الإصحَاحُ
الرَّابعُ

 

يطلب أن يعدوه هو ورفاقه خداماً للمسيح. هو لا يبالي بأحكام البشر.
يعدهم بأنه يأتي إليهم.

36- بعد أن كان قد وبخهم على تحزّبهم لهذا ولذاك وكسر من افتخارهم
أخذ يبين لهم المقام الذي يشغله الرسل فقال (1) فليحسبنا الإنسان) الذي نبشره
(كخدام المسيح ووكلاء أسرار الله) فلا تضرب إذن عن اسم الرب وهو المسيح وتتخذ اسم
الخادم والوكيل فنحن خدام وكل ما يجنيه الخادم إنما هو لسيده. ونحن وكـلاء أسرار
الله نوزعها
كما ينبغي وعلى من يستحقها وكل ذلك من الله ولا يجوز لنا أن نفرط في توزيعها إذ
يترتب على الوكيل أن يكون أميناً ولذلك قال (2) (وإنما يطلب الآن هاهنا في الوكلاء أن يوجد كل منهم أميناً) لا يسلب ما
يختص بسيده ولا يختص بنفسه ما هو لسيده ولكن عليه أن يعتني بمال سيده اعتناء وكيل
لأخص صفاته الأمانة في ما يوزعه كلاماً كان أو أموالاً.

37- قال القديس يوحنا فم الذهب: لا أعلم
كيف دخل الفضول
ومآله المداخلة في البحث عن عيوب الآخرين وقد نهى عن ذلك المسيح لقوله لا
تدينوا لئلا تدانوا (متى 1:7) والفضول لا يجرّ لذة كسائر الخطايـا بل ألماً
وعذاباً فنرى القذى في عين الآخرين ولا ننتبه إلى الخشبة التي في عيننا، وهذا ما
كان جارياً بين أهل كورنتس إذ كانوا يحتقرون رجالاً أتقياء يحبهم الله وذلك لما
كانوا عليه من الجهالة ويكرمون آخرين مثقلين
بالرذائل لما كانوا يبدونه
من الفصاحة في الكلام وكانوا إذا جلسوا
واجتمعوا يتخاصمون بأن ذلك أفضل من هذا إلخ فأتى
بمثل نفسه موضحاً لهم أنه قل ما يعتبر حكمهم فيه وإن كانوا يفضلونه على سواه فقال
(3) (أما أنا فأقل شيء عندي أن يحكم فيّ منكم أو من يوم بشري) فإن ذلك دون شأني
ومقامي فلا أعبأ بذلك إن لم يعد شكّاً للآخرين وليس ذلك منكم بل: من يوم بشريّ، أي
من قضاء بشري وهذا ما يراد بقوله: من يوم بشري، ويسمى القضاء يوماً لأنه يتم في
أيام معينة ولذلك يقال: سوف يأتي يومك أي القضاء عليك، أما الذي يهمني فإنما هو
قضاء الرب ليس غيـر حتى إنـي لا أعتبر قضاء نفسي ذاتها ولذلك قال : ( بل أنا أيضاً
لا أحكم في نفسي) لأني ل أعرف هل لدي من الخطايا الخفية ما لم أتبرر منها (4) (
فإني لست أشعر بشيء فـي ضميري لكني لست مبرراً بذلك) أمام الله، لعله يرى في أعماق
قلبي من الخطايا ما لا أراه وعليه قول أيوب الصديق : وهبني سليماً فإني لا أعـرف
نفسي ( 21:9 ). ما ِأشد ذلك القضاء وما
أدق أحكامه. هذا ما يقوله الرسول ويصرح
به، أفلا يخجل المبتدعون الذين
يدّعون التبرر من جميع الخطايا بحكم الإيمان (فأما
الذي يحكم فهو الرب) الذي يستقصي خبايا ضميري بأكثر مما
أقدر عليه أنا.

38- قال (5) (إذن لا تحكموا البتة قبل الأوان) أي في الخطايا الخفية
لا الظاهرة المعروفة فإن كنت أنا لا أعرف نفسي ولا أحكم فيها فأني لكم أن تحكموا
في الآخرين، وذلك قبل الأوان فاصمتوا (إلى أن يأتي
يوم الرب) في ذلك اليوم الرهيب يوم القضاء الأخير فالرب إذ ذاك
هو (الذي
سينير خفايا الظلام ويوضح أفكار القلوب ) إذ لا تخفى عليه خافية ولا يحجبه ظلام
الليل ولا التستر فيه فإن عيني الرب تخترق أعماق
القلوب وتستوضح خفايا
القلوب، فما بال الزاني يستتر والبخيل يعتذر
فمتى آن الأوان تنفضح أفكار
البشر فانتظروا ولا تحكموا الآن (وحينئذ فكل أحد يكون مدحه من الله) ذلك المدح
الحقيقي لا المدح الكاذب الذي تبذلونه
لأولئك الذين تفتخرون بهم وأنتم تتقارعون بسببهم، والمدح
ذلك يكون لمن يعمل
خيراً ويسير سير الكرام المخلصين ليسوع المسيح وكل واحد ينال ما يستحقه. وكل مدح لا يكون من الله فهو باطل لأن
أحكام الناس باطلة إذ قد تعمي الشهوات قلوبهم فينطفئ سراج العقل ويحجب الظلام نور
الإيمان وهناك العثار وسوء المنقلب وصعوبة السير في طريق
الصلاح
فإن الشجرة في أول غرسها تنقلع سريعاً والبناء قبل أن يتركهن
يتهدم وشيكاً
وكذلك الشهوة قبل أن ترسخ في القلب تنقلع سريعاً ولكن متى رسخت وتأصلت فهنالك
البوار وشرارة الإصرار.

هل تبحث عن  م الإنسان خبرات فى الحياة نظرت إليه وأحببته ه

39- ثم قال (6) (وهذه الأمور أيها الإخوة ) التي ذكرتها من قبل: بأن
يقول كل واحد منكم أنا لبولس، وأنا لأبلوس أو أنـا لكيفا أو أنا لآخر من المعلمين
الذين تفتخرون بهم قد (نسبتها) بطريق التورية والرمز ( إلى نفسي وإلى أبلوس )
كأننا نحن أولئك الذين تفتخرون بهم مع أنه يوجد بالأحرى بينكم رسل كذبة يقلقونكم
أضربت عن ذكر
أسمائهم. ولم يذكر هنا اسم كيفا أي بطرس تعظيماً لشأنه كما أنه لم يذكره أيضاً من
قبل (ف3ع4) وقد نسبتها إلينا (تمثيلاً لكم لكي تتعلموا
فينا) نحن رسلكم (أن لا ينتفخ أحدكم على صاحبه من أجل أحد) فإن كان لا يصح أن تفتخروا بنا فبأولى حجة لا يصح أن
تفتخروا بالآخرين
وذلك (فوق ما كتب عليكم) كما قلت لكم من قبل: من افتخر
فليفتخر بالرب (31:1) فليس الافتخار بالرب من باب الكبرياء بل من باب التواضع أمام
الرب يمجّده المتواضع القلب.

40- بعد أن تكلم عن المرؤوسين وبخهم انتقل يؤاخذ الرؤساء أشد
المؤاخذة فقال (7) (من الذي يميزك يا هذا) مهما كنت معلماً أو رأساً؟ أعلمك أم
فصاحتك أم فضيلتك؟ ولكن (أي شيء لك لم تنله) سواء
أكان في نظام الطبيعة أم النعمة. ففيم تفضل غيرك هل جرى
الفحص عليك
والامتحان والتوفيق في التفتيش؟ هل قضى لك بذلك؟ فليس لك
أن
تدعى شيئاً من ذلك؛ هذا وعلى فرض أنك قد نلته وقد قضى لك به
العالم (فإن كنت
قد نلته ) فليس هو منك بل مـن آخر ( فلماذا نفتخر كأنك لم تنله) فبعد أن أذلهم أخذ يطعنهم بسيف التهكم فقال (8)
(إنكم
قد شبعتم بل قد استغنيتم. قد ملكتم بدوننا)
ولكن (يا ليتكم قد ملكتم
لنملك نحن أيضاً معكم) ما أشد هذا الكلام تأثيراً! وما أمرّ ما يجرّه إلى
القلوب من الخجل ولذلك لم يأت به إلا بعد
أن وبخهم أمرّ التوبيخ إذ يوعز
إليهم بقوله: قد ملكتم بدوننا: إنهم في
الحقيقة جهلاء ولا ضمير لهم وكأنه يقول لهم: نحن في الشغل والتعب سواسية أما في
المجازاة فأنتم أفضل منا. ولكني لا أتأسف ولذلك عفّ كلامه وقال (ويا ليتكم قد
ملكتم)، ولئلا يخيل أنه يتهكم عليهم قال ( لنملك نحن معكم ) لأننا نحن أيضاً قد
نلنا ما نلتم. ثم زاد في توبيخهم وقال ( 9 ) ( فإني أظن أن الله قد أبرزنا
نحن الرسل آخري الناس) لأننا لم نملك إلى الآن كما ملكتم وأنتم ممجدون. ولم يبرزنا فقط آخري الناس بل أبرزنا (كأننا
محعولون للموت) على
شكل المتسابقين
الذين يتصارعون للموت والشعب يشاهدنا ولا يضطرب
(لأننا قد صرنا مشهداً
للعالم والملائكة والبشر).

41- لقد صرنا مشهداً لا في زاوية من الأرض بل في كل مكان وعند جميع الشعوب ونحن نتألم ونحارب الفلاسفة
والهراطقة وعمدتنا
آلام الصليب، ولم نصر مشهداً للعالم فقط بل للملائكة
أيضاً لأن ما نباشره ونقاسيه من الأعمال يستحق أن تشاهده الملائكة والبشر جميعهم،
لأن محاربتنا ليست مع البشر فقط بل مع الأرواح أيضاً، ولذلك كان مشهدنا عظيماً. ثم
زاد في تخجيله إياهم فقال (10) (ونحن جهال من أجل المسيح) الذي دعانا رأساً (أما
أنتم) الذين أرضعناكم الحليب (فحكماء في المسيح) على ما يلوح لكم لا أعلى ما هي
عليه الحقيقة. (نحن ضعفاء) على ما يظهر
لكم ونحتمل الإهانة ولا ندافع ولا نكافئ الشر بالشر
(وأنتم
أقوياء) تدافعون
باليد واللسان. (وأنتم مكرمون) ترتعون في ظل أرغد
العيش والهناء (ونحن
مهانون) في عيون العالم الذي لا يرى إلا الظواهر. بل (11) (وإلى هذه الساعة) لا في
بدء البشارة وحدها بل بعد أن انتشرت
في العالم كله والمهتدون قادرون أن يدخروا لنا
كل ما نحتاج إليه من
لوازم المعاش (نحن نجوع) ورسلكم الكذبة يشبعون، (ونعطش) وهم يرتوون (ونعرى) وهم يرفلون في الحلل الفاخرة (ونلطم)
واللطم من أعظم
الإهانة
وهم يتمجدون (ولا قرار لنا) نطرد من بلد
إلى آخر ونضطهد وهم في
أرغد العيش والهناء. وفوق ذلك (نتعب عاملين بأيدينا) خياماً لئلا
نثقل على أحد منكم ولكي نكون مثالاً للمبشريـن الآخرين، وأنتم لا وصب ولا تعب
تتمتعون بخيرات الآخرين ولا تذكرون. فما نكابده إنما هـو من أسمى علامات البشارة
وأنتم لستم في شيء منها، فحتام تفتخرون.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ر رافا ا

42- ومع هذا كله لا درجتنا تنحط ولا منزلتنا تسقط بل نحن نفتخر بذلك،
ولذا عقب كلامه وقال (نشتم فنبارك) ونتلطف ملينين الشاتمين بكلام عذب (نضطهد
فنحتمل) فيحسبنا الناس جهالاً ومجانين وأخساء لا شأن لنا ولا مقام (13) ( يشنع
علينا فنتضرع ) من أجلهم إلى أن ( قد صرنا كأقذار العالم كـأوساخ يسخبثها الجميع
إلى الآن ) لا أولئك الذين يضطهدوننا بل أولئك الذين من أجلهم نحتمل كـل
ذلك. ثم لما رأى
أن الضربة مؤلمة والتوبيخ مرّ وشديد الوطأة داوى في
الحال جرح تلك الضربة فقال
(14) (وما أكتب هذا لأخجلكم وإنما أعظكم كأبنائي الأحباء). والأب إذا وبخ ابنه لا
يكون توبيخه أو إخجاله إياه
عن نية خبيثة بل عن قصد إصلاحه وحملاً له على أن يرعوى عمّا يرتكب من الخطأ،
ولذلك قال : ما كتبت هـذا لأخجلكم إنما أنا أعظكم كما يعظ الأب أبناءه الأعزاء فلا تؤاخذوني إن كنت أغلظت كلامي وأنا
أسميكم أبنائي والحق يقال (15) (لأنه ولو
كان لكم ربوة من المؤدبين)
في الإيمان الذي قبلتموه مـن قبل في المسيح (
ليس لكم آباء كثيرون ) بل أنا وحدي (لأني أنا ولدتكم في المسيح يسوع) ولم يقل
هديتكم بل
ولدتكم لأني أبوكم فحبي حب أب لا حب رسول أرسل ليثبتكم في الإيمان الذي
قبلتموه مني وأنتم فيه ثابتون. وقد ولدتكم لا على شكل ما يلدكم أو ولدكم الله أو
آباؤكم، بل ولدتكم (بالإنجيل) إذ كنت آلة في ميلاد الحياة الروحية فيكم (16)
(فأسألكم أن تقتدوا بي) اقتداء الأبناء الصالحين بأبيهم (كما أقتدي أنا بالمسيح).

43- اقتدوا بي ولا تقولوا: أنّي لنا أن نقتدي بك فأنت عالم وعظيم، فلا
تقولوا ذلك فليس الفرق بيني وبينكم بأعظم مما هو بيني وبين المسيح، ومع ذلك فأنا
اقتديت به. قد كتب إلى أهل أفسس وقال لهم: اقتدوا بالله: ( 1:5 ) وهنا يقول :
اقتدوا بي : ولا خلاف ولا تناقض، فإن أهل أفسس كانوا تقدموا في طريق الكمال الروحي
فلم يكونوا في احتياج إلى توسطه مثل أهل كورنتس، إذ لم يزالوا جسديين يتقارعون
ويتخاصمون فأقام نفسه وسيطاً بينهم وبين المسيح فقال: اقتدوا بي كما أقتدي بالمسيح
وهو الله. هذا ما أراده ولكن كيف اقتدى بولس بالمسيح فهنا محل نظر. فإن هذا
الاقتداء لا يحتاج إلى زمان ولا إلى صناعة بـل إلى عزم وإرادة. فالنفس من حيث هي
نفس هي واحدة في كل إنسان، وكذلك الجسد من
حيث هو جسد. أما العزم فيجرّ فرقاً بين نفس
ونفس،
وكذلك الأخطار التي يعانيها
الإنسان والأعمال تميز جسداً عن جسد
وتزيده شهرة. فمن ينظر إلى القديس بولس ولا
يندهش مما كان عليه من العزم الوطيد ومن الأخطار التي تعرض لها في البشارة
الإنجيلية اقتداء بالمسيح؟ فإلى ذلك العزم الشديد يدعونا أن نقتدي به. هذا ما كان
عليه وكان يرغب في أن يتوجه إليهم ليسقي ما كان قد غرس فيهم من ثمار البشارة ولم
يتسن له بعد أن وجه إليهم تيموتاوس فقال: (17) (ولذلك قد وجهت إليكم) قبل أن أكتب
إليكم هذه الرسالة تيموتاوس الذي هو ابن لي حبيب أمين في الرب وهو يذكركم لا
يعلمكم (بطرقي في المسيح يسوع) أي تعليمي وأخطاري وأخلاقي وشرائعي وسائر ما نباشره
من الأعمال وذلك (على ما أعلم في كل مكان
وفي كل كنيسة) لأن
تعاليمنا واحدة عامة تتناول جميع الناس وجميع الأمكنة
ولا فرق بين مـا نلقيه على اليهود والأمم.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس قاموس الكنيسة تذاكية ة

 44- ثم قال (18) (لقد انتفخ قوم) لما وجهت إليكم تيموتاوس (كأني لا آتيكم) تراه يلين كلامه في توجيهه إلى
الجمهور لقوله: ما
أكتب هذا
لأخجلكم؛ ولكن عندما يوجهه إلى أولئك المتفلسفة والرسل
الكذبة يُغلظه
ويخزيهم لقوله: (انتفخ قوم كأني لا آنيكم) منزلاً إياهم منزلة الصبيان إذا غاب المعلم فرحوا ومتى حضر لزموا
السكينة مبيناً أن
حضوره كان لإصلاحهم. ومتى حضر الأسد توارت جميع
الحيوانات، وهكذا متى حضر بولس ارتعدت فرائص أولئك الذين يقلقون الكنيسة ولذلك عقب
كلامه وقال (19) ( ولكني سآتيكم عن قريب إن شاء الرب ) هذا الكلام كلام متوعد إن
لم يعقبه العمل كان لا طائل تحته ولذلك عقبه وقال (فأعرف لا كلام المنتفخين بل
قوتهم) كيف ينتفخون وأنا غائب، ولذلك لما قال: ( وجهت تيموتاوس ) لم يقل في الحال
سآتيكم إلا بعد أن شكاهم في كونهم منتفخين لئلا يؤخذ كلامه مـأخـذ عذر لا مأخذ
مؤاخذه. ثم لئلا يفشلوا قال: عن قريب فأعرف لا حكمتهم لأنها باطلة ولا الآيات التي
يصنعونها فإنها عدم، بل (قوتهم) في شفاء الأمراض وصنع العجائب وإقامة الموتى (20)
(لأن ملكوت الله ليس بالكلام بل بالقوة) فإن كان أولئك رجالاً وعلماء كما يدعون
فليبينوا قوتهم عندما آتيكم ولا يعتمدوا علا زخرف الكلام فليس ذلك من شأننا ولا
قوة له ولا يهدي إنساناً إلى سواء السبيل.

45- والآن (21) ( ماذا تريدون ؟ أبالعصا يكون قدومي إليكم أم بالمحبة
وروح الوداعة؟) فكأنه يقول لهم: لي السلطان ولكني أخبركم ماذا تريدون، هوذا الأمر
موكول إليكم وإنجازه في يدي فإن أردتم العصا فيها أقدم إليكم أم المحبة فكذلك أقدم
بها، ولكني أكل أمر الاختيار إليكم. فعاقبة العصا القصاص وثمرة المحبة والوداعة
الخلاص، فإن أردتم
القصاص فجهنم مأواه أو الخلاص فالسماء
مستقره ومثواه، والأمر
موكول إليكم، وعليه قول أشعياء: إن شئتم وسمعتم فإنكم
تأكلون طيبات
الأرض (19:1) وجاء في ابن سيراخ : عرض لك النار والماء فتمـد
يـدك إلى ما شئت ( 17:15 ) فلا تقل والحالة هذه : أريد أريـد ولكن الإرادة لا
تكفيني. بل تكفيك إذا أردت كما ينبغي وعملت ما يتقاضاه المريد. فقل لي : من أراد
أن يتزوج هل يكفي أن يريد ولا يسعى ولا يخطب ولا يطلب العروس؟ وإذا جعت أو عطشت،
فهل يكفي أن تريد الطعام أو الشراب ولا تمد يدك إلى المائدة أو إلى الإبريق؟
والأمثلة على ذلك أكثر من أن تعد، فاسع واصنع ذلك في طلب الملكوت السماوي تنـل ما تسعى إليه فإن تقاعست فالعصا فإن الله قد
جعلك متصفاً متمتعاً
بحرية الاختيار لئلا تتشكى بأنه سبحانه يدفعك إلى
العمل بحكم الاضطرار والقدر فلا نماحك ولا نتفلسف فإن نسيت الله نسيك الله وأتاك
بالعصا. وإن تذكرت وعملت أتاك بالمحبة وروح الوادعة.

46- واعلم هنا أن الفضيلة ليست مستصعبة ولا بعيدة المتناول، فهي
مستصعبة إذا قابلناها مع ما نكون عليه من التقاعد والتناعس وإذا أبينا أن نقلع عن
الرذيلة، أما إذا تنشطنا وأقلعنا فهي سهلة وعذبة وهذا قول المخلص : نيري لين وحملي
خفيف ( متى 30:11 ) فإن لم تشعر بأن الحمل خفيف كان من البين أنك ضعيف النفس واهي
العزيمة وكان الخفيف لديك ثقيلاً، هذا وإذا نظرت إلى الرذيلة وما يحتاط بها من
الشوائب ووساوس الضمير وما تجرّه من الأمراض عرفت أن نيرها قاس وحملها ثقيل.
فانتبه إلى ذلك.

47- فانظر هنا إلى ما يبديه من الحكمة في انتقاله إلى موضوع آخر فلما
كان كلامه في بدء رسالته في الخصام الواقع بينهم لم يكن كلامه قاسياً فقال : قد
أخبرني أهل كلوة أن بينكم خصومـات إلـخ أما هنا فيغير لهجته ويوبخهم أمرّ التوبيخ
وهذا ما يبتدئ به.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي