الإصحَاحُ
الْعَاشِرُ

 

يحذر الكورنثيين مما أصاب العبرانيين من الشرور والعقوبات لأجل
عبادتهم الأوثان وارتكابهم الفحشاء.

81- ثم انتقل إلى إيراد أمثلة أخرى من
شأنها أن تحملهم على
العمل وإلا كانوا كمن
يقرعون ويلاكمون الجو فأخذ يذكرهم بما أصاب
آباءهم
في العهد القديم
إذ كان البعض منهم يجهلون ذلك لا سيما اليونانيون
المهتدون حديثاً فقال ( 1
) ( فإني لا أريد أن تجهلوا أيها الإخوة ) مشيراً إلى أنهم لم يكونوا على علم كاف
في ما يريد أن يذكرهم به وما يكون ذلك (أن آباءنا كانوا تحت الغمام وكلهم جازوا في
البحر (2) وكلهم اصطبغوا على يد موسى وفي
الغمام في البحر (3) وكلهم أكلوا طعاماً روحياً
واحداً (4) وكلهم شربوا
شراباً روحياً واحداً فإنهم كانوا يشربون من الصخرة الروحية التي كانت تتبعهم
والصخرة كانت المسيح (5) ولكن أكثرهم لم يرضَ الله عنهم فإنهم صُرعوا في البرية)
كل ذلك تجده موضحاً في التكوين والرسول يتخذه مثالاً ويذكرهم به بيان أن ذلك كله
كمـا أنه
لم ينفعهم كذلك ما قبلتموه أنتم أيها المؤمنون من النعمة سواء أكان
في

سر
المعمودية
أم سر الإفخارستيا لا ينفعكم إن كنتم لا تحسنون سيرتكم وتجعلونها
مطابقة لتلك الرموز ولذلك ذكر رموز الاصطباغ أي المعمودية والإفخارستيا تحت طيّ المن والشراب:
فيراد بقوله (كلهم اصطبغوا على يد موسى)
مشابهة مآلها أنه كما أننا
بإيماننا بالمسيح وقيامته نصطبغ بماء المعمودية
بحيث نصير شركاءه في الأسرار كذلك هم بثقتهم بموسى ساروا وراءه إذ شق البحر ولم يخشوا،
وأراد بذكر الرموز الحقائق التي تدل عليها، فالاصطباغ رمز المعمودية وأما ما يلي
فرمز المائدة المقدسة. فكما أننا نأكل جسد الرب،
كذلك هم أكلوا المن. وكما
أننا نشرب الدم الإلهي، كذلك هم شربوا
الماء المتفجر
من الصخرة الروحية. وكان الماء يجري وراءهم في الغدران
يشربون منه ويسقون مواشيهم،
وأما تلك الصخرة (فكانت المسيح) فإن الصخرة لا
تجري من طبعها ماءً بل المسيح يستجريه من الصخور وذلك بحكم
قوته الإلهية، ولكن هل استفاد اليهود من جميع ما أفيض
عليهم من النعم؟
كلا!!

82- ولذلك قال (5) (ولكن أكثرهم لم يرض
الله عنهم) وإن
كان قد غمرهم بفضله فلم ينفعهم ذلك بل هلكوا جميعهم في البرية إلا
يشوع
ابن نون وكالب كما جاء في العدد (30:14) وقد صرع أكثرهم
إذ

خالفوا كقورح وداثان ومن رافقهما ( 32:16 ) وقد نال أكثرهم لا كلهم لئلا
يفشلوا وقد نسوا
الله فنسيهم وتركهم في غمرات الشقاء يعمهون
. وقد ذكرهم بكل ذلك لا بما
يقاسي المخالفون من شدة العذاب في جهنم لأن
عذاب جهنم لا يرونه وهو
مستقبل أما ذلك العذاب فقد اقتص من
اليهود بعد أن غمرهم بفضله ولم
يدعهم يرون أرض الميعاد التي كان قد
وعدهم بها ولم يشفق؛ هذا وكأني بك
تقول: هذا ما أصاب اليهود فما الذي يعنينا
نحن؟ فقال (6) ( وهذه
الأمور حدثت رمزاً لنا وذلك لئلا نشتهي الشرور كما اشتهى أولئك ) فيصيبنا ما
أصابهم. ومن بعد أن ذكر الشرور إجمالاً أخذ يعدّدها وأولها عبادة الأوثان فقال (7)
(فلا تكونوا عابدي أوثان كما كان قوم منهم كما كتب جلس الشعب يأكلون ويشربون ثم قاموا يلعبون) وذلك عندما سبكوا عجلاً من ذهب
وسجدوا له وذبحوا
له الذبائح كما جاء في سفر الخروج (6:32 وما يليه) وعاقبة
الشرب اللعب وعبادة الأوثان والانغماس في حمأة الشهوات، فإن عملتم ذلك وإن لم تكونوا وثنيين فإنكم تشابهونهم في
أعمالهم وتكونون عابدي
أوثان. ثم نهاهم عن خطيئة أخرى غير الشره الذي يجر
عبادة الوثن وهي الزنى فقال (8) (ولا تزن) فالزنى ثمرة الشره ورغد العيش، وهذا ما
أنزل النار
على صادوم وعامورة وهو يحبل ويلد كل نوع من الرذائل وذلك (كما زنى قوم منهم) وماذا حدث (فسقط منهم- في يوم واحد
ثلاثة وعشرون
ألفاً) مع الرؤساء
الذين صلبهم موسى أمام الشمس لتنصرف شدة غضب
الرب فإن الرسول لم يذكر إلا
الذين أمر موسى القضاة أن يقتلوهم وكان عددهم ثلاثة وعشرين ألفاً.

83 – ثم نهاهم أخيراً عـن تجربة في طلب الآيات فقال ( 9 ) (ولا تجرب
المسيح) بطلب العجائب والآيات ( كما جربه قوم منهم ) لأن المسيح وهو كلمة الله كان
يرافقهم دائماً ( فأهلكتهم الحيات ) أي أن صنع موسى بأمر الرب حية ورفعها على
سارية وكان كل لديغ ينظر إليها يحيا (عدد 8:21 وما يليه) ثم (ولا تتذمروا كما تذمر
قوم فهلكوا على يد المهلك ) قالوا إن المهلك هو ملاك أباح له الله سبحانـه أن
يتردّى رداء البشرية أنزله لما يأذن به الله من القصاص على أولئك الذين يخالفون
أوامره ويعيثون في الأرض فساداً وهو الذي شق الأرض فابتلعت داثان وقورح وأبيدام
كما جاء في سفر العدد (31:16) ويذهب قوم إلى أنه هو الملك ميخائيل الذي ينفذ على
الأرض أوامر الله كما نفذها في السماء ثم استنتج وقال (11) (فهذه الأمور عرضت لهم
رموزاً وكتبت لموعظتنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور ) تلك الأمـور وما
يعتورها من أنواع العذابات الزمنية إنما كانت رمـوزاً لتلك الأمور لما يحدث في
العهد الجديد من القصص والأحوال وقد كتبت لكي نتعظ بها ونعرف أنها قد تمت في
المسيح وهذا ما يسر الرب لقوله: لو كنتم تؤمنون
بموسى لكنتم تؤمنون بي لأنه كتب عني (يوحنا 46:5) كما
فسره القديس
أغوسطينوس. وقد كتب ذلك لموعظتنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور، وتلك الدهور
ستة أولها من آدم إلى نوح. ثانيها من نوح إلى إبراهيم؛ ثالثها من إبراهيم إلى داود
الملك. رابعها من داود إلى جلاء بابل. خامسها من جلاء بابل إلى المسيح. سادسها من
المسيح إلى منتهى العالم. هذا ما ذهب إليه المفسرون ولم نذكر عدد السنين في كل دهر
لأنه مختلف فيه. وهذا ما يشاهد في عمر الإنسان: الطفولة والصبوة والشبيبة والحداثة
والرجولة والشيخوخة.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد قديم سفر مراثى إرميا 00

89- فمن بعد أن ذكرهم بجميع ذلك رفع عقولهم
حذرهم من السقوط
لئلا يصيبهم ذلك العذاب الذي ليس له نهاية فقال (12) (فمن ظن أنه
قائم) وهو يفتخر بعلمه وإيمانه (فليحذر أن يسقط) فلا أمان ولا سلام طالما نحن في
الحياة الدنيا ولم نبلـغ الميناء؛ فليحـذر أن يسقط. هـذا ما يقوله الرسول لأهل
كورنتس أما نحن فالأوفق أن يقال لنا: الذي أضجع لا يعود يقوم (مز 9:40) لأننا
جميعاً سقطنا واضّجعنا ولذلك كان علينا أن نقوم قبل السبات ونحن قائمون. ولكن متى
يستمر الإنسان مضجعاً ساقطاً ولا يقوم؟ طالما يستمر وسباته السكر والزنى والتجديف
والاختلاس والبخل وإلقاء الفتن إلخ… ولكن أنفشل؟ ونعجز عن النهوض؟ حاشى. فالطبيب
حاضر والبلاسم التي يضعها تشفي من كل جرح وإن كان كبيراً بشرط أن نشعر به وهوذا
بعض البلاسم التي يضعها هذا الطبيب الإلهي: اغفر للناس زلاتهم (متى 14:16) افتد
خطاياك بالصدقة (دانيال 24:4) صلِّ ولا تمل كما صلت تلك الأرملة فنالت ما تمنت.
اعترف بخطاياك لكي تتبرر ( أشعياء 26:43 )
وقصارى القول انظر إلى خطاب
الرب وهو على الجبل تلق كل ما
ترغب فيه من الأدوية التي من شأنها أن تثبتك إن كنت قائماً وأن تنهضك
إن كنت ساقطاً. فالتوبة في الحاضرة لا في الآجلة.

90- من بعد أن خوّفهم بما أورده من الأمثلة وألقى الكآبة في نفوسهم لقوله: فمن ظن أنه قائم فليحذر أن يسقط ومن ذلك
كانوا قد تمرنوا
على كثير من التجارب فحذراً من أن يقولوا: ما لك تخفونا
وتلقي الرعبة في قلوبنا وقد احتملنا كثيراً من أنواع الضيق والشدة ولم نفشل ولم
نسقط أراد أن يكسر من مثل هذا الاعتماد فعقب كلامه وقال: ( 13 ) ( إنه ما أصابكم
من التجارب إلا ما هو بشريّ ) أي شيء قليل لا يعبأ بـه فلا تفتخروا فإنكم إلى الآن لم تقاوموا بعد حتى الدم في مجاهدتكم
الخطيئة (عبر 4:12) ثم من بعد أن خوّفهم أخذ يستنهضهم شأن الحكيم الماهر الذي بعد
أن يقطع يداوي فقال مستدركاً (لكن الله أمين لا يدعكم تجربون فوق طاقتكم) والأمر
في يده وما علينا إلا أن نلتمس منه ما يمكنا من احتمال التجارب إذ بدون مساعدته لا
نقدر علـى مجانبة التجارب فلا يدعكم تجرمون فوق طاقتكم (بل يجعل مع التجربة مخرجاً
لتستطيعوا أن تحتملوا) وأنتم ثابتون في
الإيمان لا تتزعزعون (14) (فلذلك يا
أحبائي اهربوا من عبادة الأوثان)
وكانوا يخالطون الوثنيين في الموائد المقامة احتفالاً بأعياد الآلهة. فاهربوا من
تلك العبادة لا خوفاً من إلقاء الشكوك فقط بل من أجل محاشاة الوثنية في حد نفسها.

91- ثم بعد أن بين لهم تلك الأسباب وشدد
عليهم النكير في
الهرب من المشاركة في مائدة الأصنام أخذ مأخذ مدّع متيقن من دعواه
يستفتي خصمه نفسه في صحتها فعرض عليهم مائدة أخرى ستنزل عليهم من
السماء نفسها فقال (15) (أقول كما يقال للحكماء فاحكموا أنتم فيما أقول) فثقتي بما
أنتم عليه مـن الإنصاف كبيرة وإنما فيما ألقيه عليكم لا أقضي بل أستشيركم منتظراً
حكمكم فيه ولا أستعين بقضاة آخرين فأنتم أنتم القضاة في ما أقول وهو (16) (كأس
البركة التي نباركها أليست هي شركة دم المسيح) فكيف بعد أن تعرفوا أن الله قدم
نفسه لكم مائدة تتراكضون إلى مائدة الأصنام أي الشياطين، فإن الخمر التي نباركها
هي دم المسيح نفسه الذي أنقذكم من عبادة الأوثان ونحن جميعـاً مشتركون فيها وذلك
بعد أن نباركها فما تذكرون؟ أفما تخجلون؟! هذا (والخبز الذي نكسره أليس هو شركة
جسد المسيح) وليس هو شركة فقط بل أعظم من ذلك لأن تلك الشركة تجعلنا جميعاً واحداً
ولذلك قال (17) (فإنا نحن الكثيرين) المنتشرين في كل مكان (خبز واحد جسد واحد
لأننا جميعاً نشترك في الخبز الواحد) فإنه لمن شأن قوة هذا الطعام لا أن يتحول إلى
الجسد الذي بداخله بل أن يحوّل جسد آكليه إليه بحيث يصير الكثيرون واحداً وإنما
مفعول هذا الغذاء المحبة التي إنما رسم لأجل إثارتها ولأجل جعل الجميع واحداً في
يسوع المسيح، هذا وقد رسمه تحت شكلي الخبز والخمر لأن الخبز يتألف من حبوب كثيرة
فيصير واحداً وكذلك الخمر يتألف من حبات
كثيرة. ومن العجيب كيف أن
البروتستان يقرأون هذه الآية الصريحة وينكرون
حقيقة سر الإفخارستيا؛ وهو يصرح بقوله: الذي نباركه والذي نكسره. إن هذا العمل
لخاص بالكهنة ليس غير ولذلك لم يقل: الذي تباركونه ولا الذي تكسرونه. ولماذا قال:
الذي نكسره أليس لكي يوزعوا على الآخرين لأجل الاشتراك فيه.
فانتبهوا أيها المسيحيون عندما تدنون إلى هذه المائدة الإلهية وطهروا نفوسكم!

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر المزامير إسكندر جديد 23

92- ولما كانوا ما يزالون ضعفاء ولا يدركون
شأن ما يقوله لهم
عاد يقويهم بمثل الأولين فقال (18) (انظروا إسرائيل الجسدي أليس
الذين يأكلون الذبائح هم شركاء المذبح) فقال: الجسدي- تمييزاً له عن إسرائيل الروحي وهم المسيحيون، وقال هم شركاء
المذبح لا شركاء
الرب
ولا جسد المسيح. وكان اليهود في عصره
يقدمون الذبائح في هكيل
أورشليم وكانوا يحرقون جزءاً من الذبيحة على المذبح والجزء الآخر
يتناوله الكهنة والمقدمون الذبيحة ولذلك قال: هم شركاء المذبح وعليه فإن أكلتم من
ذبائح الأصنام تكونوا شركاء مذابحهم في أكل الذبائح المقدمة للشياطين. ولما قال
المذبح استدرك ألا يخيل إليهم أنه يتكلم عن ذبائح الأوثان أو أن للوثن قوة وأنه
يمكنه أن يجر ضرراً فقال: (19) (فماذا أقول أإن ذبيحة الوثن شيء) لها قوة أن تجر
ضرراً. حاشى (أو أن الوثن شيء) يتخلله روح يمكنه أن يضر. حاشى. وكان العلماء من
الوثنيين يعتذرون بأن الوثن وإن لم يكن شيئاً فيه روح عامل حالّ في التمثال الـذي
يمثله. كما رواه أغوسطينوس. ثم زاد على ذلك إبعاداً لهم عن مشاركة الوثنيين فقال
(20) (بل عن الذي تذبحه الأمم إنما تذبحه للشياطين لا الله) وعليه (فلا أريد أن تكونوا شركاء الشياطين) فإذا
خالطتموهم في موائدهم
كنتم لا محالة شركاءهم إذ (أنكم لا تستطيعون أن
تشربوا كأس الرب وكأس الشياطين) وقد كان
في العادة في بدء الكنيسة أن يشترك الذين يتناولون
في شرب الكأس، كما كانت
عادة الوثنيين، غير أن الكنيسة قد غيرت تلك العادة لأسباب صوابية قضت بذلك إذ قد
يصادف أن الـذي يمصّ الكأس يكون مريضاً فيعدي الآخرين، فضلاً عـن ذلك فإن الجسد
الذي نتناوله حيّ هو والحي لا يكون بدون دم.

93- بعد أن بين بحكم المقابلة بين مائدة المسيح وبين الشياطين موعزاً
أن مائدة المذبح إنما هي حقيقة على شكل مائدة الشياطين التفت وزادهم خجلاً وقال (
22 ) ( أنغير الرب ) بأن نجربه هل يقدر أن يقتص منا أم نثيره على الأعداء الذين
يناصبونه العداء (ألعلنا أقوى منه) يذكرهم بما كان يرتكبه اليهود من التمرد على
موسى ذاكراً ألفاظه لقوله على لسان الرب: هم أغاروني بمن ليس إلهاً وأغضبوني
بأباطيلهم (تثنيه 21:32)، ألعلهم هم أقوى مني، فيا لله ما أمرّ وما أشدّ هذا
التوبيخ! ولم يقل لهم ذلك منذ البدء لئلا
يغشهم فلا تقطع الضربة فيهم ثم
استدرك اعتراضاً قد يمكن لهم أن يتصوروه بأن
الأكل من ذبائح الأوثان مباح فلماذا
تنهانا عنه فقال (كل شيء يجوز لي) إن لم ينه عنه الناموس
الطبيعي والوضعي (
ولكن ليس كل شيء ينفع ) في الحياة الروحية (23) ( كل شيء يجوز لي ولكن ليس كل شيء
يبني ) الفضيلة في قلوب الآخريـن إذ علينا أن (24) (لا يطلب أحد ما هو لنفسه بل ما
هو لغيره) بحيث
يضرب عن الآخرين ولا يلتفت إليهم كما كان
يصنع أولئك الذين
يجلسون إلى موائد الأوثان ولا يلتفتون إلى أولئك الذين يعثرونهم ولا
إلى ما كان يصنعه المسيح نفسه الذي لم يرض
نفسه وكثيراً ما أثبت لهم أنه إنما
يصنع ما شأنه أن يفيد الآخرين لا نفسه
وهذا ما يتقاضاه الحب المسيحي الذي لا ينظر إلا إلى مجد الله وخلاص القريب.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القس أنطونيوس فكرى عهد قديم سفر حزقيال 25

94- من بعد أن نهاهم ذلك النهي القاطع عن مشاركة الوثنيين في موائد
آلهتهم خاف أن يداخلهم بعض الوساوس فيخطأون حيث ليس خطيئة فقال (25) (كل ما يباع
في سوق اللحم كلوه غير باحثين عن شيء) إذ كانوا يبيعون في سوق اللحم ما يفضل عن
أكلهم أو يوفرونه فلا تبحثوا عنه وذلك (من جهة الضمير) أي ضمير أخيك الذي يراك تأكل فيشكك أو بالأحرى ضمير من يراك من اليهود
أو الوثنيين
فيشكك في ما يعتقد به منزلاً إياه منـزلة حكايات وخرافات وكأنه
يقول : وأنا لا أنهاكم عن ذلك من جهة أن الوثن أو مائدته شيء مضر في حد نفسه (26)
( فإن للرب الأرض ) التي خلقها ( وملأها ) مما تأتي من الإثمار، ولذلك (27) (إن دعاكم أحد من الكفرة) إلى وليمة
خصوصية
(وأحببتم أن تنطلقوا معه فكلوا من كل ما يقدم لكم غير باحثين عن شيء
من أجل الضمير ) فإن المسيح قد أكل مع العشارين والخطأة وهذا أبيحه لكم ولا آمركم
به ولكن (28) ( إن قال لكم أحد هذه ذبيحة أوثان فلا تأكلوا ) فلماذا ؟ ( لأجل الذي
أعلمكم ) لئلا يعدّ اعتقادكم خرافة ( ولأجل الضمير ( 29 ) ولست أعني ضميرك ) أنـت
الـذي تعرف أن ذلك شيئاً بل ضمير الوثني أو ذلك الضعيف الـذي يراك، ولذلك قال (بل
ضمير غيرك) ثم ستدرك اعتراضاً وقال:

95- (فلماذا تدان حريتي من ضمير غيري) ولقائل هذا القول: أنت تشفق
على الإخوة الضعفاء وتنهانا عـن أن نأكل على موائد الأوثان لئلا نشككهم فتمنعنا عن
الأكل منها. حسن ولكن ماذا إليك إذا كان المشكك وثنياً ألست أنت القائل : ماذا
يعنيني أن أديـن الذين في الخارج ( 1كور 12:5 ) فلماذا تعود تنعطف إليه وتعتني بـه
مثل هذا الاعتناء؟ ولكنه يقول ليس اعتنائي به بل بك أيها المؤمن ولذلك قال ( لماذا
تدان حريتي من ضميري ) فإن الله قد جعلني حراً فـوق كـل علم لكن الوثني لا يعرف ذلك ولا يرى كيف أنقله من فضل الرب
ولكنه إذا رآني أشاركه في موائد أصنامه
الشياطين يخيل إليه أني مراء في
اعتقادي فيلزمني أن أكف عن مشاركته دفاعاً
عن صحة اعتقادي ولذلك (30) (إن كنت أتناول بشكر فلماذا يفترى عليّ فيما أنا شاكر
عليه) ولذلك فإن شكري يبرر نفسي والأكل لا
يبخسها كما أن الأقذار لا تنجس
أشعة الشمس. وإنما أنهاك عن ذلك لأن حريتك
تدان بل رفقاً بخلاص الآخرين وجذبهم إلى
الإيمان وعليه (31) (فإذا أكلتم أو شربتم أو
عملتم شيئاً ) يليق أن تعملوه
فاعملوا كل شيء لمجد الله) فأكرم بها من وصية. ثم ختم كلامه يوصيهم أن يتحاشوا كل
معثرة فقال ( 32 ) ( كونـوا
بلا معثرة لليهود وللوثنيين ولكنيسة الله)
فالأخ يعثر بمثلكم واليهودي
يزيدكم بغضاً وكيداً والوثني يحسبك جشعاً ومرائياً فتحاشوا كل ذلك
وإذا أردتم مثلا تقتدون به فهوذا أنا نفسي فقال (33) (كما أنا أيضاً) وإن كنت
رسولاً ممتازاً (أرضي الجميع في كل شيء) يجوز لي وليس شراً (غير طالب ما يوافقني)
فكم قد جعت وكم قاسيت من الأهوال حباً بخلاص الآخرين لأني لا أطلب ما يوافقني (بل
ما يوافق الكثيرين لكي يخلصوا) فاقتدوا بي كما أقتدي بالمسيح).

96- هذه هي القاعدة الشريفة التي ينبغي أن
يتمشى عليها
الإنسان المسيحي، هذا تعريفها وذروة مجدها بل خلاصة مجد الله
الاعتناء بخلاص القريب وجر النفع إليه وأية حاجة لإنسان بعمر يعيش فيه رغداً وجاره
بل خليطه في الإنسانية بقربه غير منتفع به فإن لم تفد ولم تنفع فلست شيئاً وإن صمت
ونمت على الحضيض. ومن يسع في نفع غيره ينجح والرب يؤتيه خيراً، والأمثلة أكثر من
أن تعدّ ليس في الكتب المقدسة فقط كإبراهيم وموسى وطوبيا البار وداود وبولس وآخرين
لأن أشرف العواطف البشرية مساعدة الآخرين ونفعهم ولا بأس مـن ذكر ما جاء في شعر
عنتره قوله:

ولا أكون كمن يسعى بهمته          ومنتهى سعيه للرى والشبع

لا حاجة لي بعمر قد أعيش به       رغداً وجاري بقربي غير منتفع

فلا رعى الله أرضاً لا أكون بها     غوثاً لذي أمل غيثاً لمنتجع

أما القديس بولس فقد فاق الجميع بما كان يبذله من العناية في نفع
الآخرين وخلاصهم أي أنه لم يحجم أن يدعو الآخرين إلى الاقتداء به كما يقتدي هو
بالمسيح.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي