الإصحَاحُ
الْعَاشِرُ

 

"نماذِج
وتحذيراتٌ"

(1كُورنثُوس
10: 1- 22)

في
كُورنثُوس الأُولى 10، يرجِعُ بُولُس للحدِيثِ عن موضوع أكل ما ذُبِحَ للأوثان.
لأُولئكَ الذين إعتَقَدُوا أنَّهُ من الصَّواب أكل هذا اللحم، عبَّرَ بُولُس عن
تحذير. "أنظُرُوا إسرائيلَ حسبَ الجسد. أليسَ الذين يأكُلُونَ الذَّبائِح هُم
شُرَكاءُ المذبَح؟" (1كُور10: 18) بِكَلماتٍ أُخرى، "ألا تُدرِكُونَ
بماذا تُشرِكُونَ أنفُسَكُم عندما تأكُلُونَ هذا اللحم المُقدَّم للأوثان؟ فهل
يُمكِنُ أن تكُونُوا في شَركَةٍ معَ المسيح ومعَ خُبزِ المسيح، الذي يُشيرُ إلى
جسدِهِ، وأن تستَمِرُّوا بالمُشاركة في عبادَةِ الأوثان وكُلَّ ما
يُرافِقها؟"

 

بعدَ
أن ذكرَ أمثِلَةً من العهدِ القديم، بما في ذلكَ عبادة الأوثان التي تورَّطَ بها
شعبُ اللهِ القَديم عندما كانُوا في البَرِّيَّة، قالَ بُولُس في العدد 11،
"فهذه الأُمُور جميعُها أصابَتهُم مِثالاً وكُتِبَت لإنذارِنا نحنُ الذين
إنتَهَت إلينا أواخِرُ الدُّهُور."

 

إنَّ
كلمة "مِثال" تأتي من الكلمة اليُونانيَّة
Tupos، التي تعني "نمُوذج." فالنمُوذج هُوَ مثل نمُوذج
المطبعة، أي رمزٌ يترُكُ إنطِباعاً على صفحَةٍ مطبُوعة. فهذه الأمثِلة أو النماذِج
التي يذكُرُها بُولس هي بالواقِع صُورَةٌ مجازِيَّةٌ صغيرة، مقصُودٌ منها أن
تترُكَ إنطِباعاً على المُؤمنين الكُورنثُوسيِّين وعلينا نحنُ اليوم.

 

"إذاً
من يَظُنُّ أنَّهُ قائمٌ فَليَنظُرْ أن لا يسقُط." (12) فإن كُنتَ تَظُنُّ
أنَّكَ لن تسقُطَ أبداً، إتَّخِذ من مِثالِ شعبِ إسرائيل القَديم تحذيراً لكَ.
لأنَّكَ أنتَ أيضاً قد تسقُطُ في الخطيَّة. علينا أن نحذَرَ من الوُقُوعِ
مُجدَّداً في أخطاءِ شعبِ اللهِ في العهدِ القديم. فأحدُ أسباب تسجيل تاريخِهم،
هُوَ لكي لا نعود نحنُ ونقع في أخطائِهم نفسها. ولم يكُن الإسرائيليُّونَ القُدامى
التائِهونَ في البَرِّيَّة هُم الذين أخطأُوا فقط، بل أيضاً سُليمان مثلاً، وقعَ
في الكثير من الأخطاء. وفي نهايَةِ حياتِه قال ما معناهُ، "لا تعمَلوا كما
عمِلتُ أنا. بل تعلَّمُوا من خُبرَتي، لكي تتجنَّبُوا العواقِب التي عانَيتُ منها.
إجعَلُوا من حياتِي تحذيراً لكُم." (مزمُور 127: 1، 2؛ وجامِعة)

 

إنَّ
كُلَّ تَجرِبَةٍ تعرَّضَ لها داوُد، مُمكِن أن تتعرَّضَ لها أنتَ أيضاً. وكلُّ
تجرِبة تعرَّضَ لها سُليمان، قد تتعرَّضُ لها أنت. وكُلُّ تجرِبَة تعرَّضَ لها
شعبُ اللهِ القَديم، قد تتعرَّضُ لها أنتَ بِدَورِكَ. لماذا؟ لأنَّهُم كانُوا
أُناساً، وكذلكَ أنتَ إنسان. فاللهُ يستخدِمُ اليوم المصادِرَ نفسَها التي
إستخدمها آنذاك – كائناتٍ بَشَريَّة غير كامِلة. فالأشخاصُ غيرُ الكامِلين سوفَ
يتعرَّضُونَ دائِماً للتجرِبة، وقد يسقُطُون.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد جديد رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس إسكندر جديد 02

 

ولكنَّ
بُولُس يُعطينا أملاً في العددِ التالي. "لم تُصِبكُم تجرِبَة إلا بَشَريَّة.
ولكنَّ اللهَ أمينٌ الذي لا يدَعُكُم تُجَرَّبُونَ فوقَ ما تَستَطيعُون بَل سيَجَل
معَ التَّجرِبَة أيضاً المَنفَذ لِتَستَطيعُوا أن تحتَمِلُوا." (13) لنُلاحِظ
أنَّ العدد التالي يُظهِرُ لنا أنَّ المنفَذَ هُوَ الهُرُوب.

 

الشَّهَواتُ
الخاطِئة التي تأتي إلى حياتِكَ ليست جديدةً ولا مُختَلِفة. أشخاصٌ آخرونَ
واجَهُوا هذه التجارِب عينها. ولكن بإمكانِكَ أن تَثِقَ بالله لكي لا يسمَحَ
للتجرِبة بأن تقوى لدرجَةٍ لا تعُودُ تقوى على مُقاومتِها أو تحمُّلِها، لأنَّهُ
وعدَ بهذا وسيُحقِّقُ وعدَهُ.

 

ذكرَ
بُولُس خطايا مُحدَّدة إقتَرَفها شعبُ اللهِ القَديم، وأرادَ هُوَ من
الكُورنثُوسيِّين أن يتحاشُوها: عبادَة الأوثان، النجاسة الجنسيَّة، تجرِبَة
الرَّب، والتذمُّر. ثُمَّ في العدد 14 ذكرَ مُجدَّداً عبادَةَ الأَوثان، عندما
رجعَ إلى قضيَّة أكل اللحم المُقدَّم للأوثان، وكيفَ يُؤثِّرُ هذا على الأخِ
الأضعَف. "لذلكَ يا أحِبَّائي أهرُبُوا من عبادَةِ الأَوثان." (14)
فأكلُ اللحمِ الذي قُدِّمَ للأَوثان يعني المُشارَكة بسُلوكٍ غير أخلاقي.

 

من
المُستَحيل أن نُعبِّرَ بالتمام كم كانت هذه المُمَارَساتُ نَجِسَةً. لقد كانت
عبادَةُ الأوثانِ مُرتَبِطَةً بعالَمِ الرُّوح. "بل إنَّ ما يذبَحُهُ الأُمَم
إنَّما يذبَحُونَهُ للشَّياطِين." (20) لهذا قالَ للكُورنثُوسيِّينَ أن
يهرُبُوا، وأن يبتَعِدُوا عن الهياكِل وكُلِّ ما لهُ علاقَة بها.

 

يُشكِّلُ
هذا أيضاً نصيحَةً عظيمَةً لنا: إهرُبُوا مُباشَرَةً من هذه التجارِب. ولا
تُفكِّرُوا بأنَّكُم عمُودَ قُوَّةٍ، وأنَّهُ بإمكانِكم أن تهرُبُوا من التجارِب
التي تعصُفُ بحياتِكُم. تذكَّرُوا أنَّهُ ولو كانَت رُوحُكم تُريدُ ذلكَ، ولكنَّ
الجسدَ ضعيف. فلا تستسلِمُوا للجَسَد. إنَّ التعليمَ عن التجربة هُوَ أن نُصلِّي
بأن لا نقعَ في تَجرِبَة. ففي الصلاةِ الرَّبَّانِيَّة أو صلاةِ التلاميذ، علَّمنا
يسُوعُ أن نُصَلِّيَ يوميَّاً، "ولا تُدخِلنا في تجربِة." (متَّى 6: 13؛
26: 40، 41)

 

"مَبادِئُ
المحبَّةِ الثلاثة"

(1كورنثُوس
10: 23- 33)

بينما
يختُمُ بُولُس أُطرُوحتَهُ الرائِعة حولَ قضيَّةِ أكلِ ما ذُبِحَ للأَوثان،
يُكرِّرُ ما سبقَ وذكرَهُ في الإصحاح الثامِن عن الحُرِّيَّة التي تُشبِهُ المسيح.
فكُلُّ شَيءٍ يَحِلُّ، كما يقُولُ، ولكن ليسَ كُلُّ شَيءٍ يبني. ثُمَّ يُصِرُّ على
أن نطلُبَ خيرَ الآخرينَ قبلَ أن نسعى لِخَيرِنا.

هل تبحث عن  م الكنيسة كنيسة الله الحى 57

 

ثُمَّ
يُعطي بُولُس تعليماتٍ مُحدَّدة. "كُلُّ ما يُباعُ في المَلحَمة كُلُوهُ
غَيرَ فاحِصِين عن شَيءٍ من أجلِ الضَّمير. لأنَّ لِلرَّبِّ الأرضَ
ومِلأَها." (1كُورنثُوس 10: 25- 26) ثُمَّ ينصَحُ بُولُس الشخصَ الذي يُدعى
إلى مأدُبَة طعام، أن لا يسألَ هذا الشخصُ، "هل قُدِّمَ هذا اللحمُ
للوَثَن؟" بل أن يأكُلَ بدُونِ أن يسألَ أسئِلةً. ولكن إذا إقتَرَبَ
المُضِيفُ وقالَ لهُ، "أُريدُكَ أن تعرِفَ أنَّ هذا اللحم كانَ قد قُدِّمَ
للوَثَن،" عندها لا تأكُلْ من أجلِ الضَّمير." ويُوضِحُ بُولُس قائلاً،
"ليسَ ضميرَكَ أنتَ، بل ضمير الآخر." (29)

 

هُنا
يستَبِقُ بُولُس سُؤالَ الكُورنثُوسيِّين. "لأنَّهُ لماذا يُحكَمُ في
حُرِّيَّتي من ضَميرِ آخر؟" (29) فقد تسألَ، لماذا عليَّ أن أُقادَ وأُحَدَّ
بما يُفكِّرُ بهِ شخصٌ آخر؟ من أجلِ مجدِ الله! فكُلُّ ما تعمَلُهُ كتِلميذٍ ليسوع
المسيح ينبَغي أن يُعمَلَ لمجدِ الله، حتى ولو كانَ أكلاً وشُرباً. وينبَغي أن
تتأكَّدَ من أنَّ طريقَةَ حياتِكَ لا تُشكِّلُ عثرَةً لأيِّ شخصٍ آخر – سواءٌ
أكانَ يَهُودِيَّاً أم أُمَمِيَّاً أم مُؤمِناً." (1كُورنثُوس 10: 32، 33)

 

فمُضيفُكَ
قد يكُونُ مُرَشَّحاً للخلاص. وبما أنَّهُ قامَ بهذه المُلاحظة، فهُوَ قد يكُونُ
يعتَقِدُ أنَّ أتباعَ المسيح لا يأكُلُونَ لحماً كانَ قَد قُدِّمَ لِوَثَن. جوابٌ
آخر على هذا السُّؤال هُوَ في كلمة واحدة: "محبَّة." لاحِظْ كيفَ أنَّ
كُلَّ مُشكِلَة عالَجَها بُولُس في كنيسةِ كُورنثُوس تَجِدُ لها حلاً في إصحاحِ
المحبَّة، بما فيها هذه المُشكلة.

 

تبرُزُ
هُنا ثلاثَةُ مبادِئ كانت تقُودُ الأخلاقَ الشخصيَّة التي وصفها بُولُس ونصحَ بها
في الإصحاحِ التاسع. فهُوَ لم يطلُبْ خيرَهُ الشخصيّ، بل خيرَ الآخرين. ولقد وضعَ
اليَهُودِي، الأُمَمي، المُؤمنَ النامُوسي، والأخَ الأضعَف في مركَزِ إهتماماتِ
حياتِه. وهُوَ لم يطلُب مجدَهُ الشخصي، بل مجدَ الله – حتَّى في أصغَرِ الأُمُور،
مثل الأكل والشُّرب. فما هُوَ الذي يُمجِّدُ الله؟ وما هُوَ الذي يُؤدِّي إلى
خلاصِ الآخرينَ وبُنيانهِم؟ وهل أنا أسعَى وراءَ خَيري أم خير الآخرين؟ هذه
مبادِئُ رائعة ينبَغي أن تُسيطِرَ على حياة المُؤمنين الأخلاقيَّة.

هل تبحث عن  هوت عقيدى أسرار الكنيسة السبعة الأسرار 08

 

هذه
المبادِئ هي لكُلِّ مُؤمن، ولكن عندما يكُونُ المُؤمنُونَ حديثي الإيمان، قد لا
يفهَمُون هذه المُطلقات الأدبيَّة الأخلاقيَّة. وبينما ينضُجُون، سيقبَلُونَ
المبادِئ التي قادت فلسفة حياة وخدمة أعظم مُرسَل وراعي ومُعلِّم وكاتِب في كنيسةِ
العهدِ الجديد.

 

على
تابِعِ المسيح لكي يكُونَ قائداً في كنيسة، أن يُطبِّقَ ويُؤمِنَ بفلسفة الحياة
والخدمةِ هذه، التي طبَّقها بُولُس وأوضحها في الإصحاحات 8، 9، و10 من كُورنثُوس
الأُولى. فالمحبَّةُ هي ثمرُ الرُّوح، وبُرهانُ النُّضج الرُّوحيّ. والمحبَّةُ
ينبَغي أن تكُونَ بُرهانَ مِصداقِيَّةِ كُلِّ مُؤمن. المحبَّةُ هي في وسطِ هذه
الفلسفة الأخلاقيَّة التي تتمحوَرُ حَولَ المسيح وحولَ الآخرين. فإن كُنتَ تُؤمنُ
وتعيشُ على أساس هذه الفلسفة الأخلاقيَّة، فإنَّ المسيحَ والتبشيرَ وبُنيان
الآخرين ستكُونُ في مركَزِ إهتماماتِكَ وفي محوَرِ حياتك.

 

كُلُّ
شخصٍ تعرِفُهُ هُوَ فرصَةٌ للتبشيرِ أو للبُنيان. وسواءٌ أكانَ الشخصُ مُؤمِناً أم
غير مُؤمن، فإنَّ رغبَتَكَ ينبَغي أن تكُونَ لخدمتِهِ كعبدٍ من أجلِ بُنيانِهِ
وخلاصِه. وعليكَ أن تُصمِّمَ على أن لا تعمَلَ شيئاً قد يمنَعُ الناس من المجيءِ
إلى المسيح، إن كانُوا غير مُؤمنين. وإن كانُوا مُؤمنين، فإنَّ شُغلَكَ الشاغل
ينبَغي أن يكُونَ أن لا تعمَلَ أيَّ شَيءٍ ممَّا قد يصدُمَهُم، أو يُشكِّلُ
عثَرَةً أمامَ إيمانِهم، أو يمنَعُهم من النُّمُوّ.

 

هذه
المبادِئ: مجد الله، تبشير غير المُؤمنين، وبُنيان المُؤمنين، هي التي بها سنَجدُ
حلاً "للقَضايا الرَّمادِيَّة"، التي لا يدينُها الكتابُ المقدَّسُ ولا
يمدَحُها، فيما يختَصُّ بعلاقاتِنا… فعندما تُواجِهُ واحدَةً من هذه القضايا
الصعبَة، مثل أكل اللحم الذي قُدِّمَ للأوثان، فكِّرْ بالذين يُشاهِدُونَكَ تعمَلُ
ذلكَ. ثُمَّ إمتَحِنْ نفسَكَ. هل تتمحوَرُ حياتُكَ حولَ نفسِكَ، أم حولَ المسيح
وحولَ الآخرينَ لمجدِ الله، ولخلاصِ الضَّالِّين، ولبُنيانِ المُؤمنين؟

 

أُشجِّعُكَ
أن تجعَلَ من أولويَّاتِ الخدمة عندَ بُولُس، والتي شاركنا بها في الإصحاح التاسع،
وفي خاتِمَةِ الإصحاحِ العاشِر، أن تجعَلَ منها أوليَّاتِكَ المُطلَقة. إتِّخِذْ
الإلتِزام بأن تكُونَ عبداً لكُلِّ كائنٍ بَشَريٍّ تلتَقي به. ضَعْهُ في مركَزِ
إهتِمامِكَ، وتعهَّدْ بأن تَصيرَ كُلَّ شَيءٍ لكُلِّ شخصٍ، لكي يخلُصَ الجميع.
ثُمَّ، إتَّخِذْ الإلتِزام بأن لا تُقدِمَ على أيِّ عمَلٍ يُمكِنُ أن يُشكِّلَ
عثرَةً للمُتَدَيِّنِين، للوَثَنيّين، أو للمُؤمنين الذي ستلتَقيهِم في حياتِكَ.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي