الإصحَاحُ
الْخَامِسُ عَشَرَ

 

ما
هُوَ الإنجيلُ؟

(1كُورنثُوس
15: 1- 4)

لِنَفتَرِضْ
أنَّني أعطَيتُكَ أيُّها القارِئُ العزيز، قلماً وورقَةً، وطَلَبتُ منكَ أن تكتُبَ
جوابَكَ على هذا السُّؤال: "ما هُوَ الإنجيل؟" تصوَّرْ أنَّني طَلَبتُ
منكَ أن تُرفِقَ جوابَكَ على سُؤالِي ببعضِ الإقتباسات من أعدادِ الكِتابِ
المقدَّس. كيفَ كُنتَ ستُجيبُ على سُؤالي؟

 

كلَّفَ
يسُوعُ تلاميذَهُ ورُسُلَهُ بأن يُعلِنُوا إنجيلَهُ لكُلِّ خَليقَةٍ وأُمَّةٍ على
الأرض (مَرقُس 16: 15). إذا أخَذنا مأمُوريَّتَهُ العُظمَى جَدِّياً، علينا أن
نبدَأَ طاعَتَنا لهذه المأمُوريَّة المُعطاة للكنيسة، بالتأكُّدِ من كَونِنا
نعرِفُ ما هُوَ الإنجيلُ.

 

بِحَسَبِ
بُولُس الرَّسُول، هذا الإنجيل يتألَّفُ من حقيقَتين عن يسُوع المسيح. كتبَ بُولُس
يقُولُ "وأُعَرِّفُكُم أَيُّها الإخوَة بالإنجيلِ…أنَّ المسيحَ ماتَ من أجلِ
خطايانا حسبَ الكُتُب… وأنَّهُ قامَ في اليومِ الثَّالِث حسبَ الكُتُب."
(1كُورنثُوس 15: 1، 3، 4). هذا هُوَ الجوابُ الصحيحُ على السؤال، "ما هُوَ
الإنجيلُ؟" بدأَ بُولُس هذه الرِّسالة بإخبارِ الكُورنثُوسيِّين أنَّهُ عندما
جاءَ إلى كُورنثُوس، كانَ مُصمِّماً على أن لا يعرِفَ شيئاً بينَهُم إلا يسُوع
المَسيح وإيَّاهُ مَصلُوباً (2: 1، 2). ولقد ختمَ هذه الرِّسالة بتَذكِيرِهم
أنَّهُ كرزَ بالمَسيح مَصلُوباً ومُقاماً.

 

هل
سبقَ وإكتَشَفتَ أنَّهُ بالنسبَةِ لكُتَّابِ الأناجيل الأربَعة، إحتفالُ القيامَةِ
هُوَ أكثَرُ أهمِّيَّةً من الميلاد؟ فعندما كتبَ يُوحَنَّا الرَّسُول إنجيلَهُ،
خصَّصَ حوالي نصف إصحاحاتِهِ للسَّنَوات الثلاث والثلاثِين التي عاشَها يسُوعُ على
الأرض، والنِّصف الآخر من إصحاحاتِهِ خصَّصَها للأُسبُوعِ الأخير الذي عاشَهُ
يسُوع. ومن بَين تسعٍ وثمانِينَ إصحاحاً تُشكِّلُ الأناجيل الأربَعة، أربَعَةُ
إصحاحاتٍ منها تُغَطِّي ولادة المسيح والسنوات الثلاثِين الأُولى من حياتِهِ،
بينَما سبعَةٌ وعِشرُونَ إصحاحاً تُغَطِّي الأُسبُوع الأَخير الذي عاشَهُ يسُوع.
لماذا يحظى هذا الأُسبُوع الأخيرُ من حياةِ يسُوع بهذا القدر من الأهمِّيَّة،
ولماذا يُعتَبَرُ الفصحُ أهمَّ جداً من الميلاد، بالنسبَةِ لكُتَّابِ سيرَةِ حياة
يسُوع المسيح المُوحى بها، أي الأناجيل؟

 

الجوابُ
الصَّريحُ على هذه الأسئِلة هُوَ أنَّهُ خِلالَ هذا الأُسبُوعِ الواحِد، ماتَ
يسُوعُ وقامَ من المَوت من أجلِ خلاصِنا. الجَوابُ غيرُ الواضِحِ هُوَ أنَّهُ
خِلالَ هذا الأسبُوعِ الواحِد، بَرهَنَ يسُوعُ المَسيحُ الحَياةَ الأبَديَّةَ،
التي هي الإطار أو وُجهَة النَّظَر التي من خلالِها جَميعُ أُولئكَ الذين
يُؤمِنُون بالإنجيل ينبَغي أن ينظُروا إلى الحَياةِ والمَوت، ويُؤَسِّسُوا أولويَّاتِهم
لِعَيشِ حياتِهم في هذا العالم.

 

في
الإصحاحِ الخامِس عشَر من كُورنثُوس الأُولى، وبعدَ التصريحِ بِوُضُوحٍ بأنَّ
الإنجيلَ هُوَ موتُ وقِيامَةُ يسُوع المسيح، ركَّزَ بُولُسُ كأَشِعَّةِ اللايزَر
على تلكَ الحَقيقَة الثَّانِيَة في الإنجيل – قِيامَةُ يسُوع المَسيح. لقد كتبَ
ثمانِيَةً وخَمسينَ عدداً مُوحىً بهِ، مُظهِراً بطريقَةٍ تعبُّدِيَّةٍ عمليَّة، ما
ينبغِي أن تَعنيَهُ قيامَةُ يسُوع المسيح لكَ ولي. في هذا الإصحاحِ العظيم من
العهدِ الجَديد، يرفَعُ بُولُس الرَّسُول السِّتارَ عن القَبر، ويُظهِرُ لنا أنَّ
هُناكَ حياةٌ بعدَ المَوت، وحياةٌ بعدَ القَبر.

 

في
كُلِّ يومِ أحدٍ يجتَمِعُ فيهِ أتباعُ يسُوع المسيح معاً ليَعبُدُوهُ، يحتَفِلُونَ
بتلكَ الحقيقة الثَّانِيَة من حقائِقِ الإنجيل – أنَّ يسُوعَ المسيح قامَ من
الموت. هل سبقَ وتساءَلتَ لماذا غيَّرَ الرُّسُلُ، الذين كانُوا جميعاً يهُوداً،
يومَ عبادَتِهم من اليوم السابِع (السبتِ) إلى اليومِ الأوَّلِ في الأُسبُوع، أي
يوم الأحد؟ إذا قرأتَ بِتَمَعُّنٍ، سوف ترى أنَّهُم لا يَدعُونَ أبداً الأحد
"بالسبت". فاليومُ الأوَّلُ من الأُسبُوع يُسَمَّى "يوم
الرَّبّ" من قِبَلِ الرُّسُل، لأنَّ هذا هُوَ اليومُ الذي قامَ فيهِ يسُوعُ
من الموت. فكُلُّ يومِ أحدٍ تجتَمِعُ فيهِ الكنيسةُ للعبادَة، هُوَ إحتِفالٌ
بقيامَةِ يسُوع المسيح، لأنَّهُ في اليومِ الأوَّل من الأُسبُوع، أعلنَ يسُوعُ
وبرهَنَ القِيمَةَ المُطلَقة للقِيامَةِ والحياةِ الأبديَّة.

 

في تُحفَةِ
بُولُس عن القِيامة، جوهَرُ هذه الرِّسالة هُوَ أنَّ قيامَةَ يسُوع المسيح هي
نُبُوَّةٌ، بُرهانٌ، نمُوذَجٌ وصُورَةٌ مُسبَقة عن المُعجِزة المَهُوبَة، أنَّهُ
عندَ مجيءِ يسُوع المسيح ثانِيَةً، سيكُونُ هُناكَ قيامَةٌ خارِقَةٌ للطَّبِيعة
لكُلِّ المُؤمنين، الأحياء والأموات. بِحَسَبِ بُولُس، هذه المُعجزة العظيمة قد
تبرهَنت بدُونِ أدنى شَكّ، وتُنُبِّئَ وأُعلِنَ عنها بقِيامَةِ يسُوع المسيح.

 

لقد
ماتَ يسُوعُ وقامَ من الموتِ من أجلِ خلاصِنا. الأخبارُ السَّارَّةُ (الإنجيلُ) هي
أنَّهُ عندما ماتَ يسُوعُ على الصليب، وضعَ اللهُ على إبنهِ الحبيب الوحيد كُلَّ
العِقاب الذي إستحَقَّيناهُ نحنُ البَِشَر بسببِ خطايانا. بهذه الطريقة، مارَسَ
اللهُ وأرضى عدالتَهُ الكامِلة. ولقد عبَّرَ اللهُ أيضاً عن محبَّتِهِ الكامِلة،
عندما ماتَ يسُوعُ على الصليب. يُشيرُ يُوحنَّا الرَّسُول إلى الصليبِ ويقُولُ،
"في هذا هي المحبَّة. ليسَ أنَّنا نحنُ أحبَبنا الله، بل أنَّهُ هُوَ
أَحَبَّنا وأرسَلَ إبنَهُ ليمُوتَ كفَّارةً عن خطايانا، وليسَ عن خطايانا فقط، بل
وعن خَطايا العالم أيضاً." (1يُوحَنَّا 2: 1، 2).

 

عندما
تضَعُ إيمانَكَ بِمَوتِ المَسيح نيابَةً عنكَ، وتَثِقُ بهِ شخصيَّاً ليكُونَ
مُخَلِّصَكَ، تكُونُ قد دَخَلتَ إلى الخلاص الذي من أجلِ تحقيقِهِ ماتَ المسيحُ
وقامَ (إشعياء 53؛ 2كُورنثُوس 5: 21؛ 1بُطرُس 2: 24).

 

الكلمة
اليُونانِيَّة المُتَرجَمَة "إعتِراف"، هي كلمةٌ مُركَّبَةٌ من كلمتَينِ
يُونانِيَّتَين هُما: "قَولُ المِثْل." فأن تعتَرِفَ يعني حرفِيَّاً أن
"تقُولَ المِثل" أو أن تُوافِقَ معَ الله. هذا هُوَ المعنى الذي يحضُّنا
بهِ العهدُ الجديدُ على الإعتِراف بيسُوع المسيح (1يُوحنَّا 4: 1- 6). بَينَما
تنظُرُ إلى معنى مَوت وقِيامَة يسُوع المسيح، أُشجِّعُكَ أن تقُولَ المِثل، وأن
تُوافِقَ معَ الله على معنى مَوتِ يسوع المسيح.

 

يُرينا
النِّبِيُّ إشعياءُ كيفَ نعتَرِفُ أنَّ يسُوعَ المسيح ماتَ من أجلِ خطايانا. كتبَ
إشعياءُ قائِلاً: "كُلُّنا كَغَنَمٍ ضَلَلنا، مِلنا كُلُّ واحدٍ إلى طريقِهِ.
والرَّبُّ وضعَ عليهِ إثمَ جَميعِنا." (إشعياء 53: 6).

 

يبدَأُ
هذا العددُ وينتَهِي بنفسِ الكلمة، وهِي "كُل أو جَميع." أوَّلُ
"كُلّ" من هذا العدد تُشيرُ إلى الأخبارِ السَّيِّئة، أنَّ كُلَّ شخصٍ
منَّا قد شَرَدَ بعيداً بحسبِ طريقِهِ الخاصَّة. فعندما تتأمَّلُ بكلمة
"كُلّ" الأُولى من هذا العدد، هل تعتَبِرُ أنَّها تشمَلُكَ أنتَ أيضاً؟

 

وكلمة
"جميعنا" الأخيرة في هذا العدد هي الأخبارُ السَّارَّة أنَّ الله وضعَ
على يسُوع المسيح آثامَنا وخطايانا نحنُ جميعاً. هل تُؤمِنُ بأنَّكَ مَشمُولٌ بهذه
"الجَميع" الأخيرة من هذا العدد؟ عندما تَشمَلُ نفسَكَ، بالإيمانِ،
بهاتين الكلمتَين: "كُلُّنا وجميعُنا" من هذا العدد العظيم من سفرِ
إشعياء، تكُونُ تعتَرِفُ بالقِيمَةِ الأبديَّةِ أنَّ يسُوعَ ماتَ من أجلِ خطايانا.

 

إصحاحُ
القِيامَةِ في الكتابِ المقدَّس

يتكلَّمُ
الإصحاحُ الخامِس عشرَ من كُورنثُوس الأُولى بجُملتِهِ عن القِيامة. في هذا
الإصحاح، يُظهِرُ لنا بُولُس الرَّسُول أنَّ القِيامَة – وليسَ فقط قيامَة المسيح،
بل أيضاً قِيامة المُؤمنين الأموات – هي جزءٌ لا يتجزَّأُ من الإنجيل الذي كرزَ
بهِ بُولُس عندما جاءَ إلى كُورنثُوس. لهذا يبدَأُ هذا الإصحاح بالقَول، "وأُعَرِّفُكُم
أيُّها الإخوة بالإنجيلِ الذي بَشَّرتُكُم بهِ وقَبِلتُمُوهُ وتَقُومُونَ فيهِ.
وبهِ أيضاً تَخلُصُون إن كُنتُم تذكُرُونَ أَيُّ كلامٍ بَشَّرتُكُم بهِ إلا إذا
كُنتُم قد أمنتُم عبَثاً. (1كُورنثُوس 15: 1- 2).

 

ثُمَّ
يُركِّزُ بُولُس على الإنجيل الذي كرزَ بهِ: "فإنَّني سَلَّمتُ إليكُم في
الأوَّل ما قَبِلتُهُ أنا أيضاً أنَّ المسيحَ ماتَ من أجلِ خطايانا حسبَ الكُتُب.
وأنَّهُ دُفِنَ وأنَّهُ قامَ في اليومِ الثَّالِث حسبَ الكُتُب." (1كُورنثُوس
15: 3، 4)

 

الإنجيلُ
هُوَ بالواقِع حقيقَتان: موتُ يسوع المسيح وقيامَةُ يَسُوع المسيح. يَعتَقِدُ
الكَثيرُونَ أنَّ الإنجيلَ هُوَ فقط حقيقَةٌ واحِدة – أنَّ المسيحَ ماتَ من أجلِ
خطايانا. موتُ يسُوع المسيح، عندما نضَعُ إيمانَنا بهِ، يعني الغُفران، ولكنَّ
قيامَةَ يسُوع المسيح، عندما نضَعُ إيمانَنا بهذه الحقيقة الثانِيَة العظيمة من
حقائِقِ الإنجيل، تعني الشَّرِكة معَ المسيح، الذي يستطيعُ أن يُعطِيَنا بالنِّعمة
أن نكُونَ ونعمَلَ كُلَّ الأشياء التي دعانا لنَكُونَها ونعمَلَها. هاتَانِ
الحقيقتان تُشَكِّلانِ الإنجيل.

 

ويُتابِعُ
بُولُس عبرَ ثمانِيَةٍ وخمسينَ عدداً ليُناقِشُ هذه الحقيقة الثَّانِيَة من
حقائِقِ الإنجيل، أي قيامَةُ يسُوع المسيح. لَرُبَّما هذا بِسبب كونِ
الكُورنثُوسيِّين قد عبَّرُوا في رسالةٍ أرسَلُوا لهُ عن أسئِلةٍ وشكُوكٍ حيالَ
القِيامة. قد تكُونُ فكرَةُ القِيامَةِ بكامِلِها مُشكِلَةً عقلِيَّةً لأولئكَ
اليُونانِيِّين المُتفلسِفِينَ والمُتَحذلِقِينَ عقليَّاً.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كتاب الحياة عهد جديد رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 04

 

هذا
الإصحاحُ يتكلَّمُ بالدرجَةِ الأُولى عنِ القِيامَة، ولكنَّهُ يبدَأُ معَ تصريحٍ
واضِحٍ ومُحَدَّد عمَّا هُوَ الإنجيل. فهل تفهَمُ ما هُوَ الإنجيل؟ قد لا تكُونُ
تابِعاً للمسيح، لأنَّكَ لم تسمَعِ الإنجيلَ من قَبل. الأعدادُ الأربَعة الأُولى
من هذا الإنجيل تُعطي كُلَّ إنسانٍ فكرةً واضِحةً عمَّا هُوَ الإنجيل، الذي يعني
بالحقيقة "الأخبار السارَّة." لقد ماتَ يسُوع المسيح على الصليب، ليسَ
فقط من أجلِ خطايا العالم، بل أيضاً من أجلِ خطاياي وخطاياك.

 

قد
تَظُنُّ، بينَما تُفكِّرُ في إمكانِيَّةِ الإيمانِ بيسُوع، أنَّكَ لن تستطيعَ
أبداً أن تعيشَ كما دُعِيَ وتعلَّمَ أتباعُ المسيحِ أن يعيشُوا. أنتَ فعلاً على
صَواب. لن تتمكَّنَ من العَيشِ بهذه الطريقة، بدُونِ القُوَّة الديناميكيَّة
للمسيحِ القائم من الموت والذي يحيا فيكَ. لهذا تحتاجُ أن تفهَمَ أنَّ الحقيقَةَ
الثانِيَة عن الإنجيل هي قيامَةُ يسُوع المسيح. هذا يعني أنَّهُ حَيٌّ، حَقِيقيٌّ،
وبإمكانِكَ أن تتمتَّعَ بعلاقَةٍ معَهُ، تلكَ العلاقة التي ستمنَحُكَ النِّعمة
لتَحيا بالطريقة التي يتوجَّبُ على تلميذِ المسيح أن يحيا بِها.

 

إن
كُنتَ لم تُؤمِنْ بعد بالمسيح، هل ستُؤمِنُ بالإنجيلِ الآن؟ إن كُنتَ ستَفعَلُ
ذلكَ، عندها ستختَبِرُ الخلاص. وعندما تختَبِرُ الخلاص، تعالَ معي إلى راحَةِ هذا
الإصحاحِ الرِّائع، وانظُرْ ماذا يُمكِنُ ان تعنِيَهُ لكَ أخبارُ القيامَةِ
السَّارَّةُ – سواءٌ الآن أم عندما تُواجِهُ حقيقَةَ مَوتِكَ، التي لا مَفَرَّ
منها على الإطلاق.

 

إيمانٌ
بالحقائِق

(1كُورنثُوس
15: 1- 10)

بَينَما
ندرُسُ إصحاحَ القِيامَةِ في العهدِ الجديد، من المُهِمِّ لنا أن نُدرِكَ أنَّ
يسُوعَ المسيح ليسَ فقط شَخصِيَّةً تاريخيَّة. وليسَ فقط مُجرَّدَ نَبِيٍّ، أو مُعَلِّمٍ
مَيِّت، أو قائدٍ مُتَوفٍّ. بينما ندرُسُ شَخصيَّةَ يسُوع المسيح في الأسفارِ
المُقَدَّسَة، نكتَشِفُ أنَّهُ الكَلمة الذي صارَ جسداً، أو الله في جسدٍ
إنسانِيّ. وعندما ماتَ على الصليب، ماتَ على الصَّليب من أجلِ خطايا العالم بِشكلٍ
عام، ومن أجلِ خطايانا بِشَكلٍ خاصّ. عندما نضَعُ إيمانَنا بعملِ المسيح المُتمَّم
على الصَّليب من أجلِنا، يكُونُ خلاصُنا الشخصي هُوَ النتيجَةُ المُباشَرةُ
لإيمانِنا.

 

ولكنَّ
يسُوعَ المسيح قامَ أيضاً من الموت. في العُلِّيَّة، وقبلَ أن يتعرَّضَ يسُوعُ
للخِيانَةِ من قِبَلِ يَهُوَّذا، شارَكَ يسُوعُ معَ الرَّسُل أنَّهُ سيبدَأُ
ترتيباً جديداً. بعدَ موتِهِ وقيامَتِهِ، كانَ سيُوجَدُ في هذا العالم، بِطَريقَةٍ
ستُمَكِّنُهُم من إقامَةِ علاقَةٍ وثيقَةٍ معَهُ أكثَر ممَّا كانُوا يستطيعُونَ
فعلَهُ عندما كانَ معَهُم في الجَسد. ولقد أصبحَ هذا الترتيبُ الجديدُ سارِيَ
المفعُول منذُ ألفَي عام. فعندما تضَعُ إيمانَكَ الشَّخصِي بحقيقَة القيامة، تكونُ
النتيجَةُ علاقَةٌ شَخصِيَّةٌ حميمَةٌ معَ الرَّب.

 

إحدى
أعظَم الحُجَج لحقيقَةِ قيامَةِ يسُوع المسيح، هي حياةُ وخدمةُ الرَّسُول بُولُس.
فما هُوَ الذي غيَّرَ شاوُل الطرسُوسِيّ، عدُوّ المسيح اللَّدُود، إلى رسُولٍ
عظيمٍ ليسُوع المسيح؟ إنَّ قيامَةَ يسُوعُ المسيح هي التي حقَّقَت هذا التغيير
الجذري.

 

ليسَ
بإمكانِنا أن نُفسِّرَ حياةَ بُولُس الرَّسُول بمعزَلٍ عن كلمة
"إختِبار." لقد كانَ لدَيهِ على الأقَل ثلاثَة إختِبارات أساسيَّة. كانَ
لدَيهِ إختبارٌ على طريقِ دِمشق، ولكن كانَ لديهِ أيضاً إختِبارٌ في صحراءِ
العربيَّة. إدَّعى أنَّهُ كانَ في صحراءِ العربيَّة لمُدَّةِ ثلاثِ سنواتٍ، حيثُ
علَّمَهُ المسيحُ المُقامُ كُلَّ تلكَ الأشياء التي شارَكَها معَنا في تُحَفِهِ
اللاهُوتيَّة (غلاطية 1: 11- 2: 10). لقد إجتازَ أيضاً في إختبارٍ سماوِيّ
(2كُورنثُوس 12: 1-4). في إصحاحِ القِيامَةِ هذا، صرَّحَ أنَّ لِقاءَهُ معَ المسيح
المُقام هُوَ الذي غيَّرَ حياتَهُ رأساً على عَقِب. كتبَ قائِلاً: "وآخِر
الكُلّ كأنَّهُ لِلسِّقط، ظهرَ لي أنا." (1كُورنثُوس 15: 8).

 

ثُمَّ
يُعطينا بُولُس تصريحاً عظيماً عن نفسِه: "لأنِّي أصغَرُ جَميعِ الرُّسُل أنا
الذي لَستُ أهلاً لأن أُدعَى رَسُولاً لأنِّي إضطَّهَدتُ كَنيسةَ الله. ولكن
بِنِعمَةِ اللهِ أنا ما أنا ونِعمَتُهُ المُعطاة لي لم تَكُنْ باطِلَةً بل أنا
تَعِبتُ أكثَرَ منهُم جميعهم." (1كُورنثُوس 15: 10)

 

يعتَقِدُ
الكَثِيرُونَ أنَّ بُولُس يتصرَّفُ بأنانِيَّةٍ هُنا، ولكنَّكَ ستَرى أنَّهُ لم
يكُنْ أنانِيَّاً، إذا قُمتَ بدراسَةٍ جَدِّيَّةٍ لكُلِّ كِتاباتِهِ. تأكَّدْ بأن
ترى هُنا هذه المِيزَة الهامَّة: "ولكن لا أنا بَل نِعمَةُ اللهِ التي
مَعِي." يعتَرِفُ بُولُس بأنَّهُ لم يكُنِ الشَّخصُ الذي أنجَزَ كُلَّ هذه
الأُمُور. فالذي يقُولُهُ لم يكُنْ إفتِخاراً، بل حقيقَةً واقِعة. فلقد حقَّقَ
بُولُس إنجازاتٍ أكثَرَ من باقِي الرُّسُل مُجتَمِعين – وبِنعمَةِ اللهِ أُعطِيَ لهُ
هذا الإمتِيازُ.

 

تشديدُ
بُولُس هُنا هُوَ بِشكلٍ أساسيٍّ على نتيجَةِ كُلِّ هذا العمل الرِّسُوليّ:
"فَسَواءٌ أنا أمْ أُولئكَ هكذا نَكرِزُ وهكذا آمنتُم." (1كُورنثُوس 15:
11)

 

القِيامَةُ
مُطَبَّقَةً

إبتِداءً
معَ العدد 12، سوفَ يعُودُ بُولُس للحدِيثِ عن هذه الحقيقة ثانِيَةً: فإن كانَت
قيامَةُ يسُوع المسيح حقيقَةً، تكونُ قيامةُ أتباع المسيح المَوتى حقيقَةً أيضاً.
وهكذا فإنَّ باقي الإصحاح لن يُرَكِّزَ كثيراً على قيامَةِ يسُوع المسيح، بل على
قيامَةِ كُلِّ المُؤمِنين.

 

الكُورنثُوسيُّونَ
لم يُشَكِّكُوا فقط بقيامَةِ يسُوع، بل شكَّكُوا بِشكلٍ أساسيٍّ بتعليمِ بُولُس
الذي يقُولُ أنَّ المُؤمنين سوفَ يقُومُونَ يوماً ما من الموت. ولهذا، فإنَّ
بُولُس سوفَ يربِطُ في ما تبقَّى من الإصحاح بينَ قيامَةِ يسُوع وقيامَةِ أتباعِهِ
جميعاً.

 

إقرأْ
برَوِيَّةٍ هذه الأعداد الأحد عشر الأُولى كمُقدِّمَةٍ لإصحاحِ القيامَةِ هذا.
وبينماتقرَأُ، لاحِظْ أنَّ بُولُس يُرَكِّزُ على قيامَةِ المسيح، سواءٌ كجُزءٍ من
الإنجيل، وكنقلَةٍ إلى موضُوعِ قيامتِنا نحنُ. هذا الإصحاحُ ينبَغي أن يعنِيَ لنا
الكثير عندما نُواجِهُ حقيقَةِ موتِنا نحنُ، أو موت أحدِ أحبَّائِنا.

 

الغالِبُون
الأربَعة

(1كُورنثُوس
15: 12- 22)

إبتداءً
من العدد 12، يُخبِرُنا بُولُس أنَّ قيامَةَ المُؤمِن ترتَبِطُ حيويَّاً بقيامَةِ
يسُوع. إن كانَ لدينا الإيمانُ لِنُؤمِنَ بمُعجِزَةِ قيامَةِ المسيح، عندها علينا
أن نُؤمِنَ بأنَّهُ من المُمكِنِ لنا أن نقُومَ من الموتِ يوماً ما. ولكن، لو لم
يَقُمِ المسيحُ من المَوت، لما كانَ هُناكَ قِيامَةٌ لأيٍّ من الأموات. حاوِلْ
دائماً أن تَتْبَعَ منطِقَ بُولُس الرَّسُول. كتبَ يقُولُ: "ولكن إن كانَ
المَسيحُ يُكرَزُ بهِ أنَّهُ قامَ من الأمواتِ فكيفَ يَقُولُ قَومٌ بينَكُم إنْ
ليسَ قيامَةُ أمواتٍ. فإن لم تَكُنْ قيامَةُ أمواتٍ فلا يكُونُ المسيحُ قد قام.
وإن لم يكُنِ المسيحُ قد قام فباطِلَةٌ كِرازَتُنا وباطِلٌ أيضاً إيمانُكُم.
ونُوجَدُ نحنُ أيضاً شُهُودُ زُورٍ للهِ لأنَّنا شَهِدنا من جِهَةِ اللهِ أنَّهُ
أقامَ المسيحَ وهُوَ لم يُقِمْهُ إن كانَ المَوتَى لا يقُومُون."

 

"لأنَّهُ
إن كانَ المَوتى لا يقُومُون فلا يكُونُ المسيحُ قد قام. وإن لم يكُنِ المسيحُ قد
قام فباطِلٌ إيمانُكُم. أنتُم بعدُ في خطاياكُم. إذاً الذين رقَدُوا في المسيحِ
أيضاً هلَكُوا. إن كانَ لنا في هذه الحياةِ فقط رجاءٌ في المسيح فإنَّنا أشقى
جَميعِ النَّاس." (1كُور 15: 12- 19)

 

هل
تَتَتَبَّعُ حُجَّةَ بُولُس المُوحَاة؟ هاتانِ القِيامَتانِ مُرتَبِطَتانِ
حَيَويَّاً. فقيامَةُ يسُوع كانت البُرهان على إمكانِيَّةِ قيامَةِ المُؤمن.
ومُعجِزَةُ قيامَتِنا ستَقُودُنا إلى البُعدِ الأبَدِيّ.

 

ثُمَّ
ينتَقِلُ بُولُس إلى تعليمٍ أعتَبِرُهُ مُدهِشاً. كتبَ يَقُول: "فإنَّهُ إذِ
المَوتُ بإنسانٍ واحِدٍ بإنسانٍ أيضاً قيامَةُ الأموات. لأنَّهُ كما في آدَم
يمُوتُ الجَميعُ هكذا في المسيحِ سيُحيا الجَميع." (1كُورنثُوس 15: 21- 22)

 

كتبَ
بُولُس بشِكلٍ مُوسَّع عن هذه الحقيقة نفسِها في مقطَعٍ وجَّههُ إلى أهلِ رُومية،
الذي نُسمِّيهِ، "الغالِبُونَ الأربَعة". (رُومية 5: 12- 21) إنَّهُ
يُظهِرُ أربَعةَ أُمُورٍ تَغلِبُ. يُمكِنُ أن تتصوَّرَ وكأنَّ هذه الأُمور
الأربَعة هي أربَعةُ مُلُوك. أوَّلاً، قالَ أنَّ هُناكَ الملك خَطيَّة. دخَلتِ
الخَطيَّةُ إلى هذا العالم وفاضَت إلى أن غَلَبَت. ثُمَّ سادَتِ الخطيَّةُ في
العالم.

 

يُخبِرُنا
بُولُس أنَّ المَلكَ مَوت جاءَ مُباشَرَةً بعدَ الخَطيَّة. عندما دخلَ الموتُ إلى
هذا العالم كعاقِبَةٍ للخَطيَّة، فاضَ الموتُ إلى أن غلبَ وسَادَ على كُلِّ
البَشَريَّة. المَوتُ هُنا يعني المَوت الحَرفي، جسديَّاً ورُوحيَّاً، كما جاءَ في
رُومية 6: 23، "أُجرَةُ الخَطيَّةِ هي مَوتٌ." فعاجِلاً أم آجِلاً،
سيغلِبُ الموتُ كُلَّ واحدٍ منَّا، والسببُ الوحيدُ لذلكَ هُوَ أنَّ الخَطِيَّةَ
غلَبَتنا جميعاً. أوَّلُ ما يُبرِزُهُ بُولُس في كلماتِهِ العميقة لأهلِ رُومية
هُو، "الأخبارُ السَّيِّئة."

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كتاب الحياة عهد قديم سفر إشعياء 36

 

ولكنَّهُ
يُخبِرُنا فيما بعد بالأخبارِ السَّارَّة. إنَّهُ يكتُبُ أيضاً أنَّ المَلِكَ
يسُوع دخلَ هذا العالم وبَقِيَ في هذا العالم إلى أن غلبَ ومَلَكَ، الأمرُ الذي
مكَّنَنا أن نملِكَ في الحياةِ من خلالِ علاقَتِنا معَهُ. فالمَلِكُ الثالِثُ هُوَ
يسُوع، والملكُ الرَّابِعُ هُوَ أنتَ وأنا. بإمكانِكَ أن تدخُلَ الحياةَ، وأن
تفيضَ في الحياةِ في المَسيح (يُوحَنَّا 10: 10) بإمكانِنَا أن نملِكَ في الحَياةِ
من خلالِ يسُوع المسيح، وأن نَكُونَ أعظَمَ من غالِبين أو مُنتَصِرينَ من خلالِهِ
(رُومية 5: 17؛ 8: 37). كُلُّ هذا يُعبِّرُ بشكلٍ مُوَسَّعٍ عمَّا يقُولُهُ بُولُس
في العددين 21 و22.

 

إنَّ
هاتَين الكَلِمَتَين، "في المسيح"، هُما من أجمَلِ كلماتِ العهدِ
الجَديد. يستَخدِمُ بُولُس هاتينِ الكلمتينِ "في المسيح،" سبعاً
وتِسعينَ مرَّةً في كتاباتِهِ. فماذا يعني أن تكُونَ في المسيح؟ أن تَكُونَ في
المسيحِ يعني أكثَر من أن تكُونَ في الكَنيسة، وأكثَر من أن تَكُونَ في الخِدمة.
أن تَكُونَ في المسيح يعني أن تَجِدَ موقِعِكَ في شخصٍ، وأن تبنِيَ علاقَةً معَ
شَخصٍ، تماماً كما يرتَبِطُ الغُصنُ بالكرمة. يسُوعُ المسيحُ حيٌّ نتيجَةً
لِقِيامَتِهِ. من المُمكِن لنا أن نمكُثَ في المسيح الحَيِّ المُقام كأغصانٍ لهُ،
وهُوَ كَكَرمَتِنا (يُوحَنَّا 15: 1- 16).

 

يُخبِرُنا
بُولُس الرَّسُول في كِتاباتِهِ أنَّهُ كانَ في المسيحِ. فكُلُّ ما عمِلَهُ، عملَ
ذلكَ في المسيح، بالمسيح، وللمَسيح. لقد أصبحَ المسيحُ مركَزَ حياتِهِ. وهذا ما
يقصدُهُ عندما كتبَ قائلاً: "في المسيحِ سيُحيا الجميعُ." لن نختَبِرَ
الحياةَ الحقَّة إلى أن نُصبِحَ في المسيح.

 

الجسدُ
الرُّوحِيُّ

(1كُورنثُوس
15: 23- 46)

في
هذه الأعداد، يُخبِرُنا بُولُس بأنَّهُ يُوجدُ ترتيبٌ للقِيامَةِ. "ولكنَّ
كُلَّ واحِدٍ في رُتبَتِهِ" كما قالَ. إن كُنتَ قد درستَ مجيءَ يسُوع المَسيح
ثانِيَةً، تعرِفُ أنَّهُ عندما يأتي المسيحُ ثانِيَةً، سوفَ يأخُذُ من هذا العالم
أُولئكَ الذين هُم في المسيح. نقرأُ أنَّ "الأموات في المسيح سيقُومُونَ
أوَّلاً." (1تسالونيكي 4: 16) المُؤمنُون، الذي يكُونُونَ أحياءَ عندَما
يأتي، سيتغيَّرَونُ جذريَّاً إستعداداً للحالَةِ الأبديَّة. سوفَ ننظُرُ إلى هذا
بشكلٍ أعمَق فيما بعد. ولكن هُنا في العدد 24، كتبَ بُولُس يقُول، "وبعدَ
ذلكَ النِّهايَة متى سَلَّمَ المُلكَ للهِ الآب متى أبطَلَ كُلَّ رِياسِةٍ وكُلَّ
سُلطانٍ وكُلَّ قُوَّةٍ."

 

في
العدد 30، يطرَحُ بُولُس السُّؤال،"ولماذا نُخاطِرُ نحنُ في كُلِّ سَاعَةٍ.
إنِّي بإفتِخارِكُم الذي لي في المسيحِ يسُوع رَبِّنا أمُوتُ كُلَّ يَوم. إن كُنتُ
كإنسانٍ قد حارَبتُ وُحُوشاً في أفسُس فما المَنفعَةُ لي. إن كانَ الأمواتُ لا
يقُومُون فَلنَأكُل ونَشرَب لأنَّنا غداً نَمُوت." بِمعنىً ما، إنَّهُ
يُتابِعُ القَول هُنا ما قالَهُ في العدد 19:"إن كانَ لنا في هذه الحياةِ فقط
رجاءٌ في المسيح، فإنَّنا أَشقَى جَميعِ النَّاس."

 

في
العدد 33، يُوبِّخُ الكُورنثُوسيِّين بإقتباسِهِ من مثَلٍ يُونانِيّ:"لا
تَضِلُّوا، العِشرة الرَّدِيَّة تُفسِدُ الأخلاق الجَيِّدة." فهُوَ يقتَرِحُ
هُنا أنَّ المُؤمِنين الكُورنثُوسِيِّين قد أُفسِدُوا بِفِعلِ الحضارَةِ
اليُونانِيَّةِ المُحِيطَةِ بهم. كتبَ يقُولُ في العدد 34، "إصحُوا لِلبِرِّ
ولا تُخطِئوا لأنَّ قَوماً ليسَت لهُم مَعرِفَةٌ بالله. أقُولُ ذلكَ
لِتَخجيلِكُم."

 

إنَّ
بُولُس يتحدَّى المُؤمنينَ الكُورنثُوسيِّين بالعَودة إلى قِيَمِ أتباع يسوع
المسيح، وإلى أيِّ مدى ينبَغي تقدير قيمة القيامة. إنَّهُ يُرَكِّزُ هُنا على
القِيمة الأبديَّة عندَ المُؤمن. يقُولُ ما معناهُ، بما أنَّكُم سمَحتُم أن
تُفسَدَ أخلاقُكم بالحضارَةِ التي أنتُم جزءٌ منها، يُوجدُ بالحقيقَةِ أشخاصٌ في
مَدينَةِ كُورنثُوس لا يعرِفُونَ الله. لذلكَ ينبَغي أن تخجَلُوا من
أنفُسِكُم!"

 

أعتَقِدُ
أنَّ هذه هي كلماتٌ مَهُوبَّة ينبَغي أن تتحدَّانا جميعاً لنتعقَّلَ ونسترجِعَ
قيَمَ الناس الذين يُؤمِنُونَ بالإنجيل. كتبَ بُولُس إلى أهلِ رُومية أنَّهُ إن
كُنَّا نُريدُ أن نكتَشِفَ ونعمَلَ مشيئةَ اللهِ في حياتِنا، إحدى الخُطوات التي
ينصَحُنا بإتِّخاذِها هي "لا تُشاكِلُوا هذا الدَّهر." (رُومية 12: 1،
2). لقد علَّمَ يسُوعُ أنَّهُ علينا أن نَكُونَ نُورَ العالم ومِلحَ الأرض (متَّى
5: 13- 16). هاتانِ الإستِعارتانِ تعنِيانِ أنَّهُ علينا أن نَثُورَ ونُؤثِّرَ على
حضارَتنا، لكي لا نتأثَّرَ بالحضارَةِ التي فيها نعيشُ. يُعلِّمُ بُولُس هذا الأمر
نفسَهُ في هذه الأعداد.

 

في
العدد 35، يبدَأُ بُولُس بالوُصُول لما أَعتَبِرُهُ لُبَّ وجوهَرَ إصحاحَ
القيامَةِ العظيم. وهُوَ الآن يُجيبُ على سُؤالَين طُرِحا من قِبَلِ
الكُورنثِيِّين: "كيفَ يقُومُ الأمواتُ، وبِأَيِّ جسدٍ يأتُون؟" هذان
سُؤالانِ واضِحانِ يُطرَحانِ على أيِّ من يُفَكِّرُ حقيقَةً بقَضِيَّةِ قيامَةِ
المُؤمنين. فكيفَ تحدُثُ؟ وأيُّ نَوعٍ من الجسد سيكُونُ لدى الذين سيقُومُونَ من الموت؟

 

للإجابَةِ
على هذه الأسئِلة المُتَعَلِّقَة بالقِيامة، يستخدِمُ بُولُس إيضاحَ بذرَةٍ
مزرُوعةٍ في الأرض. وهذا إيضاحٌ جميلٌ لما أُسمِّيهِ منطِقُ بُولُس الرَّسُول
المُوحى بهِ. كما ترون، كانَ يقُولُ المُؤمنُونَ الكُورنثُوسيُّونَ، كونَهُم
عقلانِيِّين: "نحنُ لا نُؤمِنُ بالقِيامَةِ لأنَّنا لا نفهَمُها."
أعتَقِدُ أنَّ بُولُس يُجادِلُ قائلاً، "إسمَعُوا! أنتُم تُؤمِنُونَ بعدَّةٍ
أشياء لا تفهَمُونَها. فأنتُم تضعُونَ بذرَةً في الأرضِ، وعندما تمُوتُ هذه
البِذرَةُ وتَتَوقَّفُ عن كَونِها بذرَةً، يُعطيها اللهُ جسداً آخر. قد يكُونُ هذا
الجسدُ زنبَقَةَ الفِصحِ الجميلة مثلاً. فحتَّى ولو لم تفهَمُوا هذه المُعجِزة،
لكنَّكُم تُؤمِنُونَ بها."

 

في
تلكَ الأيَّام، كانَ الكثيرُ من الناسِ يزرَعُونَ النباتات لكي يُطعِمُوا
عائلاتِهم. وكانُوا يُضَحُّونَ بالكَثير لكي يغرِسُوا بساتِينَهُم، لأنَّهُم
آمنُوا أنَّ هذه البُذُور التي زرعُوها ستُنتِجُ خُضاراً وثِماراً. لهذا شدَّدَ
كُلٌّ من يسُوع وكُتَّابُ وأنبِياءُ العهدِ القديم على إستعارَةِ الزرعِ والحصاد.
يُجادِلُ بُولُس قائِلاً أنَّهُم يُظهِرُونَ من خِلالِ حقُولِهم المزرُوعة،
أنَّهُم يُؤمِنُونَ بمُعجِزَةِ الزَّرعِ والحصاد، رُغمَ أنَّهُم لم يَفهَمُوا كيفَ
تُصبِحُ البِذرَةُ زهرَةً أو ثمرة.

 

يقُولُ
بُولُس أنَّ الجسدَ الإنسانِي هُوَ تماماً مثل تلكَ البِذرة. فالجسدُ، بِحَسَبِ
هذا السِّيناريو المُوحى، لا يُدفَنُ، بل يُزرَعُ. ويستنتِجُ بُولُس قائِلاً:
"هكذا أيضاً قيامَةُ الأموات. يُزرَعُ في فَسادٍ ويُقامُ في عَدَمِ فساد.
يُزرَعُ في هَوانٍ ويُقامُ في مَجدٍ. يُزرَعُ في ضَعفٍ ويُقامُ في قُوَّةٍ.
يُزرَعُ جِسماً حَيوانِيَّاً ويُقامُ جِسماً رُوحانِيَّاً. يُوجَدُ جِسمٌ
حَيوانِيٌّ ويُوجَدُ جِسمٌ رُوحانِيٌّ." (1كُورنثُوس 15: 42- 44).

 

هذا
وصفٌ جَميلٌ لما هي القيامَة. تُعلِّمُنا الأسفارُ المُقدَّسة أنَّ الإنسانَ
مُؤلَّفٌ على الأَقَلّ من جُزئَين. لديهِ الجزء الجسديّ، الملمُوس، المادِيّ، الذي
يُمكِنُكَ رُؤيتَهُ. ولديهِ الجزءُ الرُّوحِيُّ منهُ، الذي ليسَ بإستِطاعَتِكَ
رُؤيتَهُ. الجزءُ الجَسَدِيُّ من الإنسان، عندما يمُوتُ، يفسُدُ، ويُزرَعُ في
التُّرابِ بِفسادٍ. ولكن، كما تَكُفُّ البِذرَةُ عن كونِها بذرَةً لكي تُنتِجَ
زنبَقَةَ الفِصح، فلِكَي تتحضَّرَ أجسادُنا للحالَةِ الأبديَّة، ينبَغي أن يجتازَ
جسدُنا الفاسِدُ عبرَ مُعجِزَةٍ تجعَلُ من هذا الجسد غيرَ قابِلٍ للفَساد. عندما
يُزرَعُ الجَسَدُ، يُزرَعُ في هَوانٍ، ولكنَّهُ سوفَ يُقامُ في مَجدٍ. الجسدُ
يكُونُ في ذُروَةِ الضَّعفِ عندما يمُوتُ، وهكذا يُزرَعُ في ضَعفٍ. ولكن عندما
يُقامُ، سوفَ يُقامُ في قُوَّةٍ ومجد.

 

ثُمَّ
يَصِلُ بُولُس إلى تعليمٍ عظيم. "يُزرَعُ جِسماً حيوانِيَّاً، ويُقامُ جسماً
رُوحانِيَّاً." (44) جسمٌ رُوحانِيٌّ؟ ماذا يُمكِنُ أن يكُونَ هذا الجسم
الرُّوحانِيّ؟ أعتَقِدُ أنَّ يُوحَنَّا يُخبِرُنا أنَّ طَبيعَةَ أجسادِنا
المُقامَة لا تزالُ غيرُ مُعلَنٍ عنها. كتب يقُول: "لم يُظهَرْ بعدُ ماذا
سنَكُون. ولكن نعلَمُ أنَّهُ إذا أُظهِرَ نَكُونُ مثلَهُ لأنَّنا سنراهُ كما
هُوَ." (1يُوحنَّا 3: 2)

 

هل
سيكُونُ جسدُ قيامَتِنا تماماً مثل جسد قيامَة يسُوع؟ في 1يُوحنَّا: 1، يُشدِّدُ
يُوحنَّا على حقيقَةِ كونِهِ رأى ولمسَ جسدَ يسُوع القائِم من الموت. ولكن، عندما
وصلَ إلى إصحاحِهِ الثَّالِث، كتبَ يَقُولُ أنَّ جسدَ قيامَتِنا سيكُونُ في شكلٍ
لم يُعلَنْ عنهُ بعد.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد قديم سفر حزقيال 30

 

ولكن
في إصحاحِ القِيامَةِ العظيم هذا، لدينا التعليم الرَّائع لبُولُس: يُوجدٌ جسمٌ
حيوانِيٌّ ويُوجَدُ جسمٌ رُوحانِيٌّ. ثُمَّ يُتابِعُ القول، "لكن ليسَ
الرُّوحَانِيُّ أوَّلاً بل الحيوانِيُّ، وبعدَ ذلكَ الرُّوحانِيُّ."
(1كُورنثُوس 15: 46)

 

بينما
تُتابِعُ دراسةَ هذا الإصحاح، تأمَّلَ بالتالي: ماذا يعنيهِ بُولُس عندما يكتُبُ
قائِلاً أنَّ لدينا جسدٌ حيوانِيٌّ، ومن خلالِ مُعجِزَةِ القِيامة، سيُعطينا اللهُ
جسداً رُوحانِيَّاً؟

 

الإنتِصارُ
على المَوت

(1كُورنثُوس
15: 46- 58)

كانَ
لدى الكُورنثُوسيِّين سُؤالَين عن قيامَةِ المُؤمنِين، وهُما: كيفَ سيُقامُ
الأموات، وبأيِّ جَسَدٍ يأتُون؟ يُجيبُ بُولُس قائِلاً: "يُوجَدُ جسمٌ
حيوانِيّ ويُوجَدُ جِسمٌ رُوحانِيّ… لكن ليسَ الرُّوحانِيُّ أولاً، بل
الحَيَوانِيّ، وبعدَ ذلكَ الرُّوحانِي. الإنسانُ الأَوَّلُ من الأرضِ تُرابِيٌّ.
الإنسانُ الثَّاني من الرَّبُّ من السماء. كما هُوَ التُّرابِيُّ هكذا
التُّرابِيُّون أيضاً. وكما هُوَ السماوِيُّ هكذا السَّماوِيُّونَ أيضاً. وكما
لَبِسنا صُورَةَ التُّرابِيُّ سَنَلبَسُ أيضاً صُورَةَ السَّماوِيّ."
(1كُورنثُوس 15: 47- 49).

 

كتبَ
بُولُس يقُولُ أنَّنا خُلِقنا لنَعيشَ في عالَمَين، وليسَ في واحِدٍ فحَسب. فلقد
أخذنا جسداً مادِّيَّاً لكي نَعيشَ على الأرض. في قَلبِ إصحاحِ القيامَةِ هذا،
يُخبِرُنا بُولُس أنَّ خالِقَنا صَمَّمنا أيضاً عندما خلقَنا، لنَعيشَ في السماء.
فإلهُنا سوفَ يمنَحُنا يوماً ما جسداً رُوحانيَّاً، سيُؤهِّلُنا لنَعيشَ في
السماءِ إلى الأبد.

 

لِكَي
نَعيشَ في هذا البُعدِ السماوِيِّ الثاني، علينا أن نختَبِرَ مُعجِزةَ الموتِ
والقِيامة. يُخبِرنا بُولُس أنَّ هُناكَ أمرانِ ينبَغي أن يتحقَّقا في مُعجِزَةِ
المَوتِ والقِيامَة. فجَسَدُنا القابِلُ للفَساد ينبَغي أن يختَبِرَ مُعجِزَةً
تجعَلُ منهُ غيرَ قابِلٍ للفَساد. وروحُنا المائِتة ينبَغي أن تختَبِرَ مُعجِزةً
تجعَلُ منها خالِدَةً. وعندما يُصبِحُ جسدُنا غَيرَ قابِلٍ للفَساد، ورُوحُنا
خالِدة بواسطَةِ مُعجِزةِ القيامة، سنكُونُ حاضِرينَ لِنَعيشَ في السماءِ معَ
اللهِ والمسيح، إلى الأبد!

 

الحياةُ
في بُعْدَين

هل
سبقَ وراقَبتَ طَيران ذلكَ النَّوع من الحشرات الطائِرة التي نُسمِّيها خَيَّاطَةً
أو يعسُوباً، وكيفَ تستخدِمُ جناحَيها لتطيرَ من زهرَةٍ إلى أُخرى؟ أحياناً
تُحَلِّقُ كطائِرَةِ الهيليكُوبتر المِروَحِيَّة، وكأنَّها مُعَلَّقَةٌ في الفضاء.
وبإمكانِ هذه الحشرة الطائِرة أن تُحلِّقَ هكذا طوالَ النهار. هذه المخلُوقاتُ
المُدهِشة هي من مُعجِزاتِ الطَّيران، لأنَّ لديها مجمُوعتانِ من الأجنِحة التي
تُبقيها طائِرَةً بدُونِ توقُّف. تقضي هذه الحشرَةُ الطائِرة أوَّل أربَع سنوات من
وُجُودِها في جسمٍ في أعماقِ المياه. وخلالِ السنواتِ الأُولى من حياتِها، إذا
أخذتَ هذه الحشرة التي كانت تعيشُ تحتَ الماء إلى مُختَبَرٍ للفَحص، ستجدُ أنَّ
هذه الحشرة المائِيَّة مُزَوَّدَة بجِهازَينِ تنَفُّسِيَّين. فلديها جهازٌ
تنَفُّسِيٌّ يُمَكِّنُها من إرتِشافِ المياه عبرَ جسمها الطويل والضَّيِّق
لتستخرِجَ الأُوكسيجين من الماء، كما تفعَلُ بَقيَّةُ الكائناتِ التي تعيشُ تحتَ
الماء. ولكنَّكَ ستكتَشِفُ أيضاً أنَّ هذه الحشرة المدهِشة تتمتَّعُ بجهازٍ
تنَفُّسِيٍّ آخر، سيُؤهِّلُها يوماً ما أن تتنفَّسَ الهواء عندما ستدخُلُ المجالَ
الثاني من حياتِها في الهواء.

 

فبعدَ
أن يَصِلُ وُجُود اليُعسُوب تحتَ الماء إلى نهايتِهِ، ترتَفِعُ حشرَةُ اليُعسُوب
إلى أعلى المياه، وتخرُجُ إلى اليابِسة، فتُنشِّفُ أجنِحَتَها تحتَ الشمس، وتفرُدُ
هاتَين المجمُوعَتين المُدهِشَتَين من الأجنِحة، وتبدَأُ بِعَيشِ البُعدِ الثاني
من وُجُودِها. إنَّ اليُعسُوب أو الخَيَّاطة مُصَمَّمَةٌ بِوُضُوحٍ من الله
لتَعيشَ حياتِها في بُعدَين أو مجالَينِ.

 

في
إصحاحِ القِيامَةِ الرَّائِع هذا، يُخبِرُنا بُولُس أنَّ لَدَينا هذا القاسَمِ
المُشتَرَكِ معَ هذه الحشرة الطائِرة: الخيَّاطة أو اليُعسُوب. فبِحَسَبِ بُولُس
الرَّسُول، نحنُ أيضاً صُمِّمنا من قِبَلِ اللهِ لنُوجدَ في مَجَالَين. فاللهُ
يمنحُنا جسداً أرضِيَّاً لنعيشَ حياتَنا هُنا على الأرض، وسوفَ يمنَحُنا اللهُ
جسداً سماوِيَّاً سيُؤهِّلُنا لِنَعيشَ إلى الأبد في البُعدِ الثَّاني الأبدِي من
حياتِنا المُخطَّط لها في السماء من قِبَلِ العِنايَةِ الإلهيَّة.

 

لِنَفتَرِض
أنَّنا سنقُومُ بدراسَةٍ مِخبَرِيَّة على مُؤمِنٍ مُتَجَدِّدٍ، سنكتَشفُ أنَّ
المُؤمِنَ المولُودَ من جديد، هُوَ مثل اليُعسُوب أو الخيَّاطة، مُزَوَّدٌ
بجِهازَي حياتَين. فكُلُّ مُؤمِنٍ حَقيقيٍّ مُجهَّزٌ بجسدٍ أرضِي، أو بِجهازِ
حياةٍ يُمَكِّنُ المُؤمن أن يعيشَ البُعدَ الأوَّلَ في حياتِه. وسوفَ نكتَشِفُ
أيضاً أنَّ كُلَّ مُؤمِنٍ حَقيقيٍّ مُجَهَّزٌ بما يُسمِّيهِ بُولُس
"الخَليقَة الجديدة،" أو "الإنسان الجديد"، أو "الإنسان
الدَّاخِليّ." بحَسَبِ بُولُس، هذا العملُ العجائِبي للخَلقِ بالرُّوحِ
القُدُس، تماماً مثل الجهاز التنفُّسِي الإضافِيّ لليُعسُوب، يستَبِقُ الجسدَ
الرُّوحي الذي سيُعطيهِ اللهُ لكُلِّ المُؤمنين، والذي سيُؤهِّلُهُم أن يحيُوا إلى
الأبدِ في السماء.

 

إنَّ
حشرَةَ اليُعسُوب هي مُعجِزَةٌ في الطَّيران في المجالِ الثَّاني من حياتِها.
فعِندَما يقُومُ المُؤمِنُونَ بطريقَةٍ خارِقَةٍ للطَّبِيعة، وعندما يُعطيكَ اللهُ
ويُعطيني جسداً رُوحيَّاً يُؤهِّلُنا لعيشِ البُعيدِ الأبدي الثَّاني من حياتِنا،
تصوَّرُوا كيفَ سنكُونُ!

 

قُرابَةَ
نهايَةِ العهدِ الجديد، وفي رسالَةِ يُوحنَّا الرسُول الأُولى، يتأمَّلُ هذا
القائدُ الشيخُ في كنيسةِ العهدِ الجديد، في من وماذا نحنُ كمُؤمنين، ومن وماذا
سنَكُون. ويُخبِرُنا أنَّ ما سنَكُونُهُ لم يُعلَنْ بعد، ولكنَّهُ سوفَ يَكُونُ
مُدهِشاً أكثَرَ من أيِّ شيءٍ بإمكانِنا أن نتخَيَّلَهُ، لأنَّنا في السماء، سوفَ
نكُونُ تماماً كما هُوَ المسيحُ الحيُّ المُقامُ اليوم (1يُوحنَّا 3: 1 و2).

 

عندما
يَصِلُ بُولُس إلى العدد 50، يبدأُ بخاتِمتِهِ المُثيرة لإصحاحِ القيامَةِ العظيم
هذا. كتبَ يقُولُ: "فأقُولُ هذا أيُّها الإخوَة إنَّ لَحماً ودَماً لا
يَقدِرانِ أن يَرِثا ملكُوتَ الله. ولا يَرِثُ الفَسادُ عدَمَ الفَساد." إنَّ
هذا لَتَصريحٌ عَميق. فماذا يُشبِهُ المجالُ السماوِيُّ؟ يُخبِرُنا بُولُس أنَّنا
لن يكُونَ لدينا أجسادٌ سماوِيَّةٌ هُناك، لأنَّ ملكوتَ الله غَيرُ قابِلٍ
للفَساد، أمَّا أجسادُنا فقابِلَةٌ لِلفَساد.

 

يُتابِعُ
بُولُس في الأعداد 51 و52: "هُوَّذا سِرٌّ أقُولُهُ لكُم. لا نَرقُدُ كُلُّنا
[أي لن نمُوتَ كُلُّنا، لأنَّهُ سيبقَى أشخاصٌ أحياء عندَ رُجوعِ المسيح]،
ولَكِنَّنا كُلَّنا نتغَيَّر. في لَحظَة في طَرفَةِ عَينٍ عندَ البُوقِ الأخير.
فإنَّهُ سيُبَوَّقُ فيُقامُ الأمواتُ عديمي فَساد ونحنُ نتغَيَّر."

 

يُعطينا
هذا مُجدَّداً تعليماً عن الأُمُورِ المُستَقبَلِيَّة. فلقد علَّمَنا الرَّسُولُ
بُولُس عمَّا نُسمِّيهِ "إختِطاف الكَنيسة." كتبَ بُولُس أنَّ يسُوعَ
المَسيحَ سيأتي ويأخُذُ كنيستَهُ من هذا العالم. وعندما سيحدُثُ هذا، سيقُومُ
الأمواتُ في المسيح (1تسالونيكي 4: 13- 18).

 

وعندما
قالَ بُولُس، "في لحظَة، في طَرفَةِ عَين،" هُوَ يُعلِّمُ أنَّنا إن
كُنَّا أحياءَ عندَما سيأتي المسيحُ، فينبَغي أن نتغيَّرَ كُلِّيَّاً، في لَحَظةٍ،
إستِعداداً للحياةِ في السماء. الكَلماتُ اليُونانيَّةُ المُستَخدَمَةُ حرفِيَّاً
هُنا هي: "في ذَرَّةٍ." وهذا يعني أقصَر جُزء مُمكِن من الوقت. التطبيقُ
العَصريُّ يُمكِنُ أن يعني أنَّنا سنتحوَّلُ إلى ذَرَّاتٍ.

 

النُّقطَةُ
هي أنَّهُ ينبَغي أن نتغيَّرَ كُلِّيَّاً بالمَوتِ والقِيامة، لأنَّ لحماً ودَماً
لا يَدخُلانِ ملكُوتَ الله. بِبَساطَة، ليسَ بإمكانِنا أن نأخُذَ جسدَنا القابِل
للفَساد إلى السماء غير القابِلة لِلفَساد. هذا ما يقُولُهُ بُولُس بِفَصاحَةٍ في
العدد 53: "لأنَّ هذا الفاسِدَ لا بُدَّ أن يَلبَسَ عدَمَ فسادٍ وهذا
المائِتُ يلبَسُ عدَمَ مَوت."

 

ثُمَّ
يَستَنتِجُ في العدد 54: "ومتى لَبِسَ هذا الفاسِدُ عدَمَ فساد ولَبِسَ هذا
المائِتُ عدمَ موتٍ فيحينئذٍ تَصيرُ الكلِمَةُ المَكتُوبَةُ إبتُلِعَ المَوتُ إلى
غلَبَةٍ." بِكلماتٍ أُخرى، تحقَّقت مُعجِزَةُ القِيامَةِ وغُلِبَ الموتُ.
تعني كلمة قيامة حرفِيَّاً، "الإنتِصارُ على الموت."

 

لا
أحد يفهَمُ الإنجيلَ بالفِعل ويُؤمِنُ بهِ إختِبارِيَّاً، يُمكِنُ أن يخافَ
المَوت. فمن خلالِ هذا التَّغييرِ الكامِل والشامِل الذي سنختَبِرُهُ عندما
سيرجِعُ الرَّبُّ ثانِيَةً، سوفَ ننتَصِرُ على مُشكِلَةِ المَوت. وسوفَ تنتَزِعُ
القِيامَةُ شوكَةَ الموت. فبالنسبَةِ لنا، القَبرُ هُوَ إنتِصارٌ. وموتُنا الحَرفِيّ
وقِيامَتُنا الحَرفِيَّة سوفَ تنتَزعُ شوكَةَ الخطيَّةِ وسُلطَةَ النَّامُوس الذي
يَدينُنا.

 

فلا
عجَبَ أنَّ يقُولَ بُولُس مُتَعجِّباً: "ولكن شُكراً لله الذي يُعطينا
الغَلَبَة بِرَبِّنا يسُوع المسيح." (57) وكالمُعتاد، هُناكَ خاتِمَةٌ
لمَنطِقِ بُولس المُوحى بهِ، والذي ينبَغي أن نضعَهُ في قُلُوبِنا. وبما أنَّ
كُلَّ هذه الأمُور صحيحَة، كتبَ بُولُس يَقُول: "إذاً يا إخوَتي الأحِبَّاء
كُونُوا راسِخِينَ غَيرَ مُتَزعزِعِينَ مُكثِرينَ في عَمَلِ الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ
عالِمِينَ أنَّ تعبَكُم ليسَ باطِلاً في الرَّبّ." (1كُورنثُوس 15: 58).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي