الأصحاح الثاني

 

1 [2: 1 10]: العلاقات مع أعمدة كنيسة
أُورشليم.

2 [2: 1116]: الاصطدام مع بطرس الرسول.

3 [2: 1721]: الموت بالناموس للناموس
والحياة مع المسيح يسوع بالإيمان.

 

القديس بولس في مجمع
أُورشليم الأَول سنة 49م

لقاء الأعمدة، والعد
التنازلي لأفول نجم كنيسة الختان

 

وهنا نستسمح القارئ
لنقدِّم له هذا البحث الذي يجعله على مستوى الأحداث الجارية في هذه الرسالة.

هي مرَّة كانت ولم
تتكرَّر قط في عمر الكنيسة والمسيحية، أن يتلاقى أعمدة الختان الثلاثة خلاصة الفكر
الرسولي للاثني عشر مع عملاق الأُمم الرسول المعيَّن من السماء من فم المسيح
مباشرة. هؤلاء الأربعة جمعهم المسيح معاً وجهاً لوجه ليحملوا همّ العالم في صورته
المصغَّرة آنئذ وليرسموا معاً مناطق الخدمة وحمل المسئولية ورسم خريطة المسيحية
لمستقبل العالم المسيحي وحدود نمو الرسالة وتقدمها. وكان ق. بولس يمثِّل الباب
المفتوح على مصراعيه لدخول كل الأُمم بلا مانع وعن سعة، في مقابل الانحصار الختاني
فيما لليهود المتمحورين في أُورشليم والمشتتين في كل بقاع العالم أقلية قليلة
منغلقة على ذاتها لا ينفذ من خلالها شعاع رجاء لخلاص الأُمم.

أمَّا سر الاجتماع الذي
أخذ المسيح على عاتقه دعوتهم إليه ليقولوا فيه ما يمليه على قلوبهم، كما أعلن ق.
بولس ذلك بوضوح أنه جاء إلى أُورشليم بناء على إعلان:
» وإنما صعدتُ
(إلى أُورشليم) بموجب إعلان
«(غل 2:2)، فقد احتفظ ق. بولس للأسف بسر الإعلان وملابساته ومفرداته
في نفسه وكل ما أفصح عنه قوله:
» وعرضتُ عليهم الإنجيل
الذي أكرز به بين الأُمم، ولكن بالانفراد على المعتبرين.
«(غل 2:2)

لذلك
من وجهة نظر التاريخ المسيحي، ومن واقع خطورة الاحتمالات الواردة، الأمر الذي
تكشّف من خلال سرد الوقائع، أن هذا المجمع صار من أهم وأخطر حوادث التاريخ المسيحي
على وجه الإطلاق، وبذلك صار جديراً أن ندرس معاً وبدقة ووعي ما تمَّ في هذا
الاجتماع المنقطع النظير.

فمن خلال الحوار الجاد
الذي رفع انتباه رسل الختان إلى أقصى الإحساس بالمسئولية عن مستقبل المسيحية في
العالم كله يتبيَّن لنا الآتي:

أولاً: مدى
التوافق أو التنافر الذي يمكن أن يحدث بين الأُمم الداخلين للإيمان كأعضاء في
كنيسة المسيح وبين أهل الختان المؤمنين بالمسيح في الكنيسة الواحدة؟

ثانياً: ما نوع
العلاقة التي يجب أن تكون بين ق. بولس الذي أؤتمن على الإيمان بالمسيح والكرازة
لأهل الغرلة وبين إيمان رسل الختان المنحصر تحت الناموس.

ثالثاً: مدى تحمُّل
رسل كنيسة أُورشليم القائمين على تدبير الكنيسة وتنظيم العمل والخدمة ووضع
القوانين الرسولية وتنفيذها في كل ما يخص الخارجين عن الإيمان الصحيح من مدَّعي
الأصولية بل ومدَّعي الرسولية أحياناً الذين أسماهم ق. بولس رسلاً كذبة على مستوى
الشياطين الذين يتراءون كملائكة نور!!

وهنا نُلفت نظر القارئ
العزيز أن هذا كله تعرَّضت له الرسالة إلى غلاطية، وبذلك صارت أخطر ساعة من ساعات
عمر الكنيسة والتي فيها رسمت الخطوط الحاكمة لمستقبل الإيمان والكنيسة والرسولية.
والعجيب أن هذه الأهمية العظمى تأتي مع اكتشافنا أن رسالة غلاطية هي أقدم وثيقة
مسيحية متداولة بين أيدينا بعد إنجيل مرقس والتي اعترف لها العلماء حديثاً بأنها
أسمى من أن يقربها ناقد. وذلك بسبب أنها خرجت من يد كاتبها دون أن تعبر على وسيط
كسفر الأعمال مثلاً. فالقديس بولس في رسالة غلاطية هو الذي يحكي بفمه عن حياته وكل
تحركاته وتنقلاته دون أن يترك منفذاً لمؤاخذ أو لناقد، وهو يؤكِّد ما يقول بل
يستشهد الله على صدق ما يقول وكأنه يكتب ويتكلَّم تحت مسئولية الله. وقد أذهل
النقاد قدرة ق. بولس الفذَّة على طرح حقيقة ما يقول ويعمل على مواقف متفرقة وآيات
متباعدة. فعندما جمعها النقاد وقارنوها معاً وجدوا التطابق والصحة تنطق في كل
كلمة. وهي في جملتها تحسب وثيقة على أعلى مستوى من الأهمية لوضع الكنيسة الأُولى
إن في الختان أو الأُمم الذي انطلقت منه تبنى مستقبلها. وإن كانت قد كشفت للأسف
عرضاً عن عوامل التآكل الحتمية التي بدأت تدب في كنيسة الختان والتي كانت تنبئ
بعدم قدرتها على الوقوف في وجه تيار الحرية الجارف الذي غرسه ق. بولس في كنيسة
الأُمم بمقتضى الحرية التي حرَّرنا بها المسيح.

والآن نحاول بعد أن
اطلعنا على كل التحقيقات التي قام بها العلماء أن نضع هيكلاً عاماً لدرجات النمو والتقدُّم
في العلاقات بين كنيسة الختان بقيادة الثلاثة العظام بطرس ويعقوب ويوحنا، وكنيسة
الغرلة بقيادة ق. بولس وذلك في السنين الأُولى المتوالية التي مرَّت عليها
الكنيستان، وهذا بحد ذاته ما تقدِّمه وتوصي به الرسالة إلى غلاطية.

وذلك ما تمَّ على ثلاث
مراحل متوالية:

المرحلة
الأُولى:
امتداد الكنيسة نحو الأُمم الذي حتَّم به الرب في وصيته
الأخيرة (مت 19:28).

المرحلة الثانية: ظهور الوعي
المسيحي لحركة الحرية التي تميَّزت بها كنيسة الأُمم.

المرحلة الثالثة: رفع يد
الوصاية اليهودية عن كنيسة الأُمم.

المرحلة
الأُولى: امتداد الكنيسة نحو الأُمم:

وأول حركة ظهرت باتجاه
الأُمم ظهرت في كنيسة أُورشليم نفسها، وبواسطة رسل الختان أنفسهم، كما تشهد به
المدونات الرسولية أن المسيحيين الأوائل من اليهود المتنصرين التزموا تماماً
بالعوائد والطقوس([1])
في العبادة اليهودية التي كانوا يمارسونها داخل الهيكل من صلوات السواعي، بل
وممارسة الطقوس كل طقس بطقسه وتأدية شعائر الأعياد اليهودية. وكانت الكنيسة محصورة
في الشعب الواحد ملتزمة بالأنظمة والقوانين للسياسة اليهودية.

ولكن كانت هذه كلها
يستشعرها المؤمنون وكأنها أقمطة مؤقتة للكنيسة الوليدة التي تحبو في سنيها
الأُولى، ولكن كان من الواضح جداً أن اتصال الرسل بالهيكل والأنظمة اليهودية يعيق
حركة الكنيسة ونموها بحسب فكر الإنجيل الذي يكرزون به، وكانت تشعر بضرورة التحرر
منها. وهذا كان يشكِّل أصعب عملية تحتم عليها اقتحامها.

ولكن الأمر الذي كان
يحيِّر الرسل أن المسيح لم يترك لهم توجيهات بهذا الأمر، إلاَّ أنه أوصاهم بوضوح
أنه من صميم مسئوليتهم الرسولية أن يكرزوا لجميع الأمم!! ولكن كيف ينتقلون من
كنيسة يهودية وطنية إلى كنيسة أُممية عالمية، فقد كان هذا يحيِّرهم.

ولكن المسيح سبق
وعلَّمهم أن الروح يتحتم أن يعلو ويسود على الحرف، وحوار المسيح مع نيقوديموس هو
النموذج الأعظم الذي تركه للرسل:

+ » المولود من
الجسد جسدٌ هو، والمولود من الروح هو روحٌ. لا تتعجَّب أني قلت لك: ينبغي أن
تولدوا من فوق.
«(يو 3: 6و7)

أمَّا من حيث المواريث
التقليدية الأزلية التي رسخت في روعهم كالسبت، فالمسيح أعطى رأيه بوضوح أن السبت
قد خُلق للإنسان وليس الإنسان للسبت.

وكان الله قد هيأ
لليهود عملية الهجرة في عصور أُولى سابقة إلى أنحاء العالم وهم الذين كوَّنوا يهود
الشتات، وهؤلاء اختلطوا بفلسفات اليونان وآسيا الصغرى، وتصوُّف الشرق والإسكندرية
ومارسوا التحرر الفكري الاجتماعي في المدن الكبرى، فبرز منهم مَنْ برز على المستوى
الذي تعايشوا معه وأعلى، وكوَّنوا فئة رائدة لأمتهم في الخارج، ولكن برزت الفوارق
التي تباعد بينهم وبين تراث أجدادهم المنحصرين في اليهودية فلم يستفيدوا منهم.
ولكن في نفس الوقت طرق باب العبادة اليهودية على ممر العصور جماعات من الأُمم
ودخلوا كدخلاء في المجامع يمارسون العبادة دون أن يلتزموا بفرائضها وهم البروزيليت
pros»lutoi
أي الدخلاء،
وهؤلاء
شكَّلوا حلقة وصل لما آمنوا بالمسيح بقبولهم الإيمان
إذ كانوا
أول مَنْ رحَّب بكرازة الرسل داخل المجامع.

ولكن نقطة التحوُّل
الكبرى كانت يوم الخمسين لمَّا حلَّ الروح القدس على جميع الآتين من الأُمم يهود
ودخلاء (بروزيليت)
، واعتمدوا وقبلوا
الإيمان بالمسيح وصاروا باكورة مسيحيي جميع الأمم
، وفتحوا
الباب بهدوء أمام اليهود المتحفظين من ناحية والأمم الذين يتعايشون معهم من ناحية
أخرى. وبعمليات الحج السنوية في الأعياد والمواسم التي كان يقوم بها هؤلاء
المسيحيون اليهود من الأُمم ومعهم الدخلاء من اليونان، وبكثرة احتكاكهم بالمسيحيين
اليهود المتمركزين في أُورشليم من رسل ومؤمنين عاديين، نقلوا إليهم شيئاً فشيئاً
الانفتاح والحرية الاجتماعية والتخلص من الحواجز اليهودية الموروثة.

وقد سجَّل سفر الأعمال
حركة من أكبر الحركات التي أثَّرت في الكنيسة الأم بأورشليم وهي اضطلاع الكنيسة
بحركة بيع الممتلكات من بيوت وحقول وجمع الأموال
، ثم إعادة
توزيعها على المؤمنين جميعاً كلٍّ حسب احتياجه:

+ » وكان لجمهور الذين آمنوا قلبٌ واحدٌ
ونفسٌ واحدةٌ، ولم يكن أحدٌ يقولُ إنَّ شيئاً مِنْ أمواله له، بل كان عندهم كل
شيءٍ مشتركاً. وبقوةٍ عظيمة كان الرسل يؤدُّون الشهادةَ بقيامة الرب يسوع، ونعمةٌ
عظيمةٌ كانت على جميعهم، إذ لم يكن فيهم أحدٌ محتاجاً، لأن كل الذين كانوا أصحاب
حقولٍ أو بيوتٍ كانوا يبيعونها، ويأتون بأثمان المبيعات، ويضعونها عند أرجل الرسل،
فكان يوزَّعُ على كل أحدٍ كما يكون له احتياجٌ.
«(أع 4: 3235)

طبعاً كان هذا المنهج
الجديد للكنيسة هو ثمرة انفعال روحي ضاغط وسمو نفساني فائق كنتيجة مباشرة لحلول
الروح القدس. وكان لهذا السلوك تأثير كبير على مستوى فكر الكنيسة وروحها، لأن
النتيجة السريعة والمباشرة كانت: «وبقوةٍ عظيمةٍ كان الرسل يؤدُّون الشهادةَ
بقيامة الرب يسوع، ونعمةٌ عظيمةٌ كانت على جميعهم».
ولا يغيب عن البال أن
الذين قاموا بهذا العمل الجبَّار والعظيم من الإخلاء الذاتي والتخلِّي المادي
والتجرّد الشخصي هم أصلاً يهود!! وهذا معناه أن الروح القدس بدأ بكسر أطواق
الطبيعة اليهودية مثل الأنانية وحب المال والقنية والمتاجرة والتعالي بالغنى
والمال وهي صفات الجنس اليهودي. فكان هذا بحد ذاته تأهيلاً لكنيسة أُورشليم أن
يتعبأ فيها الاستعداد للانفتاح حينما يحين الوقت للدخول في الإيمان المسيحي خلواً
من عوائق طقسية ونفسانية موروثة. فواضح إذاً أن تحوُّل كنيسة أُورشليم البطيء نحو
مسيحية بلا قيود كان آتياً من فوق، إذ لا استطاعة قط للطبيعة البشرية أن تغيِّر
ذاتها.

ومع توزيع الأموال
والمقتنيات نشأت في الحال الحاجة إلى التنظيم والرعاية وأشخاص ذوي اختصاص في
الشئون المالية والاقتصادية فنحن أمام نموذج
» المدينة
الفاضلة
« وبالفعل اضطر
الرسل أمام شكوى المظلومين اليهود المتنصرين من اليونانيين في التوزيع أن يقيموا
سبعة شمامسة للقيام بهذه المهمة. وكانوا كلهم من اليهود المتنصرين من شتات الأُمم
(يونانيون) وأهم شخصيتين فيهم كانا استفانوس وفيلبس. وكان استفانوس ممتلئاً من
الروح القدس. وحدثت مناظرة عنيفة بينهم وبين يهود الشتات المتعصبين للناموس كان من
نتيجتها لما أخفق هؤلاء اليهود في أن يقاوموا النعمة المتدفقة من قلب
استفانوس ولسانه أن هيَّجوا عليه الكتبة والفريسيين وحاكموه وحكموا
عليه بالرجم. وكان رجم استفانوس إيذاناً بتحرك الروح القدس مرة أخرى في قلب الشاهد
على قتله وهو شاول
، الذي صار بولس رسول
الأُمم
، الذي بشَّر بالإيمان المسيحي نقيًّا صافياً
خالياً من أي اتجاه ناموسي لا من بعيد أو من قريب.

كذلك حدث فتح نافذة
الحرية على الرسل وكنيسة أُورشليم من جراء دفاع استفانوس العجيب. والنتيجة أن بدأ
أول تحرّك يهودي رسمي بصورة عامة لاضطهاد كنيسة أُورشليم بشدة:
» وحدث في ذلك
اليوم اضطهادٌ عظيمٌ على الكنيسة التي في أُورشليم، فتشتَّت الجميع في كُورِ
اليهوديةِ والسامرةِ، ما عدا الرسل
«(أع 1:8). وكانت هذه أقوى ضربة على تمسُّك كنيسة أُورشليم بالناموس
والفرائض والعوايد سواء خوفاً من اليهود المتعصبين أو بتأثير الطوطمية الموروثة في
التمسُّك بالقديم حتى ولو ظهر عدم نفعه.

وهكذا يعتبر التاريخ
المسيحي أن استفانوس كان السابق للرسول بولس وهو بحد ذاته شهيد حرية الإنجيل في
المسيح، لأنه محسوب أنه أول مَنْ رفع مِعْوَل الهدم على ما بقي من التراث اليهودي
الميت. ويكفي أن نعلم ذلك من نفس الاتهام الذي وجَّهه إليه قاتلوه من الكتبة
والفريسيين:

+ » هذا الرجل
لا يفتر عن أن يتكلَّم كلاماً تجديفاً ضِدَّ هذا الموضع المقدَّس (الهيكل) والناموس،
لأننا سمعناه يقول: إن يسوع الناصري هذا سينقض هذا الموضع (الهيكل)، ويغيِّر
العوائد التي سلَّمنا إياها موسى.
«(أع 6: 13و14)

إذن، فاستفانوس هو أول
مَنْ طبَّق كلام المسيح على الواقع المنظور، أي أول مَنْ نادى بحق الإنجيل وهي
النواة التي بنى عليها ق. بولس إنجيله الخاص، أي الإنجيل خلواً من ناموس
وختان وسبت وعوايد ميتة.

نظرة إلى ما
تمَّ بواسطة استفانوس:

1 تشتت
كنيسة أُورشليم خارجاً عن أُورشليم والهيكل، وبذلك انتهت العلاقة المريبة بين
المسيحية والهيكل وعوايد اليهود.

2 انفتحت
طاقات النعمة على حقيقة الإنجيل ليتخلص من الناموس وكل عوايد وعبادة الهيكل أمام
ذهن الرسل بقوة وعنف هزت مرتكزاتهم حتى الأساس. فسمعنا بعد ذلك أن ق. بطرس ذهب إلى لدّة ثم إلى يافا ثم إلى قيصرية
وعمَّد كرنيليوس الأُممي هو وكل
بيته.

3 » أمَّا الذين
تشتَّتوا مِنْ جراءِ الضيق الذي حصل بسبب استفانوس فاجتازوا إلى فينيقية (لبنان)
وقبرس وأنطاكية، وهم لا يكلِّمون أحداً بالكلمة إلاَّ اليهود فقط. ولكن كان
منهم قومٌ، وهم رِجالٌ قبرسيُّون وقيروانيُّون (يهود متنصرون)، الذين لمَّا دخلوا
أنطاكية كانوا يخاطبون اليونانيين (الأُمم) مبشرين بالرب يسوع. وكانت يد
الرب معهم، فآمن عددٌ كثيرٌ ورجعوا (من الأوثان) إلى الرب.
«(أع 11: 1921)

وكان من جراء هذا
التشتت أن تكوَّنت أول كنيسة للأُمم خارج أُورشليم، وصحَّ القول أن دماء الشهداء
بذار نمت عليها الكنائس، وكان دم استفانوس أول دم شهيد استقر في الأساس.

4 » فيلبُّس « وقد سمِّي بالمبشِّر أي «الإنجيلي» ويعتبر هذا اللقب
تعزيزاً للإنجيل نفسه إذ صار مميزاً في مواجهة الناموس، وهذا يعود إلى نعمة
التبشير التي صار عليها فيلبُّس خلواً من ناموس. وفيلبُّس هو زميل استفانوس،
اختطَّ طريقه بالروح القدس وعاش سائحاً يتنقَّل من قطر إلى قطر. فبعد أن جاهر
بالإنجيل في السامرة عاد وبشَّر الحبشة في شخص الخصي … بوحي من الملاك. أمَّا عن
كرازته في السامرة فيقول سفر الأعمال:

+ » فالذين تشتَّتوا جالوا مبشِّرين بالكلمة. فانحدر
فيلبُّس إلى مدينةٍ مِنَ السامرةِ وكان
يكرزُ لهم بالمسيح. وكان الجموع يصغون
بنفسٍ واحدةٍ إلى ما يقوله فيلبُّس عند استماعهم ونظرهم الآيات التي صنعها، …
ولكن لمَّا صدقوا فيلبُّس وهو يبشِّر بالأمور المختصة بملكوت الله وباسم يسوع
المسيح، اعتمدوا رجالاً ونساءً.
«(أع 8: 46و12)

وهكذا جرَّ رِجْل الرسل
ولأول مرَّة إلى السامرة:

+ » ولمَّا سمع
الرسل الذين في أُورشليم أن السامرة قد قَبِلَتْ كلمة الله أرسلوا إليهم بطرس
ويوحنا.
«(أع 14:8)

وهكذا كسر الروح القدس
الحواجز اليهودية القديمة الموروثة بالتعالي واحتقار السامرة والتي قيل عنها أن
مَنْ يأكل خبز السامرة هو كمَنْ يأكل لحم خنزير، وأن كل سامري به شيطان، والسامري
لن يقوم في القيامة المزمعة أن تكون ولن يرى ملكوت الله. ولكن السامري قام من
الأموات على يد فيلبُّس وأشرق له نور المسيح. وهكذا استنارت السامرة وبقي الظلام
يخيِّم على اليهود.

5
وأخيراً تجرأ الذين تشتَّتوا ودخلوا أنطاكية ليبشِّروا بالإنجيل إلى الأُمم بعد أن
كانوا من الفزع لا يكلِّمون إلاَّ اليهود فقط. وبعد أن وصل النور إلى كرنيليوس ثم
إلى الخصي وزير كنداكة بصفتهما دخيلين أي بروزيليت إذ كانا على كل حال خائفين الله
مع الذين يعبدون من بعيد، بدأ الروح يقود علانية توصيل النور إلى الأُمم الذين لم
يكن لهم لا خوف ولا معرفة بالله وذلك في أنطاكية حيث دخل الإنجيل خلواً من ناموس
أو هلال أو سبت أو ختانة:
» لمَّا دخلوا أنطاكية كانوا يخاطبون اليونانيين مبشرين بالرب يسوع «(أع
20:11). وهكذا دخلت كنيسة أُورشليم لتكون شريكاً في توصيل النور للأمم:

+ » فسُمِعَ
الخبر عنهم في آذان الكنيسة التي في أُورشليم (كما حدث في السامرة)
فأرسلوا برنابا لكي يجتاز إلى أنطاكية. الذي لمَّا أتى ورأى نعمة الله فرح، ووعظ
الجميع أن يثبتوا في الرب بعزم القلب لأنه (أي برنابا) كان رجلاً صالحاً وممتلئاً
من الروح القدس والإيمان. فانضمَّ إلى الرب جمعٌ غفيرٌ.
«(أع 11: 2224)

وهناك في أنطاكية
تسمَّى المؤمنون بالمسيحيين لأول مرة.

وهكذا بدأ نجم كنيسة
الأُمم يعلو في سماء الإنجيل فوق كنيسة أصحاب الختان.

المرحلة
الثانية: ظهور الوعي المسيحي لحركة الحرية في الإنجيل التي تميَّزت بها كنيسة
الغرلة:

إن دخول طبقة
البروزيليت (الدخلاء في اليهودية) إلى المسيحية وقبولهم المعمودية والإيمان
المسيحي، ومن بعدهم دخول الأُمم الوثنيين أصلاً إلى الإيمان
المسيحي واعتبارهم «مسيحيين» كان عملاً مثيراً بالنسبة للفكر اليهودي
المسيحي المغلق لذلك ظهرت الأسئلة المحيِّرة: هل يُطلب من الأُمم
الراجعين إلى الإيمان المسيحي أن يتهوَّدوا أولاً ويختتنوا ويحفظوا الناموس والسبت
وبقية الفرائض والعوايد؟ وما هو مدى علاقة اليهودي المتنصر بالأممي المسيحي؟ وهل
للأممي المسيحي نفس الحقوق في الكنيسة مثل اليهودي المسيحي؟

ثم والأخطر، هل لكي يتم
التآخي المسيحي بين اليهودي المتنصِّر مع الأُممي المسيحي يلزم أن يترك اليهودي
الذي تنصَّر تعلقاته اليهودية التقليدية وعاداته؟

هذه كلها تطلَّبت الفحص
والفهم والحلول على المدى.

وفعلاً في البداية كان
يطلب اليهود المتنصرون من الأُممي لكي يدخل الكنيسة أن تجري عليه طقوس يهودية خاصة
من ختان وخلافه! وهنا تدخّل الله سريعاً بدعوة شاول الطرسوسي الذي لمَّا كان
حاضراً وموافقاً على قتل استفانوس الذي كان أول مَنْ نادى بكسر الحواجز اليهودية
عن المسيحي ورفع وصايا الرب إلى مستوى التحدِّي مع اليهود المتعصبين، حدث أن انطبع
على قلب شاول منهج استفانوس ولم يستطع أن ينسلخ عنه وزاده انطباعاً برؤية المسيح
في السماء يدعوه لنفس الخدمة بنفس بنودها التي قُتل استفانوس بسببها. وهنا بدأ
الصراع العنيف رسمياً بين تحرر الإنجيل من كل ما هو يهودي وأصالة الديانة المسيحية
الخالية من الناموس وبين التعصُّب الأعمى للناموس وفروض وعوايد التهوُّد التي
أرادها اليهود المسيحيون المتعصبون لميراثهم وتراثهم السابق في اليهودية. وقد حرص
الله أن يسلِّح هذا الرسول الجديد المعيَّن للأُمم بمؤهلات يهودية بتعصُّب أعمى
للناموس وعوايده وفروضه بتدقيق دون التنازل عن حرف واحد مما استلمه على يد أعظم
معلِّم في إسرائيل، حتى يستطيع بعد أن أشرق عليه نور المسيح وقبول
الحق الإنجيلي نقياً خلواً من الناموس وكل متعلقاته أن يقارع اليهود
المتنصرين المتزعمين لحتمية حركة التهوُّد بالنسبة لمسيحيي الأُمم. وبآن واحد كان
شاول يملك ناصية الفلسفة الفكرية اليونانية والروح القانونية التنظيمية الرومانية
إنما بمواهب روحية عالية، مما جعله أكفأ مَنْ يحاجج اليهود ضد ادعاءاتهم للتهود،
ويحاجج فكر اليونانيين والرومانيين ويخضعه لحق إنجيل المسيح. وكل هذه المواهب التي
كانت مذخرة في أعماق هذا اليهودي المتعلِّم على اليهودية واليونانية والرومانية
انطلقت من رقادها بدعوة المسيح وهو مطل عليه من السماء على طريق دمشق.

وهكذا سلَّم المسيح
كنيسته التي وضع أساسها بنفسه على الصخر، لذلك البنَّاء الحكيم ليبني
عليها كنيسة مقدَّسة بلا عيب تليق أن تكون عروساً لسيدها. وأمام هذا المد المؤهَّل
بكل قوة وعلم وفهم وروح من الله، بدأ نجم كنيسة الأُمم يرتفع في الأفق رويداً
رويداً، في الوقت الذي انحصر فيه نجم كنيسة الختان المزمع أن يهوى نحو الأفول. وقد
سهَّل على سرعة انحدار كنيسة الختان المخنوقة بأطواق اليهودية نحو الاختفاء ثلاثة
عوامل أساسية:

الأول: انسحاب
الرسل من أُورشليم.

الثاني: عطايا وتبرعات
الأُمم
لفقراء كنيسة أُورشليم اليهودية وما نتج عنها!

الثالث: خدمة ق. بولس
“بحق الإنجيل” خدمة ملتهبة وظهور كلمة “المسيحيين” لتمسح كلمة اليهود، وهذا العامل الثالث غني عن البيان وسنكتفي
الآن بعرض العاملين الأول
والثاني.

العامل
الأول: انسحاب الرسل من أورشليم:

+ كانت حادثة قتل
استفانوس أول إشارة لتنبيه اليهود المتعصبين ضد المسيحيين عموماً سواء من اليهود
أو الأُمم وذلك بسبب عنف ق. استفانوس في الضرب على تجاوزات الناموس بطول تاريخ
إسرائيل حتى الجيل الأخير،
فاضحاً الناموس ذاته مدلّلاً على أنه أفرغ ذاته من
أي قيمة لحق العبادة الصادقة، وكانت أقسى ضربة أصاب بها استفانوس الناموس هي حكم السنهدريم
بقتل المسيح فكان أقوى شهادة ضد الناموس. هنا أُثير اليهود واستُنفرت عداوتهم
وبدأوا الهجوم المنظَّم ضد الكنيسة ككل. فأفرغوا الهيكل من المسيحيين وقيَّدوا
دخولهم، وجاء هذا الفعل لفائدة المسيحيين إذ انعزلوا عن اليهود.

+ أمَّا الحادثة الأخرى
فهي قتل يعقوب أخي يوحنا بعد حوار ساخن أيضاً وشهادته العلنية للمسيح (سنة 44م)
ويقال أيضاً أنه دافع عن بتولية العذراء وهنا بدأ الضرب ضد الرسل
أنفسهم وبعنف، فقتل يعقوب أرضى اليهود جداً (أع 3:12)، وهكذا خططوا لقتل بطرس
أيضاً فسجنوه استعداداً لقتله في الفصح، وإذ نجَّاه الملاك هرب من أُورشليم، وهكذا
بدأ التفكك بشدة في هيئة الرسل أنفسهم.

وهكذا تمَّت نبوَّة
المسيح([2])
للتلاميذ بحسب التقليد المسلَّم لهم آنذاك أن الكنيسة في أُورشليم لن تبقى أكثر من
12 سنة ليتبدد بعدها الرسل الاثنا عشر خارجها للكرازة إجبارياً بالإنجيل.

ويؤكِّد العالِم ليتفوت([3])
أنه بحضور ق. بولس إلى أُورشليم في زيارته الثانية سنة 44م كان هيرودس في أعنف
أحوال اضطهاده للكنيسة المسيحية استرضاءً لليهود، وهذا مما جعله لا يمكث إلاَّ
أياماً قليلة خرج بعدها سريعاً ربما أثر سجن ق. بطرس:
» وفي ذلك
الوقت مدَّ هيرودس الملك يده ليسيء إلى أُناس من الكنيسة فقتل يعقوب أخا يوحنا
بالسيف
«(أع 12: 1و2).
علماً بأن تسليم ق. بطرس رئاسة الكنيسة للقديس يعقوب أخي الرب قبل هروبه (أع
17:12) أعطى فرصة هدوء وقتية بسبب أن يعقوب أخا الرب كان مُكرَّماً لدى اليهود
بشهادة يوسيفوس المؤرِّخ، وطبعاً ذلك كان
أيضاً بسبب تعلُّق ق. يعقوب بالهيكل والعبادة اليهودية وتتميم الناموس بدقة في ذلك

الوقت.

ولكن بهروب ق. بطرس
وتشتت التلاميذ فقدت كنيسة أُورشليم أكثر من نصف تأثيرها وعملها وذلك بحسب رأي
ليتفوت([4]).

وهكذا
صارت كنيسة أُورشليم أُمًّا لكنائس الأُمم بعد أن فقدت مركزها المستمد من الأمة
اليهودية.

العامل
الثاني: عطايا وتبرعات الأُمم لفقراء كنيسة أُورشليم اليهودية وما نتج عنها:

وفي نفس الوقت الذي بدأ
فيه هيرودس اضطهاده وضغطه على الكنيسة والرسل، حدثت المجاعة التي كان أغابوس النبي
الأورشليمي قد تنبأ بها في أنطاكية. وقد أصابت المجاعة أُورشليم بشدة بل وفلسطين كلها، وضربت ازدهار المسيحية ونموها
في أُورشليم واليهودية وما حولها
بشدة، حتى إلى العوز والفاقة. وفي هذا
الوقت قام ق. بولس بوعيه الروحي المسيحي المنقطع النظير بسرعة جمع التبرعات من
أغنياء أنطاكية وجمع الشيء الكثير حتى أن بعثة كاملة قامت حاملة هذه المعونة
للإسعاف لسوء حالة الإخوة في اليهودية وأورشليم. وهكذا حدث أمران كنتيجة حتمية:

أولاً: شعور
الأُمم بأهميتهم وقيمتهم بالنسبة لليهود المتنصرين وحتى للرسل.

ثانياً: وبآن واحد
شعور الرسل وبقية مسيحيي اليهودية بعوزهم واحتياجهم الشديد للأُمم كمنقذين وهذا
بالتالي خفَّض من كبريائهم وتعاليهم على الأُمم الذي كان أكبر عقبة في التوحيد بين
الكنيستين.

وهذا الشعور نراه بوضوح
إنما في حياء واتضاع في مجمع أُورشليم الأول بحضور ق. بولس حيث كان آخر القرارات
وأهمها بالنسبة للرسل هو:

+ » فإذ علم
بالنعمة المعطاة لي يعقوب وصفا ويوحنا، المعتبرون أنهم أعمدة، أعطوني وبرنابا يمين
الشركة (شركة في ذات الرسولية ومع الرسل) لنكون نحن للأُمم، وأمَّا هم فللختان. غير
أن نذكر الفقراءَ. وهذا عينه كنتُ اعتنيتُ أن أفعله.
«(غل 2: 9و10)

ويتهيأ لنا أنه لولا
هذه المعونة الضخمة التي جاء بها ق. بولس لكانت القرارات قد أخذت شكلاً أقل
ترحاباً واستجابة!! وكان هذا بتدبير الله العجيب. علماً بأن هذه المجاعة بقيت
سنينَ، كما أنها تكررت بحسب قول العالِم ليتفوت([5]).

ويلاحظ القارئ أن جمع
التبرعات لفقراء اليهودية وأورشليم استمر طول حياة ق. بولس بطول كرازته في كل
الأُمم وجميع الكنائس. وقد استطاع أن يمد أُورشليم واليهودية بصورة دائمة وبسخاء
بالمعونة الفعَّالة، وكانت أول معونة من أنطاكية سورية ولكن تلاها معونات من كل
كنيسة. ولا ننسى تذلل ق. بولس لكل كنيسة أن تجمع التبرعات، على أن كنيسة فيلبي
فاقت الكل وأثلجت صدره وفرَّحت قلبه بعطاياها السخية وإليك ما يشبه الأنشودة:

+ » أشكر إلهي
عند كل ذكري إياكم دائماً في كُلِّ أدعيتي، مقدِّماً الطلبة لأجل جميعكم بفرحٍ،
لسبب مشاركتكم في الإنجيل مِنْ أولِ يومٍ إلى الآن. واثقاً بهذا عينهِ أن الذي
ابتدأ فيكم عملاً صالحاً يُكمِّلُ إلى يومِ يسوع المسيح. كما يحقُّ لي أن أفتكر
هذا مِنْ جهةِ جميعكُم، لأني حافظكم في قلبي، في وثُقي، وفي المحاماةِ عن الإنجيل
وتثبيته، أنتم الذين جميعكم شركائي في النعمة. فإن الله شاهدٌ لي كيف أشتاق إلى
جميعكم في أحشاءِ يسوع المسيح. وهذا أُصلِّيه: أن تزداد محبتكم أيضاً أكثر فأكثر
… مملوئين مِنْ ثمرِ البرِّ.
«(في 1: 311)

+ » ثم إني فرحت
بالرب جداً لأنكم الآن قد أزهر أيضاً مرَّةً اعتناؤكم بي الذي كنتم تعتنونه، …
ليس أني أقول مِنْ جهةِ احتياج (شخصي)، فإني قد تعلَّمت أن أكون مكتفياً بما أنا
فيه. … قد تدرَّبت أن أشبع وأن أجوعَ … غير أنكم فعلتم حسناً إذ اشتركتم في
ضيقتي (ضيقه هو ضيقة فقراء اليهودية). وأنتم أيضاً تعلمون أيها الفيلبيُّون أنه في
بداءةِ الإنجيل، لمَّا خرجتُ من مكدونية، لم تشاركني كنيسةٌ واحدةٌ في حساب العطاء
والأخذِ، إلاَّ أنتم وحدكم (غلاطية أعطته قبل ذلك). فإنكم في تسالونيكي أيضاً
أرسلتم إليَّ مرَّة ومرتين لحاجتي (لا يريد أن يقول حاجات الآخرين). ليس أني أطلب
العطية، بل أطلب الثمر المتكاثر لحسابكم. ولكنِّي قد استوفيتُ كل شيءٍ واستفضلتُ.
قد امتلأت إذ قبلت من أبفرودتُس الأشياء التي مِن عندكم، نسيم رائحةٍ طيبةٍ،
ذبيحةً مقبولةً مرضيَّةً عند الله. فيملأُ إلهي كل احتياجكم بحسب غناه في المجد في
المسيح يسوع.
«(في 4: 1019)

كذلك أيضاً وبنفس
الأسلوب يتوسَّل وكأنه يستجدي عطف كنيسة كورنثوس أن ترسل المعونة، المعتادة هكذا:

+ » ثم نعرِّفكم
أيها الإخوة نعمة الله المعطاة في كنائس مكدونية، أنه في اختبارِ ضيقةٍ شديدةٍ فاض
وفور فرحهم وفقرهم العميق لغنى سخائهم، لأنهم أعطوا حسب الطاقةِ، أنا أشهدُ، وفوق
الطاقةِ، من تلقاءِ أنفسهم، ملتمسين منَّا، بطلبةٍ كثيرةٍ، أن نقبل النعمة وشركة
الخدمة التي للقديسين. وليس كما رجونا، بل أعطوا أنفسهم أولاً للرب، ولنا، بمشيئة
الله. حتى إننا طلبنا من تيطس أنه كما سبق فابتدأ، كذلك يتمِّم لكم هذه النعمة
أيضاً. لكن كما تزدادون في كل شيءٍ: في الإيمان والكلام والعلم وكل اجتهادٍ
ومحبتكم لنا، ليتكم تزدادون في هذه النعمة أيضاً. لست أقول على سبيل الأمر،
بل باجتهاد آخرين، مُختبراً إخلاص محبتكم أيضاً. فإنكم تعرفون نعمة ربنا يسوع
المسيح، أنه من أجلكم افتقر وهو غنيٌّ، لكي تستغنوا أنتم بفقره. أعطي رأياً في هذا
أيضاً، لأن هذا ينفعكم أنتم الذين سبقتم فابتدأتم منذ العام الماضي، ليس أن تفعلوا
فقط بل أن تريدوا أيضاً. ولكن الآن تمِّموا العمل أيضاً، حتى إنه كما أن النشاط
للإرادة، كذلك يكون التتميم أيضاً حسب ما لكم. لأنه إن كان النشاط موجوداً فهو
مقبولٌ على حسب ما للإنسان، لا على حسب ما ليس له. فإنه ليس لكي يكون للآخرين
راحةٌ ولكم ضيقٌ، بل بحسب المساواة. لكي تكون في هذا الوقت فُضالتكُم لإعوازهم، كي
تصير فُضَالتُهُم لإعوازكم، حتى تحصل المساواةُ. كما هو مكتوبٌ: الذي جمع كثيراً
لم يفضل، والذي جمع قليلاً لم ينقص.
«(2كو 8: 115)

وعليك أن تتصوَّر أيها
القارئ العزيز كيف كان اهتمام ق. بولس وإنشغاله لجمع العطايا لليهودية وكأنها له،
وكأنها لشدة احتياجه مع أنه كان يشتغل بيديه ليل نهار حتى لا يثقِّل على أحد. وكأن
كرازة ق. بولس بإنجيله المحبوب كان على وجهين، وجه عطاء نعمة وقوة للخلاص، ووجه
جمع المعونة لفقراء أُورشليم واليهودية. وكان هذا الدافع المقدَّس في قلب ق. بولس
هو ودون أن يعلم العامل الأقوى والفعَّال في تحويل
كنيسة الختان المتغطرسة والمنعزلة والمتعالية إلى كنيسة تطلب ود كنيسة الغرلة وعلى
منتهى الاستعداد أن تعترف لها بالفضل والكرامة. إن هذا أمر مذهل حقاً. وهكذا
تقاربت الكنيستان وبالنهاية اتحدتا:

+ » لأنكم
جميعاً أبناءُ الله بالإيمانِ بالمسيح يسوع. لأن كُلَّكُم الذين اعتمدتُم بالمسيح
قد لبستُم المسيح. ليس يهوديٌّ ولا يونانيٌّ، ليس عبدٌ ولا حرٌّ، ليس ذكرٌ ولا
أُنثى لأنكم جميعاً واحدٌ في المسيح يسوع.
«(غل 3: 2628)

+ » ها أنا بولس
أقول لكم: إنه إن اختتنتم لا ينفعكم المسيح شيئاً! … لأنه في المسيح يسوع لا
الختان ينفع شيئاً ولا الغرلة بل الإيمان العامل بالمحبة.
«(غل 5: 2و6)

وبهذا الإسلوب الذي
تدخل به الله بواسطة المجاعة خضعت كنيسة الختان المتعالية بالختان والناموس لتكون
تحت أمر وحسن ظن الأُمم السخية بالروح، السخية بالعطاء والفرح ورسولها الذي تعلَّم
كيف يجوع ليطعم الذين في ضيقة.

المرحلة
الثالثة: رفع يد الوصاية اليهودية عن كنيسة الأمم:

تهاوي
نجم كنيسة الختان كان إيذاناً بارتفاع شمس الإنجيل:

لم تتعالى كنيسة الأُمم
ولكن الذي تعالى هو حق إنجيل ربنا يسوع المسيح خلواً من ناموس وسبت وختان! وهكذا
دخل الإنجيل في عصر النور والقوة والمجد ولكن برسوله الذي جاهد له وغلب. وبالتالي
انتهت قوة الكنيسة وعملها ونصرتها ورئاستها من يد ق. بطرس إلى يد ق. بولس!! وتمَّ
قول الرب:
» تمد يدك، وآخر يمنطقك ويحملك حيث لا تشاء «(يو 18:21). وبالتالي انتقل مركز الكنيسة من أُورشليم على يد رسل
الختان، إلى أنطاكية الأُمم والعالم كمركز إبحار سفينة الإنجيل عبر كل العالم،
وانتهى اسم كنيسة الختان أي اليهود حيث تسمَّى المؤمنون مسيحيين أولاً
في أنطاكية:
» ودُعي التلاميذ مسيحيين في أنطاكية أولاً «(أع 26:11). بعد ذلك انطلق القديسان بولس وبرنابا في أول رحلة لهما
عبر الأمم.

توقُّف
الإيمان بالمسيح عند اليهود:

وماذا عن إقبال يهود
الختان على المسيحية؟
واضح أن الكرازة تحوَّلت نهائياً من يهود
الختان في كل الأُمم إلى الأُمم الذين أقبلوا على الإيمان بالمسيح بفرح:

+ » فلما رأى
اليهود الجموع امتلأوا غيرةً، وجعلوا يقاومون ما قاله بولس مناقضين ومجدِّفين.
فجاهر بولس وبرنابا وقالا: كان يجب أن تُكلَّموا أنتم أولاً بكلمة الله، ولكن إذ
دفعتموها عنكم، وحكمتم أنكم غير مستحقين
للحياةِ الأبدية، هوذا نتوجَّه إلى الأُمم. لأن هكذا
أوصانا الرب: قد أقمتُكَ نوراً للأُمم، لتكون أنت خلاصاً
إلى أقصى الأرض.
«(أع 13: 4547)

وبعد كل رحلة كانوا
يعودون إلى أنطاكية، ومنها يقلعون من جديد ولكن لم يكف اليهود عن مقاومة الكنيسة.

 

1
العلاقات مع أعمدة كنيسة أُورشليم

[2: 110]

 

1:2 «ثُمَّ بَعْدَ
أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً صَعِدْتُ أَيْضاً إِلى أُورُشَلِيمَ مَعَ بَرْنَابَا،
آخِذاً مَعِي تِيطُسَ أَيْضاً».

يحتار العلماء هل هذه
الأربع عشرة سنة محسوبة من زيارته الأُولى سنة 38م، أم أنها منذ أن رأى ق. بولس
الرؤيا على طريق دمشق، ولكن واضح لنا كل الوضوح أنها وبحسب تسلسل الكلام محسوبة من
الزيارة السابقة سنة 38م خاصة وأن رؤية طريق دمشق قد قدّر بعض العلماء حدوثها سنة
36م([6])
وبعضهم في زمان سابق أيضاً. ولكن في ظننا أنها قبل ذلك.

ويتفق العلماء بعد نقد
كثير ومراجعة ثم اتفاق أن المكتوب في الرسالة الثانية إلى كورنثوس بخصوص رؤية
السماء الثالثة أنها حدثت أثناء مرور هذه الأربع عشرة سنة التي يذكرها هنا ق. بولس
في رسالته إلى غلاطية:
» إنه لا يوافقني أن
أفتخر. فإني آتي إلى مناظر الرب وإعلاناته. أعرف إنساناً في المسيح قبل أربع عشرة
سنةً. أفي الجسد؟ لست أعلم، أم خارج الجسد؟ لست أعلم. الله يعلم. اختُطِفَ هذا إلى
السماء الثالثة …
«(2كو
12: 1و2). وذلك أثناء خدمته في ليكاؤنية لأنه تألم هناك كثيراً. ونعتقد أن هذه
الرؤية حصلت للقديس بولس وهو يُرجم رجماً أفقده الوعي حتى ظنوا أنه مات بالفعل،
فجرُّوه خارج المدينة كأنه ميت:
» ثم أتى يهودٌ من
أنطاكية وإيقونية وأقنعوا الجموع، فرجموا بولس وجرُّوه خارج المدينة، ظانين أنه قد
مات. ولكن إذ أحاط به التلاميذ، قام ودخل المدينة، وفي الغد خرج مع برنابا إلى
دربَة
«(أع 14: 19و20).
وهكذا صعدت روح ق. بولس حرَّة إلى السماء الثالثة ثم عادت.

أمَّا بخصوص برنابا فهو الزميل
الأقدم للقديس بولس وقد رافق ق. بولس في كل زياراته لأُورشليم بحسب سفر الأعمال
باعتباره عضواً في هيئة الكنيسة هناك
وهو أخو مريم صاحبة العليَّة:

+ » فحتَّم
التلاميذ حسبما تيسَّر لكل منهم أن يُرسِلَ كل واحدٍ شيئاً، خدمةً إلى الإخوة
الساكنين في اليهودية. ففعلوا ذلك مُرسلين إلى المشايخ بيد برنابا وشاول.
«(أع 29:11و30)

+ » ورجع برنابا
وشاول من أُورشليم بعد ما كمَّلا الخدمة، وأخذا معهما يوحنا الملقَّب مرقس (ابن
أخت برنابا).
«(أع 25:12)

» فلمَّا حصل
لبولس وبرنابا منازعةٌ ومباحثةٌ ليست بقليلةٍ معهم، رتَّبوا أن يصعد بولس وبرنابا
وأُناسٌ آخرون منهم إلى الرسل والمشايخ إلى أُورشليم مِنْ أجل هذه المسألةِ
«(أع 2:15)، حيث نال هو وبولس يمين الشركة مع الرسل لخدمة
الأُمم. لذلك ذكره ق. بولس في الرسالة إلى غلاطية هنا في هذه الآية، وفي رسالة
كورنثوس الأُولى هكذا:
» أم أنا وبرنابا وحدنا
ليس لنا سلطان أن لا نشتغل؟
«(1كو 6:9). وفي سفر الأعمال (2:13) أفرزه الروح القدس هو وبولس
(شاول) لبدء عمل الخدمة حيث سافرا معاً إلى قبرص وأنشأوا هناك أول كنيسة وعمَّدوا
أول مسيحيين في الجزيرة. وهكذا يظهر من سفر الأعمال وفي الرسائل أن برنابا كان
مرافقاً مختاراً للقديس بولس.

وبرنابا هو من سبط لاوي
(سبط الكهنة) ومواطن قبرصي وكان اسمه الشخصي يوسف وكان زميلاً للرسل في الأيام
الأُولى لكنيسة أُورشليم، والرسل هم الذين أعطوه اسم برنابا أي ابن العزاء أو
الوعظ (أع 36:4)، وكما قلنا إنه أخو مريم أم يوحنا مرقس صاحبة العليّة في أُورشليم
التي ظل الرسل يجتمعون فيها هناك، والرب أيضاً صنع فيها العشاء الأخير، وقد أقام
فيها الرسل بصورة دائمة بعد قيامة الرب وظهوره لهم وهم مجتمعون معاً في العلية
وفيها حلّ الروح القدس.

وقد صار برنابا أسقفاً
على قبرص. كما أنه كان أول مَنْ أرسله الرسل نيابة عن كنيسة أُورشليم لرعاية كنيسة
أنطاكية وظل يخدم هناك مع ق. بولس وعلى أيديهما تسمَّى مؤمنو أنطاكية مسيحيين
أولاً. وهو الذي ذهب إلى طرسوس واستدعى بولس ليخدم معه في أنطاكية([7]).

«آخذاً معي
تيطس أيضاً»:

وهو أُممي كما ذكره ق.
بولس:
» لكن لم يضطرَّ ولا تيطُس الذي كان معي، وهو يونانيٌّ، أن
يختتن
«(غل 3:2). وعلى
الأرجح هو من أنطاكية وقد أظهر من المواهب ما جعل ق. بولس يختاره للسفر معه، وقد
استأمنه ق. بولس على معالجة الأمور في كنيسة كورنثوس فيما يخص علاقة ق. بولس نفسه
بالكنيسة هناك (2كو 13:2؛ 5:716)،
كذلك على جمع العطايا والتبرعات:
» ولكن شكراً لله الذي
جعل هذا الاجتهاد عينه لأجلكم في قلب تيطس
«(2كو 16:8). وقد برع تيطس في الخدمة بتعليم ق. بولس حتى صار أسقفاً
على كنيسة جزيرة كريت بل وكتب له ق. بولس رسالته الرعوية.

ويقول العلماء إن غياب اسم
تيطس في كل سفر الأعمال يوحي أنه أخو لوقا وقد حذف اسمه كعادته كما حذف اسم نفسه([8]).

2:2 «وَإِنَّمَا
صَعِدْتُ بِمُوجَبِ إِعْلاَنٍ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمِ الإِنْجِيلَ الَّذِي
أَكْرِزُ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، وَلَكِنْ بِالانْفِرَادِ على المُعتَبَرِينَ،
لِئلاَّ أَكُونَ أَسْعَى أَو قَدْ سَعَيْتُ بَاطِلاً».

لم يعطنا ق. بولس أية
معلومات هنا أو سابقاً عن هذا الإعلان، وبالرغم من أن بعض المفسرين ينسبونه لنبوات
أغابوس والذين معه، أو لحلول الروح القدس عندما قال افرزوا لي برنابا وشاول للخدمة
التي دعوتهما إليها، إلاَّ أنه من الواضح أنه يتكلَّم عن إعلان خاص جداً يتعلَّق
بكرازة الإنجيل بين الأُمم فيما يخص خلوّه من الناموس والختان والسبت.

ونعتقد أن قصد الله من
إعلانه للقديس بولس لعرض إنجيله كان بداية سعي الله لإقناع الرسل بواسطة ق. بولس
لكسر حلقة الناموس من حول رقبة الرسل التي لم يستطيعوا أن يتخلَّصوا منها. لذلك
نسمع عن مقابلة القديسَين بولس وبرنابا ومعهما آخرون مع الرسل التي سجَّلها ق.
لوقا في سفر الأعمال بما يشير إلى نجاح الخطة:
» ولما حضروا
إلى أُورشليم قَبِلَتهُم الكنيسة والرسل والمشايخ، فأخبروهم بكل ما صنع الله معهم
… فسكت الجمهور كله. وكانوا يسمعون برنابا وبولس يحدِّثانِ بجميع ما صنع الله من
الآيات والعجائب في الأُمم بواسطتهم.
«(أع 15: 4و12) وجاء قرار المجمع موافقاً لهما.

طبعاً كانت هذه أول مرة
تُصدم أسماعهم عن الكرازة بإنجيل المسيح للخلاص بدون ناموس ولا هلال وسبت وختان أو
أية عوايد قديمة، وهوذا قد استحسنوها، بمعنى أنهم وافقوا على صحتها بالنسبة للأُمم
بل في واقعها المؤدي للخلاص العام، أي البشارة بموت المسيح وقيامته.

وواضح أن ق. بولس
ورَّطهم لاستخلاص هذه الموافقة بسرد أعمال الله العظيمة ودخول الأُمم بفرح في
الإيمان بالمسيح وإنشاء الكنائس بلا عدد، فلم يستطيعوا المعارضة بسبب النتائج
الناطقة. وهذا هو القصد من قوله:
» لئلاَّ أكونَ أسعى أو
قد سعيت باطلاً
«(غل 2:2). وكان
السؤال الموجه للرسل من وراء ذلك هو: هل إذا نجحت الكرازة بدون ناموس هذا النجاح
تكون باطلة؟ الإجابة مستحيل، والنتيجة أنه إذا كان هو قد سعى بالحق وبحق الإنجيل
تكون كرازة الرسل أنفسهم هي الباطلة على أساس إقامة الناموس وكل عوايد وفرائض
الناموس بلا داعٍ!!! بل وإنها تُبطل عمل المسيح وتسقط عمل النعمة.

ويلاحظ القارئ عدم
اكتراث ق. بولس برأي رسل أُورشليم من جهة أي قيمة أساسية بخصوص صحة الإنجيل الذي
يكرز به كما جاء في قوله:
» وأمَّا المعتبرون أنهم
شيءٌ، مهما كانوا، لا فرق عندي:
الله لا يأخُذُ بوجهِ إنسانٍ
فإنّ هؤلاء المُعتبرين لم يُشيروا عليَّ بشيءٍ
«(غل 6:2). وهذا يفيد في الحال أن قوله: » لئلاَّ أكون
أسعى أو قد سعيت باطلاً
« ليس تعبيراً يخصه بل يخصهم هم. فهو واثق من إنجيله أنه من الله،
ولكن لئلاَّ يكون الرسل قد اعتبروا أنه سعى باطلاً.

ويلزم أن ندرك أن ق.
بولس لا يستجدي موافقة الرسل على إنجيله وإلاَّ يكون قد نقض نفسه أن إنجيله من
الله وبإعلان الله وليس من الناس أو بإنسان، بل هو يسعى لإعلان الرسل بصحة إنجيله
رسمياً حتى يواجه الإخوة الكذبة المدَّعين أنهم رسل وأنهم يتبعون الرسل كذباً
لإفساد الإيمان بإنجيل ق. بولس. وهذا هو الذي تمَّ إذ لمَّا طرح أمامهم عناصر
إنجيله الأساسية من موت المسيح وقيامته وصعوده مع شرحه للمعاني التي تتعلَّق
بالخلاص، فإن الرسل استحسنوا إنجيل ق. بولس ولم يشيروا عليه بشيء. هذا معناه بكل
وضوح وتأكيد أن إدخال حفظ الناموس بعد ذلك مع الختان
والسبت على إنجيل المسيح هو باطل وبلا أي قيمة بل ومبطل للإيمان بالمسيح وملغٍ
لعمل
نعمته!

ولكن ق. بولس لا يهاجم
إنجيل الرسل القائم على الختان وعوايد الناموس، بل يؤكد أن ذلك إن كان يمكن
التجاوز عنه بالنسبة لليهود الذين قبلوا الإنجيل وهم على هذا الحال، لكن لا يمكن
بأي حال من الأحوال إضافة شيء من هذا على إنجيل المسيح وإلاَّ تصير الكرازة
باطلة!! بمعنى أن كرازة ق. بولس بإنجيل بولس للغرلة الأُمم
بدون ناموس أو ختان أو سبت، أو كرازة الرسل لليهود بإنجيل المسيح، فكلاهما كرازة
واحدة:

+ » فسواءٌ أنا (رسول الأمم) أم أُولئك (رسل
الختان)، هكذا نكرِزُ وهكذا آمنتم.
«(1كو 11:15)

«ولكن
بالانفراد على المعتبرين»:

لم يكن اجتماع ق. بولس
بالرسل الثلاثة بطرس ويعقوب ويوحنا وهم المعتبرون أعمدة
على المستوى المفتوح بل في اجتماع مغلق يضمهم هم فقط، لأن الرسل أنفسهم مقتنعون
بصحة إنجيل بولس ولكن ليس من السهل إقناع بقية الشيوخ لأن منهم مَنْ هم متعصبون
للناموس ويرفضون أي إيمان بالخلاص لا يأخذ بالناموس والختان. ولكن بعدما استقر
الرأي لدى الرؤساء الثلاثة مع تكوين براهين وحجج على ذلك، عقدوا بعد ذلك المجمع
وجعلوا طرح الموضوع علناً متأكدين أنهم قادرون على إقناع البقية المتعصبة:

+ » ولكن قام
أناسٌ من الذين كانوا قد آمنوا من مذهب الفريسيين، وقالوا: إنه ينبغي أن يُختنوا،
ويوصوا بأن يحفظوا ناموس موسى. فاجتمع الرسل والمشايخ لينظروا في هذا الأمر. فبعد
ما حصلت مباحثةٌ كثيرةٌ
قام بطرس وقال … وبعدما سكتا أجاب يعقوب قائلاً …
حينئذ رأى الرسل والمشايخ مع كل الكنيسة أن يختاروا رجلينِ منهم، فيُرسلوهما إلى
أنطاكية مع بولس وبرنابا …
«(أع 15: 57 و13و22)

3:2 «لَكِنْ لَمْ
يَضْطَرَّ وَلاَ تِيطُسُ الَّذِي كَانَ مَعِي، وَهُوَ يُونَانيٌّ، أنْ
يَخْتَتِنَ».

هنا يوضِّح ق. بولس
ثباته على مبدأ حق إنجيل المسيح الذي يكرز به، أنه لم يضطر أحد أن يختتن، ولا حتى
تيطس الذي يخدم معه وهو يوناني أي أُممي آمن واعتمد دون
أن يجري عليه طقس الختان. وهنا تبدو الآية مبهمة من حيث قواعد اللغة إذ كان يجب أن
يذكر ق. بولس من هُم الواجب اختتانهم حتى يجعل تيطس المثل الأكثر تحدٍّ، وطبعاً
القصد هنا مضمر وهو أنه إن كان من التحدِّي الأقل أن كل الذين آمنوا من الأُمم
كان ينبغي ختانتهم في نظر الإخوة الكذبة، فالقديس بولس يتحدَّاهم بالأكثر أنه حتى
الذي يكرز معه بالإنجيل أي تيطس لم يضطر أن يختتن وهذا يتناسب مع الآية القادمة.

فالقديس بولس بهذه
الآية يُظهر مدى التحدِّي الذي يعلنه في مواجهة الإخوة الكذبة.

ولكن إذا سأل سائل
ولماذا خَتَن ق. بولس تيموثاوس؟ فالرد لأن أُمه كانت يهودية، فإن كان أبوه
يونانياً فهو إنما يتحوَّل لا من الأُممية إلى المسيحية بل خَتَنَه لكي يكون تحوله
من اليهودية إلى المسيحية ليخدم به بلا مانع بين الختان الذين في وسط الأُمم أي
اليهود المتنصرين. أمَّا تيطس فهو يوناني أُختير ليكرز بين الأُمم، لذلك لم يضَّطر
ق. بولس أن يختنه. إذن فوضع تيموثاوس هو خاص للغاية وهو لا يمكن أخذه حجة على ق.
بولس أنه يدعو للختان وليس للمسيح، بل بالعكس فإنه ختنه ثم عمَّده لكي يحوِّله من
اليهودية إلى المسيحية. فالقديس بولس يفتخر بختانة تيموثاوس أنه حوّله من اليهودية
الناموسية إلى المسيحية ليلغي عمل الناموسية فيه. أمَّا من جهة تيطس فكان من
المستحيل أن يخضع ق. بولس للإخوة الكذبة ويختنه لئلاَّ يلغي نعمة الله التي
استلمها من الله ليسلِّمها للأُمم
ليكون خلاصهم بلا ختان ولا ناموس ولا سبت بل
بنعمة المسيح وحده أي بعمل موت الفداء والقيامة للخلاص.

4:2 «وَلكِنْ
بِسَبَبِ الإِخْوَةِ الكَذَبَةِ المُدْخَلِينَ خُفْيَةً، الَّذِينَ دَخَلُوا
اخْتِلاَساً لِيَتَجَسَّسُوا حُرِّيتَنَا الَّتي لَنَا في المَسِيحِ كَي
يَسْتَعبِدُونَا».

هذه الآية تتبع مباشرة
الآية قبل السابقة، أمَّا الآية السابقة مباشرة فهي آية اعتراض، حيث يأتي المعنى
هكذا: إنما صعدت بموجب إعلان وعرضت عليهم الإنجيل الذي أكرز به بين الأُمم، ولكن
(ذلك كان) بسبب الإخوة الكذبة … أي أني صعدت إلى أُورشليم بعد أربع عشرة سنة
(مرَّة أخرى) بموجب إعلان لكي أعرض عليهم الإنجيل الذي أكرز به بين الأُمم ولكن
بالانفراد على المعتبرين لئلاَّ أكون سعيت أو قد سعيت باطلاً … ولكن بسبب الإخوة
الكذبة … والجملة الساقطة هنا قبل كلمة “لكن” تأتي بمعنى ليس كأني
أتعلَّم منهم شيئاً “ولكن” بسبب الإخوة الكذبة حتى يتخذوا ضدهم إجراءً
رادعاً الأمر الذي تمَّ فعلاً، حيث يقول ق. بولس أنهم استحسنوا إنجيلي وأعطوني
يمين الشركة واتخذوا قراراً ضد الإخوة الكذبة الذين خرجوا خلسة من أُورشليم كأنهم
من الرسل وهم رسل كذبة.

ويبدو أن هؤلاء الإخوة
الكذبة كانوا شوكة في خدمة ق. بولس ولذلك ذكرهم ضمن الضيقات التي أحاطت به للإساءة
إليه وإلى خدمته، فهو يذكرهم في سلسلة آلامه على مستوى أخطار اللصوص.
» بأخطار لصوص
… بأخطار من إخوة كذبة
«(2كو 26:11). ومرَّة أخرى يصفهم في رسالته إلى كورنثوس باعتبارهم
رسل كذبة
» لأن مثل هؤلاء هم رسل كذبة، فعلة ماكرون مُغيرون
شكلهم إلى شبه رسل المسيح. ولا عجب لأن الشيطان نفسه يغيِّر شكله إلى شبه ملاك
نور. فليس عظيماً إن كان خدَّامه أيضاً يغيِّرون شكلهم كخدام للبر. الذين نهايتهم
تكون حسب أعمالهم.
«(2كو
11:
13
15)

«المدخلين
خفية الذين دخلوا اختلاساً»:

هنا فعلان وضعهما ق.
بولس ليعبِّرا معاً عن حالة تلصُّص غريبة بالنسبة للإخوة الكذبة، الفعل الأول مبني
للمجهول “مدخلين خفية” أي دخلوا سراً بدون دعوة أو إرسالية علنية، والفعل الثاني
يصوِّرهم وهم يندسون خلسة أيضاً على مستوى التلصُّص أو السرقة. والمعنى يطال آخرين
أيضاً ربما بعض الرسل باعتبارهم أنهم حرضوا هؤلاء الإخوة الكذبة أن يتجسَّسوا على
كرازة بولس الرسول التي ألغى منها الناموس والختان وعوايد اليهود. وفعلاً استطاع
هؤلاء الجواسيس أن يندَّسوا وسط المؤمنين في الكنائس التي افتتحها بولس الرسول في
البلاد.

«ليتجسَّسوا
حريتنا التي لنا في المسيح»:

كان مقصد هؤلاء الإخوة
الكذبة أن يتعرَّفوا على ماذا يكرز به بولس بالنسبة للناموس والختان والسبت، أي
العبادة اليهودية، ومدى عدم التقيُّد بفروضها التي اعتبرها ق. بولس أنها كلها
نافلة وقد ألغاها المسيح بموته فأصبحت كلها ملغاة. وهذا هو الذي يقصده من قوله:
» حريتنا التي
لنا في المسيح
«أي عمل النعمة الذي ألغى فروض العبادة اليهودية بكل ثقلها
التي كانت بمثابة عبودية.

«كي
يستعبدونا»:

هنا يقصد أن غرض الإخوة
الكذبة بالأساس هو ربط المؤمنين المسيحيين مرة أخرى بالناموس الذي تحرروا منه،
وهذا يسميه ق. بولس استعباداً لفرائض الناموس التي فقدت فعلها وقوتها وبالتالي
وجودها بموت المسيح وقيامته، ولكن حينما يربط الإخوة الكذبة إيمان المؤمنين
بالناموس فالمحصلة النهائية أنهم يربطونهم بأنفسهم باعتبارهم معلمي الناموس
بالضرورة. فهو استعباد لفرائض الناموس وبالتالي حرمانهم من حرية الإيمان بالمسيح
واستعبادهم لتعاليمهم وطاعتهم هم الشخصية عوض طاعة الإنجيل.

5:2 «الَّذِينَ لَمْ
نُذْعِنْ لهُمْ بِالخُضوعِ وَلاَ سَاعَةً، لِيَبقَى عِنْدكُمْ حَقُّ الإِنْجِيلِ».

حدث إشكال كبير في هذه
الآية إذ وردت في النسخة الغربية اللاتينية بالإيجاب وليس بالنفي أي “خضعنا لهم
ساعة” أي بعض الوقت كما قرأها ق. إيرينيئوس أسقف ليون([9])
وقرأها أيضاً العلاَّمة ترتليان([10]).
ولكن لم يستطيعوا أن يبرهنوا على وضعها الإيجابي، كما قالها ماريوس فيكتورينوس([11])
في اللاتينية وأشار إلى إمكانية قولها بالنفي معاً بحسب قراءتها اليونانية، أمَّا
القراءة الغربية التي جاءت بالإيجاب فيعزونها إلى ختانة تيموثاوس والتي بالنفي
لتيطس حسب قول بولس الرسول:
» صرت … للذين تحت
الناموس كأني تحت الناموس … وللذين بلا ناموس كأني بلا ناموس.
«(1كو 20:9و21)

أمَّا جيروم([12])
فكان لديه معرفة بالنسخة الإيجابية الغربية بجوار النسخة العامة ولكن لم يستطع أن
يعطي معنى واضحاً للنسخة الغربية.

لذلك استقر الرأي العام
على القراءة باليونانية كما جاءت في جميع النسخ.

«ليبقى
عندكم حق الإنجيل»:

هنا » حق الإنجيل « يعني به ق. بولس الخلاص الذي تمَّ بالنعمة مجاناً للمؤمنين، يهوداً
ويونانيين لا فرق، وقبولهم للروح القدس كعطية وهبة من الله بلا مقابل سوى الإيمان
بالمسيح يسوع. وبلا أي مَطالب مسبقة أو أي إجراءات رسمية، فإن أي خضوع لمثل هؤلاء
المدَّعين بأهمية الناموس ولو إلى ساعة يكون معناه إلغاء للنعمة المجانية وعطية
الله بالروح القدس وقبول الخلاص الذي تمَّ بيسوع المسيح. على أن الخضوع هنا يعني
به ق. بولس أي إجراء ناموسي وبالذات الختان. لأن الختان يعني بالأساس وبالفكر
اليهودي أن المختتن صار ابناً لإبراهيم على مستوى التجُّنس بالجنسية اليهودية
والارتباط لعمل الناموس بالإلزام. في حين أن المسيح جاء ليعطي الخلاص لكل الناس
وليس لأبناء إبراهيم فحسب، وبالتالي يعطي النعمة المجانية بلا قيد ولا شرط لكل
مَنْ يؤمن. لهذا اعتبر ق. بولس أن الختان هو إلغاء للنعمة:

+ » قد تبطَّلتم
عن المسيح أيها الذين تتبرَّرون بالناموس. سقطتم من النعمة
«(غل 4:5)

لذلك كان همّ ق. بولس
الأعظم أن يحفظ للمدعوين من الأُمم حقيقة إنجيل الخلاص أو إنجيل النعمة بلا ختان
ولا ناموس، لأنه كان يعلم تماماً كما قال بطرس الرسول علانية أمام مجمع أُورشليم
حينما أراد بعض اليهود المتنصرين المتعصبين للناموس أن يضعوا على الأُمم أن
يتهوَّدوا أولاً ويحفظوا الناموس:
» … وقالوا: إنه ينبغي أن يختتنوا، ويوصوا بأن يحفظوا ناموس موسى
… فقام بطرس وقال لهم: … فالآن لماذا تُجرِّبون الله بوضع نيرٍ على عُنُقِ
التلاميذ لم يستطع آباؤنا ولا نحن أن نحمله؟
«(أع 15: 5و7و10)

ولكن إن كان اصطلاح «حق
الإنجيل»
هنا في موضوع تيطس يرمي مباشرة إلى «عدم الختان»، إلاَّ أن
هذا الاصطلاح عينه أي
» حق الإنجيل «جاء مرَّة
أخرى ليعبِّر عن حقيقة أخرى وذلك في المشادة التي جرت بين القديسين بطرس وبولس في
أمر الأكل والاختلاط بالأُمم هكذا:
» لكن لمَّا رأيت أنهم لا
يسلكون (بطرس وبرنابا) باستقامة “حسب حق الإنجيل”، قلت لبطرس قدَّام الجميع: إن
كنت وأنت يهودي تعيش أممياً (لأنه كان يأكل مع الأُمم ولمَّا أتى قوم من عند يعقوب
أفرز نفسه) لا يهودياً، فلماذا تلزم الأُمم أن يتهوَّدوا؟
«(غل 14:2). فهنا ينصب معنى عدم السلوك باستقامة حسب حق الإنجيل على
إجبار الأُمم أن يعيشوا حسب عادة اليهود.

وواضح أن ق. بولس إنما
يحكي لأهل غلاطية هنا (2: 15) عمَّا حدث له في أنطاكية سواء من جهة
بطرس أو من جهة محاولة الإخوة الكذبة الذين أرادوا أن يتدخلوا في كرازة ق. بولس
ويرغموه على اختتان تيطس كما جاء في سفر الأعمال الأصحاح 15 من الآية (120)
الأمر الذي بسببه انحدر بولس وبرنابا ومعهم تيطس إلى أُورشليم ليرفعوا أمر هؤلاء
الإخوة أمام الرسل.

وباختصار شديد نلخِّص
ما جاء في سفر الأعمال (15: 120) وما يقابله في غلاطية (1:25)
بالآتي: يحكي ق. بولس لأهل غلاطية ما عمله الإخوة الكذبة في كرازته وهو في أنطاكية
ليوضح لهم نفس ما حدث لهم من تدخل الإخوة الكذبة عندهم في كنائسهم.

ففي أنطاكية حاول هؤلاء
الإخوة الكذبة المندسُّون في أعمال كرازة ق. بولس خلسة أي بدون إذن من الرسل أن
يرغموا ق. بولس على تهوُّد الأُمميين وفرض حفظ الناموس والختان، فلم يذعن لهم ق.
بولس ولا حتى تيطس الذي كان يكرز معه لم يختنه، ولمَّا أراد هؤلاء الإخوة الكذبة
أن يقلبوا له الإنجيل الذي يبشِّر به أخذ بولس برنابا وتيطس وبعض الإخوة وصعد إلى
أُورشليم وعرض الأمر على الرسل إنما على انفراد لأن كنيسة أُورشليم كانت مملوءة
بمثل هؤلاء اليهود المتنصرين المتعصبين للناموس الذين كانوا من فئة الفريسيين.
لذلك آثر ق. بولس أن يكون عرض الأمر على الرسل على انفراد حتى يفوز بالموافقة
أولاً قبل عرضه على المجمع المجتمع من الرسل والشيوخ جميعاً. وفعلاً نجحوا في ذلك
وأخذوا في النهاية قراراً مجمعياً بموافقة الجميع. وقامت بعثة من أُورشليم مع ق.
بولس وبرنابا وتيطس لعرض النتائج على كنيسة أنطاكية.

وكأن ق. بولس يقول لأهل
غلاطية إن إذعانهم لهؤلاء الإخوة الكذبة وقبول الختان هو منافٍ لأمر الرسل وقرار
المجمع.

وهكذا
أرسل ق. بولس رسالته لأهل غلاطية متضمِّنة قرار المجمع المقدَّس مع شرح لكل
ظروفه.

6:2 «وَأَمَّا
الْمُعْتَبَرُونَ أَنهُمْ شَيءٌ، مَهْمَا كَانُوا، لاَ فَرْقَ عِنْدِي: اللهُ لاَ
يَأْخُذُ بِوَجْهِ إِنْسَانٍ فَإِنَّ هؤُلاَءِ الْمُعتَبَرِينَ لَمْ
يُشِيرُوا عَلَيَّ بِشَيْءٍ.».

ليحترس القارئ من أن
يحسب أن ق. بولس هنا ينتقص من كرامة الرسل، ولكن في الحقيقة هو يوازن بين ما للرسل وما له باعتبار أنه رسول
مثلهم وعلى مستواهم وإن كان يعتبر نفسه
أفضل
منهم من وجهة أنه تألم من أجل الإنجيل
أكثر منهم. وإليك ما يجول بفكر ق. بولس
في هذا الأمر:

( أ ) » قد صرت
غبياً وأنا أفتخرُ. أنتم ألزمتموني! لأنه كان ينبغي أن أُمدَح منكم، إذ لم أنقص
شيئاً عن فائقي الرسل، وإن كنت لستُ شيئاً.
«(2كو 11:12)

(ب) » لأني أحسِبُ
أني لم أنقص شيئاً عن فائقي الرسل.
«(2كو 5:11)

( ج ) » الذي يجترئُ
فيه أحدٌ، أقولُ في غباوةٍ: أنا أيضاً أجترئُ فيه. أهُم عبرانيُّون؟ فأنا أيضاً
أهُم خُدَّامُ المسيح؟ أقولُ كمختلِّ العقلِ: فأنا أفضلُ. في الأتعابِ
أكثر …
«(2كو 11: 2123)

( د ) » أعرف
إنساناً في المسيح (بولس) … اختُطِفَ إلى الفردوسِ، وسَمِعَ كلماتٍ لا
يُنطَقُ بها، ولا يسوغُ لإنسان أن يتكلَّم بها. مِنْ جهةِ هذا أفتخِرُ. ولكن مِنْ
جهةِ نفسي لا أفتخر إلاَّ بضعفاتي.
«(2كو 12: 2و4و5)

( ه ) » ولكن بنعمة
الله أنا ما أنا، ونعمته المُعطاةُ لي لم تكن باطلةً، بل أنا تعبتُ أكثر منهم
جميعهم. ولكن لا أنا، بل نعمة الله التي معي.
«(1كو 10:15)

وفي هذه الأصحاحات إنما
يؤكد القديس بولس أن خدمته وكرازته لا تحتاج إلى دعم من رسل أو غيرهم فهو على نفس
مستوى خدمة الرسل يخدم ويكرز بل يرى أنه في ذلك يَفْضُلُهم جميعاً.

«الله لا
يأخذ بوجه إنسان»:

وأمَّا بصدد الآية
(6:2) التي أمامنا فهي تضمر أمراً يحاول بولس الرسول أن يرد عليه، وهو أن بعض
الناس يرفعون من سلطان الرسل أكثر من سلطان ق. بولس بسبب أمور لا تمت إلى الإنجيل.
هذا هو الذي يحز في نفسه لأنه كان يرى أن ذلك إنما يضر بالكرازة وبالإنجيل ضرراً
بليغاً، خاصة وأن ق. بولس قد أؤتمن على سر المسيح
وهو مصمم أن هذا السر الذي
أؤتمن عليه يرفعه إلى مستوى أعلى من الرسل
جميعاً، وهو أن الله أعلن له خاصة أن الأُمم شركاء في الميراث والجسد والخلاص بدون
ناموس أو ختان أو سبت، الأمر الذي اختص المسيح به ق. بولس بوضوح بسرٍّ خاص.

فهنا دفاع ق. بولس عن
رسوليته لا يخصه شخصياً ولكن يخص حق الإنجيل في الصميم. لذلك يقول صراحة أن المعتبرين من الرسل أو الأعمدة كما
يقول ليسوا أعلى في رسوليتهم منه، فالله لا
يأخذ بالوجوه كما يأخذ الإنسان،
فالله الذي دعاهم دعاه والذي أرسلهم أرسله ولم يميزهم عنه بشيء.

وفي قوله: «مهما
كانوا»،
يضرب إلى بعيد فهو يلمِّح إلى بطرس كرئيس ويوحنا كتلميذ حضن المسيح
وحبيبه ويعقوب كأخي الرب الذي سمَّاهم فائقي الرسل.

ودليل ق. بولس على ذلك
أنه لمَّا عرض بنفسه عليهم إنجيله لم يحذفوا منه شيئاً أو يضيفوا عليه شيئاً ولا
أشاروا عليه بشيء من جهة كل ما علَّم به خاصة من جهة التعليم بدون الناموس أو
الختان. وهذا بحد ذاته يؤكِّد حق دفاع ق. بولس عن صدق رسوليته وسمو مستواها، وعن
حق إنجيله وفرادة مستواه.

علماً بأن ق. بولس
يكلِّم أهل غلاطية لكي يقتنعوا قناعة مدعَّمة بسلطان كل الرسل أن ما بشَّرهم به من
جهة إسقاط الناموس من الإيمان بالمسيح جملة وتفصيلاً ورفض الختان والسبت وكل عوايد
اليهود هو أمر إلهي مدعَّم من الرسل كما هو مدعَّم من فمه لهم. ذلك حتى لا يفتحوا
آذانهم لمن يأتونهم بادعاء النبوَّة أو الرسولية ليقنعوهم بالرجعة للناموس أو
الختان، بل ولا يحسبونهم قط أنهم خدَّام أو أنبياء أو رسل بل هم إخوة ورسل كذبة.

7:2 «بَلْ
بِالْعَكْسِ، إِذْ رَأَوْا أَني اؤْتُمِنْتُ عَلَى إِنْجِيلِ الغُرْلَةِ كَمَا
بُطْرُسُ عَلَى إِنْجِيلِ الخِتَانِ».

هنا كلمة » العكس « تفيد الإيجابية المطلقة لقبول الرسل حتى الأعمدة
منهم والفائقين في المقام لإنجيل ق. بولس بالكرازة للأُمم بدون ناموس
وختان، أي أنهم لم يشيروا عليه بشيء بل استحسنوه كما هو. وهنا إعلان واضح وصريح من
الرسل أن الالتزامات الخاصة بحفظ الناموس والختان والسبت لا تدخل في صحة الإنجيل
أو بحسب تعبير ق. بولس أنها لا علاقة لها بحق الإنجيل وبالتالي تضعفه بل تبطله.

«أؤتُمِنتُ
على إنجيل الغرلة»:

المبني للمجهول هنا
يشير إشارة قوية إلى الله ونعمة المسيح. فالله اعتبر ق. بولس أهلاً ليكون رسولاً
خاصاً للأمم. وقوله:
» الغرلة «تعني في
الحال إلغاءً لقيمة الختان بالنسبة للإيمان، وبالتالي ارتفاعاً بالغرلة
أي ما كان محسوباً نجساً في عرف ناموس موسى إلى مستوى القداسة بعامل
تدخل نعمة المسيح التي رفعت معنى القداسة إلى مستوى الروح لا الجسد وبالتالي ألغت
أحكام الناموس من جهة الطاهر والنجس، الأمر الذي أعلنه الله بالروح للقديس بطرس
على ثلاث مرات توكيداً لحق الإنجيل: «ما طهَّره الله لا تُدَنِّسه أنتَ!»
(أع 15:10)، يا للمجد ويا لنعمة المسيح!! بمعنى أن كل ما كان نجساً في عرف اليهودي
من جهة الجسد أصبح بتدخل الله بواسطة المسيح مطهَّراً وبلا لوم!!

والذي يخطف أبصارنا
ويستحوذ على تعجبنا واندهاشنا أن تطهير الله للنجس عند اليهود والناموس تمَّ ليس
بإجراء أو ممارسة بشرية قط بل بكلمة الله التي كلَّفته موت الابن على الصليب،
فالثمن الذي دفعه الله وتغرَّم به الابن المحبوب ليصير النجس (الأُمم) عند اليهودي
مقدساً هو أفدح ثمن: فهو يفوق كل ما يمكن أن يتغرَّم به الإنسان بسبب خطاياه
ونجاساته، لأنه إن كانت عقوبة الإنسان عن خطاياه ونجاساته هي الموت بلا رحمة أي
بلا استئناف أو رجوع في الحكم، فالثمن الذي تحمَّله الله في ابنه هو أشنع من
مجرَّد موت إنسان بل هو موت ابن الله الذي يتضمن موت الكل!!
» لأن محبة
المسيح تحصُرُنا. إذ نحن نَحسِبُ هذا: أَنهُ إن كان واحدٌ قد ماتَ لأجل
الجميعِ، فالجميعُ إذاً ماتوا.
«(2كو 14:5)، ليدخل في صميم موته موت كل إنسان الذي انتهى
بالقيامة الأبدية وشركة الحياة في مجد الله إلى الأبد!!!

فالآن نحن نتوسَّل لدى
القارئ أن يحس بمشاعر ق. بولس عندما يرى نفسه كرسول وحيد استؤمن من الله ليبشِّر
بانفتاح البر والقداسة أمام
كل الأُمم في كل العالم وقبول الخلاص مجاناً
والدخول إلى الحياة الأبدية وشركة مجد الله
كأقدس يهودي أكمل كل الناموس
وفرائضه وأعماله!! هذا الإحساس الغامر جعله يقول بلا تحفُّظ:
» أهُم
خُدَّامُ المسيح؟ أقولُ كمختلِّ العقلِ: فأنا أفضلُ.
«(2كو 23:11). والأفضلية التي يقصدها ق. بولس هنا ليست
أفضلية شخصية بل أفضلية خدمة وبالتالي أفضلية إنجيل. لأن الإنجيل الذي يطالب
بالناموس والختان ليس إنجيلاً بالمرة، فإنجيل المسيح الذي يضمن معنى البشارة
المفرحة والحسنة هو الإنجيل الذي ينادي بالخلاص المجاني بلا ناموس أو ختان أو سبت!
ولكن لم يجترئ ق. بولس أن يقلِّل من خدمة الختان أي الكرازة لليهود لأنها قامت بيد
ق. بطرس بإرسالية من الله ورافقها الروح القدس بالمعجزات والآيات كما حدث لإرسالية
الأُمم على يد بولس الرسول. ولكن لم يكن قبول المسيح لدى اليهود (الختان) كقبول
المسيح والإيمان لدى الوثنيين من الأُمم. فالمسيح أصلاً جاء بحسب كل الوعود
والنبوات السابقة التي كان يحفظها اليهود وينتظرونها بفارغ الصبر، جاء كقول إنجيل
القديس يوحنا:
» إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله، وأمَّا الذين قبلوه
من اليهود والأُمم فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله
«(يو 1: 11و12). فاقتبال اليهود أي الختان للمسيح والإيمان به لا
يمكن أن يقارن بقبول الوثنيين أي الأُمم للمسيح. فإن شبَّهنا قبول الختان للمسيح
بقبول المريض للطبيب ليشفيه، يكون قبول الوثنيين للمسيح كقبول “الميت
لإله”
ليحييه ويقيمه من الموت!!

فإن كان صحيحاً أن ق.
بولس قد أُؤتمن على إنجيل الغرلة مثل ق. بطرس الذي أُؤتمن على إنجيل الختان إلاَّ
أنه شتان بين مريض يُطرح بين يدي طبيب، وميت يقدَّم محمولاً ليقبل الحياة من فم
الله. كذلك إن شبَّهنا عمل ق. بطرس بعمل المسيح في الإنسان ذي الثماني والثلاثين
سنة ملقى على سريره، يكون عمل ق. بولس كعمل المسيح في لعازر بعد موت استبد به إلى
أربعة أيام في القبر.

ولكن البديع حقاً ومن
واقع ما جاء هنا في رسالة غلاطية أن كليهما يقبل رسالة الآخر، فالقديس بطرس ومعه
الأعمدة أعطوا يمين الشركة للقديس بولس، والقديس بولس اعترف بأنهم أعمدة الخدمة
والرسالة في أُورشليم واليهودية.

كذلك نجد أنه قد بدر من
ق. بولس في هذه الرسالة تعريفٌ لإنجيل الختان بديعٌ حقاً إذ اعتبره أنه ليس
إنجيلاً آخر، ولكن بالنسبة للوثني الذي يتحوَّل من إنجيل ق. بولس الذي لأهل الغرلة
إلى إنجيل الختان فهذا يعتبره تحوُّلاً عن حق الإنجيل الذي للأُمم. لأن ق.
بولس يؤكِّد ويصمِّم أن الإنجيل الذي يبشِّر به هو الإنجيل الحق أو حق الإنجيل
باعتباره البشارة المفرحة لإنسان كان ميتاً فعاش بحسب تعبير “الأب” عن الابن
الأصغر (لو 32:15)!
» إني أتعجَّب أنكم تنتقلون هكذا سريعاً عن الذي
دعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر. ليس هو آخر غير أنه يوجد قوم يزعجونكم
ويريدون أن يحولوا إنجيل المسيح
«(غل 1: 6و7). هذا يعني أن الإنجيل الحق هو ما يكرز به ق. بولس
للأُمم: أي خلاصٌ بدون ناموس أو ختان، فإن زاغ الوثني بعد أن يكون قد
قبل الخلاص بحسب الإنجيل الذي له نحو الناموس والختان يكون قد تحوَّل
فقط عن الإنجيل الخاص به إلى ما هو ليس في حق
الإنجيل، وهي أمور اليهود التي لا تخص الخلاص في شيء بالنسبة للأُممي.
ولكن
ق. بولس يؤكد بوضوح أن الخدمة والكرازة هي على السواء إن كان لليهود في الختان
بواسطة الرسل أو بدون الختان بالنسبة للأُمم:
» فسواءٌ أنا
أم أُولئك، هكذا نكرِزُ وهكذا آمنتم.
«(1كو 11:15)

والمعنى المستخلص هو أن
ق. بطرس يكرز بالإنجيل الذي يكرز به ق. بولس ولكن لقوم يعيشون بالناموس في الختان
كضرورة كان يتحتَّم التخلِّي عنها ولكن ليس جميع أهل الختان من
المؤمنين يستطيعون ذلك لضرورة واقعة لا يمكن إغفالها. ولكن إن عاد الأُمم إلى
الناموس والختان وقبلوا أن يتهوَّدوا كان ذلك تحوُّلاً عن الإنجيل وسقوطاً من
النعمة للدخول في عبودية الناموس. لذلك يصرخ فيهم ق. بولس قائلاً:

+ » فاثبتوا
إذاً في الحرية التي قد حررنا المسيح بها ولا ترتبكوا أيضاً بنير عبودية (للناموس)
… إنه إن اختتنتم لا ينفعكم المسيح شيئاً! … قد تبطَّلتم عن المسيح أيها الذين
تتبرَّرون بالناموس. سقطتم من النعمة.
«(غل 5: 1و2و4و5)

والقديس بطرس وإن كان
قد تقَّبل الرسولية ليكرز بالمسيح بين المختونين فليس هذا معناه قط أنه يكرز
بالختان. تماماً كما أن ق. بولس تقبَّل الرسولية خاصة ليكرز بالمسيح بين الغرلة
(الوثنيين) فليس هذا معناه أنه يكرز بالختان بل يتحتَّم أن يكرز بعدم الختان
وإلاَّ يكون قد تحوَّل من حرية المسيح إلى عبودية الناموس.

8:2 «فَإِنَّ
الَّذِي عَمِلَ في بُطْرُسَ لِرِسَالَةِ الخِتَانِ عَمِلَ فيَّ أَيْضاً لِلأُممِ».

هنا يرتفع ق. بولس فوق
مستوى الحالة العامة والخاصة التي للإنسان عند قبوله الإنجيل، فالإنجيل مصدره
ومضمونه ومبناه واحد لأنه
» إنجيل المسيح «أي البشارة
بالمسيح كمخلِّص عام لكل البشرية. لا فرق إطلاقاً بين طاهر ونجس بحسب الناموس أو
أفكار اليهود فالمسيح واجه الإنسان أيا كان وكيفما كان وأينما كان. فالإنجيل
الذي بشَّر به المسيح هو إنجيل خلاص الإنسان العام والخاص.
على أن الكل أخطأوا
وزاغوا وأعوزهم مجد الله. ليس بار ليس ولا واحد!! (رو 3: 23و10و12)

لأنه من المعروف
والمقطوع به أن المسيح مات من أجل الجميع فالجميع إذاً قد ماتوا (2كو 14:5). فإن
كان أصل الإنجيل واحداً وهو موت المسيح من أجل جميع الخطاة، وقيامته لأجل إحياء جميع الخطاة، كل مَنْ يؤمن، إذن أصبحت رسالة الإنجيل
واحدةً حتماً وبالضرورة لكل مَنْ يسمعها
لا
فرق بين يهودي وأُممي. وبالتالي يكون الذي عمل في ق. بطرس للكرازة بين الختان هو
هو
الذي عمل في ق. بولس للكرازة بين الأُمم. فليس بطرس بعد ولا بولس بل
المسيح الذي يعمل في الجميع.

9:2 «فَإِذْ عَلِمَ
بِالنِّعْمَةِ المُعْطَاةِ لي يَعْقُوبُ وَصَفَا ويُوحَنَّا، الْمُعْتَبَرُونَ
أَنَّهُمْ أَعْمِدَةٌ، أَعْطَونِي وبَرنَابَا يَمِينَ الشَّرِكَةِ لِنَكُونَ نَحنُ
لِلأُمَمِ، وَأَمَّا هُمْ فَلِلخِتَانِ».

محتوى هذه الآية هو
متوازٍ تماماً مع ما جاء في الآيتين (7و8):

فبدلاً من قول ق. بولس
في الآية السابقة:
» فالذي عمل في بطرس عمل فيَّ « فإنه هنا يقول: » فإذ علم بالنعمة
المعطاة لي يعقوب وصفا ويوحنا
« وبدلاً من قوله: » بطرس لرسالة الختان « » وفيَّ للأُمم « قال: » لنكون نحن للأُمم
وأمَّا هم فللختان
«
وبدل أن قال في الآية (7):
» رأوا أني أؤتمنت « قال هنا: » علم بالنعمة المعطاة لي « لأن النعمة التي أعطيت للقديس بولس هي نفسها نعمة الرسولية لإنجيل الغرلة التي عبَّر عنها في
الآية (16:1) هكذا:
» أن يعلن ابنه فيَّ لأبشِّر بين الأمم «

تماماً كما أوضحها
أيضاً في الرسالة إلى رومية هكذا:

+ » الذي به،
لأجل اسمه، قَبِلنَا نِعمَةً
ورسالةً، لإطاعةِ الإيمانِ في جميعِ الأممِ، «(رو 5:1)

وألمح إليها أيضاً
بقوله:

+ » فإني أقول
بالنعمةِ المعطاةِ لي، لكُلِّ مَنْ هو بينكم: أن لا يرتئيَ فوق ما ينبغي أن
يرتئيَ، بل يرتئيَ إلى التعقُّلِ، كما قَسَمَ الله لكلِّ واحدٍ مقداراً مِنَ
الإيمانِ.
«(رو 3:12)

وكررها بأكثر توضيح
هكذا:

+ » ولكن بأكثرِ
جسارةٍ كتبتُ إليكم جزئياً أيها الإخوةُ، كمذكِّرٍ لكم، بسببِ النعمة التي
وُهِبَتْ لي مِنَ الله.
«(رو 15:15)

وذكرها أيضاً في
الرسالة الأُولى لأهل كورنثوس:

+ «حسبَ نِعمَةِ
اللهِ المُعطاةِ لي كبنَّاءٍ حكيمٍ …»
(1كو 10:3)

وأيضاً في أفسس:

+ » لي أنا أصغر
جميع القديسين، أُعطيت هذه النعمة، أن أُبشِّر بين الأُمم بغنى المسيح الذي لا
يُستقصى.
«(أف 8:3)

«يعقوب وصفا
ويوحنا المعتبرون أنهم أعمدة»:

أخيراً أفصح ق. بولس عن
الأعمدة الثلاثة وفائقي الرسل، والمعتبرين. أمَّا هذا الترتيب في الأسماء فهو
القانون الذي أخذت به الكنيسة، على أن يعقوب أخا الرب تولَّى أسقفية كنيسة أُورشليم بعد هرب بطرس من السجن بيد الملاك وخروجه من
أُورشليم، ولو أن ق. بطرس عاد بعد ذلك ولمدة قصيرة ليدبر الكنيسة. والمعروف حسب
أبحاث العالِم بروس([13])
أن الرسل توزعوا على كنائس الشرق ولم يُسمع لهم عن عمل في أُورشليم بعد منتصف
القرن الأول،
وحين هُدِم الهيكل وأُحرق بيد تيطس لم يكن هناك أيٌّ من
المسيحيين. على أن العالِم الألماني ج. كِلَيِن([14])
يقول إن ق. بطرس كان مترئساً على المجمع الذي عُقد في أُورشليم بحضور ق. بولس
وبطلب منه. ورئاسة ق. بطرس واضحة جداً في رسالة غلاطية بالرغم من أولوية ق. يعقوب
في التسمية، لأن ق. بولس لا يوازن نفسه إلاَّ ببطرس باعتباره أنه هو الذي أُؤتمن
على إنجيل الختان (غل 7:2) كذلك باعتبار أن نعمة الاختيار للإنجيل على الختان
أُعطيت للقديس بطرس بالاسم (غل 8:2).

أمَّا ذكر القديس يوحنا
الرسول هنا فهو حسب المعتاد أنه دائماً يُذكر مع ق. بطرس ولو أنه يُذكر دائماً
بدون ذكر لأعماله.

والقديس بولس ولو أنه
يذكر هذه الأسماء الثلاثة باعتبار أنهم أعمدة كنيسة أُورشليم إلاَّ أنه من وراء
الكلام لا يُلزم نفسه بهذه الحقيقة. فهو إنما يذكرها للآخرين فقط دون أن يلزم نفسه
بها، إذ رأيناه ينفي مرَّة واحدة كل امتياز لهؤلاء الرسل هكذا:
» وأمَّا
المعتبرون أنهم شيءٌ (عند الناس)، مهما كانوا (أول الرسل وأخو الرب
والتلميذ المحبوب)، لا فرق عندي …
«(غل 6:2). وذلك المبدأ واضح في منهج ق. بولس إذ يعتبر أن لا شيء
يميِّز الرسل إلاَّ النعمة، والنعمة للرسولية واحدة للجميع إنما الأفضلية بين
الرسل واقعة فقط في حدود تعب الخدمة وآلامها وحسب، لأن الرسل ككل أسمعونا صوت
المسيح الواحد:
» الذي يسمع منكم يسمع مني «(لو 16:10)، وأناروا العالم بنور المسيح: «أنتم نور العالم»
(مت 11:5)، «أنا نور العالم» (يو 5:9)، وحفظوا الأرض من فساد مميت: «أنتم
ملح الأرض»
(مت 13:5)،
» أنتم طاهرون ولكن ليس
كلكم.
«(يو 10:13)!!

وكانوا ليسوا من هذا
العالم:
» كما إني أنا لست من العالم. «(يو 14:17)

وصاروا اثني عشر أساساً
لأُورشليم النازلة من السماء من عند الله:
» وسورُ
المدينةِ كان له اثنا عشر أساساً، وعليها أسماءُ رُسُلِ الخروفِ الاثني عشرَ
« وكأنما حملوا لنا السماء كأعمدة وعلى قواعدهم قامت الكنيسة
وقمنا لأنهم أُضطهدوا حتى الموت فغلبوا: «مَنْ يغلب فسأجعله عموداً في هيكل
إلهي …»
(رؤ 12:3)، وهيكل الله نحن:
» لأن هيكل
الله مقدَّس الذي أنتم هو.
«(1كو 17:3)

وهكذا نجد في وصف الرسل
الثلاثة أنهم أعمدة صورة اسخاتولوجية للكنيسة الواحدة المحمولة على حياة الرسل
وكرازتهم، والأنبياء والمسيح نفسه حجر الزاوية (أف 20:2)!! فمهما كانت درجات الرسل
وتمايزها فهي تحمل حملاً واحداً، هيكلاً للرب: البشرية المخلوقة جديداً على صورة
خالقها في القداسة والحق ولها صورة المسيح.

فلا يستطيع أحد قط أن
يقول أنا لبولس وأنا لبطرس (1كو 12:1) لأنهما وإن تمايزا شكلاً واسماً على الأرض فهما عمودان طبق الأصل من صورة
المسيح وإلاَّ يُخَلُّ اتزان:
» هيكل إلهي «(رؤ 12:3) المحمول عليهم بالتساوي!!

ومن تحديدات ق. بولس
بالنسبة لنعمة الله التي اختارت ق. بطرس لليهود نراه يُدخل في دائرتها يعقوب
ويوحنا، كذلك هنا في نعمة الله التي اختارت ق. بولس للأُمم يُدخل برنابا.

«أعطوني
وبرنابا يمين الشركة لنكون نحن للأُمم وأمَّا هم فللختان»:

فهنا ليس تمايز بل
اختصاص. هكذا نرى أن الثلاثة الرسل المعتبرين أنهم أعمدة الممثَّلين في بطرس لخدمة
الختان، يقابلهم بولس وبرنابا ممثِّلين لخدمة الغرلة أي الأُمم. وبين الثلاثة
الرسل والاثنين قامت يمين الشركة بين الرسل الاثني عشر للختان وبولس للغرلة ومعه
برنابا. وذلك في توافق رسولي منقطع النظير لخدمة المسيح في دائرتي الختان والأُمم
أي كل العالم. والكنيسة حُسبت منذ البدء أنها كنيسة واحدة للأُمم كما للختان. فإن
كان ق. بولس قد ركَّز على إرساليته هو وليس برنابا فذلك بسبب أن إرسالية برنابا لم
تكن تهم المرسَل إليهم الرسالة، وإنما بولس
وإرساليته هي التي كانت تحت الفحص بالنسبة للغلاطيين، لذلك تمادى ق. بولس في شرح
علاقته الشخصية برسل أُورشليم واختزل في ذكر خدمة برنابا علماً بأن برنابا لم تدم
خدمته مع
بولس كثيراً.

10:2 «غَيْرَ أَنْ
نَذْكُرَ الْفُقَرَاءَ. وَهذَا عَينُهُ كُنْتُ اعْتَنَيْتُ أَنْ أَفْعَلَهُ».

نعم قد أثلجت صدر الرسل
ويعقوب بالذات تلك المساعدات المالية والعطايا التي جمعها ق. بولس من أنطاكية في
مجيئه إلى أُورشليم ونبَّهت فكر الرسل بقيمة الأُمم. ولا نغالي إذا قلنا أن هذه
العطايا السخية هي التي سهَّلت مهمة ق. بولس. والقديس بولس يذكر أنه قام بهذه
المهمة قبل أن يطلب منه الرسل ذلك. فنكاد نقول إنها كانت بإلهام من
الله ليفتح قلب رسل الختان
“اليهود” فإن كانت العطايا والأموال تسهِّل خدمة الإنجيل فمرحباً
بالعطايا والأموال. ولربما كانت البشارة بالإنجيل بعد ذلك أخذت طريقها إلى البلاد
البعيدة في كل العالم وعبر كل العصور الأُولى عن طريق المساعدات والمعونات.

ولكن لكي يدرك القارئ
أن ق. بولس كان يجمع العطايا والأموال، لا ليتقرَّب إلى الرسل ولا ليمالئ إنساناً،
ولكن ليريح جسد المسيح الذي استبدت به جروح الفقر والعوز حتى الفاقة بسبب محنة
المجاعة التي عمَّت العالم آنئذ، ليقرأ ما تسجَّل في سفر الأعمال:

+ » وقامَ واحدٌ
منهم اسمه أغابُوس، وأشار بالروح أن جوعاً عظيماً كان عتيداً أن يصير على جميع
المسكونةِ، الذي صار أيضاً في أيام كلوديوس قيصر. فَحَتَم التلاميذ حسبما
تيسَّر لكل منهم أن يُرسِلَ كل واحدٍ شيئاً، خدمةً إلى الإخوة الساكنين في
اليهودية. ففعلوا ذلك مُرسِلين إلى المشايخ بيد برنابا وشاول.
«(أع 11: 2730)

ويُلاحَظ هنا أن الجمع
كان على مستوى كل إنسان مسيحي فكان كاكتتاب لأن الآية تقول:
» فَحَتَم التلاميذ «أي كان
الجمع إجبارياً وعلى مستوى كل فرد، فكانت العطية والمعونة المالية ضخمة.
وهنا التحتيم بالجمع إجبارياً وعلى مستوى كل إنسان كان هو المناسب لعظم المجاعة
وشمولها للمناطق الفقيرة.

أمَّا المناسبة الأخرى
التي يذكر فيها سفر الأعمال جمعاً مماثلاً فهي مناسبة صعود ق. بولس الأخير إلى
أُورشليم حيث تمَّ القبض عليه هناك وتقديمه للمحاكمة والموت بعد ذلك. وهذا يذكره
في دفاعه أمام فيلكس الوالي في قيصرية:

+ » وبعد سنين
كثيرة جئتُ أصنع صدقاتٍ لأُمتي
«(أع 17:24)

وإنما الإنسان يتعجَّب
من القلب الكبير لهذا الرسول، إذ وبالرغم من العداوة التقليدية اليهودية الموروثة
للوثنيين واحتقارهم لهم، والكبرياء والتعالي من نحوهم بل نحوه، نجده يقدِّم حياته
كلها لخدمتهم ويتودَّد لهم باتضاع منقطع النظير حتى يقول للتسالونيكيين إن ثبوتهم
في الرب يعتبره مساوياً لحياته:
» لأننا الآن نعيش إن ثبتم
أنتم في الرب
«(1تس 8:3). ويقول
لأهل كورنثوس:
» من
يضعف وأنا لا أضعف، مَنْ يعثر وأنا لا ألتهب
«(2كو 29:11). وأيضاً يقول لهم: » وأمَّا أنا فبكل سرورٍ
أُنفِقُ وأُنفَقُ لأجل أنفسكم، وإن كُنتُ كُلَّما أُحبكم أكثر أُحَبُّ أقل!
«(2كو 15:12)

أمَّا من جهة اليهود
بني جنسه الذين اضطهدوه وصمَّموا على قتله بل وقتلوه (رجموه حتى الموت) (أع
19:14)، فلم يكف عن جمع العطايا والمساعدات من كل كنيسة بنفسه ليوزعها بيديه على
فقراء اليهود بني جنسه كما سبق وقلنا. فصورة القديس بولس التي استقر عليها هي
الرسول الجائل حول العالم يصنع خيراً وينادي باسم من أحبَّه حبًّا ملك عليه فكره
وقلبه وكل حياته. عاش فقيراً يطعم فمه من صنع يديه ويستعطي ليوزع على مَنْ هم
يمثلون جسد الرب الذي مات من أجل كل العالم.

 

2
الاصطدام مع بطرس الرسول

[2: 1116]

11:2 «وَلكِنْ
لمَّا أَتَى بُطْرُسُ إِلى أَنْطَاكِيَةَ قَاوَمْتُهُ مُواجَهَةً، لأَنهُ كَانَ
مَلُوماً».

متى ذهب ق. بطرس إلى
أنطاكية ولماذا؟

هذا السؤال أشغل
بال قديسينا
الأوائل وعلماء الحاضر، فمنذ أيام القديس
أغسطينوس([15])
الذي قال بأن مواجهة ق. بولس للقديس
بطرس حدثت قبل اجتماع مجمع أُورشليم المذكور في رسالة
غلاطية (2: 110)،
وتبع رأي أغسطين كل من العالمين الألمانين ت. زاهن([16])
وج. مونك([17])
والعالِم الفرنسي ه. م. فيريه([18]).
كذلك فإن زمن الاجتماع المذكور في رسالة
غلاطية (غل 1:2
10)،
يذكره بعض العلماء([19])
قبل مواجهة القديس بولس بالقديس بطرس إذ يضعون المواجهة في زمن لاحق بكثير.

كذلك يقول العالِم بروس
إن كثيراً من العلماء يضعون الاجتماع الذي
ذُكر في (غل 1:2
10)
في زمن سابق للقرارات التي اتخذت في مجمع أُورشليم المذكور في سفر الأعمال
(28:15). أي أن هناك مجمعين مختلفين من جهة الزمن، وأن المواجهة بين ق. بولس وق.
بطرس حدثت بين الاجتماعين باعتبار أن القرارات التي اتخذت في الاجتماع في (أع
28:15) هي لحل الإشكال الذي أحدث هذه الأزمة بين ق. بولس وق. بطرس أثناء زيارة ق.
بطرس لأنطاكية([20]).

ويقترح العالِم بروس أن
زمن المواجهة بين ق. بولس وق. بطرس يلزم أن يكون بعد وصول القديسين بولس وبرنابا
إلى أنطاكية قادمين من تبشير قبرص وجنوب غلاطية:
» ولمَّا
اجتازا في بيسيدية أَتيا إلى بمفيليَّة. وتكلَّما بالكلمة في بَرجَة، ثُمَّ نزلا
إلى أتالية. ومن هناك سافرا في البحرِ إلى أنطاكية …
«(أع 14: 2428). وواضح أن هذا هو الأقرب إلى الواقع.

والآن لماذا ذهب ق.
بطرس إلى أنطاكية وهي مركز الكرازة للأُمم؟ علماً بأن ق. بولس يقول إن ق. بطرس كان
يشترك في المائدة (المقدَّسة) مع مسيحيي الأُمم. من هنا أصبح سلوك ق. بطرس
بحد ذاته مُلاماً. أي أن ق. بولس لم يلمه بل أوضح أن سلوكه هو الذي
أصبح يلومه إذ انتقل من مخالطة الأُمم إلى المعيشة مع أهل الختان.

وفي اعتقادنا أن ق.
بطرس ذهب إلى أنطاكية في رحلة بدأت من لدة هكذا:
» وحدث أن
بطرس وهو يجتاز بالجميع (اليهودية)، نزل أيضاً إلى القديسين الساكنين في لدَّةَ،
… وكان في يافا … ومكث أياماً كثيرةً في يافا، عند سمعان رجلٍ دبَّاغٍ. وكان
في قيصرية …
«(أع 9: 3243،
1:10). وهناك أخذ أوامر صريحة من الله لتعميد أول أُممي وهو كرنيليوس وكل
عائلته وقال قولته المشهورة:
» بالحقِّ أنا أجد أن
الله لا يقبل الوجوه. بل في كل أُمَّةٍ، الذي يتقيهِ ويصنعُ البرَّ مقبولٌ عنده.
«(أع 10: 34و35)

ولمَّا حلَّ الروح
القدس على الموجودين في البيت قبل العماد وقبل وضع اليد عليهم اقتنع ق. بطرس
مرغماً أن يعمِّدهم بعد ذلك جميعاً قائلاً:

+ «حينئذٍ أجاب
بطرس: أتُرى يستطيعُ أحدٌ أن يمنع الماءَ حتى لا يعتَمِدَ هؤلاء الذين قَبِلُوا
الروح القدس كما نحن أيضاً؟ وأمر أن يعتَمِدوا باسم الربِّ.»
(أع 10: 4648)

هكذا نرى أن ق. بطرس
دُعي من الله بعلامة ثلاث مرَّات (أع 16:10)، أن يكرز ويعمِّد للأُمم، فكرز وعلَّم
وعمَّد!!

ولمَّا عاد ق. بطرس إلى
أُورشليم دخل في مُسَاءَلَة مع الرسل ولكنه دافع عن نفسه بقوة وأقنع الرسل والمشايخ:

+ » فسَمِعَ
الرسل والإخوة الذين كانوا في اليهودية أن الأممَ أيضاً قبِلُوا كلمة الله. ولمَّا
صَعِدَ بطرس إلى أُورشليم خاصمه الذين من أهل الختانِ، قائلين: إنك دخلت إلى
رِجالٍ ذوي غُلفَةٍ وأكلتَ معهم.
فابتدأ بُطرُسُ يشرحُ لهم بالتتابع …
فلمَّا سَمِعوا ذلك سكتوا، وكانوا يمجِّدون الله قائلين: إذاً أعطى الله الأُمم
أيضاً التوبة للحياةِ!
«(أع 11: 14و18)

بعد ذلك حدث اضطهاد
عظيم على الكنيسة وقتل هيرودس يعقوب أخا يوحنا ومدَّ يده على ق. بطرس وسجنه ليقدمه في الفصح ذبيحة هدية لليهود،
وحدث ما حدث وأطلقه الملاك بيد قويَّة
وخرج ومرَّ على العلية:
» وأمَّا بطرس
فلبِثَ يقرع. فلمَّا فتحوا ورأوه اندهشوا. فأشارَ إليهم بيده ليسكتوا، وحدَّثهم
كيف أخرجه الرب من السجنِ. وقال: أخبِروا يعقوب والإخوةَ بهذا. ثم خرج وذهب إلى
موضعٍ آخر
«(أع 12: 16و17).
ونحن نعتقد أن هذا الموضع الآخر الذي صار سرًّا بينهم هو “أنطاكية”([21]).
ولا عجب في ذلك فقد سبقه إلى هناك بعثة أُرسلت من الرسل أنفسهم هكذا:

+ » أمَّا الذين
تشتَّتوا مِنْ جراءِ الضيق الذي حصل بسبب استفانوس فاجتازوا إلى فينيقية وقبرس
وأنطاكية، … ولكن كان منهم قومٌ، … لمَّا دخلوا أنطاكية كانوا يخاطبون
اليونانيين مبشرين بالرب يسوع … فسُمِعَ الخبر عنهم في آذان الكنيسة التي في
أُورشليم، فأرسلوا برنابا لكي يجتاز إلى أنطاكية … ثم خرج برنابا إلى
طَرسوس ليطلب شاول. ولمَّا وجده جاء به إلى أنطاكية.
«(أع 11: 19و20و21و25)

وهكذا تقابل ق. بطرس
الهارب من هيرودس مع ق. بولس وحدث ما حدث.

وهنا نلاحِظ أن ق. بطرس
أخذ أمراً مباشراً من الله ليكرز ويعمِّد الأُمم، وفعلاً كرز وعمَّد وأكل معهم كما
رأينا. فلا نستغرب من أن شاول لمَّا جاء إلى أنطاكية وجد ق. بطرس يعاشر الأُمم
ويأكل معهم (والقصد من الأكل هو الاشتراك في مائدة الرب وكسر الخبز).

12:2 «لأَنهُ
قَبْلَمَا أَتَى قَوْمٌ مِنْ عِنْدِ يَعْقُوبَ كَانَ يَأكُلُ مَعَ
الأُمَمِ وَلكِنْ لَما أَتَوْا كَانَ يُؤَخِّرُ وَيُفْرِزُ نَفْسَهُ،
خَائِفاً مِنَ الَّذينَ هُمْ مِنَ الخِتَانِ».

مَنْ هؤلاء القوم الذين
أتوا من عند يعقوب؟ ولماذا أتوا؟

يتضح هذا بسهولة من سرد
الكلام، فإن كان الإخوة المتعصبون للناموس سواء من مشايخ السنهدريم أو حتى بعض
الرسل الذين منهم يعقوب نفسه الذين يمارسون الناموس بدقة من صلوات وأصوام وطقوس،
هؤلاء سبقوا وساءلوا ق. بطرس عن كرازته للأُمم وتعميده لهم وأكله معهم: «قائلين:
إنك دخلت إلى رِجالٍ ذوي غُلفَةٍ وأكلتَ معهم»
(أع 3:11)، فالآن لمَّا علم
هؤلاء بتمادي ق. بطرس في تعميده لأهل الغرلة في أنطاكية واشتراكه معهم في كسر
الخبز أي المائدة المقدَّسة، لم يحتملوا هذا الأمر حتى يعقوب نفسه لأنهم وجدوا أن
خبر تعميد أهل الغرلة أثَّر على كرازتهم لليهود إذ امتنع اليهود أن يقبلوا العماد
والإيمان بالمسيح إن كان ذلك سيجبرهم على المعيشة مع أهل الغرلة. وبذلك يكون قد
توقف عملهم نهائياً مع اليهود. ولهذا أسرعوا بإرسال بعثة([22])
على مستوى الحماس والغيرة على الناموس معضَّدة مِنْ يعقوب نفسه لكي يسائلوا ق.
بطرس ويمنعوه عن أكله واختلاطه مع أهل الغرلة. فلمَّا سمع ق. بطرس بمجئ هؤلاء
القوم المؤيدين من يعقوب لمساءلته ومنعه من الشركة مع أهل الغرلة أفرز نفسه في
الحال خوفاً منهم وبدأ يشترك بكسر الخبز فقط مع هؤلاء الإخوة اليهود المتنصرين.
وطبعاً وبكل تأكيد كان هذا يخالف ضميره بل ويخالف صوت الله الذي سمعه ثلاث مرات أن
لا يقول عن إنسان ما إنه نجس أو دنس. من هذا ظهر موقف ق. بطرس أمام ق. بولس ملوماً
ومداناً من واقع عمل ق. بطرس نفسه. ولكن من أجمل الاستخلاصات التي استخلصها أحد
العلماء الكاثوليك في هذه الأيام الأخيرة من موقف ق. بطرس هذا أنه اعتبره أول رسول
جمع الكرازة بين أهل الختان وأهل الغرلة وعمَّدهم هؤلاء وهؤلاء فصار أول مصالح
وموحِّد بين اليهود والأمم. وهكذا صار ق. بطرس رمز الوحدة وقيام الكنيسة
الكاثوليكية بمفهومها أنها الكنيسة الجامعة بين اليهود والأمم([23]).

He was the bridge-man
(pontifex) who did more than any other to hold together the diversity of first
century Christianity.

 

وللقديس بطرس الحق في
أن يخاف فعلاً من هؤلاء اليهود الغيورين على الناموس بعد أن تنصَّروا إذ بقوا
أمناء على الناموس بصورة طاغية. وقد ذكرهم ق. بولس كمصدر خطر مثلهم مثل اللصوص
والسيول (2كو 26:11) لأن يدهم كانت سريعة بالرجم. ولكن يبدو لنا أن خوف ق. بطرس لم
يكن على نفسه بل على استمرار البشارة وخدمة الاسم المبارك.

وقد وصلتنا أخبار
مبكِّرة من مؤرخين وقديسين تؤكِّد أن بذهاب ق. بطرس لأنطاكية بعد عبوره على قيصرية
وتعميد كرنيليوس بناءً على تكليف رسمي من الله لبشارة الأُمم، تقول الأخبار أن ق.
بطرس هو الذي أسس كنيسة أنطاكية. كذلك يشترك في تأكيد ذلك يوسابيوس، وذكر هذا
أيضاً القديس جيروم في شرحه على غلاطية على نفس الآية التي نحن بصددها مؤكداً أن
بطرس كان أسقفاً على أنطاكية وبعدها ذهب إلى روما وصار أسقفاً على الكنيسة هناك.
وأيضاً يقول بذلك يوحنا ذهبي الفم([24]).

13:2 «وَرَاءَى
مَعَهُ بَاقِي الْيَهُودِ أَيْضاً، حَتَّى إِنَّ بَرْنَابَا أَيْضاً انْقَادَ إِلى
رِيَائِهِمْ!».

«وراءى معه
باقي اليهود أيضاً»:

هؤلاء
اليهود الباقون هم يهود أنطاكية الذين تنصَّروا واشتركوا مع الأُمميين المسيحيين
على ذات المائدة (المقدَّسة) الواحدة. وهم أصلاً يهود وطنيون وهؤلاء راءوا مع ق.
بطرس أي أفرزوا أنفسهم من الأمميين.

راءوا مع بطرس sunupekr…qhsan ومعنى اسم الفاعل من هذا الفعل في اليونانية “مُرائي” (كما تُنطق
في الإنجليزية هيبوكريت
hypocrite) بمعنى يسلك سلوكاً يرضي الآخرين على تزييف وكذب. ويسميها
العالِم بروس:
playacting وتعني يلعب على الصفين، أو يسلك بعدم لياقة أو بدون ذوق، آخذين
موقف ق. بطرس. والقديس بولس حينما يدعو هذا العمل بالرياء فهو يقصد أنهم يعملون
عملاً غير مقتنعين به أصلاً لإرضاء الآخرين ضد ضميرهم. لأن ق. بطرس كان يأكل في
ذات المائدة الواحدة مع الأُمميين عن اقتناع ومسرَّة.

«حتى إن
برنابا أيضاً إنقاد إلى ريائهم»:

وهذا آخر ما كان يظنه
ق. بولس لأن برنابا أخذ رسالته بين الأُمم من الروح القدس نفسه وبمؤازرته. لذلك فإن رجعة برنابا إلى الناموس
والفرائض اليهودية كسرت قلب ق. بولس إذ
أحسَّ
ق. بولس أن رجعة برنابا متأثراً برياء ق. بطرس وباقي اليهود الآتين من عند يعقوب
هي أقصى ضربة لَحِقَتْ الإنجيل الذي أخذاه معاً من الروح القدس، وللكرازة به خلواً
من ناموس وعوائد وطقوس لإعلان حقيقة نعمة الخلاص المجاني. وبالفعل خدما معاً بهذا
الإنجيل مدة
طويلة.

على
أن برنابا خدم مع ق. بولس في كنائس غلاطية، وهو معروف لديهم بالوجه والاسم معاً،
لذلك فالقديس بولس يعرف مدى التأثير السيء الذي سيتركه سلوك برنابا في هذا الأمر
عند أهل غلاطية.

وللأسف والحزن فإن ما
عمله برنابا أساء بشدة إلى علاقات الزمالة عند ق. بولس، وبالفعل لم يُسمع لبرنابا
أي عمل مع ق. بولس بعد ذلك في أي كنيسة. ولكي يظهر للقارئ مدى الأثر السيء الذي
تركه برنابا بعمله هذا على قلب ق. بولس وخدمته، فليعرف أنه حتى المشادة التي حصلت
بين ق. بولس وبرنابا بسبب عدم أخذ يوحنا مرقس معهما في السفر لم تؤثر على علاقة
بولس وبرنابا مثل ما أثَّر عمله بانضمامه إلى مراءاة ق. بطرس والعودة إلى
التهوُّد، مع أن يوحنا مرقس هو ابن أخت برنابا!!

والآن إذ يسمع
الغلاطيون عن هذه المنازعة التي أدَّت إلى انحياز برنابا نفسه الذي سبق وبشَّرهم
بإنجيل المسيح دون ناموس أو ختان، بل وسمعوا أيضاً عن ق. بطرس وهو مقدِّم التلاميذ
أنه عاد إلى الناموس والفرائض والختان، وجد ق. بولس أن هذا سيترك في أنفسهم بلبلة
خطيرة، لذلك عاد ق. بولس لمهاجمة ق. بطرس نفسه جهاراً لكشف خطأ سلوكه ليكون عند
الغلاطيين صورة للقديس بولس وإنجيله أقوى من سمعة ق. بطرس وبرنابا فقال:

14:2 «لكِنْ
لَمَّا رَأَيْتُ أَنهُمْ لاَ يَسْلُكُونَ بِاسْتِقَامَةٍ حَسَبَ حَقِّ
الإِنْجِيلِ، قُلْتُ لبُطْرُسَ قُدَّامَ الْجَمِيعِ: إِنْ كُنْتَ وأَنْتَ
يَهُودِيٌّ تَعِيشُ أُمميًّا لاَ يَهُودِيا، فَلِمَاذَا تُلْزِمُ الأُمَمَ أَنْ
يَتَهَوَّدُوا؟»

«لكن لمَّا
رأيت أنهم لا يسلكون باستقامة حسب حق الإنجيل»:

وعدم السلوك باستقامة
حسب حق الإنجيل يُفهم على أنهم أخطأوا الطريق الحق الذي هو الإيمان بالمسيح
عن طريق النعمة وعدم الاتكال على الناموس أو فرائضه، لأن هذا هو هدف الكرازة
بالإنجيل: الخلاص المجاني وهبة النعمة للجميع (يهود وأُمم).

«قلت لبطرس
قدَّام الجميع»:

وتعني
أن ق. بولس عاتبه ليس في الخفاء وإنما عاتبه علناً وأمام الجميع، لأن خطر هذا
السلوك حتى ولو كان لا يضير ق. بطرس في ذاته إلاَّ أنه يتلف إيمان الكنيسة بأجمعها
في أنطاكية وغيرها. لأن ما عمله ق. بطرس لا يحسب خطية شخصية يمكن التغاضي
عنها بل خطأ في حق الإنجيل!!

فالخطأ الذي يصيب
الجماعة يلزم كشفه وإصلاحه علناً أمام الجماعة. كما يقول ق. أغسطينوس: إنه يتحيَّر
أحياناً هل يتبع في ذلك إنجيل ق. متى (15:18) الذي يقول:
» إن أخطأ
إليك أخوك فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما. إن سمع منك فقد ربحت أخاك … إلخ
«أم يتبع
رسالة تيموثاوس الأُولى حيث يقول ق. بولس:
» الذين
يخطئون وبِّخهم أمام الجميع لكي يكون عند الباقين خوف.
«(1تي 20:5)([25])

«إن كنت
وأنت يهودي تعيش أممياً لا يهودياً، فلماذا تلزم الأُمم أن يتهوَّدوا؟»:

واضح أن ق. بولس يؤنِّب
ويراجع ويؤاخذ معاً ق. بطرس لأنه كان يعيش سابقاً في أنطاكية بل وفي قيصرية أيضاً
مهملاً العوايد اليهودية التي وُلِدَ فيها وتاركاً كل الفرائض اليهودية أيضاً،
فالآن بتركه للأُمم كأنهم أنجاس وإفراز نفسه عن الاختلاط بهم كخطاة ممتنعاً عن كسر
الخبز معهم يفرض على الأُمم إلتزاماً([26]) بالناموس ويضع
فرائضه وعوايده عليهم حتى يحق لهم الشركة مع اليهود المتنصرين وكسر الخبز معهم!
هذا السلوك يعود ق. بولس في الآية (18) ويعبِّر عنه تعبيراً شديد النقد:
» فإني إن كنت
أبني أيضاً (الناموس وعوايده وفرائضه) هذا الذي هدمته فإني أظهر نفسي متعدياً
«(غل 18:2). بمعنى أنه إن كان قد أهمل الناموس والفرائض وداس على كل
العوايد اليهودية وعاش وأكل مع الأُمم ثم عاد ثانية خوفاً من اليهود إلى الناموس
يكرم فرائضه وعوايده من جديد فإنه بذلك يعتبر في الحال مداناً على عمله الأول
كمخالف وخارج على الناموس. ثم بهذا السلوك يتبنَّى نفس موقف الكتبة والفريسيين ضد
المسيح هكذا:

+ » وكان جميع
العشارين والخطاةِ يدنون منه ليسمعوه. فتذمَّر الفريسيون والكتبة قائلين: هذا
يقبلُ خطاةً ويأكل معهم.
«(لو 15: 1و2)

بل
ومعروف أن ق. بطرس تقبَّل من الله الصوت قائلاً:
» فصار إليه أيضاً صوتٌ ثانيةً: ما طهَّره الله لا تُدَنِّسه أنتَ! «(أع
15:10). وعاد ق. بطرس مطبقاً صوت الله كمبدأ عاش به:
» فقال لهم: أنتم تعلمون كيف هو محرَّمٌ على رجل يهوديٍّ أن يلتصق بأحدٍ
أجنبيٍّ أو يأتي إليه. وأمَّا أنا فقد أراني الله أن لا أقول عن إنسانٍ ما إنه
دنِسٌ أو نَجِسٌ
«(أع 28:10). وهكذا فإنه هنا يناقض الصوت الذي سمعه من
السماء ويناقض نفسه بإفرازه لنفسه عن الأُمم وامتناعه عن كسر الخبز وأكله معهم!

ولكن يأتي العلاَّمة
ترتليان ويعطي معنى إيجابياً لموقف بطرس الرسول محاولة لتكريم
الرسولية بغير وجه حق ويرفع خطأه إلى مستوى المديح إذ يقول كما أن
بولس كان يفتخر وينادي أنه صار الكل للكل ليكسب على كل حال قوماً (1كو 22:9)، هكذا
صنع بطرس([27]).

15:12 «نَحْنُ
بِالطَّبِيعَةِ يَهُودٌ ولَسْنَا مِنَ الأُمَمِ خُطَاةً».

هنا يقول العالِم بروس
إن ق. بولس يبدو الآن أنه حوَّل توجيه الكلام للقديس بطرس وبدأ يلتفت للغلاطيين
ليقول لهم في سماع الإخوة الكذبة:

«نحن
بالطبيعة يهود»:
fÚsei ‘Iouda‹oi

أي لسنا أُمميين بل
ولسنا دخلاء ولكن نحن يهود أولاد يهود ديناً ووطناً وأن كل شيء قد عُمل من أجلنا،
الأمر الذي عبَّر عنه مرَّة أخرى في رسالة فيلبي هكذا:

+ » لأننا نحن
الختانَ، الذين نعبد الله بالروح، ونفتخرُ في المسيح يسوع، ولا نتكل على الجسد. مع
أن لي أن أتكل على الجسد أيضاً. إن ظنَّ واحدٌ آخر أن يتكل على الجسد فأنا
بالأولى. من جهةِ الختانِ مختونٌ في اليومِ الثامن، من جنسِ إسرائيل، مِنْ سبطِ
بنيامين، عبرانيٌّ مِنَ العبرانيينَ. مِنْ جهة الناموسِ فريسيٌّ.
«(في 3: 35)

«ولسنا من
الأُمم خطاة»:

بمعنى أن نسبي ومولدي
ليس من بين الأُمم المحسوبين خطاة لدى اليهود قبل مجيء المسيح والإيمان. لأن كلمة
“خاطئ” هي الاسم الآخر الدال على الأُممي في لغة الدين اليهودي، وقد أسموهم أيضاً
كلاباً على أساس أن الكلب أنجس الحيوانات عندهم.

وماذا بعد ذلك؟

16:2 «إِذْ
نَعْلَمُ أَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يَتبرَّرُ بأَعْمَالِ النامُوسِ بَلْ بإِيمَانِ
يَسُوعَ الْمَسِيحِ آمَنَّا نَحْنُ أَيْضاً بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لِنتَبَرَّرَ
بِإِيمَانِ يَسُوعَ لاَ بِأَعْمَالِ النامُوسِ، لأَنهُ بِأَعْمَالِ النامُوسِ لا
يَتَبَرَّرُ جَسَدٌ مَا».

يقول هنا ق. بولس
مكمِّلاً الآية السالفة: إنه ونحن يهود ونمارس العبادة بالناموس وفرائضه، علمنا أن
الإنسان لا يتبرَّر بأعمال الناموس بل بإيمان المسيح لذلك آمنَّا بيسوع المسيح.
ويُلاحِظ العلماء هنا في الحرف السابق للإيمان في اللغة اليونانية سواء
di£ أو ™k وحتى
الحرفين
™p… أو ™n
تفيد معاً أن
الإيمان ليس مصدر التبرير ولكن وسيلة. فالإيمان وحده لا يبرِّر ولكن بالإيمان يتبرَّر
الإنسان
لأن مصدر التبرير هو الله والمسيح.

وبذلك يتضح أن بأعمال
الناموس لا يتبرَّر أحد لأن أعمال الناموس ليست في ذاتها مصدراً للإيمان أو
التبرير، في حين أن واضع الناموس الذي هو الله والمنفذ الوحيد لكل أعمال الناموس
وهو ابن الله يكون مصدراً للإيمان بكل تأكيد. وواضح كذلك أن فارقاً عظيماً بين
واضع العمل والعمل ذاته. وشتَّان بين تكريم العمل وتكريم واضع العمل. فعبادة العمل
في حد ذاته لا شيء بالمرَّة أو هي ضلالة، أمَّا عبادة صاحب العمل وهو الله فهي كل
شيء. وهكذا يصير تفسير هذه الآية واضحاً كل الوضوح:
«الإنسان لا يتبرَّر
بأعمال الناموس»
في مواجهة: «آمنَّا بيسوع المسيح لنتبَّرر بإيمان يسوع».

لذلك نجد لدى العامة من
الناس هذه الحقيقة معمول بها ومحقَّقة عُرفاً فالذي يكون أميناً جداً للعمل في حد ذاته دون أي اعتبار لصاحب العمل يقولون
عليه إنه “حمار شغل” أي فاقد الفهم
لفلسفة العمل لأن العمل لا ينتهي عند ذاته بل إنه يُعمل لأجل صاحبه. أمَّا تطبيق
ذلك روحياً فهو قائم في
مثل الذين
يؤدون فرائض العبادة بكل دقة واهتمام دون أن يكون لهم علاقة شخصية حيَّة بالمسيح.

وهذا هو خلاصة المفارقة بين اليهودي والمسيحي.
بل أو ليس هذا لا يزال يمارس بيننا عند الذين يكرِّمون
الطقوس والواجبات الدينية وليس لهم حياة روحية تشهد
بإيمانهم وحبهم للمسيح وأمانة سلوكهم الروحي؟

 

3
الموت بالناموس للناموس

والحياة مع
المسيح يسوع بالإيمان

[2: 1721]

 

17:2 «فإِنْ
كُنَّا وَنَحْنُ طَالِبُونَ أَنْ نَتَبَرَّرَ في الْمَسِيحِ، نُوجَدُ نَحْنُ
أَنْفُسُنَا أَيْضاً خُطَاةً، أَفَالْمسِيحُ خَادِمٌ للْخَطِيَّةِ؟ حَاشَا!».

يتكلَّم القديس بولس
هنا عن الذين بعد أن آمنوا بالمسيح من اليهود عادوا ليضيفوا على إيمان المسيح
أعمال الناموس، وهنا جمع ق. بولس ثلاث خطوات معاً.

أولاً: الرجل
الأُممي هو رجل خاطئ في اعتبار اليهود، وقد تنازل المسيح وقدَّم نفسه ذبيحة عنه
ليصير الأُممي بإيمانه بالمسيح ليس خاطئاً بعد، حيث لا
يُطلب منه أي أعمال للناموس. لأن الإيمان بالمسيح أصبح يبرِّر الإنسان الخاطئ.

ثانياً: اليهودي
لمَّا رأى أن الإيمان بالمسيح يبرِّر الخاطئ بدون أعمال الناموس آمن بالمسيح
فتبرَّر بإيمان المسيح.

ثالثاً: اليهودي
الذي تخلَّى عن أعمال الناموس وآمن بالمسيح وتبرَّر بإيمان المسيح إذا عاد وتعبَّد
لأعمال الناموس يكون كمن وضع المسيح تحت عبودية الناموس وأعماله، وجعل أعمال
الناموس أعلى من بر المسيح. وحاشا.

وقد قرَّر ق. بولس في
موضع آخر واصفاً هذا العمل هكذا:

+ » قد تبطَّلتم
عن المسيح أيها الذين تتبرَّرون بالناموس. سقطتم من النعمة.
«(غل 4:5)

كذلك يهمنا هنا أن
نوضِّح للقارئ المعنى العميق من هذا الكلام: فأولاً وقبل كل شيء نعلم أن المسيح
جاء من أجل الخطاة ليعطيهم توبة وحياة أبدية ويتبرروا بإيمان ابن الله.

فإن قال اليهود بعد أن
آمنوا بالمسيح: نحن أبرار بالناموس، فإيمان المسيح لا يفيدهم شيئاً.

فإن آمن اليهود بالمسيح
وعادوا يعملون بالناموس وفرائضه فلن ينفعهم المسيح ويكونون أيضاً قد سقطوا من
النعمة. ولكن لا يحسب اليهودي الذي ترك الناموس ليؤمن بالمسيح أنه خاطئ بل
هو يحسب أنه خاطئ إذا عاد إلى الناموس بعد أن آمن بالمسيح.

بل والأخطر من ذلك أن
اليهودي الذي تنصَّر إن عاد يعمل بفرائض الناموس وتعبَّد للسبت والختان وبقية
عوايد الناموس ومتطلباته وأعياده، فهو يحسب نفسه بالضرورة أنه خاطئ يطلب أن
يتبرَّر بأعمال الناموس. فإن كان الأمر كذلك وهو مسيحي يؤمن بأن
المسيح غفر الخطايا وأعطانا برَّه المجاني أفلا يكون إيمانه المسيحي
الجديد تجديفاً على الصليب والغفران والتبرير الذي أكمله المسيح للذين يؤمنون به؟

بولس
الرسول لا يتردَّد بأن يقول عن ذلك الإنسان أنه يجعل المسيح خادم الخطية! فأي
ضلالة

هذه؟

ولكن هذا العمق من
الإحساس والموافقة اللاهوتية لحقيقة الخلاص يحتِّم أن يخلع الإنسان ما ترسَّب في
ذهنه هذه السنين بل هذه الأجيال من حاجته الملحَّة لاسترضاء الله بالأعمال، لأن
الإنسان في صميم حقيقته أضعف من أن يستوعب قوة الخلاص وفعل النعمة وعظمة المصالحة.
لذلك نحن نصلِّي، ونود القارئ أن يصلِّي، لدى المخلِّص والفادي العظيم أن يأخذ بيد
الضمير ليعيش حقاً في نور نعمة الخلاص وقوته، مستمداً من المخلِّص نفسه فعل الخلاص
وضميره ليصير الإيمان بحد ذاته قوة تجرُّ الأعمال وراءها. ولا يعود
لنا بعد ضمير خطايا مميتة!!

عزيزي القارئ إن كان
هذا الأمر كما تراه صحيحاً أفلا يُحسب الإنسان المسيحي الذي آمن بالمسيح ونال البر
والغفران المجاني ودخل مع الله في مصالحة وشركة حياة أبدية، ألا يُحسب أنه يجدِّف
على الصليب والغفران المسيحي المجاني، بل ويستهزئ بالإيمان المسيحي إن هو ظنَّ أن
بالأعمال التي يعملها مثل الصوم أو الصدقة والسهر وقرع الصدر والسجود والتواضع
والتذلّل حتى التراب، يتبرَّر أمام الله أو يتزكى بها لدى الله ويتقرَّب؟! لأن
الإنسان لا يتبرَّر بأعماله قط ولكن يتبرَّر بالإيمان بالمسيح، والإيمان
بالمسيح يتزكَّى فقط أمام الله:
» الآب نفسه يحبّكم لأنكم
قد أحببتموني وآمنتم أني من عند الله خرجت
«(يو 27:16). وتغفر خطاياه ويتصالح مع الله ويدخل في شركة المحبة
وينال الحياة الأبدية.

فما هي إذن أعمال
الصلاة والصوم والصدقة والسهر وقرع الصدر والسجود والتواضع والتذلل أمام الله؟ هل
هي أعمال خاطئة أم هي ضلالة كما يقول المتحرِّرون؟ أو هي نافلة وليست بذي قيمة؟ أو
هي نقص في الإيمان وضعف في المعرفة؟ اسمع إذن ما هي هذه الأعمال:

لا يوجد إيمان مسيحي
ليس له أعمال!! فأعمال الإنسان تكشف عن صدق إيمانه وحرارته ولكن الأعمال مهما صدقت
ومهما عظمت حتى وإلى تقطيع الجسد فهي وحدها لا تبرر الإنسان أمام الله أو تقرِّبه
إليه، لأن المسيح هو الذي مات وذبح ذاته لحساب الخاطئ، وموت المسيح هو موت ابن
الله من أجل الإنسان، وهذا الموت قبله الله فدية كاملة عن كل خطايا الإنسان. ولا
يساوي موتَ ابن الله أيُّ عمل مهما كان ولا كل أعمال كل إنسان ولا حتى موت
الإنسان، لأن الإنسان هو خاطئ، وموت الخاطئ لا يبرره أبداً لأنه يُحسب له عملاً
ميتاً لإنسان محكوم عليه بالموت. ولكن عمل ابن الله بالموت الذي ماته حُسب أمام
الله مساوياً لحياة كل البشر المحكوم عليهم بالموت لأنه هو الحياة نفسها ومعطي
الحياة. فالمسيح مات بجسد الإنسان ثم أقامه حيًّا لأنه هو الحي الدائم القدوس واهب
الحياة. فموت المسيح بجسده القدوس وهو لم يعمل خطية قط حُسب كفَّارة لكل خطية لكل
إنسان، ومساوياً للحياة الأبدية التي فيه. فموت المسيح بالجسد على الصليب حُسب
كفَّارة لكل خطايا الإنسان، ومَنْ آمن به ينال الحياة الأبدية وتُمحى كل قوة
خطاياه مهما كانت. ومع الإيمان بموت المسيح وقيامته لا يُحسب أي عمل يقوم
به الإنسان أنه مكمِّل بل يُحسب تجديفاً إن ظنَّ الإنسان أنه يبرِّره، وكأن موت
المسيح ابن الله يحتاج إلى إضافة من طرف الإنسان
ليكمِّل به خلاصه.

فالأعمال في الحياة
المسيحية تكشف عن بر الإنسان الذي ناله بالإيمان بالمسيح وحرارة الإيمان
تظهرها حرارة الأعمال. والفرق بين صوم الإنسان المؤمن حقاً والذي يتبرر بالإيمان
فعلاً وبين الأعمال لإنسان يظن أن بأعماله يتبرَّر وينال الخلاص هو كالآتي:

أعمال الإنسان الذي
يؤمن أنه تبرَّر بموت المسيح وغفرت له خطاياه ونال الحياة بقيامة المسيح يكون صومه
معمولاً بطاقة روحية مملوءة فرحاً وتهليلاً ورجاءً كمَنْ يقدِّم بالصوم الشكر لله
ويعترف بفضله، ويشرح بنشفان ريقه أقصى تعبير عن الإيمان الذي هو أقوى من الموت،
والحب الذي يساوي الحياة التي نالها، وعند هزال جسده وعينيه الغائرتين من الصوم
يعرض علناً أنه كان ميتاً وعاش وغلب بالإيمان أعمال الموت وساد عليه بإرادته،
أمَّا الصوت الخافت الذي لا يكاد يُسمع والحنجرة التي فقدت سطوتها وعزتها من شدة
الصوم فهي تسبحة مكتومة وتعبير عن قوة الفرح بأجمل نغم، وأمَّا اللسان الذي اختار
الصمت مرغماً من شدة تعب الصوم فصومه تسبحة ترددها الأجيال في سيرة تحفظ.

وأمَّا صوم طالب
التبرير والخلاص بالأعمال، فصومه يكمِّله بعبوسة الوجه، يعدّ له الساعات وربما
الدقائق حتى ينتهي منه بفارغ الصبر، فلا يجني من ورائه إلاَّ الافتخار بعدد أيامه
وحسب. لا يشعر فيه أو بعده بفرح للروح أو بهجة القلب، ولا يستطيع أن يتمِّم منه
تأملات بالروح أو يرتفع به إلى مراقي الحب الإلهي أو التمتع بعشرة الروح. فضعف
الجسد بدون برّ المسيح يأكل من قوة الروح، والانحصار في الجوع بدون الفرح ببرّ
المسيح يحبس مخارج النفس والروح فلا تقوى على الدخول في الإلهيات.

هذه مجرد عيِّنة من عمل
الصوم كيف ببر المسيح تطير النفس بأجنحة من ضعف الجسد وفراغ البطن عند الذين جمعوا
الصوم مع بر المسيح المجاني، وفي الأخرى كيف غطست الروح وساخت النفس تحت وطأة
الجوع فلا نالت بر المسيح ولا نالت برًّا من عمل ذلك عند المستندين على جهدهم،
فاختفى عنهم البر المجاني والإيمان معاً وخُذِلَ منهم حتى الجسد.

لذلك نقول للمسيحي
الآن، إن كان ليس لليهودي أن يتبرَّر بأعمال الناموس بعدما جاء المسيح ومات
بالناموس للناموس، أصبح من الحماقة أن يطلب المسيحي الذي هو بلا
ناموس أصلاً والذي اعتمد ومات عن الناموس القديم بكل أعماله أن يعود
وينشئ لنفسه ناموساً للأعمال الاجتهادية ليتبرَّر بها بعد أن نال بر المسيح
المجاني للغفران من كافة الخطايا. لأن بر الإنسان يلغي بر المسيح، بل إن بر
الإنسان يحسب خطية جديدة وتجديفاً على موت المسيح الكفاري كأنه لا يقوى على غفران
الخطايا.

والقديس بولس يقولها
صراحة وفي الوجه أن الذي يحاول أن يتبرَّر بأعماله وهو مؤمن بالمسيح فهو كمن يجعل
المسيح خادماً للخطية!!

«حاشا»:

في سياق الكلام تأتي
حاشا هنا لنفي القول بأن المسيح يكون بهذا المعنى
خادماً للخطية. وفي الحقيقة أن المعنى أعمق من هذا إذ يعني أنه إذا آمنا بأن
أعمالنا تبرِّر أمام الله ففي هذا جحود لعمل المسيح الذي قام به بإلغاء الناموس
وكل الخطايا التي يقول بها الناموس.

فهل إلغاء الناموس
وتحررنا من وصاياه بدم المسيح يتسبَّب في وقوعنا مرَّة أخرى في الخطايا حتى نحتاج
إلى أعمال؟ فيكون المسيح سبباً في الخطية؟ حاشا!! هذا هو المعنى المباشر لإلتجائنا
إلى أعمال نتبرَّر بها أمام الله بعد أن آمنا بالمسيح لأن المسيح هو بِرُّنا
الوحيد والكامل أمام الله!

ويقول العالِم ليتفوت:
إن الخطية أصبحت ليس في ترك الناموس وإهماله بل في العودة إليه بعد أن تركناه وذلك
بعمل أعماله([28]).
ويقول كذلك إنه لكي نتبرَّر بالمسيح يلزم أن نترك الناموس حيث في الحال نصير خطاة.
ففي تركنا للناموس وصيرورتنا خطاة لكي نتبرر بالمسيح عوض الناموس يصبح وضعنا في
لحظة البدء كوضع الوثني الخاطئ بدون ناموس يطلب بر المسيح، فهل هذا يضع المسيح
كخادم للخطية؟ ويرد القديس بولس حاشا منكراً أن يكون
هذا صحيحاً. وكلمة «حاشا» هي لنفي حقيقة استفهامية مضمونها كالآتي: ألا
يكون المسيح بذلك خادماً للخطية؟ حاشا حيث الجواب يكون بالنفي الكامل للفكر كله،
أي لا يكون المسيح أبداً خادماً للخطية. وهذا يوافق ما يقوله الإنجيل من أن المسيح
لم يأتِ إلى أبرار بل إلى خطاة ليبرِّرهم (مت 13:9). وهنا يصبح نفس السؤال: فهل
المسيح يكون بذلك خادم الخطية؟ حاشا. حيث يكون الجواب بعد ذلك بل المسيح هو قاتل
الخطية بجسده حيث يتبنَّى خطية الخطاة فتموت الخطية في جسده ليقيم الخطاة بقيامته
من الأموات قاتلاً العداوة بالصليب.

و«حاشا»،
استخدمها بطرس الرسول لينفي إمكانية موت المسيح على الصليب من أجل الخطاة كفَّارة
لهم (مت 22:16). فهنا «حاشا» قالها ق. بطرس للمسيح قبل أن يُصلب ليمنعه من
الصليب، ذلك ليؤكد عدم إمكانية موت المسيح كفَّارة للخطاة مع أن موت المسيح
كفَّارة للخطاة كان هو أعظم أعمال الله
للإنسان. ولتوضيح ذلك نقول إن ق. بطرس نفى موت المسيح “كإله” وهذا حق، لأن

الذي مات بالفعل هو الجسد، فالإله مات
بالجسد
وعلى هذا الأساس اعتبر المسيح قول ق.
بطرس في حاشاك يا رب (أن
تُقتل) محاولة من الشيطان ليعطِّل عملية الكفارة فقال له:
» فالتفت وقال
لبطرس: اذهب عني يا شيطان. أنت معثرةٌ لي، لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس.
«(مت 23:16)

ولكن هنا في «حاشا»
التي قالها ق. بولس اتجاه آخر إذ ينفي عن المسيح الإله أن يكون خادماً للخطية
بالجسد، لأنه في الحقيقة أخذ خطية الخطاة في الجسد ليميتها بالجسد وهو عالم بقيامته
لكي يبرِّر الخطاة بموته وقيامته.

ونقول إن الناموس كان
يتعامل مع الخطية وتركنا لها فقتلتنا، ولكن بتعاملنا مع المسيح جعلنا المسيح هو
الذي يتعامل مع الخطية فتبررنا. فبعد أن آمنا بالمسيح إذا رجعنا لأعمال الناموس
نُدخل المسيح معنا تحت خدمة أعمال الخطية والموت. لأن المسيح يكون فينا وهو الذي
يعمل فينا الأعمال، مع أن المسيح هو سيد الناموس وَجَعَلَنا معه أسياداً على
الناموس وعلى الخطية والموت.

وأيضاً كان الناموس سيداً
علينا
متخذاً من الخطية فرصة ليحكم علينا بالموت كعبيد للخطية نستحق الموت لأن
الناموس يقول كل مَنْ يُخطئ يموت. فجاء المسيح عوض الناموس بشبه إنسان وجلس الكتبة
والفريسيون على كرسي موسى، أي في مجلس قضاء الناموس، وحكموا على المسيح «كإنسان»
بالموت كأنه عبد للخطية ظلماً بسبب عمى قلوبهم وعقول القائمين على القضاء
بالناموس. فمات سيد الناموس الإنسان الوحيد يسوع ابن الله الحامل لكل بشرية العالم
والممثِّل لها أمام قضاء الله، وبموته تلقَّى حكم الموت الواقع من الناموس على
البشرية كلها، فتبرَّأ المسيح بالقيامة من الموت مُعلناً أنه ابن الإنسان وابن
الله الذي لم يخطئ قط ولا عرف الخطية. فأعلن ببراءته وقيامته من الموت براءة جنس
الإنسان الذي يمثله ولكن لكل مَنْ يؤمن به. فكل إنسان يؤمن بالمسيح ابن
الله أنه مات ليوقع حكم الموت على نفسه كخاطئ من أجل خطايا كل مَنْ يؤمن به، فإنه
حتماً ينال الحرية من الناموس والخطية معاً.

فإن عاد ليبرِّر نفسه
بأعمال الناموس يفقد إيمانه بالمسيح ويعود إلى عبودية الخطية مرَّة أخرى، وبهذا
يحوِّل الإيمان المسيحي الذي فيه إلى خدمة الخطية كعبد لها، وهذا يتسحَّب على
المسيح نفسه فيجعله بذلك خادماً للخطية دون أن يدري.

18:2 «فَإِنِّي
إِنْ كُنْتُ أَبْني أَيْضاً هذَا الَّذِي قَدْ هَدَمْتُهُ، فَإِنِّي أُظْهِرُ
نَفْسِي مُتَعَدِّياً».

هذا حق يُشهره القديس
بولس في وجه اليهود الذين آمنوا بالمسيح صورياً ثم
عادوا يعملون بفرائض الناموس ووصاياه أملاً ورجاءً أن يتبرَّروا بأعمال الناموس،
فهو يقول لهم إن إيمانهم بالمسيح في حقيقته الأُولى والعظمى يعني هدم ناموس موسى
بكل فرائضه التي عجزت عن أن تبرِّر اليهود. فكيف أعود كيهودي أعمل أعمال الناموس
وفرائضه بعد أن رفضتها عن حق لأنال بر المسيح بالإيمان بالمسيح. فيقول لهم أليس
هذا معناه أني كمَنْ يعود يبني ما سبق أن هدمه عن حق، ويؤمن بما جحده فيدان على ما
جحده وهو حق. وحينئذ أُدان كمتعدٍّ على الحق. والقديس بولس يضمر في قوله هذا حقيقة
أخطر وهي أنه بعودته لأعمال الناموس إنما يهدم أيضاً الإيمان بالمسيح. ويقول في
هذا المعنى العالِم بروس: إن المسيحي إن صنع ذلك فيكون على مستوى الوثني سواءً
بسواء([29])
وكأنه يعود ويحسب نفسه أحد الخطاة الذين بلا مسيح.

ويقول العالِم ليتفوت
إنه لفهم الآية (18) يلزم ربطها بالآية (17) فيأتي المعنى هكذا: «حاشا»
لأنه حاشا للمسيح أن يكون خادماً للخطية. فالحقيقة أنه لا توجد خطية في تركنا
للناموس إنما الخطية حقاً هي في العودة إلى الناموس مرَّة أخرى.

19:2 «لأَني
مُتُّ بِالنَّامُوسِ لِلنَّامُوسِ لأَحْيَا للهِ».

لقد حُكم على المسيح
بمقتضى قوانين الناموس كخاطئ ولكنه مات خصيصاً وبإرادته ليكمِّل قانون الناموس
الحاكم على الخطاة بالموت لينقذ الخطاة من الناموس، وقام حيًّا بالله لله. وهكذا
متنا معه بالناموس لتكميل قوانين الناموس وقمنا معه لنحيا معه لله:

+ » إني أنا
حيٌّ فأنتم ستحيون.
«(يو
19:14)

والآن لو استخدمنا هذه
الآية التي جاءت بالبادئة «لأن» لتعطي شرحاً لما سلف فهي تعطي رداً واضحاً
لمَنْ عاد بعد أن آمن بالمسيح ليخضع للناموس ووصاياه لتفضح موقفه كيف يعود للناموس
الذي قتل المسيح وقتله كخاطئ، فهذا يضع المسيح مباشرة في موضع الخاطئ وخادم
الخطية، كما تضع مَنْ يصنع هذا في موضع المتعدِّي لأنه عاد وصالح الناموس بعد أن
حكم عليه كقاتل المسيح.

20:2 «مَعَ
الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فيَّ. فَمَا
أَحْيَاهُ الآنَ في الجَسَدِ، فَإِنمَا أَحْيَاهُ في الإِيمَان، إِيمَانِ ابْنِ
اللهِ، الَّذِي أَحَبَّني وَأَسلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي».

المسيح
لم يُصلب لنفسه بل صُلب في حقيقة الأمر من أجل بولس ومن أجلي، إذن فالصليب في
الحقيقة وعين الأمر لم يقع على المسيح إلاَّ ليقع عليَّ لكي عندما يقوم المسيح
ويحيا أقوم معه وأحيا حتماً معه، لأنه هو صُلب حقاً ليقوم بالحق. فأنا أخذت كامل
خبرته وعمله لأنه إنما دخلها من أجلي. لذلك حقَّ للقديس بولس أن يقول
وحقَّ لي أن أقول معه
» مع المسيح صُلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ « لأن الحياة التي قام بها المسيح هي
ليست حياة إنسان بعد، بل حياة إلهية، حياة ابن الله التي تدوم إلى الأبد ولا
يقربها موت بعد!! فإذن بالرغم من أني قمت مع المسيح إلاَّ أن الحياة التي قمت فيها
معه ليست حياتي بل حياة المسيح التي وهبها لي لأحيا معه إلى الأبد!!

لذلك أصبحت الحياة التي
أحياها الآن في الجسد هي نظير إيماني بالمسيح كونه ابن الله الحي الذي لا يموت:
» إني أنا حي
فأنتم ستحيون
«(يو
19:14).

أمَّا نص هذا الإيمان الذي يؤهلني لأن أنال به حياة المسيح فيَّ فهو الإيمان الذي
ينص على أن المسيح هو ابن الله الذي قدَّم نفسه للموت من أجل حياتي كخاطئ ليعطيني
فرصة غفران الخطية بتكميله الموت الواقع عليَّ ثمناً لخطيتي، ثم بقيامته علناً وجهاراً وأنا معه
برهاناً ثابتاً أبدياً أن خطيتي قد مُحيت
وحلَّ محلها الغفران ثم
الحياة.

هنا تنكشف لنا حقيقة
القول بأن الروح القدس حيٌّ فينا أو ساكنٌ فينا! فمن أين يجيء إلينا الروح القدس
إلاَّ كون المسيح هو أولاً الذي يحيا فينا، فالمسيح يحيا فينا بالروح القدس
المحيي!!

ولكن ليت لا تتوه منَّا
الحقيقة المخفيَّة في الكلام: «إيمان ابن الله الذي أحبني» فهنا الإيمان
المسيحي أصلاً قائم على أساس الحب، الحب الإلهي الذي ملأ قلب المسيح وجعله يستهين
بالموت من أجلي. فأساس الفداء هو الحب الذي ملأ قلب المسيح. وهنا تنكشف لنا
الحقيقة المقابلة بالضرورة وهي أن إيماننا بالمسيح يتحتَّم أن يكون متأسساً على
محبتنا للمسيح، لأن محبة المسيح هي التي دفعته للموت من أجلي. هكذا يتحتَّم أن
تكون محبتي للمسيح هي التي تدفعني للإيمان بمَنْ أحبني وفداني. فحب الفادي يوازيه
حب المؤمن. وبصريح القول يتبيَّن لنا أن قوة وفاعلية الإيمان الحقيقي الحار هي
المحبة التي يتوجَّب أن تبلغ في الشدة والقياس إلى مستوى محبة الفادي. ولكن في
ظننا يستحيل هذا القياس، ولكن الحادث فعلاً أنه بمجرَّد أن نلتهب حبًّا للمسيح،
ينفتح حب المسيح علينا فنأخذ منه ونعطيه، وهذا يتضح من نماذج القديسين الذين وهبوا
المسيح حياتهم والتهبت أشواقهم فانسكب عليهم حب المسيح فصاروا شعلات ملتهبة من
الحب والإيمان معاً.

هذا السر، سر الإيمان
والحب الملتهب يزداد إشراقاً إذا نظرنا إليه من قول يوحنا الرسول في رسالته
الأُولى:
» نحن نحبه لأنه هو أحبَّنا أولاً «(1يو 19:4). إنه رد فعل، فبقدر شدة الفعل أي محبة المسيح لنا تجيء
شدة رد الفعل أي حبنا للمسيح. فالمسيح المحبوب هو سر الحب المتبادل وقوته!!

إلاَّ أن شدة حب المسيح
لنا هي أصلاً رد فعل بالتالي من حب الآب!! كما يقول المسيح نفسه:
» كما أحبني
الآب كذلك أحببتكم أنا
«(يو 9:15). والمسيح اعتنى هنا أن يضع كلمة «كذلك» لتلمِّح
إلى المستوى من القوة والشدة!

انظر أيها القارئ
وتعجَّب، فنحن لا نُحسب قط أصحاب فضل أو مبادرة في حب المسيح والآب، فإن أحببنا
المسيح فهو أحبنا أولاً، وإن بلغنا الشدة في حبنا له فليست هذه الشدة من فراغ أو
من قوتنا لأنها انسكبت علينا بشدة استعلنها المسيح لمَّا أسلم نفسه من أجلنا!!
فموت المسيح هو الحد المذهل الذي بلغه في شدة حبه. فإن بلغ حبنا للمسيح حد الموت
نكون بالكاد قد بلغنا حد حبِّه!!

ثم إذ كشف لنا المسيح
مصدر حبه وشدة حبه أنه آت له من الآب، يكون قد أوضح الهدف الذي ألحَّ عليه المسيح
في صلاته للآب في (يو 17):
» ولست أسأل من أجل هؤلاء
(التلاميذ) فقط، بل أيضاً من أجل الذين يؤمنون بي بكلامهم، ليكون الجميع
واحداً،
كما أنك أيها الآب فيَّ وأنا فيك، ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا
«(يو 17: 20و21). ثم يزيح المسيح الستار عن أقدس حب عرفه الإنسان: » وليعلم
العالم أنك أرسلتني، وأحببتهم كما أحببتني
«(يو 23:17). ويزيد كشف منابع سر حب الآب لنا هكذا: » وعرَّفتهم
اسمك وسأُعرِّفهم، ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم.
«(يو 26:17)

أيها القارئ العزيز هذه
هي روائع مفردات الإيمان المسيحي، يقول عنها ق. بولس في هذه الرسالة إنها أركان
الحياة التي نحياها الآن بالجسد:
» فما أحياه الآن في
الجسد فإنما أحياه في الإيمان إيمان ابن الله
(المحبوب) الذي
أحبني وأسلم نفسه لأجلي!
«(غل 20:2). يا لغنى حياتنا بالحب والإيمان اللذين ننسج منهما كسدّة
مع لحمة نسيج أيامنا وليالينا كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة بل كل ثانية. نصفها الأول
حب ونصفها الآخر إيمان ملتحمان ليخرج منهما نسيج الحياة. وهذا الحب هو هو الذي
انحدر إلينا من قلب الآب عبر المسيح وكأننا نتنفس بحب الآب والابن؟ فأي خليقة نحن
وما هذا الذي صرنا إليه؟ نعم إذا أردت أن تعرف أي خليقة نحن فاسمعها من قول ق.
بولس في رسالته إلى أفسس حيث يقول: إنه خلقنا كأبناء مسرَّة مشيئة الآب، أي أن
الآب أراد أن يفرح بأبناء فخلقنا له في المسيح:
» إذ سبقَ فعيَّننا
للتبنِّي
بيسوعَ المسيحِ لنفسهِ، حسب مسرَّة مشيئته
«(أف 5:1). فإن كان هذا قصد الآب أن نكون أبناءً لنُفرِّح نفسه؟
فماذا تكون حياتنا وعملنا؟ يقول:
» لمدح مجد نعمته التي
أنعم بها علينا في المحبوب.
«(أف 6:1)

أيها القارئ إذا أهملت
هذا الحب الإلهي بكل ثقله وكل أعماله واتجاهاته من حياتك فإنه لا يبقى لك إلاَّ
الموت. لأن حب الآب هو الذي أقام المحبوب من الأموات. وحب المحبوب لنا هو الذي أخذ
موتنا وأعطانا قيامته أو بالحري حب الآب، فإن كانت محبة الله قد انسكبت في قلوبنا
بالروح القدس (رو 5:5) سواء محبة الآب أو الابن فذلك
نظير إيماننا بمحبة الآب العاملة بالمسيح في الخلق والفداء.

وهكذا يتبرهن لنا بالحق
قول ق. بولس هنا:

+ » فما أحياهُ
الآن في الجسد، فإنما أحياه في الإيمان، إيمان ابن الله، الذي أحبني وأَسلَمَ نفسه
لأجلي.
«(غل 20:2)

كلمة أخيرة عن مضمون
قول ق. بولس في مناقضة شكلية «فأحيا لا أنا» ثم يعود فيقول: «فما أحياه
أنا الآن …»
هنا ق. بولس يعبر على
» أنا «مرتين،
مرَّة بالنفي ومرَّة بالإيجاب:

“أنا” الأُولى: ماتت بموت
المسيح، وهي أنا الإنسان العتيق لكل الناس وهذا تمَّ بالإيمان بموت المسيح
الكفاري.

“أنا”
الثانية:

هي أنا المسيح الذي قام من موت خطيتي وأنشأ لي إنساناً جديداً هو مركزه، وهو لكل
الناس، وهو رأسه، وهو إنسان الإيمان بالمسيح.

لذلك يقول: » فما أحياهُ
(أنا) الآن في الجسد، فإنما أحياه في الإيمان، إيمان ابن الله
«

وواضح أن قوتين تعملان
للموت والقيامة اللتين يتحتَّم أن نجوزهما لننتقل من الموت للقيامة للحياة بين لا
أنا
المائتة المنفية وأنا القائمة الحية:

القوة الأُولى: الإيمان،
والقوة الثانية: الحب.

الإيمان وحده يبلغ
بالجسد العتيق الموت، والحب وحده يتجاهل موت الجسد العتيق ويخلق الجديد، وبالاثنين
أموت وأقوم معه. لذلك يقولها ق. بولس واضحة متلازمة:
» إيمان ابن الله
الذي أحبني
«
وأنا استمد إيماني من إيمان ابن الله وحبي من حب ابن الله.

العتيق لا خلاص منه
إلاَّ بالموت الصادق،

والجديد مخلوق
بالمحبة بالحب الصادق.

وهكذا
يبقى تعاملنا على طول الحياة: موت لأنا العتيقة، وحياة للإنسان الجديد وأنا فيه هي
المسيح.

سلاحنا للموت هو الإيمان
بمَنْ مات من أجلنا ونحن معه.

ورجاؤنا للحياة هو الحب
حب الآب والابن لنا بل فينا لمَّا قام بنا.

إنه درس التأمل للعمر
كله.

21:2 «لَسْتُ
أُبْطِلُ نِعْمَةَ اللهِ. لأَنهُ إِنْ كَانَ بِالنَّامُوسِ بِرٌّ، فَالْمَسِيحُ
إِذاً مَاتَ بِلا سَبَبٍ».

هذا امتداد أو رد على
الآية السابقة التي انتهت بمفهوم:
» فما أحياهُ الآن في
الجسد، فإنما أحياه في الإيمان، إيمان ابن الله، الذي أحبني وأَسلَمَ نفسه لأجلي
«(غل 20:2). فيكمِّل إذن لا يمكن أن أبطل نعمة الله التي نلتها من
محبة المسيح الذي مات من أجلي فأَلغَى سطوة الناموس عني، لأنه إن كان بالناموس
برٌّ فلماذا المسيح؟ فالمسيح إذن مات بلا سبب. هذا
يُحتسب تجديفاً على قوة الموت والقيامة وبالتالي تجديفاً على الخلاص الذي تمَّ
بالموت والقيامة.

هذه بحد ذاتها هي نعمة
المسيحية العظمى أن نتحرَّر من سطوة الناموس ومن سطوة أحكام الموت التي يحكم بها
بلا رحمة على الخطاة. فالمسيح ألغَى الخطية بموته لمَّا أخذ حكماً بالموت بواسطة
الناموس والقائمين على تنفيذه باعتباره خاطئاً وهو القدوس البار الذي بلا لوم. إذن
فموته احتُسب موتاً من أجلي أنا الخاطئ وكل
خاطئ!! فأي نعمة هذه؟ فهل ممكن أن أعود مرَّة أخرى
للناموس القاتل كأنه حق
وأبطل نعمة المسيح التي علينا بالغفران والحياة الأبدية؟ فهي بكل اختصار كالآتي:

إما موت مع المسيح
ونعمة وبركة وحياة، وإما لعنة بالناموس وموت فوق الموت.

ولكن في نهاية الأصحاح
الثاني لا نستطيع أن نعبره لما بعده وضياء الآية:
» أحبني وأسلم
نفسه

لأجلي
«قد خطف أبصارنا، هذا أول تعبير لإنسان يحتوي حب المسيح كله
في ضعفه بكبرياء الحب المنقطع النظير!! مَنْ أنت يا بولس حتى تنسب لنفسك كل حب
المسيح الذي سكبه على عالم الإنسان في ماضيه وحاضره ومستقبله!!
» أحبني «!

وكيف رأيت أن المسيح
أوقف حبه لك وبمفردك؟

الحقيقة أيها القارئ
العزيز أن البشرية غارت كلها من ق. بولس، وتقمَّص كل إنسان في المسيح مقولة ق.
بولس هذه وبنفس الشموخ، فصارت وكأن المسيح قد أوقف كل حبه لكل إنسان على حدة
وبمفرده، وفي ملء حبه هذا اقتحم كل أهوال الموت لينقذنا واحداً فواحداً. فلا حبّه
نقص ولا خطايا كل الخطاة استنفذت أعماق هذا الحب العجيب.

أيها القارئ وهل يمكن
لإنسان مسيحي بعد ذلك أن يقول أنا خاطئ؟

أمَّا أنا فأستعير مقولة
ق. بولس وأقول لست أبطل نعمة المسيح فإن كانت الخطية أقوى من موت المسيح فاحكموا.

لقد متُّ مع المسيح
ثمناً لخطيتي فما أحياه الآن أحياه في برِّ المسيح!!



([1]) Lightfoot, op. cit., p. 297.

([2]) وقد ذكر هذا التقليد الذي استلمه
التلاميذ من الرب
أبولونيوس (حوالي سنة
200م)، وسجَّله يوسابيوس في:
H.
E
. V, 18.، كما ذكره كليمندس
الإسكندري
(strom.
vi p. 762)
، مؤكِّداً ذلك عن تسليم
أقدم منه في تاريخ مبكِّر.

راجع: Lightfoot, op. cit., p. 127 n.1.

([3]) Lightfoot, op. cit., p. 124
n3; p. 303.

([4]) Ibid.

([5]) Lightfoot, op. cit., p. 304.

([6]) انظر كتاب: “شرح رسالة رومية” صفحة 30.

([7]) J. Bauckham, «Barnabas in Galatians»,
cited by Bruce., op. cit., p. 107.

([8]) Bruce., op. cit., p. 108.

([9]) Irenaeus: (A. H. 3. 13, 3).

([10]) Tertulian (Adv. Marc 5. 3. 3).

([11]) Marius Victorinus (In Galat. ad
loc).

([12]) Jerome (In Galat. ad loc).

([13]) Bruce., op. cit., p. 122.

([14]) Klein, Rekonstruktion, pp. 107-115,
cited by Bruce, op. cit., p. 122.

([15]) August. Ep. 82. 11.

([16]) T. Zahn., Galater, p. 110.

([17]) J. Munck, Paul, pp. 100-103.

([18]) H. M. Féret, Pierre et Paul à Antioche et a
Jérusalem,
(Paris, 1955).

([19]) Bruce., op. cit., p. 128.

([20]) Ibid.

([21])
وهناك رأي آخر يقول إن بطرس هرب مع زوجته إلى مصر واستقر زماناً وسط الجالية
اليهودية ببابليون مصر التي تنصر جزء كبير فيها ثم عاد إلى فلسطين (انظر شرح إنجيل
ق. مرقس “تحت الطبع”).

([22])
وهم غير الإخوة الكذبة الذين ذهبوا من تلقاء أنفسهم المذكورين في سفر
الأعمال: «وانحدر قومٌ من اليهودية وجعلوا يعلِّمون الإخوة أنه إن لم تختتنوا حسب
عادة موسى لا يمكنكم أن تخلصوا» (أع 1:15). وهم الذين ذكرهم يعقوب في المجمع
بأورشليم بقوله: «إذ قد سمعنا أن أُناساً خارجين من عندنا أزعجوكم بأقوالٍ،
مُقلِّبين أنفسكم، وقائلين أن تختتنوا وتحفظوا الناموس، الذين نحن لم نأمرهم» (أع
24:15). وأيضاً هم الذين ورد ذكرهم أيضاً في سفر الأعمال: «ولكن قام أناسٌ من
الذين كانوا قد آمنوا من مذهب الفريسيين، وقالوا: إنه ينبغي أن يختتنوا، ويوصوا
بأن يحفظوا ناموس موسى» (أع 5:15). وهم أصلاً من الشيعة اليهودية المتعصبة من
الفريسيين المذكورين في إنجيل لوقا: «وكان جميع العشارين والخطاةِ يدنون منه
ليسمعوه. فتذمَّر الفريسيون والكتبة قائلين: هذا يقبلُ خطاةً ويأكل معهم» (15:
1و2). فرَّد عليهم بمثَلٍ يكشف أن هؤلاء الخطاة والعشارين كانوا يمثلون الأُمم عند
المسيح هكذا: «فكلَّمهم بهذا المثلِ قائلاً: أي إنسانٍ منكم له مئةُ خروفٍ، وأضاع
واحداً منها، ألا يترك التسعةَ والتسعينَ في البريَّةِ، ويذهب لأجل الضالِّ حتى
يجده؟» (لو 15: 3و4)

([23]) J. D. G.
Dunn, Unity and Diversity in the New Testament (London, 1977), p. 385f.,
cited by Bruce, op. cit., p. 134.

([24]) Chrysostom,
op. III, p. 70, cited by Lightfoot, op. cit., p. 111.

([25]) Augustine,
Ep. 95. 3.

([26]) هذا هو رأي العالِم ليتفوت
والعالِم بروس معاً.
(Lightfoot op. cit., p. 114.)، (Bruce, op. cit., p. 132.).

([27]) Tertullian,
Adv. Marc. 4,3, cited by Bruce, op. cit., p. 133.

([28]) Lightfoot,
op. cit., p. 116.

([29]) Bruce,
op. cit., p. 140.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ى يوشافاط ط

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي