الأصحاح السادس

 

1 [6: 1 10]: وصايا للتعاون في
المسيرة الروحية:

+ » احملوا
بعضكم أثقالَ بعضٍ، وهكذا تمِّموا ناموسَ المسيحِ
«(2:6)

2 [6: 1118]: مجمل الرسالة وتحية
الختام:

+ » وأمَّا من
جهتي، فحاشا لي أن أفتخرَ إلاَّ بصليبِ ربِّنا يسوع المسيح، الذي به قد صُلِبَ
العالمُ لي وأنا للعالمِ.
«(14:6)

+ » لأنه في
المسيح يسوع ليس الختان ينفعُ شيئاً ولا الغرلة، بل الخليقة الجديدة.
«(15:6)

+ » لأني حاملٌ
في جسدي سمات الرب يسوع.
«(17:6)

+ تحية الختام.

 

1 وصايا
للتعاون في المسيرة الروحية

[6: 110]

 

¯ المعونة المشتركة إذا نشطت في الكنيسة كانت علامة بدء العودة إلى
صحة المسيرة الروحية.

¯ اللطف المتبادر من الآخرين أعظم دواء للساقطين.

¯ أن يحمل الإخوة أثقال الضعفاء هي صحوة إنجيلية.

¯ أن يبادر الروحيون إلى تشديد الآخرين وتعليمهم ينشط الروح ويمارس
نعمته.

¯ الكل يبذر بذار المحبة لتحصد الجماعة ثمر البر وتمتلئ خزانة
الكنيسة من خيرات النعمة.

 

1:6 «أَيهَا
الإِخْوَةُ، إِنِ انْسَبَقَ إِنْسَانٌ فَأُخِذَ في زَلَّةٍ مَا، فَأَصْلِحُوا
أَنْتُمْ الرُّوحَانيِّينَ مِثْلَ هذَا بِرُوحِ الْوَدَاعَةِ، نَاظِراً إِلى
نَفْسِكَ لِئَلاَّ تُجَرَّبَ أَنْتَ أَيْضاً».

«انسبق
فأُخِذَ»:
prolhmfqÍ

كلمة “انسبق” غير صحيحة
ولا معنى لها هنا في الجملة، فالمعنى الصحيح للكلمة هو “طَغَى” أو “غُلِبَ على
أمره”.

و“الزلة” هنا هي paraptîmati وهي التعدي. أي إذا طغى إنسان وتعدَّى على وضع الكنيسة السائد،
وكلمة التعدي هي خاصة بالأوضاع العامة بحيث أن صاحبها
أي المتعدي
يحسُّ أنه
تعدَّى.

«فأصلحوا»: katart…zete = restore = rehabilitate

ومعناها الصحيح
“ردُّوه” أو “أعيدوه”.

واضح هنا أن عين ق.
بولس مركَّزة على الكنيسة ككل وليس على الأفراد، خوفاً من انفراط عقدها وتقسُّمها.
لذلك هو ينبِّه الروحيين منهم أن يمارسوا بروحهم وليس بسلطانهم وإلاَّ ما قال:
» أنتم الروحيين « فهو لم يقل أنتم الرؤساء أو الظاهرين
في الكنيسة بل أنتم الروحيين حتى يسود
الروح القدس على الجماعة. لأنه من أخطر الأمور بالنسبة للكنيسة ومستقبلها أن
يعامَل الخارجون عن
نظامها أو أعرافها بدون الوداعة والمحبة. لأن عثرة
الكنيسة الأُولى وانقسامها بين الغرب والشرق: روما والقسطنطينية: كاثوليك وأرثوذكس بل وعثرة الكنيسة الأرثوذكسية
الأم وانقسامها إلى
خلقيدونيين ولا خلقيدونيين فتَّتت الكنيسة وأضعفت
الإيمان وأنشأت عداوات لا حدَّ لها ولا إصلاح، وجعلت المسيحية ككل ناقصة عنصر
المحبة والسلام وعرقلت عمليات النمو والكرازة والشهادة للمسيح. وها هي تجني في
العصر الحديث مرارة التفتت الذي أحدثه مَنْ تمسكوا بآرائهم أكثر من المحبة.

وصحَّ قول ق. بولس
فأصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا:

«بروح الوداعة،
ناظراً إلى نفسك لئلاَّ تُجرَّب أنت أيضاً»!!

لذلك اعتنى ق. بولس
جداً أن يكون إصلاحهم وإعادتهم للمتعدِّين
» بروح
الوداعة
« ويسبق ويوعِّي
الكنيسة وكل القائمين فيها
» لئلاَّ تُجرَّب أنت
أيضاً
« تلميحاً إلى تدخل
الله والانتباه إلى قلب المسيح الذي يئن إن صرخ الخاطئ من ظلم الكارز، لأن صراخ
الخطاة ثمَّنه المسيح بدمه!! فالذي يهين الخاطئ يزدري بدم المسيح ولا يقيم للروح
اعتباراً:

+ » فيجب علينا
نحن الأقوياء (الروحانيين) أن نحتمل أضعاف الضعفاء ولا نرضي أنفسنا.
«(رو 1:15)

+ » إذاً مَنْ
يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقط.
«(1كو 12:10)

2:6 «اِحْمِلُوا
بَعْضُكُمْ أَثْقَالَ بَعْضٍ، وَهَكَذَا تمِّمُوا نَامُوسَ الْمَسِيحِ».

ما هو ناموس المسيح
إلاَّ المحبة
» وصية جديدة أنا أعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضاً «(يو 34:13). فعلى نغمة هذه الوصية مع بعضنا بعضاً نحمل الأثقال
وإلاَّ يتعطل عمل المحبة وتتعطَّل الوصية الجديدة. وطبعاً وبحسب الآية المذكورة
أعلاه (رو 1:15) يكون نصيب الأقوياء من حمل الأثقال هو النصيب الوافر. وكلمة يحتمل
bast£zein في آية رسالة
رومية (1:15) هي نفس كلمة
bast£zete في آية (غل 2:6).

وإن سألتني كيف أحمل
ضعف الضعيف ولا أرضي نفسي أقول لك اسمع ق. بولس:
» إن كان طعام
يعثر أخي فلن آكل لحماً إلى الأبد لئلاَّ أُعثر أخي
«(1كو 13:8). وأيضاً: » مَنْ يضعف وأنا لا أضعف
مَنْ يعثر وأنا لا ألتهب.
«(2كو 28:11)

أمَّا الرب فشيَّال
هموم كل ذوي الهم:
» ألقِ على الرب همَّك فهو يعولك «(مز 22:55). ويلتقطها بطرس الرسول ويبني عليها: » ملقين كل همكم
عليه لأنه هو يعتني بكم
«(1بط 7:5). وهكذا حينما نحمل أثقال الضعفاء والمرضى والمعوزين
وهمَّ المهمومين فنحن نتشبَّه بالله أو نعمل من تحت يده:
» صرت للضعفاء
كضعيف لأربح الضعفاء. صرت للكل كل شيء لأخلِّص على كل حال قوماً وهذا أنا أفعله
لأجل الإنجيل لأكون شريكاً فيه.
«(1كو 9: 22و23)

ويُلاحِظ القارئ أن ق.
بولس يقول لأهل غلاطية الذين انكفأوا على الناموس يختنون أعضاءهم أن يفيقوا
ويتمموا ناموس المسيح الحقيقي بأن يحملوا بعضهم أثقال بعض. هذا هو ناموس
المحبة الذي يرفع البشرية فوق ذاتها لا أن يحطّها تحت ضعف الجسد!

كما يُلاحِظ القارئ
انسجام الألفاظ على مستوى البلاغة الروحية. ومحور الكلام هي كلمة
bast£zete أي: “يحمل على الكتف”.

فهذا اليهودي الذي تسبب
في بلبلة كنائس غلاطية حمَّله ق. بولس الدينونة على كتفه:
» ولكنني أثقُ
بكم في الربِّ أنكم لا تفتكرون شيئاً آخر. ولكن الذي يُزعجكُم سيحملُ
bast£sei الدينونةَ أيَّ مَنْ كان «(غل 10:5)، أمَّا أنتم » فاحملوا bast£zete بعضكم أثقالَ بعضٍ، وهكذا تمِّموا ناموسَ المسيحِ «

ولكن ما هي علاقة الأحمال
الثقيلة بناموس المسيح؟

العلاقة هي نفس الحمل
الذي حمله المسيح على كتفه:

+ » فخرج (يسوع)
وهو حامل
bast£zwn
صليبه.
«(يو 17:19)

ولكن لماذا قال ق.
بولس:
» احموا بعضكم أثقال بعض « واضح هنا أن الإنسان الذي يحمل أخطاء أخيه فهو إنما يحمل عاره
وضعفه، من هنا جاء ثقل الحمل. ولكن في نفس الوقت بمساعدة الروح وبسبب التشبه
بالمسيح يصير هذا الحمل خفيفاً حسب وعد المسيح:
» احملوا نيري
عليكم وتعلَّموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم لأن نيري هين وحملي
خفيف.
«(مت 29:11). لأنه
هو حمل عارنا.

لذلك نجد أن سرّ وصية
ق. بولس أن يحمل أهل غلاطية “أثقال” بعضهم البعض وهي كلها تعدٍّ وخطية
وعار، سرُّ هذه الوصية أنها منبثقة ووليدة لوصية المسيح:
» احملوا نيري
عليكم … لأن نيري هيِّن وحملي خفيف
« فالقديس بولس يحمِّلهم أحمالاً ثقيلة الحمل ولكنه يحركها بإصبع
الله، لتصبح راحةً لنفوسهم جميعاً، الحامل والمحمول عنه!

لذلك نقول: ما أثقل
أحمال آبائنا الأحباء الكهنة خدَّام المسيح والكلمة والنفوس حينما يحملون خطايا
وعار الرعية بصبر، ولكن سرعان ما تتحوَّل هذه الأحمال الثقيلة جداً إلى أحمال
هيِّنة خفيفة مفرِّحة مملوءة معونة، هو يحمل بيد والملائكة معه بألف يد بل والمسيح
نفسه يضع يده فوق يد الكاهن فيحمل الكاهن ويحمل حمله وتصبح حياة الكهنة التي كانت
أثقل مما يحتمل ويتصور فإذ بها تصير بنعمة المسيح راحة لنفوسهم لا يرضون عنها
بديلاً بل مزيداً: إنها سر الخدمة أو هي سر الصليب أو مجد الوصية في قلب المختار.

صلُّوا يا إخوة وصلوا
كثيراً من أجل كهنة المسيح خدام الأثقال التي لا يقوى على حملها جبابرة مقتدرون،
ليُعطيهم المسيح سر حمل صليبه. ويعطيهم حسب وعده راحة لنفوسهم!!

3:6 «لأَنهُ إِنْ
ظَنَّ أَحَدٌ أَنه شَيْءٌ وَهُوَ لَيْسَ شَيْئاً، فَإنهُ يَغُشُّ نَفْسَهُ».

هنا تحذير مكتوم للذين
تلعب بهم الظنون أنهم صاروا شيئاً في عين أنفسهم وهم ليسوا في عين الله شيئاً!!:

+ » لأنه ليس من
مدح نفسه هو المزكى بل مَنْ يمدحه الرب
«(2كو 18:10)

+ » فإني أقول
بالنعمةِ المعطاةِ لي، لكُلِّ مَنْ هو بينكم: أن لا يرتئيَ فوق

Øperfrone‹n
(لا يظن
في نفسه أكثر) ما ينبغي أن يرتئيَ، بل يرتئيَ إلى التعقُّلِ، كما قَسَمَ الله
لكلِّ واحدٍ مقداراً مِنَ الإيمانِ.
«(رو 3:12)

ولماذا هنا هذا الإنذار
ولمَن؟ هو للذين حملوا نير الضعفاء وحاموا عنهم ووقفوا مع المضطهَدين حتى لا يظنوا
في أنفسهم أنهم صاروا شيئاً، لأنه في البدء والأساس قال لهم:
» تمِّموا
ناموس المسيح
« واحملوا النير
الذي حمل. فمَنْ ذا يحمل نير المسيح ويتشامخ بهذا الحمل؟ إن المسيح اشترط شرطاً
قبل أن يقول:
» احملوا نيري «بأن قال » تعلَّموا
مني لأني وديع ومتواضع القلب
« أي أن الذي يريد أن يتشبَّه بالمسيح ويحمل صليبه لابد أن يحفظ
الدرس الأول وهو أن يتشبَّه بالمسيح ويلبس الوداعة والتواضع لبساً!!

+ » فإن كان أحد
يظن أنه يعرف شيئاً فإنه لم يعرف شيئاً بعد كما يجب أن يعرف. ولكن إن كان أحد يحب
الله فهذا معروف عنده.
«(1كو 8: 2و3)

صلُّوا يا إخوة وصلوا
من أجل كل كاهن وخادم حمل النير الثقيل الحلو، وجرت في فمه كلمة الإنجيل والحياة
أن لا يظن في نفسه أنه يخدم ويتكلَّم من معارفه أو معرفته وإنما يتكلَّم من فم
الذي يعرف ماذا يُقال في وقته وحينه الحسن. أمَّا رجال الخدمة الذين يخدمون بالحب
ومن الحب فليس عليهم ملامة، بل نطلب من الله لأجلهم أن يزدادوا حبًّا بل سيزدادون
حتماً لأنهم صاروا محبوبين ومعروفين لدى الله والمسيح المذخر فيه كل كنوز الحكمة
والفهم، ومن كنوزه يملأ خزانة قلوب محبيه وأتقيائه:

+ » لا يخدعن
أحد نفسه إن كان أحد يظن أنه حكيم بينكم في هذا الدهر فليصر جاهلاً لكي يصير
حكيماً.
«(1كو 18:3)

إن ننكر معرفتنا تظهر
معرفة الله فينا، إن ننكر حكمة العالم نستأمن على سر كلمة الله. إن نتسربل بالجهل
الإرادي الحلو يلبسنا الله ثوب المعرفة الفائقة المعرفة. الآباء القديسون جميعاً
تسربلوا بالأميَّة الاختيارية اللذيذة فرفعهم الله والعالم لمستوى الحكماء
والأنبياء تشبّهاً بالمسيح الذي تواضع وأخذ شكل العبد فرفَّعه الله وصار أعلى من
السموات!

4:6 «وَلَكِنْ لِيَمْتَحِنْ كُلُّ وَاحِدٍ عَمَلَهُ،
وَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ الْفَخْرُ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ فَقَطْ، لا مِنْ جِهَةِ

غَيرِهِ».

يأمر القديس بولس هنا
كلَ إنسان يحمل النير أن يلتزم بنيره هو وليس نير غيره. فكل واحد مسئول أمام الله
من جهة عمله هو فقط لا من جهة عمل غيره:

+ » وأمَّا أنا
فأقل شيء عندي أن يحكم فيَّ منكم أو من يوم بشر، بل لست أحكم في نفسي أيضاً، فإني
لست أشعر بشيء في ذاتي لكني لست بذلك مبرَّراً، ولكن الذي يحكم فيَّ هو
الرب، إذاً لا تحكموا في شيء قبل الوقت حتى يأتي الرب الذي سينير خفايا الظلام
ويظهر آراء القلوب وحينئذ يكون المدح لكل واحد من الله.
«(1كو 4: 35)

أمَّا امتحان النفس
وفحص أعمالها أمام ضمير حيّ مستنير بالإنجيل فهو أمر في غاية الأهمية لكل مَنْ حمل
النير وخدم غيره، سواء كان خادماً أو كاهناً أو أسقفاً، حتى يستبرئ ذمته أمام الله
عن الوكالة التي استلمها واستؤمن عليها. وبحسب قانون الكنيسة يحدث ذلك إلزاماً قبل
أن يتناول من الأسرار المقدَّسة ليكون شريكاً للمسيح في حمله وحمل نيره ومواهبه،
وهو ملتزم أن يستبرئ ذمته عن كل ما أُعطي وعن كل ما عَمِلَ وعن كل ما أخطأ. والذي
يستهين بهذا الواجب الكنسي فهو حتماً يخسر مؤازرة النعمة وينكشف ستره.

«حينئذ يكون
له الفخر»:
kaÚchma

الفخر بما حصله الإنسان
في نفسه من جهده وعرق جبينه هو خداع، فالزمن لن يُبقي عليه ومآله حتماً إلى
التراب. أمَّا الفخر الحقيقي فهو ما اكتنزه الإنسان من عمل يد الله ليبقى له لا
يفنى، ذخيرةً وكنزاً لا يضمحل محفوظ في السموات:

+ » فلي افتخار
في المسيح يسوع من جهة ما لله. لأني لا أجسر أن أتكلَّم عن شيء مما لم يفعله
المسيح بواسطتي …
«(رو
15: 17و18)

القديس بولس يعرف نفسه
وقد امتحن أعماله وقاسها طولاً وعرضاً لذلك يجرؤ أن يفتخر بما عمله الله بواسطته،
ولكنه استحال عليه أن يتكلَّم عن شيء لم يعمله الله بواسطته. وأنهى حواره مع
الكورنثيين في هذه الأمور (2كو 10: 1316) بقوله:
» وأمَّا مَنْ
افتخر فليفتخر بالرب.
«(2كو
17:10)

كل هذا موجه للغلاطيين
الذين بدأوا يفتخرون على بعضهم البعض ويتعرضون بالنقد لغيرهم. وكان افتخارهم
بانتمائهم إلى الأشخاص المرموقين الآتين من أُورشليم الذين ختنوهم ليفتخروا
بختانتهم. وهنا ق. بولس يواجه المفتخرين والمفتخر بهم سواءً، لأنهم يفتخرون ليس
فيما لله ولكن فيما عملوه في الغير وبالغير. وهذه كانت ضلالة كنائس غلاطية.

ولكن عزيزي القارئ، ألا
تجد أن ما نعانيه الآن من الانتماءات هذا لهذا وهذا لذلك، وأنت تلميذ هذا أمَّا
نحن فتلاميذ ذاك، وكلٌ يفتخر بما ليس له وكأنه له. أليس هذا إحزان للروح القدس؟
فالرب في السماء ينظر ويكتب أمامه سفر تذكِرة. ولكن ليفهم القارئ أنه إن غابت
النعمة حلَّ الانقسام وإذا ضعف الانتماء للمسيح تبارى كل واحد يجمع لنفسه تلاميذ
وتبارى التلاميذ يفتخرون بانتماءاتهم. وعثرة غلاطية هي عثرة كل كنيسة.

5:6 «لأَنَّ كُلَّ
وَاحِدٍ سَيَحْمِلُ حِمْلَ نَفْسِهِ».

كلمة “لأن” تعقِّب
بالتوضيح على الآية السالفة للذين يتداخلون في أحمال غيرهم ويفتخرون بأحمالهم
وأعمالهم على غير حق. فهنا إن كل واحد سيحمل حمل نفسه يقصد بها في يوم الرب، حيث يتراءى كل واحدٍ حاملاً حمله ليُسأل عنه وحده
وليس عن حمل غيره. فالمسيح يوم الدينونة
لن يسأل الإنسان إلاَّ عمَّا أخذه
وعمَّا عمله. إن مثل هذا الخروج الصارخ عن اختصاصات الإنسان المسيحي ستضيف على
دينونته دينونة أخرى خطيرة هي سؤاله عن دينونته للغير وما أغنانا.

أمَّا من حيث ما عملناه
نحن من أعمال المسيح الصالحة بحسب ما أعطانا المسيح وبحسب تدبير نعمة المسيح بما يرضي المسيح، فهذا يكون محل فرح الرب
وافتخاره هو بنا أمام الملائكة وأرواح
القديسين:

+ » متمسكين
بكلمة الحياة لافتخاري في يوم المسيح، بأني لم أسعَ باطلاً ولا تعبتُ باطلاً.
«(في 16:2)

+ » فإذاً كل واحد منا سيعطي عن نفسه
حساباً
لله. فلا نحاكم أيضاً بعضنا بعضاً…
«(رو 14: 12و13)

+ » لأننا لا بد
أننا جميعاً نُظهر أمام كرسي المسيح لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع
خيراً كان أم شرًّا.
«(2كو
10:5)

هكذا يركِّز بولس
الرسول في كل رسالة تقريباً على هذه الحقيقة: أن نحاسب أنفسنا ولا نحاسب الآخرين،
أن نفحص وندين أعمالنا ولا نفحص وندين أعمال الآخرين. كما لا يليق أن نفتخر
بأعمالنا بل نفتخر بأعمال المسيح فينا وبنا.

وفي الحقيقة هذه الآية
لا تضع على الإنسان المسيحي أي ثقل ولا يصعب تتميمها حرفياً، بل نكاد نقول إن
النفس السوية المكتفية بذاتها إنما تسلك بهذا المنهج دون عناء. وتعتبر هذه الآية
كشفاً فاضحاً لنفوس الشعب في كنيسة غلاطية، يظهر منها مقدار الإنحراف الخلقي
والنفسي الذي أصاب الشعب بسبب تخلّيه عن الإيمان الحقيقي.

فالآن إن كنا ندعو
لكنيستنا المجيدة وخدامنا المختارين وشعبنا المبارك لكي يلتزم كل واحد حدود نفسه
ولا يتعدى أحد ليتداخل في شئون غيره، لا الشعب بالنسبة لبعضه البعض، ولا الشعب
بالنسبة لخدام الكنيسة، ولا الخدام بالنسبة للرؤساء، فهذه دعوة صادقة وهامة للغاية
لأن الأمر أصبح إنحرافاً بالدرجة الأُولى. فقد تعدَّى كل مفهوم ديني أو تقوي أو
عبادة وتزعزع النظام الكنسي الذي يقوم على طاعة الرؤساء.

6:6 «وَلَكِنْ
لِيُشَارِكِ الَّذِي يَتَعَلَّمُ الْكَلِمَةَ
المُعَلِّمَ في جَمِيعِ الْخَيرَاتِ».

«يشارك الذي
يتعلَّم
الكلمة المعلِّم»:

يشارك =
koinwne…tw، الذي يتعلَّم = kathcoÚmenoj، المعلِّم = kathcoànti.

هنا أدخل ق. بولس
للكنيسة ثلاث كلمات ذات قيمة عظمى في تقليد الكنيسة وتراثها العظيم. الشركة
كينونيا، المتعلِّم كاتيخومينوس، المعلِّم كاتيخون، ومنها التعليم
كاتشزم. فالكاتشزم في الكنيسة الآن هو تعليم الرسل. والشركة في
الكنيسة الآن هي في سر الإفخارستيا وفي الأغابي ولو أنها ضعفت، وفي
أعمال المحبة عموماً.

وهذه صياغة جميلة
وبارعة للقديس بولس لترجمة قانون العشور من العهد القديم لقانون الشركة الحر في
العهد الجديد. فلكي يضمن الرب خدمة مقدساته في الهيكل ويضمن سد أعواز خدَّام بيته
واسمه، وضع قانون العشور بصورة محددة قاطعة صارمة كوصية وفريضة ملزمة. ولكن العهد
الجديد دخل في محيط الحرية الشاملة وتوقفت صناعة الفرائض كلاًّ وجزءاً.

فكان أول مَنْ أخذ على
عاتقه تدبير أعواز الكنيسة ككل وأعواز خدَّامها بنوع خاص، ثم أعواز فقراء الشعب
كضرورة قصوى هو الروح القدس نفسه الذي حلَّ محل الناموس والوصية والفرائض.
» لأنكم لستم
تحت الناموس بل تحت النعمة
«(رو 14:6). وكان واضحاً عمل الروح القدس وسط الجماعة في الكنيسة
الأُولى من جهة الأمور المالية وبقية الخيرات. وقد تسجَّل ذلك في خطوات متميزة
بعمل النعمة بصورة مذهلة للعقل.

أولاً: ما
قبل التشتت:

الدرجة
الأُولى: عمل الروح القدس المباشر بواسطة الرسل الاثني عشر:

1 » وجميع الذين
آمنوا كانوا معاً وكان عندهم كل شيء مشتركاً،

والأملاك والمقتنيات
كانوا يبيعونها ويقسمونها بين الجميع كما يكون لكل واحد احتياج.
«(أع 2: 44و45)

2 » وكان لجمهور
الذين آمنوا قلب واحد ونفس واحدة. ولم يكن أحد يقول إن شيئاً من أمواله له، بل كان
عندهم كل شيء مشتركاً،

إذ لم يكن فيهم أحد
محتاجاً لأن كل الذين كانوا أصحاب حقول أو بيوت كانوا يبيعونها ويأتون بأثمان
المبيعات ويضعونها عند أرجل الرسل، فكان يوزع على كل واحد كما يكون له احتياج.
«(أع 4: 32و34و35)

الدرجة
الثانية: اختيار لجنة مالية من سبعة:

+ » فدعى الاثنا
عشر جمهور التلاميذ وقالوا لا يرضى أن نترك نحن كلمة الله ونخدم موائد، فانتخبوا
أيها الإخوة سبعة رجال منكم مشهوداً لهم ومملوئين من الروح القدس وحكمة فنقيمهم
على هذه الحاجة.
«(أع 6: 2و3)

وهكذا كان الروح القدس
هو مدبر مالية الكنيسة بواسطة الاثني عشر رسولاً أولاً، ثم بواسطة السبعة شمامسة
ثانياً. فالذي يُتعجَّب له جداً كيف انطبع الإنسان اليهودي بهذه الطبعة الروحية
المالية الجديدة، أن يعطي كل ما له ويعيش على ما يُعطَى له بواسطة الكنيسة، فكان
هذا بحد ذاته برهاناً قوياً صادقاً كيف تحوَّل إنسان العهد القديم اليهودي إلى
إنسان العهد الجديد الذي أعطى كل ما له واليهودي كالأُممي سواءً بسواء.

ثانياً: ما
بعد التشتُّت: النموذج الممتاز:

فلمَّا استقلت كل كنيسة
واستقل كل شعب واستقلت كل أسرة، أصبح ثقل الاهتمام بالأمور المالية وبقية الخيرات
بالنسبة للكنيسة والخدام وفقراء الشعب، منوطة بالرسل عامة في رسائلهم لكافة
الكنائس ولأسقف كل كنيسة. ويعلن ذلك الرسول أو الأسقف في وعظه ورسائله مثل ق.
بولس، ولكن معتمدين دائماً على عمل الروح القدس المباشر في كل قلب عوض الفرض الذي
كان يحكم به الناموس.

ومن هنا نسمع ق. بولس
في كل رسائله تقريباً لا يغفل عن هذا النداء من أجل الكنيسة والخدام وفقراء الشعب:

+ » لا تكم
ثوراً دارساً والفاعل مستحق أجرته.
«(1تي 18:5)

+ » ألستم
تعلمون أن الذين يعملون في الأشياء المقدَّسة من الهيكل يأكلون. الذين يلازمون
المذبح يشاركون المذبح. هكذا أيضاً أمر الرب أن الذين ينادون بالإنجيل من الإنجيل
يعيشون، أمَّا أنا فلم أستعمل شيئاً من هذا ولا كتبت هذا لكي يصير فيَّ هكذا. لأنه
خير لي أن أموت من أن يعطِّل أحد فخري.
«(1كو 9: 1315)

+ » حاجاتي
وحاجات الذين معي خدمتها هاتان اليدان!!
«(أع 34:20)

+ » فإنكم
تذكرون أيها الإخوة تعبنا وكدنا إذ كنَّا نكرز لكم بإنجيل الله ونحن عاملون ليلاً
ونهاراً كي لا نثقِّل على أحد منكم.
«(1تس 9:2)

والقديس بولس لم يكن
هذا مبدأه الشخصي أن لا يثقل على أحد المؤمنين، بل كان يعطي نموذجاً ودرساً وتوجيهاً قوياً لبقية الشعب حتى لا
يتواكل
أحد ويعتمد على عطايا الكنيسة التي تُجمع:

+ » إذ أنتم
تعرفون كيف يجب أن يُتمثَّلَ بنا، لأننا لم نسلك بلا ترتيب بينكم، ولا أكلنا خبزاً
مجَّاناً من أحدٍ، بل كنا نشتغل بتعبٍ وكدٍّ ليلاً ونهاراً، لكي لا نثقِّل على
أحدٍ منكم. ليس أن لا سلطان لنا، بل لكي نعطيكم أنفسنا قدوةً حتى تتمثَّلوا بنا
… إن كان أحدٌ لا يريد أن يشتغِلَ فلا يأكل أيضاً.
«(2تس 3: 710)

السؤال الذي يلح على
كثيرين هو إن كان الرب سمح أن خادم الإنجيل من الإنجيل يأكل فلماذا تمنَّع القديس
بولس؟ الإجابة هي أن ق. بولس اعتبر سماح المسيح ليس فريضة ولا قانوناً ولا أمراً
بل للإختيار فقط، فإذا كان خادم الإنجيل قادراً أن يعمل ويخدم حاجاته، كان في نظر
ق. بولس أفضل، لئلاَّ يعطل أحد فخر الرسول في خدمته للإنجيل، كأن يقال إنه يستخدم
الإنجيل لحاجات نفسه، وفي هذا تعطيل أيضاً لفخر الإنجيل وكرامته.

7:6 «لاَ تَضِلُّوا!
اللهُ لاَ يُشْمَخُ عَلَيْهِ. فَإِنَّ الَّذِي يَزْرَعُهُ الإِنْسَانُ إِياهُ يَحْصُدُ أَيْضاً».

«لا تضلوا»:
لا
تخطئوا الهدف.

الله لا
يُشمخ عليه:
oÙ mukthr…zetai

الترجمة هنا لا تأتي
بالمعنى الصحيح. فالكلمة مستخدمة بمعنى([1]) الاستعباط
أو المكر عليه أو “إغاظة” الله أو “الاستهزاء”:

+ » قد ملأوا
الأرض ظلماً ويعودون لإغاظتي
mukthr…zontej. «(خر
17:8)

+ » فكانوا
يهزأون
mukthr…zontej
برسل الله ورذلوا كلامه.
«(2أي 16:36)

+ » صرت للضحك
طول النهار كل واحد استهزأ
mukthrizÒmenoj بي. «(إر
7:20)

وما يقصده بولس الرسول
من هذه الآية هو ترهيب هؤلاء الغلاطيين المنفلتين الذين خرجوا عن حدود الإيمان
والإنجيل، ثم يدَّعون المعرفة والتفوُّق ويمارسون الافتخار على بعضهم، وفي النهاية
يدورون على ق. بولس نفسه ويهزأون به. لذلك بعدما أعطى ما فيه الكفاية من التوبيخ،
يستخدم هنا الترهيب كاشفاً وفاضحاً مستوى أعمالهم، إذ اعتبرهم يضحكون ويستهزئون
ويمكرون بالله، غير عالمين أنهم إنما يزرعون الفساد لأنفسهم دون أن يدروا أنهم
سيحصدون ثماره المرة، وإن كان الله الآن صابراً أو متأنياً عليهم.

نفهم من هذا أن الذين
أخذوا الروح القدس للمعرفة للخدمة وعمل الله، ولم يلتزموا بالإنجيل والانصياع تحت
أوامره والالتزام بحدوده، يُعتبرون أنهم يهزأون ويمكرون عليه، إذ أخذوا من عنده
عملاً ووظيفة وحوَّلوها إلى سباق يتبارون فيه لإظهار ذواتهم بالفخر ودينونة الغير
والتعدي على الآخرين، غير منتبهين أنهم يزرعون لأنفسهم الفساد ليحصدوه في أوانه.

8:6 «لأَنَّ مَنْ
يَزْرَعُ لِجَسَدِهِ فَمِنَ الْجَسَدِ يَحْصُدُ فَسَاداً، وَمَنْ يَزْرَعُ
لِلرُّوحِ فَمِنَ الرُّوحِ يَحْصُدُ حَيَاةً أَبَديةً».

«لأن مَنْ
يزرع لجسده فمن الجسد يحصد فساداً»:

هذه هي أمثلة لمَنْ يزرع
للجسد ويحصد الفساد:

مَنْ يستخدم خدمة الله
للكرامة والمجد الدنيوي، أو لجمع الأموال والغنى واكتناز الكنوز، أو يستغل مركزه
لاستعباد الآخرين والضعفاء، أو التعدي على عفة الآخرين وتلذيذ الجسد، أو استخدام
الغضب والحقد والحسد والتفتيش عن عيوب النفس لإيذاء مشاعر الآخرين، أو التحيّز
لذوي السلطان والاحتماء بهم واستخدام التهديد والوعيد.

وبالاختصار كل مَنْ جعل
الجسد وأهواءه وشهواته متسلطاً عليه أو منتفعاً للذاته. لأن خدمة الله والروح
تُخدم بالأمانة والشرف والاستقامة، وإلاَّ يكون الحصيد تخلية النعمة وضربة الجسد
والحرمان من ملكوت الله.

«ومَنْ يزرع
للروح فمن الروح يحصد حياة أبدية»:

هذا هو العبد الأمين
الحكيم الذي أقامه سيده على خدمه ليعطيهم الطعام في حينه. طوبى لذلك العبد الذي
إذا جاء سيده يجده يفعل هكذا. بالحق أقول لكم إنه يقيمه على ملكوته (جميع أمواله)
(راجع لو 12: 2244).

فالذي يزرع للروح يعرف
قوانين الزراعة الروحية وشروطها وأحكامها قبل أن يمد يده على الكلمة المحسوبة أنها
تحمل كرامة الله.

فزارع البذرة الأرضية
يلقي البذرة من يده في مكانها الصحيح على الأرض لتنمو وتعطي ثمارها. أما زارع زرع
الله فيخرج الكلمة من قلبه مجلية بنار النعمة حتى إذا ألقاها في القلوب تحرق
مكانها وتطهره وتسكن كالنار لتحرق كل ما هو ليس زرع الله لتنمو وليس شوك يخنقها
ولا حسك يغشاها. فإن لم يكن في قلب الزارع مؤونة من النار كيف يزرع كلمات الله،
ومن أين يأتي الخادم بمؤونة النار إن لم يدخل محنة الصليب ويُختبر أولاً بالنار.
هذا هو الزارع بالروح للروح حسب الروح، هذا هو التلميذ الأمين الحكيم الذي حمل
الصليب حسناً وذاق محنته بالنار واشتعلت حياته وتطهَّرت من عيب الجسد وبالتالي
الفساد وعيب المال وعيب كرامات العالم، وصارت كلمته مؤيدة بحياته يدفعها حبه
الملتهب لسيده فتلقاها القلوب ككلمة والدة تلد وتجدِّد القلوب والنفوس والأرواح
بعد مخاض ناري من طبيعتها يحرق ويطهر من كل أعمال الجسد والعالم فيولد المسيح منها
كما من بطن عذراء:

+ » يا أولادي
الذين أتمخَّض بكم أيضاً إلى أن يتصوَّر المسيحُ فيكم.
«(غل 19:4)

+ » أنا ولدتكم
في المسيح يسوع بالإنجيل.
«(1كو 15:4)

+ » مولودينَ
ثانيةً، لا مِنْ زرعٍ (بشري) يفنى، بل مما لا يفنَى (زرع الله)، بكلمة الله
الحيَّةِ الباقيةِ إلى الأبدِ.
«(1بط 23:1)

+ » شاء فولدنا
بكلمة الحق لكي نكون باكورة من خلائقه.
«(يع 18:1)

إذن فالذي يزرع للروح
يزرع بالروح، بالكلمة، بالإنجيل، ولكن يتحتم أن يكون هو مولوداً منها ابناً
للكلمة، ابناً للإنجيل، وحاملاً الكلمة والإنجيل لا في يده بل في أحشائه لأنه منها
يلد نفوساً جديدة للمسيح. فالزارع بالروح حسب الروح ليس خريج مدرسة تعلِّم الكلمة
على يد معلِّم، بل هو خارج من رحم الإنجيل وارثاً شكله ورائحته وطعمه وقوته،
يسلِّمه لقلوب الناس كإنجيل حي فعَّال يحمل الحق وفيه المسيح.

وماذا يكون حصاد الكلمة
الحية الفعَّالة والتربة التي نمت فيها وهي السماء؟ فإن ثمرتها يتحتم أن تكون من
السماء طبيعة وحقاً ودواماً.

نحن لا نقول قولاً من عندنا
يؤول إلى ضياع أو نسيان. تفهَّم أيها القارئ واقرأ ما نقوله بروح الله والإنجيل.
إن ما قلناه وكتبناه هو سر الكلمة، وسر الكلمة هو سر الخادم وإلاَّ لا يدعى خادم
الكلمة وفلاَّح السماء. قف لحظة وتأمل فيما انتهى إليه خدَّام الكلمة الأمناء في
كل تاريخ الأجيال. أين هم وكيف حالهم ويكفينا شهادة الكتاب:

+ » وكثيرون من
الراقدين في تراب الأرض يستيقظون،

هؤلاء إلى الحياة
الأبدية، وهؤلاء إلى العار والازدراء الأبدي!!

والفاهمون يضيئون كضياء
الجلد (السماء)،

والذين ردُّوا كثيرين
إلى البر: كالكواكب إلى أبد الدهور!!
«(دا 12: 2و3)

وهل
يمكن أن يضيء هناك الخادم الذي ردَّ كثيرين إلى البر إن لم يكن قد جاز النار هنا
وتزكَّى

واستنار؟

9:6 «فَلاَ نَفْشَلْ
في عَمَلِ الخَيْرِ لأَنَّنَا سَنَحْصُدُ في وَقْتِهِ إِنْ كُنَا لاَ نَكِلُّ».

لا
نفشل:
هذه من مميزات هذا الرسول المناضل الذي لم يواجه كارزٌ آخر،
رسولٌ أو غير

رسول، ما لاقاه القديس بولس من عنت اليهود شعباً ورؤساء، وسخرية من المتعصبين
منهم؛ أمَّا الأُمم فقدَّموا له ألواناً من الاحتقار والصدود:
» كنت كلما
أحبكم أكثر أحب أقل
«(2كو
15:12)؛ ومن أعوان العدو من رجال أشرار ولصوص وقطَّاع طرق، ومن الطبيعة الثائرة
عواصف وسيول وبحر هائج ورؤساء قساة وملوك لا يحكمون بالعدل. وفي هذه جميعها لم يكل
القديس بولس بل بحسب تعبيره كان أعظم من منتصر (رو 37:8). هذا هو سر منهج التشجيع
عند ق. بولس في كل رسالة ولكل شعب، وكأنه أخذ على عاتقه تنصير العالم كله من داخل ضيقات
بلا عدد – فلم يكن يرضى بأقل منه. والقديس بولس الذي قال إننا سنحصد في وقته، لم
يحصد في وقته وعبر من داخل محنة ذات فصول مرعبة قادرة أن تخيِّب آمال أعظم النفوس
الحديدية.

القديس بولس لم يفشل
فهو يعطي نصيحة من خبرته، ولكنه كرسول ربنا يسوع المسيح الذي أخذ منه رسالة ذات
وعد بالمساندة، فالقديس بولس يقول، والروح القدس من ورائه يردِّد مؤكداً ما يقوله.
لذلك ليس هو ق. بولس الذي يعطي هذا التشجيع أن لا نفشل قط لأننا لابد وأن نحصد في
وقته، بل هو روح الخدمة ونعمة الكرازة التي تأخذ من ق. بولس وتعطي بلا كيل لكل
مَنْ يؤمن ويجاهد:

+ » أمَّا أنتم
أيها الإخوة فلا تفشلوا
m¾ ™gkak»shte
في عمل الخير.
«(2تس 13:3)

+ » إذاً أيها
الإخوة الأحباء كونوا راسخين غير متزعزعين مكثرين في عمل الرب كل حين
عالمين أن تعبكم ليس باطلاً في الرب.
«(1كو 58:15)

+ » اسهروا
اثبتوا في الإيمان. كونوا رجالاً. تقوُّوا. لتصر كل أموركم في محبة.
«(1كو 16: 13و14)

+ » فقط عيشوا
كما يحق لإنجيل المسيح، حتى إذا جئتُ ورأيتكم، أو كنت غائباً أسمع أموركم أنكم تثبتون
في روحٍ واحدٍ، مجاهدين معاً بنفسٍ واحدةٍ لإيمان الإنجيل، غير مخوَّفين
بشيءٍ مِنَ المقاومين، الأمر الذي هو لهم بيِّنةٌ للهلاكِ، وأمَّا لكم فللخلاصِ،
وذلك من الله.
«(في 1: 27و28)

+ » لكي تكونوا
بلا لومٍ، وبسطاء، أولاداً لله بلا عيبٍ في وسط جيلٍ معوَّجٍ وملتوٍ، تُضيئُونَ
بينهم كأنوارٍ في العالم. متمسكين بكلمة الحياة.
«(في 2: 15و16)

+ » إذاً يا
إخوتي الأحباءَ والمشتاق إليهم، يا سروري وإكليلي، اثبتوا هكذا في الرب أيها
الأحباءُ.
«(في 1:4)

+ » لأننا الآن
نعيش إن ثبتم أنتم في الرب.
«(1تس 8:3)

+ » والرب
ينمِّيكم ويزيدكم في المحبة بعضكم لبعض وللجميع كما نحن أيضاً لكم. لكي يثبِّت
قلوبكم بلا لوم في القداسة أمام الله أبينا في مجيء ربنا يسوع المسيح مع جميع
قديسيه.
«(1تس 12:3و13)

+
» وإله السلام نفسه يقدِّسكم
بالتمام ولتُحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح.
أمين هو الذي يدعوكم الذي سيفعل أيضاً.
«(1تس 23:5و24)

«لا نفشل»:
™gkakîmen
= give
up, slacken

في كل المواضع التي جاء
فيها هذا الفعل في العهد الجديد يسبقه أداة نفي. هذه النصيحة تجيء على أساس متين
من بناء النفس المسيحية بالمحبة والروح القدس ومؤازرة النعمة. لذلك تحتم على النفس
أن تكون شديدة عنيدة أمام المعوقات والملمَّات والاضطهادات والتهديدات حتى الموت.
لا نسلِّم ولا نفشل أي لا نترك الميدان قط أو نتخلَّى عن الإيمان الذي هو سلاح
البر الذي يضرب ذات اليمين واليسار ولا يفلّ. لذلك يتحتم أيضاً على النفس أن لا
تخطئ وتعتمد على كفاءتها أو قدرتها لأنه
» لا بالقدرة
ولا بالقوة بل بروحي يقول رب الجنود
«(زك 6:4). كذلك حذار على الإنسان المحارب حروب الرب بجهاد الطهارة
والحب الإلهي أن يتنازل ولا إلى لحظة لشهوة الجسد فلا يعطي لجسده راحة أو شيئاً من
المسرة أو ذوقاً للذة لئلاَّ يسقط في فخ إبليس ولا يقوم إلاَّ بدموع كثيرة وآلام
وأنين وندم كثير ويبقى حزيناً لذكرى محزنة.

+ » إذاً، أنا
أركُضُ هكذا كأنه ليس عن غير يقينٍ. هكذا أُضارِبُ كأني لا أَضرِبُ الهواءَ. بل أَقمَعُ
جسدي وأستعبِده، حتى بعد ما كَرَزتُ للآخَرينَ لا أصيرُ أنا نفسي مرفوضاً.
«(1كو 9: 26و27)

+ » وكل مَنْ
يجاهد يضبط نفسه في كل شيء.
«(1كو 25:9)

+ » اركضوا لكي
تنالوا.
«(1كو 24:9)

«سنحصد في
وقته إن كنَّا لا نكل»:

«لا نكلّ»:
™kluÒmenoi

أجمل تعريف لها موضحاً
ظروفها الآية التي جاء بها ق. بولس في سفر العبرانيين:

+ » فتفكروا في
الذي احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه مثل هذه لئلاَّ تكلّوا
™kluÒmenoi وتخوروا في نفوسكم. «(عب
3:12)

حيث الكلل هنا يكون
الدرجة التي قبل الخوار. فالذي يكلّ تنشلّ حركته والذي يخور يفقد عافيته. أمَّا
الذي يفشل فهو يترك الميدان. فالذي يقف في المعركة حتى نهايتها يحصد ثمر جهاده
وآلامه وشجاعته ومثابرته حتى في أحلك الأوقات. أمَّا قوله:
» سنحصد في
وقته
« فالوقت هنا يمثِّله ثلاث مراحل: الأُولى هنا في هذا الزمان
بالعربون، والدرجة الثانية في مجيئه وإعلان النتائج، والثالثة في اليوم الأخير حيث
لبس الإكليل.

«في وقته»: kairù
„d…J

هنا الوقت له معنى غير
كلمة الوقت العادية
crÒnoj وهو الزمن المجرَّد. فال“كيروس” هو الزمن الخاص المعيَّن للأمور
الخاصة. ويُفهم أنه الوقت الحقيقي أو الزمن المعيَّن. وهي هنا في هذه الآية تعني
أننا لا ننتظر تحقيق الثمر في أي وقت نعرفه، ولكن الوقت المعيَّن أو الصحيح الذي
يعيِّنه الله وهو الوقت الحسن. ووقت الله هو الحسن وهو واقع في عمق الزمن وبعد
انتهاء الزمن، ويصح أن يكون الوقت الصحيح هو الآن فحصاد الله حاضر الآن كما يقول
الرب:

+ » ها أنا أقول
لكم ارفعوا أعينكم وانظروا الحقول إنها قد ابيضت للحصاد. والحاصد يأخذ أجرة ويجمع
ثمراً للحياة الأبدية لكي يفرح الزارع والحاصد معاً.
«(يو 4: 35و36)

وهنا نصيحة ق. بولس
لأهل غلاطية أن لا يفشلوا في عمل الخير ولا يكلّوا، مرجعها أنه بعد أن أوضح لهم
كيف كان جهادهم عبثاً وغيرتهم على الناموس أضاعت عليهم الإيمان، ونزاعاتهم التي
مزقت الكنيسة انتهت بأن الصراع كان على قضية خاسرة، فالآن لابد أن تكون نفوسهم قد
خارت وشعروا بالكلال أو الكلل. لذلك هو يشدِّدهم من جديد ليسيروا من جديد على درب
الإنجيل بذات الحماس والغيرة والنشاط.

وفي الحقيقة يا إخوة إن
تشجيع الخطاة والمعثرين والذين انحرفوا أو تركوا الطريق يأتي بثمار مدهشة، لأن الراجع عن الخطأ تصبح عنده خبرة في مجال
العمل بين الخطاة، كذلك الذي فشل
وشعر بأن ليس هذا طريقه ورمى السلاح وأدار
ظهره للجهاد يصعب عليه جداً ما بذله من جهد، لذلك عند أول كلمة تشجيع يكون أكثر
استجابة، فإذا رجع تكون له عزيمة لا تعرف الفشل بعد ذلك.

وكانت الكنيسة الأُولى
تدرك أهمية عملية تشديد الإخوة الجدد فكانت تقيم فرقاً خاصة تقوم بالمرور على
المؤمنين الجدد تشدِّدهم في الإيمان:

+
» ويهوذا وسيلا إذ كانا هما
أيضاً نبيين وعظا الإخوة بكلام كثير وشدَّداهم.
«(أع 32:15)

+ » وبعدما صرف
زماناً خرج واجتاز بالتتابع في كورة غلاطية وفريجية يشدِّد جميع
التلاميذ.
«(أع 23:18)

+ » ووعظ الجميع
أن يثبتوا في الرب بعزم القلب.
«(أع 23:11)

+ » ثم رجعا إلى
لسترة وإيقونية وأنطاكية، يشدِّدان أنفس التلاميذ ويعظانهم أن يثبتوا في
الإيمان.
«(أع 14: 21و22)

+ » فكانت
الكنائس تتشدَّد في الإيمان وتزداد في العدد كل يوم.
«(أع 5:16)

وها هي السماء يأتي
منها الصوت بنفس هذه الدعوة، وهنا لتشدد نفساً بدأت تخور:

+ » أنا عارف
أعمالك أن لك اسماً أنك حي وأنت ميت، كن ساهراً وشدِّد ما بقي الذي
هو عتيد أن يموت لأني لم أجد أعمالك كاملة أمام الله. فاذكر كيف أخذت وسمعت واحفظ وتب
فإني إن لم تسهر أقدم عليك كلص ولا تعلم أية ساعة أقدم عليك.
«(رؤ 3: 2و3)

يا
إخوة هذه هي حاجة الكنيسة الشديدة في الوقت الحاضر، فأهل هذا الزمان هم الذين لهم
اسم أنهم أحياء وهم أموات، ولا نريد أن نسهر!! ماذا نعمل أيها الإخوة؟ أيمكن أن
نعلن عن قيام مجموعات للسهر تسهر وتصلي، ثم تصلي ولا تملّ حتى نرفع عن أنفسنا هذا
العار، عار الادعاء أننا أقوياء وأشداء بالإيمان وأننا خدَّام والكلمة في فمنا
والإنجيل في جيبنا ونحن في الحقيقة أموات بالنسبة للحياة الأبدية؟ إنه من المفرح
أن الآية تقول: «شدِّد ما بقي». ما بقي من زمان وما بقي من عافية وما بقي
من إرادة، فإن كان لنا بقية إذن فالرجاء لا يزال حيًّا. ثم أليست هذه دعوة لكل
واحد منا أن يستيقظ حتى لا يتمم الكتاب تهديده ويأتي كلص فيجدنا غير مستعدين؟

10:6 «فَإِذاً
حَسْبَمَا لنَا فُرْصَةٌ فَلْنَعْمَلِ الْخَيْرَ لِلْجَميعِ، وَلاَ سِيَّمَا
لأَهْلِ الإِيمَانِ».

الله لا ييأس من خلاص
الإنسان وهو يدعو كل يوم ويده ممدودة لأن الذي عمله ابنه على الصليب لا يزال هو هو
قائماً أمامه، فالابن قائم كذبيحة
» خروف قائم كأنه مذبوح «(رؤ 6:5). دمه يتقطَّر حبًّا وشفاعة، وجروحه عليه وجنبه مفتوح. هذه
هي الفرصة القائمة الدائمة لنا أمام الله، لكي تسرع الكنيسة وتجمع أولادها ولا
تتركهم لترعاهم الذئاب، وما هو عمل الخير للكنيسة إلاَّ أن ترعى أولادها بالمحبة
ثم ترضي طموح المحبة لما بعد أولادها فتضع محبة بلا أجر لغير أولادها تتقرَّب
إليهم وتفتح قلبها بالحب لكل غادٍ ورائح تنادي: قلبي مفتوح للجميع تعالوا! مجاناً
أخذنا مجاناً نعطي، لا بذهب ولا بفضة. فالمسيح لا يزال هو هو السامري الصالح
القائم في الكنيسة بسرّه وأسراره وحبه يجمع
المجروحين ويحملهم، يدافع عنهم ويدفع لهم. وأنشودة الخدمة
الوادة للجميع
بحب متسع يا ليتها تصبح أنشودة الخدَّام في هذا الزمان الذي شحت فيه المحبة
والبذل:

+ » والله قادر
أن يزيدكم كل نعمة لكي تكونوا ولكم كل اكتفاء كل حين في كل شيء تزدادون في كل عمل صالح كما هو مكتوب فرَّق أعطى
المساكين برُّه يبقى إلى الأبد
والذي يقدِّم بذاراً للزارع
وخبزاً للأكل سيقدم ويكثر بذاركم وينْمِي غلات برِّكم، مستغنين في كل شيء لكل سخاء
ينشئ لنا شكراً لله. لأن افتعال هذه الخدمة ليس يسد أعواز القديسين (أهل الإيمان)
فقط بل يزيد بشكر كثير لله. إذ هم باختبار هذه الخدمة يمجدون الله على طاعة اعترافكم لإنجيل المسيح وسخاء التوزيع لهم،
وللجميع.
«(2كو 9: 813)

ومن
بدائع فكر الروح الإنجيلي للقديس بولس في هذه الأنشودة أنه يحسب لكل مَنْ قدَّم
خيراً لِمُعْوِزٍ كأنه ألقى بذاراً في حقل المسيح ينمو لحسابه حتى في زمان
الافتقاد ليصير له حصيداً متضاعفاً.

وهذا أصلاً من فكر
الروح الخالص على فم داود كما جاء في المزمور:

+ » فرَّق أعطى
المساكين برُّه قائم إلى الأبد قرنه ينتصب بالمجد.
«(مز 9:12)

 

2 ملخَّص
الرسالة وتحية الختام

[6: 1118]

عودة قصيرة إلى التوبيخ
والتحذير

ثم الخاتمة ممزوجة
بالأنين والجروح

 

11:6 «اُنْظُرُوا،
مَا أَكْبرَ الأَحْرُفَ الَّتي كَتَبْتُهَا إلَيْكُمْ بِيَدِي!».

يقول القديس يوحنا ذهبي
الفم([2]):
إن هذه ربما تكون الرسالة الوحيدة التي كتبها ق. بولس بخط يده، والذي يعزز رأيه
عندنا هو أنه سبق وألمح إلى هذا في (20:1) بقوله:
» والذي أكتب
به إليكم هوذا قدَّام الله أني لست أكذب فيه.
«(غل 20:1)

ولكن يقول العالِم
بروس: إن ق. بولس اعتاد أن يكتب هذا:
» إن كان أحدٌ يَحسِبُ
نفسه نبيًّا أو روحيًّا، فليعلم ما أكتبه إليكم أنه وصايا الرب
«(1كو 37:14)، فهذا لا يعني أنه كتبه بيده. كذلك: » فإننا لا
نكتب إليكم بشيءٍ آخر سوى ما تقرأُون أو تعرفون. وأنا أرجو أنكم ستعرفون إلى
النهاية أيضاً
«(2كو 13:1). وكذلك
إلى تسالونيكي (2تس 17:3). ولكن يقول بروس إن ق. بولس ربما عندما وصل إلى نهاية
الرسالة أراد أن يؤكد لهم أن الرسالة من عنده فأخذ الريشة وكتب باقي الرسالة([3]).

أمَّا الحروف الكبيرة
فهذه ربما لمرض عينيه، أو ربما لمرض يديه من الرجم الذي تعرَّض له، أو كما يقول
دايسمان أن ق. بولس كانت يداه خشنة مرهقة لا تقوى على الكتابة الرقيقة بسبب أنه
كان يعمل بيديه ليل نهار في غزل ونسج الخيام. والقول في ذلك كثير.

كذلك لم تكن رسالة
غلاطية هي الوحيدة التي كتب خاتمتها بيديه، بل أيضاً نقرأ ذلك في خاتمة الرسالة
الأُولى إلى كورنثوس:
» السلام بيدي أنا بولس «(1كو 21:16). وكذلك الرسالة إلى كولوسي: » السلام بيدي
أنا بولس، اذكروا وثقي النعمة معكم آمين
«(كو 18:4). وأخيراً الرسالة الثانية إلى تسالونيكي: » السلام بيدي
أنا بولس الذي هو علامة في كل رسالة هكذا أنا أكتب. نعمة ربنا يسوع المسيح
مع جميعكم. آمين.
«(2تس
3: 17و18)

ولكن تمتاز خاتمة
الرسالة إلى غلاطية أن ق. بولس صمم أن يكتب الخاتمة بأحرف كبيرة تأكيداً وإعادة
لما قاله في الرسالة من جهة مضمونها الأساسي
وهو الختان كعملية غاشة لا قيمة لها.

12:6 «جَميع
الَّذينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَعْمَلُوا مَنْظَراً حَسَناً في الْجَسَدِ، هؤُلاَءِ
يُلْزِمُونَكُمْ أَنْ تَخْتَتِنُوا، لِئَلاَّ يُضْطَهَدُوا لأَجْلِ صَلِيبِ
الْمَسِيحِ فَقَطْ».

يريد القديس بولس
أساساً في كرازته أن يزيِّن روح الإنسان بختانة القلب لا الجسد، ذلك بالإيمان بدم
المسيح. أمَّا هؤلاء اليهود فلا يزالون مربوطين في الجسد وأعضائه ومنظره الخارجي
الذي مآله وكل الجسد إلى الفساد والتراب. وهؤلاء اليهود لا يزالون يعيشون بروح
الناموس، فهم لا يقترحون الختان بل يلزمونهم كفرض الناموس الإلزامي، وشتَّان بين
الإيمان من واقع الحرية والختانة من جراء الإلزام. فالإيمان ثمرة الحرية والختانة
ثمرة القهر.

«لئلاَّ
يضطهدوا لأجل صليب المسيح فقط»:

كان كل ما يخافه هؤلاء
اليهود المتنصرون شكلاً هو أن يقال عنهم من اليهود المحاربين للمسيحية أنهم خضعوا
لصليب المسيح وتقرَّبوا من المسيحيين، فكانوا يصنعون الختانة رعباً من اضطهاد يهود
أُورشليم، هؤلاء الذين كانوا يتتبعون ق. بولس أينما سار، لأنه كان قد فلت من بين
أيدي القتلة منهم. فبعد ذلك آلوا على أنفسهم أن يذيقوه العذاب والموت إن طالته
أيديهم. فالختانة التي أرادها هؤلاء المزعجون لمسيحيي غلاطية هي خوفاً من اضطهاد
اليهود فقط، أمَّا هم بحد ذاتهم فكان لا يهمهم
شيء من مثل هذه الأمور
لأن حياتهم كانت منحلة. ويقول العالِم
R. Jewett ([4]): إن هذا
التصريح يكشف عن حالة اليهود المتنصرين في اليهودية وأُورشليم حتى زمن رسالة
غلاطية أنهم كانوا خاضعين لليهود الغيورين حتى إلى أواخر الأربعينات من القرن
الأول وأوائل الخمسينات.

وفي الحقيقة أن
المسيحية لم تتأصل في اليهودية ولا في أُورشليم حتى خرابها سنة 70م. وهذا بدوره
يكشف لنا لماذا أصابها ما أصاب، أمَّا البقية الصغيرة الباقية من المسيحيين
الأتقياء فكان إليها كلام الرب:

+ » والذين في
وسطها فليفروا خارجاً والذين في الكور (كور اليهودية) فلا يدخلوها. لأن هذه
أيام انتقام
ليتم كل ما هو مكتوب.
«(لو 21: 21و22)

+ » وشعب رئيس
آتٍ يخرِب المدينة والقُدسَ (الهيكل) وانتهاؤهُ بغمارةٍ (فيضان) وإلى
النهاية حربٌ وخِرَبٌ قُضِيَ بها.
«دا 26:9)

13:6 «لأَنَّ
الَّذِينَ يَخْتَتِنُونَ هُمْ لاَ يَحْفَظُونَ النَّامُوسَ، بَلْ يُرِيدُونَ أَنْ
تَخْتَتِنُوا أَنتُمْ لِكَيْ يَفتَخِرُوا في جَسَدِكُمْ».

اتفق
أشهر الشرَّاح (وعلى رأسهم ليتفوت) أن المقصود هنا هم اليهود المزعجون، فهم
يمارسون
الختان لأهل غلاطية وهم أنفسهم مهملون للناموس ولا يحفظونه كما يجب وكما يعمل
اليهود الغيورون لأنهم أنصاف يهود، ولكن قصدهم كله أن يضموا إليهم الغلاطيين
بواسطة الختانة كعلامة وبرهان أنهم أصبحوا يهوداً، وحينئذ يفتخرون بيهوديتهم على
أساس الختان وحسب. وهنا يصبح سلوك هؤلاء اليهود المزعجين رياءً بالدرجة الأُولى
فلا هم تبع الناموس ولا هم تبع الإيمان.

والطريف
أن العالِم بروس([5])
يشبِّه عملية قطع الغلفة بالنسبة لمشورة اليهود المزعجين لهؤلاء الغلاطيين بما
طلبه شاول الملك من داود كأنه صديق له، ولكن الغرض كان ليوقع به ويتخلَّص منه هكذا:

+ » فقال شاول:
هكذا تقولون لداود، ليست مسرَّة الملك بالمهر (بالناموس) بل بمائة
غُلفَةٍ من الفلسطينيين للإنتقام (الكاذب) من أعداء الملك وكان شاول
(بهذا) يتفكَّر أن يوقع داود بيد الفلسطينيين فأخبر عبيده داود بهذا
الكلام فحَسُنَ الكلام في عيني داود … ولم تكمل الأيام حتى قام داود وذهب هو
ورجاله وقتل من الفلسطينيين مئتي رجل وأتى داود بِغُلَفِهِم …
«(1صم 18: 2527)

فكما أن شاول لم يكن
يهمه قطع غلف الفلسطينيين ولكن كان قصده فقط قتل داود وحسب، هكذا هؤلاء اليهود
المزعجون لم يكن يهمهم قطع غلف الغلاطيين ولكن إرضاء أنفسهم بأن يكون الغلاطيون
أتباعهم وحسب ومن ثمَّ يسحبونهم من اتّباع بولس.

 

فخر المسيحي
في هذا الدهر

 

14:6 «وَأَمَّا مِنْ
جِهَتي، فَحَاشَا لي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ
الْمَسِيحِ، الَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ العَالَمُ لي وَأَنَا لِلْعَالَمِ».

هذه الآية من جهة
موضعها والظروف التي قيلت فيها، فهي تقدِّم الافتخار المقابل لأولئك الذين يفتخرون
بختانة الجسد في الظاهر كعلامة للعهد القديم، التي في مضمونها تشير إلى مجرد طهارة
العضو الذكر من نجاسة موهومة، للانتقال من سيرة الأُمم إلى سيرة اليهود.

والآية تضمن ما يقطع به
القديس بولس على نفسه أنه يستحيل أن يفتخر بشيء مهما كان، وضمناً بالناموس
والختانة، فإن افتخر فهو يفتخر فقط بصليب المسيح.

وصعب جداً على تصورنا
أن يكون الصليب في أيام ق. بولس مصدر افتخار، عندما كان ذكر “كلمة” الصليب يصيب
السامع بالفزع والرعبة والتشاؤم والإحساس بالفضيحة والهلاك، حتى إن ذكر الصليب كان
مرفوضاً نهائياً في الحديث والكتابة عند اليهود والأدب الروماني. والقديس بولس نفسه عبَّر عن وقع كلمة الصليب على
الأسماع: عثرة عند اليهود وجهالة عند
الأمم!

ثم معنى الصليب في
حقيقة المسيحية لا يزيد عن ذلك، فهو يعني الموت ظلماً وعلى مستوى اللعنة والعار.
فقول ق. بولس بعد ذلك بالافتخار بالصليب يكون أكبر مضادة حادثة بين الفخر
والفضيحة، وحتى علاقة الصليب نفسها تحكي عن مضادة واقعة بين إرادة الله الرأسية من
السماء إلى الأرض
ò وإرادة الإنسان التي من الأرض إلى الأرض ó لتنشئ هذا الصليب الذي هو التعارض الكبير U بين الله والإنسان بين الحق والباطل. فكون الإنسان (يسوع المسيح)
يقع في بؤرة هذه المضادة أي الصليب يعني أنه انسحق انسحاقاً فيما هو إنسان لينتهي
إلى نصرة ما لله فيه. وهنا يتحوَّل الصليب من واقع الذلَّة والعار والفضيحة
للإنسان إلى الارتفاع بقوة المجد نحو الله ليصير إلى ما هو لله كلاًّ. ولكن لا
يزال الافتخار يعني عبور هذه المحنة والمأساة العظمى لحساب الله بالنهاية. لذلك
لكي يكون الإنسان مسيحياً وتلميذاً للمسيح يتحتَّم عليه أن يحمل هذا الصليب ويتبع
خطوات المسيح بمعنى العبور في هذه المحنة عينها بالانسحاق والتواضع التي بعد أن
نفَّذها المسيح عملياً في نفسه وفي جسده وأعطى سر قوتها للإنسان بالقيامة من
الأموات، أصبح لدى كل إنسان بقوة روح قيامة المسيح القدرة على العبور في محنة
الصليب من خلال الانسحاق والتواضع بضمان القيامة التي جازها بروح المسيح. من هنا
صار الصليب، تلك المضادة العظمى بين إرادة الله وإرادة الإنسان عبر
محنة الموت الإرادي هو فخر الإنسان بجدارة، الذي كما يقول ق. بولس أن
به يموت العالم للإنسان كما يموت الإنسان بالنسبة للعالم، بمعنى الموت الحقيقي
بالروح عن هذا العالم مقابل الحياة للعالم الآخر حيث تُقتلع طبيعة الإنسان من تربة
عالم الخطية والموت والزوال والفناء الحتمي لتُغرس في طبيعة جسد المسيح لتحيا حياة
الأبد.

لذلك لم يكن ق. بولس
مبالغاً في اعترافه التاريخي عندما قال:

+ » لكن ما كان
لي ربحاً، فهذا قد حسبته مِنْ أجل المسيح خسارةً. بل إني أحسبُ كل شيءٍ خسارةً
مِنْ أجلِ فضلِ معرفة المسيح يسوع ربِّي، الذي مِنْ أجلهِ خَسِرتُ كل الأشياءِ،
وأنا أحسبها نُفايَةً لكي أربحَ المسيح، وأُوجَدَ فيه.
«(في 3: 79)

والذي ينبغي أن نعيه
ونحفظه للممارسة هو مركز الصليب في تعليم ق. بولس اللاهوتي وفي حياته، فهو محور كل
كرازته بل قوتها بل افتخارها؛ وهو بذلك يعتبر أكثر الرسل جميعاً تقديراً وتقديساً
وافتخاراً بصليب المسيح، ذلك في وقت كان الصليب كما قلنا
كلمة رعب ورمز الفضيحة والعار الذي ماته المسيح عليه:

+ » لأن المسيح لم
يرسلني لأعمِّد بل لأبشِّر، لا بحكمة كلام لئلاَّ يتعطَّل صليب المسيح. فإن كلمة
الصليب عند الهالكين جهالة وأمَّا عندنا نحن المخلَّصين فهي قوة الله … لأن
اليهود يسألون آية واليونانيين يطلبون حكمة ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوباً
لليهود عثرة ولليونانيين جهالة وأمَّا للمدعوين يهوداً ويونانيين فبالمسيح
(المصلوب) قوة الله وحكمة الله … ومنه أنتم بالمسيح يسوع الذي صار لنا حكمة من
الله وبرًّا وقداسة وفداء حتى كما هو مكتوب مَنْ افتخر فليفتخر بالرب.
«(1كو 1: 1731)

وكل إنسان مفكِّر ينذهل
كيف نجحت كرازة ق. بولس بين الرومان واليونان بالكرازة بالصليب، مع أن
الصليب هو كلمة مكروهة للغاية ومزدرى بها جداً بل وكلمة تشاؤم عند الرومان
واليونان كما عند اليهود. السر هنا يكشفه ق. بولس بقوة وعلانية وتحدٍّ:

+ » وأنا لمَّا
أتيت إليكم أيها الإخوة، أتيتُ ليس بسموِّ الكلام أو الحكمة منادياً لكم بشهادة
الله، لأني لم أعزم (صممت) أن أعرف شيئاً بينكم (لا كلمة ولا فن ولا تمثيل ولا أدب
ولا قصص) إلاَّ يسوع المسيح وإياهُ مصلوباً.
«(1كو 2: 1و2)

ولكنه يكرز علانية
بصليب المسيح معتمداً على قوة الروح القدس الذي سيقنع الناس وليس بحكمة الكلام:

+ » وكلامي
وكرازتي لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المُقنِع، بل ببرهان الروح والقوة،
لكي لا يكون إيمانكم بحكمةِ الناس بل بقوة الله.
«(1كو 2: 4و5)

يا إخوة، سيظل صليب
المسيح معنا وفينا عثرة، سواء كُنا متكلمين أو صامتين إلى أن تؤازر الكلمةَ قوةُ
روح الله القدوس، وحتى في صمتنا يتكلَّم الروح ويعمل بقوة:
» فإننا لسنا
نكرز بأنفسنا، بل بالمسيح يسوع ربا، ولكن بأنفسنا عبيداً لكم من أجل يسوع
«(2كو 5:4). فقوة الكارز هي في روح الله وتواضع الروح.

وواضح من كرازة ق. بولس
بصليب المسيح أنه لا يقدِّمه كموضوع كرازة بحد ذاته، بل كقوة فعَّالة تعمل الآن في
كل قلب، ليغيِّر الإنسان من حياة حسب الجسد لحياة حسب الروح، وتظهر في الحال كفعل
توبة وعودة لله بقوة. كما يقدِّمه كحقيقة أخروية أي فائقة عن هذا العالم، قوة خلاص
مقتدرة تفصل ما لهذا العالم عن العالم الآخر الحقيقي ولا صلة بينهما على الإطلاق.

«الذي به قد
صُلِبَ العالم لي وأنا للعالم»:

فالإنسان المصلوب مع
المسيح يكون قد مات في نظر العالم مثل المسيح، وفي نظره هو يكون مائتاً عن العالم
لأنه صار حيًّا لله في المسيح. هذا الذي عبَّر عنه ق. بولس بقوله:
» الذي أنقذنا
من سلطان الظلمة، ونقلنا إلى ملكوت ابن محبتهِ
«(كو 13:1). والذي يتوقف قليلاً هنا ويتأمل في هذه النقلة يجدها قد
تمت حقا وبالفعل بواسطة الصليب. فالصليب في معنى الخلاص وقوته هو أداة الانتقال
الواقعي من الموت إلى الحياة من هذا العالم إلى الآخر. ولكن هذا يتوقف على مدى
إيمان الإنسان المسيحي وثقته وإحساسه الباطني أنه صُلب حقًّا مع المسيح ومات معه
على ذات الصليب لينتقل من الموت إلى القيامة، أي من حياة حسب هذا الدهر (الموت)
إلى حياة حسب الدهر الآتي (في الحياة الأبدية).

وهذا
هو الواقع المذهل الذي تمَّ على صليب المسيح عندما أسلم الرب الروح بعد أن قال
» قد أُكمل « فقد انتهى العالم الحاضر على الصليب
وبواسطته، ليبتدئ العالم الآخر بعد تكميل أصول الموت في اليوم الثالث بقيامة
المسيح السرية التي لم يَرَها العالم الحاضر ولا لاحظها ولا سجلها لأنها هي الحياة
الأبدية غير المنظورة. وهل يمكن أن يرى الموت الحياة؟ إلاَّ إذا باد الموت في ذاته
أو من القلوب، لذلك فالمسيح القائم من الأموات رآه أُولئك الذين آمنوا بالقيامة أي
الذين جازوا الموت مع المسيح وقاموا.

أمَّا موت العالم
الحاضر الشرير بالنسبة لنا فيعبِّر عنه ق. بولس في مبدأ هذه الرسالة هكذا:

+ » الذي بذل
نفسه لأجل خطايانا، ليُنقذنا من العالم الحاضر الشرير.
«(غل 4:1)

وماذا يعني أن العالم
صُلب لي وأنا للعالم؟ أليس هذا العالم المضاد لله بقواته الشريرة وأركانه المظلمة؟
» ونحن لم نأخذ روح العالم بل الروح الذي من الله لنعرف
الأشياء الموهوبة لنا من الله
«(1كو 13:2). أليست هي عظمة هذا العالم وأمجاده الكاذبة وأهواؤه هي
التي أختفت من محيط حياته، وكأن الصليب أصبح سوراً منيعاً يفصل العالم الشرير
ويخفيه حتى ولو كان ظاهراً في الظاهر؟ فكما أن المسيح اختفى عن العالم بعد موته
تماماً، هكذا تماماً أيضاً اختفى العالم عن المسيح. وماذا يعني أن الصليب، والصليب
وحده فقط، صار فخر ق. بولس وافتخاره؟ أليس معناها أن كل ما دون الصليب صار مُزدرى
به وغير موجود بل وغير منظور؟

والآن عزيزي القارئ،
بعد ما سمعنا عن
» حاشا لي أن أفتخر بشيء قط إلاَّ بصليب ربنا يسوع
المسيح
« ما رأيك في الذي
يخجل من صليب ربنا يسوع المسيح؟ ولا أقصد أنه يخفيه من يده أو من على صدره، ولكن
هو يمسكه ويظهره على صدره ولكن يخفيه من حياته، بمعنى ينكره بسيرته ويخجل منه في
أعماق ضميره. يشهد به بفمه ولكنه لا يُرى قط في معاملته أو تصرفاته أو سلوكه دون
أن يدري.

ولكن لماذا ينكره
بسلوكه؟ أليس لأنه غير قائم في قلبه، بمعنى أنه لم يَجُزْ الموت الحقيقي مع
المسيح، يدَّعي القيامة ويشهد لها مع أنه لم يمت بالحق ولا ذاق الصليب أو احتمل
عاره. هذا هو الافتخار الكاذب بالصليب، وهذا هو الصلب الكاذب للعالم ولي!!

وهذه سمة أهل العالم في
هذه الأيام. أمَّا الصليب الحقيقي فهو الذي أحفظه في قلبي وأصعد عليه كل يوم
بإرادتي فأتلذَّذ بموتي عليه وأفرح باختفاء عالم الأكاذيب عن قلبي.

15:6 «لأَنهُ في
الْمَسِيحِ يَسُوعَ لَيْسَ الْخِتَانُ يَنْفَعُ شَيْئاً وَلاَ الغُرْلَةُ، بَلِ
الْخَلِيقَةُ الْجَدِيدَةُ».

«الخليقة
الجديدة»:
kain¾ kt…sij

المعنى المباشر هو: أن
نكون في المسيح،
فالإنسان في المسيح هو خليقة جديدة (2كو 17:5). الخليقة الجديدة موطنها السماء والحياة الأبدية
وملكوت الله، ولكن الآن المؤمنون بالمسيح يحققونها كحياة في المسيح تتحقَّق بالروح
القدس، وفي النهاية يحقق الجميع هذه الخليقة الجديدة
كوحدة بشرية:

+
» لأنه كما في آدم (يتحتَّم
أن) يموت الجميع، هكذا في المسيح سيحيا الجميع.
«(1كو 22:15)

+ » إلى أن
ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله. إلى إنسانٍ كاملٍ
(الخليقة الجديدة). إلى قياس قامة ملء المسيح.
«(أف 13:4)

هنا يُظهر ق. بولس
الرسول تقييمه للختان بحد ذاته أنه لا قيمة له كما الغرلة أيضاً، أي أن عدم
الختانة لا قيمة لها إن كان الإنسان قد قبل الإيمان بالمسيح وقبل بالتالي الطبيعة
الجديدة في المسيح، فأصبح غير منتمٍ للطبيعة القديمة ذات الغرلة والختانة، وأصبح
الذي يهم الإنسان غاية الاهتمام هو ما هي مؤهلات طبيعة الإنسان القائم من الأموات
مع المسيح، أي الخليقة الجديدة التي تعيش بالروح. ففي الخليقة الجديدة ليس ذكر ولا
أنثى من الأساس ولا يهودي وأُممي، بل إنسانٌ واحدٌ جديدٌ على صورة خالقه في
القداسة والحق. لأن الخليقة الجديدة هي خليقة روحانية يتقهقر منها كل ما هو للجسد.

ونفس هذه الآية التي
نحن بصددها الآن هي متقدمة خطوة عن مثيلتها في (6:5):
» لأنه في
المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئاً ولا الغرلة بل الإيمان العامل بالمحبة
«حيث الإيمان
العامل بالمحبة هو عمل الخليقة الجديدة. فالإيمان العامل بالمحبة في المسيح هو
ممارسة، وفعل عامل باجتهاد وبمؤازرة النعمة. هنا ممارسة الخلاص كفعل إيمان.
ولكن في هذه الآية الجديدة (15:6) حالة الإنسان في الخليقة الجديدة هي حالة
قائمة نتيجة اتحاد في كيان الخليقة الروحانية الجديدة في المسيح كهبة، وهي نفسها حقيقة
ملكوت الله
المعلن لنا وفينا منذ الآن. وهذا يُحسب قياماً في الخلاص، كحالة
وجود حيّ فعَّال، كهبة إيمان وليس كفعل إيمان!

+ » إذاً إن كان
أحد في المسيح فهو خليقة جديدة الأشياء العتيقة قد مضت. هوذا الكل قد صار جديداً.
«(2كو 17:5)

والانتقال الذي انتقله
ق. بولس من الخليقة العتيقة بناموسها إلى الخليقة الجديدة بروحها الذي من الله
بالمسيح سبق أن شرحه ق. بولس بوضوح هكذا::

+ » لأني مُتُّ
بالناموس
(على صليب المسيح لأن المسيح مات بحكم الناموس) للناموس لأحيا
(في المسيح) لله. مع المسيح صُلِبتُ (الخليقة العتيقة)، فأحيا لا أنا، بل
المسيح يحيا فيَّ (الخليقة الجديدة). فما أحياهُ الآن (في الخليقة الجديدة) في
الجسد، فإنما أحياه في الإيمان (أي أن الإيمان يمثل فاعلية الخليقة الجديدة
التي نحياها بالإيمان)، إيمان ابن الله، الذي أحبني وأَسلَمَ نفسه لأجلي.
«(غل 2: 19و20)

وهكذا لا يمكن فصل
الخليقة الجديدة عن الإيمان بالمسيح
لأن الإيمان مربوط بالمعمودية:

+ » خلعتم
الإنسان العتيق
مع أعماله، ولبستم الجديد الذي يتجدَّد للمعرفة
حسب صورة خالقه،
حيث ليس يونانيٌّ ويهوديٌّ، ختانٌ وغرلةٌ، بربريٌّ
سكِّيثيٌّ، عبدٌ حرٌّ، بل المسيح الكل وفي الكل.
«(كو 3: 911)

فالمسيح في الخليقة
الجديدة هو الكل في الكل حينما يموت العتيق حقا على صليب الخلاص.

فإن كانت كل هذه الآيات
توضح مفردات الإنسان الجديد الذي هو عضو الخليقة الجديدة في المسيح، فالقديس بولس في هذه الآية الأخيرة (15:6)
قد انتهى بالخليقة الجديدة إلى قمة
الاستعلان.

16:6 «فَكُلُّ
الَّذِينَ يَسْلُكُونَ بِحَسَبِ هذَا الْقَانُونِ عَلَيْهِمْ سَلاَمٌ وَرَحْمَةٌ،
وَعَلى إِسْرَائِيلِ اللهِ».

«بحسب هذا
القانون»:
kanÒni

القانون = kanèn هنا
هو المبدأ الثابت، المحسوب كقانون الحياة وهو قيام الخليقة الجديدة على أساس
موت العتيقة.

أمَّا
الذين يسلكون بحسب هذا القانون فهم المؤمنون بالمسيح الذين صاروا بالفعل أعضاءً في
الخليقة الجديدة، المحسوبون أنهم إسرائيل الجديد إسرائيل الله، في مقابل الذين
انخدعوا بالناموس والختانة وارتدوا إلى إسرائيل موسى.

وكلمة
“يسلكون
= stoic»sousin سبق أن شرحناها في الآية (25:5) وتعني: “السير خطوة بخطوة
مع هذا القانون”.

«وعلى
إسرائيل الله»:
‘Isra¾l toà
Qeoà

كما يقول القديس يوحنا
ذهبي الفم في هذا الموضوع:

[هم الذين يتبعون نعمة
ربنا يسوع المسيح وفعلها الجديد، فهم الذين ينعمون بالسلام والرحمة فيدعون عن صحة
بإسرائيل].

وهذا الاتجاه هو الساري
في الكنيسة منذ أيام يوستين الشهيد([6])
باعتبار أن الكنيسة المسيحية تعتبر هي: “إسرائيل الروحي الحقيقي”.

وأغلبية العلماء
مقتنعون بصحة هذا الاتجاه، لأن الكنيسة هي استمرار حقيقي لإسرائيل بعد أن دخل
اليهود في المسيح مع بقية الأُمم على أساس تجديد الخليقة بالروح.

وإن كنَّا نرى نحن أن
تحية ق. بولس تختص فقط باليهود الذين دخلوا الإيمان وقبلوا قانون الخليقة الجديدة
فأصبحوا إسرائيل بالحق أو إسرائيل الله. على أن هذا السلام وهذه الرحمة ظلت دعوة
مباركة على رأس اليهود الذين سيخرج منهم في النهاية من يعودون ويقبلون المسيح
كمسيَّا الدهور، الذي بدأ بالفعل يستعلن نفسه لهم الآن وبدأوا يدخلون في المسيحية
بالآلاف وينعمون حقا بالسلام والرحمة بعد دهور الأحزان والحرمان السالفة.

فتحية لروحك أيها
القديس بولس الرسول رائي العهد الجديد الذي أعلن عن يقين الإيمان والرؤيا:
» أن البقية
ستخلص
«البقية التي أبقاها الله لنفسه لتشهد للمسيح المسيَّا أعظم
شهادة، لتكون بالنهاية نور الأُمم للملء الجديد.

17:6 «في مَا بَعْدُ
لاَ يَجْلِبُ أَحَدٌ عَليَّ أَتْعَاباً، لأَنِي حَامِلٌ في جَسَدِي سِمَاتِ
الرَّبِّ يَسُوعَ».

«فيما بعد»:
toà loipoà

لقد استكفى ق. بولس
أتعاباً من الغلاطيين، فبعد أن بذل أقصى جهده لإقناع هؤلاء الأغبياء حسب تعبيره،
وقف مرَّة واحدة ليضع حداً لمهاتراتهم بالنسبة له. فقد سلكوا سلوكاً مخيِّباً لظنه
فيهم والآن لا يقبل المزيد من هذا الغباء. ولقد تسبَّبوا بهذا السلوك الغبي في
إزعاج نفس ق. بولس وجدَّدوا عليه أوجاعه، فهو كمَنْ يقول كفاكم:
» لا يجلب أحد
عليَّ أتعاباً
«لأني قد استكفيت آلاماً حتى في جسدي الذي يحمل كسوراً
وجروحاً تحكي عن شركتي الحقيقية في صليب ربنا يسوع المسيح. أليست هذه كلها تحكي
أيضاً كيف كُرِزَ برسالة الإنجيل في لسترة؟
» ثم أتى
يهودٌ من أنطاكية وإيقونية وأقنعوا الجموع، فرجموا بولس وجرُّوه خارج المدينة،
ظانين أنه قد مات. ولكن إذ أحاط به التلاميذ، قام (تألَّم ورجم ومات وقام) ودخل
المدينة، وفي الغد خرج مع برنابا إلى دربَة.
«(أع 14: 19و20)

هذا حدث في لسترة إحدى
مدن غلاطية!! لذلك فالقديس بولس يتكلَّم هنا عن سمات الرب يسوع التي رآها وعرفها
أهل غلاطية!! سواء بالرجم حتى الموت، أو بقيامة مرَّة أخرى بعد الرجم وبعد أن ظنوه
أنه مات، إذ أعطته أيضاً سمة القيامة مع الرب يسوع:

+ » حاملين في
الجسد كل حين إماتة الرب يسوع لكي تظهر حياة يسوع أيضاً في جسدنا. لأننا نحن
الأحياء نسلَّم دائماً للموت من أجل يسوع لكي تظهر حياة يسوع أيضاً في جسدنا
المائت.
«(2كو 4: 10و11)

وكانت هذه ليست إرادة
ق. بولس وحسب بل ومسرَّة نفسه:
» لأعرفه، وقوَّةَ
قيامته، وشركة آلامه، متشبِّهاً بموته
«(في
10:3). والذي يجمع هذه الأقوال وهذه الأوصاف يشعر أن ق. بولس كان كمَنْ يسعى ليحمل
في جسده وحياته أكبر قدر من الآلام ليحقِّق شركته الإيمانية في آلام وصليب وموت
المسيح:

+ » الذي الآن
أفرح في آلامي لأجلِكم، وأُكمِّل نقائص شدائدِ المسيح في جسمي لأجل جسده، الذي هو
الكنيسة،
«(كو 24:1)

وحينما يقول ق. بولس
إني
» حامل في جسدي سمات الرب يسوع «فهو يوحي
للقارئ أنه يعتبر نفسه عبداً ليسوع المسيح بنوع تكميل الشراء ودفع الثمن. فالعبد
إذا تمَّ بيعه يأخذه سيده ويصنع في جسده بالكي علامات خاصة بل ربما اسمه حتى يؤكد
ملكيته ولا يدع للعبد فرصة للهرب!!
» من وجهك أين أهرب «(مز 7:139)!! لذلك فكلُّ مرَّة كان يقول فيها ق. بولس أنه عبد
ليسوع المسيح كان يتحسَّس جروحه العميقة وكسوره!!

ثم أليس هذا، يا عزيزي
القارئ، هو الذي كان يصنعه آباؤنا الأماجد في أجسادهم وأجساد أولادهم: برشم الصليب
أو دقِّه الذي كان يُصنع إما بصبغة على جرح بشكل صليب أو بالحرق ليبقى رسم الصليب
في الجسد حتى الموت، إمَّا على اليد أو الذراع أو حتى على الصدر كله. ليظل الإنسان
معروفاً علناً أنه عبد يسوع المسيح. أمَّا الوشم الذي على الصدر فلكي يتعرَّف عليه
الناس إذا مات فجأة أو في غربة حتى يحملوه إلى الكنيسة ويصلوا عليه ثم يدفن في
مدافنها([7]).
فهذا هو صليب ربنا يسوع سمة المسيح في الحياة والموت:

عبيدك نحن يا رب!!

18:6 «نِعْمَةُ
رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ مَعَ رُوحِكُمْ أَيهَا الإخْوَةُ. آمِينَ».

«نعمة»: ¹ c£rij

بدأ بها رسالته » نعمةٌ لكم
وسلامٌ من الله الآب، ومن ربنا يسوع المسيح
«(غل 3:1)، وها هو ينهي بها الرسالة كختام البركة كعادته في رسائله.

«مع روحكم»:
met¦ toà pneÚmatoj Ømîn

أضاف هنا ق. بولس: «مع
روحكم»
قاصداً حتى النهاية أن يفرق ما للجسد عمَّا للروح لأهل غلاطية الذين
انحازوا للجسد. مع أنه في كل رسائله يكتفي بكلمة معكم:

+ » نعمة ربنا
يسوع المسيح معكم آمين.
«(رو 20:16)

+ » نعمة الرب
يسوع المسيح معكم.
«(1كو
23:16)

+ » النعمة معكم
آمين.
«(كو 18:4)

+ » نعمة ربنا
يسوع المسيح معكم.
«(1تس
28:5)

+ » النعمة معك
آمين.
«(1تي 22:6)

«نعمة ربنا
يسوع المسيح مع روحكم»:

النعمة = c£rij وباللاتيني = Gratia.
والقديس بولس هو أكثر مَنْ مارسها من الرسل وأكثر مَنْ علَّم بها ودعى. فقد ذكرها
ق. بولس عدداً من المرات يتساوى مع ضعف ما ورد منها في بقية العهد الجديد بأجمعه،
فهي أكثر ما ركَّز عليه: العطاء المجاني للكنائس.

والنعمة
هي مركز عطاء الله النابض، فهي قوة الله التي يهبها مجاناً دون أي استحقاق من أحد
بسبب شدَّة وجودها في طبيعته السخية والغنية، فهي التي تعبِّر عن محبته المتأججة
نحو الإنسان فيعطيها من ذاته لتنسكب على ذهن الإنسان لينفتح على الإنجيل،
لتقديسه. وهي أعظم ما نال ق. بولس فصارت أعظم ما يدعو به للكنائس. فهي طاقة إلهية
ديناميكية أي ذاتية الحركة الدائمة المنبثقة من طبيعة الله تلهب قلب الإنسان بحب
الله ليبادله حبًّا بحب، فتضيء ذهنه بأسرار الإنجيل أي الخلاص الممنوح للإنسان،
وبالتالي فهي قوة التجديد الدائم التي بها يتغيَّر الإنسان بتجديد ذهنه بالإنجيل
لكي يتوافق مع صورة خالق الإنسان الجديد الذي خلقه الله على صورته في القداسة
والحق. والنعمة قوتها تُستمد من عمق كلمة الإنجيل، لأن الكلمة تحوي نعمة الحياة
فتنسكب الحياة أولاً بأول فيدركها الناس في الموهوب من
قوة الإفراز الذي تعطيه النعمة مع الحكمة التي تضيء أمامه كل طرقه. والنعمة لا
تعمل في الإنسان إلاَّ في حرية الروح، وأي تضييق في حرية الروح تنقفل النعمة ولا
تتسع روح الإنسان لاحتوائها. فالله لا يسكن في جزء من هيكل الإنسان، والنعمة لا
تُشعل القلب بنار الروح إلاَّ في حضرة الله بالصلاة، فالصلاة الدائمة وقود النعمة
المختار الموهوب مجاناً لذوي الغيرة على حياة العطاء.

والإنسان الحائز على
النعمة يجذب الروح ويبهج القلب، لأنه يسلِّم العطية التي فيه دون أن يدري، وهو
قادر على تغيير القلوب وإراحتها وتجديد الفكر والحياة:

+ » وكان الجميع
يشهدون له ويتعجبون من كلمات النعمة الخارجة من فمه.
«(لو 22:4)

+ » ليكن كلامكم
كل حين بنعمة مصلحاً بملح (الإنجيل) لتعلموا كيف يجب أن تجاوبوا كل واحد.
«(كو 6:4)

وبالنسبة لواقع الإنسان
الذي يشقى بجسده، فالنعمة هي المحرِّك الإلهي المضاد للخطية الذي بلغ أوجه في عمل
الخلاص:
» بالنعمة أنتم مخلَّصون «(أف 5:2). ولن تكف النعمة عن عملها طالما الإنسان واثق من خلاصه
الذي أُكمل له مجاناً. وأوضح وأوقع آية سمعتها هي ما قاله ق. بولس مع
تصحيح الترجمة:
» اسلكوا بالروح فلن تكمِّلوا شهوة الجسد «(غل 16:5). كما عرفها وكتبها ذهبي الفم في شرح رسالة غلاطية!! هذا
هو عمل النعمة القوي والمجاني القادر أن يجدِّد الجسد ليخرجه خارج السلوك
الجسداني.

وواضح هنا أن عمل
النعمة بالروح القدس لا يعتمد على عمل أو جهاد بل يعتمد على الاعتماد الإيماني
بعمل النعمة. والمعيار الصادق الذي وضعه ق. بولس بالروح هو:
» فإنكم
تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح، أنه من أجلكم افتقر وهو غنيٌّ، لكي تستغنوا أنتم
بفقره
«(2كو 9:8). هذا سر
عظيم أنه من خلال فقر المسيح تتسرب النعمة لفقرنا، لنستغني بفقره وفقرنا فيه. فإن
كان هناك عمل يشتاق الإنسان أن يتممه ليقبل هذه النعمة المجانية فهو عمل اتصال
بفقر المسيح الذي يستحيل أن يتم إلاَّ من خلال فقرنا. أمَّا فقر المسيح فأثمر
خلاصنا وأمَّا فقرنا فهو حصولنا على هذا الخلاص المذخر فيه نعمة وفقر المسيح.

أمَّا مقارنة قوة
الخطية بقوة النعمة فوصفها ق. بولس في هذه المعادلة:

+ » إن كان
بخطية واحد (آدم) مات الكثيرون، فبالأولى كثيراً نعمة الله والعطية
بالنعمة،
التي بالإنسان الواحد يسوع المسيح قد ازدادت للكثيرين (للكل).
«(رو 15:5)

والقديس بولس يشدِّد
جداً على صلة محبة الله التي سكبت لنا نعمة المسيح:

+ » نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله وشركة
الروح القدس مع جميعكم آمين.
«(2كو 14:13)

فمَنْ ذا الذي لا يمسك
بتلابيب النعمة كما مسك يعقوب بملاك الليل مسكاً لا تفريط فيه حتى مطلع الفجر،
وبعد إلحاح الملاك ليتركه رفض يعقوب:
» لا أطلقك إن
لم تباركني
«(تك 26:32). فباركه مرغماً وأعطاه
تجديد الحياة مع تجديد الاسم:
» لا يدعى اسمك فيما بعد
يعقوب بل إسرائيل (أي الذي رأى الله).
«(تك 28:32)

 

هذه رسالة غلاطية
مشروحة، نطرحها بين يديك أيها القارئ العزيز، وكلها موجهة إلى قلبك تخاطب إيمانك
وتستنهض روحك، لتقبل الدرة الثمينة المتلألئة فيها التي بهرت كل الأجيال، «إن
آمنت تنال بر الله المجاني»
([8])،
حتى بالبر تفعل كل ما يرضي الله وما يسعدك.

والآن

يتوجّب عليَّ أن أقدِّم
الشكر لله الذي نظر إلى ضعفي وقواني في مرضي، وهكذا أمدَّني بنعمته حتى أنارت ذهني
لأفهم أسرار هذه الرسالة لتنير الطريق أمام هذا الجيل كما أنارت لغلاطية في ذلك
الزمان، وما أشبه اليوم بالبارحة.



([1]) Bruce., op. cit., p. 264.

([2]) Chrisost. op. cit., (ad.
loc).

([3]) Bruce., op. cit., p. 268.

([4]) R. Jewett, “The Agitators and the
Galatian Congregation
”, NTS 17 (1970-71), p. 205.

([5]) Bruce., op. cit., p. 270.

([6]) Just. Mart., Dial., 11, 5.

([7]) تاريخ الكنيسة يحمل لنا ذكريات عطرة عشناها
عياناً في بكور حياتنا الرهبانية
عن النسَّاك لباس
الصليب، أي الإسكيميين حيث الإسكيم هو عبارة عن عدة صلبان على الصدر فوق القلب
وعلى الظهر في موضع مركز النشاط الجنسي وعلى الكتفين موضع النير الهين والحمل
الخفيف! وكانت الكنيسة تتشبَّث في عصورها الزاهرة بأن يكون بطاركتها وأساقفتها من لبَّاس الإسكيم. ولما انتهى عصر
النسَّاك الحقيقيين ظلت
الكنيسة تُلبس الأسقف يوم رسامته الإسكيم

“عِبْرَةً”
ولكن الآن رُفع من الطقس إعلاناً عن اختفاء طقس
النسَّاك.

([8]) على مستوى قول المسيح لمرثا: «إن آمنت ترين مجد الله.» (يو 40:11)

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس س سَفِّيرة ة

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي