الإصحَاحُ
الثَّانِي

 

1وَأَنْتُمْ
إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتاً بِٱلذُّنُوبِ وَٱلْخَطَايَا، 2ٱلَّتِي
سَلَكْتُمْ فِيهَا قَبْلاً حَسَبَ دَهْرِ هٰذَا ٱلْعَالَمِ، حَسَبَ
رَئِيسِ سُلْطَانِ ٱلْهَوَاءِ، ٱلرُّوحِ ٱلَّذِي يَعْمَلُ
ٱلآنَ فِي أَبْنَاءِ ٱلْمَعْصِيَةِ، 3ٱلَّذِينَ نَحْنُ أَيْضاً
جَمِيعاً تَصَرَّفْنَا قَبْلاً بَيْنَهُمْ فِي شَهَوَاتِ جَسَدِنَا، عَامِلِينَ
مَشِيئَاتِ ٱلْجَسَدِ وَٱلأَفْكَارِ، وَكُنَّا بِٱلطَّبِيعَةِ
أَبْنَاءَ ٱلْغَضَبِ كَٱلْبَاقِينَ أَيْضاً.

(1-3)
بعد أن تكلم الرسول في الأصحاح السابق عن أفكار وطرق الله نحو المؤمنين، وبعد أن
صلى لأجلهم، بدا يهبط بنا إلى جب هلاكنا. قال: «وأنتم إذ كنتم أمواتاً بالذنوب
والخطايا». والموت المقصود هنا هو الموت الروحي. الذي هو بعد النفس عن الله. لأنه
كما أن الموت الجسدي ينشأ عن ا نقطاع الصلة بين الجسد وأسباب الحياة كالماء
والهواء والغذاء. كذلك يقع الموت الروحي عند انقطاع الصلة بين النفس والإله الحي،
الذي هو مصدر حياتها.

في
الحقيقة أن الإنسان ليس مجرد ضحية، جنى عليها المجتمع. بل هو نفسه جان ومسبب ألماً
للآخرين. وحين نتأمل الناس حولنا نرى أن كثيرين أشرار، وكلهم بالطبيعة أرديا. وكل
واحد يتهم قريبه. وهذا ما أشار إليه الرسول إذ قال: «وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ
كُلَّ مَا يَقُولُهُ ٱلنَّامُوسُ فَهُوَ يُكَلِّمُ بِهِ ٱلَّذِينَ فِي
ٱلنَّامُوسِ، لِكَيْ يَسْتَدَّ كُلُّ فَمٍ، وَيَصِيرَ كُلُّ
ٱلْعَالَمِ تَحْتَ قِصَاصٍ مِنَ ٱللّٰهِ… إِذِ ٱلْجَمِيعُ
أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ ٱللّٰهِ، مُتَبَرِّرِينَ مَجَّاناً
بِنِعْمَتِهِ بِٱلْفِدَاءِ» (رومية 3: 19، 23، 24).

فالإنسان
في حالته الطبيعية، لا يحتاج إلى إصلاح بل إلى تجديد. قد يظن بعضهم أن التدين،
يستطيع أن يحل المشكلة. ولكن التدين مهما بلغ الإخلاص فيه، لا يستطيع أن يخلص،
لأنه مبني على تقاليد من صنع الناس حسبها المسيح عبادة باطلة (مرقس 7: 9). الإنسان
كما هو يحتاج إلىكلمة الله المعلنة، التي تحرره وتنقي قلبه من الشوائب (يوحنا 15:
3). لذلك يجب أن ندرسها لكي تدخل النور إلى نفوسنا. لأن كلمة الحق إنجيل الخلاص،
تعبير للحياة الإلهية في الإنسان، بدليل قول المسيح: «اَلْكَلاَمُ ٱلَّذِي
أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ» (يوحنا 6: 63).

لما
كان لكلمة الله الحية هذا التأثير الفعال في حياة الناس، فقد نشط الشيطان وأعوانه
من بين البشر ضدها. فتناولوها بالنقد والتجريح وقصدهم إبعاد الناس عنها وصدهم عن
مطالعتها.

ونلاحظ
في هذا الفصل من رسالته، أن بولس، حرص على أن يقتاد المؤمنين إلى قمة الإعلان
الإلهي. ولكنه قبل كل شيء أراد أن نتأمل في طبيعتنا الساقطة: ولهجة الرسول هنا
ترتدي طابع الخصوصية، لأنه يتكلم عن كل إنسان كما هو في الطبيعة «ابن الغضب» ويقرر
مسؤوليتنا الفردية. وبكلمة أخرى أن الرسول أراد أن يذكر كل إنسان أنه كائن أدبي،
وأن العدل الإلهي يجعله مسؤولاً أمام الله عن تدعور أدبياته. لأن الله جعل في كل
منا ضميراً حياً، يحكم على الأمور ويميز خيرها من شرها. بمعنى أن الإنسان حتى
الطبيعي، يشعر بمذنوبيته. ولكن للأسف فإن بعض الناس يستسلم إلى طغيان الجسد، وبعض
آخر ينجرف في تيار هذا العالم، الذي وضع كله في الشرير. والجميع مع أنهم يتعلمون
ويتفقهون، إلا أنهم بسبب تفضيل أعمال الظلمة لا يستطيعون أن يقبلوا إلى معرفة الحق
(2 تيموثاوس 3: 7).

ولعل
أشر ما في حالة أبناء هذا الدهر، هو أنهم في ممارستهم الدينية والاجتماعية صاروا
ألعوبة في يد الحكمة البشرية والتدين الشكلي، الذي له صورة التقوى ولكنه خال من
قوتها. وهكذا أوجدوا أنفسهم بلا خلاص وبلا رجاء في العالم.

صحيح
أن يد الرب لم تقصر عن أن تسمع (إشعياء 59: 1) ولكن الرب لا يخلص إنساناً رغم
إرادته! وصحيح أن الرب رحوم، ولكن رحمته لا تتدخل، إلا إذا أقر الإنسان بذنبه وقبل
خلاص الله الذي أعده في المسيح يسوع.

الصلاة:
أعترف أمامك يا إلهي، بأنني بالطبيعة ابن الغضب ولكنني أطرق باب نعمتك باسم الفادي
يسوع، متوسلاً أن تقبل توبتي وتغفر آثامي وتجعلني ابناً للرضى. آمين.

4اَللّٰهُ
ٱلَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي ٱلرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ
ٱلْكَثِيرَةِ ٱلَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا، 5وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ
بِٱلْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ ٱلْمَسِيحِ – بِٱلنِّعْمَةِ
أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ –

(4-5)
من المناخ المليء برائحة الموت بالخطايا، انتقل بنا الرسول إلى جو نقي مفعم برائحة
المبحبة والنعمة، وقد استهل قوله باسم الجلالة «الله» وهل من كلمة يتلفظ بها
الإنسان لتعبر عن اطمئنانه وبهجة قلبه مثل هذه الكلمة الله؟! ثم يعقب الرسول
الكريم على اسم الجلالة بثلاث كلمات رائعة: الرحمة والمحبة والنعمة.

1.
الرحمة: في رومية 9: 20-23 نقرأ هذه العبارات: «مَنْ أَنْتَ أَيُّهَا
ٱلإِنْسَانُ ٱلَّذِي تُجَاوِبُ ٱللّٰهَ؟ أَلَعَلَّ
ٱلْجِبْلَةَ تَقُولُ لِجَابِلِهَا: «لِمَاذَا صَنَعْتَنِي هٰكَذَا؟»
أَمْ لَيْسَ لِلْخَّزَافِ سُلْطَانٌ عَلَى ٱلطِّينِ أَنْ يَصْنَعَ مِنْ
كُتْلَةٍ وَاحِدَةٍ إِنَاءً لِلْكَرَامَةِ وَآخَرَ لِلْهَوَانِ؟ فَمَاذَا، إِنْ
كَانَ ٱللّٰهُ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُظْهِرَ غَضَبَهُ وَيُبَيِّنَ
قُّوَتَهُ، ٱحْتَمَلَ بِأَنَاةٍ كَثِيرَةٍ آنِيَةَ غَضَبٍ مُهَيَّأَةً
لِلْهَلاَكِ – وَلِكَيْ يُبَيِّنَ غِنَى مَجْدِهِ عَلَى آنِيَةِ رَحْمَةٍ قَدْ
سَبَقَ فَأَعَدَّهَا لِلْمَجْدِ» ففي كلتا الرسالتين شاء الرسول أن يوجه الأنظار
إلى البون الشاسع بين حالين: حال طبيعة كان عليها المفديون قبل إيمانهم، وحال أٰخرى
أوصلتهم إليها النعمة الإلهية بعد أن آمنوا. وما أشبه هذا التطور في حياتهم بعمل
الخليقة، حين كانت الظلمة على وجه الغمر، فقال الله: «لِيَكُنْ نُورٌ» فَكَانَ
نُورٌ… وَفَصَلَ ٱللّٰهُ بَيْنَ ٱلنُّورِ
وَٱلظُّلْمَةِ» (تكوين 1: 1-4).

2.
المحبة: المحبة جوهر صفات الله، كما هو مكتوب: «الله محبة» (1 يوحنا 4: 16) وقد
بين لنا محبته، لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لاجلنا (رومية 5: 8). هذا هو سر
الفداء، محبة الله. «لأَنَّهُ هٰكَذَا أَحَبَّ ٱللّٰهُ
ٱلْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ
يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ
ٱلأَبَدِيَّةُ» (يوحنا 3: 16). قال أحد الأتقياء بمكن للناس أن يتبينوا آيات
يدي الله مطبوعة على سفر عنايته، إلا أنهم يحسون بنبضات قلبه المحب حين يلقون نظرة
على الصليب.

إن
المحبة التي أشار إليها بولس هنا ليست محبته العامة لجميع الخلائق المعبر عنها
بإحسانه ولطفه (تيطس 3: 4) وإنما هي عاطفته القلبية نحو أبنائه المؤمنين، الذين
اختارهم ليكونوا قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة.

3.
النعمة: قال الرسول: بالنعمة أنتم مخلصون. وقال في رسالته إلى أهل كورنثوس:
«فَإِنَّكُمْ تَعْرِفُونَ نِعْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، أَنَّهُ
مِنْ أَجْلِكُمُ ٱفْتَقَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ، لِكَيْ تَسْتَغْنُوا أَنْتُمْ
بِفَقْرِهِ» (2 كورنثوس 8: 9). فالنعمة المشتقة عن هذا الحب العظيم، تعبر عن قلب
الله الغني بالرحمة، التي تتغعاضى عن جهالات الماضي، وتبدل الحاضر من فاسد إلى
طاهر، وتعطي المؤمن ضماناً أكيداً للمستقبل. لأجل ذلك يحضنا بطس لننمو في
الروحيات، إذ يقول: «ٱنْمُوا فِي ٱلنِّعْمَةِ وَفِي مَعْرِفَةِ
رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (2 بطرس 3: 18).

كل
هذا من أجلنا، ولكن ليس لاستحقاق فينا، ولا لبر في أعمال عملناها. بل بمقتضى رحمته
الغنية، ولأجل محبته الكثيرة، التي أحبنا بها. فنعمة الله تلك القبة السماوية التي
لا يمكن أن تستقصي أبعادها، والتي أنوارها مركزة على يسوع وإياه مصلوباً. وفي كلمة
أخرى أنه فيما العالم يقبع في قلب الظلمة البغيضة، أشرق الله بنوره حب ابنه على كل
ابن ضال، صمم على العودة إلى حضن أبيه. وقوة هذا الحب العجيب الذي كلف الله موت
ابنه الحبيب، عملت وما زالت تعمل بالنعمة من أجل الجنس البشري، من أجلنا نحن. إنها
تحاصرنا من خلف ومن قدام من وفوق ومن أسفل، وتجاهد فينا لكي تصيرنا إلى صورة ابن
الله.

لقد
أحيانا مع المسيح بالولادة الروحية، واهباً لنا المواعيد العظمى والثمينة، التي
بها صيرنا شركاء الطبيعة الإلهية، هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة (2
بطرس 1: 3-4) لقد أعطانا طبيعة جديدة وأفكاراً جديدة تتيح لنا السلوك فصاعداً بحسب
ناموس روح الحياة في المسيح يسوع، محطماً عنا قيود ناموس الخطية والموت (رومية 8:
1 و2).

إذا
فبقدر ما أنمو في المسيح بواسطة كلمته العاملة فيّ تتلاشى طبيعتي العتيقة، تاركة
المكان للحياة الإلهية، وفقاً لقول يوحنا المعمدان: «يَنْبَغِي أَنَّ ذٰلِكَ
يَزِيدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ» (يوحنا 3: 30).

من
جهة اختباري أقول: إن من أهم الأدلة على محبة الله التي تفوق كل عقل هو النعمة
التي أتاحت لي القدرة على حياة جديدة عليها ملامح المسيح. وفي تعبير آخر، إني قبلت
خلاص المسيح فحدث تغيير في حياتي، وكان نموي في المسيح يسير تبعاً لما أتحت لمخلصي
أن يعمل في حياتي. وذلك استجابة لإيماني وطاعتي.

الصلاة:
أشكرك ايها الرب المسيح، لأنك رحمتني وتغاضيت عن ذنوبي وسترت عيوبي بالفداء، كما
عملك الصالح في حياتي منعماً، إكراماً لمحبتك. آمين.

6وَأَقَامَنَا
مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ فِي ٱلْمَسِيحِ
يَسُوعَ، 7لِيُظْهِرَ فِي ٱلدُّهُورِ ٱلآتِيَةِ غِنَى نِعْمَتِهِ
ٱلْفَائِقَ بِٱللُّطْفِ عَلَيْنَا فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ.

(6)
القيامة مع المسيح: هي انعتاق وتحرر للمؤمن، وفاقاً للقول الرسولي: «لأَنَّ
نَامُوسَ رُوحِ ٱلْحَيَاةِ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ قَدْ أَعْتَقَنِي
مِنْ نَامُوسِ ٱلْخَطِيَّةِ وَٱلْمَوْتِ» (رومية 8: 2). فمخلصنا له
المجد قطع ربط الموت، التي نجمت عن حب العالم الحاضر، والتي كانت تقيدنا. وقد قطع
هذه الربط لكي يقيمنا معه، ويجلسنا معه في السماويات منذ الآن. لأنه بإقامتنا معه
روحياً جعل سيرتنا في السماء، وفقاً لإرادة الآب رب السماء.

لقد
عرف بالاختبار أن عمل المسيح، يتيح لنا أن نسير قدماً في مرحلة جديدة من حياتنا
تختلف عن مراحل الماضي. صحيح أننا ما زلنا في العالم، ولكننا في حياة الشركة مع
فادينا، نبدو وكأننا لسنا من العالم لأننا نعيش منتظرين ذلك اليوم الذي فيه تتم
لأجلنا طلبة المسيح حين قال في صلاته الشفاعية: «أَيُّهَا ٱلآبُ أُرِيدُ
أَنَّ هٰؤُلاَءِ ٱلَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ
أَكُونُ أَنَا، لِيَنْظُرُوا مَجْدِي ٱلَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لأَنَّكَ
أَحْبَبْتَنِي قَبْلَ إِنْشَاءِ ٱلْعَالَمِ» (يوحنا 17: 24).

لقد
وصف الرسول الذين أجلسهم المسيح معه في السماويات بالغرباء والنزلاء (عبرانيين 11:
13) وأهاب بهم أن يتصرفوا وفقاً لذلك إذ قال: «إِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ مَعَ
ٱلْمَسِيحِ فَٱطْلُبُوا مَا فَوْقُ، حَيْثُ ٱلْمَسِيحُ جَالِسٌ
عَنْ يَمِينِ ٱللّٰهِ. ٱهْتَمُّوا بِمَا فَوْقُ لاَ بِمَا عَلَى
ٱلأَرْضِ، لأَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ
ٱلْمَسِيحِ فِي ٱللّٰهِ» (كولوسي 3: 1-3).

إن
كلمة «أجلسنا معه في السماويات» ترفع أفكارنا إلى صعود المسيح بعد أن أكمل الفداء.
وكأن الرسول يقول، نحن شركاء المسيح في القيامة والصعود باعتبار اتحادنا به وكونه
رأسنا ورئيسنا وفادينا وولينا ونائبنا وبكلمة أخرى أننا بقيامة المسيح، قمنا من
موت الخطية وانتقلنا من حال الدينونة والشقاء، إلى حال الغفران والسعادة.

اذكر
هذا. أن المسيح إذ كنت في حالة العداوة مع الله صالحك بموته على الصليب. فبالأولى
كثيراً وأنت مصالح به الآن أن تخلص بحياته (رومية 5: 10) وبانتظار أن تراه كما هو،
أعطاك امتياز وشركة القديسين لتكون سفير عنه كأن الله يعظ بك، تطلب عن المسيح
تصالحوا مع الله (2كورنثوس 5: 20).

(7)
إن غاية الله من عمل الفداء، إظهار محبته غير المحدودة وغنى معمته الفائق ولطفه
الذي لا يستقصى لمن لا يتسحقون. بحيث نرى في خلاص كل خاطئ آية جديدة تدل على نعمة
الله، كما أوضح الرسول نفسه حين قال: «لِهٰذَا رُحِمْتُ: لِيُظْهِرَ يَسُوعُ
ٱلْمَسِيحُ فِيَّ أَنَا أَّوَلاً كُلَّ أَنَاةٍ، مِثَالاً لِلْعَتِيدِينَ
أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ لِلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّةِ» (1 تيموثاوس 1: 16).

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ز زمري ي

إن
لطف الله علينا في المسيح ظاهر من كوننا غير مستحقين تلك النعمة. وقد قال المسيح
أن الله منعم على غير الشاكرين والأشرار (لوقا 6: 35).

صحيح
أن لطف الله نحو البشر ظاهر في الطبيعة، حيث أعد الله للإنسان كل أسباب التمتع.
إلا أن الطبيعة مشوبة بأمور قاسية كالزلازل والبراكين والإعصارات المدمرة. ولكن في
المسيح، ظهر لطف الله غير مشوب بقساوة. ففي حياته وتعليمه وموته عنا دليل على
عناية فائقة وحب لا نظير له.

الصلاة:
الشكر لك أيها السيد رب الخلاص للحب العجيب الذي أحببتنا به قبل تأسيس العالم.
ولأنك في ملء الزمان عبّرت عن هذا الحب بالفداء العظيم، فخلصتنا بالنعمة. ثبتنا في
هذه النعمة ولك كل الشكر.

8لأَنَّكُمْ
بِٱلنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِٱلإِيمَانِ، وَذٰلِكَ لَيْسَ
مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ ٱللّٰهِ. 9لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْلاَ
يَفْتَخِرَ أَحَدٌ.

يختم
الرسول هذا المقطع من رسالته بهذا الإعلان المجيد، «الخلاص بالنعمة» وبكلمات وجيزة
بيّن أعظم حقيقة سماوية. وهل من حقيقة أمجد من هذه، أن يكون عدد لا يحصى من
المؤمنين، قد حصلوا على خلاصهم بالاستناد إلى هذه العبارات، وتأكدوا من إيمانهم؟!

ومن
دواعي غبطة المخلص بالنعمة أن الله في غنى لطفه خلص المؤمن من الخطية ومن إثمها
ومن سلطانها. وخلصه من قوات الظلمة، التي تلف العالم، وتدير حياة البشر. كما قال
الرسول بولس آنفاً أن الإنسان الساقط، قد خلص، لكي يمتلك هنا على الأرض صحة أدبية
كاملة. ولكي يستطيع أن يعيش لأجل يسوع المسيح ويخدمه. وفقاً للكلمة الرسولية
القائلة: «فَكَمْ بِٱلْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ ٱلْمَسِيحِ،
ٱلَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلّٰهِ بِلاَ عَيْبٍ،
يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَالٍ مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا
ٱللّٰهَ ٱلْحَيَّ!» (عبرانيين 9: 14).

«بالنعمة
مخلصون» كلمة معناها أنه ليس إنسان يمستطيع أن يخلص نفسه. لأن الخلاص من الله، وهو
يعبر عن نعمته ورحمته، التي لا تستقصى، وحبه الذي ظهر في تجسد المسيح وموته النيابي
عن الخاطي على الصليب، الذي هو النقطة الفاصلة في خلاص العالم. مات عن خطايانا
وأقيم لأجل تبريرنا. وهذا يعني أن كل ما يمكننا أن نرجوه من الله أو نناله، إنما
يصدر من النعمة فقط.

تقول
الكلمة الإلهية أنه أمام الله لا يتبرر ذو جسد. فلا أعمال الإنسان ولا اجتهاداته
الذاتية بمستيطعة أن تخلصه. والكلمة الإلهية لفظت حكمها، قائلة: «لأَنَّهُ لاَ
فَرْقَ. إِذِ ٱلْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ
ٱللّٰهِ، مُتَبَرِّرِينَ مَجَّاناً بِنِعْمَتِهِ بِٱلْفِدَاءِ
ٱلَّذِي بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي قَدَّمَهُ
ٱللّٰهُ كَفَّارَةً بِٱلإِيمَانِ بِدَمِهِ، لِإِظْهَارِ
بِرِّهِ، مِنْ أَجْلِ ٱلصَّفْحِ عَنِ ٱلْخَطَايَا ٱلسَّالِفَةِ
بِإِمْهَالِ ٱللّٰهِ» (رومية 3: 22-25).

أمام
الفداء يقر الإنسان بأن الدينونة التي تهدده هي حق. ولكن قصاصه قد رفع لأن يسوع
دفع أجرة الخطية عنه، وبذل نفسه لأجل خلاصه. هكذا «ظَهَرَتْ نِعْمَةُ
ٱللّٰهِ ٱلْمُخَلِّصَةُ لِجَمِيعِ ٱلنَّاسِ…
وَلٰكِنْ حِينَ ظَهَرَ لُطْفُ مُخَلِّصِنَا ٱللّٰهِ
وَإِحْسَانُهُ – لاَ بِأَعْمَالٍ فِي بِرٍّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى
رَحْمَتِهِ – خَلَّصَنَا» (تيطس 2: 11، 3: 4 و5).

إن
النعمة التي يوزعها الله لا تتضمن أي التزام من قبله تعالى. فهو يخلص بكل بساطة كل
من يؤمن، لأنه يحب خليقته وإن كانت ساقطة (يوحنا 3: 16) ومن أعمال النعمة أنها
تشعر الإنسان بمذنوبيته وبحقيقة الحكم عليه، بحيث تثير فيه القناعة بأنه لا يمكن
أن يتبرر بوسائله الذاتية. فيقبل إلى المخلص.

«بالنعمة
مخلصون بالإيمان» هذه الكلمة تبين أنه مقابل حبه الفائق ورحمته الغنية باللطف،
يطلب الله من الإنسان شيئاً واحداً أن يؤمن! هكذا نقرأ: «لأَنَّكَ إِنِ
ٱعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِٱلرَّبِّ يَسُوعَ، وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ
ٱللّٰهَ أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، خَلَصْتَ. لأَنَّ
ٱلْقَلْبَ يُؤْمَنُ بِهِ لِلْبِرِّ، وَٱلْفَمَ يُعْتَرَفُ بِهِ
لِلْخَلاَصِ» (رومية 10: 9 و10).

فالإيمان
الخلاصي هو عطية الله الكاملة للإنسان. والرسول إذ يشدد على هذه النقطة يظهر خطورة
جنون الإنسان، الذي يدعى بأنه يخلص بأعماله الذاتية، أو باستحقاقاته الشخصية.
وبهذا يتحدى الله ببره الذاتي. فهلا فكرنا في ادعاء كهذا! وهلا وزناه في ميزان
الحقيقة!

أنا
لست مخلصاً بأعمالي الحسنة، أو باستحقاقاتي، بل أنا مخلص بفداء مخلصي
وباستحقاقاته. وهذا بالنعمة الإلهية الغنية بالغفران.

في
الحقيقة لو كان الخلاص من الأعمال لكان أجرة يجب على أن أن يؤديها. وللخاطي حق أن
يطلبها، أو يطلبها بفخار. وعندئذ تشطب كلمة نعمة من معاجم اللغة، ويكون موت المسيح
باطلاً.

كلا!
أنه يستحيل على الله أن يرضى بأن يقف الخاطي أمامه معجباً بنفسه، ناسياً خلاصه إلى
استحقاقه. لقد دفع الرسول ذلك بما أتى بن من الاحتجاج المفصل إلى أهل رومية. وقد
استهله بالقول أين الافتخار قد ا نتفى (رومية 3: 27).

الصلاة:
اللهم أبا الرأفة، وإله كل تعزية، إنني أشكرك لأجل النعمة المخلصة، ولأجل الإيمان
الذي وهبتني ليتجاوب مع نعمتك الغنية بالصفح. قوني في إيماني حتى أثبت في خلاصي.
آمين.

10لأَنَّنَا
نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَالٍ
صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ ٱللّٰهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا.

«بالنعمة
أنتم مخلصون… أنتم عمله، مخلوقين في المسيح» عبارات تدل على أن الخلاص عمل الله
وعطية منه. والمطلوب من الإنسان أن يقبل بالإيمان ما أعده الله له. بمعنى أن الذي
نال خلاص الله بكليته عمل مخلصه. وكأنه كتلة من الطين في يدي الخزاف فصنع منها
آنية للمجد. أو كأنه خشبة في يدي النجار الإلهي عمل فيها، فأزال قشورها الطبيعية
وهذبها ووشاها بذهب طبيعته السماوية واستعملها في بناء بيته الروحي. هذا ما أشار
إليه بطرس بقوله: «قُدْرَتَهُ ٱلإِلٰهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا
كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَٱلتَّقْوَى، بِمَعْرِفَةِ ٱلَّذِي
دَعَانَا بِٱلْمَجْدِ وَٱلْفَضِيلَةِ، ٱللَّذَيْنِ بِهِمَا قَدْ
وَهَبَ لَنَا ٱلْمَوَاعِيدَ ٱلْعُظْمَى وَٱلثَّمِينَةَ لِكَيْ
تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ ٱلطَّبِيعَةِ ٱلإِلٰهِيَّةِ،
هَارِبِينَ مِنَ ٱلْفَسَادِ ٱلَّذِي فِي ٱلْعَالَمِ
بِٱلشَّهْوَةِ» (2 بطرس 1: 3 و4).

إن
الكلمة «نحن عمله» حين نقابلها بما ورد في رسالة رومية 1: 20 يتضح لنا أن المسيحي
مدعو لأن يكون فصيدة الله أمام العالم. أو كما عبر عنه بولس في مكان آخر: «أنتم
رسالة المسيح»… «أَنْتُمْ رِسَالَتُنَا، مَكْتُوبَةً فِي قُلُوبِنَا،
مَعْرُوفَةً وَمَقْرُوءَةً مِنْ جَمِيعِ ٱلنَّاسِ. ظَاهِرِينَ أَنَّكُمْ
رِسَالَةُ ٱلْمَسِيحِ، مَخْدُومَةً مِنَّا، مَكْتُوبَةً لاَ بِحِبْرٍ بَلْ
بِرُوحِ ٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ، لاَ فِي أَلْوَاحٍ حَجَرِيَّةٍ بَلْ
فِي أَلْوَاحِ قَلْبٍ لَحْمِيَّةٍ» (2 كورنثوس 3: 2 و3).

في
هذا الإعلان حقيقة عظيمة وحافز ملهم، ولكن في الوقت عينه تحذير خطير. فكل إنسان هو
رسالة مفتوحة ليسوع المسيح. وكل مسيحي سواء أراد أم لم يرد هو إعلان للمسيح
والمسيحية. أي أن كرامة الكنيسة ومجد المسيح يتركزان في أيدي تابعيه. فالعالم يحكم
على المسيح من خلال ما يرونه من سلوك تابعيه. فقد شهد ديك شبرد الذي ظل سنين عديدة
يعظ الناس أنه اكتشف أن أكبر معطل يعرقل عمل الكنيسة في العالم هو الحياة غير
اللائقة وغير المدققة التي يعيشها عدد كبير ممن يزعمون أنهم مسيحيون. فليتنا عندما
نخرج إلى العالم يكون فينا الإحساس بالمسؤولية التي علينا، وهي كوننا رسائل أو
إعلانات عن المسيح.

«نحن
عمله مخلوقين في المسيح يسوع» أي أن كل مؤمن بالمسيح، هو في المسيح خلقة جديدة.
والله يوضح لنا بهذه الكلمة أننا لسنا فقط مخلوقين لنتم عمله. بل نحن قبل كل شيء
وجدنا لكي يعمل فينا، ثم ليعبر عن ذاته للآخرين بواسطة حياته فينا. وفي كلمة أخرى
أننا قبل أن نخدم الله، يجب أن نكون عمله. هكذا يكيف الذين اختارهم، ليكونوا
قديسين وبلا لوم، وفقاً لمخطط الاختيار الذي سبق فأعده قبل تأسيس العالم لأجلهم.
أنه بقدرته الخالقة يجعلهم أكفاء للدخول في الخدمة التي وجدوا لكي يقوموا بها.
وهذا ما ينتظر من كل مسيحي مخلص بالنعمة.

«مخلوقين
في المسيح يسوع» كلمة تعني أنه في الماضي الأزلي رآنا الله، وأنه الآن يرانا
أيضاً، ويقيمنا على خدمته في المجتمع! إنه يرى أيضاً إلى أبعد جداً، إلى ما في
المستقبل الأبدي. ولكن هناك معارك وانتصارات تفصلنا عن أبواب السماء الذهبية.
وعلينا أن نذكر أن الحياة المسيحية والمسيحي نفسه هما نتيجة خلق إلهي جديد، يبدأ
منذ الولادة من الله. وينمو إلى صورة ذاك الذي افتدانا.

في
الواقع أن الخلاص في المسيح هو عمل إلهي، ولكنه مضوع في أوان خزفية ليكون فضل
القوة لله لا منا (2 كورنثوس 4: 7) ولكي يؤول هذا العمل الإلهي إلى رفع أصواتنا
بالتسبيح لمجده العظيم.

وبإيجاز
أن ما قيل هنا يستلزم أن الأعمال الصالحة نتيجة الاختيار والتبرير لا علتها. وهذا
يستأصل من المؤمن كل افتخار بها. ولا يستلزم أن المختار للخلاص معفى من الأعمال
الصالحة، بل يقتضي أن يكون الذي يخلص غيوراً أمام الله مجتهداً في السلوك في طريق
القداسة. كما جاء في قول بولس: «أَنَا أَفْعَلُ شَيْئاً وَاحِداً: إِذْ أَنَا
أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ. أَسْعَى نَحْوَ
ٱلْغَرَضِ لأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ ٱللّٰهِ ٱلْعُلْيَا
فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ» (فيلبي 3: 13 و14) وعلينا أن نلاحظ أن الله أعد
الأعمال الصالحة لكي نسلك فيها لا لكي نخلص بها.

الصلاة:
نشكرك يا ربنا، لأنك تريد أن الجميع يخلصون، وإلى معرفة الحق يقبلون. افتح البصائر
في هذه الأيام لكي يرى الناس مجدك في الخلاص الذي أعددته بالنعمة، ويقبلوا إلى
المخلص الرب. آمين.

11لِذٰلِكَ
ٱذْكُرُوا أَنَّكُمْ أَنْتُمُ ٱلأُمَمُ قَبْلاً فِي ٱلْجَسَدِ،
ٱلْمَدْعُوِّينَ غُرْلَةً مِنَ ٱلْمَدْعُوِّ خِتَاناً مَصْنُوعاً
بِٱلْيَدِ فِي ٱلْجَسَدِ، 12أَنَّكُمْ كُنْتُمْ فِي ذٰلِكَ
ٱلْوَقْتِ بِدُونِ مَسِيحٍ، أَجْنَبِيِّينَ عَنْ رَعَوِيَّةِ إِسْرَائِيلَ،
وَغُرَبَاءَ عَنْ عُهُودِ ٱلْمَوْعِدِ، لاَ رَجَاءَ لَكُمْ وَبِلاَ
إِلٰهٍ فِي ٱلْعَالَمِ.

كانت
الكنيسة الأولى التي تأسست في أورشليم تواجه صعوبة كبرى، في موضوع الاعتراف بأن
المؤمنين من أصل أممي، لهم ذات الامتيازات للمؤمنين من أصل يهودي. وقد لاقى هذا
الموضوع اهتمام كتبة الوحي، فأفرزوا له فصلين من العهد الجديد:

1.
أعمال 15، الذي فيه وصف للمجمع الكنسي الأول، الذي عُقد في أورشليم. وكان جوه في
البداية مشحوناً بتضارب الآراء حول مساواة الأمميين، الذين قبلوا يسوع باليهود
الذين انضموا إلىالتلاميذ.

2.
كذلك في الأصحاح الثاني من رسالته إلى أهل غلاطية، يشير بولس إلى انقسام كان
ناشباً بين المعتبرين في الكنيسة حول الموضوع نفسه. وكان الشق واسعاً بمقدار أن
القادة لم يستطيعوا التخلص كلياً من آثاره. ونتج عن ذلك أن بولس اضطر لأن يتخذ
مركزاً لعلمه المرسلي خارج أورشليم، إذ جعله في مدينة أنطاكية، حيث كانت له الفرصة
للشهادة دون نزاع. ومن هناك انطلق مع برنابا للكرازة بين الأمم. وأتيح له أن يؤسس
عدة كنائس في بلدان مختلفة، على الحق الذي في يسوع. وفي كتاباته وعظاته وصلواته،
كان يجاهد لرأب الصدع، الذي أحدثه وجود صوتين في الكنيسة حول المساواة بين اليهود
والأمم. وقد أعلن للمؤمنين ما سمعه من المسيح «أن الأمم لهم حرية القدوم إلى الله
والتمتع بغنى المسيح الذي لا يستقصي وشركة الروح القدس».

(11)
أستهل بولس هذا القسم من رسالته بتذكير الأفسسيين بالماضي. وكم هو جميل أن نذكر
كيف كنا في الطبيعة، وكيف عملت نعمة الله المجيدة لأجلنا وفينا. لقد صيرتنا في
المسيح خلائق جديدة، «ٱلأَشْيَاءُ ٱلْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا
ٱلْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيداً» (2 كورنثوس 5: 17).

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ب باب الدمن ن

حين
وقف أعضاء من كنيسة أورشليم في وجه بطرس ولاموه، قائلين له: أنك دخلت إلى رجال ذوي
غلفة وأكلت معهم (أعمال 11: 3) كان تصرفهم لا يليق بمن عرفوا يسوع في اتضاعه.
كانوا متشامخين ومتجنين على الحق. ولهذا دفع الرسول هذا اللوم بموضوعية، مذكراً
أعضاء المجمع الأورشليمي وقائلاً: «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلإِخْوَةُ،
أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنْذُ أَيَّامٍ قَدِيمَةٍ ٱخْتَارَ ٱللّٰهُ
بَيْنَنَا أَنَّهُ بِفَمِي يَسْمَعُ ٱلأُمَمُ كَلِمَةَ ٱلإِنْجِيلِ
وَيُؤْمِنُونَ. وَٱللّٰهُ ٱلْعَارِفُ ٱلْقُلُوبَ شَهِدَ
لَهُمْ مُعْطِياً لَهُمُ ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ كَمَا لَنَا أَيْضاً.
وَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ بِشَيْءٍ، إِذْ طَهَّرَ بِٱلإِيمَانِ
قُلُوبَهُمْ» (أعمال 15: 7-9).

وبالنسبة
لنا نحن الأمم العائشين في هذا العصر، يتعذر علينا أن نقدر تماماً الحرمان الذي
كان الأمميون يعانونه قديماً. فقد كانوا في نظر اليهود من المزدرى وغير الموجود،
حتى أنهم لقبوه بالكلاب. وما كان اليهودي يتناول طعامه، إذ اوقع عليه ظل أممي.
وكانت غاية بولس من تذكير الأمم بهذه الاعتبارات، أن يوجد فيهم روح الشكر للرب
الإله لأجل إحساناته للأمم، ولكي يكونوا متواضعين.

(12)
بعد أن فرغ الرسول من الكلام عن الختان، الذي كا ن يحسبه اليهود ميزة عظمى
يتفاخرون بها على الأمم، انتقل إلى المزايا الحقيقية، التي كان الأمميون محرومين
منها قبل اهتدائهم: «بدون مسيح» وماذا يكون مصير الإنسان بدون المسيح، غير الهلاك
الأبدي؟ الكون نفسه بدون المسيح يستلزم كل شر، كما أن الاتحاد بالمسيح يستلزم كل
خير. المسيح هو الفادي الوحيد، والوسيط الفريد بين الله والناس. فإذا كان الإنسان
بدونه، كان بدون فداء، وبدون واسطة التقرب إلى الله.. بدون المسيح يصبح المرء
بعيداً عن عهود الله ومواعيده، التي قطعها لإبراهيم، حين قال له: تتبارك فيك جميع
قبائل الأرض (تكوين 12: 3، 22: 28). بدون المسيح يكون المرء بلا رجاء الفداء، الذي
هو رجاء الحياة والخلود الذي أتى به المسيح.

الصلاة:
أُعظم اسمك يا إلهي الصالح، وأشكرك لأنك لم ترجفني بغضبك حين أخطأت إليك، بل تأنيت
عليّ وأعطيتني التوبة فرجعت إليك. قوني في توبتي وثبتني في إيماني. آمين.

13وَلٰكِنِ
ٱلآنَ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ، أَنْتُمُ ٱلَّذِينَ كُنْتُمْ
قَبْلاً بَعِيدِينَ صِرْتُمْ قَرِيبِينَ بِدَمِ ٱلْمَسِيحِ.

إنه
لجميل جداً أن يذكر الإنسان ماضيه، فلا ينسى الصخر الذي منه قطع، ولا نقرة الجب
التي منها حفر (إشعياء 51: 1) لكن انصراف الفكر كلياً إلى الماضي، يجعل الإنسان في
معزل عن حاضره ومستقبله، وبذلك يترك نفسه فريسة للغفلة. بهذا بعد أن فرغ الرسول من
تذكير الأفسسيين بماضيهم الشقي الملوث، أخذ يوجه أنظارهم إلى حاضرهم المعبوط
المقدس. كان يقول لهم: كما أن الشقاوة حلت بكم، لأنكم كنتم بدون المسيح. كذلك
السعادة حلت بكم، لأنكم صرتم في المسيح.

الشكر
لله لأن نعمته المجيدة أدركتنا، ولم تستطع أيّة أبعاد أن تمنعها من أن تقربنا إلى
الله، وتجعل منا أبناء محبوبين للآب رب السماء. وهكذا باتحادنا بالمسيح، تحققت
سعادتنا. كنا بعيدين فصرنا قريبين. لقد فتش عنا نحن الخطاة، في الوقت الذي كنا
مبتعدين جداً، وأتى بنا إلى قرب قلبه. وأكثر من هذا أنه أعطانا أن نتحد بالمسيح،
وتبعاً لذلك صار لنا امتياز الاشتراك في قداسته.

كيف
يتم هذا الانقلاب في حياتنا؟ «بدم المسيح». بهذه الكلمة يؤكد بولس أن لفتة الحنان
من قبل الله وكل ثمار نعمته تنبع من دم الكفارة، دم المسيح المعروف سابقاً قبل
تأسيس ا لعالم. وهذا الدم الكريم، لم يمح فقط خطية المؤمنين من أصل يهودي (متى 1:
21) بل أيضاً محا خطايا جميع الأمم الذي آمنوا ويؤمنون، لا فرق بين قبيلة أو شعب
أو لسان أو أمة (لوقا 24: 47) لأن النعمة الإلهية تهب للجميع كل ما هو للحياة.

«لأنه
هو سلامنا» – هذه العبارة خير لما جاء في إشعياء 57: 19 «سَلاَمٌ سَلاَمٌ
لِلْبَعِيدِ وَلِلْقَرِيبِ» قَالَ ٱلرَّبُّ، «وَسَأَشْفِيهِ» هذا هو سلام
الله الذي صار في المسيح إلى كل فاهم طالب الله. أو كما قال المرنم:

هذا
سلام لي شراه

رب
الفدا بالصلب

كالنهر
يجري يصفاه

يروي ظماء
القلب

«كنتم
قبلاً بعيدين» بالنسبة للنظام الموسوي، الذي أقصى الأمم عن المزايا الممنوحة
للأتقياء حساً ومعنى. الأمر الذي جعلهم أجنبيين عن الله في عبادتهم الوثنية
وأفكارهم الحمقاء وقلوبهم المظلمة بالغباء (رومية 1: 21). ولهذا قال بولس بحق:
كنتم بعيدين عن الله، أما الآن فصرتم قريبين بدم المسيح. فالعامل الأساسي في هذا
الانقلاب الممتاز هو المسيح، الذي أقام سلاماً بين الله والإنسان لا فرق بين جنس
أو لون. وإذا كان المسيح هو العامل الأساسي في إقامة هذا السلام فإن الدم كان
الوسيلة لمحو العداوة.

منذ
أقدم العصور التي نشأت فيها البشرية على الأرض كانت معاهدات الصلح تعقد وتختم
بالدم. فالدم كان الختم لكل معاهدة أو تحالف أو مصالحة بين الناس. وفي المعنى
الديني كان الدم أساساً لكل مصالحة تجري بني الله والناس. هكذا نقرأ في الكتاب
العزيز: «هٰذَا هُوَ دَمُ ٱلْعَهْدِ ٱلَّذِي أَوْصَاكُمُ
ٱللّٰهُ بِهِ»… وَكُلُّ شَيْءٍ تَقْرِيباً يَتَطَهَّرُ حَسَبَ
ٱلنَّامُوسِ بِٱلدَّمِ، وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ
مَغْفِرَةٌ» (عبرانيين 9: 20-22).

فالمسيح
له المجد أدخلنا إلى عهد جديد بدمه المبارك. إذ قال لخاصته في أثناء العشاء الأخير
وهو يناولهم كأس الفصح: «هٰذَا هُوَ دَمِي ٱلَّذِي لِلْعَهْدِ
ٱلْجَدِيدِ ٱلَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ
ٱلْخَطَايَا» (متى 26: 27). ومع أن موت المسيح، آنذاك بدا كعلامة ضعف من
جانب المسيح المصلوب، إلا أنه له المجد غلب وانتصر بقيامته على الموت فحصل لنا بدم
المسيح فداء أبدياً.

الصلاة:
نشكرك أيها المسيح الرب من أجل دمك الذي سُفك على الصليب لكي يمحو خطايا العالم
ويصالح الكل مع الله. أعطنا أن نعرف ونقدر هذا الدم الذي أوجد لنا فداء أبدياً.

14لأَنَّهُ
هُوَ سَلاَمُنَا، ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلٱثْنَيْنِ وَاحِداً،
وَنَقَضَ حَائِطَ ٱلسِّيَاجِ ٱلْمُتَوَسِّطَ 15أَيِ
ٱلْعَدَاوَةَ. مُبْطِلاً بِجَسَدِهِ نَامُوسَ ٱلْوَصَايَا فِي
فَرَائِضَ، لِكَيْ يَخْلُقَ ٱلٱثْنَيْنِ فِي نَفْسِهِ إِنْسَاناً
وَاحِداً جَدِيداً، صَانِعاً سَلاَماً.

(14)
مع المسيح تنتفي كلمة «بعيد» فيه صرنا قريبين من الله لأنه هو سلامنا، وقد صالحنا
مع الله. بمعنى أن المسيح ليس فقط بعطي السلام، بل هو نفسه سلامنا. والسلام هنا
ليس شعورأق بالانفراج، يجعلنا ننظر إلى ذواتنا. إنما السلام الحقيقي الذي نلناه هو
شخص المسيح بالذات. فلنقبل هذه الحقيقة ولنتمسك بها، وخصوصاً في وقت الكفاح، حين
يهاجمنا عدو النفوس. وحين تهب علينا رياح الظروف المعاكسة. إن كنا نعيش في شركة مع
الذي هو سلامنا، نجد راحة لنفوسنا. في الواقع لماذا تضطرب وتخاف إن كان الرب
سلامك؟ اتكل عليه وهو يجري ويخرج مثل النور برك. هكذا قال بولس: «فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا
بِٱلإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ ٱللّٰهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ
ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي بِهِ أَيْضاً قَدْ صَارَ لَنَا ٱلدُّخُولُ
بِٱلإِيمَانِ، إِلَى هٰذِهِ ٱلنِّعْمَةِ ٱلَّتِي نَحْنُ
فِيهَا مُقِيمُونَ» (رومية 5: 1 و2).

في
المسيح تذوب الفروقات العنصرية، ويصير الكل إلى صورة ابن الله. لأن المؤمنين قد
خلعوا الإنسان العتيق ولبسوا الجديد. الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه، حيث ليس
يوناني ويهودي، ختان وغرلة، بربري سكيثي، عبد حر، بل المسيح الكل وفي الكل (كولوسي
3: 10 و11).

خلال
قرون متعددة كان الأممي محتقراً جداً في نظر اليهودي. وبالمقابل كان الأممي يكن
لليهودي كراهية حاقدة. فيا لنعمة الله! ويا لها من قوة فائقة تلك التي أعطاها الله
لرسله، لإبلاع الشعوب الرسالة الجديدة التي هدمت ذلك الاعتقاد بأن رحمة الله وقف
لشعب خاص! ولعلنا نستطيع الآن أن ندرك كيف أن عنصرية اليهود، لم تقبل في بدء
المسيحية أن يكون للأممين الامتيازات عينها التي لهم، والتي عبر عنها الرسول بنقض
السياج المتوسط. والرسول هنا لا يتكلم عن الكنيسة في شكلها المنظور. وإنما كان
يتكلم عن الكنيسة كجماعة قديسين في المسيح، والتي وصفها بالهيكل الروحي النامي في الرب.
وقد جاء الرسول الملهم بهذا الوصف، كما لو كان ينظر من فوق.

صحيح
أن الرب يعرف الذين هم له، ولكن لنحرص على أن نقيم أي حاجز يفصلنا عن أولاد الله
الآتين من الحظائر الأخرى، الذين انجذبوا بمحبة الله المعبر عنها بصليب ربنا يسوع
المسيح.

(15)
بعمله الكفاري، أزال يسوع الحائط الفاصل، لأن دمه قتل العداوة التي كانت قائمة بين
الله والناس. وبمحبته الغافرة لاشى تقزز اليهودي من الوثني، وحقد الوثني على
اليهودي. واقتلع من بين جماعة المؤمنين جذور اللاتعاطف. وهكذا وحد بين قلوبهم،
ليكونوا جسداً واحداً وهو الرأس.

تأكد
يا أخي أنه لولا عمل الكفارة العظيم، الذي أكمله يسوع، ما كان لنا خلاص ولا قداسة
حياة ولا نزاهة سيرة. فاشكر الرب لأجل هذا العمل المجيد، الذي أوجد بين تابعيه هذا
المناخ الروحي، الذي ترتاح النفس فيه وتجد اطمئناناً.

اجعل
المسيح محور حياتك واحرص على أن تعيش كما يحق لأنجيله، مبتعداً عن الصورة الزائفة
التي يحاول لاهوتيو هذا الدهر أن يرسخوها في الأذهان، للفت الأنظار إلى براعتهم في
البحث، على وفق ما جاء في المثل العامي القائل: «خالف تعرف» ضع أمامك صورة مسيح
الإنجيل، كما رسمها الرسل الذين كان شعارهم: «لأَنَّنَا لَسْنَا كَٱلْكَثِيرِينَ
غَاشِّينَ كَلِمَةَ ٱللّٰهِ، لٰكِنْ كَمَا مِنْ إِخْلاَصٍ، بَلْ
كَمَا مِنَ ٱللّٰهِ نَتَكَلَّمُ أَمَامَ ٱللّٰهِ فِي
ٱلْمَسِيحِ» (2 كورنثوس 2: 17).

يخبرنا
الكتاب المقدس أن غاية الناموس هي المسيح للبر لكل من يؤمن (رومية 10: 4) وأن
الإنسان العتيق قد صلب معه ليبطل جسد الخطية (رومية 6: 6)، لكي يخلق الاثنين في
نفسه إنساناً واحداً جديدا. هذا بيان قصد المسيح من نقض الفرائض الناموسية. أن
يولد الإنسان من فوق فيصير إلى ما دعاه الرسول إنسان الله المتأهب لكل عمل صالح (2
تيموثاوس 3: 17) هذا هو الإنسان الجديد الذي يصنع السلام «وطوبى لصانعي السلام،
لأنهم أبناء الله يدعون».

الصلاة:
أيها الرب سيدنا المبارك، نشكرك لأنك أعطيتنا الإيمان ولأنك بالإيمان بررتنا فصار
لنا سلام معك بربنا يسوع، الذي هو سلامنا وقد أبطل ناموس الفرائض لنعبدك بجدة
الروح، لا بعتق الحرف. آمين.

16وَيُصَالِحَ
ٱلٱثْنَيْنِ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ مَعَ ٱللّٰهِ
بِٱلصَّلِيبِ، قَاتِلاً ٱلْعَدَاوَةَ بِهِ. 17فَجَاءَ وَبَشَّرَكُمْ
بِسَلاَمٍ، أَنْتُمُ ٱلْبَعِيدِينَ وَٱلْقَرِيبِينَ. 18لأَنَّ بِهِ
لَنَا كِلَيْنَا قُدُوماً فِي رُوحٍ وَاحِدٍ إِلَى ٱلآبِ.

حين
نتذكر العداوة المزمنة التي كانت قائمة بين اليهود والأمم، نتعجب كيف استطاع
الجانبان الاتفاق على صلب المسيح. ولكن الأعجب من ذلك هو كونهم قد انصهروا في
الكنيسة المسيحية وصاروا واحداً. هذه إحدى أهم العجائب التي صنعها المسيح. وهذا ما
أشار إليه الرسول حين قال: «لأَنَّ كُلَّكُمُ ٱلَّذِينَ ٱعْتَمَدْتُمْ
بِٱلْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ ٱلْمَسِيحَ. لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ
يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ
جَمِيعاً وَاحِدٌ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ» (غلاطية 3: 27 و28).

فكون
كل المؤمنين أولاد الله يجعلهم متساوين، ويبطل أمام الله كل ما يراه الناس من
امتيازات متعلقة بالأصل والمقام والجنس. ويجعلهم سواء، باعتبار كونهم أعضاء كنيسة
المسيح. ومن ميزات الإنجيل أنه صرح بأن الله ليس عنده محاباة بل الجميع أخطأوا
وأعوزهم مجد الله. وأن الجميع، مفتقرون إلى نعمة الفداء. وقد رقع النساء والعبيد
إلى مقامهم الواجب، ليتمتعوا بكل بركات الله في المسيح. ووقد أقنع الكل بأن كل
البشر إخوة، وأن الكنيسة جسد واحد، المسيح رأسه (1 كورنثوس 12: 15).

هل تبحث عن  م الكنيسة كنيسة الله الحى 26

والجدير
بالملاحظة، هو أن يسوع أشار إلى هذه الناحية من عمل الفداء العظيم إذ قال:
«وَأَنَا إِنِ ٱرْتَفَعْتُ عَنِ ٱلأَرْضِ أَجْذِبُ إِلَيَّ
ٱلْجَمِيعَ» (يوحنا 12: 32). من هنا علمنا أن غاية المصالحة بين الله
والناس، بل أيضاً تحقيقها بين الإنسان وأخيه الإنسان، وجمع الكل معاً في كنيسته
التي هي جسده.

في
رسالته إلى الكولوسيين، قال بولس أن الله في المسيح صالح «ٱلْكُلَّ
لِنَفْسِهِ، عَامِلاً ٱلصُّلْحَ بِدَمِ صَلِيبِهِ» (كولوسي 1: 20). وقال في
رسالته إلى الكورنثيين: «إِنَّ ٱللّٰهَ كَانَ فِي ٱلْمَسِيحِ
مُصَالِحاً ٱلْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ،
وَوَاضِعاً فِينَا كَلِمَةَ ٱلْمُصَالَحَةِ» (2 كورنثوس 5: 19). هنا يجب أن
نلاحظ شيئاً مهماً، ونحتفظ به عالقاً في ذاكرتنا. وهو أن المبادرة في المصالحة،
كانت من الله. وكانت واسطة المصالحة دم الصليب. لكأن الله يقول لنا: إني أحبكم
بهذا المقدار، حتى رضيت أن أحمل الصليب على قلبي، منتظراً أن يحملكم هذا الحب على
الرجوع إلي.

هل
فكرت في خطورة هذه الحقيقة بالنسبة لك، إن الله نفسه افتداك لكي يصالحك لنفسه،
مقدماً لك غفرانه للمصالحة بانتظار الحياة الأبدية؟ فإن لم يوقظ الصليب المحبة في
قلبك فلن يستطيع شيء آخر أن يوقظها!

(17)
بعدما صنع المسيح سلاماً، بشر بذلك السلام. وكانت أول كلمة فاه بها لتلاميذه
المجتمعين بعد قيامته هي قوله: «سَلاَمٌ لَكُمْ… كَمَا أَرْسَلَنِي ٱلآبُ
أُرْسِلُكُمْ أَنَا» (يوحنا 20: 19-21). «ٱذْهَبُوا إِلَى ٱلْعَالَمِ
أَجْمَعَ وَٱكْرِزُوا بِٱلإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا» (مرقس
16: 15). وبشر وما زال يبشر بكنيسته، التي أمرها أن تنشر السلام في كل مكان تحت
السماء.

(18)
في هذه الآية الخلاصة، التي تعدنا للصعود إلى قمة الإعلان وسنبلغها في الأصحاح
الثالث. ففي الكلمة «لأن به لنا كلينا قدوماً في روح واحد إلى الآب»، يرينا مرة
أخرى الثالوث الإلهي يحنو علينا: الآب والابن والروح القدس يعملون معاً، لإعطائنا
امتياز القدوم إلى محضر الله. فالآب أخذنا كما نحن في طبيعتنا لكي يحولنا كلياً
إلى صورة فادينا المبارك. والابن مخلصنا أمسكنا بيده، وانتشلنا من جب الهلاك حيث
كنا أمواتاً روحياً. والروح القدس أحيانا وأدخلنا إلى حضرة العزة الإلهية.

وبانتظار
أن ننتقل إلى ديار الرب اللؤلؤية، لنا الامتياز العظيم، أن فادينا له المجد، بعد
أن صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا، صعد إلى السماء، ليحضر أمام الله من أجلنا. فهو
وسيطنا وشفيعنا وسابقنا. وفيه نقدم شكرنا واعترافنا وتضرعاتنا. وهي تقبل، «فَإِذْ
لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ عَظِيمٌ قَدِ ٱجْتَازَ ٱلسَّمَاوَاتِ، يَسُوعُ
ٱبْنُ ٱللّٰهِ، فَلْنَتَمَسَّكْ بِٱلإِقْرَارِ. لأَنْ
لَيْسَ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا، بَلْ
مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ. فَلْنَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ
إِلَى عَرْشِ ٱلنِّعْمَةِ لِكَيْ نَنَالَ رَحْمَةً وَنَجِدَ نِعْمَةً
عَوْناً فِي حِينِهِ» (عبرانيين 4: 14-16).

الصلاة:
أيها السيد الرب إلهنا، نسجد لك بكل خشوع، ونرفع قلوبنا إليك شاكرين وحامدين لأجل
الفداء العظيم الذي صيّر المؤمنين واحداً في المسيح، انزع من قلوبنا كل عاطفة
انقسام، حتى نحب بعضنا بعضاً كما أحببتنا، وننشر إنجيل السلام. آمين.

19فَلَسْتُمْ
إِذاً بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلاً، بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ ٱلْقِدِّيسِينَ
وَأَهْلِ بَيْتِ ٱللّٰهِ، 20مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ
ٱلرُّسُلِ وَٱلأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ نَفْسُهُ
حَجَرُ ٱلزَّاوِيَةِ.

(19)
أن الحفرة القائمة بين الماضي والحاضر على غاية من العمق، بحيث لا يمكن الخلط
بينهما. فالزمان الذي عاش فيه المؤمنون كالأمم في شهوات الجسد، قد طوى ووضع في ملف
التاريخ، ولا يمكن أن يعود. وهذا ما عبر عنه الرسول بالقول:

1.
«لستم بعد غرباء ونزلاً» لأن الغرباء ليس لهم علاقة بالرعية. والنزل يسكنون وقتاً
مع الرعية، ولكن غرباء ومحتفرين. ولكن هذا لا يضيرنا في شيء، إذ حسبنا أننا في نظر
الله لسنا غرباء، بل نحن من رعايا ملكوت الله. أو كما قال الرسول: رعية مع
القديسين الذين اقتربوا إلى الله بالإيمان بالمسيح. فهم رعايا ملكوته الروحي. وهو
الملك

2.
أهل بيت الله، البيت غير المصنوع بيد إنسان، لأنه بيت أبدي روحي. إنه كنيسة الله
التي اقتناها بدمه. ويقينا أنه لمشجع حقاً أن الأممين الذين كانوا غرباء ونزلاً،
يصبحون أبناء في بيت الله متمتعين بكامل حقوق البنوة. هذا هو مركز المفديين، الذين
لقبتهم الكتابة المقدسة «كَنِيسَةِ أَبْكَارٍ مَكْتُوبِينَ فِي
ٱلسَّمَاوَاتِ» (عبرانيين 12: 23).

إن
الكنيسة بين أهل بيت واحد، أقرب وأشد من النسبة بين أفراد رعية مملكة واحدة.
والنسبة بين الآب وأهل بيته أقرب وأشد من النسبة بين ملك ورعية مملكته، باعبتار
كون المؤمنين أولاد الله.

(20)
ورد في أماكن عدة من الإنجيل تشبيه أتباع المسيح بهياكل يسكن فيها الروح القدس (1
كورنثوس 6: 19) ولكن الرسول أبان هنا أن جماعة المؤمنين بناء واحد، إشارة إلى
اتحادهم بالمسيح. أما حجارة هذا البناء، فليست من الصخور ولا من الرخام، بل هي
أناس متبررون بالمسيح. بعضهم قد أكملوا ومجدوا في السماء، وبعضهم سوف يؤمن ويمجد.

ومن
امتيازات هذا البناء الروحي، أن المسيح أخذ طبيعتنا ليكون هو أساسه. وليكون كل حجر
حي فيه على صورة المسيح، وقد وضع في مكانه بالنسبة للمسيح، باعتبار كونه رأس
الزاوية. والروح القدس يهذب كل حجر حي ويزينه بزينة مقدسة، ويضعه في المكان الذي
عينه الله، ويثبته فيه.

مبنيين
على أساس الرسل والأنبياء «أي على أساس مناداتهم وشهادتهم للمسيح أنه ابن الله»،
وأنه قد تجسد، وأنه مخلص العالم. وعلى هذا الحق بنوا رجاءهم وجاهدوا لأجل بنيان
المؤمنين.

«يسوع
نفسه حجر الزاوية» إن اعتبرنا الكنيسة جسداً حياً، فإن المسيح هو رأس هذا الجسد،
وهو بالتالي العنصر الرئيسي في الجسد. لأن الرأس متمم الجسد، وإذا اعتبرنا الكنيسة
بناء حياً، فإن المسيح هو حجر الزاوية في هذا البناء، وهو بالتالي الركن الركين في
هذا البناء. والمعنى أن الكنيسة تستند على المسيح، وتقوم به باعتبار كونه موضوع
إيمانها وواسطة حياتها ويستحيل بدون أن تثبت. لكنه بحضوره فيها، أبواب الجحيم لن
تقوى عليها. وهذا موافق لقول المرنم: «ٱلْحَجَرُ ٱلَّذِي رَفَضَهُ
ٱلْبَنَّاؤُونَ قَدْ صَارَ رَأْسَ ٱلّزَاوِيَةِ» (مزمور 118: 22).
وعلى أي حال فكون المسيح حجر الزاوية في البناء لا يمنع من كونه أساساً أيضاً. كما
أن كونه من ذرية داود، لم يمنع من أن يكون الرب إله الأنبياء والقديسين (رؤيا 22:
6).

حين
شيد سليمان الهيكل قيل: «وَٱلْبَيْتُ فِي بِنَائِهِ بُنِيَ بِحِجَارَةٍ
صَحِيحَةٍ مُقْتَلَعَةٍ، وَلَمْ يُسْمَعْ فِي ٱلْبَيْتِ عِنْدَ بِنَائِهِ
مِنْحَتٌ وَلاَ مِعْوَلٌ وَلاَ أَدَاةٌ مِنْ حَدِيدٍ» (1 ملوك 6: 7). هكذا الرب
لكي يبني هيكله المقدس يعرف كيف يحضر حجارته الحية، وفقاً لاستعدادهم لتسليم
ذواتهم كلياً ليديه، فيجعلهم حجارة صحيحة.

الصلاة:
شكراً لك يا رب السماء لأن عنايتك عملت من أجل المؤمنين وصيرتهم حجارة حية بهيكلك
المقدس. أكثر من هذه الحجارة في أوطاننا وتمجد ببنائها أيضاً على الأساس الصحيح
الذي هو ربنا يسوع المسيح. آمين.

21ٱلَّذِي
فِيهِ كُلُّ ٱلْبِنَاءِ مُرَكَّباً مَعاً يَنْمُو هَيْكَلاً مُقَدَّساً فِي
ٱلرَّبِّ. 22ٱلَّذِي فِيهِ أَنْتُمْ أَيْضاً مَبْنِيُّونَ مَعاً،
مَسْكَناً لِلّٰهِ فِي ٱلرُّوحِ.

إن
أقامة بناء روحي من هذه العناصر المختلفة المصادر هو آية من آيات النباء الإلهي،
وهي تظهر حكمة الله وقدرته. وبالتالي رغبته في السكن في هيكل غير مصنوع بيد «أَمَا
تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ ٱللّٰهِ، وَرُوحُ ٱللّٰهِ
يَسْكُنُ فِيكُمْ؟ لأَنَّ هَيْكَلَ ٱللّٰهِ مُقَدَّسٌ ٱلَّذِي
أَنْتُمْ هُوَ» (1 كورنثوس 3: 16 و17).

(21)
يحدثنا الرسول في هذه الآية عن ثلاثة أشياء مهمة عاملة في نمو البناء:

1 –
تعاون العناصر: لعل بولس وهو يكتب هذا المقطع،كانت في خاطره صورة لهيكل أرطاميس،
الذي كان مفخرة أفسس في ذلك الزمن. وقد أراد الرسول أن يقدم للأفسسيين مقارنة بين
هكيل أرطاميس والهيكل الروحي الذي أقامه المسيح. فكلاهما هيكل ذو بناء، وكلاهما
عظيم. ولكن إلى هنا ينتهي الشبه، وتبدأ أوجه الخلاف. فهيكل أرطاميس بناء مادي،
وهيكل المسيح بناء روحي. هيكل أرطاميس بناء ميت، لأنه مشيد بحجارة ميتة صماء. أما
هيكل المسيح فهو حي لأنه قام من حجارة حية معنوية. هيكل أرطاميس، معهد نجس يرتكب
فيه الفجور باسم العبادة، لكن هيكل المسيح مقدس، تسمو فيه النفوس فوق الدنايا.

2 –
عنصر النمو في البناء الروحي: المرجح أن بولس وهو يكتب كان أيضاً في خاطره صورة
للأروقة المتنوعة في هيكل سليمان. فقد كان كل رواق منها متوجاً بقبة، وكانت القباب
متصلة معاً ومتماسكة، لتكون هيكل واحداً. وبما أن بناء الهيكل لم ينجز إلا على
مراحل وخلال سنين عديدة، فصار هيكلاً نامياً. ولا ريب في أن تآلف الأروقة لتكون في
مجموعها هيكلاً واحداً، هو رمز جميل إلى تألف الأجناس المحتلفة التي تتألف منها
كنيسة المسيح، لا فرق بين بربري وسكيثي، وعبد وحر، ويهودي ويوناني، وذكر وأنثى.

3 –
العامل الحي في النمو: لقد درج الرسول على التعبير عن الصفة العلوية الكائنة بين
المسيح ومختاريه والتي على أساسها يقبلون أمام الله، بالقول «في المسيح» ولكنه حين
يريد وصف نتائج حياة المسيح فيهم يعبر عنها بالقول: «في الرب».

(22)
في هذه الآية يتراءى الثالوث الأقدس عاملاً في نمو الهيكل الروحي القدس. فكلمة «في
المسيح» تعود إلى الابن الذي هو أساس البناء. وقد قال الرسول «الذي فيه أنتم أيضاً
مبنيون معاً. وكلمة «مسكن الله» تعود إلى الآب، لأن الكنيسة مسكن الله الدائم.
وهذه الفكرة تحققت جزئياً في الكنيسة المجاهدة على الأرض، ولكنها ستتم كمالياً في
الكنيسة المجيدة حين يأخذها المسيح إليه. ولذلك فإن غاية الغايات من هذا البناء
الروحي، أن ينمو مسكناً لله، الذي إليه مآب كل المسيحيين مع كونهم مختلفي الجنسيات
واللغات والعصور، فهم أجزاء بيت واحد باتحادهم بالمسيح. وهذا البيت الروحي الذي
قدسه المسيح «بغسل الماء بالكلمة» جعلته النعمة لائقاً بسكن الله. وكلمة «في
الروح» تعود إلى الروح القدس، الذي هو العامل في أحياء ونمو وعناصر البناء في القداسة،
حتى يبلغ كل عنصر الغاية المثلى في الرب.

في
مراجعة ما تقدم من آيات يتضح لنا أن عناصر البناء، مؤسسة على المسيح، باعتبار كونه
رأس الزاوية. فهو الذي يجعل البناء مستقيماً راسخاً نامياً في القوة والجمال. وهو
الذي يقدم وسائط النمو المطرد وفقاً لقول يوحنا الإنجيلي: «وَمِنْ مِلْئِهِ نَحْنُ
جَمِيعاً أَخَذْنَا، وَنِعْمَةً فَوْقَ نِعْمَةٍ» (يوحنا 1: 16) ولهذا كان الاتحاد
به شرطاً ضرورياً، لكي نكون حجارة حية في ذلك البناء الروحي.

الصلاة:
نشكرك أيها الرب الإله، لأجل عملك بالفداء، لكي تبررنا وتقدسنا وتجعلنا حجارة حية
نامية في هيكلك المقدس. نتوسل إليك أن تعمل في هذه الأيام، لقطع حجارة كثيرة من
مقاطع هذا العالم بروح المسيح وتضمها إلى بنائك الإلهي. آمين.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي