم بأنهُ يستعمل الجزم إن لم يتوبوا قبل
حضورهِ.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي