الإصحَاحُ
الثَّالِثُ عَشَرَ

 

المحبة تفضل سائر المواهب لأنها ضرورية بالإطلاق. ولا منفعة بدونها
لسائر المواهب. ومنفعتها عامة ومنافع المواهب خاصة. والمحبة تدوم في الدنيا
والآخرة وسائر المواهب تبطل بعد هذه الحياة.

120- قال على سبيل الغلو والإطراء موعزاً إلى أفضل المحبة ومزيد
ضرورتها لكي يكون الإنسان إنساناً كاملاً (1) (لو كنت أنطق بألسنة الناس) جميعاً
لا بذلك فقط بل بألسنة ( الملائكة ) أيضاً ( ولم تكن فيّ المحبة فإنما أنا نحاس
يطنّ أو صنج يرنّ) ولا يشعر ولا يحسّ؛ ولم يقف عند
ذلك بل زاد إطراء وانتقل إلى النبوة وقال (2) (ولو كانت لي
النبوة) لا
النبوة فقط بل (وكنت أعلم جميع الأسرار والعلم كله ) بل ( لو كان لي الإيمان كله )
بأن أنقل الجبال ( ولم تكـن فيّ المحبة فلست بشيء ) بل (3) ( ولو بذلت جميع أموالي
) لا جزءاً منها ( لإطعام المساكين ) بل
أعظم من ذلك (وأسلمت جسدي لأحرق ولم تكن فيّ المحبة فلا
أنتفع شيئاً) إن
كنت لا أحب القريب، فالمحبة أساس الصلح والسلام. فمن بعد أن قال إن الإنسان لا ينتفع شيئاً من النطق بالألسنة ولا من النبوة ولا
من بذل أمواله على المساكين ولا من حريق
جسده بالنار إن لم تكن فيه
المحبة أخذ يصفها بما ليس وراءه ما يرام فقال:

121- (4) (المحبة تتأنى)، فالتأني وهو الصبر أساس كل فلسفة وحكمة
ولذلك قال الحكيم: الطويل الأناة كثير الفطنة والقصير الصبر ينوّه بسفه ( أمثال
29:14 ) والرجل الصبور الطويل الأناة بـرج حصين تتزعزع الدنيا ولا يتزعزع. ولما
كان من الناس من يصبر على
كيد مترقباً فرصة نمكنه من الانتقام من خصمه أزاح ذلك منـزهاً المحبة
من
قبح هذه الشائبة، وبعد أن قال المحبة تتأنى قال (وترفق) ولا تزيد النار
اشتعالاً،
والمسلمون أنفسهم يسمون النصارى أصحاب شفقة ولا
يستكبرون وهذا شأن المحبة
المسيحية شأن أم ترفق بابنها مهما كان، وزد على ذلك (المحبة لا تحسد ولا تتباهى
ولا تنتفخ ) ولا تـحب أمـراً جليلاً جميلاً، إلا ما تنفع به القريب ومن تحبه،
فانظر إلى يعقوب فإنه قد خدم خاله أربع عشرة سنة حباً براحيل ابنته، ومن لا يرى
كيف تناغي الأم ابنها وكيف ترفق بـه ولا تكلّ ليلاً ولا نهاراً، زد على ذلك
فالمحبة الصادقة (لا تأتي قباحة) لأن المحب يحسب كل ما يعمله حباً بمحبوبه حسناً وجميلاً لا قبيحاً، ذلك إذا كان الحب يدعوه إلى
ذلك لا التباهي
والانتفاخ وسببه أن المحبة (لا تلتمس ما هو لها) لأن المحب
يجعل منفعته في منفعة محبوبه وعلاوة على ذلك فالمحبة (لا تحسد ولا تظن السوء (6)
ولا تفرح بالظلم بل تفرح بالخير ) وقد عـدّد كل هذه الخيرات فقال ( لا تلتمس ما هو
لها، وتحتمل كل شيء) كما كان داود يحتمل ابنه أبشالوم الذي تمرّد عليه بل (تصدق كل
شيء) مما يقال من الخير عن محبوبها (وترجو كل شيء وتصبر على كل شيء. والمحبة لا
تسقط أبداً ) لأن من يحب لا يمكن أن يبغض من يحب. وهذه صورة تلك المحبة التي كانت
تضطرم نارها في قلب القديس بولس. فأين محبتكم يا رعاة القوم!

هل تبحث عن  هوت طقسى طقس أسرار الكنيسة السبعة 01

122- قال (8) (المحبة لا تسقط أبداً. أما
النبوات فستبطل
والألسنة تزول والعلم يبطل)
بعد أن وصف لهم عظمة المحبة وجليل مقامها في
سلم الفضائل كما سبق الكلام
آنفاً عاد يطرئها بحكم آخر اختزله من مقابلتها بسواها فقال ( أما النبوات فستبطل
والألسنة تزول ) على أن النبوات والألسنة إنما وهبت تأييداً للإيمان، فإذا ما
انتشر الإيمان كان لا طائل تحتها. أما المحبة فلا تسقط بل تزيد اضطراماً. ولكن كيف
يبطل العلم؟ أنكون والجهل يحتاط بنا؟ حاشى فإن النبوات والألسنة لا حاجة لنا بها
في السماء ولا العلم الذي لنا في الحاضرة فهو قاصر وهذا يبطل إذ يترقى إلى درجة عليا فبطل الناقص، ولذلك عقب كلامه
وقال (10) (فمتى
جاء الكامل يبطل الناقص) وهو علمنا وتنبؤنا في الحاضرة
فالناقص فينا بطل وفي مقامه يقوم الكامل. فالآن نعرف أن الله موجود في كل مكان
ولكن كيف يوجد؟ لا نعلم؛ وأنه سبحانه خلق كل شيء من العدم، ولكن متى كان ذلك؟ لا نعلم؛ وأنه ولد من بتول، ولكن
كيف تم ذلك؟ لا
نعلم. أما في الآخرة فليس كذلك. ثم أتى بمثل مبيناً به ما
الفرق بين العلم في الحاضرة والآجلة فقال (11) (إني لما كنت طفلاً كنت أنطق كالطفل
وأعقل كالطفل وأفكر كالطفل، فلما صرت رجلاً أبطلت ما هو للطفل) فالطفل ليس مجنوناً ولا حكيماً إنما قوة العقل فيه قاصرة ولا
اختيار له. وقد بين بهذا المثل قصر النظر فقال (12) (لأننا الآن ننظر في مرآة على سبيل اللغز أما حينئذ فوجهاً إلى وجه) ليس
أن لله وجهاً إنما قال
ذلك بياناً لظهور ما نعاينه، وقد أوضح ذلك وقال (إني
أعلم الآن علماً ناقصاً
أما حينئذ فأعلم كما علمت) أي كما علمني الله منذ الأزل فأرى كل شيء فيه سبحانه وإن لم أحط به علماً ولذلك قال: كما
علمت، ولم يقل
بمقدار ما علمت لأن الله سبحانه لا يحاط به علماً. وأما (3)
( الذي يثبت الآن فهو الإيمان والرجاء والمحبة وأعظمهن المحبة) فهي أساس الفضائل
وحصنها المنيع.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس بولسية عهد جديد إنجيل متى 02

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي