الأصحاح الخامس

 

[5: 226]

يدور حول موضوع الحرية
المسيحية

 

1 [5: 2 6]: الناموس لا يرضى إلاَّ
بأن يتمَّم بصورة كاملة.

2 [5: 712]: مخاطبة اليهود
المُقلِقين بكلمات شديدة وحازمة.

3 [5: 1326]:
الجسد والروح:

( أ ) طريق المحبة (1315)

(ب) السلوك بالروح (1618)

( ج ) الحياة حسب الجسد
(19
21)

( د ) ثمار الروح (2226)

 

1 الناموس
لا يرضى إلاَّ بأن يتمَّم بصورة كاملة

[5: 26]

 

2:5 «هَا أَنَا
بُولُسُ أَقُولُ لَكُم: إِنهُ إِنِ اخْتَتَنتُمْ لاَ يَنْفَعُكُمُ الْمَسِيحُ
شَيْئاً!».

هنا القديس بولس يفرض
نفسه على سامعيه كرسول ليسوع المسيح متكلِّماً بسلطان المسيح الذي أرسله ليكرز
بالحق فيما يخص أمر الختان بالذات، إن هو أُقحمَ على الإيمان بالمسيح.

«إن اختتنتم
لا ينفعكم المسيح شيئاً»:

لقد جاء المسيح ليحقِّق
للإنسان ما لم يستطع أن يحققه الناموس، فالذي يؤمن بالمسيح ينال من المسيح خلاصاً
ومعونة وعطية ونعمة بغير حدود. ولكن الذي يتجاوز المسيح وما عمله المسيح وما هو
مستعد أن يعمله ويرتد إلى الناموس فهو يخسر
حتماً كل ما أراد المسيح وكل ما يريد
أن يعمله.

فالعودة إلى الختانة
عودة إلى الناموس، والعودة إلى الناموس بمثابة خصومة مع الله.

وهذا
الكلام خطير فيما يخص حياتنا نحن أيضاً. فالمسيح لم يترك الإنسان ليجاهد وحده ولم
يتطلب من الإنسان أي عمل أو أي فريضة من أي نوع لكي ينال الخلاص المجاني الذي
عمله.

بل ومع الخلاص هو باستعداد أن يؤازر بروحه القدوس في كل مواقف الحياة لتكميل خلاص الإنسان وحريته مجاناً. فإذا أهمل الإنسان هذا
الحق الإنجيلي وارتأى أن يقوم بأعمال
وواجبات ليصير على مستوى استحقاق
عطايا المسيح المجانية فهو يتجاوز كل أعمال المسيح بل ويتجاوز المسيح نفسه. المسيح
لا يطلب من الإنسان إلاَّ إيمانه بنوع أنه يصدق ويثق بكل ما عمله المسيح من خلاص
ومصالحة وتبنٍ، وحينئذ يصبح في مجال قوة المسيح الذي يتمِّم له كل شيء. ولا يعود
له عمل إلاَّ استيعاب أعمال المسيح والفرح بها. وحينئذ يصبح كل ما يؤديه الإنسان
الذي آمن ووثق بالمسيح من أعمال وصلاة وصوم وخدمة هو رد فعل لما عمله المسيح، هو
بنوع الشكر والعرفان بفضل الله والمسيح حيث يصبح الصوم ذبيحة شكر والصلاة ذبيحة
تسبيح والخدمة ذبيحة عرفان بالجميل. وهذه كلها تكون على مستوى الواجب ولكن ليست
فرضاً أو قانوناً.

أمَّا إن ارتد الإنسان
نحو الأعمال التكفيرية ظناً منه أنها تكفِّر عن خطاياه فلن ينفعه المسيح شيئاً!!
وهو كمن ارتد إلى الناموس وفرائضه ليكفِّر عن خطاياه وكأن المسيح لم يعمل شيئاً.

3:5 «لكِنْ
أَشْهَدُ أَيْضاً لِكُلِّ إِنْسَانٍ مُخْتَتِنٍ أَنهُ مُلْتَزِمٌ أَنْ يَعْمَلَ
بِكُلِّ النَّامُوسِ».

قوله هنا كلمة: «أيضاً»
فهو لا يزال مُرْتَكَز الآية السابقة التي تقول صراحة أن مَنْ اختتن يكون قد فقد
كل ما عمله المسيح
» لا ينفعكم المسيح شيئاً «

وهنا يدور ق. بولس على
اليهود الكذبة المُقلقين الذين يحاولون الإيقاع بالغلاطيين (كأمميين) في فخ
الناموس، بأن يحسنوا لهم الختانة فقط، أو ربما معها حفظ السبت أيضاً، فهي تظهر
كأنها لا تتعارض مع إيمانهم بالمسيح، ولكن بنية خبيثة إذ يضمرون لهم مزيداً من
تورُّط في الأعمال والفرائض. فهنا يفضح ق. بولس نياتهم وخبثهم معتبراً أن بمجرد أن
يختتن الإنسان يصبح بحكم القانون مطالباً بأن يكمِّل كل الناموس، لأن الختان هو
طقس الدخول في الناموس لأنه معروف أن الختان هو علامة عهد للدخول في اليهودية أي
الناموس. لأن الناموس احتاط ليُلزم كل مَنْ اختتن وصار يهودياً أن يلتزم التزاماً
بكل أعمال الناموس:

+ » لأنه مكتوبٌ
(في الناموس) ملعون كل مَنْ لا يثبت في جميع ما هو مكتوب في كتاب الناموس ليعمل
به.
«(غل 10:3)

على أن الإغراء الأساسي
من طرف اليهود المزعجين هو أن يقبل الغلاطيون “البر” الذي بالناموس، وهذا ما سبق
أن دحضه بولس الرسول في الآية (21:2):
» لستُ أُبطِلُ نعمة
الله. لأنه إن كان بالناموس برٌّ، فالمسيح إذاً مات بلا سببٍ
«! » الذي أُسلم من أجل خطايانا وأُقيم لأجل تبريرنا. «(رو 25:4)

ومن جهة أخرى كان سعي
هؤلاء اليهود المتعصبين المحاربين والمزعجين في إغراء الغلاطيين الأُمميين أصلاً
لقبول الختان مبدئياً أمراً هاماً جداً فيما يخصهم هم، لأن في عرف المتعصبين من
اليهود أن مَنْ يصادق أُممياً غير مختون يُوصَم بالخيانة لأمته!! وهذا نقرأه عن ق.
بولس في الأصحاح السادس هكذا:
» جميع الذين يريدون أن
يعملوا منظراً حسناً في الجسد، هؤلاء يُلزِمُونكُم أن تختَتِنوا، لئلاَّ يُضطهدوا
لأجل صليبِ المسيح فقط
«(غل 12:6). وكأن الذي يُختتن من الأُمميين يكون كمَنْ أنكر الصليب
في عرفهم.

4:5 «قَدْ
تَبَطَّلْتُمْ عَنِ الْمَسِيحِ أَيهَا الَّذِينَ تَتَبَرَّرُونَ بالنَّامُوسِ.
سَقَطْتُمْ مِنَ النِّعْمَةِ».

«قد
تبطَّلتم عن المسيح»:
kathrg»qhte ¢pÕ Cristoà

هذا الفعل استخدمه بولس
الرسول في أمر الناموس بعكس الوضع ولكن بنفس المعنى:
» وأمَّا الآن
فقد تحرَّرنا
kathrg»qhmen
من الناموسِ، إذ مات الذي كُنَّا مُمسَكِينَ فيه …
«(رو 6:7)، وهي بمعنى انفك أو تغرَّب عن أو بطلت الصلة أو العلاقة
مع. لأن المعروف في المسيحية، أي في العبادة بالروح والحق، أن البر هو بالإيمان
بيسوع المسيح، فإن تحوَّل البر إلى آخر أي الناموس فهذا يعني أن العلاقة بالمسيح
قد سقطت أو بطلت. حيث تكون الختانة هي سر الانفصال عن المسيح.

وقد شرح ق. بولس هذا
الوضع في رسالة رومية هكذا:
» لأنهم إذ كانوا يجهلون
برَّ الله، ويطلبون أن يثبتوا برَّ أنفسهم لم يخضعوا لبر الله
«(رو 3:10)، ولكن أُولئك فعن جهل لبر الله، أمَّا هؤلاء
أهل غلاطية فقد آمنوا بالمسيح ونالوا بالإيمان بر الله بالفعل،
فكونهم يعودون ويطلبون بر الناموس فكأنهم يطلبون بر أنفسهم بأعمال وفرائض جسدية
ميتة.

ولكن الكلام لنا أيضاً،
لأنه إن كنَّا نحاول بأعمالنا من فرائض أن نخضع أنفسنا بإرادتنا بأصوام وإذلال
للنفس وحرمانات متعددة الأشكال والألوان سواء من طعام أو فسحة أو ملابس إلخ …
بنوع التكفير عن أخطاء وخطايا بغية نوال رضى الله أو برَّه، نكون قد تبطَّلنا عن
بر المسيح المجاني الذي منحه لنا بموته وقيامته، موته لأجل خطايانا وقيامته لأجل
تبريرنا أمام الله مجاناً. ولكن إن كنَّا نعمل هذه الأعمال عينها بنوع القناعة
والاتضاع وسحق الذات كمشاركة حب وإيمان لصليب المسيح وآلامه فَنِعْم ما نعمل.
لأننا إن كنَّا نتألم معه طوعاً أو كرهاً فسوف نتمجَّد معه! بل وتصير نعمة المسيح
مؤازرة لأصوامنا وتقشفنا وفقرنا الطوعي ومسكنتنا حبًّا وتعلماً من الذي قال
» تعلَّموا
مني لأني وديع ومتواضع القلب
«(مت 29:11). وهنا تصبح أصوامنا وتقشفاتنا وفقرنا مصدر فرح وسعادة
واكتفاء لا مثيل له:
» مِنْ أجلك نمات كل النهار. قد حُسبنا مثل غنم
للذبح
«(رو 36:8) حبًّا في
مَنْ أحبنا.

«سقطتم من
النعمة»:

نعم فإن كنَّا قد
تبطَّلنا عن المسيح واستغنينا عنه بأعمالنا وفرائض الناموس فحتماً نكون قد سقطنا
عن النعمة. وعكس ذلك تماماً حينما نؤمن بالمسيح ونسعى لتكميل وصاياه معتمدين عليه
وحده ولا آخر سواه:

+ » فإذ قد
تبرَّرنا بالإيمان لنا سلامٌ مع الله بربنا يسوع المسيح، الذي به أيضاً قد صار لنا
الدخول بالإيمان، إلى هذه النعمة التي نحن فيها
مقيمون، ونفتخر على رجاء مجد الله.
«(رو 5: 1و2)

حدث ذات يوم أن دخل
عليَّ إنسان معبَّس الوجه بدرجة أوجعت قلبي فبادرته: مالك يا فلان؟ فبادرني؛ مالي؟
اسأل عن خطاياي التي صارت كالجبال فوق ظهري. أنا لا أُحسب خاطئاً وحسب بل أنا
الخطية ذاتها، فقلت له مَرْحا مَرْحا([1]) فأنت صرت
المسيح نفسه لأن لا أحد قال هذا وكان هذا بالفعل إلاَّ المسيح الذي
» صار خطية
لأجلنا
«(2كو 21:5).
فعنَّفني كيف أسخر منه وهل هذا وقت مداعبة، فجلست معه أحكي له ماذا عمل المسيح من
أجل خطاياه وكيف حملها جميعها كمًّا ونوعاً وما من خطية عملها في الماضي أو
سيعملها في المستقبل إلاَّ والمسيح حملها في جسده على الصليب ودفع ثمنها جميعاً
ألماً وصلباً وموتاً وأصبحت لا وجود لها إلاَّ في تصور الشيطان الذي استولى على
نفسه ليدخله هذه الكآبة ليميته حيًّا. وقليلاً قليلاً انفرجت أساريره ولم أتركه
إلاَّ مبتسماً!!

وبالمقابل حدث يوم أن
دخل عليَّ أخ كنت أعطف عليه وأحبه وكان يعاني من تأنيب الضمير وصغر النفس وغير
سعيد قط في حياته، وأيامه تسير على وتيرة واحدة من الاكتئاب. دخل عليَّ فرحاً
مبتسماً مهلِّلاً ووجهه يطفح بالبهجة بصورة غير عادية وكانت عيناه تنطق بكلمات لم
أخطئ فهمها. وما أن حياني حتى أخذ يحكي لي معجزة حياته وهي لا تزيد عن كلمة ونصف:
سمع عظة دخلت أعماق قلبه وشعر أن الله يحدِّثه ويشير إليه ففي الحال انفتحت روحه
على المسيح ودخلت نعمة الله قلبه وعندها لم يَطقْ نفسه من الفرح وسكنت البهجة
روحه ولم تعد تفارقه أبداً.

أمَّا الإنسان الأول
صاحب ضمير الخطية فهو إنسان أعطى أذنه للشيطان فدخل وخرَّب.

أمَّا
الأخ صاحب الأذن المفتوحة على الإنجيل فدخل المسيح ودخلت النعمة وحوَّلت أيامه
أعياداً.

وهكذا إن دخلت الخطية
الضمير ومعها محاولة علاجها بالأعمال التكفيرية خرج المسيح. أمَّا إن كنّا في عمق
الخطية ودخل المسيح دخلت النعمة ومعها فرحة القيامة.

5:5 «فَإِنَّنَا
بِالرُّوحِ مِنَ الإِيمَانِ نَتَوَقَّعُ رَجَاءَ بِرٍّ».

هذه هي تفاصيل الحياة
المسيحية في آية!! وهي تعتبر كاتشزم([2]) في التعليم
المسيحي ومحوره الرجاء!! فكل عمل ليس بالروح وليس من الإيمان يخلو حتماً من أي
رجاء
للحصول على برِّ الله.

يقول ق. بولس في مقولته
اللاهوتية التفسيرية إن
» الإيمان هو الثقة بما
يرجى والإيقان بأمور لا تُرى
«(عب 1:11). فالإيمان مربوط بالرجاء برباط لا ينفك، وهذه نعمة من
نعم الخلاص التي دخلت حياة الإنسان بالصليب. فكل ما عمله المسيح من أجل خلاصنا هو
واقع في صميم نصيبنا المجاني ولكن لن يصبح في أيدينا، أي لن نمتلكه إلاَّ إن دخل
في صميم رجائنا الذي نشتهيه ونتمناه بثقة. فإذا وثقنا إننا نأخذه فحتماً نأخذه. أي
أن هناك ثلاثة أفعال لا بد أن نحوزها لكي نحوز على بر الله: فعل الإيمان، فعل
الرجاء، فعل الثقة. وأدخل عليها ق. بولس هناك فعلاً رابعاً هو التوقع وهو قوة
الرجاء. وهذه الأفعال الأربعة متجمعة معاً هي المعبَّر عنها بانفتاح الروح على
المسيح بدون أي جهد. وربما في مفاجأة على النفس كما حدث للقديس بولس الذي انتقل
مرَّة واحدة من فرِّيسي متعصب للناموس لمؤمن بالمسيح يعيش في ملء الروح والرجاء
والبر.

والقديس
بولس في تصنيفه لهذه الآية إنما يضع مفردات محصلة عمل المسيح في قلب الإنسان الذي
ألقى بكل ثقته في التعلق بالمسيح، لأن “الروح” هبة والإيمان هبة والرجاء هبة
والبرّ هبة الهبات.

فإن سألت إنساناً يعيش
في ملء نعمة المسيح وفرح الروح وثمارُه تملأ حياته: كيف دَخَلْتَ في هذه النعمة؟
فإنه يضحك ويقول: المسيح هو الذي دخل فيَّ!! فإذا توسَّلت إليه أن يبوح بسرّه فهو
يُسِرُّ إليك:

لقد “اشتهيته”: » إلى اسمك
وإلى ذِكرِكَ شهوة النفس،
بنفسي اشتهيتك في الليل، أيضاً بروحي
في داخلي إليك أبتكر.
«(إش
8:26و9)

فإذا سألته: كيف تفسِّر
آية ق. بولس هذه (5:5) عملياً؟ يقول:
الروح هو الذي لقَّنها
للقديس بولس من واقع حاله. فهي واقع حال الإنسان المسيحي لا يسعى لتكميلها ولكنه
يكمِّلها كل يوم وكل ساعة دون جهد لأنها واقع حيّ لوجود المسيح والروح داخل القلب.
والمسيحية عموماً واقع حيّ وكل تفسير صحيح ملهم لها هو تلقين من الروح العامل فيها
وليس فهماً ولا علماً. وللقديس بولس إلهامات تنطق بهذه الحقيقة، التي حينما نقرأها
ندرك أنه يتكلَّم من فيض قلبه لا كمعلِّم بل ملهم وممتلئ:

+ » فإذ قد
تبرَّرنا بالإيمان لنا سلامٌ مع الله بربنا يسوع المسيح، الذي به أيضاً قد صار لنا
الدخول بالإيمان، إلى هذه النعمة التي نحن فيها
مقيمون، ونفتخر على رجاء مجد الله.
«(رو 5:1و2)

+ » لنكون لمدح
مجده، نحن الذين قد سبق رجاؤنا في المسيح. الذي فيه (المسيح) أيضاً أنتم، إذ
سمِعتُم كلمة الحقِّ، إنجيل خلاصِكُم، الذي فيه أيضاً إذ آمنتم خُتِمتُم بروح
الموعد القدوس، الذي هو عربون ميراثنا، لفداء المقتنى، لمدحِ مجدهِ.
«(أف 1: 1114)

لذلك يُخطئ كل مَنْ
يأخذ هذه كمناهج روحية يحفظها ويدرسها ويعلِّمها، إذ هي في حقيقتها اعترافات عاشق
روحياً مملوء عشقاً بِحُب المسيح، والروح فيه يأخذ مما للمسيح ويخبرنا.

فالقديس بولس ليس
معلِّماً بإنجيل المناهج بل كارزاً بروح إنجيل الحب الذي يخطف القلوب. لذلك يستحيل
حصر مناهج القديس بولس تحت مصنَّفات. ولكن كل آية من آياته المختارة تُحسب مدرسة.
وكم ألوف من محبيه خلصوا بآية وصاروا من الكارزين!!

ولذلك يلاحظ الباحث
وراء أفكار ق. بولس وموحياته أنه لا يأخذ من محاجاته مع الغلاطيين الراغبين في
الختانة، كما أنه لا يضع المعمودية في مقابل الختانة مثلما يأخذها المدرسيون في
الكنيسة، ولكن يضع الإيمان والروح مقابل الختانة كما في هذه الآية (5:5) ويضيف
إليها المحبة في الآية القادمة!!

6:5 «لأَنهُ
في الْمَسِيحِ يَسُوعَ لاَ الْخِتَانُ يَنْفَعُ شَيْئاً وَلاَ الْغُرْلَةُ بَلِ
الإِيمَانُ الْعَامِلُ بالْمحَبةِ».

كان الختان هو علامة
العهد الأول في اللحم بين الله وإبراهيم
لحكمة لا تخفى عن الفكر الروحي، وهي
حفظ حدود النسل وتجميعه تحت علامة في الجسد مميزة. وهكذا صارت الختانة أهم ما
يميِّز شعب إسرائيل كنسل إبراهيم، ثم أُضيف إليها الناموس لحفظ الشعب تحت معيار
واحد أخلاقي للتهذيب والإعداد للعهد الروحي الذي لا يعتمد على الجسد والنسب
إطلاقاً؛ بل على العلاقة القلبية المباشرة مع الله، أي بالإيمان كرباط سماوي.

وكان غير المختون
مرفوضاً لا يدخل في وسط شعب الله بل وملعوناً من الله أيضاً. ولكن حقيقة اللعنة
فيه ليست طارئة ولا واردة بل موروثة من آدم، فلأن إبراهيم اتخذه الله أول إنسان
بعد لعنة آدم كرسول فوق العادة من بين الناس وباركه وأعطاه وعداً بنسل مبارك إن
حفظ علامة العهد وهي الختانة، لذلك مَنْ لم يُختتن يكون واقعاً تحت لعنة آدم
بطبيعة الحال أي من تلقاء نفسه. لذلك كان الأُمم غير المختونين نجسين في نظر شعب
إسرائيل شأنهم في النجاسة شأن الكلاب. وكان الله موافقاً على هذه النظرة إمعاناً
في إفراز شعب إسرائيل من الأُمم كخميرة يودّ أن لا تفسد بعبادات أصنام الأُمم
وعاداتهم حتى يكوِّن شعباً معداً لقبول العهد الروحي الجديد. لذلك نسمع المسيح
نفسه يقول بهذا للمرأة الكنعانية التي طلبت شفاء ابنتها المجنونة:
» فأجاب وقال:
لم أُرسل إلاَّ إلى خِرَاف بيت إسرائيل الضَّالة. فأتت وسجدت له قائلةً: يا
سيد أعني! فأجاب وقال: ليس حسناً أن يؤخذ خبز
البنين ويُطرح للكلاب
«(مت 15: 2426). هنا تعبير المسيح هو
تعبير الناموس القائم على عدم الختانة ليس إلاَّ. أي على الطهارة الجسدية والنجاسة
الجسدية.

فلما أكمل المسيح
رسالته لخراف بيت إسرائيل الضالة وأعطى البنين خبز السماء ورفضوه وأهانوه وقتلوه،
ثبت للإنسان عامة وللتاريخ خاصة أن الختانة لم تسعفهم ولا الناموس هذَّب أخلاقهم.
فكان ذلك إيذاناً بنهاية عصر الناموس والختانة وظهور النسل الموعود لإبراهيم لدخول
ملء الأُمم وبدء عهد الروح لا الجسد والإيمان بالله خلواً من ناموس وختانة.

لذلك كان من أخص خصائص
العهد الجديد القائم على الروح والإيمان أن يلغي نهائياً الختانة وتميُّزها على
الغرلة، فأصبحت الختانة لا تمتاز عن الغرلة في شيء لأنها كانت لعهد أُلغي، وأصبحت
التفرقة في العهد الجديد هي بين إنسان يؤمن بالمسيح والله وله روح الموعد القدوس
وإنسان لا يؤمن وليس له المسيح ومحروم من روح الموعد القدوس.

فإن حاول اليهود
المزعجون أن يغووا أهل غلاطية لكي يختتنوا بعد أن نالوا الإيمان بالمسيح وأخذوا
روح الموعد القدوس، فإن الختانة هنا بالرغم من أنها فاقدة أي قيمة، لكنها تُحسب
عليهم أنها رجعة إلى جهالة. لذلك حقَّ للقديس بولس أن يدعوهم “أيها الغلاطيون
الأغبياء”.

«الإيمان
العامل بالمحبة»:
pˆstij di’ ¢g£phj ™nergoumšnh

«العامل»: ™nergoumšnh

هنا كلمة العامل
في اللغة اليونانية بحسب تحليل العالِم بروس لا تفيد مجرَّد العمل بل التنشيط
energised فتعني الإيمان المقوّى الغني بالمحبة. لأن في تعريف ق. بولس
للإيمان فإنه يضعه دائماً كالأساس أو كالجذر، أمَّا المحبة فهي الثمرة: ويمكن
ترجمتها أيضاً الإيمان الفعَّال بالمحبة.

والقديس بولس في وضعه
المحبة كشرط للإيمان إنما هي محاولة مستميتة ليرفع عن الإيمان المفهوم المجرَّد
كمجرَّد فكر أو مقولة، فيجعله انفعالاً وحركة وبذلاً وخروجاً عن الذات، إيماناً
يُرِي ذاته بالمحبة في مقابل إيمان ق. يعقوب الذي يُرِي ذاته بالعمل حيث قد يكون
العمل هذا مجرَّد اجتهاد ذاتي وصوم وصلاة وعبادة. فالإيمان عند ق. بولس ليس مجرَّد
عملٍ بل حب بإعطاء الذات. فهو يكمِّل مقولة ق. يعقوب: “أُريك إيماني بأعمالي”
بقوله: “أريك إيماني بأعمالي العاملة بالمحبة” فالأعمال المعمولة أو القائمة على
الإيمان عند ق. بولس يتحتَّم أن تكون معمولة بالمحبة.

وطبعاً هنا ق. بولس
يعتصر من رحيق الصليب شراباً يسقي به أهل غلاطية، فأعمال المسيح، وكلها متركزة في
الصليب ونابعة منه، عنصرها الأساسي والفعَّال هو المحبة. فهو القائل بحق:

+ » وإن كانت لي
نبوَّةٌ، وأعلم جميع الأسرار وكل علمٍ، وإن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال،
ولكن ليس لي محبةٌ، فلستُ شيئاً. وإن أطعمت كل أموالي، وإن سلَّمت جسدي حتى أحترق،
ولكن ليس لي محبةٌ، فلا أنتفع شيئاً.
«(1كو 13: 2و3)

+ » أمَّا الآن
فيثبت الإيمان والرجاء والمحبة، هذه الثلاثة ولكن أعظمهُنَّ المحبة.
«(1كو 13:13)

وهؤلاء الثلاثة هم عمل
النعمة في المسيح يسوع.

وبنظرة ثاقبة تتخلَّل
هذه الآيات كلها نرى أن المحبة هي سر قوة الإيمان المسيحي كما أن الإيمان المسيحي
هو سر قوة الأعمال. فبدون محبة ليس إيمان وبدون إيمان ليس أعمال.

 

2 مخاطبة
اليهود المقلقين بكلمات شديدة وحازمة

[5: 712]

 

7:5 «كُنْتُمْ
تَسْعَوْنَ حَسَناً. فَمَنْ صَدَّكُمْ حَتَّى لاَ تُطَاوِعُوا لِلْحَقِّ؟».

«كنتم تسعون
حسناً»:
™tršcete

كلمة “تسعى” باليونانية
جاءت بتعبير رياضي فهي تقال بمعنى “السباق” أو “الجري”، لذلك فهي تفيد النشاط
والهمة، لذلك تأتي كلمة “صدَّكم
™nškoyen” بمعنى أعاق عن الجري أو النشاط في الجري واعترض طريقهم. وقد وردت
لبولس الرسول كلمة تسعى بمعنى الجري بوضوح في (1كو 26:9):
» إذاً، أنا
أركُضُ
tršcw
هكذا كأنه ليس عن غير يقينٍ
«

ويبدو أن ق. بولس كانت
تصله الأخبار تباعاً عن تقدمهم في الإيمان إلى أن وصلتهم بعثة يهود أُورشليم التي تتلصَّص على مسيرة ق. بولس لتفسد
إيمان الأُمم وتنتزع اليهود الذين تنصروا من
الإيمان.

«للحق»: ¢lhqe…v

هنا الحق يقصد به ق.
بولس الإيمان المسيحي بصورة عامة والإنجيل بصورة خاصة. واضح أن هذه الجماعة كانت
نشطة في اتِّباع وصايا المسيح ومحبة الإنجيل، وفجأة تسلَّطت عليهم فكرة الختانة
بواسطة تعاليم هؤلاء اليهود فتوقفت في الحال مسيرتهم وبدأوا يدورون حول أنفسهم
كمَنْ فقد هدف الطريق، لأنه بمجرد أن مالت أفكارهم لفكرة الختانة واستحسنوها توقفت
النعمة في الحال فانشلَّت حركة الروح والنشاط الإيماني.

أعرف إنساناً كان
خادماً في الكنيسة وأميناً في مدارس الأحد وكان شاباً نشيطاً يسعى وينمو في
الإيمان والخدمة، تعرَّف على شابة من عقيدة السبتيين وهم على نمط
يهود ق. بولس المزعجين وفي أقل من شهر كان قد نبذ الإيمان المسيحي
جملةً، وصار المسيح عنده كما عند اليهود تماماً شخصية مدعية مكروهة ومحتقرة. وهكذا
قصة غلاطية رأيتها بعيني وسمعتها بأذني وتملكني
ما تملَّك ق. بولس من مشاعر تجاه الغلاطيين! …
» مَنْ صدكم حتى لا تطاوعوا للحق «!!

8:5 «هذِهِ
الْمُطَاوَعَةُ لَيْسَتْ مِنَ الَّذِي دَعَاكُمْ».

«المطاوعة»: peismon» وهي تأتي هنا للمرة
الوحيدة في رسائل القديس بولس الرسول وفي كل أسفار العهد الجديد. هنا المطاوعة
تأخذ معنى الثقة والاعتماد، أي مطاوعة الاقتناع. فالقديس بولس يكشف لهم أن هذه
الثقة والاعتماد التي وضعتموها في الذي صدَّكم عن الحق هي ليست من الذي “دعاكم”
للحق أي ليست من الله. وقد سبق ق. بولس وعيَّن من هو الذي دعاهم وذلك في مطلع
الرسالة:
» إني أتعجَّب أنكم تنتقلون هكذا سريعاً عن الذي دعاكم بنعمة
المسيح إلى إنجيل آخر
«(غل
6:1). وبهذا يكون انصدادهم عن طريق الحق ناتج عن اقتناع، لذلك فإن قبولهم دعوة
هؤلاء اليهود للختانة أسماه إنجيلاً آخر، وذلك
إمعاناً في كشف انحرافهم الخطير عن الحق إلى ما هو ضد
الحق.

9:5 «خَمِيرَةٌ
صَغِيرَةٌ تُخَمِّرُ الْعَجِينَ كُلَّهُ».

mikr¦
zÚmh Ólon tÕ fÚrama zumo‹

القديس بولس سبق له أن
استخدم هذا الاصطلاح في (1كو 6:5):
» ألستم تعلمون أن خميرة
صغيرة تخمِّر العجين كله؟
«لذلك فهي تُحسب أنها
مثلٌ سائر.

وهذا الاصطلاح نفسه
شرحه بطريقة أخرى يظهر منه أن الخميرة الصغيرة هنا هي عامل الفساد الذي يبدو
صغيراً في البداية ولكنه في النهاية يسيطر ويفسد الكل:
» لا تضلوا:
فإن المعاشرات الردية تُفسد الأخلاق الجيدة
«(1كو 33:15). أمَّا المعنى اليهودي فهو أعمق من هذه المظاهر:
فالخميرة محظورة وحتى إن وجدت بأقل كمية في بيت اليهودي ليلة الفصح. هكذا يرمي
الناموس نفسه إلى ضرورة عدم وجود أي جزء ولو صغير من نظام العهد القديم في ليلة
البدء بالعهد الجديد. وبوضوح أكثر تأتي
الخميرة كعنصر فساد داخل البيت طيلة سبعة أيام الفصح (خر 12:
1420). وبالتالي فإن دخول أي فريضة من
فرائض الناموس يفسد صميم الحياة الجديدة في
المسيح.

ومن جهة أخرى يطالب ق.
بولس الكورنثيين أن ينقُّوا حياتهم وعبادتهم من الخميرة العتيقة باعتبارها عنصر
الفساد:

+
» إذاً نقُّوا مِنكُم
الخميرة العتيقةَ، لكي تكونوا عجيناً جديداً (بدون فساد) كما أنتم فطيرٌ (أي
خبز الفصح الذي بدون خميرة). لأن فصحنا (الجديد) أيضاً المسيح قد ذُبح
لأجلنا.
«(1كو 7:5)

ونحن نأخذ درساً جيداً
من كل هذا، فمسيحيتنا يلزم أن تتنقى من كل شائبة تشوبها فلا نعطي لأنفسنا الحل أن
ننحرف عن ضوابط الإيمان المسيحي المستقيم. فلا نتمشَّى مع أي عقيدة لا تلتزم
بإيمان المسيح الحق حسب الإنجيل، كما لا نقبل أي انحراف عن وصايا الإنجيل مهما بدت
صغيرة. فالحق الإلهي لا يحتمل دخول أي باطل عليه. وها أمامنا غلاطية كيف يدقق ق.
بولس ويحارب بكل ما أوتي من حكمة ونعمة ضد دخول موضوع الختانة على الإيمان
المسيحي، مع أن الختانة بحد ذاتها أمر لا قيمة له على الإطلاق إن أُخذ في حدوده
الضيقة الجسدية.

10:5 «وَلكِنَّني
أَثِقُ بِكُمْ في الرَّبِّ أَنكُمْ لاَ تَفْتَكِرُونَ شَيْئاً آخَرَ. وَلَكِنَّ
الَّذِي يُزْعِجُكُمْ سَيَحْمِلُ الدَّيْنُونَةَ أَيَّ مَنْ كَانَ».

والإنسان
يسأل أي ثقة هذه بعد أن قال فيهم ما قال وبعد هذا التعنيف واتهامهم أنهم تحولوا
إلى إنجيل آخر؟ هنا تبرز سمات الكارز الملهم المؤيد بالروح القدس الواثق من كرازته
ومن قوة كلمة الله في فعلها، فهو يقول كلمة السر:
» في الرب « فعندما قبلوا الإيمان واعتمدوا استودعهم في يد الرب
الذي يرعى خرافه
» وواحدة
منها لا تهلك
« يتكلَّم ق. بولس بالروح والذي يتكلَّم بالروح يثق » في الرب «

وكان من الطبيعي أن
ينهي رسالته بهذه المشاعر الروحية الصادقة لكي يجذبهم أكثر إلى فكر المسيح، وهذا
نراه أيضاً في رسالة رومية:

+ » وأنا نفسي
أيضاً متيقن من جهتكم، يا إخوتي، أنكم مشحونون صلاحاً، ومملوؤُون كل علمٍ، قادرون
أن ينذر بعضكم بعضاً. ولكن بأكثر جسارة كتبت إليكم جزئياً أيها الإخوة، كمذكر لكم،
بسبب النعمة التي وهبت لي من الله، حتى أكون خادماً ليسوع المسيح لأجل الأُمم،
مباشراً لإنجيل الله …
«(رو 15: 1416)

كذلك أيضاً ما كتبه
لفليمون:

+ » إذ أنا
واثقٌ بإطاعتِكَ، كتبتُ إليكَ، عالِماً أنكَ تفعل أيضاً أكثر ممَّا أقول.
«(فل 21)

وهكذا تبدو لنا كرازة
ق. بولس ذات منهج أدبي رائع المثال، إنه أدب الإنجيل والرسالة.

«إنكم لا
تفتكرون شيئاً آخر»:

متوقفة على ثقة ق. بولس
بالرب، فهو يثق أنهم إذا افتكروا فكراً آخر غير الإنجيل الذي سلَّمه لهم: “فالرب”
نفسه وصاحب الإنجيل سيعلن لهم. هذا هو فكر ق. بولس نفسه الذي صرَّح به في رسالته
إلى فيلبي هكذا:

+ » فليفتكر هذا
جميع الكاملين منَّا، وإن افتكرتم شيئاً بخلافه فالله سيُعلن لكم هذا أيضاً.
وأمَّا ما قد أدركناه، فلنسلك بحسب ذلك القانونِ عينهِ (قانون الإيمان بالابن
الوحيد الذي مات من أجل خطايانا وقام من أجل تبريرنا)، ونفتكر ذلك عينهُ.
«(في 3: 15و16)

وثقة ق. بولس في الرب
قوية وثابتة وتملأ محيط تفكيره، ورجاؤه في الرب لا يخيب أبداً:

+ » إني عالمٌ
ومتيقِّنٌ في الرب يسوع أن ليس شيءٌ نجساً بذاته، إلاَّ مَنْ يحسب شيئاً نجساً،
فله هو نجسٌ.
«(رو 14:14)

+ » وأثقُ بالرب
أني أنا أيضاً سآتي إليكم سريعاً.
«(في 24:2)

+ » ونثقُ بالرب
مِنْ جهتِكُم أنكم تفعلون ما نوصيكم به وستفعلون أيضاً.
«(2تس 4:3)

وواضح
لنا مصدر هذه الثقة الثابتة والمكينة في قلب ق. بولس ونفسه وفكره أنه الإنجيل الذي
صار له مصدر قوة وثبات، فكلمة الله عند الذي يحترمها ويحبها ويعيش عليها
» لا تسقط أبداً « ولكن لا يزال في صدري يقين آخر من جهة
ثقة ق. بولس في كل ما يقول ويفكِّر. إنه يرى ويحس بفكر الله، فهو يتكلَّم دائماً
ووراء كلامه رؤيا يستمد منها يقينية، ق. بولس عينه مكشوفة بل وأذنه سمَّاعة لصوت
الله. وهذا شأن المرسل الذي يختاره الله ويضع عليه يده وعينه وقلبه.

يا إخوة نحن مفتقرون
إلى يقين الإيمان ويقين الرؤية ويقين السمع لكلمة الله، وبالأكثر نحن جائعون وعطاش
إلى روح الله الذي يلقن الكلمة ويعطيها أجنحة تخترق بها القلوب المنغلقة وتقتحم
بها العقول اللاهية. نقولها ونراهن على نجاحها بحياتنا. ولا أنسى في حياتي ذلك
الواعظ المشهور الذي كان يخدم في لندن ويغيِّر قلوب الألوف في كل عظة، كان يقف
ويصلِّي أمام الله ويقول: [أعطني لندن وإلاَّ أموت]!!

«ولكن الذي
يُزعجكُم سيحمل الدينونةَ أيَّ مَنْ كان»:

القديس بولس يكتب
رسالته وهو عالم بشيئين الأول أن الغلاطيين قبلوا إقناع هؤلاء اليهود
المزعجين. الثاني أنه بمجرد قراءتهم رسالته سوف يعودون إلى فكر قلوبهم التي
آمنت بالمسيح لأنه يكتب ويستودع كلماته إلى نعمة الله القادرة والمقتدرة أن تفلق
الصخر.

«ولكن الذي
يزعجكم»:

بقي بعد هذا في قلب ق.
بولس ذلك الإنسان الذي اجترأ على إنجيل المسيح وهزَّ قلوبهم وزيَّف تعليم المسيح
بتعليم ناموس ميت ورفع من قدر الختانة لكي يلغي بها إيمان المسيح، إنها جريمة في
حق الحق والمسيح والله. يقول ذلك وهو عالم أنه شخصية مشهورة وهذا من قوله:

+ » لأن مثل
هؤلاء هم رسلٌ كذبةٌ، فعلةٌ ماكرون، مغيِّرون شكلهم إلى شبه رُسُل المسيح.
«(2كو 13:11)

«سيحمل
الدينونة»:

القديس بولس يحمِّل
الذين أزعجوا كنائس غلاطية بتعاليم ضد الإنجيل والمسيح بالدينونة الرهيبة
» وغيرة نار
عتيدة أن تأكل المضادين
«(عب 27:10). كما أوضح ذلك في الذين أزعجوا كنيسة كورنثوس: » الذين
نهايتهم تكون حسب أعمالهم
«(2كو 15:11). وهو نفس الدعاء الذي دعا به على كل الذين يناصرون
الباطل فوق الحق
» لأن غضب الله معلن من السماء على جميع فجور
الناس وإثمهم الذين يحجزون الحق بالإثم
«(رو 18:1). ويلاحظ هنا أن ق. بولس وصم الذين يحجزون الحق بالإثم
أنهم أثمة ذوو سيرة فاجرة!!

وهكذا نكشف لماذا
يحجزون الحق؟ فالذين باعوا أنفسهم للفجور والإثم لا يطيقون الحق ويحاولون دائماً
تزييفه لأنه يؤلمهم ويؤرق ضمائرهم. وقد وضعها ق. بولس كقانون:
» الذي وُلِدَ
حسبَ الجسدِ يضطهدُ الذي حسبَ الروحِ، هكذا الآن أيضاً
«(غل 29:4). وهذا هو سر اضطهاد العالم للكنيسة في كل العصور
الماضية.

وبهذا التعنيف المتسلط
بالحق تبدو لنا كرازة ق. بولس شديدة الوطأة على الخارجين عن حق الإنجيل شأنه شأن
الأنبياء في زمانهم حينما يعنفون الرؤساء والملوك والشعب إذا انحرف مسارهم.

11:5 «وَأمَّا أَنَا
أَيُّهَا الإِخْوَةُ فَإِنْ كُنْتُ بَعُدُ أَكْرِزُ بِالْخِتَانِ، فَلِمَاذَا
أُضْطَهَدُ بَعْدُ؟ إِذاً عَثْرَةُ الصَّلِيبِ قَدْ بَطَلَتْ».

يبدو أن هؤلاء اليهود
المزعجين قد أشاعوا أن ق. بولس نفسه لا يزال يكرز بالختان. فهنا يرد على هذا
الادعاء بقوله: إن كنت أكرز بالختان فلماذا أضطهد من أجل الكرازة بالصليب، إلاَّ
إذا كانت عثرة الصليب قد زالت (من أعينهم). أي أن ق. بولس يرد على ادعائهم بادعائه
لإغاظتهم هكذا: إن كان بولس يكرز بالصليب والختانة أيضاً إذن تكون عثرة الصليب قد
بطلت عندهم أي قبلوا الصليب.

12:5 «يَالَيْتَ
الَّذِينَ يُقْلِقُونَكُمْ يَقْطَعُونَ أَيْضاً!».

«يَقطَعُونَ»:
¢pokÒyontai

كثير من العلماء قالوا
بأن ق. بولس يصب غضبه على الذين قالوا بقطع الغرلة أي الختانة للمسيحيين في غلاطية
فقال ليت هم أيضاً يقطعون الخصية أيضاً لأنفسهم، كما جاءت هذه الكلمة باليونانية
في القاموس الكبير اليوناني([3]).

ويقول كل من العالِم
ليتفوت والعالِم ريدربوس([4])
إن في غلاطية خاصة الإقليم الشمالي كان كهنة سبيليه الحكيمة يُفرض عليهم أن يخصوا
أنفسهم تمادياً في التقوى. فالقديس بولس يهزأ بهؤلاء المفترين الذين يودّون أن
يضيفوا على المسيحية طقس قطع الغرلة أي الختانة تمادياً في الطهارة فيقول وينصحهم
هم أن يخصوا أنفسهم ليزدادوا طهارة فوق الختانة.

 

إلى هنا ينتهي الجزء
العقائدي [1: 112:5]

ويليه الجزء العملي

 

الجزء العملي من
الرسالة

[13:518:6]

 

3 الجسد
والروح

[5: 1326]

( أ ) طريق المحبة (5:
1315)

 

13:5 «فَإِنَّكُمْ
إِنَّمَا دُعِيتُمْ لِلْحُرِّيةِ أَيهَا الإِخْوَةُ. غَيْرَ أَنه لاَ تُصَيِّرُوا
الْحُرِّيةَ فُرْصَةً للْجَسَدِ، بَلْ بِالْمَحَبَةِ اخْدِمُوا بَعْضُكُمْ
بَعْضاً».

إن الجزء العقائدي كله
دار حول التحرر من الناموس لقبول حرية الإيمان بالمسيح، لذلك أصبح الموضوع العملي
الآن هو كيف نستخدم الحرية التي حررنا بها المسيح من عبودية الفرائض والأعمال تحت
الناموس لكي لا نضر بالالتزام الأدبي والسلوك والأخلاق. غير أن نعمة الحرية في
المسيح لا تُدخلنا تحت قوانين. فالالتزام بالناموس الأدبي لا يلزمنا بقوانين ولكن
يلزمنا بالمحبة ويُخضعنا تحت قيادة الروح، للسلوك حسب الروح وليس حسب الجسد!

«دعيتم
للحرية»:
™p’ ™leuqer…v
™kl»qhte

الدعوة هنا ™kl»qhte قوة الهبة الموهوبة لنا كإحدى مفاعيل صليب ربنا يسوع وقيوده التي
أوصلته للموت. فدعوة الحرية هي عينها دعوة الإنجيل، ومن داخل الإنجيل دعوة النعمة
ودعوة السلوك أمام الله بالقداسة:
» لأن الله لم يدعنا
للنجاسة بل في القداسة
«(1تس 7:4). هذا هو أول التزام بالحرية التي حررنا بها المسيح من
الناموس، أن لا نستخدم هذه الحرية الروحية التي أعطيت لنا بالإنجيل لحساب الجسد
وانحلاله
» لأن هذه هي إرادة الله قداستكم: أن تمتنعوا عن الزنا «(1تس 3:4). هنا إلتزام أدبي تؤيده وتؤازره إرادة الله!! فالامتناع
الذي يتوجب على الجسد ليس هو فريضة صمَّاء أو قانون أصم ولكنه دعوة إلهية تؤازرها
إرادة إلهية، فأصبح واقعاً في صميم الحرية
الروحية. هذه هي الحرية التي دعينا إليها وهذا هو التحرير الحقيقي
من الناموس. فالناموس يقول لا تزن وإلاَّ ترجم. فكان
قانوناً أصمَّ وفريضة ثقيلة ثقلاً هائلاً على
النفس يلازمها الرعبة. وأمَّا الآن
» فهذه هي إرادة الله قداستكم أن تمتنعوا
عن الزنا
« فالمنع تسنده قوة، قوة نعمة الله المنبثَّة في كل
إرادة يريدها الله منَّا، والقصد من هذه الإرادة الإلهية في المنع هو
لحسابنا:

+ » لكي يثبِّت
قلوبكم بلا لوم في القداسة أمام الله أبينا في مجيء ربنا يسوع المسيح مع جميع
قديسيه.
«(1تس 13:3)

هذه هي الحرية التي
دعينا إليها بالإيمان بالمسيح والإنجيل، فإن كانت تمنع فهي تدفع، أي تدفع ثمن
المنع بالمؤازرة بنعمة الله، لأن المنع هو صادر من إرادة الله وكل ما هو صادر من
الإرادة الإلهية تسنده قوة ونعمة إلهية. هذا بخلاف الناموس فهو يمنع ولا يدفع بل
ولا يسند بل ولا يرثي وإنما على النقيض يحاكم ويقتل!! بل وأكثر من هذا كما قال
بولس الرسول أيضاً في رسالته إلى أهل رومية إذ يقول إن الناموس حينما يمنع إنما
يوقظ الشهوة!

+ » فإنني لم
أعرف الشهوةَ لو لم يقل الناموس لا تشتَهِ. ولكن الخطية وهي متخدةٌ فرصةً بالوصية
(لا تزنِ) أنشأت فيَّ كل شهوةٍ. لأن بدون الناموس الخطية ميتةٌ (غير محسوبة).
أمَّا أنا فكنت بدون الناموس (أي قبل موسى) عائشاً قبلاً. ولكن لمَّا جاءت الوصية
(صمَّاء بدون توجيه أو معونة) عاشت الخطية، فمُتُّ أنا،
«(رو 7: 79)

هذا
هو المنع عند الناموس ينتهي بالموت!! أمَّا عند المسيح الذي مات من أجل الخطية
فأنقذنا من موت الخطية وأعطانا بر الحياة بقيامته فوهبنا الحرية، أي التحرر من
الخطية ومن الموت موت الخطية ومن الجسد المربوط بالخطية، لنعيش بالروح ببر المسيح
ونعمته حسب إرادة الله في كل شيء. فالحرية هنا هي لحساب الروح بمؤازرة إرادة الله
ونعمة المسيح. فإن قال المسيح امتنعوا عن الزنا فهنا قوة الروح المتفوقة على أعمال
الجسد وشهواته موضوعة في الميزان وفي الحساب. فالحرية التي حررنا بها المسيح
محكومة من فوق بإرادة الله، فإن كانت
» إرادة الله هي قداستنا «فنحن محاطون بقوة فائقة لنسلك بالروح وليس حسب الجسد. هذه هي آفاق الحرية
التي حررنا بها المسيح وهي ضد الناموس.

فأن نكون في ملء حرية
المسيح نكون تحت سلطان المسيح والإنجيل، فنحن نكون فوق الخطية والموت والجسد.

أمَّا أن نكون تحت
سلطان الناموس فنحن نكون تحت الخطية والموت والجسد!! وليس تحت ناموس موسى فقط بل
وتحت أي قانون أخلاقي مهما كان ومهما بلغ من الرقي.

فالمسيح
وهبنا القداسة هبة، وأعطانا الحرية على أساس روحي فائق، ويكفي من جهة الله أن تكون
» إرادة الله هي قداستنا « ومن جهتنا يكفي أن نؤمن أن قداستنا هي إرادة الله
لتصبح هي إرادتنا.

لذلك إذا انعكست الحرية
في المسيح واستخدمت ستاراً لإشباع شهوات الجسد ورغباته كانت الخسارة فوق ما يتصور
الإنسان.

«بل بالمحبة
اخدموا بعضكم بعضاً»:

«اخدموا»
douleÚete:

هنا الخدمة جاءت في
الأصل اليوناني بمعنى العبودية (دوليا
doule…a).
إذن، يصح أن تُترجم: “بل بالمحبة استعبدوا أنفسكم بعضكم لبعض”.
والمسيحية لا تعرف ولا
تؤمن بالعبودية إلا للمسيح ولله:
» بولس عبد ليسوع المسيح «(رو 1:1)، ولكن الحرية في المسيح من الممكن أن تصير عبودية حقيقية
بالكرازة وبدافع المحبة والخدمة نحو الآخرين:
» فإننا لسنا
نكرز بأنفسنا، بل بالمسيح يسوع ربًّا ولكن بأنفسنا
عبيداً doÚlouj لكم من أجل يسوع. لأن الله الذي قال أن يشرق نور من ظلمة
هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح
«(2كو 5:4و6). هكذا إذا أشرق نور الله في قلوبنا بمعرفة المسيح،
نصير في الحال مديونين وعبيداً للنور حتى نعرِّف به الآخرين. القديس بولس صار
عبداً لله والمسيح، لأنه استؤمن على نور معرفة المسيح فأصبح خادماً له خدمة
العبودية الحلوة والمجيدة. والمسيح نفسه أخذ صورة عبد لكي يخدم الصليب:
» لكنه أخلى
نفسه آخذاً صورة عبد صائراً في شِبه الناس. وإذ وُجِدَ في الهيئة كإنسان وضع نفسه
وأطاع حتى الموت موت الصليب
«(في 7:2و8). وهكذا نضع أنفسنا كعبيد للإخوة حاملين
صليب

المحبة.

يا
إخوة، نحن استؤمنَّا على محبة الله في يسوع المسيح على مستوى محبة الله الآب
للمسيح نفسه:

+ » أيها الآب
البار إنَّ العالم لم يعرفك (بإشراق نور الله فيه)، أما أنا فعرفتُك وهؤلاء عرفوا أنك أنت أرسلتني (لأُعرِّفهم اسمك، أي أقنومك)،
وعرَّفتُهم اسمك وسأُعرِّفهم (بالروح
الساكن فيهم)، “ليكون فيهم الحب
الذي أحببتني به”،
وأكون أنا فيهم.
«(يو 25:17و26)

فإن كان المسيح قد
وهبنا “حب الآب له”!! إذاً فحتماً قد أُرسلنا لنعرِّف الآخرين: مَنْ هو
الآب، ومَنْ هو الابن الذي سكب فينا هذا الحب. هذا الحب الأبوي الفائق هو طاقة نور
لتسخير كل مَنْ حمله، كل مَنْ دخل تحت سخرة الحب الباذل حتى إلى الصليب:

+ » أيها
الأحباء، إن كان الله قد أحبَّنا، هكذا ينبغي لنا أيضاً أن يُحِبَّ بعضُنا بعضاً.
الله لم ينظره أحدٌ قطُّ، (ولكن) إن أحب بعضُنا بعضاً، فالله يثبت فينا (بالحب)
ومحبته (تكون) قد تكمَّلت فينا.
«(1يو 11:4و12)

المسيح إذ هو قد امتلأ
بحب الآب، حمل الصليب مسخَّراً بالحب حتى إلى الذبح. وكانت وصيته أن نحمل الصليب
تحت ذات السُخرة لنحب الآخرين حتى الموت. المحبة في المسيح يسوع سُخْرة ذات جلال
ومجد وعبودية أشرف من الملوكية. العبد يعمل باجتهاد ليرضي سيده، هكذا الذي يُحب
فهو عبد الذي أحبَّه، وعبد الذي يحبُّه، ومسرَّته هي أن يُرضي مَنْ أحبَّه ويرضي
مَنْ يحبُّه بذات القدر.

المسيح، في كلمة، هو
“مصلوب المحبة”. وعبيده حتماً يعيشون مصلوبين حبًّا:

+ » بهذا قد
عرفنا المحبة أن ذاك وضع نفسه لأجلنا، فنحن ينبغي لنا أن نضع نفوسنا
لأجل الإخوة.
«(1يو 16:3)

هذه هي عبودية الحب
بعضنا لبعض.

يوحنا الرسول دُعِيَ
“الحبيب”، لأنه عاش في حضن يسوع كما المسيح في حضن الآب. فلما ذاق الحب بالحق قال:

+ » أيها
الأحباء، لنحب بعضُنا بعضاً لأن المحبة هي من الله، وكل مَنْ يُحب فقد وُلد
من الله ويعرف الله، ومَنْ لا يحب لم يعرف الله لأن الله محبة.
«(1يو 7:4و8)

القديس يوحنا يضع هنا علامة
مميزة للخليقة الجديدة لكل مَنْ وُلد من فوق،
كل مَنْ نال التبنِّي وقَبِلَ
روح البنوة: إنه “يحب”. القديس يوحنا جعل مَنْ يحب الآخرين هو برهان
الولادة الجديدة كهبة من هبات الله للمولود منه، هذا في الظاهر والعلن. أما في
السر والخفاء، فإن مَنْ يحب الآخرين، فذلك برهانٌ أنه أصبح يعرف الله معرفة الابن
لأبيه لأن الله محبة، وكل مَنْ يحب يكون قد وُلد منه وأصبح حاملاً سر معرفته، كما
يعرف الإنسان أباه. والقديس يوحنا يوجِّه نظرنا أنه بمجرد أن الله يدعونا أولاده، فهذا
تعبير سرِّي إلهي أنه أعطانا محبته الخاصة لابنه:

+ » انظروا أية
محبة أعطانا الآب حتى نُدعى أولاد الله!!
«(1يو 1:3)

لذلك جعل القديس يوحنا
المحبةَ قرينة الإيمان بالمسيح. فلا إيمان بدون محبة، ومع المحبة يزدهر الإيمان
بالمسيح جداً:

+ » وهذه هي وصيته
أن نؤمن باسم ابنه يسوع المسيح ونحب بعضُنا بعضاً كما أعطانا
وصية.
«(1يو 23:3)

لذلك كما أن بدون
الإيمان بالمسيح نبقى تحت الخطية في الموت، هكذا المحبة تماماً:

+ » مَنْ لا يُحب أخاه يَبْقَ في الموت. كل مَنْ يبغض أخاه فهو قاتل نفس. «(1يو 14:3و15)

هكذا يصبح غياب المحبة
كفرصة لحلول الشيطان، لأنه وحده الذي يُدعى قتَّالاً للناس!! وعلى عكسها تماماً
نجده يقول إن مَنْ يُحب ينتقل من الموت إلى الحياة، ومن الظلمة إلى النور،
وكأن المحبة هي نفخة حياة من الله:

+ » نحن نعلم
أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة لأننا نحب الإخوة!!
«(1يو 14:3)

هذا هو قانون الإيمان
بالنسبة للإيمان بالمسيح تماماً. إذاً، فالإيمان بالمسيح لا يكمل ولا يستعلن صدقه
إلاَّ بمحبة بعضنا بعضاً، لأن ذلك يعلن حضور روح الله بالصدق. وكما أن الإيمان
الواثق هو علامة ثبوت في الله، هكذا الحب الباذل، وبنفس المقدار:

+ » مَنْ اعترف أن يسوع هو ابن الله، فالله
يثبت فيه وهو في الله.
ونحن قد عرفنا وصدَّقنا
المحبة التي لله فينا. الله محبة، ومَنْ يثبت في المحبة، يثبت في الله والله
فيه.
«(1يو 15:4و16)

هذا أمر عجيب حقاً،
ويكشف أن الإيمان بالمسيح لا يُستعلن بالفكر التجريدي ولا بالقناعة
اللاهوتية ولا ببرهان العقل والنقل، ولكن يُستعلن بالمحبة. والمحبة وحدها
هي المستأمَنة على نقله والكرازة به!!

كذلك فالمحبة الواجبة
نحو الله لا يطلبها الله بنوع الأنانية، فهو لا يقبل محبة الإنسان دون أن يكون لها
وجود حقيقي عند الإنسان لأخيه الإنسان، وهذا عجب الله! وكأن الله صمَّم أن لا يكون
له وجود عند الإنسان بدون قبول الإنسان لأخيه الإنسان، وهذا أمر يُذهل العقل:

+ » ولنا هذه
الوصية منه أن مَنْ يحب الله، يحب أخاه أيضاً.
«(1يو 21:4)

فأيُّ ملك، أو زعيم، أو
أي رئيس ديني، كان مَنْ كان، يشترط أن لا يقبل محبة أي إنسان له إن لم يُثبت هذا
الإنسان محبته للآخرين؟!!

أنت عجيب يا الله،
وتعاليتَ جداً على كل بني البشر بحبك العجيب ذي الألوان المتناهية في الجمال
والبريق الخاطف للقلوب.

أترفض محبتي إن لم
أُقدِّمها لأخي أولاً؟

يا ويحي، ويا لشقاوة
نفسي، إن انصدَّ قلبي عن حُبِّ أحد،

فحتماً ستشيح أنت بوجهك
عني، وينحجب نورك من قلبي.

اسمع ما يقوله رسول
المحبة:

+ » كل مَنْ
يؤمن أن يسوع هو المسيح، فقد وُلد من الله،
وكل مَنْ يحب
الوالد (الله) يحب المولود منه أيضاً
(أولاد الله). بهذا نعرف أننا نحب
أولاد الله إذا أحببنا الله وحفظنا وصاياه.
«(1يو 1:5و2)

لقد اعتبر القديس يوحنا
أن الحب مادته هي من نور الله، يسري سرًّا فيضيء القلوب ويضيء العالم كله من حول
الإنسان. فالذي اقتنى حب الله والإخوة، فالعالم كله من حوله مكشوف وطرقه سهلة
ناجحة مضيئة صاعدة دائماً إلى فوق، والناس كلهم من حوله يبتسمون مستبشرين، يضحكون
في وجهه وضحكهم يبهج قلبه، ليس من عدو يتراءى أمامه إلاَّ ونور الحب في قلبه يغطي
عداوته ويخترقها اختراقاً، فلا يجد فيها إلاَّ دعوة إلى الملكوت ووجه المسيح ذي
الجلال.

اسمع رسول المحبة وهو
يصف عالم المحب:

+
» وصية جديدة أكتب إليكم، ما
هو حق فيه وفيكم: أن الظلمة قد مضت (نهائياً) والنور الحقيقي الآن يضيء (الإنسان
والعالم والحياة). مَنْ قال إنه في النور وهو يبغض أخاه فهو إلى الآن في الظلمة. مَنْ
يحب أخاه يثبت في النور، وليس فيه عثرة!!
وأما مَنْ يبغض أخاه فهو في الظلمة،
وفي الظلمة يسلك ولا يعلم أين يمضي لأن الظلمة أعمت عينيه.
«(1يو 8:211)

يا إخوة، يا بني النور،
يا أصحاب المصابيح المضيئة، أنتم نور في عالم الظلمة، تسيرون خلف ذلك الذي قال:
» ما دمتُ في
العالم، فأنا نور العالم
«(يو 5:9)، » مَنْ يتبعني فلا يمشي
في الظلمة، بل يكون له نور الحياة
«(يو 12:8). هذا هو الحبيب الذي سكب حبَّه وحب أبيه له في قلوبنا،
فأضاء الحياة والعالم من حولنا، فمَنْ ذا الذي يتبعه حاملاً النور إلاَّ الذي حمل
صليب الحب باستعداد بذل الحياة. فإذا اظلمَّت الحياة حولنا، فهذا لغياب نور
المسيح،
ونور المسيح يغيب بغياب الحب كما في هذه الأيام الأخيرة:
» ولكثرة الإثم
تبرد محبة
الكثيرين.
«(مت 12:24)

يا إخوة، يا بني النور،
اشعلوا مصابيح قلوبكم بالحب ليكون لكم نور الحياة فتنقشع الظلمة الوهمية المحيطة،
ويشرق لكم الله نوراً من ظلمة ويضيء لكم وجه الحبيب، فتعرفون الطريق وتعرفون الحق
والحياة، والله وعد أن لا ينطفئ نور مصباحه في قلوبنا وأمام وجوهنا إلى الأبد، لأن
المسيح قد وعد:
» ها أنا معكم كل الأيام، إلى انقضاء الدهر آمين. «(مت 20:28)

فإذا عدنا أيها القارئ
السعيد إلى بداية الآية (13:5) وهي الحرية التي دعينا إليها في المسيح، نجد أن
بولس الرسول مع إصراره على عدم إهدارها سلبياً بجعلها فرصة للجسد يهتم من الجهة
الأخرى بأن يحفظها وينميها إيجابياً بخدمة بعضنا بعضاً بالمحبة. والمعنى هنا عميق
للغاية إذ يؤكد أن الحرية في المسيح يستحيل أن تُفهم وتكمَّل فردياً فهي حرية
الجماعة، حرية الكنيسة، حرية جسد المسيح ذي الأعضاء المتحدة بالمحبة والمترابطة
والمترافقة بعضها في بعض. إذن فالحرية التي إليها دعينا في المسيح لا تكمَّل إلاَّ
بالمحبة، حيث المحبة تؤمن الحرية ككل وفي نفس الوقت تعطي الفرد قوة امتداد لا
نهائي في الجماعة فيعيش الإنسان الواحد بإمكانية حرية ومواهب الجماعة كلها. وهذا
يعني أن مواهب الكنيسة كلها إنما تعمل لحساب المؤمن الواحد.

فصحيح أن الكنيسة تتكون
من أفراد، ولكن الفرد في الكنيسة هو كنيسة! ألا يأكل المؤمن جسد المسيح كله ويشرب
دمه مع أنه لا ينال في وسط الجماعة إلاَّ الجزء اليسير جداً ولكن جسد المسيح لا
يتجزأ مثله مثل المسيح، فالذي يمتلك المسيح كله كيف يحسب بعد فرداً في الكنيسة،
أليس هو كنيسة في الكنيسة؟

إذن
بمقتضى هذه الآية (غل 13:5) تكون الحرية التي إليها دعينا إذا قبلناها إيجابياً في
المسيح وخدمنا بعضنا بعضاً بالمحبة يكون هذا هو معنى الكنيسة العملي أي تحقيقها
وجودياً، في الجماعة والفرد.

متى يا رب تتعرَّف
الكنيسة على نفسها بل متى نتعرف على أنفسنا!

14:5 «لأَنَّ
كُلَّ النَّامُوسِ في كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يُكْمَلُ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ
كَنَفْسِكَ».

هذه الآية مرتبطة
بالآية السابقة والآية اللاحقة.

فالآية السابقة تقول
آخر ما تقول:
» بالمحبة اخدموا بعضكم بعضاً « هذه من وجهة الكرازة بالمسيح. أمَّا الآية اللاحقة فتكشف أن هناك
شجاراً عنيفاً بين فئات الكنيسة، بين مسيحيين مناصرين لليهود المزعجين وفئة مناصرة
للقديس بولس وحق الإنجيل وفئة منحلَّة استخدمت الحرية المسيحية في أعمال جسدية
شائنة وقد دبَّ الشجار بينهم، حتى أن ق. بولس يخاطبهم في هذه الآية أن يكفُّوا عن
تعدِّيهم على بعضهم لئلاَّ يفنوا أنفسهم.

وهنا تجيء الآية التي بين
أيدينا تتوسط الثلاث جماعات، فالجماعة شبه اليهودية تردعها بكلمة الناموس أن تحب
قريبك كنفسك، وجماعة المنحلين تحضهم على خدمة المحبة عوض خدمة الجسد في الانحلال،
أمَّا جماعة مسيحيي غلاطية المحافظين على إيمان المسيح فتأتي هذه الآية الناموسية
في توافق كامل مع وصية المسيح:
» أن تحبوا بعضكم بعضاً
كما أحببتكم.
«(يو 34:13)

فهنا ق. بولس يؤنب
الجماعة المنحازة لليهود أنه بدل أن يجروا وراء الختانة وحفظ الأيام والشهور
والسنين كان بالأولى عليهم أن يكمِّلوا الناموس بالمحبة لا بالجري وراء الأركان
الضعيفة.

وهنا يلزمنا أن ننبه أن
ق. بولس يفرِّق بين أعمال الناموس القانونية كالفرائض وبين وصايا الرب فيه
المعتبرة أنها الناموس الأدبي أو الأخلاقي كإكرام الأب والأم ومحبة القريب كالنفس،
لأن الناموس الأخلاقي روحي هو ومقدَّس وقد امتد ليدخل في العهد الجديد بصورة أكثر
روحانية.

فمثلاً: » تحب قريبك
كنفسك
«(لا 18:19) في
ناموس موسى الأدبي، صارت:
» أحبوا أعداءكم «(مت 44:5) في ناموس المسيح الإلهي. ومن هنا تظهر النسبة بين ناموس
موسى كقزم في مستواه الأدبي أمام ناموس المسيح كعملاق تطال رأسه السماء. ونتبين
أيضاً بسهولة الدرجة البدائية في التهذيب الخلقي في ناموس موسى، فهو يحض على محبة
القريب وهي طبيعية إلى حد بعيد فمن ذا الذي لا يحب قريبه؟ ولكن درجة التهذيب هي في
قوله:
» كنفسك «هنا تظهر الدرجة
التعليمية على التو أنها رفع الأنانية عن الإنسان من ناحية ومن ناحية أخرى جمع
إسرائيل كشعب في ألفة المحبة حتى لا يتبدد وتدخله عناصر أُممية تفسد الغاية من
جمعه وتهذيبه.

أمَّا الناحية
الروحانية الفائقة في ناموس المسيح الإلهي فهي تفوق الطبيعة بل وتلغي ميولها
إلغاءً حاداً، فأي طبيعة تحتمل أن يحب الإنسان عدوه؟ أليس هذا إلغاءً كاملاً للذات
بل وللطبيعة على حد سواء؟ وهذا هو القصد من ناموس المسيح الإلهي أن تصبح المحبة
عند الإنسان غير نابعة من الطبيعة إطلاقاً بل يكون مصدرها من خارج الإنسان كليًّا،
أي تكون من الله، فتكون محبة إلهية بنوع فائق وممتاز. وهنا تصبح محبة العدو بحد
ذاتها كرازة وشهادة أن الإنسان تجاوز ذاته وطبيعته بقبوله المسيح بل وصار خليقة
جديدة مولودة من فوق.

والآن يا صديقي القارئ
كيف يعرف الناس أنك مسيحي ومولود من فوق حقًّا وأن المسيح خلقك خليقة جديدة من
روحه ومن ذاته؟ أي عمل تستطيع أن تشهد به لمسيحك ولإلهك ويكون من أعمق وأصدق ما
تشهد به؟ إنه حبك لأعدائك، فهذا هو المسيح فيك وهذا هو روح الله الذي يعمل فيك.
لأنه ليس خليقة في الوجود في السماء كانت أم في الأرض تقوى أن تحب العدو حبًّا
صادقاً باذلاً أميناً إلاَّ الله ذاته، لأنه يشرق شمسه على الأشرار والأبرار ويمطر
على الصديقين والظالمين وينعم بالصحة والوجود ويمتِّع نفس الإنسان بطبيعته وخيراته
وذلك للخاطئ والنجس كالقديس والطاهر سواءً بسواء.

15:5 «فَإِذَا
كُنْتُمْ تَنْهَشُونَ وَتَأكُلُونَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، فَانْظُرُوا لِئَلاَّ
تُفْنُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً».

حينما سأل فريسي
ليجرِّب المسيح:
» مَنْ هو قريبي «الذي نصَّت
الوصية على محبته كنفسي؟ أجابه المسيح من ذخائر العهد الجديد المكنوزة في قلبه
بقصة مؤداها أن قريبه قد يكون هو أعدى أعداء جنسه وهو السامري؟ وكان قصد المسيح
للتو أن يبشِّر بالملكوت لا محالة!! فهنا جاءت الإرهاصة الأُولى في بناء صرح العهد
الجديد على أساس
» أحبوا أعداءكم «

وهنا في هذه الآية التي
تأتي مباشرة بعد
» تحب قريبك كنفسك « يسوق ق. بولس أقسى وأعنف نقد لهؤلاء الغلاطيين الذين منهم
المتحررون لحساب الجسد ومنهم المتشيعون لليهود الكذبة، إذ يشبِّههم بالكلاب التي
تنهش بعضها إلى درجة أن يصل النهش (العض) إلى أكل اللحم! فيموت الكلب العاض ويموت
المعضوض. ولكن يخفي المرموز إليه ويكتفي بالرمز أي النهش والأكل في صمت. ولماذا
بلغوا هذا الحد؟ لأنهم لم يحبوا لا قريبهم ولا عدوهم، لا الناموس القديم ولا
الناموس الجديد، فاكتفوا بالختانة وحفظ الأيام والأوقات، فلم تسعفهم محفوظاتهم ولا
ختانتهم من أن تستظهر عليهم طبائعهم الوحشية التي أوشكت أن تبددهم شذراً مذراً.

وكأني بالقديس بولس بعد
أن عرض عليهم نداء اليقظة من نحو الالتفات إلى ناموس المحبة في ناموسهم من نحو
القريب، يحذِّرهم من المصير الأسود باكتفائهم بالختانة وحفظ العوايد الميتة.

وهكذا قسَّم هذا الكارز
الحكيم رسالته، جزءها الأول مدرسة للعقيدة والإيمان الصحيح ثم دار دورته ليكشف ما
تؤدي إليه العقيدة العاجزة والإيمان الكلامي حينما تأتي الممارسة ليظهر عوار
العقيدة وعجز الناموس الفاضح الذي يهتم بختانة عضو الذكر ويقصر عن أن يهب القداسة
ليرد عنه طبيعة الزنا وشهوته، ويحض على حفظ الأيام والساعات والمواقيت ويترك القلب
والضمير تتحكم فيه قوى الشر والشرير.

ثم أليس هذا الكلام
مصوَّب نحونا حتى لا نجري وراء الشكليات وتوافه العبادة ونترك القلب والضمير تتحكم
فيه الشهوات والنزوات. ونؤدي الفروض والواجبات تمام الأداء وتقصر روحنا حتى عن
محبة القريب ولا أقول محبة العدو، فلا حصَّلنا ظل دعوة الله بالروح والحق ولا
حصَّلنا حتى دعوة الناموس للجسد!!

وحينما يقول ق. بولس
لأهل غلاطية:
» تنهشون وتأكلون بعضكم بعضاً « أليس هذا عين ما نمارسه نحن والكنيسة من نقدٍ مرٍّ أليم
جارح للغير، واغتياب الغائب بأقبح الأوصاف والاتهامات لإرضاء نزوات وعداوات
قلوبنا التي تغرَّبت عن المسيح تغرُّب أهل غلاطية عن ق. بولس؟ أليست رسالة ق. بولس
لأهل غلاطية هي رسالة الساعة من المسيح لكل قارئ وسامع عن قرب أو من بعد؟ فكل مَنْ
يسمع حتى من الخارج ما يحدث الآن في الكنيسة بين أولادها ورؤسائها وقد فاحت
رائحة النهش على صفحات الجرائد والمنشورات وقرأها رجل الشارع والمقهى كما قرأها
الحكيم والأديب والكاتب من كل ملّة فصفَّر بفمه وضرب كفاً على كف لماذا يُخرج هذا
الشعب أسراره على الملأ؟

فيا شعب المسيح المبارك
عودة إلى الإنجيل! اذكروا غيرة صباكم على الحق والعدل والرحمة والمحبة، لماذا
تغرَّبتم عن أنفسكم الوديعة وقلوبكم الطيبة المحبة. اذكروا مرشديكم في الرب،
اذكروا آباءكم العظام في النعمة والحكمة الذين كانوا فخراً ونوراً للكنيسة والشعب
والأُمة!!

 

 (ب) السلوك بالروح (5:
1618)

 

16:5 «وَإِنَّمَا
أَقُولُ: اسْلُكُوا بِالرُّوح فَلاَ تُكَمِّلُوا شَهْوَةَ الْجَسَدِ».

الترجمة هنا خاطئة ولم
تُراعِ التركيب النحوي للغة اليونانية، وصحتها كما جاءت في كل الترجمات الأجنبية
لكبار الشرَّاح ولفم الذهب:
» وإنما أقول اسلكوا
بالروح فلن تكمِّلوا شهوة الجسد
«

«لا»:

هنا تخطئ الترجمة إذ
جعلتها بصيغة النهي للفعل العادي ولكنه نفي يخص المستقبل فهي ليست
» لا «بل » لن « » فلن تكمِّلوا شهوة الجسد « لأن النفي في اليوناني إذا دخل على الفعل في وضع الصيغة المصدرية subjunctive فإنه يكون تشديداً للنفي في مفهومه المستقبلي([5]). وبهذا
يتغيَّر معنى الآية نهائياً. فالقديس بولس اعتماداً على ما قاله من جهة البر
بالإيمان وليس بأعمال الناموس ومن جهة نوالهم الروح القدس: يقول لهم: إذن اسلكوا
بالروح
(الذي فيكم الذي لكم من الله) «اسلكوا بالروح فلن تكمِّلوا شهوة
الجسد».

الفارق
هنا عظيم لأن ترجمة الآية بوضعها الخاطئ
» اسلكوا بالروح فلا تكمِّلوا شهوة الجسد «ذات معنى خاطئ ومحيِّر، كيف يعطيهم الأمر بالسلوك بالروح ثم يعطيهم أمراً
آخر أن لا يكمِّلوا شهوة الجسد. ومَنْ ذا الذي يستطيع أن لا يكمِّل من ذاته شهوة
الجسد؟ أمَّا بعد التصحيح فإن الآية تصبح وعداً بتأكيد كمَنْ يراهن لهم على صدق
المقولة واثقاً أنها من الله وأنها حق لهم أنهم إذا سلكوا بالروح فلن يكمِّلوا
شهوة الجسد. بهذا تتضح فاعلية الروح القدس واستظهاره على شهوة الجسد. وبهذا يصبح
للإنسان ملاذٌ من الله لضبط جماح الجسد وشهواته كرحمة ومعونة ونعمة منه. لقد تسببت
ترجمة هذه الآية بهذه الصورة الخاطئة في يأس الكثيرين وكأن الإنسان مفروض عليه
كوصية ناموسية جديدة أن لا يكمِّل شهوة الجسد؟ في
حين
أن الله أخذ على عاتقه أن يتعامل هو مع الجسد بنعمته وقوة روحه القدوس الموهوب
للإنسان.

 

«اسلكوا
بالروح»:
peripate‹te

وإضافة حرف: “periزيادة. وكلمة: “p£toj” تعني: “الطريق” مثل: “ÐdÒjو“هالاك” بالعبري. وتعني في
جميع اللغات معنى المسيرة الأخلاقية أو الدينية كما أتت لبولس الرسول
في رسالة كورنثوس الأُولى:
» لذلك أرسلت إليكم تيموثاوس الذي هو
ابني الحبيب والأمين
في الرب الذي يذكركم بطرقي ÐdoÚj » (1كو 17:4)، وهي بالعربية الفصحى “السبيل”.

والآن ق. بولس لا يبني
من فراغ حينما يقول:
» اسلكوا بالروح « فالغلاطيون قبلوا الروح القدس لمَّا آمنوا بالإنجيل، وإن استعلان
الروح فيهم تحقق بأعمال قوية:
» أريد أن أتعلَّم منكم
هذا فقط: أبأعمال الناموس أخذتم “الروح” أم بخبر الإيمان؟ … فالذي
يمنحكم الروح، ويعملُ قواتٍ فيكم،
أبأعمال الناموس أم بخبر الإيمان؟
«(غل 2:3و5). فالآن وبناءً على ما تمَّ في حياتهم سابقاً واختبروه
وعاشوه يعطي المشورة.

«فلن
تكمِّلوا شهوة الجسد»:

لذلك هنا لا تأتي
الجملة بصيغة النصيحة أو الأمر كما يخطئ كثيرون في فهمها بسبب الترجمة الخاطئة،
ولكن تجيء هنا كنتيجة مباشرة لانقيادهم “بالروح” في طريق الحق والإنجيل، فإن الروح
هو الذي سيعين جسدهم فلن يكمِّلوا شهوة الجسد لأن الجسد شهواته لا يقوى على ضبطها
كل ما للجسد بل “قوة الروح”. فكأن بولس الرسول يعطيهم وعداً من خبرته والنعمة التي
فيه، أنهم إذا انقادوا للروح وسلكوا بمشورته وأعطوه الأولوية في الطاعة فإن الروح
هو الذي سيقوي إرادتهم حتى أنه سيجعلهم لا يكمِّلون شهوة الجسد، لأن هذا هو وعد
المسيح:
» فإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً «(يو 36:8). أحراراً هنا ليس من الناموس وحسب بل من الخطية وسلطان
الجسد.

كان اليهود والربيون
والحكماء مثل فيلو الحكيم اليهودي يعتقدون أن ختانة الجسد تسلِّح الإنسان اليهودي
ضد النجاسة والشهوة والزنا، ولكن كانت هذه أوهام وتمنيات لم تتحقَّق، فهنا ق. بولس
يرد على ادعاء اليهود الذين كانوا يعدونهم أن بالختانة تحفظ طهارتهم فلا ينحرف
الجسد للنجاسة والزنا. ق. بولس هنا يعطيهم الطريق الصحيح والوحيد وهو طريق الإيمان
بالإنجيل والسلوك بالروح، أي أن يعيشوا متمسكين بالروح القدس ومنقادين بنعمته،
فهذا هو وحده الذي يجعلهم لا ينقادون لشهوة الجسد.

وهذا هو الذي عرفناه من
خبرات القديسين تطبيقاً للإنجيل ولقول ق. بولس هنا وفي أماكن كثيرة، أن
» بالنعمة
(أنتم) مخلَّصونَ، بالإيمانِ، وذلك ليس منكم. هو عطيةُ اللهِ. ليس مِنْ
أعمالٍ كيلا يفتخِرَ أحدٌ
«(أف 2: 8و9). هنا الخلاص هو خلاص الروح للحياة الأبدية وهو أيضاً
منصب على أعمال العدو والجسد والعالم، وهو خلاص الروح والجسد معاً: الروح بالإيمان
للحياة الأبدية والجسد من شهوات الغرور والشرور التي لا حد لها.

فيا
قارئي المتألم من الجسد وشهواته لا خلاص إلاَّ بالنعمة، واعلم تمام العلم أن
خطاياك السالفة والآتية جميعاً حملها المسيح في جسده على الخشبة، فلا وجود لها عند
الله ولكن في ضميرك أنت الذي يغذيه الشيطان بالأوهام ليضغط عليك باليأس. فهذه
الأوهام لا يكشفها إلاَّ الروح القدس بنعمته فيرفع المسيح عنك بدمه ضمير الخطايا
(عب 14:9)، فأنت ليس عليك خطية عند المسيح بل لك عند المسيح نعمة، ولكن إن أنت
أهملت في اقتنائها فعليك بالصلاة لتنال النعمة التي هي حقك في المسيح والنعمة
تكفيك، كما قال المسيح للقديس بولس وهو يشكو ويصلِّي من أجل آلام جسده فقال له:
» تكفيك نعمتي، لأن قوتي في الضَّعفِ
تُكْمَلُ
«(2كو 9:12). وق. بولس سيستوفي هذا التوتر الشديد بين
الجسد والروح في الآيات القادمة.

17:5 «لأَنَّ
الْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ، وَهذَانِ
يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، حَتَّى تَفْعَلُونَ مَا لاَ تُرِيدُونَ».

تمهيد:

لقد
عالج ق. بولس هذه المضادة التقليدية بين الجسد والروح في رسالته إلى أهل رومية
(5:8
9و12 إلخ) وانتهى إلى أن
الجسد تنتهي أعماله بالموت والروح هو روح القيامة للحياة الأبدية.

وفي الحقيقة أن الصراع
بين الجسد والروح هو قائم وسيظل قائماً طالما أن الإنسان يحيا بالإيمان بروحه
متحداً بالمسيح للحياة الأبدية التي ليس للجسد فيها نصيب، وهو في واقعه يعيش في
جسد ترابي يشتهي ما في الأرض وهو مدعو إلى الموت حتماً.

لذلك يمر الإنسان
المسيحي في عمليتين متوازيتين:

+ » لذلك لا نفشل بل وإن كان إنساننا
الخارج يفنى، فالداخل يتجدَّد يوماً فيوماً.
«(2كو 16:4)

بمعنى أن الإنسان
الجديد المدعو “بالداخل” المخلوق بحسب الله في المسيح المدعو للحياة الأبدية، لا
بد أن يرتقي بالروح الذي فيه وينمو يوماً فيوماً بقدر ما يغتذي على الإنجيل
والنعمة والحق. بينما الإنسان العتيق وهو المدعو “بالخارج” أي الظاهر، فإنه بقدر
ما ينمو الإنسان الجديد بقدر ما يتقهقر العتيق، لأن الجديد ينمو على أساس التخلِّي
عمَّا للقديم من تسلط ووجود وقوة. والعتيق نهايته التراب حتماً وأمَّا الجديد
فالسماء موطنه الموعود.

وق. بولس يعود ويصوِّر
هذا التبادل العجيب في الموت والحياة داخل الإنسان بين ما هو قديم وما هو جديد أو
ما هو للأرض وما هو للسماء هكذا:

+ » لأننا نعلم
أنه إن نُقِضَ بيت خيمتنا الأرضي، فلنا في السماوات بناءٌ (روحيٌّ) مِنَ الله،
بيتٌ غير مصنوعٍ بيدٍ، أبديٌّ.
«(2كو 1:5)

ثم يعود ويكمِّل حتمية
هذه المبادلة العجيبة داخلنا بين الموت والحياة كواقع لا مفر منه:

+ » فإذ نحن واثقون
كل حينٍ وعالمون
أننا ونحن مستوطنون في الجسد، فنحن متغرِّبون عن
الرب.
«(2كو 6:5)

ثم يسلِّم بهذا الأمر
الواقع على أساس أن بيدنا عربون سر النهاية هكذا:

+ » ولكن الذي صنعنا
لهذا عينه
هو الله، الذي أعطانا أيضاً عربون الروح (سر النهاية منذ
البداية).
«(2كو 5:5)

ولكن لا ينسى القديس
بولس أن يكشف هذا الصراع الحتمي الموضوع فينا والذي وُضعنا نحن له من جهة أشد
أنواع الجذب فيه وهي شهوة الجسد نحو النوازع الجسدية وما تؤدي إليه من تخريب
فيقول:

+ » لم أعرف
الشهوةَ لو لم يقل الناموس لا تشتَهِ.
«(رو 7:7)

وهنا بدأ الجسد يعرف أن
الشهوة خطية!

+ » ولكن الخطية
وهي متخدةٌ فرصةً بالوصية (لا تشته) أنشأت فيَّ كل شهوةٍ.
«(رو 8:7)

والشهوة هنا استثارة
زائدة على الطبيعة من جراء الوصية.

ثم قال الناموس أن الذي
يخطئ (يتم الشهوة) يموت!! وهكذا تؤدي خطية الناموس للموت:

+
» فوُجِدَت الوصية
التي للحياة هي نفسها لي للموت!!
«(رو 10:7) (فمت أنا بالوصية!!).

وقفة قصيرة:

إذن، الذي قال بالخطية
وقال لا تشته هو الناموس. فإذن، قبل الناموس لم تكن الخطية معروفة ولم تحسب الشهوة
خطية (كانت مستترة في الجسد) ولكن كان الإنسان عائشاً بالخطية والشهوة وهو لا يدرك
أن الخطية خطية ولا الشهوة خطية.

إذن،
الله أعطى الناموس ليكشف سرطان الخطية الذي كان الإنسان عائشاً فيه وهو لا يدري،
وتخريب الشهوة التي تعمل وهو لا يحس بالتخريب. فبعد أن كشف الله الخطية أنها هكذا
خاطئة جداً بالناموس وفضح الشهوة أنها هي المؤدية إلى الخطية وإلى تخريب الجسد
والموت بالنهاية، جاء المسيح لينهي أولاً على فعل الخطية المميت للإنسان
بكل أنواعها وشهواتها من زنا وقتل وغضب وسرقة، وثانياً ينهي على الناموس كقانون
يحكم بالموت
وذلك بأنه أخذ هو عقوبة الخطية بكل أنواعها ودرجاتها ومات بالجسد
دافعاً ثمن كل خطايا الإنسان بالموت الذي ماته على الصليب، وهكذا أبطل الخطية كفعل
مميت وأبطل الناموس كحكم بالموت. ولكن لم يكتفِ المسيح بالفعل السلبي ضد الخطية بل
أعطى الإنسان فعلاً إيجابياً ضد الخطية والموت ذاته إذ أعطى الإنسان فعل القيامة
من الموت بروحه ليكون روح القيامة فيه إلى الأبد. وهكذا ضمن الله انعتاق الإنسان
من الهلاك سواء من الخطية كفعل أو من الناموس كحكم وذلك بواسطة الخلاص الذي أكمله
ابنه بالموت على الصليب لإعطاء حياة أبدية للإنسان، حسب المخطط الإلهي:

+ » لأنه هكذا
أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل مَنْ يؤمن به، بل تكون له
الحياة الأبدية.
«(يو 16:3)

ولكن ما مصير الشهوة
التي لا تزال تعمل في الجسد؟ وهل الخطية لا تزال تعيش؟

أمَّا الخطية هنا كفعل
مميت مصدره ومحركه الشيطان انتهت إلى الأبد بقوة الفداء بدم المسيح على الصليب
الذي عليه أبطل حركة الشيطان المتسلطة، والذي بقي من الخطية هو ميل الإنسان نحو
الشر بإرادته هو وليس بفعل الشيطان، أي أصبحت الخطية مرتبطة بطبيعة الجسد فقط وليس
بقوة الشيطان وتسلطه.

وأمَّا الشهوة فهي عوض أن
كانت تسلطاً من الشيطان على الفكر والجسد بصورتها المثيرة والفائقة على مشيئة
الإنسان، أصبحت محصورة في دوافعها الغريزية الطبيعية الخاضعة لمشيئة الإنسان
وإرادته، حتى وإن زادت على الحد فذلك راجع أيضاً لزيادة الدوافع الغريزية في
الجسد.

وبهذا يكون المسيح قد
رفع عن الإنسان القوة الشريرة المتسلطة على الجسد والفكر والإرادة، ليستقل الإنسان
بجسده وفكره ومشيئته ويتعامل مع طبيعته بإمكانياته.

ولكن، لن يكف الشيطان عن عمله بالإثارة من خارج الإنسان، فهو متسلط على العالم
وعلى الآخرين الذين تعاهدوا معه. فالإثارة للإنسان المؤمن لا تزال تحيطه من كل
جانب مما يجعل الطبيعة البشرية تحت ضغط متواصل. والله إذ يعلم هذا أضاف إلى عمل
الخلاص إعطاء الإنسان نعمةً بقوة فائقة لكي يقود الإنسان عبر العالم المظلم تحت
إرشاد النعمة ونور المسيح المتواصل:

+ » أنا معكم كل
الأيام إلى انقضاء الدهر. آمين.
«(مت 20:28)

ولكن يظل الإنسان حتى
بمعونة الروح القدس والنعمة تحت ضغط وإلحاح الجسد وشهواته، ولكنه يحس بالرغم من
تمرد الجسد أنه منتصر بالنعمة، وعثرات الجسد لا تلغي عمل النعمة في كل مجالات
الروح.

وهكذا فإن الله لم يترك
الإنسان دون أن يهبه قوة روحية ضد الخطية والشهوة والموت. فأول كل شيء وأساس
الحياة الجديدة في المسيح: أن الله منح الإنسان برَّه الخاص وهو القداسة
والتقوى المجانية كمنحة بلا ثمن في مقابل الإيمان بابنه، هذا بالإضافة إلى ما سبق
من التبريء الذي ناله من كل الخطايا بالصليب.

وبر الله بالمسيح لم
يُمنح للإنسان بفرمان منطوق بل بقوة الروح القدس، كنعمة خاصة تسكن جسد
الإنسان وفكره وروحه وضميره.

وهكذا بالنهاية فإن روح
الله ونعمته التي وهبها للإنسان أصبحت المعونة الآتية من خارج الإنسان لتتعامل مع
جذب الجسد ناحية الخطية وضد كل شهواته. على هذا الأساس وبضمان من الإنجيل كما يقول
ق. بولس لأهل غلاطية:
» اسلكوا بالروح فلن
تكمِّلوا
شهوة الجسد
«

فالقديس بولس بعدما
اشتكى وتأوه من الخطية هكذا:

+
» لأني لست أعرف ما أنا
أفعله، إذ لست أفعل ما أُريده، بل ما أُبغضه فإيَّاه أفعل.
«(رو 15:7)

+ » فالآن لست
بعد أفعل ذلك أنا، بل الخطية الساكنة فيَّ.
«(رو 17:7)

+ » ويحي أنا
الإنسان الشقيُّ! مَنْ يُنقذني من جسد هذا الموت؟
«(رو 24:7)

بعد ذلك رفع صوته
بالتهليل:

+ » أشكر الله
بيسوع المسيح ربنا! … إذاً لا شيء من الدينونة الآن على الذين هُم في المسيح
يسوع، السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح.
«(رو 25:7 و1:8)

أمَّا تعامل الله
بالمسيح مع الخطية وكل ما يتفرع منها فإننا نلخِّصه من واقع الآيات الخاصة بالخطية
هكذا:

l فقد غسلنا من خطايانا بدمه:

+ » الذي أحبنا،
وقد غسَّلنا من
خطايانا بدمه. «(رؤ 5:1)

l غير حاسب لنا خطايانا بعد!!

+ » الله كان في
المسيح مُصالحاً العالم لنفسه، غير حاسبٍ لهم خطاياهم.
«(2كو 19:5)

l لأنه أبطل الخطية بذبيحة نفسه:

+ » ولكنه الآن
قد أُظهِرَ مرَّةً عند انقضاء الدهور ليُبطل الخطية بذبيحة نفسهِ.
«(عب 26:9)

l وبذلك يكون قد غفر خطايانا مرَّة واحدة:

+ » أكتب إليكم
أيها الأولاد لأنه قد غُفرت لكم الخطايا من أجل اسمه.
«(1يو 12:2)

l لأنه بنفسه صنع تطهيراً لخطايانا:

+ » الذي، وهو
بهاءُ مجدِهِ، ورسمُ جوهرهِ، وحاملٌ كُلِّ الأشياءِ بكلمة قدرتهِ، بعد ما صنع
بنفسهِ تطهيراً لخطايانا،
جلس في يمين العظمةِ في الأعالي
«(عب 3:1)

l فبدمه يطهرنا من كل خطية:

+ » فلنا شركةٌ
بعضنا مع بعضٍ، ودم يسوع المسيح ابنهِ يطهِّرنا من كل خطيَّةٍ.
«(1يو 7:1)

l أمَّا الناموس الذي أدخل الخطية والشهوة علينا اقتحاماً فقد ألغاه
وأعتقنا منه:

+ » لأن ناموس روح الحياة في المسيح
يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت.
«(رو
2:8)

+ » عالمين هذا:
أن إنساننا العتيق قد صُلِبَ معه ليبطل جسد الخطية، كي لا نعود نُستعبد أيضاً للخطية.
«(رو 6:6)

l وكون المسيح يلغي الناموس يكون قد ألغى الخطية والموت حتماً:

+ » أين
شوكَتُكَ يا موتُ؟ أين غلبَتُكِ يا هاويةُ؟ أمَّا شوكة الموتِ (السامة) فهي
الخطيةُ، وقوَّةُ الخطيةِ هي الناموسُ. ولكن شكراً لله الذي يعطينا الغلبة بربنا
يسوع المسيح.
إذاً يا إخوتي الأحباء، كونوا راسخين، غير متزعزعين، مُكثرين
في عمل الرب
كل حينٍ، عالمين أن تعبكم ليس باطلاً في الرب.
«(1كو 15: 5558)

وننتهي من هذه الآيات
الدامغة أن المسيح بموته على الصليب أبطل وكسر سلطان الخطية وسلطان الشيطان القهري
على الإنسان وقدرتها على الموت وأنهى على حكم الموت ذاته بالإنهاء على الناموس.
وهذا ما جعل ق. بولس يهتف:

+ » إذاً لا شيء
من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع، السالكين ليس حسب الجسد بل حسب
الروح. لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت.
«(رو 8: 1و2)

+ » فإن الخطية
لن تسودكم (بعد)، لأنكم لستم تحت الناموسِ بل تحت النعمةِ.
«(رو 14:6)

فطالما نحن متمسكون
بالنعمة فنحن نستطيع أن نقاوم الخطية، وإذا سلكنا بالروح فلن نكمِّل شهوة الجسد.
ولكن إن سلكنا بحسب شهوات الجسد برغبة نفوسنا فسوف تتخلَّى النعمة ويحزن الروح
داخلنا:

+ » أنتم عبيدٌ
للذي تطيعونه،
إمَّا للخطية للموت أو للطاعة (بالروح) للبرِّ؟ «(رو 16:6)

والآن عودة إلى آية ق.
بولس الرسول القائدة:
» اسلكوا بالروح فلن
تكمِّلوا شهوة الجسد!!
« هذا هو الروح الذي وهبه لنا الله ونعمته هي العاملة فينا. فكل
مَنْ انحاز لروح الله في حياته ناصره الروح بنعمته في جهاده ضد الجسد وشهواته. إذن
لنا قوة ومعونة وأمل ورجاء بروح الله، فهو الذي يقودنا في طريق الحياة:

+ » لأن كُلَّ
الذين ينقادون بروح الله، فأُولئِكَ هُم أبناءُ اللهِ.
«(رو 14:8)

وقد أعطانا ق. بولس
الرسول خطة العمل:

+ » لأنه إن
عشتم حسب الجسد فستموتون، ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون.
«(رو 13:8)

ما هو وضع الخطية فيما
بعد الإيمان والمعمودية أي بعد المسيح والصليب؟

والوضع
هو:
سقوط حكم الموت عن الخطية، وإمكانية مغفرة الخطايا كقوة
عظمى من الله

مجاناً.

حكم المسيح
في ذلك:

+ » الحق أقول
لكم: إن جميع الخطايا تغفر لبني البشر، والتجاديف التي يجدفونها. ولكن مَنْ
جدَّف على الروح القدس فليس له مغفرة إلى
الأبد، بل هو مستوجب دينونة أبدية.
«(مر 28:3و29)

+ » لذلك أقول
لكم: كل خطيَّةٍ وتجديفٍ يُغفر للناس، وأمَّا التجديف على الروح فلن يُغفر
للناس.
«(مت 31:12)

شروط
المغفرة:

(1)
الاعتراف بالخطية:

+ » إن قلنا إنه
ليس لنا خطيةٌ نُضلُّ أنفسنا وليس الحق فينا.
«(1يو 8:1)

+ » إن اعترفنا بخطايانا فهو أمينٌ وعادلٌ، حتى يغفر لنا خطايانا ويطهِّرنا من
كل إثمٍ.
«(1يو 9:1)

+ » إن قلنا
إننا لم نخطئ نجعله كاذباً، وكلمته ليست فينا.
«(1يو 10:1)

+ » يا أولادي، أكتب إليكم هذا لكي لا
تخطئوا. وإن أخطأ أحدٌ فلنا شفيعٌ عند الآب، يسوع المسيح البارُّ. وهو كفَّارةٌ
لخطايانا. ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كل العالم أيضاً.
«(1يو 2: 1و2)

إذن فالمسيح لا يزال
يكمِّل عمل صليبه فينا بالشفاعة، ودمه لا يزال يتقطَّر:
» خروف قائم
كأنه مذبوح
«(رؤ 6:5) يغسل
ويطهِّر ويقدِّس. فيا لنعيمنا بالذي فدانا ولا يزال يفدي ويسكب من روحه وحبه.
فمَنْ ذا الذي ييأس من تكميل خلاصه!

(2) الصلاة:

ما سلَّمه المسيح لنا
كقوة حاضرة معنا لمغفرة خطايانا:

+ » صلوا أنتم
هكذا: أبانا الذي في السموات … واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين
إلينا ولا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير.
«(مت 6: 9و12و13)

+ » إن رأى أحد
أخاه يخطئ خطية ليست للموت يطلب فيعطيه حياة للذين يخطئون ليس للموت. توجد خطية
للموت (التجديف على الروح القدس) ليس لأجل هذه أقول أن يطلب. كل إثم هو خطية وتوجد
خطية ليست للموت.
«(1يو
5: 16و17)

+ » أعلى أحد
بينكم مشقات فليصلِّ … وصلاة الإيمان تشفي المريض والرب يقيمه وإن كان قد فعل
خطية تغفر له.
«(يع 13:5و15)

+ » اعترفوا
بعضكم لبعض بالزلات وصلوا بعضكم لأجل بعض لكي تشفوا. طلبة البار تقتدر كثيراً في
فعلها.
«(يع 16:5)

+ » فقال
كرنيليوس: منذ أربعة أيام إلى هذه الساعة كنت صائماً وفي الساعة التاسعة كنت أصلي
في بيتي وإذا رجل قد وقف أمامي بلباس لامع وقال: يا كرنيليوس سُمعت صلواتك وذُكرت
صدقاتك أمام الله …
«(أع
10: 30و31)

وبعد هذه المقدِّمة
التي كان لا بد منها نأتي الآن إلى شرح الآية:

«لأن الجسد يشتهي ضدَّ الروح والروح ضد الجسد،

وهذان يقاومُ أحدهُما الآخرَ، حتى تفعلونَ ما لا تُريدونَ»:

الآن
نحن أمام وضع آخر غير الذي عالجه ق. بولس في رسالة رومية في الأصحاح (7: 18
25)، لأن ق.
بولس عالج في هذا الأصحاح الصراع بين الجسد ممثلاً في الخطية، والناموس ممثلاً
بالذهن:

+ » ولكني أرى
ناموساً آخر في أعضائي (الخطية) يحارب ناموس ذهني (المقنع بالناموس) ويسبيني إلى
ناموس الخطية الكائن في أعضائي.
«(رو 23:7)

وذلك عند الإنسان قبل
أن يؤمن ويقبل النعمة وينال الإنسان الجديد بالروح.

أمَّا الصراع الذي
يتعرَّض له بولس الرسول هنا في رسالة غلاطية فهو بين الطبيعة الجسدية بغرائزها
الطبيعية وبين الروح القدس، وذلك عند الإنسان المؤمن بالمسيح والحائز على النعمة.
غير أنه في الآية القادمة (18:5) سيبرز ق. بولس العنصر الثالث وهو إرادة
الإنسان الحرة
التي تهذَّبت بالإيمان والمعرفة الروحية فعليها الثقل كله في
تحديد إلى أي القوتين سينحاز الإنسان؟ هل إلى غرائز الجسد الطبيعية المثارة أم إلى
نداء الروح والنعمة؟ فالإرادة البشرية المهذبة بالنعمة هنا للإنسان المسيحي هي
المعوَّل عليها إلى أقصى حد، وهي التي ستعطي الإنسان إمَّا الانحياز للجسد فالسقوط
والدينونة وإمَّا الانحياز للروح فالانتصار والتبرير!! فبدون إرادة الإنسان
الواعية والمهذبة بالإنجيل لا ينجح الروح وحده في مقاومة جذب الجسد مهما صرخ
الإنسان، وذلك حتى لا يجرح الروح حرية الإنسان التي سيُجازى بمقتضاها عن السقوط أو
الانتصار.

«لأن الجسد
يشتهي ضد الروح»:

هنا الجسد بطبيعته
الغرائزية الطبيعية لا يشتهي ضد الروح فقط أي العنصر الإلهي في
الإنسان بل ويكره رغبات الروح التي هي الوصايا الإلهية التي وُضعت
لتضبط الجسد حتى لا يجمح وراء ملذات الجسد فوق ما تتطلبه طبيعة الإنسان العادية،
وربما عكس ما ينفع الجسد:
» ولكن الإنسان الطبيعي
لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة ولا يقدر أن يعرفه لأنه إنما يُحكم فيه
روحياً
«(1كو 14:2). فالروح
يقول: لا تزن والجسد يرى في الزنا متعة ولذة لذلك يصبح الروح والإنجيل مكروهاً لدى
الجسد الطبيعي، ولكن عن جهالة وقصور في الإلمام بالخير العميم الذي وراء الروح
والإنجيل. فالجسد بجهالته يجري وراء متعة ولذة وقتية ويتمادى فيها بلا ضابط
حتى يؤذي نفسه ويخسر ما ينتظر الإنسان من حياة أبدية أعظم سعادة وامتدادها إلى
الأبد. إذن فالشهوة الجسدية تغذيها الجهالة ويدفعها الاستهتار بقيمة الروح والحياة
الأبدية.

والسر
في هذا الصراع والكراهية من جهة الجسد ضد الروح والعكس أيضاً، يرجع أساساً إلى
اختلاف الطبائع. فالجسد أرضي ترابي مآله للزوال وهو مجال لاقتحام الشيطان، أمَّا
الروح القدس فهو سماوي وأبدي إلهي منزَّه عن ما للجسد من رغبات ونزوات ونقائص.
فالصراع حتمي أو شبه طبيعي.

«والروح ضد
الجسد»:

هنا
لا يقصد ق. بولس أن الروح ضد الجسد، إنما الروح يشتهي غير ما يشتهي الجسد. فالروح
يشتهي الطهارة وقداسة الإنسان جسداً وروحاً، ولكن الجسد في وضعه الطبيعي يشتهي ما
هو ضد الطهارة تماماً وما هو ضد القداسة تماماً وهذا لاختلاف الطبائع، فطبيعة
الروح قدوسة والروح أُعطي للإنسان ليقدِّسه ليعدَّه للحياة مع الله. فهنا اتجاه
الروح الشديد ناحية القداسة والتقديس يجعله لا يقبل أي انحراف للجسد ناحية النجاسة
فهذا معناه حرمان الإنسان من مستقبله الروحي. على أن القداسة معناها التخصص لله
والنجاسة هي البعد عن الله. فالجسد بسبب جموحه الغريزي نحو البعد عن الروح
والروحيات التي تحد من شهواته ونزواته جُعِلَ الروح له بالمرصاد، فرئيَ من جهة
الفكر أن الروح ضد الجسد ولكن هو في الحقيقة ضد جموح الجسد في البعد عن الله.

«وهذان
يقاوم أحدهما الآخر»
([6]):

وأوضح صورة للصراع بين
شهوة الخطية وبين نداء الروح بالامتناع عن الخطية، فذلك نقرأه في أصوله الأُولى
جداً أو أصله الأول بلا نزاع في أمر قايين وشهوته لقتل أخيه لمَّا قبل الله قربان
هابيل ولم يقبل قربان قايين:

+ » فاغتاظ قايين جداً وسقط وجهه. فقال الرب
لقايين: لماذا اغتظت؟ ولماذا سقط وجهك؟ إن أحسنت أفلا رفع؟ (صوت الله في الضمير
وإرادة العنصر الإلهي في الإنسان) وإن لم تُحسن فعند الباب خطية رابضة وإليك
اشتياقها وأنت تسود عليها.
«(تك 4: 57)

+ » وكلَّم
قايين هابيل أخاه وحدث إذ كانا في الحقل أن قايين قام على هابيل أخيه وقتله.
«(تك 8:4)

هذا هو أعظم تصوير
للصراع بين شهوة الجسد وهنا هي القتل، وقتل مَنْ؟ الأخ!! وبين صوت الله المسموع
هنا جهاراً والمسموع دائماً في الضمير. ولكن أبرز الله هنا سلطان الإرادة التي
وضعها الله في الإنسان للتمييز بين الخطية وبين الطاعة لله!!
» عند الباب
خطية رابضة، إليك اشتياقها، وأنت تسود عليها
«!

واضح في هذه القصة
تتميم ما قاله ق. بولس تماماً! إذ ظل قايين تحت إلحاح شهوة القتل لتنفيذ الخطية
حسب ما انحط إليه الجسد من الغيرة المرة المفسدة حتى انغلب للجسد وضرب بصوت الله
عرض الحائط وتم قول القديس بولس:
» حتى تفعلون ما لا
تريدون
«

«تفعلون ما
لا تريدون»:

هنا الإرادة دائماً منقسمة
بين إرادة حسنة لطاعة صوت الله، وإرادة شريرة لطاعة شهوة الجسد، فإن انحاز الإنسان
وأطاع شهوة الجسد فإنه يعمل الشر ما لم يكن يريده حسناً في البداية قبل التنفيذ
لأنه أراد حسناً جزئياً أن يطيع صوت الله ولكن الجسد
غُلب أو انغلب بشهوته الملحَّة فانخذلت الإرادة الحسنة!! وسادت إرادة الشر.

والله وضع في الإنسان
هذه الإرادة الحرة العظيمة حقا في حريتها، حتى إذا انحاز للروح بإرادته
الحرة فاز برضا الله ورحمة وخلاصاً هذا مقداره وحياة أبدية. أمَّا إذا انحاز للجسد
وانغلبت الإرادة الحرة لطاعة شهوة شرور الجسد خسر المعركة وأحزن روح الله فيه،
وابتدأت الدينونة تخط خطوطها خطاً وراء خط.

ولكن نستشف من هذه
المعركة البديعة أن حركة الجسد بشهواته قاسية وأليمة، لأنها تتخذ من الغرائز
الطبيعية قوة وعنفاً، لذلك تحتاج من الإنسان قوة وعنفاً في الإرادة الحرة في
انحيازها للروح الذي حينما يرى الإرادة منحازة نحوه فعلاً
فهو يكمِّل نصرتها ويعين ضعفها ويقف وراءَها ينفخ فيها قوة وراء قوة حتى يطبِّعها
بطبعه ويصبغها بصبغته في الطهارة والحب والمسامحة والبذل، فيغلب أعتى خطية يتمخَّض
بها الجسد فيقتلها وهي جنين قبل أن تتصوَّر:

+ » ولكن كل
واحد يُجرَّب إذا انجذب وانخدع من شهوته. ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطيةً، والخطية
إذا كَمَلَت تُنتج موتاً.
«(يع 1: 14و15)

ثم نستشف أن ليس إنسانٌ
قط لابسٌ هذا الجسد الطبيعي لا يتجرَّب بالشهوة حتى أقدس القديسين حتى المتزوجون
المتعففون، فالجسد له غرائز تعرف طريقها حتماً للإعلان عن وجودها، ولكن هنا يتصنف
الناس بين المتهاون في التفاهم معها وبين الصارم الذي ليس عنده تفاهم، وحتى هذا
الصارم الذي لا يتفاهم ولا إلى لحظة فهو حتماً يتوجَّع ويتلوَّى مستصرخاً الروح
للمعونة، ويكون بذلك قد أدَّى واجبات المعركة.

18:5 «وَلكِنْ إِذَا
انْقَدْتُمْ بالرُّوحِ فَلَسْتُمْ تَحْتَ النَّامُوسِ».

واضح مما قاله القديس
بولس الرسول في رسالة رومية أصحاح (7و8) أن الإنسان إذا كان تحت الناموس فهذا
معناه أنه يكون تحت تحدي الخطية الفائق على قدرة الإنسان:

+ » لأني لست
أعرف ما أنا أفعله، إذ لست أفعل ما أُريده، بل ما أُبغضه فإيَّاه أفعل … فالآن
لست بعد أفعل ذلك أنا، بل الخطية الساكنة فيَّ … لأن الإرادة حاضرةٌ عندي،
وأمَّا أن أفعل الحُسنَى فلستُ أجدُ … فإن كنت ما لست أريده إياه أفعل، فلست بعد
أفعله أنا، بل الخطية الساكنة فيَّ.
«(رو 7: 15و17و18و20)

كل هذا التحدي السافر
للخطية يحكيه ق. بولس ليوضح لماذا وُضع الإنسان ذاته تحت الناموس بتدبير الله
نفسه، وهو يكشف ما اكتشفه ق. بولس تماماً أن الإنسان غير كفء من ذاته على وجه
الإطلاق ليواجه ناموس الخطية الكائن في أعضائه:
» ولكني أرى
ناموساً آخر في أعضائي يُحارب ناموس ذهني (معرفة الخير)، ويسبيني إلى ناموس الخطية
الكائن في أعضائي
«(رو
23:7). والنتيجة هو الصراخ الذي أعلنه ق. بولس على مستوى اليأس القاتل:
» ويحي أنا
الإنسان الشقي! مَنْ يُنقذني من جسد هذا الموت؟
«(رو 24:7)

إلى هنا سمع الله وأرسل
ابنه لينقذ الإنسان من جسد هذا الموت ومن سلطان الخطية المستبد ليعطيه جسد الحياة
أو جسد القيامة للحياة الأبدية، ويلغي سلطان الخطية إلى الأبد. لأن سلطان الخطية
هو حكم الموت بأمر الناموس: فألغى المسيح الموت والناموس معاً: داس الموت وأماته
بقيامته وأبطل الناموس وأعطى العهد الجديد لمغفرة الخطايا مجاناً مجاناً مجاناً.
فأصبح شعار العهد الجديد هو مغفرة الخطايا وإعطاء الحياة الأبدية بدم المسيح
مجاناً! عوض شعار العهد القديم بتتميم كل الوصايا وكل مَنْ يخطئ يموت!!

فالآن يقول ق. بولس،
أنه إذا انقدتم “بالروح” وهو “الروح القدس” روح الحياة الجديدة في
المسيح، فالروح هو المنوط به أن يقودنا في موكب قيامة المسيح الظافر إلى السماء
دائسين مع المسيح على الخطية والموت وبالتالي أحراراً من الناموس إلى الأبد.

هذه هي حقيقة وسر قيادة
الروح القدس لنا. كل مَنْ يتبعه يلتحق بموكب نصرة المسيح في قيامة دائمة أبدية.
وهذا هو سر تهليل ق. بولس بعد نواح الأصحاح السابع كله من رسالته إلى رومية:
» إذاً لا شيء
من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع
«(رو 1:8). بمعنى أننا إذا صرنا في المسيح يسوع تمزق صك خطايانا على
الصليب فنجونا من الدينونة، وانتهت الخطية برعبتها إذ ألغى المسيح حكم الموت عنَّا
إلى الأبد ومنحنا حياة جديدة مع الله، أبدية!!

ثم أضاف ق. بولس: » السالكين
ليس حسب الجسد بل حسب الروح
«في نفس الآية حتى
يؤمِّن مكسبنا في المسيح ونصرتنا على الخطية إلى الأبد وغلبتنا مع المسيح للموت والهاوية.
لأن السلوك بالروح القدس معناه ضمان وأمان أننا واصلون واصلون. والشرط الذي وضعه
هام للغاية:
» السالكين ليس حسب الجسد «أي جسد
الخطية أي الجسد الذي رفض روح الحياة، الجسد العتيق الذي تآخى مع الخطية في عيشة
مشتركة:

+ » فإن الذين
هُم حسب الجسد فبما للجسد يهتمون … لأن اهتمام الجسد هو موتٌ … لأن اهتمام
الجسد هو عداوةٌ لله، إذ ليس هو خاضعاً لناموس الله، لأنه أيضاً لا يستطيع. فالذين
هم في الجسد لا يستطيعون أن يُرضوا الله.
«(رو 8: 58)

والقديس بولس يضعها هنا
مختصرة للغاية:
» إذا انقدتم بالروح فلستم تحت الناموس «وهذا يعني
كل ما قلناه. فلستم تحت الناموس يعني أيضاً باختصار ليس تحت خطية وليس تحت حكم
الموت!!

وهذا يعني حتماً
وباختصار أننا نكون تحت نعمة! ويا لنعيمنا تحت نعمة الله:

+ » فإذ قد
تبرَّرنا بالإيمان لنا سلامٌ مع الله بربنا يسوع المسيح، الذي به أيضاً قد صار لنا
الدخول بالإيمان، إلى هذه “النعمة” التي نحن فيها مقيمون، ونفتخر على رجاء
مجد الله.
«(رو 5: 1و2)

 

 (ج) الحياة حسب
الجسد (5: 1921)

الأعمال الظاهرة

 

حينما قال القديس بولس
إن
» الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد وهذان يقاوم أحدهما
الآخر حتى تفعلون ما لا تريدون
«كان في ذهنه أعمال كل
منهما. والآن يبرز هذه الأعمال بحسب الظاهر منها خاصة فيما للجسد الطبيعي غير
المسنود بالنعمة والذي لا يعمل لحساب الروح وإنما مسيّب على غرائزه.

والأساس
الذي انطلق منه ق. بولس بتفكيره هو نداؤه لأهل غلاطية:
» فإنكم إنما دُعيتم للحرية أيها الإخوةُ. غير أنه لا تصيِّروا الحرية فُرصةً
للجسد، بل بالمحبة اخدموا بعضكم بعضاً.
«(غل 13:5)

وها هو الآن يتعرض
لاستخدام الحرية فيما يخص الجسد ولأسوأ قبائحه، كما يتعرَّض لمحبة القريب وكيف
انقلبت إلى هتك أعراض الآخرين. وكل ذلك لغياب الروح القدس السند المبارك لحفظ حرية
المسيحي لحساب قداسة المسيح.

 

تقسيم أنواع الخطايا
التي جاءت في الآيات

(5: 1921)

 

ذُكر في هذه الآيات
الثلاث سبع عشرة خطية، ويمكن تقسيمها بحسب العالِم ليتفوت([7])
إلى أربعة أقسام:

القسم الأول: الخطايا
الحسيَّة: زنا عهارة نجاسة دعارة.

القسم الثاني: تصرفات
غير قانونية روحية: عبادة أوثان سحر.

القسم الثالث: تعديات
على المحبة الأخوية: عداوة خصام غيرة سخط
تحزب شقاق بدعة حسد قتل.

القسم الرابع: التمادي
في إشباع رغبات الجسد: سكر بطر.

19:5 «وَأَعْمَالُ
الْجَسَدِ ظَاهِرَةٌ: الَّتي هِيَ زِنىً عَهَارَةٌ نَجَاسَةٌ دَعَارَةٌ».

+ » … الذين يفعلون مثل
هذه لا يرثُونَ ملكوتَ اللهِ.
«

(غل 21:5)

«ظاهرة»: faner£

تأتي هذه الكلمة في
بداية الآية في أصلها اليوناني لأهميتها بالنسبة للآيات السابقة لكي يتبين للإنسان
إن كان يسلك بالروح أم لا، إن كان يعيش حسب الجسد أم لا، فهنا يبدأ ق. بولس
ليسجِّل الأعمال التي تمنع صاحبها من الدخول إلى ملكوت الله.

«زنى»: porne…a

وهو التصاق محرَّم مع
امرأة زانية أو العكس لاستخدام العلاقات الجنسية للمتعة المحرَّمة، ويصيغها ق.
بولس صياغة إنجيلية هكذا:

+ » لأن هذه هي
إرادة الله: قداستكم. أن تمتنعوا عن الزنا، أن يعرف كل واحد منكم أن يقتني إناءه
بقداسة وكرامة، لا في هوى شهوة كالأُمم الذين لا يعرفون الله. أن لا يتطاول أحدٌ
ويطمع على أخيه في هذا الأمر، لأن الرب منتقم لهذه كلها كما قلنا لكم قبلاً
وشهدنا. لأن الله لم يدعنا للنجاسة بل في القداسة.
«(1تس 4: 37)

+ » اهربوا من
الزنا. كل خطية يفعلها الإنسان هي خارجة عن الجسد. لكن الذي يزني يخطئ إلى جسده.
أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله وأنكم
لستم لأنفسكم لأنكم قد اشتريتم بثمن فمجِّدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي
لله.
«(1كو 6: 1820)

+ » ألستم
تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح، أفآخذ أعضاء المسيح وأجعلها أعضاء زانية،
حاشا! أم لستم تعلمون أن مَنْ التصق بزانية هو جسد واحد (معها) لأنه يقول يكون
الاثنان جسداً واحداً!
«(1كو 6: 15و16)

+ » الجسد ليس
للزنا بل للرب والرب للجسد.
«(1كو 14:6)

ولكن الأخطر من الكل ما
كشفه المسيح من مستور فضائح الإنسان في قوله:

+ » إن كل مَنْ
نظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه!
«(مت 28:5)

+ » ومَنْ تزوج
مطلقة فإنه يزني.
«(مت
31:5)

+ » وإن طلَّقت
امرأة زوجها وتزوجت بآخر تزني.
«(مر 12:10)

«نجاسة»: ¢kaqars…a = Impurity([8])

وهي خطية أوسع معنى
واستخداماً من الزنا، فهي تشمل كل استخدام التلوث الخلقي بكل أنواعه، وهو يتسحب
على الشر والانحلال الخلقي وبقصد إفساد الغير. ولكن أصل الكلمة لغوياً تأتي بنفي
الطاهر أو الطهارة، فمثلاً إذا تلوث الجرح فهو في حالة “أكاثارسيا” التي تخرج منها
حالة “الوساخة”، فأصبحت تستخدم على الإنسان الذي يخرج عن الطهارة الطقسية أو
الناموسية أي نجاسة. وهكذا أصبحت وساخة خلقية “
moral impurity” ولكن دون إشارة صريحة إلى الناحية الجنسية واستقر المعنى إلى مفهوم
النجاسة:

+ » لذلك أسلمهم
الله أيضاً في شهوات قلوبهم إلى النجاسة، لإهانة أجسادهم بين ذواتهم.
«(رو 24:1)

ويتضح من الآية أنها
فعلاً تنتمي إلى الناحية الجنسية وبصورة مشتركة لامتهان أجسادهم أي فضحها.

كذلك يقول ق. بولس
متعرضاً لذات الكلمة بمفهوم النجاسة:

+ » أتكلَّم
إنسانيًّا من أجل ضعف جسدكم. لأنه كما قدَّمتم أعضاءكم عبيداً للنجاسة
والإثم للإثم، هكذا الآن قدِّموا أعضاءكم عبيداً للبرِّ للقداسة.
«(رو 19:6)

وهنا يتضح أكثر أنها
باستخدام الأعضاء الجنسية في غير مالها، كما تأتي عكس القداسة. وبذلك فهي شديدة
الصلة بالزنا، ولكن يبدو باستعمال آخر لا ندري ما هو. ولكن من الملاحظ أنها تأتي
كمرادف للزنا ولكن بتخصص آخر:

+ » وأمَّا
الزنا وكل نجاسة أو طمع فلا يُسمَّ بينكم كما يليق بقديسين.
«(أف 3:5)

«دعارة»: ¢sšlgeia = wantonness, Lasciviousness

وقد ذكرها المسيح في
إنجيل ق. مرقس:
» لأنه من الداخل، من قلوب الناس، تخرج الأفكار الشريرة:
زِنىً، فِسقٌ، قَتلٌ، سرقةٌ، طمعٌ، خبثٌ عهارةٌ
¢sšlgeia عينٌ شريرةٌ، تجديفٌ، كبرياءُ، جهلٌ. جميع هذه الشرور تخرج من
الداخل وتنجِّس الإنسان
«(مر 7: 2123). والمسيح هنا لا يتكلَّم عن الأفعال بل
مجرد الأفكار، والمسيح سبق وأوضح أنه مجرد أن ينظر الإنسان إلى امرأة ليشتهيها فقد
زنا بها في قلبه (مت 28:5). إذ نظرة الاشتهاء مثل فكرة وتصور الاشتهاء يحسبان على
مستوى الفعل. لأن المسيح حسبهما فعلاً داخلياً غير منظور للناس ولكنه منظور لله.

وكانت خطية الدعارة
منتشرة بين اليهود:
» لأن زمان الحياة الذي مضى يكفينا لنكون قد عَمِلنا
إرادة الأُمم،
سالكين في الدعارة والشهواتِ، وإدمانِ الخمرِ،
والبَطَرِ، والمنادماتِ، وعبادة الأوثان المحرَّمةِ
«(1بط 3:4). وهي تعني في كل هذه المواضع شهوة جنسية جامحة لا تضبط: » لنسلك
بلياقةٍ كما في النهار، لا بالبَطَرِ والسُّكرِ، لا بالمضاجع والعَهرِ، لا
بالخصامِ والحسدِ. بل البسوا الرب يسوع المسيح، ولا تصنعوا تدبيراً للجسد لأجل
الشهوات.
«(رو 13:13و14)

وواضح من الآية التي
نحن بصددها كونها جاءت مع الزنا والنجاسة تكون الدعارة أختهم الثالثة من بنات
الشيطان، وتكون أكثرهم شيوعاً وظهوراً. والرجل العاهر كالمرأة العاهرة لهم صلة
بتجارة الجنس لا يقر لهما قرار، يوزعون بضاعتهم بلا حياء ويكشفون عن عوراتهم
للإثارة:

+ » الذين
إذ هُم قد فقدوا الحِسَّ (حسّ الكرامة) أسلموا نفوسَهُمْ للدعارةِ
ليعملوا كُلِّ نجاسةٍ
في الطمعِ.
«(أف 19:4)

20:5 «عِبَادَةُ
الأَوْثَانِ سِحْرٌ عَدَاوَةٌ خِصَامٌ غَيْرَةٌ سَخَطٌ تَحَزُّبٌ شِقَاقٌ
بِدْعَةٌ».

«عبادة
الأوثان»:
e„dwlolatre…a

ظهر هذا الاصطلاح في
البيئة اليهودية فقط، ويعني عبادة إمَّا الصنم المجسَّم أو الصورة أو الرمز لتمثيل
الإله المعبود بأي صورة. ولكن امتد هذا الاصطلاح في المفهوم المسيحي ليشمل
» الطمع «لأن أي ما
يطمع فيه الإنسان ليقتنيه فهو صنم، وامتد هذا الاصطلاح في العصر الحديث ليشمل
عبادة الرؤساء القساة أو المال أو حتى ما يهواه الناس بشدة وحتى المشاركة في ما
يعبده الناس من الصنمية هي عبادة أصنام:

+ » فأميتوا
أعضاءكم التي على الأرض: الزنا، النجاسة، الهوى، الشهوة الردية، الطمع الذي هو
عبادة الأوثان،
«(كو 5:3)

«سحر»: farmake…a

وأصل الكلمة تأتي من
استخدام العقاقير
f£rmaka
لتغيير الألوان والأشكال وربما لصنع أعمال خارقة، ومنها جاء السحر باستخدام أشياء
تؤذي الناس وربما سموم لتميتهم. وفي مصر اشتهر المصريون بمثل هذه الأمور، فسحرة
فرعون صنعوا ثعابين حيَّة تجري أمام موسى (خر 11:7). وجاءت الكلمة بكثرة في سفر
الرؤيا (رؤ 21:9)، (23:18)، (8:21)، (15:22): فالسحرة محرومون من دخول الفردوس مثلهم
مثل الزناة والقتلة وعَبَدة الأصنام. والقانون الروماني كان يعاملهم مثل الذين
يمارسون دس السم للناس.

«عداوة»: œcqrai

أي
إثارة العداوات بين الناس أو في وسط الجماعة سواء على أساس سياسي أو عنصري أو
ديني، ليس فقط بأعمال عدوانية بل وأيضاً حتى بالمشاعر الفردية والنية.
والعدو هو مَنْ يعمل أو
يفكر بالعداوة نحو الآخرين. والمسيح له المجد وضع وصية المحبة لتجتث العداوة من
صدور المؤمنين ومن
الجذور:
» أحبوا أعداءكم باركوا
لاعنيكم أحسنوا إلى مبغضيكم صلوا لأجل الذين يسيئون

إليكم
ويطردونكم «(مت 44:5). وقد التقطها ق. بولس الرسول
وأوصى بها وصيته:
» فإن
جاع
عدوك فأطعمه وإن عطش فاسقه … لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر
بالخير.
«(رو 12: 20و21). ولكن لم يبلغ أي تشريع في العالم لأي
نبي أو مصلح أو ملك أو دولة ما بلغه المسيح في قوله:
» أحبوا أعداءكم «بتأكيد
وتحديد معلناً بذلك أنه حقا رئيس السلام وأنه بالحقيقة ابن الله.

«خصام»: œrij

وهي محبة الشجار
والنزاع وافتعال الخصومة والبعد والتجني. وقد جاءت 9 مرات في العهد الجديد وكلها
احتوتها رسائل بولس الرسول.

+ » لأني
أُخبِرتُ عنكم يا إخوتي مِنْ أهل خُلُوِي أن بينكم خصوماتٍ.
«(1كو 11:1)

+ » لأنكم بعد
جسديون. فإنه إذ فيكم حسدٌ وخِصامٌ وانشقاقٌ، ألستم جسديين وتسلكون بحسب البشر؟
«(1كو 3:3)

«غيرة»: zÁloj

والغيرة
إمَّا
» غيرة
في الحسنى
«(غل 18:4)، » إذ كنت أوفر غيرة في تقليدات آبائي «(غل 14:1). وكانت ذات قيمة عظيمة
في التوراة بالنسبة للأشخاص الذين كانت لهم غيرة الله والمقدسات:

+ » فكلَّم الرب
موسى قائلاً: فينحاس بن ألعازار بن هارون الكاهن قد ردَّ سخطي عن بني إسرائيل
بكونه غار غيرتي في وسطهم حتى لم أفنِ بني إسرائيل بغيرتي. لذلك قل هأنذا أُعطيه
ميثاقي ميثاق السلام …
«(عد 25: 1012)

وجاءت بهذا المعنى المحبوب
في العهد الجديد مرات كثيرة:

+ » فإني أغار
عليكم غيرة الله لأني خطبتكم لرجل واحد لأقدِّم عذراء عفيفة للمسيح (أهل كورنثوس).
«(2كو 2:11)

ولكن حينما تنقلب
الغيرة لتكون لحساب الإنسان حسداً للآخرين أو نقمة عليهم تصير وبالاً على صاحبها.
هي تأتي دائماً بمصاحبة «الحسد» جذرها السام:

+ » أن تُوجد
خصومات ومحاسدات
zÁloj، وسخطات qumo…، وتحزبات ™riqe‹ai، ومذمَّات katalalia…، ونميمات yiqurismo…، وتكبُّرات fusièseij، وتشويشات ¢katastas…ai. «(2كو
20:12)

ويلاحِظ القارئ هنا أن
كلمة
zÁloj
جاءت بمعنى محاسدات، فالغيرة تشملها بالضرورة إذ تكون غيرة مرَّة.

وهذه كلها أعمال الجسد
البعيد عن فعل النعمة بل والمضاد لعمل الروح، وهي أفعال ضد الإرادة السليمة ولكن
إن مرض الجسد مرضت الإرادة.

وقد
يوجد اثنان ينظران ثالث قد نجح في حياته وفاز بنعمة، فيحسده الأول ويغير منه غيرة
مرة تبلغ الذم والشتم وربما السعي للإيذاء، والآخر يغير له غيرة الحب
والفرح ويتمنى له المزيد من نعمة الله. إذن فالدافع النفسي في منبعه واحد وهو “الغيرة”
ولكن حينما تكون النفس مريضة منحازة لجسد مريض فارقته النعمة لتصبح وبالاً على
الإنسان مع أنها دافع يمكن أن يكون للخير والصلاح. وهذا هو الذي يفرِّق بين إنسان
يسلك حسب الجسد الطبيعي وإنسان يسلك حسب روح الله.

«سخط»: qumo…

وتترجم
صحيحاً بالجمع سخطات كما جاءت في (2كو 20:12) ومفردها
qumÒj = سخط وهو انفجار بالغضب. وهذه الصفة أيضاً قد تأتي بالمفهوم الطيب
المحبوب وقد تأتي بالمفهوم الشرير. فالغضب (السخط) إذا كان لصالح الآخرين ودفاعاً
عنه كان غضباً مباركاً، ولكن إن كان غضباً (سخطاً) عليه بلا تعقل ولا سبب كان
نقيصة. أمَّا الغضب الممدوح فينبغي أن لا يكون له دوافع ولا نتائج خاطئة:
» اغضبوا ولا تخطِئوا. لا تغرب الشمسُ
على غيظِكُمْ
«(أف 26:4). أمَّا أن الشمس لا ينبغي أن تغرب والغضب
بايت في قلوبنا فذلك خوفاً لئلا يمسك فينا ويصبح عادة. وهذه غير مقبولة فالغضب
مكروه. وق. بولس اقتبسها من المزمور الرابع الآية الرابعة ولكن من النسخة
السبعينية.

«تحزُّب»: ™riqe‹ai

وترجمتها هنا بالمفرد
خاطئة فهي تحزبات كما جاءت في كورنثوس الثانية:

+ » لأني أخاف
إذا جئت أن لا أجدكم كما أُريد، وأُوجد منكم كما لا تريدون. أن تُوجد خصومات
ومحاسدات وسخطات وتحزبات ومذمَّات ونميمات وتكبُّرات وتشويشات.
«(2كو 20:12)

+ » فهؤلاء عن
تحزُّبٍ ينادون بالمسيح لا عن إخلاصٍ، ظانين أنهم يضيفون إلى وثُقي ضيقاً. وأُولئك
عن محبةٍ، عالمين أني موضوعٌ لحماية الإنجيل. فماذا؟ غير أنه على كل وجهٍ سواءٌ
كان بعلَّةٍ أم بحقٍّ ينادى بالمسيح، وبهذا أنا أفرح. بل سأفرح أيضاً.
«(في 1: 1618)

هنا يتضح أن التحزب
اتجاه مشاكس بقصد أن يضيفوا على القديس بولس ضيقاً. ودوافعه إمَّا تكون نظير أجر
وإمَّا بقصد المضايقة والإحراج:

+ » لا شيئاً
بتحزُّبٍ أو بعجبٍ، بل بتواضع، حاسبين بعضكم البعض أفضل مِنْ أنفسهم. لا تنظروا كل
واحدٍ إلى ما هو لنفسهِ، بل كل واحدٍ إلى ما هو لآخرين أيضاً.
«(في 2: 3و4)

+ » ولكن إن كان
لكم غيرةٌ وتحزُّبٌ في قلوبكم، فلا تفتخروا وتكذبوا على الحق. ليست هذه الحكمة
نازلةٌ من فوق، بل هي أرضيةٌ نفسانيةٌ شيطانيةٌ.
«(يع 14:3و15)

وهنا أرجعها ق. يعقوب
إلى منابعها الأُولى متخذة غيرةً مصدرها الأرض أي العالم والجسد المنتمي للعالم،
نفسانية أي بمرض نفساني متسلط، شيطانية أي مسوقة ومقواة من الشيطان. وهذا أبلغ
تحليل للغيرة المرة:
» لأنه حيث الغيرة والتحزب هناك التشويش وكل أمر
رديء.
«(يع 16:3). وهذه
النتائج هي مثل الأصول وعلى هوى الشيطان.

«شقاق»: dicostas…ai

بمعنى انقسامات لأنها
تأتي بالجمع:

+ » وأطلب إليكم
أيها الإخوة أن تُلاحِظوا الذين يصنعون الشقاقات والعثرات، خلافاً للتعليم
الذي تعلَّمتموه، وأعرِضوا عنهم. لأن مثل هؤلاء لا يخدمون ربنا يسوع المسيح بل
بطونهم. وبالكلام الطيب والأقوال الحسنة يخدعون قلوب السلماء.
«(رو 16: 17و18)

وفي الحقيقة هذا الوصف
هو بعينه سمة العصر الذي نعيشه، وهو المطابق للغاية لحالة أهل غلاطية بعد أن دخلها
اليهود المزعجون إذ فسّخوا الكنيسة إلى أحزاب يقاوم بعضها الآخر.

«بدعة»: aƒršseij

أو هرطقة، وهي لا تختلف
كثيراً عن الشقاق، فالمنشق هو مبتدع أي هرطيقي
Heretic
كما جاءت هكذا:

+ » ولكن كان
أيضاً في الشعب أنبياءُ كذبةٌ، كما سيكون فيكم أيضاً معلِّمون كذبةٌ، الذين
يدُسُّون بِدعَ
aƒršseij هلاكٍ. وإذ هم ينكرون الرب الذي اشتراهم، يجلبون على أنفسهم
هلاكاً سريعاً.
«(2بط 1:2)

+ » الرجل المبتدع
aƒretikÒn
بعد الإنذار مرَّة أو مرتين، أعرض عنه.
«(تي 10:3)

+ » لأنه لابد أن يكون بينكم بدع aƒršseij أيضاً ليكون المزكون ظاهرين بينكم. «(1كو
19:11)

وهذه البدع ظهرت على
الخصوص في غلاطية وفي كورنثوس.

21:5 «حَسَدٌ
قَتْلٌ سُكْرٌ بَطَرٌ، وَأَمْثَالُ هذِهِ الَّتي أَسْبِقُ فَأَقُولُ لَكمْ عَنْهَا
كَمَا سَبَقْتُ فَقُلْتُ أَيْضاً: إِنَّ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هذِهِ لاَ
يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ».

«حَسَدٌ»: fqÒnoi

وهي روح الحقد التي لا
تحتمل أن ترى نجاح الصديق أو ازدهار إنسان. وقد ظهرت هذه الروح في قصة الرب التي
قصها عن الفعلة في الكرم:
» هؤلاء الآخرون عملوا
ساعة واحدة، وقد ساويتهم بنا نحن الذين احتملنا ثقل النهار والحر! فأجاب وقال
لواحد منهم: يا صاحب، ما ظلمتك! أما اتفقت معي على دينار؟ فخُذ الذي لك واذهب،
فإني أُريد أن أُعطي هذا الأخير مثلك، أو ما
يحل لي أن أفعل ما أريد بما لي؟ أم عينك شريرة لأني أنا صالح؟
«(مت
12:2015)
. فهذا الذي هو صاحب العين الشريرة هو الذي يطلق عليه حاسد
أو (حاقد).

«سكر»: mšqai

وهو
المسرف في شرب الخمر، وخاصة في أنواع الأشربة الثقيلة. والسكر محتقر ومكروه لأنه
يذهب
بوعي
السكِّير ويجعله غير قادر على ضبط عقله أو كلامه، فتخرج منه قبائح وتصرفات مبتذلة.

+ » وأمَّا الآن
فكتبت إليكم: إن كان أحدٌ مدعوٌّ أخاً زانياً أو طمَّاعاً أو عابِدَ وثنٍ أو
شتَّاماً أو سكِّيراً
mšqusoj أو خاطفاً، أن لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا. «(1كو 11:5)

+ » أم لستم
تعلمون أن الظالمين لا يرثون ملكوت الله؟ لا تضلوا، لا زناةٌ ولا عبدة أوثانٍ ولا
فاسقون ولا مأبونون ولا مضاجعو ذكورٍ، ولا سارقون ولا طمَّاعون ولا سكِّيرون
mšqusoi ولا شتَّامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله. وهكذا كان أناسٌ منكم.
لكن اغتسلتم، بل تقدَّستم، بل تبررتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا.
«(1كو 6: 911)

الجميل هنا حقا والذي
يثلج الصدر ويبهج القلب ويفرِّح الروح أن كل هذه الفئات بمستوياتها المنحطة
والمرذولة هكذا قبلت الإيمان بالمسيح واعتمدت وصاروا قديسين وأبراراً في المسيح.
المجد لله!! فنشكره ونسبحه على رحمته على بني آدم!!

+ » من أجل ذلك
لا تكونوا أغبياءَ بل فاهمين ما هي مشيئة الرب. ولا تسكروا بالخمر الذي فيه
الخلاعة، بل امتلئوا بالروحِ.
«(أف 5: 17و18)

فلعل أعظم نعمة وهبها
الله لبني الإنسان هي عطية الروح القدس حين يمتلئ الإنسان من حضوره ومفاعيله
فيرتفع بقلبه وفكره وروحه ويحصل على معارف عالية ويدخل في أسرار المسيح والآب
وتصير حياته كلها بهجة وتهليل. لذلك يقال أيضاً أن هذا هو السكر الروحي المقدَّس
الفائق على كل سكر والحائز على الوعي والحكمة الإلهية.

لماذا يا رب تضن على
أولادك في هذه الأيام بالحلول والملء والدخول في أسرار نعمتك، ارْضَ على شعبك
وجدِّد لنا أيام قديسيك فأنت هو أمس واليوم وإلى الأبد.

«بَطَر»: kèmoi

هي
العربدة، وهي نوع من الفرح المفرط وغالباً يكون نتيجة شرب الخمر ولو القليل منه.
وهي

التي يسميها العامة التهييص أي شدة التعبير عن المسرَّة ولكن فوق المألوف. والكلمة
في أصلها اليوناني ليست مكروهة بل ذات قبول شديد ومسرَّة حتى أن هذا الفرح المفرط
له في اليونان إله اسمه مأخوذ من هذه الكلمة
عينها
Kîmoj وكان أشهر ما عند اليونان في الحياة الأدبية
والاجتماعية([9]).

هذه
هي قائمة الأفعال الجسدية الخارجة عن الروح وسلطانه وهي تمثِّل
» أعمال الظلمة غير المثمرة «(أف
11:5). ولا يصعب على القارئ اللبيب الذي يكون له نظرة تحليلية أن يعرف الأفعال
التي كان يمارسها اليهود مثل الحسد والبغضة والعداوة والخصام والغيرة والسخط
والتحزب والشقاق والبدع والأفعال التي تليق بالأمميين مثل الزنا وأخواتها وعبادة
الأوثان قتل سكر بطر إلخ … وأفعال الفرقتين هي كلها إبراز للإنسان في وضعه
المتحرر الفاقد الانضباط والنعمة. وحينما ينفك الجسد من الضوابط ويتحرر بإرادته
تكون أول نقمته وسخطه على الله والعبادة وحينئذ يعطي القوة الشريرة إذنا بالدخول.

«وأمثالُ
هذه التي أسبِقُ فأقولُ لكم عنها كما سبقتُ فقلتُ أيضاً:

إن الذين
يفعلون مثل هذه لا يرثُونَ ملكوتَ اللهِ»:

ليس
أن ق. بولس يعطي أحكاماً من عنده أو حتى يكون قد استلمها، ولكن سرّ هذا الحرمان
الأكيد من ملكوت الله يعود إلى أن هذه الأعمال كلها تنطق نطقاً أن فاعليها يعيشون
حسب الجسد وفي تحرر من كل ضبط. وق. بولس سبق وأعلن ذلك بوضوح أن
» أقول هذا أيها الإخوة إن لحماً ودماً لا
يقدران أن يرثا ملكوت الله ولا يرث الفساد عدم الفساد.
«(1كو 50:15)

وواضح أن الذي عمله
المسيح للإنسان هو أنه أعطاه الخلقة الجديدة بالروح فارتفع فوق اللحم والدم وأصبح
مهيًّأ أن يترك اللحم والدم وينطلق حتى وقبل الموت
ليعاين السماء الثالثة كالقديس بولس كعربون صادق للنقلة الأخيرة المباركة.

فالذين يعيشون في اللحم
والدم بشهوات الجسد ونزوات النفس مربوطين في اللحم والدم يصبح دخولهم ملكوت الله
استحالة قانونية ومن واقع الحال. فالأعمال وحدها تحكم كما حكم ق. بولس على أعمال
الكورنثيين (1كو 6: 9و10) باستحالة دخول ملكوت الله.

ولكن العجيب حقًّا أنه
بينما أن الأعمال المنبوذة المذكورة الآن وغيرها مما ذكره ق. بولس في (1كو 6:
9و10) وفي (أف 5:5) محكوم عليها بالحرمان الأبدي من ملكوت الله، إلاَّ أن الأعمال
الصالحة بحد ذاتها مهما بلغت من السمو فهي لا يمكن أن تورِّث ملكوت الله!

 

( د ) ثمار الروح (5:
2226)

والآن
إلى أعمال السالكين بالروح الذين أخضعوا الجسد بكل شهواته، فهي ليست ثمار الجسد
بعد لأنها ليست أعمال الجسد حسب الجسد، بل تُحسب أنها أعمال بحسب الروح. لذلك فهي
لا تورِّث ملكوت الله ولكنها بحد ذاتها أعمال السالكين بالروح الحائزين على ملكوت
الله. فالإيمان بالمسيح الذي يورِّث ملكوت الله له هذه الأعمال للشهادة والإعلان
عن الإيمان العامل بالمحبة لحساب ملكوت الله. لأن الذي آمن واعتمد وشهد للمسيح قد
انتقل من الظلمة وأعمالها غير المثمرة إلى النور والمحبة وأعمال المحبة والنور
كوعد المسيح الذي هو بمثابة أمر يحمل وعد المساندة:
» فسيروا مادام لكم النور لئلا يدرككم الظلام «(يو 35:12). ومسيرة النور كلها أعمال
شهادة للنور الذي يعمل في القلب. لذلك قال المسيح لتلاميذه وتلميذ
المسيح هو كل مَنْ حمل الصليب في قلبه والقيامة في روحه
» أنتم نور العالم «(مت 14:5). لأنهم يحملون نور العالم
الذي هو المسيح. وأعمال النور تشهد للنور، وهي في الحقيقة ليست أعمالاً، فالرسول
أعطاها اسماً يكشف منبعها فهي ثمار الروح، ولكنها تحسب لمن عملها بالروح كوصف
المسيح حسب تعبيره:

+ » من ثمارهم
تعرفونهم. هل يجنون من الشوك عنباً، أو من الحسك تيناً؟ هكذا كل شجرة جيدة تصنع
أثماراً جيدة، وأمَّا الشجرة الرديئة فتصنع أثماراً رديئة، لا تقدر شجرةٌ جيدةٌ أن
تصنع أثماراً رديئةً، ولا شجرةٌ رديئةٌ أن تصنع أثماراً جيدة. كل شجرةٍ لا تصنع
ثمراً جيداً تُقطع وتُلقي في النار. فإذاً من ثمارهم تعرفونهم!
«(مت 7: 1620)

والقديس بولس يقدِّم
لنا هنا تسعة أصناف من ثمار الروح الجيدة ولكنها لا تمثل الكل بل مجرَّد عينة، كما
قدَّم الثمار الرديئة.

ولأن قانون التمايز بين
الثمار يعتمد أساساً ومنبعاً على الإيمان والرجاء والمحبة ولكن أعظمهن المحبة (1كو
13:13) جاءت المحبة على رأس القائمة.

ويمكن تقسيم هذه الثمار
التسع إلى ثلاثة أقسام، كل قسم ثلاث ثمرات([10]):

محبة فرح سلام، طول
أناة لطف صلاح، إيمان وداعة تعفف، على أن هذه لا تقدمنا للتبرير ولكنها تتبع
التبرير من تلقاء ذاتها فهي ثمار البر والبار. وهي إنما توجد معاً ومن العسير أن
تجد واحدة منها ولا تجد الأخرى، لأن الذي يدفعها للوجود هو الروح الواحد. وذلك
بعكس هبات الروح التي لا يُشترط أن يوجد منها أكثر من واحدة:

+ » ولكن لنا
مواهب مختلفة بحسب النعمة المعطاة لنا. أنبوَّة فبالنسبة إلى الإيمان. أم خدمة ففي
الخدمة، أم المعلِّم ففي التعليم أم الواعظ ففي الوعظ.
«(رو 12: 68)

ويوضح ذلك بولس الرسول
أكثر من هذا:

+ » ولكنه لكل
واحد يعطى إظهار الروح للمنفعة، فإنه لواحد يعطى بالروح كلام حكمة ولآخر كلام علم
بحسب الروح الواحد، ولآخر إيمان بالروح الواحد ولآخر مواهب شفاء بالروح الواحد
ولآخر عمل قوات ولآخر نبوَّة ولآخر تمييز الأرواح ولآخر أنواع ألسنة ولآخر ترجمة
ألسنة. ولكن هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينه قاسماً لكل واحد بمفرده كما يشاء.
«(1كو 12: 711)

22:5 «وَأَمَّا
ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلامٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاحٌ،
إِيمَانٌ».

واضح هنا أن تفاعل
“الروح” مع الإنسان
أعطى ثماراً أو نتائجَ وليس مجرد حلوله وحسب، حيث الثمر هو
الظاهر من فاعلية الروح في الإنسان “كالفرح” مثلاً.

وفعالية الروح في
الإنسان هي حياة جديدة:
» إن كنَّا نعيش
بالروح، فلنسلك أيضاً بحسب الروح
«(غل 25:5). وهذا يؤكد أن حلول الروح وعمله في الإنسان بالإيمان
بالمسيح هو اتحاد حقيقي ومعيشة وحياة بالروح، وحتماً الذي يعيش ويحيا بالروح له
عمل وثمر:

+ » مع المسيح
صُلِبتُ، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ (الروح القدس). فما أحياهُ
الآن في الجسد،
فإنما أحياه في الإيمان (بالروح)، إيمان ابن الله، الذي أحبني
وأَسلَمَ نفسه لأجلي.
«(غل
20:2)

ولينتبه القارئ فهناك
فرق بين أن يعمل الروح في الإنسان لإنتاج ثمار روحية كالتي يذكرها ق. بولس هنا في
(غل 22:5)، وأن يهب الله بروحه في الإنسان مواهب خاصة تشهد بوجودها لله وللإيمان
بالمسيح، وظهور هذه المواهب يكون للمنفعة:

+ » فأنواع
مواهب
carism£twn
موجودةٌ، ولكن الروح واحدٌ … ولكنه لكل واحدٍ يُعطَى إظهار الروح
fanšrwsij للمنفعة. فإنه لواحِدٍ يُعطى بالروح كلام حكمةٍ، ولآخر كلام عِلمٍ
بحسب الروح الواحد، ولآخر إيمانٌ بالروح الواحد، ولآخر مواهب شفاءٍ بالروح الواحد.
ولآخر عمل قوات، ولآخر نبوَّةٌ، ولآخر تمييز الأرواح، ولآخر أنواع ألسنةٍ، ولآخر
ترجمة ألسنةٍ. ولكن هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينه، قاسماً لكل واحدٍ بمفرده،
كما يشاء.
«(1كو 12: 4و711)

فهذه هي أعمال الروح
بواسطة الإنسان وإظهارها للمنفعة، ولكنها لا تتبع ثمار الروح التي تأتي نتيجة
تفاعل الروح مع الإنسان كنتيجة معيشة وحياة واتحاد، حيث الثمار هنا هي سمات الحياة
الروحية أو مفاعيل الروح في الإنسان الذي يسلك بحسب الروح، فهي من الروح والإنسان
معاً. أمَّا المواهب فهي عمل الروح المباشر داخل الإنسان وإظهارها هو من الله
للمنفعة والإنسان يعمل بها للخدمة.

فأعمال الإنسان بحسب
الروح: هي تحت عنوان ثابت: صفات أخلاقية للعائشين بالروح وخبرات روحية نتيجة
السلوك بالروح!

أمَّا المواهب الروحية car…smata
pneumatik£
فهي تدعى
إظهار الروح نفسه
fanšrwsij toà pneÚmatoj وهي ليست بالضرورة نتيجة صفات أخلاقية في الذين تظهر فيهم
ولكنها حتماً نتيجة عمل الروح القدس:

+ » ألعلَّ
للجميع مواهب شفاءٍ؟ ألعلَّ الجميع يتكلَّمون بألسنةٍ؟ ألعلَّ الجميع يترجمون؟
ولكن جدُّوا للمواهب الحسنَى. وأيضاً أُريكم طريقاً أفضل.

«(1كو 12: 30و31)

وهكذا يحتسب بولس
الرسول أن أعمال الإنسان بالروح للسالكين بالروح “أفضل” من الحائزين على
مواهب روحية متعددة. ولكن لا يستصغر المواهب بل يحبِّذ ويطالب الذين لهم ثمار
أعمال حسب الروح كالمحبة مثلاً أن يجدُّوا لنوال مواهب كالتنبؤ مثلاً:

+ » اتبعوا
المحبة ولكن جدُّوا للمواهب الروحية وبالأولى أن تتنبأوا.
«(1كو 1:14)

وواضح جداً أن السلوك
بالروح الذي له ثمار واضحة وظاهرة يحكي عن قصة جهاد طويل، أمَّا المواهب الروحية
فتُمنح بلا سابق إعداد ولا لاحق وعد بالجزاء، فهي عمل الروح الخالص لمجد الله
الخالص. ويا ويل الإنسان الذي يحاول أن يتعظَّم بها.

«المحبة»: ¢g£ph وبالعبرية ahabah

وقد سبق وقال ق. بولس
إن المحبة سمة الإيمان المسيحي:

+ » لأنه في
المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئاً ولا الغرلة بل الإيمان العامل بالمحبة.
«(غل 6:5)

ثم عاد وجعل المحبة في
المسيحية قاعدة العمل الأخوي الصادق:

+ » فإنكم إنما
دُعيتم للحرية أيها الإخوةُ. غير أنه لا تصيِّروا الحرية فُرصةً للجسد، بل بالمحبة
اخدموا بعضكم بعضاً.
«(غل
13:5)

أمَّا كون المحبة هي
أول ثمار الروح فلأنها أول استعلانات انسكاب الروح في القلب:

+ » لأن محبة
الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا.
«(رو 5:5)

ويُلاحِظ القارئ في هذه
الآية السابقة أن المحبة أخذت صفتها اللاهوتية أنها
» محبة الله «

+ » والرب يهدي
قلوبكم إلى محبة الله، وإلى صبر المسيح.
«(2تس 5:3)

ومعروف أن محبة الله
الخاصة جداً التي يحب بها ابنه قد وهبها لنا لمَّا صرنا متحدين في جسد ابنه
حسب طلب المسيح نفسه:

+ » وعرفتهم اسمك وسأعرفهم ليكون فيهم الحب
الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم.
«(يو 26:17)

كذلك فالمسيح أعطانا
أمراً أن نثبت في محبته:

+ » كما أحبني
الآب كذلك أحببتكم أنا، اثبتوا في محبتي، إن حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي.
«(يو 15: 9و10)

كما أعطانا أمراً أن
يحب بعضنا بعضاً:

+ » هذه هي
وصيتي أن تحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم … بهذا أوصيكم أن تحبوا بعضكم
بعضاً.
«(يو 15: 13و17)

القديس بولس يتمسَّك
بهذا الوعد بل وبهذه الحقيقة التي استعلنت له وسكنت في قلبه هكذا:

+ » فإني متيقِّنٌ
أنه لا موت ولا حياةَ، ولا ملائكة ولا رؤساءَ، ولا قواتِ، ولا أُمور حاضرةً
ولا مستقبلةً، ولا علوَ ولا عُمقَ، ولا خليقةَ أُخرى، تقدِرُ أن تفصلنا عن محبَّة
الله التي في المسيح يسوع ربنا.
«(رو 38:8و39)

وواضح من كل رسائل ق.
بولس وأفكاره وتصرفاته أنه كان محصوراً ومقاداً بالمحبة:

+ » لأن محبة
المسيح تحصرنا.
إذ نحن نحسب هذا: أنه إن كان واحد قد مات من أجل الجميع،
فالجميع إذاً ماتوا.
«(2كو
14:5)

فلأن المسيح من أجل
المحبة مات من أجل الجميع، إذاً فمحبة المسيح تحصرنا جميعاً
وأنا أولهم:
» الذي أحبني
وأسلم نفسه لأجلي.
«(غل
20:2)

وفي رسالة كورنثوس
الأُولى الأصحاح الثالث عشر قدَّم ق. بولس وليمة المحبة بمفاخر ألوانها المثيرة
والجذابة التي تعكس صورة المسيح الحي في قلوب أتقيائه حينما يتجسَّد فيهم بالإيمان
الحار فيتحولون إلى صورة مجده كوعد الروح من فم المسيح (2كو 18:3). فأصبحت المحبة
العاملة في قلوب أتقيائه صورة سرية لوجه الحبيب.

ونعتذر للقارئ الطامح
وراء المزيد من التعرف على المحبة لأن المقام لا يتسع لأكثر من هذا. فالمحبة وحدها
لا يسعها كتاب من ألف صفحة!!

«فرح»: car£

انعكاس مباشر لفعل محبة
الله التي انسكبت في قلوبنا بالروح القدس. فمن ذا يمتلئ بحب المسيح ويستطيع أن
يكتم فرحه. فعندما يمتلئ القلب بالحب يمتلك الفرح وجه الإنسان لينطق بالبشر
والابتهاج والسرور.

 وإذا سألتني ما هو
منبع وأصل الفرح في الإنسان؟ أقول لك حينما يسخن الإيمان في القلب ويمتد بالرجاء
نحو المزمعات، يطير القلب فرحاً. فقاعدة الفرح في القلب هو الرجاء، والرجاء
يمتد بالفرح!! ق. بولس اختبر ذلك:
» فرحين في الرجاء «(رو 12:12)، » ويملأكم إله الرجاء “كل
سرور”، “وسلام”، في الإيمان لتزدادوا في الرجاء
بقوة الروح القدس
«(رو 13:15). هذا هو قمة اختبار ق. بولس للإيمان والرجاء والفرح في
الروح القدس وهو يسلِّمنا هذا الاختبار ليكون شعلة تضيء الطريق أمامنا.

ويعود بولس الرسول لنفس
هذه الومضة الإلهية التي تضيء قلبه فيقول:

+ » لأن ليس ملكوت الله أكلاً وشرباً، بل هو
برٌّ “وسلام” و“فرح” في الروح القدس.
«(رو 17:14)

وهذا يعني أن من حاز
بالإيمان الواثق على بر الله، وعاش في سلام مع الله، والفرح يغطي حياته بعمل الروح
في القلب، فهو يحيا حقا ومسبقاً في ملكوت الله، الذي كشف المسيح عن حقيقة وجوده
فينا:
» لأن ملكوت الله داخلكم «(لو 21:17). ولا عجب لأنه إن كان المسيح يحيا فينا فالملكوت القائم
فيه قائم فينا.

«سلام»:e„r»nh ([11])

صفة من الصفات المميزة
جداً للعهد الجديد، وعند الكتَّاب اليونانيين القدامى خارج التوراة كانت تعني
الانسجام الداخلي
a state of
harmony
، والهدوء من كل حرب أو
نزاع. وبالعبرية “شالوم” وتعني صحة نفسية داخلية وازدهار:

1 في العهد
القديم:

( أ ) حالة
خير ورفاهية
well being:

+ » وقال داود
للغلمان: اصعدوا إلى الكرمل وادخلوا إلى نابال واسألوا باسمي عن سلامته وقولوا
هكذا حييت وأنت سالم (شالوم = سلام) وبيتك سالم (شالوم) وكل ما لك سالم
(شالوم = سلام).
«(1صم 25: 5و6)

أمَّا تحية اليهود حتى
اليوم فهي شالوم إليكم
shalom
elekem
.

(ب) حالة
سلام وأمان:

+ » فأرسل داود
أبنير فذهب بسلام.
«(2صم
21:3)

( ج ) حالة
ازدهار ونجاح:

+ » فأتى أوريا إليه فسأل داود عن سلامة
يوآب وسلامة الشعب ونجاح الحرب.
«(2صم 7:11)

( د ) حالة
سلام من حرب وسلام عشرة:

+ » فعمل يشوع
لهم سلاماً (صلحاً) وقطع لهم عهداً لاستحيائهم …
«(يش 15:9)

+ » أيضاً رجل
سلامتي (شالوم) الذي وثقت به آكل خبزي
رفع عليَّ عقبه.
«(مز 9:41)

2
في العهد الجديد:

أخذها كما هي من العهد
القديم ولكن أضاف إليها الحالة الداخلية للإنسان والحالة الروحية كهبة من الله
بسبب الإيمان وبسبب المصالحة مع الله وبسبب البر الذي نلناه من الله الذي جاء ضد
عقوبة الخطية. كما جاءت لتفيد هدوء الفكر والضمير والنفس بسبب النعمة، بجوار أنها
تأخذ وضعها الاجتماعي العادي في الرسائل.

ونحن أخذنا “السلام”
و “المسرة” يوم ولد لنا ولدٌ وأعطينا ابناً وصار عمانوئيل معنا، بشهادة
الملائكة وتهليلهم:
» المجد لله في الأعالي وعلى الأرض “السلام” و
“المسرة”
في الناس
«(لو 14:2). لقد لبست البشرية إكليل فرحها يوم وُلد المسيح. فإن
حلَّ في قلبنا فكم سرور نحظى وكم سلام ننعم.

ويلاحظ القارئ أن ق.
بولس ليس جزافاً أن يقرن السلام بالسرور، فقد أقرنها الملائكة من السماء بمولد
المسيح على الأرض، وفي كلتا الآيتين (رو 17:14)، (رو 13:15). لأنه لا يمكن أن
ينفصل الفرح عن السلام ولا السلام عن الفرح، وقد فزنا بالاثنين معاً بميلاد المسيح
وبقيامته من الأموات وذلك لما تبررنا في المسيح بالقيامة ونلنا به المصالحة:

+ » فإذ قد
تبررنا بالإيمان لنا سلام
مع الله بربنا يسوع المسيح. «(رو 1:5)

هنا سلام الفكر والقلب
والحياة.

+ » بل نفتخر
أيضاً بالله بربنا يسوع المسيح الذي نلنا به الآن المصالحة.
«(رو 11:5)

ولا أعظم من المصالحة
مع الله في إدخال الفرح والسلام في قلب الإنسان.

والمرجو من القارئ
الحبيب أن يدخل داخل قلبه الآن ويحس بالإيمان بالمسيح باعتباره قائماً في القلب
ليتأكد أي سلام سينبعث من أعماقه، ثم إذ يعلم الصلة بين الآب والابن ويحس بالابن
داخل قلبه فليتأكد من صدق المصالحة التي نلناها!! فالفرح والسلام ثمرة حياة قلبية
مع الروح القدس الذي يحكي لنا عن عمل المسيح الممتد ليملأنا فرحاً ونعيماً وسروراً
من جراء الصلح والتبني والتبرير وهبات الروح ووعد الحياة الأبدية. إن بهجة قلب
الله هي أن يفرح الإنسان بعمل ابنه ويعمَّه السلام.

ولكن
إن امتلأنا بسلام من جراء سلوكنا بالروح فإن هذا السلام الروحي يمتد فينا ليكوِّن
علاقة قلبية مع الله فينفتح علينا سلام الله نفسه، فإن حلَّ سلام الله علينا يكون
كقوة حفظ وعناية فائقة حولنا. وقد عاش ق. بولس تحت هذه المظلة في ساعات المحنة
التي لاحقته كل أيام حياته:

+ » افرحوا في
الرب كل حينٍ وأقول أيضاً افرحوا … لا تهتموا بشيءٍ، بل في كل شيءٍ بالصلاةِ
والدعاءِ مع الشكر، لتُعلَم طلباتكم لدى الله. وسلام الله الذي يفوق كل عقلٍ،
يحفظُ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع.
«(في 4: 4و6و7)

وليس مجرد حفظ القلب
فقط بل سلام الله يملك أيضاً على القلوب بين الجماعة التي تعاهدت على المحبة:

+ » وليملك في قلوبكم “سلام الله”
الذي إليه دعيتم في جسد واحد، وكونوا شاكرين.
«(كو 15:3)

وليتنا نعلم أن الله
كما هو محبة هو نور وهو سلام بصورة مطلقة، فسلام الله قوة أو مجال مطلق القوة يملأ
الوجود، فمن دخل إلى الله بالإيمان بابنه انفتح عليه مجال سلام الله المطلق ليظلل
الإنسان ويملك عليه. لذلك يدعى الله: «إله السلام»:

+ » عيشوا
بالسلام وإله المحبة والسلام سيكون معكم.
«(2كو 11:13)

+ » إله السلام
معكم أجمعين آمين.
«(رو
33:15)

+ » وإله السلام
سيسحق الشيطان تحت أرجلكم سريعاً. نعمة ربنا يسوع المسيح معكم آمين.
«(رو 20:16)

+ » وإله السلام
يكون معكم.
«(في 9:4)

+ » وإله السلام
نفسه يقدِّسكم بالتمام، ولتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم عند مجئ ربنا
يسوع المسيح.
«(1تس 23:5)

+ » وإله السلام
الذي أقام من الأموات راعي الخراف العظيم ربنا يسوع المسيح بدم العهد الأبدي …
«(عب 20:13)

لهذا فإن الذين يصنعون
السلام في الكنيسة بين المؤمنين يُدْعَوْن أبناء الله:

+ » طوبى لصانعي
السلام لأنهم أبناء الله يُدْعَوْن.
«(مت 9:5)

ومن المواقف المؤثرة
جداً موقف المسيح من التلاميذ المنزعجين وهم مجتمعون في العلية ليلة العشاء السري،
فهدَّأ المسيح من اضطرابهم بقوله:
» لا تضطرب قلوبكم « ثم » سلامي أترك لكم سلامي أعطيكم ليس كما يعطي
العالم أعطيكم لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب.
«(يو 14: 1و27)

وهذه لا تزال دعوة
المسيح لنا إزاء كل ضيقة نقع فيها أو محنة تحيط بنا فهو رئيس السلام ومكمِّله!!

هذا
هو سلام العهد الجديد المميَّز عن سلام العالم:
» سلامي أعطيكم ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا «(يو 27:14). والمميَّز عن سلام العهد
القديم بكل أنواعه. فهو هنا سلام الله نفسه الذي يرفع مستوى العقل والنفس والروح
والجسد لننعم بحالة أمان شامل تفوق كل قوى العالم الشريرة.

“فسلام الله لنا” كون الله
“رب السلام” و“إله السلام”، فهو السلام الكلي أو المطلق الخالق والمجدِّد، مع سلام
المسيح لنا
المحسوب سلام النصرة على الخطية والموت والهاوية وكل قوات
الظلمة التي ظفر بهم على الصليب وأخضعهم تحت قدميه. هذا هو سلام العهد الجديد، فهو
قوة روحية داخلية تحيط بالفكر والقلب والضمير وحتى الجسد لتعطي الإنسان
إحساس الأمان الكامل. فلا خوف ولا انزعاج ولا اضطراب ولا اهتمام ولا قلق، وهكذا
يُعطَى الإنسان الاطمئنان النفسي للنمو والتقدم في طريق الروح بنجاح. اسمع ق. بولس
وهو يتشبث بهذا السلام الإلهي الكامل وكأنه درع إلهي متسربل به:

+ » مَنْ
سيفصِلنا عن محبَّة المسيح؟ أشدَّةٌ أم ضيقٌ أم اضطهادٌ أم جوعٌ أم عُريٌ أم خطرٌ
أم سيفٌ؟ كما هو مكتوب إننا مِنْ أجلك نمات كل النهار. قد حُسبنا مثل غنم للذبح.
ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا. فإني متيقن أنه لا موت ولا حياة،
ولا ملائكة ولا رؤساء، ولا قوات، ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة، ولا علوَ ولا عُمقَ،
ولا خليقةَ أُخرى، تقدِرُ أن تفصلنا عن محبَّة الله التي في المسيح يسوع ربنا.
«(رو 8: 3539)

فلولا “السلام القلبي
الإلهي” الذي يحفظ ق. بولس ويحيط به ما وقف وقفة التحدي ضد كل خليقة في السماء
وعلى الأرض مستعداً للنزال والنضال واثقاً أن النصرة في يمينه.

عزيزي القارئ إن كانت
المحبة سيدة المواهب جميعاً، فالسلام الإلهي بالنسبة للإنسان هو القوة العظمى التي
وُهبت للإنسان ليقدر أن يواجه بها ويتحدى عالم الظلمة:
» وإله السلام
سيسحق الشيطان تحت أرجلكم سريعاً
«(رو 20:16). وبآن واحد هو مصدر الهدوء والاطمئنان للنفس مهما
اضطربت الدنيا حولها وعلى مدى مسيرتها حتى النهاية. ويكفي أن يكون المسيح نفسه هو
سلامنا:
» لأنه هو سلامنا. «(أف 14:2)

«طول أناة»:
makroqum…a

هذه صفة الله الخاصة
المنطوقة بفمه هو، اسمع ما يقوله الله عن نفسه:

+ » فنزل الرب
في السحاب، فوقف (موسى) عنده هناك ونادى باسم الرب، فاجتاز الرب قدَّامه، ونادى
الرب: الرب إله رحيم ورؤوف بطيء الغضب (= طويل الروح
makrÒqumoj) وكثير الإحسان والوفاء حافظ الإحسان إلى ألوف، غافر الإثم
والمعصية والخطية ولكنه لا يبرئ إبراءً.
«(خر 34: 57)

وتجيء بمعنى “متمهِّل”:

+ » أفلا ينصف
الله مختاريه الصارخين إليه نهاراً وليلاً وهو متمهِّل
makroqume… (صابر، مطيل أناته) عليهم. أقول لكم إنه ينصفهم سريعاً. «(لو 18: 7و8)

ويقول القديس بولس إن
المحبة طويلة الأناة وهذا حق فإن كان الله محبة وكان الله طويل الأناة، فتحتم أن
تكون المحبة لها طول أناة:

+ » المحبة
تتأنى

(تطيل أناتها)
makroqume…. «(1كو 4:13)

ولذلك لم يفت على
القديس بولس أن يوصي بها ويركز عليها فهي عمود المحبة الراسخ:

+ » فأطلب
إليكم، أنا الأسيرَ في الربِّ، أن تسلكوا كما يحقُّ للدعوةِ التي دُعِيتُم بها.
بكل تواضعٍ ووداعةٍ، وبطولِ أناةٍ، محتملين بعضكم بعضاً في المحبةِ.
«(أف 4: 1و2)

عزيزي القارئ إن كانت
تعوزك هذه الثمرة الجليلة القدر فجاهد من أجلها بالصلاة فهي تعينك على ممارسة
المحبة واحتمال الضعفاء:

+ » متقوِّينَ
بكل قوةٍ بحسب قدرة مجده، لكل صبرٍ وطول أناةٍ بفرحٍ
«(كو 11:1)

+ » فالبسوا
كمختاري الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفات ولطفاً وتواضعاً ووداعة وطول أناة
محتملين بعضكم بعضاً ومسامحين بعضكم بعضاً.
«(كو 3: 11و12)

كما تأتي طول الأناة
بمعنى التأني:

+ » شجعوا صغار
النفوس، اسندوا الضعفاء، تأنوا على الجميع.
«(1تس 14:5)

أعزائي القراء سامحوني
سأخرج عن الشرح لحظة ولكن هو الروح الذي يحثني أن أبوح بأمنيتي ورجائي في المسيح.
أنا واثق يا إخوتي المحبوبين أن النعمة ترصدنا وتقطع على نفسها أن تعطينا كل هذا
الذي سردناه بالأنين والدموع لافتقارنا من الكل إلى الحد الذي كاد
يمزق قلوبنا لو اجتمعنا بالمحبة لنتعرَّف على بعضنا البعض بما انتهى
إليه حالنا، ونقطع على أنفسنا أن لا نكف عن الصلاة حتى يأتي الرب ويصنع لنا
تجديداً بالروح من أجل اسمه. العالم كله يتحرَّك ويتمخَّض بحركات تجديد إلاَّ
نحن!! وأنا واثق بالرب أن كل صفات الحياة بالروح مع كل الثمار الشهية التي سمعناها
تصبح وكأنها طبيعة جديدة لنا تخرج من قلوبنا عفوياً، تنسكب المحبة سكيباً وسط
الجماعة ويستقي منها الجميع بلا حذر وبلا ثمن وبلا خوف، وببهجة وبساطة قلب تعود
الكنيسة إلى رسوليتها الأُولى ويدعى الكل تلاميذ الرب. هل حان الوقت؟

«لطف»: crhstÒthj = kindness

وها هي أيضاً صفة أخرى
من صفات الله الخاصة:
» ذوقوا وانظروا ما أطيب
(ألطف
crhstÒj) الرب «(مز 8:34). التي اقتبسها ق. بطرس وتُرجمت: » إن كنتم قد
ذقتم أن الرب صالح
crhstÒj. «(1بط 3:2)

ولكن “لطف الله” يكون
مع الذين يثبتون في الرب والمقابل تكون صرامته مع الذين سقطوا:

+ » فهوذا لطف
الله =
crhstÒthta وصرامته: أمَّا الصرامة فعلى الذين سقطوا، وأمَّا اللطف فلك، إن
ثبتَّ في اللطف
crhstÒthj. «(رو
22:11)

ومعروف أن لطف الله
أساساً لكي يقتاد الإنسان الضعيف إلى التوبة:
» إن لطف الله
إنما يقتادك إلى التوبة
«(رو 4:2). وأن الإنسان الذي حاز على مفاعيل لطف الله أصبح بالمقابل
عليه أن يعامل الآخرين باللطف:
» وكونوا لطفاء crhsto… بعضكم نحو بعض شفوقين
متسامحين كما سامحكم الله أيضاً في المسيح.
«(أف 32:4)

«صلاح»: ¢gaqwsÚnh

والصفة منها “صالح ¢gaqÒj” وهي ممتدة في معناها. وهي هنا في موضعها وسط ثمرات الروح تعني
بالأكثر السخاء
generosity أو الجود. وهي تأتي ضد الحسد أو الغيرة غير الخيِّرة fqÒnoj. وبالفعل جاءت في مثل
المسيح بمعنى العين الشريرة في مقابل
» لأني صالح. «(مت 15:20)

وهذه الصفة الفريدة لم
تأتِ إلاَّ في رسائل بولس الرسول فقط: (رو 14:15)، (أف 9:5)، (2تس 11:1).

«إيمان»: p…stij

وهي تفيد هنا حالة
الإيمان أو المستوى الإيماني أي الثقة، ولكن لا تفيد هنا عمل الإيمان ولكن بلوغ
مستوى الإيمان اللازم للحياة مع الله.

والثماني ثمرات الأُخر
تفيد وضعاً أخلاقياً لذلك تأتي هذه الثمرة هنا كأساس للوضع الأخلاقي. فالمؤمن هو
صاحب الثمرات كلها ولكن أساسها في البدء هو الإيمان:

+ » إذاً الذين
هم من الإيمان يتباركون مع إبراهيم المؤمن.
«(غل 9:3)

وهي صفة تشكِّل وضع
الإنسان الإيجابي بالنسبة للآخرين غير المؤمنين:
» وأي نصيب
للمؤمن مع غير المؤمن.
«(2كو 15:6)

وكلمة “p…stij” تأتي كصفة مطلقة لله وتعني: “أمين”: » أمين pistÒj هو الله الذي به دعيتم إلى شركة ابنه يسوع المسيح ربنا «(1كو 9:1). وهذا يعني: “صدقه” لأن الإيمان هو التصديق، فالله صادق
في دعوته لنا لشركة ابنه يسوع المسيح:

+ » لم تصبكم
تجربة إلاَّ بشرية، ولكن الله أمين
pistÒj الذي لا يدعكم تجرَّبون فوق ما تستطيعون بل سيجعل مع التجربة
أيضاً المنفذ لتستطيعوا أن تحتملوا.
«(1كو 13:10)

فهنا صدق الله يعين
الواثق به.

+ » لكن أمين pistÒj هو الله إن كلامنا لكم لم يكن نعم ولا … لأن مهما كانت مواعيد
الله فهو فيه النعم وفيه الأمين لمجد الله بواسطتنا.
«(2كو 1: 18و20)

“أمين هو الله” الأُولى
أي صادق صدق الحق، وفيه “الأمين” الثانية فيه الأمانة والاعتماد عليه.

+ » أمين pistÒj هو الله الذي يدعوكم الذي سيفعل أيضاً. «(1تس 24:5)

هنا الصدق واضح.

+ » أمين pistÒj هو الرب الذي سيثبتكم ويحفظكم من الشرير. ونثق في الرب من جهتكم. «(2تس 3: 3و4)

هنا الثقة أوضح معنى
للأمين.

+ » فماذا إن
كان قوم لم يكونوا أمناء
ºpisths£n أفلعل عدم أمانتهم ¢pist…a يبطل أمانة p…stin الله. «(رو 3:3)

المقصود هنا تصديق أمانة
الله.

وهكذا فرضت هذه
المعادلة نفسها، فإذا كان الله أميناً بكل معنى وبكل ثقة من نحونا، أصبح من الواجب
والحق أن نكون نحن أمناء له أي مؤمنين به!!

والله إن كان قد أعطانا
روحه فلكي يؤكد لنا أولاً أن الله أمين لنا ثم يقنعنا بكل وسيلة أن نكون أمناء له
أي مؤمنين باسمه.

نخرج من هذه المقابلة
البديعة أن الإيمان المعروض علينا والذي قبلناه ونعيشه يحتاج إلى أمانة أي إيمان
متجدِّد بالفعل. فالإيمان لا يبقى إيماناً إلاَّ بمزيد من الأمانة أي مزيد من
الإيمان:
» ثم يُسأل في الوكلاء لكي يوجد الإنسان (أي إنسان يوكله الله)
أميناً
pistÒj
«
(1كو 2:4). فالخادم الذي
يكرز بالإيمان تُراجَع وكالته حتى يكون هو أيضاً أميناً أي صاحب إيمان.

وبالنهاية يتضح أمامنا
أن إيماننا بالمسيح هو تحت الفحص يوماً بيوم لأن الذي يتكلَّم عن الإيمان يتحتَّم
أن يكون هو صاحب إيمان.

يا إخوة نحن أمام محكمة
واضحة لا لبس فيها، محكمة وتفتيش على الإيمان، وأمانة الإيمان من قبل الله والضمير
نفسه يشهد بهذا وصحة هذا:

+ » فقال الرب
فمن هو الوكيل الأمين:
pistÒj الحكيم الذي يقيمه سيده على خدمه … «(لو 42:12).

+ » فالأمين pistÒj في القليل أمين pistÒj أيضاً في الكثير. «(لو 10:16)

والأمر الجديد هنا هو
أن إيماننا بالمسيح الذي كنا نظن أنه خاص جداً بنا إذ به هو إيمان متبادل بيننا
وبين الله. فالله لأنه أمين استودعنا أمانته أي الإيمان به، فصارت أمانته أي
الإيمان به رهن الفحص والمراجعة، فكما أظهر الله أمانته لنا يسأل أن تكون أمانتنا
له ظاهرة وتتناسب مع أمانته، وإلاَّ نوجد مختلسين أمانة وإيماناً.

الله أحب إبراهيم
واستأمنه على عطاياه فكان إبراهيم أميناً أمانة الله له. والدليل قاطع. الله أعطى
إبراهيم ولداً فكان وحيده ومحبوبه، فالله أظهر أمانة من نحو إبراهيم عظيمة للغاية.
فلما طلب الله الذي له، أي الأمانة التي استلمها إبراهيم، لم يتوانَ إبراهيم بل
أعطاه الأمانة التي له وفرَّط في الولد تفريطاً عظيماً. إذ مدَّ يده بالسكين
المعادلة واضحة: الله أعطى إبراهيم ابناً، وإبراهيم بالمقابل أعطى الله الابن.

لهذا قيل: » فآمن
إبراهيم بالله فحسب له برًّا
«(رو 3:4). إيمان إبراهيم اختبره الله اختبار المحنة العظمى فوجد
إبراهيم أميناً أي صاحب إيمان عظيم حقا، وكان أول صاحب إيمان عظيم بهذا القدر فدعي
أبا الإيمان!

إذن عزيزي القارئ كن
على استعداد لأن الله مزمع أن يختبر إيمانك لتوجد أميناً
» هنا صبر
القديسين وإيمانهم.
«(رؤ
10:13)

23:5 «وَدَاعَةٌ،
تَعَفُّفٌ، ضِدَّ أَمْثَالُ هذِهِ لَيْسَ نَامُوسٌ».

«وداعة»: praäthj = gentleness

موسى كان حليماً جداً praåj
sfÒdra
(عد 3:12)
ويصفها بعض العلماء أنها عدم القدرة على الغضب خاصة أمام تعدي الآخرين الشديد.

والمسيح كان حليماً praäj وتُرجمت وديعاً ومتواضع
القلب (مت 29:11).

والقديس بولس يترجَّى
أهل كورنثوس بوداعة المسيح
praäthtoj وحلمه ™pieike…aj (2كو 1:10). والودعاء oƒ prae‹j يرثون الأرض (مز 11:37، مت 5:5). وقد تطلق هذه الصفة على الحيوان
فتترجم “أليف” عكس متوحش. والفعل منها
praänw وتعني يستأنس الحيوانات المتوحشة.

لذلك فهي بالنسبة
للإنسان تعني أن يضبط الإنسان نفسه أدبياً. فإذا كانت ثمرة الروح في ضبط الإنسان
لنفسه فهي
praäthj
وهي متساوية مع طول الروح
makroqum…a: » بكل تواضع ووداعة وبطول أناة محتملين بعضكم
بعضاً في المحبة.
«(أف 2:4). ثم جمعها القديس
بولس معاً كلآلئ
تلمع في خيط واحد: » فالبسوا كمختاري الله القديسين
المحبوبين أحشاء رأفات ولطفاً
crhstÒthta وتواضعاً
ووداعة
praäthta وطول
أناة
makroqum…an. «(كو 12:3)

ويرسل
إلى تيطس:

+ » مظهرين كل وداعة p©san …
praäthta
لجميع
الناس.
«(تي 2:3)

ويرسلها
إلى تيموثاوس مجموعة مع الإيمان والمحبة والصبر:

+ » وأمَّا أنت يا إنسان الله فاهرب من هذا
(محبة المال) واتبع البر والتقوى والإيمان والمحبة والصبر
والوداعة dikaiosÚnhn, eÙsšbeian, p…stin,
¢g£phn, Øpomon»n, praãpaq…an
. «(1تي 11:6)

أمَّا القديس يعقوب
فيرى الوداعة تلزم كلمة الله وتناسبها:
» لذلك اطرحوا
كل نجاسة وكثرة شر فاقبلوا بوداعة
praäthti الكلمة المغروسة القادرة أن تخلِّص نفوسكم «(يع 11:1). وهنا الوداعة كثمرة الروح تبدو أساساً لانفتاح الذهن
على كلمة الله. فهي ليست أخلاقية وحسب بل طريقاً مفتوحاً على أسرار الإنجيل!

«تعفف»: ™gkr£teia = self controll

هذه إن كانت تختص بضبط
النفس فهي قريبة من الوداعة. ولكن اختصاصها لا يقع على الغضب فقط كالوداعة، بل على
أنواع النشاذ الخلقي إذ يضعها العفيف النفس تحت الانضباط جميعاً. والعفيف
™gkrat»j لا يحيد عن الشر أو الخطأ من تلقاء طبيعته بل بالانضباط:

+ » وكل مَنْ
يجاهد يضبط نفسه في كل شيء
™gkrateÚetai. «(1كو 25:9)

بمعنى أن العفة هي جهاد
لضبط النفس في كل شيء.

والقديس بولس يُدخل ضبط
النفس

أي التعفف في معنى الشهوة الجنسية بوضوح بالنسبة
لغير المتزوجين وللأرامل:

+ » ولكن أقول
لغير المتزوجين وللأرامل إنه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا. ولكن إن لم يضبطوا أنفسهم
= (يتعففوا
oÙk ™gkrateÚontai) فليتزوجوا. «(1كو 7: 8و9)

«ضد أمثال هذه
ليس ناموس»:

والترجمة الصحيحة يلزم
أن تكون: إن الناموس ليس له ضد هذه وأمثالها. والمعنى هنا يلتبس على القارئ لأول
وهلة كأن تكون هذه الثمار التسعة هي في الناموس أو موافقة له. ولكن المعنى المقصود
هو: أن نحيا بهذه الثمار الروحية فالناموس ليس له عمل بضدها. والمعنى مأخوذ من
أسلوب الناموس: فهو يأمر بأشياء إيجابية ويقف ضد عكس هذه الأشياء. ولكن في الحياة
المسيحية التي يعمل فيها الروح فهو لا يأمر بهذه الثمار أي أنها ليست فروضاً، كما
أن ضد هذه الثمار كذلك لا توجد فروض، لأننا لسنا تحت ناموس بل تحت النعمة، وهذه هي
من عمل النعمة. فليس من المعقول في الحياة المسيحية التي تكون في ملء الحرية وتحت
النعمة أن تصدر فروض تفرض المحبة والفرح والسلام!

ويعلِّق على ذلك
العالِم بروس عن العالِم هوك([12])
ويقول إن الكرمة لا تطرح بناءً على أمر البرلمان ولكنها تطرح ثماراً من واقع
حياتها. هكذا السلوك الذي يتوافق مع الملكوت لا يُفرض بالأمر ولكنه هو سلوك الحياة
التي بحسب الله التي يعطيها الله في المسيح وبواسطته.

وهذا واضح عندنا لأن
الناموس غير موضوع للسمائيات أو للسمائيين.

24:5 «وَلكِنَّ
الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ
والشَّهَوَاتِ».

ويقصد المؤمنين بالحق
الذين باعوا أنفسهم للمسيح وصاروا أحبَّاءَ وعبيداً ليسوع المسيح كالقديس بولس.

«قد صلبوا
الجسد»:

هذه الحقيقة تأتي من
مصدرين:

الأول: من واقع
الإيمان بصليب المسيح، لأن المسيح لم يُصلب كابن الله وحسب بل كابن الله بالجسد أي
بالبشرية فيه ومعه. فكل إنسان ذي جسد وقد آمن بالمسيح والصليب يكون قد صُلب مع
المسيح في ذات الجسد:
» مع المسيح صُلبت فأحيا لا أنا بل
المسيح يحيا فيَّ
«(غل
20:2). إذن بحسب الإيمان المسيحي ومفاعيله اللاهوتية يكون الذين هم للمسيح
بالإيمان قد صلبوا الجسد. والذي يُبرز هذا المعنى هو دوام أفعال المسيح الخلاصية
لكونها أفعالاً إلهية ليبقى الخلاص عملاً دائماً. فإن كان المسيح لا يزال مصلوباً
فكل مسيحي يشاركه في هذا الصلب الدائم للجسد لأننا مع المسيح “صُلبنا” بل نحن
مصلوبون!!

وحينما يقول ق. بولس: » لأني
بالناموس متُّ للناموس لأحيا لله (كيف؟) (لأني) مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا (لأني
مت معه) بل المسيح (القائم والذي أقامني) يحيا فيَّ (بقيامته). فما أحياه الآن في
الجسد فإنما أحياه في الإيمان إيمان ابن الله (صِدْقُه فيما عمله) الذي أحبني
وأسلم نفسه لأجلي.
«(غل
2: 19و20)

وباختصار يكون معنى
الآية: أنا مت بالناموس للناموس لأني صُلبت مع المسيح (والذي صلبه هو الناموس).
إذن واضح وضوح الشمس قوة قول ق. بولس في هذه الآية أن
» الذين هم
للمسيح قد صلبوا الجسد
« ومعروف كذلك أن المسيح صُلب حاملاً خطايانا وأهواء الجسد وشهواته
في جسده على الخشبة فصحَّ قول ق. بولس أن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع
الأهواء والشهوات.

الثاني: يأتي من أن
الإيمان بواقع المنطوق الإنجيلي أي كل ما جاء في البند الأول، دخل بالفعل
للفعل ليحقق الإنسان المسيحي ما ناله بالإيمان على مستوى واقع الجسد وشهواته، وذلك
بمؤازرة روح الله القدوس وسند ومعونة نعمته:
» بالنعمة
أنتم مخلَّصون
«(أف 5:2). وهل
الخلاص شيء آخر غير أننا مصلوبون كل يوم للمسيح عن حق وفعل معاً.

وهكذا إن كنا قد مُتنا
مع المسيح بالناموس للناموس أي لما حُكم على المسيح بالموت بواسطة
الناموس انفصل المسيح نهائياً عن الناموس، فانفصلنا نحن بالضرورة عن الناموس
ولمَّا متنا للناموس إذن فنحن نعيش الآن لله بالمسيح. وق. بولس حينما يقول متُّ
بالناموس للناموس فهو يشير إلى الأنا
™gè أي مات الأنا ™gè ليحيا لا الأنا الذي لي فيَّ بل “أنا” المسيح فيَّ، أي فكر المسيح
وروحه:
» أمَّا نحن فلنا فكر المسيح «(1كو 16:2)، لذلك قال فالآن لست أحيا “أنا
=
™gè” بل المسيح نفسه ™gè يحيا فيَّ (غل 20:2)

هذا هو معنى صلب الجسد
مع الأهواء والشهوات، لأن الذي يمثل الجسد والأهواء والشهوات هي الذات
™gè. وهكذا إذ مات الجسد مع الأهواء والشهوات مُنحنا
حتماً الروح القدس للقيادة والتدبير عوض الأنا
™gè وهي الإنسان العتيق. وهكذا ربحنا العنصر الإلهي الذي يكمل لنا موت
الجسد والشهوات مع الأنا
™gè العتيق!!

+ » لأنه إن
عشتم حسب الجسد (الأنا
™gè القديم) فستموتون (بل ونُحسب محكوماً
علينا بالموت) ولكن إن كنتم
بالروح (القدس) تميتون
أعمال الجسد
(حالة الصلب عملياً) فستحيون. لأن كُلَّ
الذين ينقادون بروح الله، فأُولئِكَ هُم أبناءُ اللهِ. إذ لم تأخذوا روح العبودية
أيضاً (ثانية) للخوفِ، بل أخذتم روح التبنِّي الذي به نصرخُ (كأبناء): يا أَبا
الآبُ! الروح نفسه أيضاً يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله.
«(رو 8: 1316)

وكما قال إنه » بالروح
تميتون أعمال الجسد
«قال:

+ » أميتوا
أعضاءكم التي على الأرض (التي هي) الزنا النجاسة الهوى الشهوة الردية الطمع …
الأمور التي من أجلها يأتي غضب الله على أبناء المعصية.
«(كو 3: 5و6)

إذن فمعروف من أين يأتي
الأمر “أميتوا” وكيف نميت أعضاءنا بالفعل ذلك من قوله السابق:
» إن كنتم بالروح
تميتون
أعمال الجسد فستحيون
«أو بالحري نكون
أحياءً!!

«الذين هم
للمسيح»:

ما معنى الذين هم
للمسيح؟ هذه يشرحها بولس الرسول هكذا:

+ » الذي يهتم
باليوم، فللرب يهتم. والذي لا يهتم باليوم، فللرب لا يهتم. والذي
يأكل، فللرب يأكل لأنه يشكر الله. والذي لا يأكل فللرب لا يأكل
ويشكر الله. لأن ليس أحد منَّا (مؤمن بالمسيح) يعيش لذاته، ولا أحد يموت لذاته.
لأننا إن عشنا فللرب نعيش، وإن متنا فللرب نموت. فإن عشنا وإن
متنا فللرب نحن.
لأنه لهذا مات المسيح وقام وعاش، لكي يسود على الأحياء
والأموات.
«(رو 14: 69)

«قد صلبوا
الجسد»:

ما معنى هذا؟ يقول ق.
بولس شارحاً هذا:

+ » عالمين هذا
أن إنساننا العتيق قد صُلب معه ليبطل جسد الخطية كي لا نعود نستعبد أيضاً للخطية
(والشهوة).
«(رو 6:6)

وما معنى ذلك عملياً؟
يقول ق. بولس في ذلك:

+ «إن كنتم بالروح
تميتون أعمال الجسد فستحيون.»
(رو 13:8)

وها
نحن عدنا إلى مبتدأنا في الآية المصححة: «اسلكوا بالروح فلن تكمِّلوا شهوة
الجسد»
(غل 16:5). فهذا وعد جازم يستحق الاعتماد عليه لأنه اعتماد على الله
نفسه. أمَّا صدق أن الجسد العتيق مع الأهواء والشهوات قد صُلب مع المسيح فهذه هي
حقيقة الصليب وحقيقة موت المسيح الوحيدة وبامتياز، وبدونها لا يعود للصليب منفعة
لي، ولا تكون القيامة بأمجادها ذات معنى. لذلك يقولها ق. بولس كحقيقة قائمة بذاتها
لا تحتاج إلى شرح ولا إلى تأكيد:
» كذلك أنتم أيضاً احسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطية ولكن أحياء لله بالمسيح
يسوع ربنا.
«(رو 11:6)

كذلك: » فأميتوا
أعضاءكم التي على الأرض (لأنها ماتت كحقيقة روحية إلهية على الصليب،
فتمموها بالروح على مستوى الفعل الزمني وعلى الواقع الأرضي) الزنى
النجاسة الشهوة الردية الطمع الذي هو عبادة الأوثان
«(كو 5:3). والمعنى واضح: إن كان الجسد وأهواؤه وشهواته وأعضاؤه قد
تمَّ صلبها وموتها في اعتبار الله واعتبار الواقع الروحي واعتبار الدينونة المزمعة
أن تكون:
» لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع
السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح
«(رو 1:8)، إذن أصبح التعامل معها تحت تأثير الروح والنعمة فعل
ممارسة يسنده الله والإيمان والواقع كما قالها ق. بولس:
» اسلكوا
بالروح فلن تكمِّلوا شهوة الجسد
«!

أمَّا بخصوص الآية التي
نحن بصددها:
» الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات « فهي على نفس القياس بمعنى أنهم طالما هم مسيحيون فقد انصلبوا مع
المسيح، وأمَّا أن يكونوا مسيحيين وللمسيح أيضاً، أي أصبحوا وقد باعوا أنفسهم
للمسيح وللمسيح يعيشون، فهؤلاء فوق أنهم انصلبوا بفعل الواقع التاريخي فهم يصلبون
كل يوم الجسد مع الأهواء والشهوات بفعل الواقع العملي. حيث القوة الفعلية على صلب
الجسد مع أهوائه وشهواته تكون هي المسيح للذين هم له لأنه هو أصبح لهم بالمقابل.

على أن معادلة
الإيمان
التي يضمنها الله والمسيح: أن كل الذي تمَّ على الصليب من أجلنا يتحتم
أن يتم لنا عملياً. فهذا هو عمل الإيمان!!

«مع الأهواء
والشهوات»:

الأهواء
هي الميول الظاهرة، والشهوات هي المفاعيل المخفية في الجسد والتي تحرك الأهواء
والجسد كله.

في
الحقيقة الجسد هو قاعدة الأهواء والشهوات حيث الأهواء هي الميول التي تتولَّد من
الشهوة. فإن كان الجسد العتيق أي العامل بغرائزه المسيبة قد حُكم عليه مع المسيح
بالصلب والموت فقد باتت الأهواء والشهوات تحت نفس الحكم بالصلب والموت، أي لم يعد
لها الحرية أن تنطلق وتثبت وجودها بل صارت تحت الضبط والربط. فإن كانت قد أخذت حكم
موتها وبطلانها مع المسيح ومع المسيح أصبح علينا أن ننفذ الحكم الصادر. أي أننا لسنا
كأننا نحن الذين نُلزم أنفسنا بانحصار الأهواء والشهوات، بل هذا حكم صادر للتنفيذ
نستمد منه إرادتنا وسلطاننا وقوتنا، لا لنرضي أنفسنا بل لنرضي الذي مات أصلاً من
أجلنا ليبطل جسد الخطية مع أهوائه وشهواته.

علماً بأن القضية من
أساسها هي أن الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد. فكان الجسد قبل
أن يأتي المسيح ويقدِّم ذبيحة الفداء من أجل خطايانا هو المنتصر
والغالب ومعه الخطية والموت. ولكن على الصليب أجهز المسيح على الخطية والموت،
فشلَّ حركة الجسد العتيق وحركة الشيطان الذي كان الجسد تحت سلطانه، بل وأعطانا
“بالروح” الإنسان الجديد متحرراً من الخطية والموت، فأصبح الروح القدس نصيراً
للجسد الجديد، وبهذا أخذ الروح في الإنسان الجديد فرصة الانتصار والغلبة على
الجسد. وعلى هذه الحقيقة جاءت جميع الآيات السالفة وآخرها: “الذين هم للمسيح قد
صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات” فهذا تحصيل حاصل لعمل الصليب التاريخي الحي،
وعمل الروح المعطىَ للإنسان.

فالمسيح أمات الجسد مع
أهوائه وشهواته (مع أعماله)، والروح يمارس الإماتة بالنسبة للمؤمن الذي سلَّم نفسه
للمسيح!!

25:5 «إِنْ كُنَّا
نَعِيشُ بِالرُّوحِ، فَلْنَسْلُكْ أَيْضاً بِحَسَبِ الرُّوحِ».

هذه الآية تختم على
الصراع بين الجسد والروح:

(
أ ) فعلى أساس أن «الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات.»
(غل

24:5).

(ب) وبحسب رسالة رومية:
» إن كان المسيح فيكم فالجسد ميت بسبب الخطية وأمَّا
الروح فحياة
بسبب البر
«(رو 10:8). وهي تعقيب مباشر على الآية ( أ ).

( ج ) » فإذاً أيها
الإخوة نحن مديونون ليس للجسد (لأنه قد مات مع المسيح) لنعيش حسب الجسد.
«(رو 12:8)

فإن كان الجسد ميتاً،
وأمَّا الروح فحياة،

(
د ) إذن:
» أمَّا
أنتم فلستم في الجسد بل في الروح
إن كان روح
الله ساكناً فيكم.
«(رو 9:8)

( ه ) » ولكن إن
كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد
فستحيون. «(رو 13:8)

وهنا تأتي الآية التي
نحن بصددها بكل دقة في التسلسل:

( و ) «إن كنَّا
نعيش بالروح فلنسلك أيضاً بحسب الروح».

والقديس
بولس يضعها بصورة الشرط مع أنها حقيقة لا تحتاج لشرط. ولكنه إذ يعتمد على هذه
الحقيقة أننا نعيش بالروح وليس بالجسد يعطي نداءً:
» فلنسلك أيضاً بالروح « ولكن هنا يلزم أن نفرِّق بين: » نعيش بالروح « و» نسلك بالروح « و» بالروح نميت أعمال الجسد « و» ننقاد بالروح « لأنه أن » نعيش بالروح «فهذه
هبة المسيح في واقعنا الآن
» هذه النعمة التي نحن فيها مقيمون «(رو 2:5). ولكن أصبح التزاماً أدبياً
قبل أن يكون

روحياً أنه إن كنَّا نعيش بالروح
» فلنسلك بالروح « و» ننقاد بالروح « وأمَّا » بالروح نميت أعمال
الجسد
«فهذه هي طبيعة المضادة الإلهية التي وضعها الله فينا بين
الروح والجسد وأعطى الروح فرصة القيادة والنصرة. فإن الروح الموجود فينا والذي
نعيش به سيصارع أعمال الجسد ليميت أهواءه وشهواته، وكل المطلوب أن تنحاز إرادتنا
على طول المدى لقيادة الروح؛ لنعيش حياة النصرة.

«فلنسلك
أيضاً بحسب الروح»:
pneÚmati kaˆ stoicîmen

هنا
كلمة
» فلنسلك
stoicîmen «تفيد: السلوك خطوة بخطوة أو صفاً إزاء صف لأن
كلمة
sto‹coj
تعني صفاً بمعنى أن “السلوك بحسب الروح يعني الاقتداء
بالروح بالتصاق، لتكون المسيرة حسب قيادته تماماً. حيث يكون المعنى أنه إذا كان
الروح القدس هو مصدر حياتنا فليت الروح يقود الطريق([13]).
وبمعنى مختصر أن تكون حياتنا منضبطة بالروح وبهذا تخرج ثمار الروح.

والملاحَظ في أسلوب
بولس الرسول أنه يقدِّم أولاً العقيدة “الدُجما”، ومن العقيدة الإيمانية يستخرج
التعليم ويعطي الوصية أو الأمر كرسول مختبر. وإذا ارتفع مستوى النصائح والتعليم
فهو يعتمد دائماً على أشخاص روحيين يفهمونه ويفهمون الكنيسة:
» فأصلحوا
أنتم الروحانيين مثل هذا …
«(غل 1:6)

كذلك فالظاهر في تسلسل
عمل الروح في الإنسان ضد الجسد عند ق. بولس أنه يهدف لمنفعة السلوك تجاه الآخرين
أكثر من المكاسب الفردية، هذا في الظاهر ولكن الحقيقة الإنجيلية أن الإنسان الفرد هو الرابح أولاً من كل أعمال الله والمسيح
والروح، ومن مدى انتفاعه وامتلائه وتحكمه في
ذاته يعطي الجماعة، فإن فشل الإنسان أن يستوعب لنفسه عمل الروح فلن يستطيع
أن يفيد
المجتمع.

26:5 «لاَ نَكُنْ
مُعْجِبِينَ نُغَاضِبُ بَعْضُنا بَعْضاً، وَنَحْسِدُ بَعْضُنَا بَعْضاً».

إخفاق الفرد في الجماعة
من الانتفاع بعمل الروح في ضبط الحياة الداخلية، كان من أثره المباشر اختلال
العلاقات الأخلاقية والاجتماعية في الكنيسة.

«لا نكن
معجبين»:
kenÒdoxoi

المعجب معجب بذاته،
ولكن عُجب الذات يفسد المسيرة الكنسية كجسد المسيح، إذ تسقط هيبتها. والكلمة
اليونانية تفيد الانتفاخ والكبرياء الكاذب الذي ليس له ما يبرره أو يعززه في حياة
الإنسان الروحية من فضيلة أو نعمة، ويأتي بسبب النفس المخدوعة بذاتها.

«نغاضب
بعضنا بعضاً»:
prokaloàmenoi = provoking

الكلمة تفيد الإثارة
والسخط والاستفزاز.

«ونحسد
بعضنا بعضاً»:
fqonoàntej

وهي إصابة مفسدة كافية
أن تخلخل سلام الجماعة.

لقد انتقى ق. بولس
الصفات التي طفحت على الجماعة بعد أن دخلها اليهود المهيِّجون، فطعَّموا الجماعة
بهذه الصفات الأخلاقية، كنتيجة مباشرة للإشتغال بمعارف لاهوتية ليس لهم فيها باعٌ،
وهي المعارف التي تولِّد هذه الأخلاق عندما يخلو منها عنصر الإنجيل والحق، ويتبارى
فيها مَنْ ليس لهم فيها.

وإنه لمحزن حقا أن
تنتهي حياة كنيسة إلى هذه الخاتمة كنتيجة لانفتاح الكنيسة على جماعة اليهود
المزعجين الذين يعيشون من أجل إفساد المسيحية وتعاليم الإنجيل. ولكن المحزن
بالأكثر أن يوجد بالكنيسة مَنْ يتبنى وجهة نظر هؤلاء المفسدين. ولأن التعاليم
بعيدة عن روح المسيح والإنجيل نتج عنها هذه الصفات الغريبة عن مسيرة الإيمان
والمحبة والتواضع والبذل.



([1]) مَرْحا مَرْحا: تقال بنوع من التهليل.

([2]) كاتشزم = Catechism: معناها تعليم
المبادئ الدينية بالسؤال والجواب.

([3]) Liddell & Scott, A Greek. Engl.
Lex.

([4]) a – Lightfoot, Galat. p. 207.

b – Ridderbos, Galat. p.
195.

([5]) Bruce., op. cit., p. 243.

([6]) الإنسان جسد ونفس وروح:

الجسد
يمثله مجموعة الغرائز والميول الطبيعية: غريزة الأكل والنمو والتكاثر إلخ …

والنفس
يمثلها الانفعالات الطبيعية: الحب، البغضة، الحزن، الفرح، الكآبة، البهجة، السلام،
العنف، السماحة، النقمة، الأمل، اليأس، الاجتهاد، الكسل، الرضى، الرفض … إلخ.

والروح
هي العنصر الإلهي الذي يمثله الضمير، إما يستقبل إيحاءات الله فيصير ضميراً
خيِّراً أو يستقبل إيحاءات الشر فيصير شريراً.

والنفس
موضوعة بين الروح والجسد، إذا انحازت للروح تصير نفساً روحانية، وإذا انحازت للجسد
تصير نفساً جسدانية.

أمَّا
القلب فهو مجرد اصطلاح لقاعدة المشاعر والعواطف المنعكسة من الجسد والنفس والضمير
وهو إما صالح يخرج الصلاح وإمَّا شرير يخرج الشرور.

أمَّا
الإرادة فهي الحركة المعبِّرة عن الذات، حيث الذات هي كل مكونات الإنسان وهي
المعروفة بالشخص. والإرادة متعددة الأنواع بحسب تكوين الذات.

([7]) Lightfoot, op. cit., p. 210.

([8]) الآية في اللغة اليونانية تحتوي على ثلاثة خطايا فقط: الزنى
والنجاسة والدعارة.

([9]) W. M. Ramsay, Galat, p. 453.

([10]) Bruce., op. cit., p. 255,
according to the Punctuation of Nestle-Aland, Novum Testamentum Graece, Stuttgart,
1979
26.

([11]) E. De Wilt Burton, op. cit., p. 425.

([12]) S. H. Hooke, What is Chirstianity?
in The Siege Perilous,
London 1956,
p. 264, cited by Bruce., op. cit., p. 155.

([13]) Bruce., op. cit., p. 257.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ب بعل ادّير ر

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي