الإصحَاحُ
الثَّالِثُ

 

"مَن
هُوَ بُولُس؟"

(1كُورنثُوس
3: 1- 7)

 بعدَ
أن قسمَ بُولُس العائِلة البَشَريَّة إلى إنسانٍ طَبِيعيّ وإنسانٍ رُوحِيّ، قدَّمَ
صنفاً ثالِثاً عندما بدأَ الإصحاح الثالِث من رسالتِهِ الأُولى إلى أهلِ
كُورنثُوس. فقالَ بكلماتٍ كَثيرة ما معناهُ، "بماذا أدعُوكُم أيُّها الأوغادُ
والأنذالُ الذين في كُورنثُوس؟ وكيفَ يُمكِنُ أن أُخاطِبَكُم كَرُوحِيِّين، بينما
أنتُم مُنقَسِمُونَ ومُتَحزِّبُونَ حولَ قادَتِكُم البَشَريِّين؟"

 

 ويختُمُ
بُولُس قائلاُ، "لا أستطيعُ أن أُخاطِبَكُم كَرُوحِيِّين بل كَجَسَدِيِّين –
كأطفالٍ في المسيح." (1كُورنثوس 3: 1) فالآن، لدينا الإنسان الرُّوحِيّ (الذي
قَبِلَ الرُّوح القُدُس وأصبَحَ يفهَمُ الأُمُورَ الرُّوحِيَّة)، والإنسان
الطَّبِيعيّ (الذي لم يقبَلْ الرُّوح القُدُس ولا يفهَمُ الأُمُورَ الرُّوحِيَّة)،
والإنسان الجَسَدِيّ. (يستَخدِمُ بُولُس كَلِمة "إنسان" بمعنى الرَّجُل
أو المرأة). فعلينا أن نتساءَل، "من هُوَ هذا الإنسانُ الجَسَديّ؟"

 

 إن
كلمة "جسَدِيّ" هي ترجمَةٌ للكلمة اليُونانيَّة "جَسَد أو
لحم." فهل ما يُشيرُ إليهِ بُولُس هُنا هُوَ ثلاثة أنواع من الناس؟ هذا
مُمكِنٌ، ولكن هُناكَ طريقَةٌ أُخرى يُنظَرُ بها إلى هذا المقطَع. فالإنسانُ
الطَّبِيعيّ لا يُمكِنُهُ أن يكُونَ رُوحيَّاً، لأنَّهُ ليسَ لديهِ الرُّوح. فليسَ
لديهِ خَيَار. وهُوَ يسلُكُ بالجسد طِوالَ الوقت، لأنَّهُ ليسَ لديهِ الإمكانِيَّة
للسُّلُوكِ بالرُّوح.

 

 الإنسانُ
الرُّوحيُّ، من جهَةٍ أُخرى، لديهِ الرُّوحُ القُدُس، ولكن هل هُوَ رُوحِيٌّ طوالَ
الوقت؟ وهل يسلُكُ بالرُّوحِ بإستِمرار؟ كلا، بل لدَيهِ خيارٌ. فبإمكانِهِ أن
يسلُكَ بالرُّوح، ويعيشَ ويتحرَّكَ ويكونَ كيانُهُ مسوقاً بالرُّوح، ويُؤتِيَ
ثِمارَ الرُّوح. ولكن ليسَ هذا يما يفعَلُهُ دائماً. فعندما لا يسلُكُ الإنسانُ
الرُّوحِيُّ بالرُّوح، يُسمِّيهِ بُولُس "جسديَّاً".

 

 وبإمكانِكَ
القول، "إنتَظِرْ لحظَةً. ليسَ هُناكَ ما يُسمَّى بالإنسانِ الجسدي
الرُّوحيّ." ولكن فكِّرْ بهذا. هل يُوجَدُ أيُّ نَوعٍ آخَر من الإنسان
الرُّوحِيّ؟ يسُوعُ المسيح كانَ رُوحِيَّاً مائة بالمائة طوالَ الوقت، ولكن هل
نحنُ كذلكَ؟ علينا أن نَكُونَ رُوحِيِّينَ بإستمرار، ونحنُ مدعُوُّونَ لِنَكُونَ
كذلكَ، وبإمكانِنا أن نكُونَ كذلكَ، ولكن هل نحنُ رُوحِيِّينَ طِوالَ الوقت؟
يُعرِّفُ أحدُ مُفسِّري الكتاب المقدَّس كلمة "جسَد" "بالطبيعة
البَشَريَّة بدون مُساعدَةِ الله." عندما يعتَمِدُ الإنسانُ الرُّوحِيُّ على
طبيعتِهِ الإنسانيَّة ولا يطلُبُ مُساعَدَةً من الله، يكُونُ جَسَدِيَّاً، بحَسَبِ
الرسُول بُولُس.

 

 بدأَ
بُولُس هذه الرِّسالة بتَذكِيرِ المُؤمِنينَ الكُورنثُوسيِّين أنَّهُم مُقدَّسُونَ
ومَدعُوُّونَ قِدِّيسين. والآن يقُولُ لهُم أنَّهُم لا يعيشُونَ على مُستَوى
دَعوَتِهم. والدليلُ على ذلكَ هُوَ حسدُهُم وخصامُهم. وللتفسيرِ والتلخيص، كتبَ
بُولُس يقُول: "كانَ عليَّ أن أُعامِلَكُم كأشخاصٍ يسلُكُونَ بالجَسَد، لأن
هذا بالتحديد ما تعمَلُونَهُ. وبالواقِع، لقد قرَّرتُ أن أُعامِلَكُم تماماً
كالأطفال، لأنْ هذا ما أنتُم علَيه. فالأطفالُ الرُّوحِيُّون لم يتعلَّمُوا بعد
أنَّهُ عليهم أن لا يُحاوِلُوا عملَ أيِّ شَيءٍ بدُونِ مُساعَدَةِ الله. لذلكَ
يُحاوِلُونَ أن يعيشُوا كالقدِّيسين بقُوَّتِهم، بدونِ طلَبِ المُساعَدة من الله.

 

 كتبَ
بُولُس يقُولُ أنَّ الأطفالَ لم يُطوِّروا بعد جهازَهُم الهَضمِيّ، ولهذا ينبَغي
أن تَتِمَّ تغذِيَتُهم بالطعام الذي سبقَ هضمُهُ، كالحَليب مثلاً. ويأسفُ بُولُس
إذ عليهِ الإستِمرار بِتَغذِيتِهم بطعامِ الأطفال، وأن يُعامِلَ كنيسةَ كُورنثُوس
وكأنَّها بكامِلِها حضانَةُ أطفال.

 

 إن
كانَ الطعامُ الرُّوحِيُّ الوَحيدُ الذي تتناوَلُهُ هو ما قامَ أحدٌ آخر مثل
القسِّيس مثلاً، بهضمِهِ سابِقاً، فمن المُمكِن أن تكُونَ طفلاً رُوحيَّاً، وأن
تكُونَ تتغذَّى على حَليبِ أو لَبَنِ الكلمة. فعندما تكُونُ طِفلاً، يكُونُ
الحليبُ طعاماً رائِعاً. يحُضُّنا بطرُس كأطفالٍ مَولُودِينَ حديثاً، أن نشتَهِيَ
حليبَ الكلمة العديم الغِش لكَي ننمُوَ بهِ. (1 بطرُس 2: 2) ولكنَّ الوقتَ الوحيد
الذي تُطعِمُ فيهِ شخصاً بالِغاً وجبَةً من الحَليب أو اللبن هُوَ عندما يكُونُ
هذا الشخصُ مريضاً.

 

 من
المُهِمّ أن نتَتَبَّعَ الموضُوع معَ بُولُس، وأن نُقدِّرَ حُجَّةَ هذه الإصحاحات
الأربَعة الأُولى. تذكَّرُوا أنَّ بُولُس يتعامَلُ معَ مُشكِلة الإنشِقاق في
الكنيسة عندما يسأل، "فمن هُوَ أبُولُّوس؟ ومن هُوَ بُولُس؟" يُجيبُ
بُولُس على سُؤالِهِ هذا عدَّةَ مرَّاتٍ، عندما يكتُبُ أنَّهُ هُوَ وأبُولُّوس
ليسا سوى خادِمَينِ، بواسِطَتِهما آمنَ هؤُلاء الكُورنثُوسيُّون، "وكَما
أعطَى الرَّبُّ لِكُلِّ واحِدٍ." (1كُورنثُوس 3: 5)

 

 يبدأُ
بُولُس مُعظَمَ رسائِلِهِ بوصفِ نفسِهِ كعَبد يسُوع المَسيح. فبُولُس وأبُلُّوس لم
يكُونَا سوى عبدَينِ مُعيَّنَينِ من الله للكرازَةِ بالإنجيل، ولِرعايَةِ الكنيسة
في مدينَةِ كُورنثُوس. ويتُابِعُ بُولُس بالإجابَةِ على سُؤالِهِ: "أنا
غَرستُ وأبُلُّوس سقَى لكن الله كانَ يُنمي. إذاً ليسَ الغارِسُ شَيئاً ولا الساقِي
بل الله الذي يُنمِي." (1كُورنثُوس 3: 6، 7) ولقد وبَّخَ بُولُس
الكُورنثُوسيِّين بسبب تحزُّبِهم حولَ قادَتِهم، الأمرُ الذي سبَّبَ إنشقاقاتٍ في
الكنيسة.

 

بالإختِصار

 يختُمُ
بُولُس بالقَول أنَّهم كانُوا لا يزالُونَ يسلُكُونَ بالجسد، لأنَّ مُجتَمَعَهم
الرُّوحِيّ كانَ مملووءاً بالنِّزاع والحسد. ولقد أظهَرَ سُلوكُهم أيضاً أنَّهُم
كانُوا أطفالاً رُوحِيِّين. النُّقطَةُ التي كانَ يُركِّزُ عليها بشكلٍ أساسيٍّ
كانَت أنَّهُ بما أنَّ اللهَ هُوَ القُوَّة الكامِنة وراءَ مُعجِزَةِ الخلاص
العظيمة، والتي إختَبَروها من خلالِ وعظهِ بالإنجيل في كُورنثُوس، فعلَيهم أن
يتحلَّقُوا حولَ الله، وليسَ حولَ الخُدَّام الذين أرسَلَهُم اللهُ إلى كُورنثُوس
ليزرَعُوا ويسقُوا. وعليهم أن يستسلِمُوا للهِ ويتبَعُوهُ، لأنَّهُ أرسَلَ إبنَهُ
إلى العالم من أجلِ خلاصِهم، وأرسَلَهُ هُوَ بُولُسَ إلى كُورنثُوس ليُبَشِّرَهُم
بالأخبارِ السَّارَّة.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس د دواخاتي ي

 

"البِناءُ
على الأساس"

(1كُورنثُوس
3: 8- 17)

 في
الإصحاحِ الثالِث من رسالة بُولُس الرسُول الأُولى إلى أهلِ كُورنثُوس، يستخدِمُ
بُولُس إستِعارَةً جَميلَةً عندما يكتُبُ أنَّ المُؤمنين في كُورنثُوس هُم حقل
الله. فهُوَ وأَبُلُّوس هُما بِمثابَةِ مُزارِعَين أو كرَّامَين. فهُوَ غرسَ
بُذُورَ الإنجيل وكلمة الله في حقلِ كُورنثُوس، وأبُلُّوس سقى هذه البُذُور،
ولكنَّ اللهَ هُوَ الذي أعطى الحَياة لهذه البُذُور وجعلَها تنمُو. في العدد 9،
غيَّرَ بُولُس الإستِعارَة، وقالَ لهؤلاء المُؤمنين، "أنتُم بِناءُ
الله."

 

 إنَّ
كُلاً من بُطرُس وبُولُس علَّما أنَّ الهيكَل الذي يعيشُ اللهُ فيهِ الآن، هُوَ
جسدُ المُؤمن. يُضِيفُ بُطرُس إلى هذه الإستِعارَة مفهُوم كونِنا حجارَةً حَيَّة
في الهيكَل الذي يبنيهِ اللهُ اليوم. (1بُطرُس 2: 5) يا لِهذا الوصف الجميل لكنيسة
المسيح القائِم من الموت.

 

 يُتابِعُ
بُولُس مُستَخدِماً إيضاحَ البِناء، يُتابِعُ بالقَول، "حسبَ نِعمَةِ الله
المُعطاة لي كَبَنَّاءٍ حَكيم قد وضَعتُ أساساً وآخر يَبني عليه. ولكن فَليَنظُرْ
كُلُّ واحِدٍ كَيفَ يبني عليهِ. فإنَّهُ لا يستطيعُ أحدٌ أن يضعَ أساساً آخَرَ غير
الذي وُضِعَ الذي هُوَ يسُوع المسيح." (1كُورنثُوس 3: 10- 11) يقُولُ بُولُس
أنَّ الكنيسةَ في كُورنثُوس هي مثل بِناء، وهُوَ وضعَ أساسَ هذا البِناء عندما
كرزَ بالإنجيل، فاختَبَرَ أعضاءُ الكنيسةِ المُؤسِّسُونَ الخلاصَ.

 

 كانَ
بُولُس مُرسَلاً. وهُوَ لم يَشأْ أن يكرزَ بالإنجيل حيثُ سبقَ وكُرِزَ بالمسيح من
قَبل. بل أرادَ أن يكرِزَ حيثُ لم يُكرَزْ بالمسيحَ بتاتاً من قَبل. لقد أرادَ أن
يضعَ الأساسات. ولكنَّ بُولُس عرفَ أنَّ المَسيحيَّةَ هي عملُ فريق، وآمنَ أنَّ
الآخرينَ مثل أبُلُّوس وبطرُس سيُتابِعُونَ الإهتِمامَ بخدمتِهِ في أماكِن مثل
كُورنثُوس. وسوفَ يبنُونَ على هذا الأساس الذي وضعَهُ بولُس عندما كرزَ بالإنجيل.

 

 ولكن
الآن نقرَأُ تحذِيراً يُطلِقُهُ لأُولئكَ الذين كانُوا سيبنُونَ على هذا الأساس:

 

 "ولكن
إن كانَ أحَدٌ يَبنِي على هذا الأساس ذَهَباً فِضَّةً حِجارَةً كَريمَةً خَشَباً
عُشباً قَشَّاً. فعَمَلُ كُلِّ واحِدٍ سيَصِيرُ ظاهِراً لأنَّ اليومَ
سيُبَيِّنُهُ. لأنَّهُ بِنارٍ يُستَعلَنُ وستمتَحِنُ النَّارُ عمَلَ كُلِّ واحِدٍ
ما هُوَ. إن بَقِيَ عَمَلُ أحَدٍ قد بناهُ عَلَيهِ فسيأخُذُ أُجرَةً. إن إحتَرَقَ
عمَلُ أحدٍ فسَيخسَر وأمَّا هُو فَسَيخلُصُ ولكن كما بِنار." (1كُورنثُوس 3:
12- 15)

 

 يعتَقِدُ
الكثيرُونَ من دارِسي الكتاب المقدَّس أنَّ بُولُس يُشيرُ إلى كُرسِّي المسيح
للحِساب أو الدَّينُونة، حيثُ سيُحاسَبُ المُؤمنُون. هُناكَ دينُونَةٌ أُخرى تُوصَفُ
في كلمةِ الله، وهِي دينُونَةُ العرشِ الأبيض العظيم، حيثُ سيُدانُ غيرُ المُؤمنين
بالمَوتِ الأبديّ. (رُؤيا 20: 11- 15).

 

 ولكنَّ
هذه الدينُونة أو الحِساب أمامَ كُرسِيّ المسيح ليست بمعنى الدينُونَة للهلاك. فلن
يُدانَ أحدٌ في هذا الحِساب. بل القَضيَّةُ هُنا هي حسابٌ للتَّقييم. فما هُو
نتاجُ قيمَةِ حياتِكَ بعدَ أن آمنتَ بالمسيح كمُخلِّصٍ شَخصيٍّ لكَ؟
"فحياتُنا سُرعانَ ما ستَزُول؛ ولن يتبَقَّى ما عمِلناهُ من أجلِ
المَسيح." فماذا تبني على أساس المَسيح؟ هل تَبني أُمُوراً تبقى، كالذهب
والفِضَّة والحجارَة الكَريمة، أم أنَّكَ تَبني أُموراً تزُول، كالخَشَب والعُشب
والقَشّ؟

 

 إنَّ
هذه الإستعارة أو الصُّورة المجازِيَّة عن الدَّينُونة، تُرينا أنَّنا نخزُنُ
الخَشَبَ والعُشبَ والقَش ممزُوجاً معَ الذَّهب والفِضَّة والحِجارَة الكَريمة.
فعِندما يَتِمُّ تقيِيمُنا كَمُؤمِنين، سوفَ يُعبِّرُ يسُوع المسيح كُلَّ ما
كدَّسناهُ في النَّار. فعندما تمُرُّ النَّارُ على الخَشَب، العُشب، والقَشّ، سوفَ
تحتَرِقُ هذه جميعُها. وهكذا ستُنقِّي النارُ الذَّهبَ والفِضَّةَ والحجارَةَ
الكريمة.

 

الحقيقَةُ
التي يتمُّ تعليمُها هُنا هي أنَّنا بعدَ أن نختَبِرَ الخلاص، وعندما نكُونُ
جَسَدِيِّين، ونُحاوِلُ أن نحيا لأجلِ المسيح ونخدُمَهُ بدُونِ أن نثِقَ بِهِ
لنجعَلَ هذا مُمكِناً، نكُونُ نجمَعُ قشَّاً وعُشباً وقَشَّاً. عندما نكُونُ
رُوحِيِّين ونحيا ونتحرَّكُ مُعتَمِدينَ على المسيح، نكُونُ نجمَعُ المعادِنَ الثمينة
والحِجارَةَ الكَريمة. وعندما تخمُدُ النارُ، ستتحدَّدُ نوعِيَّةُ أبديَّتِنا.

 

إنَّ
بُولُس لا يُعلِّمُ أنَّنا نخلُصُ بأعمالِنا. فالذي يحتَرِقُ في هذه النَّار ليسَ
خلاصنا. بالواقِع، إنَّهُ يُحَذِّرُ أُولئكَ الذين كانُوا يبنُونَ على الأساسِ
الذي وضعَهُ هُوَ كبنَّاءٍ حَكيم، في حياةِ المُؤمنين في كُورنثُوس. هذا الأساسُ
كانَ المَسيح، الذي كانَ أساسَ خَلاص أُولئكَ الذين آمنُوا في كُورنثُوس.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس الكتاب الشريف عهد قديم سفر دانيال 03

 

وإذ
يُتابِعُ بُولُس تشبيهَ المُؤمنين الكُورنثُوسيِّين بالبِناء، يُوافِقُ معَ بُطرُس
عندما يسألَ: "أما تعلَمُونَ أنَّكُم هيكل الله ورُوح الله يسكُنُ فيكُم؟ إن
كانَ أحدٌ يُفسِدُ هيكَلَ الله فسَيُفسِدُهُ الله، لأنَّ هيكَلَ اللهِ مُقدِّسٌ
الذي أنتُم هُوَ." (1كُورنثُوس 3: 16- 17)

 

يتَّفِقُ
بُولُس وبُطرُس على أنَّ اللهَ لا يحيا في هياكِل مصنَوعة بأيدي النَّاس. وهُوَ لم
يعُدْ يسكُنُ في خَيمَةِ العِبادَة في البَرِّيَّة، ولا في هَيكَلِ سُليمان. فإن
كُنَّا مُؤمنين، فإنَّ جسَدَنا هُوَ هيكَلُ الله… وهُوَ يحيا فينا – وعَلينا أن
لا نُنَجِّسَ هذا الهيكل أبداً بتاتاً.

 

"الإنسانُ
الحَكيم والإنسانُ الجاهِل"

(1كُورنثُوس
3: 18- 20)

 عادَ
بُولُس ليتكلَّمَ عن المَوضُوع الذي بدَأَهُ في العدد 17 من الإصحاحِ الأوَّل،
حيثُ يكتُبُ هُنا في الإصحاحِ الثَّالِث: "لا يخدَعَنَّ أحدٌ نفسَهُ. إن كانَ
أحَدٌ يَظُنُّ أنَّهُ حَكِيمٌ بَينَكُم في هذا الدَّهر فَليَصِرْ جاهِلاً لِكَي
يَصيرَ حَكيماً. لأنَّ حِكمَةَ هذا العالم هي جَهالَةٌ عندَ الله لأنَّهُ مكتُوبٌ
الآخِذُ الحُكَماءَ بِمَكرِهِم. وأيضاً الرَّبُّ يعلَمُ أفكارَ الحُكماء أنَّها
باطِلَة." (1كُورنثُوس 3: 18- 20)

 

لا
يُعلِّمُ بُولُس أنَّنا عندما نُصبِحُ أتباعَاً للمسيح، نكُفُّ عن إستِخدامِ
عقُولِنا. فلقد أخبَرنا بُولُس في الإصحاحِ الثَّاني أنَّ الرُّوحَ القُدُس
يُعلِّمُنا ويُفسِّرُ الأُمُورَ الرُّوحِيَّة للأشخاصِ الرُّوحِيِّين. (2: 13)
الكثيرُ من الأشخاص نظيري مثلاً، لم يعرِفُوا أنَّ لديهم عقلٌ ليَستَخدِمُوهُ قبلَ
أن يتعرَّفُوا على المسيح. كُنتُ في التَّاسِعَةِ عشر من عُمرى عندما إختَبَرتُ
الخلاص. وفي ذلكَ الوقت، كُنتُ أَظُنُّ أنَّ رأسي ليسَ سوى مُجرَّد ثِقل على
الجسد. ولكن بعدَ أن تعرَّفتُ إلى المسيح، أصبَحتُ مُدرِكاً أنَّ اللهَ أعطاني
عقلاً. وبِمسحَةٍ من الرُّوحِ القُدُس، إستَخدَمتُ هذا العقل أكثرَ جداً بعدَ أن
تعرَّفتُ إلى المسيح، ممَّا كُنتُ أستَخدِمُهُ من قَبل. وهذا يَصحُّ على الكَثير
من المُؤمنين.

 

فما
الذي يقصُدُهُ بُولُس بحكمَةِ هذا العالم؟ أحياناً عندما تستخدِمُ الأسفارُ
المُقدَّسَةُ كلمة "العالم"، تُشيرُ بها إلى نظامِ مُعتَقَدات وقِيَم،
وإلى طريقَةِ تفكير هذا العالم، أو ما يعتَبِرُهُ العالَمُ مُهِمَّا. هذا ما
قصدَهُ بُولُس بهذا الدَّهر. (18) فإذا تأمَّلنا بهذا، علينا أن لا نتوقَّعَ من
الأشخاص غَير الرُّوحِيِّين أن تكُونَ لهُم قِيمة الأشخاص الرُّوحِيِّين.

 

إنَّ
الكتابَ المقدَّسَ يُوضِحُ هذا تماماً، أنَّنا عندما نَصيرُ مُؤمِنين، يُصبِحُ
لدينا قِيَمٌ رُوحِيَّة. ونكُونُ قدِ إختَبَرنا "تجديدَ أذهانِنا." (رُومية
12: 2) فليسَ علينا أن نُفكِّرَ بالطريقَةِ التي يُفكِّرُ بها العالم. فنحنُ في
إتِّحادٍ معَ المسيح الحَيّ. والرُّوحُ القُدُسُ يحيا فينا. وأصبَحَ اللهُ مصدَرَ
قِيَمِنا وأفكارِنا.

 

فعندما
يضعُ بُولُس أمامَنا هذا التناقُض مُجدَّداً – حكمةُ هذا العالم وحكمة الله –
يكتُبُ قائِلاً، "إقبَلْ أن يُنظَرَ إليكَ من قِبَلِ هذا العالم كجاهِلٍ،
لكَي تكُونَ في عيني الله حَكيماً بالفِعل." (أمثال 9: 10) إنَّ خَوفَ
الرَّبِّ هُوَ الأمرُ نفسُهُ كالإيمانِ بالرَّبّ. فخوفُ اللهِ لا يعني أن تنظُرَ
إليهِ وكأنَّهُ طاغِيَة. بل يعني إجلالاً للهِ لأنَّكَ تُؤمِنُ بهِ. فبما أنَّكَ
تُؤمِنُ باللهِ، سوفَ تخافُ أن تُنَجِّسَ الهيَكل الذي يحيا اللهُ فيه.

 

فهل
تخافُ من عدَم طاعَةِ الله؟ وهل تُؤمِنُ باللهِ لدرجةِ أنَّكَ تخافُ أن تقتَرِفَ
الخَطيَّة وأن لا تُطيعَهُ، لأنَّكَ تُؤمِنُ أنَّهُ سيُؤدِّبُكَ؟ هذا خَوفٌ سَليمٌ
لله. وهُوَ أيضاً بُرهانُ الإيمان، وبدءُ الحكمة. فأنتَ تبدَأُ بأن تَصيرَ
حَكِيماً عندما تُؤمِنُ بالله. فإن أردتَ أن تكُونَ حَكيماً في عيني الله، عندَها
عليكَ أن تقبَلَ بأن يُنظَرَ إليكَ في هذا العالم كجاهِل. فهل أنتَ حَكيمٌ في
أُمُورِ الله؟ وهل أنتَ حَكيمٌ في الأُمُورِ الرُّوحِيَّة؟ وهل أنتَ حَكيمٌ في
فهمِكَ للأسفارِ المقدَّسة؟

 

العالَمُ
يدعُو شعبَ الله الحُكماء رُوحيَّاً بالجُهَّال. فلا ينبَغي أن نتفاجَأَ عندما
نعرِفُ أنَّ "حكمةَ" العالم هِي جهالَةٌ عندَ الله، لأنَّهم لم
يعرِفُوهُ بالحكمة. إنَّ خُطَّةَ الله هي أن يُخلِّصَ الناسَ من خِلال الكرازة
بالإنجيل. الشخصُ غيرُ الرُّوحي يسمَعُ الإنجيل ويقُول، "جهالَة." أمَّا
اللهُ فينظُرُ إلى حِكمَةِ هذا الرجُل العالَمي ويقُول، "جهالة‍!"

 

في
صَلاتِهِ العظيمة من أجلِ رُسُلِهِ وكنيستِه، نسمَعُ يسُوعَ يُصلِّي قائلاً،
"هذه هي الحياةُ الأبديَّة، أن يعرِفُوكَ أنتَ الإلهَ الحَقيقيَّ وحدَكَ
ويسُوعَ المسيح الذي أرسلتَهُ." (يُوحنَّا 17: 3) بحسبِ يسُوع، معرِفة الله
وإبنِهِ هي المكانُ الذي تبدَأُ فيهِ الحياة. ويُوافِقُ بُولُس معَ يسُوع عندما
يكتُبُ في هذه الأعداد أنَّ أُولئكَ الذين يُحَقِّقُونَ هذا الإكتِِشاف العَظيم
هُم حُكَماء، والذين يُفَوِّتُونَ على أنفُسِهم تِلكَ النَّوعِيَّة الأبديَّة
للحياة هُم جُهَّالٌ.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس الكنيسة القبطية عهد جديد إنجيل لوقا 01

 

"مُدَبِّرُو
الأسرار"

(1كُورنثُوس
3: 21- 4: 5)

يصِلُ
بُولُس الآن إلى إستنتاجِهِ حيالَ المُشكِلة الأُولى التي عالجَها في كنيسةِ
كُورنثُوس، وهي مُشكِلة الإنشِقاق بينَ المُؤمنين بسبب تحزُّبِهم حولَ قادَةِ
كنيستِهم. نجدُ إستنتاجَهُ أو خاتِمَتَهُ هذه في 1كُورنثُوس 3: 21، "إذاً لا
يَفتَخِرَنَّ أحَدٌ بالنَّاس. فإنَّ كُلًَّ شَيءِ لكُم. أبُولُس أم أبُلُّوس أم صفا
أم العالم أم الحياة أم الموت أم الأشياء الحاضِرة أم المُستَقبَلة كُلُّ شَيءٍ
لكُم. وأمَّا أنتُم فَلِلمَسيح والمَسيحُ لله. (21- 23)

 

يَقُولُ
بُولُس أنَّ اللهَ يعرِفُ الأشياءَ التي تحتاجُها لكي يَصِلَ بكَ إلى الخَلاص ولكي
تنمُوَ في الإيمان. وهُوَ سيحرَصُ على أن تحصلَ على كُلِّ ما تحتاجُهُ لكي
تتحقَّقَ هذه المُعجِزاتُ في حياتِكَ. فإذا كانَ اللهُ يعرِفُ أنَّكَ تحتاجُ
لِبُولُس، سيُرسِلُ لكَ بُولُس. وإذا عرفَ اللهُ أنَّكَ تحتاجُ إلى أبُلُّوس،
فسيُرسِلُ لكَ أبُلُّوس. وإذا عرفَ أنَّكَ تحتاجُ إلى صفا (بُطرُس)، فسيُرسلُ
بطرُسَ. إنَّ اللهَ سيستخدِمُ كُلَّ الأحداث في حياتِكَ ليجعَلها تعمَلُ معاً من
أجلِ خيرِكَ. فهُوَ المُحرِّكُ الأوَّل والأساسِي في كُلِّ هذا. لهذا ختمَ بُولُس
حُجَّتَهُ بإخبارِ هؤُلاء الكُورنثُوسيِّين أن لا يفتَخِرُوا حيالَ هؤلاء الرِّجال
الذين أرسلَهُم إليهم.

 

قالَ
بُولُس في الإصحاحِ الرَّابِع، "هكذا فَليَحسَبنا الإنسانُ كَخُدَّامِ
المَسيح ووُكَلاء سَرائِرِ الله." (1كُورنثُوس 4: 1) ما يقصُدُ بُولُس قولَهُ
هُنا هُو، "نحنُ لسنا سِوى خُدَّام (عَبيد) للمسيح. ولقد جِئنا إلى كُورنثُوس
لأنَّ المسيحَ أرسَلَنا إلى كُورنثُوس. وكُلُّ ما حدَثَ في كُورنثُوس، حدَثَ بسببِ
الله وليسَ بسبَبِنا نحنُ."

 

في
الإصحاحِ الثاني،كتبَ بُولُس عن "حكمة الله في سِرّ." فالسِّرُّ هُوَ
حقيقَةٌ مخفِيَّة ستُعلَنُ في النِّهاية. ويُمكِنُ إعتِبارُ الإنجيل سِرَّاً
بِمَعنَيَين. فالإنجيلُ سيُعلَنُ عندما سيرجِعُ يسُوعُ المسيح ثانِيَةً، وعندما
سيُختَتَمُ تاريخُ البَشَريَّةِ في المسيح. لدى الكتاب المقدَّس الكثير ليقُولَهُ
عن المُستَقبَل. وعندما يُخبِرُنا بُولُس لاحِقاً في هذه الرِّسالة عن الحياة بعدَ
القَبر، يقُول، "هُوَّذا سِرٌّ أقُولُهُ لكُم." (15: 51) فأحداثُ
المُستقبَل هي سِرٌّ بالنِّسبَةِ لنا الآن، ولكنَّها يوماً ما سوفَ تُعلَنُ.

 

ولكن
بُولُس يُفسِّرُ لهؤلاء المُؤمنين في كُورنثُوس، أنَّهُ هُوَ وباقي القادَة، الذين
أوصلوا لهم الخلاص، ينبَغي أن يُعتَبَرُوا كَوُكَلاء على أسرارِ اللهِ الحاضِرة والمُستَقبَلَة.
هُناكَ الكَثيرُ الذي ينبَغي قولُهُ عن الإنجيل، وعن المقاطِع الكتابِيَّة التي لا
يزالُ معناها خَفِيَّاً عَلينا إلى أن يُعلِنَها الرُّوحُ القُدُسُ. بهذا المعنى،
كُلُّ الحقيقَةِ الرُّوحيَّة التي يُريدُ اللهُ أن يُِشارِكَها معَنا هي سِرٌّ.
ولقد إعتَبَرَ بُولُس نفسَهُ والآخرينَ الذي يُعلِّمُونَ الكلمة وُكلاءَ سرائرِ
الله.

 

يُتابِعُ
بُولُس قائلاً، "ثُمَّ يُسأَلُ في الوُكَلاء لِكَي يُوجَدَ الإنسانُ
أميناً." 4: 2) أعطانا يسُوعُ في لُوقا 16 مَثَلاً يُعلمُ بِمَفهُومِ
التَّلمَذَة. في هذه المثَل وأمثال أُخرى مُشابِهة، يُعلِّمُنا يسُوع أنَّنا
جميعَنا وُكَلاء. وكأبناءِ الله، نحنُ نُديرُ أمُوراً تَخُصُّ شخصاً آخر.
"لأنَّكُم لستُم لأنفُسِكُم بل قد إشتُريتُم بِثَمن،" كما يقُولُ بُولُس
لاحِقاً في هذه الرِّسالة. (6: 19- 20)

 

الوُكَلاءُ
هُم مُديرُو أعمال. فالوكالَةُ تعني أنَّ وقتَنا ليسَ لنا، وأنَّ طاقَتَنا ليسَت
لنا. فالوكالَةُ لا ترتَبِطُ فقط بأموالِنا وبِمُمتَلَكاتِنا. وهي تتعلَّقُ
بِكُلِّ بُعدٍ من أبعادِ حياتِنا. في هذا المقطَعِ العميق، يربُطُ بُولُس الوكالة
بأسرارِ الله الحاضِرة والمُستَقبَلَة.

 

ما
يَهُمُّ هو أن يكُونَ الوَكيلُ أميناً، لأنَّنا يوماً ما سنُعطِي حٍِساباً عن
وكالَتِنا. فهل سنكُونُ قادِرينَ أن نفرَحَ بهذه الكلمات من المُعلِّم،
"نِعِمَّا أيَّها العبدُ الصالِحُ والأمين؟"

 

بعدَ
أن قدَّمَ بُولُس هذه الفِكرة في العددِ الثاني، قالَ ما معناهُ، "لقد كُنتُم
تحكُمُونَ عليَّ وتُشكِّكُونَ بِحُسنِ وكالَتي. بِصراحَة، أنا غيرُ مسرورٍ بما
فعلتُم." (تذكَّرُوا أنَّهُ لا يزالُ بُولُس يُخاطِبُ أتباعَهُ في كُورنثُوس،
أُولئكَ الذين يَظُنُّونَ أنَّهُ الأعظَم.)

 

يسألُ
بُولُس هُنا، "ماذا تعرِفُونَ عنِّي؟ لا بَل، ماذا أعرِفُ أنا عن نفسي؟
ولماذا لا أحكُمُ أنا على نَفسي. سأُخبِرُكُم لماذا. أنا لا أعرِفُ ما هِيَ
دوافِعُ قَلبي. اللهُ وحدَهُ يعرِفُ دوافِعي ولهذا هُوَ الشخصُ الوَحيدُ
المُؤهَّلُ ليحكُمَ عليَّ. (إرميا 17: 9، 10؛ مزمُور 139: 23، 24) لِهذا، الرَّبُّ
هُوَ الذي يحكُمُ عليَّ. ففيما يتعلَّقُ بالحُكمِ على الآخرين (إيجابِيَّاً، وليسَ
بسببِ الخطية)، لا تحكُمُوا في شَيءٍ إلى أن يأتِيَ الرَّبُّ." بالنسبَةِ
لبُولُس، عندما يأتي الرَّبُّ، "سيُنيرُ خفايا الظَّلام ويُظهِرُ آراءَ
القُلُوب. وحينئِذٍ يكُونُ المدحُ لِكُلِّ واحِدٍ من الله." (1كُورنثُوس 4:
5).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي