تَفْسِير رِسَالَةُ بُولُسَ
الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ كُولُوسِّي

 

كانت كولوسي
إحدى المدن الكبيرة في فريجية بأسيا الصغرى، وبالقرب من لاودكية وهيرابوليس (ص 4: 13)،
ويظهر أن بولس لم يزر تلك المدينة إلى وقت كتابة رسالته إلى الكنيسة هناك (ص 2: 1)،
والمرجح أن تلك الكنيسة تأسست بواسطة كرازة أبفراس (ص 1: 7) وربما زار بولس تلك الكنيسة
في سفراته أو أنه ذهب إلى هناك من أفسس. وقد تمنى الرسول أن يزورهم سريعاً (فليمون
22)، لأن فليمون وأنسيمس هما من تلك المنطقة (كو 4: 9). وقد كتب الرسول هذه الرسالة
أثناء سنتي سجنه الأول في روما (سنة 62 م) أي في نفس الوقت الذي كتب فيه رسالته إلى
أهل أفسس، وأن كلتيهما قد أرسلتا من رومية بيد تيخيكس (أف 6: 21، 22 ؛ كو 4: 7).

إن غرض
الروح القدس في هذه الرسالة واضح كل الوضوح، فليس هو الاختبار المسيحي كما في الرسالة
للقديسين في فيلبي، ولا مباركة القديسين في السماويات في المسيح كما في الرسالة إلى
أفسس، ولكن موضوع هذه الرسالة هو أمجاد المسيح المتنوعة – الأرضية والسماوية – باعتبار
أنه هو الإنسان والله معاً.

يوجد اتفاق
ظاهر بين هذه الرسالة والرسالة إلى أفسس، لأن الكنيسة «جسد المسيح» هي الموضوع الظاهر
في رسالة أفسس كما أن المسيح « رأس» هذا الجسد هو الموضوع الرئيسي في رسالة كولوسي،
إلا أن لكل منهما موضوعها الخاص، ومع أن رسالة فيلبي قد وضعت بينهما إلا أنه توجد أدلة
في نفس الرسالتين (أفسس وكولوسي) تبين أنهما كتبتا في وقت واحد كما سلفت الإشارة.

في هذه
الرسالة نتعلم عن ملء أو كمال المسيح لأجل القديسين وأن المسيح هو فيهم، بينما الرسالة
لأفسس تعلن الامتيازات التي في المسيح للقديسين والكنيسة، وأن المؤمنين هم في المسيح،
ولكن بينما يوجد توافق بين الرسالتين من بعض الوجوه، فإن بينهما أيضاً تبايناً واضحاً
في الاتجاه، فرسالة كولوسي تنبر على المسيح كحياتنا، ولم تشر إلى الروح القدس سوى مرة
واحدة (ص 1: 8)، بينما رسالة أفسس تسرد وظائف الروح القدس بكيفية لا مثيل لها في أي
مكان آخر.

ص 1

لم يكتب
الرسول هذه الرسالة منفرداً كتلك التي لأفسس بل يضم معه « تيموثاوس الأخ إلى القديسين
في كولوسي والإخوة المؤمنين أو (الأمناء) في المسيح»، وبعد التحية يقدم الشكر لله أبي
ربنا يسوع المسيح « كل حين مصلين لأجلكم إذ سمعنا إيمانكم …ومحبتكم … من أجل الرجاء
الموضوع لكم في السماوات» (ع 1- 5).

أما الإعلانات
الغنية عن دعوة الله والمجد والميراث الموجودة في (أف 1: 3- 14)، فلا ذكر لها هنا بسبب
أخطار التعاليم الفاسدة التي هددت المؤمنين في كولوسي « من أجل ذلك نحن أيضاً منذ يوم
سمعنا لم نزل مصلين وطالبين لأجلكم أن تمتلئوا من معرفة مشيئته في كل حكمة وفهم روحي
لتسلكوا كما يحق للرب في كل رضى مثمرين في كل عمل صالح ونامين في معرفة الله»(ع 9،
10) ويطلب الرسول إليهم أن يكونوا باستمرار «شاكرين الآب الذي أهلنا لشركة ميراث القديسين
في النور الذي أنقذنا من سلطان الظلمة ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته الذي لنا فيه الفداء
بدمه غفران الخطايا»(ع 12- 14).

هل تبحث عن  م المسيح أسئلة حول صلب المسيح 07

«الذي
(أي المسيح) هو صورة الله غير المنظور بكر كل خليقة فإنه فيه (أي بواسطته) خلق الكل
ما في السماوات وما على الأرض، ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشاً أم سيادات أم رياسات
أم سلاطين. الكل به، وله قد خلق. الذي هو قبل كل شيء وفيه (أي بواسطته) يقوم الكل وهو
رأس الجسد الكنيسة الذي هو البداءة بكر من الأموات لكي يكون هو متقدماً في كل شيء»(ع
15- 18)

ولنلاحظ
أن المسيح هو «صورة» الله وليس « شبه» الله، لأن ربنا يسوع المسيح هو المكتوب عنه صريحاً
« وكان الكلمة الله»، فقوله « صورة الله» معناه أن المسيح بكيفية كاملة وعجيبة أظهر
في وجوده فوق الأرض الله غير المنظور، فقد قال « الذي رآني فقد رأى الآب» ومع أن المسيح
ولد من امرأة ولكنه كان هو «بكر كل خليقة» وحتى سليمان الذي كان رمزاً له قد
" جُعل" بالنعمة بكراً مع أنه كان أصغر من كثيرين من أبناء داود، أما السبب
الأمجد الذي لأجله المسيح هو « بكر كل خليقة» فهو لأنه الخالق لكل الأشياء، هذا هو
البرهان القاطع والجازم، فليست العبرة هنا بالوقت أو الزمان الذي ولد فيه المسيح، فهو
بكر (أي صاحب الرئاسة والتقدم) على كل خليقة لأنه خالقها. هو المبدع لكل الكائنات السماوية
والأرضية – المنظورة وغير المنظورة، وهي ليست مخلوقة بواسطته فحسب بل ولأجله أيضاً
« الكل به وله قد خلق»(ع 16) وأكثر من ذلك هو أنه له المجد «قبل كل شيء» أي أنه ليس
مخلوقاً لأنه أزلي وكائن قبل كل شيء مخلوق « وفيه (أي بواسطته) يقوم الكل».

ولكن يلي
ذلك، مجد جديد هو أساس اعتماد الكنيسة بصفة خاصة، ومنه تستمد وجودها ومركزها « وهو
رأس الجسد الكنيسة. الذي هو البداءة بكر من الأموات»، فقد قام له المجد كالظافر والمنتصر
على الخطية والموت ليكون البداءة والرأس اللائق للجسد «لكي يكون هو متقدماً في كل شيء
» وأقل من ذلك يكون مهيناً له وللآب أيضاً.

ثم يلي
ذلك أيضاً عمل المصالحة المستقبل الذي سيشمل دائرة الخليقة بأسرها، وإنجاز هذه المصالحة
عملياً بالنسبة للقديسين الآن الأمر الذي يليق بمجد أقنومه « لأنه فيه سر أن يحل كل
الملء، وأن يصالح به الكل لنفسه عاملاً الصلح بدم صليبه بواسطته سواء كان ما على الأرض
أم ما في السماوات. وأنتم الذين كنتم قبلاً أجنبيين وأعداء في الفكر في الأعمال الشريرة
قد صالحكم الآن في جسم بشريته بالموت ليحضركم قديسين وبلا لوم ولا شكوى أمامه إن ثبتم
على الإيمان متأسسين وراسخين وغير منتقلين عن رجاء الإنجيل»(ع 19- 23). فالمؤمنون نالوا
الآن المصالحة فعلاً إذا ثبتوا على الإيمان (إذ أن ثباتهم يبرهن صحة إيمانهم).

ومما تقدم
نرى وجهى المصالحة (المصالحة العامة مستقبلاً، ومصالحة القديسين الآن) وهذان الوجهان
يتمشيان مع وجهى رياسة وتقدم المسيح (أي على الخليقة بصفة عامة باعتباره خالقها وعلى
الكنيسة باعتباره رأسها)، ورياسته على الكنيسة ليست مقترنة بتجسده وإن كان مباركاً
وجوهرياً بل كان موته الأساس الوحيد، لأنه قبل الصليب لم تكن الخطية قد دينت إلى الأبد
أمام الله. ثم يذكر الرسول بولس بعدما تقدم؛ وجهى خدمته هو اللذين يتمشيان أيضاً مع
وجهى سيادة المسيح وخدمة المصالحة من وجهيها، فهو (أي بولس) خادم الإنجيل ذي الدائرة
الواسعة غير المحدودة لأنه للخليقة بأسرها ثم هو خادم الكنيسة وذلك « لتتميم كلمة الله»(ليس
بالنسبة لزمان كتابة هذه الرسالة لأن أجزاء أخرى من كلمة الله كتبت بعد ذلك بل بالنسبة
للموضوع) أي بإعلان السر المكتوم منذ الدهور ومنذ الأجيال الذي لم يعلن في العهد القديم
لكنه الآن قد أظهر لقديسيه.

هل تبحث عن  شبهات الكتاب المقدس عهد قديم سفر أخبار الأيام الثانى القس منسى يوحنا ا

لقد تعب
الرسول وفرح في آلامه التي بها يكمل نقائص شدائد المسيح في جسمه لأجل جسد المسيح الكنيسة،
وهذه الآلام لم تكن الكفارية التي انفرد بها المسيح بل آلام الخدمة الحبية التي تركها
الرب لخاصته لكي يشاركوه فيها (ع 24- 29).

ص 2

كان بولس
مهتماً بتقدم ونجاح القديسين في كولوسي ولاودكية الذين لم يروا وجهه في الجسد لكي تتعزى
قلوبهم مقترنة في المحبة لكل غنى يقين الفهم لمعرفة سر الله- هذا السر المذخر فيه جميع
كنوز الحكمة والعلم، وقد أعلن الله هذا السر في المسيح، ويحثهم الرسول على أن يسلكوا
في المسيح يسوع الرب متأصلين ومبنيين فيه وموطدين في الإيمان حتى لا يضلوا بواسطة مبادئ
الفلسفة العالمية والوثنية وتعليم أو تقليد الناس، التي ليست حسب المسيح بل بالحرى
تفصل النفس عنه « فإنه فيه (أي المسيح) يحل كل ملء اللاهوت جسدياً. وأنتم مملوءون فيه
(أي كاملون)…» لذا لا يجوز السماح لأي شيء بأن يدخل بينهم وبين المسيح، إذ فيه لهم
حقيقة (لا ظل) الأشياء التي تشير إليها فرائض الختان والمعمودية، فقد ماتوا وقاموا
مع المسيح، لذا يحذرهم الرسول من الانقياد وراء الفرائض اليهودية التي هى ظل الأمور
العتيدة، أما الجسد (أي الحقيقة أو الجوهر وليس الظل) فهو المسيح (ع 16، 17). ويحذرهم
أيضاً من الفلسفة الوهمية الغامضة التي أعمت ذهن الأممي الجسدي مثل عبادة الملائكة،
والتي هى ضد التمسك بالمسيح الرأس (ع 18، 19)

«إذاً
إن كنتم قد متم مع المسيح عن أركان العالم (الوجه السلبي للمسيحية) فلماذا كأنكم عائشون
في العالم تفرض عليكم (أو تخضعون أنفسكم) تحت فرائض لا تمس ولا تذق ولا تجس التي هى
جميعها للفناء – لأنها مادية وفانية- في الاستعمال حسب وصايا وتعاليم الناس التي لها
حكاية (أي مظهر أو شبه) حكمة بعبادة نافلة وتواضع وقهر الجسد ليس بقيمة ما (أي لا قيمة
لها في نظر الله لأنها تخالف ترتيبه) من جهة إشباع البشرية (أي أن ممارسة هذه الأمور
إنما تشبع البشرية أي الطبيعة الفاسدة التي تزهو وتتفاخر بهذه الممارسات) ».

ص 3 – 4: 1

 «فإن
كنتم قد قمتم مع المسيح (الوجه الإيجابي للمسيحية) فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس
عن يمين الله». فكأناس سماويين سائرين على الأرض يجب أن نهتم (أي تنحصر أذهاننا) في
الأمور السماوية وليس الأرضية لأننا أقمنا مع المسيح ونلنا حياة جديدة لها أعلى وأسمى
الصفات الروحية، إنها حياة مستترة مع المسيح لأن المسيح (الآن) مستتر في الله ولكن
متى أظهر المسيح حياتنا فحينئذ سنظهر نحن أيضاً معه في المجد. إنه حقاً اتحاد وثيق
ومبارك، فقد اتحدنا بالمسيح في موته وقيامته، وهذا هو مقياس سلوكنا اليومي، وليس هناك
مقياس أعلى من ذلك، فإن اتحادنا بالمسيح حيث هو في الأعالي يسلتزم هذا المقياس للسلوك،
وأن أقل من ذلك لا يمكن أن يكون مقبولاً أمام الله الذي باركنا فيه بل هو استهانة واستخفاف
بنعمته.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس أ ألعادا ا

ثم يعطينا
جدولاً للأعمال التي يجب أن نطرحها (أو نخلعها) لأننا « خلعنا» الإنسان العتيق مع كل
أعماله، وإذ أننا «لبسنا» الإنسان الجديد يعطينا جدولاً آخر للأشياء التي يجب أن نلبسها
(وبها نظهر المسيح الساكن في كل واحد منا)، والمحبة هى ما نلبسه فوق الكل. يجب أن يملك
سلام الله (أو سلام المسيح) في قلوب المؤمنين وأن تسكن كلمته فيهم، فالسلام والكلمة
مصدرهما المسيح. وعلى المؤمنين أيضاً أن ينهضوا بعضهم بعضاً بالتسابيح والأغاني الروحية.
وأن يعملوا كل شيء باسم المسيح ولمجده وحده دون سواه.

ومن ع
18 يتضمن العلاقات والروابط العائلية في هذا العالم، والواجبات المتبادلة بينهم كزوجات
وأزواج، وأولاد وآباء، وعبيد وسادة (المشار إليهم في العدد الأول من الأصحاح الرابع
الذي كان يجب أن يختم به الأصحاح الثالث).

وهذه العلاقات
مرتبطة " بالرب، الرب المسيح" وهو تبارك اسمه سيد السادة الموجود في السماوات.

ص 4: 2- 18

يتضمن
الحث على المواظبة على الصلاة والسهر فيها بالشكر، ويطلب الرسول إليهم أن يصلوا لأجله
لكي يتكلم بسر المسيح الذي كان من أجله موثقاً، ثم يعظهم بأن يسلكوا بحكمة بإزاء الذين
هم من خارج مفتدين الوقت، وأن يكون كلامهم كل حين بنعمة. جميع أحواله سيعرفهم بها تيخيكس
وأنسيمس. ويلي ذلك من(ع 10) تسليمات كثيرين من العاملين معه إليهم وإلى الإخوة في لاودكية
وعلى الكنيسة التي في بيت نمفاس.

ويطلب
إليهم أن تقرأ هذه الرسالة أيضاً في كنيسة اللاودكيين، والرسالة التي من لاودكية (1) يقرأونها هم أيضاً. ويوجه الرسول كلمة حث خاصة إلى أرخبس
(ويظن أنه ابن فليمون فل 2)، والرسول يختم هذه الرسالة (كما في رسائله الأخرى) بكتابة
السلام بيده مذكراً إياهم بوثقه « النعمة معكم آمين»

(1) المرجح أن المقصود بالرسالة التي من لاودكية هو رسالة أفسس التي يظن
بأنها نقلت من كنيسة إلى أخرى.

 

بعض
الشواهد المقتبسة في رسالة كولوسي من العهد القديم

1-
« ويختن الرب إلهك قلبك وقلب نسلك لكي تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك لتحيا»
(تث 30: 6)

1-«وبه
أيضاً ختنتم ختاناً غير مصنوع بيد بخلع جسم خطايا البشرية بختان المسيح» (ص 2: 11)

2-«كلمات
فم الحكيم نعمة…» (جا 10: 12)

2-«
ليكن كلامكم كل حين بنعمة»(ص 4: 6)

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي