تَفْسِير رِسَالَةُ بُولُسَ
الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ غَلاَطِيَّةَ

 

غلاطية
هى مقاطعة كبيرة في وسط آسيا الصغرى، ويحدها شمالاً بيثينية وشرقاً بنطس وجنوباً ليكاؤنية
وكبدوكية وغرباً فريجية، وسميت غلاطية لأن سكانها رحلوا إليها في سنة 280 قبل الميلاد
من غالة أي (فرنسا) وقد صارت بعدئذ مقاطعة رومانية.

وقد تجول
الرسول بولس في أنحائها مرتين فتأسست فيها عدة كنائس مكونة من الأمم، ولها كتب الرسول
رسالته هذه (ص 1: 2)، ومع أن سكان غلاطية كانوا من الأمم كما سلفت الإشارة، إلا أننا
نعلم من 1 بط 1: 1 أنه كان فيها بعض اليهود أيضاً (انظر أع 16: 6، 18: 23، 1 كو 16:
1، 2 تي 4: 10)

وزمان
كتابة هذه الرسالة مختلف عليه أكثر من أية رسالة أخرى، غير أنه واضح أن بولس في سفرته
التبشيرية الثانية ذهب إلى فريجية وجهات غلاطية (أع 16: 6)، ونعلم من غل 4: 13- 16
أنه كرز لهم بالإنجيل وأنهم قبلوه كملاك من الله، وأنهم لو أمكن لقلعوا عيونهم وأعطوها
له، وهذه الزيارة كانت في سنة 51 ميلادية تقريباً، ثم زارهم الرسول بولس ثانية حوالي
سنة 54 ميلادية، وكل ما نقرأه عن هذه الزيارة الثانية هو أنه ذهب إلى كورة غلاطية يشدد
جميع التلاميذ (أع 18: 23)، والمرجح هو أنه بعد زيارته الثانية هذه بوقت وجيز كتب إليهم
هذه الرسالة (انظر غل 1: 6)، وقد كتبها إليهم عندما وصل إلى علمه بأنهم قبلوا المعلمين
المتهودين.

إن كلمة
الله توبخ وتقوّم « كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع.. للتوبيخ وللتقويم..»(2 تي
3: 16)، فقد وبخت الكورنثيين على إهمالهم تعليم الإنجيل عن القداسة، وهى (أي كلمة الله)
عملت على تقويم (أي تصحيح) الغلاطيين لتشويههم الحق الخاص بالتبرير. لقد كان الشر في
غلاطية تعليمياً بينما في أخائية (كورنثوس) كان أدبياً. إن الرسالة إلى الغلاطيين تبين
بوضوح التعليم الجوهري بأن التبرير هو بالإيمان، وتبين أن الذين يعلمون بأن الخلاص
هو بالإيمان وبممارسة الفرائض هم معلمون كذبة، وتقرر بكل جلاء حقيقة هلاكهم (ص 1: 8،
9)

ص 1

تبدأ الرسالة
ببولس «رسول لا من الناس ولا بإنسان بل بيسوع المسيح والله الآب الذي أقامه من الأموات
وجميع الإخوة الذين معي»، فلم يكن بولس من الاثنى عشر، ولكن رسوليته مقترنة بالمسيح
المقام من بين الأموات، هذا الذي (له المجد) بذل نفسه لأجل خطايانا لينقذنا من العالم
الحاضر الشرير حسب إرادة الله وأبينا، وبعد هذه المقدمة المختصرة يدخل الرسول على الفور
في موضوع الرسالة متعجباً من تحولهم السريع عن الإنجيل، وبأشد وأقسى لهجة ينذرهم بنتائج
المجهودات السيئة التي تنقلهم من نعمة المسيح إلى أساس آخر، وينطق الرسول بالأناثيما
مرتين (أي اللعنة) على من يبشرهم بغير ما بشرهم به قبلاً ولو كان هو نفسه أو ملاك من
السماء.

ثم يخبرهم
أن الإنجيل الذي بشرهم به ليس بحسب إنسان ولم يقبله أو يتعلمه من إنسان بل بإعلان يسوع
المسيح، وأن الديانة اليهودية التي انجذبوا إليها لم تصيره إلا مجدفاً ومضطهداً لكنيسة
الله بإفراط ومتلفاً لها، ولكن الله سّر في نعمته الغنية أن يعلن ابنه فيه ليكرز به
بين الأمم، وأن إرساليته وكرازته أو إنجيله هما من الأعالي مباشرة ولا علاقة لهما بأورشليم
كمصدر أو ينبوع لهما ولذا لم يستشر لحماً ودماً حتى ولا الرسل الذين قبله، ولم يكن
معروفاً بالوجه عند كنائس اليهودية، غير أنهم كانوا يسمعون أن الذي كان قبلاً مقاوماً
ومضطهداً يبشر الآن بالإيمان الذي كان قبلاً يتلفه فكانوا يمجدون الله فيه.

ص 2

بعد أربع
عشرة سنة (من اهتداء بولس للمسيح) صعد إلى أورشليم مع برنابا آخذاً معه تيطس أيضاً،
وبكل يقين لم يذهب إلى هنالك ليتقلد سلطاناً رسولياً ولكنه صعد بموجب إعلان من الله،
وليس أن الرسل هم الذين بينوا أو قدموا له حق الإنجيل بل هو الذي عرض عليهم (أي على
المعتبرين على إنفراد) الإنجيل الذي كرز به بين الأمم، فهل يستطيع أحد أن يقول إنه
كان يسعى باطلاً؟ (ع 2)، ولم يكن مضطراً بأن يختن تيطس بالرغم من محاولات الإخوة الكذبة
المدخلين خفية الذين حاولوا أن يضعوا نيراً على أعناق المؤمنين. فلو أنك أضفت شيئاً
على الإنجيل فإنك تضيع حقه وجماله (ع 5) وإذ علم يعقوب وصفا ويوحنا – المعتبرون أنهم
أعمدة- بالنعمة المعطاة له أعطوه هو وبرنابا يمين الشركة ليكونا للأمم، وأما هم فللختان.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كتاب الحياة عهد قديم سفر دانيال 03

ثم من
ع 11 يشير الرسول إلى مقاومته العلنية لبطرس في أنطاكية لأنه كان ملوماً، يا له من
صخر (أي بطرس) للكنيسة لو أن المسيح حقيقة أخلى مكانه لخادمه هذا ليخلفه فيه! إننا
بكل قوانا نرفض إدعاءاً باطلاً وتجديفاً كهذا، فالمسيح وحده كان ولا يزال الصخر الثابت،
أما بطرس فقد كان متزعزعاً إذ أنه عندما أتى قوم من عند يعقوب «راءى هو وباقي اليهود
أيضاً حتى أن برنابا أيضاً انقاد إلى ريائهم»، يا له من تعليم خطير للغلاطيين ولجميع
المسيحيين كما لنا نحن أيضاً! فإنهم «لم يسلكوا باستقامة حسب حق الإنجيل » وإنها لكلمات
خالدة يجب أن يصغي الجميع إليها: «إن كنت وأنت يهودي تعيش أممياً لا يهودياً فلماذ
تلزم الأمم أن يتهودوا؟». لقد كان ذلك بمثابة رجوع عن المبدأ الإلهي البسيط أي التبرير
بالإيمان وليس بأعمال الناموس، ليس بالنسبة للأممي فقط ولكن للمؤمن اليهودي الأصل أيضاً
(ع 15، 16)،ولكن كان هناك بالنسبة لبطرس ما هو أردأ من ذلك، فهو قد ترك الناموس وقبل
النعمة في المسيح لتبرره، والآن إذ يعطي قفاه للنعمة لا يكون متعدياً فقط بل كأنه يجعل
المسيح خادماً للخطية. إن بطرس وبولس قد تركا الناموس للتبرير إذ وجداه فقط في الإيمان
بالمسيح، فهل صار المسيح خادماً للخطية لأنهما فعلا ذلك (أي لأنهما تبررا بالإيمان)؟
فإن لم يكن كذلك فالرجوع إلى الناموس معناه أنهما يبنيان من جديد ذلك الذي هدماه وبذا
يصيران متعديين، لأنه إن كان من الحق ترك الناموس لأجل المسيح فمن الخطأ الرجوع إليه،
أما بولس فإنه على النقيض يقول عن نفسه وعن كل مسيحي بالحق «لأني مت بالناموس للناموس»،
لأن كل مطاليبه قد قوبلت ووفيت في صليب المسيح، فالخاطئ قد دين فيه، والجسد قد فصل
في أمره نهائياً بالنسبة لكل من يؤمن، لقد صلب الجسد (أي مات شرعاً) لأحيا لا «أنا»
القديم بل المسيح يحيا فىّ، فيحيا المؤمن حياة الإيمان «إيمان ابن الله» الذي هو الغرض
الحي الذي ملأت محبته نفسه. يضاف إلى ذلك أنه لو كان بالناموس بر فالمسيح إذاً مات
بلا سبب.

 

ص 3

كأن الغلاطيين
قد سُحروا، إذ يسألهم الرسول هل أخذوا الروح القدس بأعمال الناموس أم بخبر الإيمان؟
ليس لهذا السؤال سوى جواب واحد وواضح، فإن كانوا قد ابتدأوا بالروح فهل يكمّلون (أي
يصيرون كاملين) بالجسد الذي علاقته هى بالناموس؟ إن الإيمان (وليس الناموس) هو المبدأ
الذى عليه ابراهيم (رأس الوعد والبركة) حُسب باراً، والذى عليه الأمم الذين من الإيمان
يتباركون مع ابراهيم المؤمن حسب وعد الله له «فيك تتبارك جميع الأمم»(ع 6- 9) ولكن
«جميع الذين هم من أعمال الناموس هم تحت لعنة»، والرسول يستند في ذلك إلى ما جاء في
(تث 27) حيث نجد الجبلين وقد وقف على كل منهما ستة أسباط لأجل البركة واللعنة، إلا
أنه من فوق جبل عيبال قد نطق باللعنات بينما لم ينطق بكلمة بركة من فوق جبل جرزيم،
ولو فرضنا أنه نطق بكلمات البركة من فوق الجبل المعين لذلك،فقد كانت النتيجة كما علمها
الله هى الفشل المحقق في الحصول على البركة. لذا صمت ذلك السفر الموحى به عن ذكرها،
إذ أنه على مبدأ الناموس لا توجد بركة بل بالحرى لعنة تستقر على الإنسان الخاطىء، إذ
هو ظاهر أن «البار بالإيمان يحيا». هذه هى الحقيقة التى شهد بها حبقوق (2: 4)، في الوقت
الذى فيه كان الشعب وكل شىء خرباً، ولكن المسيح افتدانا من لعنة الناموس «إذ صار لعنة»
كما هو مكتوب «ملعون كل من علق على خشبة»(تث 21) لكي تتدفق البركة بدون عائق فينال
موعد الروح بالإيمان.

إن الناموس
لا يمكن أن يبطل عهد الله. لأن المواعيد أعطيت لإبراهيم ونسله (أي المسيح) قبل الناموس
بأربعمئة وثلاثين سنة، أما الناموس فقد زيد بسبب التعديات إلى أن أتى النسل الذي أعطى
له الوعد، ولقد كان الوعد بالنعمة لذا لم تكن هناك حاجة إلى وسيط كالناموس الذى استلزم
وساطة موسى بين الله والإنسان، أي أنه في عهد الناموس كان هناك طرفان أحدهما مخطىء
وآثم لم يستطع أن يفي بمطاليب الطرف الآخر، أما في تدبير النعمة والوعد فلا يوجد سوى
طرف واحد وهو الله، وفي ذلك اليقين الكامل إلى النهاية (ع 19، 20). صحيح أن الناموس
ليس ضد مواعيد الله، لأن كلا منهما يخدم القصد المعين له، فلا يوجد برّ بالناموس أما
الوعد فهو بالإيمان بيسوع المسيح لكل من يؤمن، أما الناموس فلم يكن سوى مؤدبنا إلى
المسيح، ونحن كلنا يهوداً كنا أو أممين أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع، وليست هناك
فوارق (ع 28)، لأننا إن كنا للمسيح فإننا إذاً نسل إبراهيم وحسب الموعد ورثة.

هل تبحث عن  م التاريخ مجامع الكنيسة مجامع مسكونية تاريخ المجامع 61

ص 4

اليهود
مع أنهم ورثة لكنهم وهم تحت الناموس كانوا كالقاصر الذي لا يفرق شيئاً عن العبد، أي
كانوا مستعبدين تحت أركان العالم، أما الذي افتدى بواسطة الابن فقد صار ابناً (ع
1- 5)، وكذلك المؤمنون من الأمم فقد صاروا أبناء، والروح في قلوبهم يصرخ يا أبا الآب،
فليسوا بعد عبيداً بل أبناء وبالتبعية ورثة الله بالمسيح (ع 6، 7)

المؤمنون
من الأمم (الذين كانوا قبلاً في ظلمة الوثنية) قد عرفوا الله وعُرفوا منه، فإذا رجعوا
إلى الأركان الضعيفة الفقيرة (التي للناموس) فإن هذا يعتبر بحق رجوعاً إلى وثنيتهم
في مبدئها «أتحفظون أياماً وشهوراً وأوقاتاً وسنين؟ أخاف عليكم أن أكون قد تعبت فيكم
عبثاً. أتضرع إليكم أيها الإخوة كونوا كما أنا لأني أنا أيضاً كما أنتم. لم تظلموني
شيئاً» (8- 12). فهو (أي بولس) قد تحرر من الناموس بموت المسيح. لذا يقول لهم «كونوا
كما أنا» أي أحراراً من الناموس وأمواتاً عنه بالمسيح، لأني أنا أيضاً كما أنتم، أي
أني بنعمة الله حر كما أنتم أحرار لأنكم من الأمم الذين لم يستعبدوا قط للناموس. إذاً
لماذا ترغبون في الدخول تحت ذلك النير الثقيل؟ وإذا ما قالوا عنه أنه انحرف عن الناموس
وتحرر منه فإنهم ليسوا قساة عليه ولم يظلموه شيئاً لأنه هو كذلك أي أنه مات عن النظامات
الناموسية (قارن رو 7: 6، غل 2: 19).

ثم يذكرهم
الرسول بعاطفتهم السابقة من نحوه وكيف قبلوه كملاك من الله فهل صار الآن عدواً لهم
لأنه قال لهم الحق؟ لقد أثار المعلمون المتهودون هذا النزاع ضد الرسول لكي يحتلوا مركزه
في عواطف المؤمنين، لذا كانوا في حاجة لأن يتمخض بهم أيضاً إلى أن يتصور المسيح فيهم
(ع 19) وهذا لا يعني إيمانهم به من جديد بل إصلاح عواطفهم وإضرام محبتهم لكي يصير المسيح
مرسوماً في قلوبهم. «قولوا لي أنتم الذين تريدون أن تكونوا تحت الناموس ألستم تسمعون
الناموس؟» ثم يتكلم عن ابني ابراهيم: واحد من الجارية والآخر من الحرة، فأحدهما ولد
حسب الجسد أما الآخر فبالموعد وهما رمز للعهدين أي عهد أورشليم في عبوديتها وعهد أورشليم
الحرة أو العليا التي هى أمنا والتي يجب أن تفرح. كذلك نحن فإننا كإسحق أولاد الموعد،
وكما كان الذي وُلد حسب الجسد يضطهد الذي حسب الروح هكذا الآن أيضاً، لكن ماذا يقول
الكتاب؟ اطرد الجارية وابنها لأنه لا يرث ابن الجارية مع ابن الحرة. إذاً أيها الإخوة
لسنا أولاد جارية بل أولاد الحرة.

ص 5

إن المقارنة
الجميلة بين سارة واسحق من الجانب الواحد، وهاجر واسماعيل من الجانب الآخر قادت إلى
موضوع الحرية التي قد حررنا المسيح بها، وهذا هو مركز المسيحي الحقيقي أن لا يرتبك
بنير عبودية. إن من يمارس الختان لإتمام التبرير فإنه يصير مديناً أو ملتزماً بحفظ
الناموس كله. إنه يسقط من النعمة (ع 4) أي أنه لا يكتفي بالمسيح وحده وبنعمته بل أنه
يحاول مزج الناموس مع المسيح كواسطة للتبرير، وهذا معناه رفض الواسطة الوحيدة التي
بها يبرر الله الخاطىء مع المحافظة على مجده الإلهي، وفي هذه الحالة أي رفض الواسطة
الإلهية للتبرير لا ينفعه المسيح شيئاً، أما نحن المؤمنون فقد تبررنا بالإيمان، وبالروح
من الإيمان (أو على مبدأ الإيمان) نتوقع لا براً (لأننا حصلنا عليه فعلاً) بل رجاء
البر أي المجد الذي سبقنا المسيح إليه،«لأنه في المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئاً ولا
الغرلة بل الإيمان العامل بالمحبة». لقد كان الغلاطيون يسعون حسناً فمن صدهم حتى لا
يطاوعوا للحق؟ هذه المطاوعة ليست من الذى دعاهم. إنها كانت فساداً مخمراً للعجين كله،
أما الذى تسبب في ضلالهم وأزعجهم فإنه سيحمل الدينونة أيا كان. «وأما أنا أيها الإخوة
فإن كنت بعد أكرز بالختان فلماذا أضطهد بعد؟ إذاً عثرة الصليب قد بطلت» لأن ذلك يكون
بمثابة رد شرف للجسد. ثم يضيف الرسول بكل شدة إلى ما تقدم «يا ليت الذين يقلقونكم يقطعون
(أنفسهم) أيضاً»(ع 12).

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد قديم سفر عوبديا 01

«فإنكم
إنما دعيتم للحرية غير أنه لا تصيروا الحرية فرصة للجسد بل بالمحبة اخدموا بعضكم بعضاً»،
وهذه هى خلاصة أو زبدة الناموس، فهل يكملونه في نهش وأكل بعضهم البعض؟ إن السلوك يجب
أن يكون بالروح (الذي أعطى بالنعمة وليس بالناموس). لاشك أن الجسد يشتهي ضد الروح والروح
ضد الجسد وهذان يقاوم أحدهما الآخر حتى لا نفعل ما نريد، ولكن إذا إنقدنا بالروح فلسنا
تحت الناموس، ثم يسرد الرسول أعمال الجسد التي يؤكد الرسول بأن الذين يفعلون مثلها
لا يرثون ملكوت الله، وهى بعكس ثمر الروح، وأما الذين هم للمسيح يسوع فقد صلبوا الجسد
مع أهوائه وشهواته. إن كنا نعيش بالروح فلنسلك أيضاً بحسب الروح. لا نكن معجبين نغاضب
بعضنا بعضاً ونحسد بعضنا بعضاً، ومن ذا الذى يستطيع أن يسلك هكذا؟ إن الروح القدس وليس
الناموس هو القوة للسلوك في الصلاح.

ص 6

يتضمن
مواعظ ختامية، فإن «انسبق إنسان فأخذ في زلة ما» فأين العلاج لذلك؟ هل هو في الناموس؟
إن النعمة وحدها هى الكفيلة بذلك «فأصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة ناظراً
إلى نفسك لئلا تجرب أنت أيضاً» لأن قانون النعمة العام هو أن نحمل أثقال بعضنا البعض
وأن نتمم ناموس المسيح إذا كنا نشتهي ناموساً. إن الجسد يحب الافتخار وبذلك يغش نفسه
(ع 3)، ولكن الإيمان يقود كل واحد إلى امتحان عمله دون أن يحاول ذلك من جهة غيره لأن
كل واحد سيحمل حمل نفسه. ثم يذكرهم الرسول بأنه يجب على الذى يتعلم الكلمة أن يشارك
المعلم في جميع الخيرات (ع 6) لأن الله لا يغير مبدأه (كما في الطبيعة كذلك في الروحيات)،
فإن الذى يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً – إما فساداً من الجسد وإما حياة أبدية من
الروح، فلا نفشل في عمل الخير لأننا سنحصد في وقته إن كنا لا نكل. فإذاً حسبما لنا
فرصة فلنعمل الخير للجميع ولاسيما لأهل الإيمان.

لقد كانت
عادة الرسول أن يستخدم كاتباً يمليه كتاباته كما كانت هذه العادة مستعملة في تلك الأيام،
أما للغلاطيين فقد كتب هذه الرسالة بأكملها بخط يده بأحرف كبيرة دلالة على اهتمامه
بحالتهم (وذلك بالمباينة مع ما جاء في 2 تس 3: 17)، ثم يحذرهم بأقوى أسلوب ضد من يضلونهم-
أولئك الذين يريدون تعظيم الجسد وإنعاشه وإرجاع الناموس والختان، الأمور التي تؤول
إلى إنكار صليب المسيح، أما هو فلا يفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذى به قد صلب
العالم له وهو للعالم. لأنه في المسيح يسوع لا تنفع سوى الخليقة الجديدة. هذا هو قانون
الحياة المسيحية والذين يسلكون بحسبه فعليهم سلام ورحمة وعلى الذين لله وللمسيح بالحق
من اسرائيل.

هذه الرسالة
التي يمتزج فيها حزن الرسول مع غضبه تنتهي بعبارة مؤثرة عن آلامه التي عاناها في طريق
المحافظة على الحق الذى استخفوا به وتحولوا عنه، فإنه حامل في جسده سمات الرب يسوع.
ولا توجد في خاتمة هذه الرسالة تسليمات كعادة الرسول، وترينا هذه الرسالة أسلوب الرسول
الروحي البسيط والقوة الروحية في احتجاجاته، وكيف تألم من تأثير معلمي اليهود في غلاطية،
الأمر الذي تفشى بكل أسف في كل المسيحية.

 

بعض الشواهد
المقتبسة في رسالة غلاطية من العهد القديم

1-«فآمن
بالرب فحسبه له براً»(تك 15: 6)

1- «كما آمن ابراهيم بالله فحسب له براً»(ص
3: 6)

2- «…وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض»(تك
12: 3، 18: 18)

2- «..فبشر ابراهيم أن فيك تتبارك جميع
الأمم»(ص 3: 8)

3- «ملعون من لا يقيم كلمات هذا الناموس
ليعمل بها » (تث 27: 26)

3- «لأنه مكتوب ملعون كل من لا يثبت في
جميع ما هو مكتوب في كتاب الناموس ليعمل به»(ص 3: 11)

4- «لأن المعلق ملعون من الله»(تث 21:
23)

4- «…لأنه مكتوب ملعون كل من علق على
خشبة»(ص 3: 13)

5- «…وقال لنسلك أعطي هذه الأرض»(تك
12: 3، 7)

5- «وأما المواعيد فقيلت في ابراهيم وفي
نسله..كأنه عن واحد وفي نسلك أي المسيح» (ص 3: 16)

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي