الإصحَاحُ
الثَّامِنُ

 

الامتناع عن تناول ما يقدم للأوثان، متى كان في ذلك ما يسبب معثرة
للضعفاء. وجواب اقتران المعرفة بالمحبة.

67- قال (1) (وأما ذبائح الأوثان فنعرف أن لجميعنا علماً بها. العلم
ينفخ والمحبة تبني) لابد من الوقوف على ما حمله أن يكتب لهم عن ذلك : فقد كان
ذنبهم عظيماً معثراً لكثيرين، ومـآله أن الكـورنثيين لما علموا أن ما يدخل الفم لا
ينجس الإنسان بل ما يخرج من الفم وأن الوثن ليس شيئاً ولا يمكنه أن يضر ولا أن
ينفع كانوا يشتركون في ذبائح الأوثان ويأكلون منها من غير رويّة ولا تحفظ، وكان من
شأن ذلك الاشتراك عثاراً لكثيرين لا سيما
من الضعفاء في الإيمان إذ لم يزالوا
خائفين
من الأوثان فيشاركون
الوثنيين في ذبائحهم إخماداً لغضب الآلهة
والشياطين، وكانوا يزيدون تمسكاً بذلك، إذ يرون العلماء يجالسون
الوثنيين
ويشاركونهم في أكل الذبائح، وهذا ذنب عظيم فكتب لهم ينهاهم عن ذلك ويوبخهم بلطف
فقال (إن لجميعنا) ولي سلكم وحدكم أيها العلماء الكورنثيون-
علماً بذبائح الأوثان فلا تتفردوا بعلمكم ولكن (العلم
ينفخ) فلا تحسبوا
الورم شحماً وسمناً فهو بدون المحبة صلف وكبرياء أما (المحبة فتبني) وبدونها كل
بناء متزعزع الأركان سواء أكان ذلك في العالم الروحاني أم الجسماني وعليه (2) (فإن
كان أحد يظن) معتزاً بنفسه (أنه قد علم شيئاً) من أحوال هذا العالم فلا ينخدع
(فإنه لم يعلم بعد شيئاً كما ينبغي أن يعلمه) فلا ينتفخ إذن بعلمه أولاً لأن علمه
مشترك فيه آخرون فالذي يعلمه هو يعلمه أيضاً آخرون لقوله: إن لجميعنا لا لي أنا
وحدي علماً بها. ثانياً لأن علمه هذا ناقص غير كامل لأنه لا يعلم شيئاً كما ينبغي.
ثالثاً بل علمه مضر إن لم يكن مقروناً بالمحبة فيضر صاحبه إذ ينتفخ به على شكل
الأدرية ولا ينفع لأن الانتفاخ يفرّق وأما المحبة فتجمع وتهدي على طريق العلم.
وهذا يشير إليه إذ قال (3) (أما إن كان أحد يحب الله فهذا يعرفه الله) لأن الله
يعرف الذين يحبهم ولا يعرف الذين يبغضهم لقوله: إني لا أعرفكنّ (مت 12:25).

هل تبحث عن  مسابقات الكتاب المقدس مواهب ب

68 – من بعد أن كسر من كبريائهم وأبان أن العلم الـذي لهم لا يغنيهم
أخذ يعلمهم كيف ينبغي أن يتصرفوا فقال (4) (فمن جهة أكل ذبائح الأوثان نحن نعلم أن
الوثن ليس بشيء في العالم وأنه لا إله غير واحد ) فقد وقع هنا في محذور ضيق المخرج
لأنه يريد أن يثبت أمرين متخالفين لا يتوافران معاً وهما: تجنب الأكل من ذبائح
الأوثان والجلوس على مائدتهم ثم بيان أن الأكل من ذبائحهم لا يضر أولئك الذين
يشاركونهم فيها. على أنه لما تعلموا أن تلك الذبائح لا تجرّ ضرراً لأن الوثن ليس
بشيء كان الإقبال إليها سواء لا ضرر فيه، ولكن متى منعوا عن الاشتراك فيها يخيل
إليهم أنهم إنما منعوا ونهوا عنها لأن لها قوة في أن تجر ضرراً، ولذلك جعل السبب
الأول في مجانبة مائدة الأوثان عثار الإخوة، وذلك بعد أن بين لهم أن الوثن ليس
بشيء (5) ( وأنه وإن وُجد ما يقال له آلهة
في السماء أو على الأرض وقد وجد كذلك
آلهة كثيرون وأرباب كثيرون ) وذلك في
اعتقادهم الباطل ( 6 ) ( لكن لنا إله واحد الآب الذي منه كل شيء) لأنه العلة
الأولى (ونحن إليه) راجعون (ورب واحد يسوع
المسيح الذي به كل شيء ونحن به)
كائنون. ثم انتقل قبل أن يذكر السبب يبين
لهم أن الجميع ليسوا متساوين علماً فيما يقوله لهم فقال (7) (ولكن ليس العلم في
جميع الناس) بحيث يعرفون أن يتدربوا في تهذيب أخلاقهم ومجانبة ما لا يصلح (بل إن
قوماً) إلى الآن ( مع اعتقاد الضمير حتى الآن بأن الوثن شيء يـأكلون الذبيحة بحسب
ما هي ذبيحة أوثان) وعليه (فضميرهم إذ هو ضعيف يتنجس ) إن يفعلوا ذلك ضد ما يرشدهم
ضميرهم الضال. ثم أتى بدليل آخر مبيناً أن الأكل أو عدمه لا طائل تحته فمجانبته
عند وقوع الشك أولى فقال (8) (والطعام لا يقربنا إلى الله لأننا إن أكلنا لم نزدد
) نعمة أمام الله (وإن لم نأكل لم ننقص) فعيسو لم يتبرر بأكل العدس (تك 34:25)
وإيليا لم يتنجس بأكل اللحم (3ملوك 6:17).

هل تبحث عن  م المسيح نهاية المسيح بعد القيامة ة

 69- بعد أن بين ما في ذلك من الضرر أبدى ما يحدث للأخ الضعيف في
الإيمان من العثار الذي ينبغي أن نتحاشاه فقال (9) (ولكن احذروا أن يكون سلطانكم هذا) الذي تعتمدون عليه في مشاركة
الوثنيين في مائدة الأوثان (معثرة
للضعفاء) فلم يقل: سلطانكم هذا معثرة
للضعفاء لئلا يزيدهم قحة بل قال :
احذروا فإن أخاكم ضعيف فلا تزيدوه ضعفاً بل داووه (10) (فإنه إن رأى أحدٌ من له
العلم متكئاً) أي جالساً علـى مـائـدة ( في بيت الأوثان ) وكان من عادة الوثنيين
أن يدعوا إلى تلك المائدة بعض الأصدقاء من المسيحيين وإن لم يحضروا الذبيحة (أفلا
يتقوّى ضمير من هو ضعيف على الأكل من ذبائح الأوثان ) فيتقوى لا من جهة ضعفه فقط
بل من جهة المثل الذي يجعله أشد ضعفاً (11) ( فيهلك الضعيف بسبب علمك ) أن الوثن
ليس شيئاً ( الأخ الذي مات المسيح لأجله) فلا عذر لك ولا مغفرة؛ وذلك أولاً لأنه
ضعيف فينبغي أن نساعده. ثانياً لأنه أخوك فعليك أن لا تعثره. ثالثاً لأن الرب مات
لأجله لكي يخلصه وأنت تهلكه بمثلك. رابعاً لأنك تعثره لأجل شيء تافه وهو الطعام،
ولذلك قال : احذروا أن يكون سلطانكم هذا معثرة للضعفاء.

70- ثم زاد بياناً لما في ذلك من جسامة
الخطأ فقال (12)
(وهكذا إذ تخطأون إلى الإخوة) لا بحكم المعثرة فقط بل (وتجرحون
ضمائرهم) وهم مرضى وضعفاء فلا يجوز جرح الأقوياء فبأول حجة جرح الضعيف فإن ذنبكم
هذا عظيم لو أعملتم الفكر فيه وهو (إنما تخطئون إلى المسيح) أولاً لأن هذا الأخ
الضعيف هو عبد المسيح وكل ما للعبد خاص بسيده. ثانياً هو عضو في جسده وجرح عضو
يمتد ألمه إلى كـل الجسم. ثالثاً: هو عمل المسيح لأنه افتداه بموتـه وأنـت تهدمه
بمثلك. ثم قال : (13) (فلذلك إن كان
الطعام يشكك أخي فلا آكل اللحم إلى الأبد
لئلا أشكك أخي) هوذا شأن الراعي
الصالح الذي بمثله يعلم ما يعظ به فلم يقل : إن كـان ذلك بصواب أو غير صواب بـل
كيفما كـان الأمر لا آكل. ولم يقل لا آكل اللحم المقدم للأوثان بل أي لحم كان. لا
آكل اللحم ولا في يوم دون يوم بل إلى
الأبد ما دمت حيّاً ولا محاثاة لهلاك
أخي بل لمعثرته أيضاً إذ من الحماقة
أن أشكك من مات لأجله المسيح مـع أني قادر أن أداوي ضعفه بامتناعي عن ذلك الطعام.
فاتعظوا أيها الزناة
والسكيرون والمجدفون واللصوص والمرابون
واعلموا أن الله موجود وأنه لابد
من تأدية الحساب. أفما
تتذكرون! أفما تكفون عن بذر الشكوك وتشكيك
النفوس. واعلموا أيها الرعاة
أن ليس الذين يفعلون مثل هذه فقط
يستوجبون الموت بل
أيضاً الذين يرضون عن فاعليها (رو 37:1) فلا تحتقروا الضعيف وإن كان خسيساً أو
فقيراً أو حارث أرض أو صاحب حرفة فإن المسيح قد اشتراه فهو له فلا تزدروا بمن هو
للمسيح وإن كان بائساً!

هل تبحث عن  الكتاب المقدس أخبار سارة عربية مشتركة عهد قديم سفر التثنية 31

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي