الإصحَاحُ
الأَوَّلُ

 

1
بُولُسُ، رَسُولُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ بِمَشِيئَةِ ٱللّٰهِ،
وَتِيمُوثَاوُسُ ٱلأَخُ، 2 إِلَى ٱلْقِدِّيسِينَ فِي كُولُوسِّي،
وَٱلإِخْوَةِ ٱلْمُؤْمِنِينَ فِي ٱلْمَسِيحِ. نِعْمَةٌ لَكُمْ
وَسَلاَمٌ مِنَ ٱللّٰهِ أَبِينَا وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ.

مرّ
في المقدمة أن الرسول بولس لم يزر مدينة كولوسي قبل كتابة هذه الرسالة. ولذلك كان
عليه أن يصدر رسالته بذكر الحق الذي يخوله أن يكتب إلى أهل كولوسي. وقد فعل ذلك في
عبارة واحدة، إذ قال: إنه رسول يسوع المسيح، وإن رسوليته بمشيئة الله.ومن نعمة
الله، لا من عمله واستحقاقه. ولعل تصرف بولس على هذا النحو يعلّمنا أن المسيحي
الحقيقي، يجب أن لا يكتب عبارة واحدة، دون أن يوضح العقائد الكبرى، التي تملأ كل
تفكيره.

فبولس
كتب بهذا الحق، معلناً أن الله أفرزه، ليكون سفيره إلى الأمم. ونفهم من العبارة أن
الوظيفة الرسولية، ليست شيئاً اكتسبه بمقدرته، أو حصل عليه باجتهاداته الذاتية. بل
هي امتياز أعطي له بالنعمة ومن الله. هذه الحقيقة تذكرنا بقول المسيح: «لَيْسَ
أَنْتُمُ ٱخْتَرْتُمُونِي بَلْ أَنَا ٱخْتَرْتُكُمْ، وَأَقَمْتُكُمْ
لِتَذْهَبُوا وَتَأْتُوا بِثَمَرٍ، وَيَدُومَ ثَمَرُكُمْ» (الإنجيل بحسب يوحنّا
15: 16).

ولا
ريب في أن المتأمل في فاتحة هذه الرسالة يرى تعليم النعمة بوضوح. فالمؤمن ليس هو،
الذي ينشئ نفسه، بل هو عمل الله، مخلوق في المسيح، لأعمال صالحة، وقد سبق الله
فأعدها لكي يسلك فيها (الرسالة إلى أفسس 2: 10) وكذلك الكتاب يؤكد لنا أنه في
دائرة النعمة، لا يوجد أناس صنعوا أنفسهم، بل هناك أناس صنعهم الله.

بعد
تعريف نفسه، أتى الرسول على ذكر تيموثاوس. ومع أنه رسول مفرز بمشيئة الله، بما في
هذه الصفحة من عظمة، إلا أنه لم يأنف أن يدعو تيموثاوس أخاً، وإن كان حديث السن،
وحديث الإيمان. وهذا يعلمنا أن النسبة ذات الشأن في المسيحية هي الإخاء. وإن
الرسولية وغيرها من الرتب، ليست سوى أمور عرضية بالنسبة للإخاء. وقد عرف من تاريخ
االكنيسة أن الخدمة المسيحية تتعزز وتصادف النجاح بانتشار الروح الأخوية بين
المؤمنين. وعملاً بهذا المبدأ صار القول الرسولي: «قَدِّمُوا… فِي
ٱلتَّقْوَى مَوَدَّةً أَخَوِيَّةً، وَفِي ٱلْمَوَدَّةِ
ٱلأَخَوِيَّةِ مَحَبَّةً. لأَنَّ هٰذِهِ إِذَا كَانَتْ فِيكُمْ
وَكَثُرَتْ، تُصَيِّرُكُمْ لاَ مُتَكَاسِلِينَ وَلاَ غَيْرَ مُثْمِرِينَ
لِمَعْرِفَةِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (رسالة بطرس الثانية 1: 5-8).

ومن
ميزات هذه الرسالة، أنها موجهة إلى القديسين والإخوة المؤمنين في المسيح، ومشفوعة
بالدعاء أن ينالوا نعمة وسلاماً من الله بالمسيح يسوع، الذي هو سلام الوجه الأكمل.
والسر في نجاحه أنه يعيش في المسيح، لهذا سعادته وفرحه وسلامه لا تتغير قط، لأنه
في المسيح والمسيح فيه. بهذا الاتحاد بالمسيح يستطيع أن يقوم بأي عمل يسند إليه،
حقيراً كان أم مرموقاً. وهو يؤدي الكل بأمانة واجتهاد وبدون تذمر. لأنه في المسيح
يقوم بالعمل الموكول إليه، وكأنه يعمل للرب نفسه.

هل
أنت في المسيح؟ وهل تستطيع أن تتمثل ببولس في التواضع ونكران الذات؟ وهل تعتبر
الإخوة الصغار وتكرمهم، كما كان يفعل الرسول العظيم؟ ليس كافياً أن يكون لك إيمان
فقط، لأن الإيمان قد يتعرض للتجارب والانجذاب، والتشبث بفرائض ناموسية توجد فيك
الكبرياء الروحية، الأمر الذي يخالف مشيئة المسيح الذي قال «اِحْمِلُوا نِيرِي
عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ ٱلْقَلْبِ،
فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ. لأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ»
(متّى 11: 29 و30).

الصلاة:
أيها السيد الرب، إلهنا ومعبودنا، نشكرك من كل القلب على النعمة المخلصة التي
علمتنا أن ننكر الخطية، ونقبل البر الذي هو منك بالإيمان. ونشكرك لأجل محبتك في
يسوع، المحبة التي غفرت ذنوبنا وسترت عيوبنا. زد إيماننا يا إلهنا الصالح، وشدد
رجاءنا، وقو محبتنا ولك شكرنا على الدوام آمين.

 

3
نَشْكُرُ ٱللّٰهَ وَأَبَا رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ كُلَّ
حِينٍ، مُصَلِّينَ لأَجْلِكُمْ، 4 إِذْ سَمِعْنَا إِيمَانَكُمْ بِٱلْمَسِيحِ
يَسُوعَ، وَمَحَبَّتَكُمْ لِجَمِيعِ ٱلْقِدِّيسِينَ، 5 مِنْ أَجْلِ
ٱلرَّجَاءِ ٱلْمَوْضُوعِ لَكُمْ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ

استهل
بولس هذه الرسالة بالشكر، مثله في كل مرة يكتب إلى المؤمنين، حين تصله أخبار سارة
عن نموهم في النعمة وفي معرفة المسيح. ففي الآية الرابعة أعلاه يشكر الرسول الكريم
من أجل صفتين ظهرتا في حياة الكولوسيين، وأخبره بهما أبفراس. وهما الإيمان بالمسيح
والمحبة لإخوتهم. وهاتان الصفتان، هما الركنان المميزان للحياة المسيحية. فقد كان
المسيح موضوع إيمانهم ومنشئه فيهم. ولا مراء في أن علة استمرارهم عليه كانت نتيجة
لاتحادهم بالمسيح.

في
الحقيقة أن الحياة المسيحية يجب أن تعلن ولاءها للمسيح ومحبتها للناس، وإلا صارت
كما يقول الرسول للكورنثيين نحاساً يطن أو صنجاً يرن. الإيمان هو عطية الله،
وموضوعه يسوع المسيح، وفقاً لقول المسيح: «من يؤمن بي فله حياة أبدية» وهذا يعني
أن على المسيحي أن يتصف بالإيمان وأن يعرف ما يؤمن به ويحب إخوته تمشياً مع الكلمة
الرسولية القائلة: «وهذه هي وصيته أن نؤمن باسم ابنه يسوع المسيح، ويحب بعضنا
بعضاً كما أعطانا وصية».

يا
أخي اذكر هذا، إن المسيحية تلزمك بولاء مزدوج ولاء للمسيح، وولاء للناس. وإن
الإيمان المسيحي ليس مجرد اعتقاد عقلي، بل هو قبل كل شيء انسكاب القلب على مذبح
المحبة. والإيمان بالمسيح والمحبة للناس، يعتمدان على الرجاء الحي بقيامة يسوع من
الأموات للميراث الذي أعد للقديسيين. هذه الفضائل ضرورية للمسيحي، لكي يحيا كما
يحق للرب. فالإيمان ينظر بما مض، والمحبة تفعل في الحاضر، والرجاء ينظر إلى
المستقبل.

إن
الولاء للمسيح، قد يطلب من الإنسان تحمل آلام متنوعة في المجتمع. وقد عرف
بالاختبار أن الذي يريد الاحتفاظ بولائه للمسيح يجب أن يكون مستعداً أن يتنازل عن
أشياء كثيرة في هذا العالم. وأن يحتمل المضايقات والتعيير، حتى الاضطهاد أحياناً.
وقد سبق للمسيح أن أنبأ تلاميذه بالصعاب والبغضاء، التي يتعرض لها المؤمنون من
أجله. قال: «إِنْ كَانَ ٱلْعَالَمُ يُبْغِضُكُمْ فَٱعْلَمُوا أَنَّهُ
قَدْ أَبْغَضَنِي قَبْلَكُمْ. لَوْ كُنْتُمْ مِنَ ٱلْعَالَمِ لَكَانَ
ٱلْعَالَمُ يُحِبُّ خَاصَّتَهُ. وَلٰكِنْ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ
ٱلْعَالَمِ، بَلْ أَنَا ٱخْتَرْتُكُمْ مِنَ ٱلْعَالَمِ،
لِذٰلِكَ يُبْغِضُكُمُ ٱلْعَالَمُ» (الإنجيل بحسب يوحنّا 15: 18 و19).

ما
أكثر المرات، التي فيها يواجه المسيحي هذه الأسئلة: لماذا تصرون على خدمة الآخرين،
رغم العقوق الذي تقابلون به؟ وما الجدوى من الإحسان إلى من يسيء إليكم؟ ولماذا
تصرفون معظم الوقت في خدمة لا منفعه شخصية منها؟ وما الفائدة من الاهتمام بالأخ
الضعيف؟ الجواب إنه الإيمان بالمثل العليا، والانسجام مع المحبة، التي لا تطلب ما
لنفسها والرجاء الموضوع أمامنا! والمرجو هو الحياة الأبدية، لأننا كا قال الرسول
بالرجاء خلصنا.

ليكن
المسيح موضوع رجائك، لأن المسيح هو رجاء المجد. وقال قال «كُنْ أَمِيناً إِلَى
ٱلْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ ٱلْحَيَاةِ» (رؤيا 2: 10).

الصلاة:
أيها الرب المبارك نشكرك لأجل الإيمان المسلم مرة للقديسين، والذي به نحيا. ومن
أجل الرجاء الموضوع على يسوع للحياة الأبدية. ونعظم اسمك يا إلهنا، من أجل محبتك
التي غفرت خطايانا، فصار لنا قدوم إليك لنعبدك بالروح والحق آمين.

 


ٱلَّذِي سَمِعْتُمْ بِهِ قَبْلاً فِي كَلِمَةِ حَقِّ ٱلإِنْجِيلِ، 6
ٱلَّذِي قَدْ حَضَرَ إِلَيْكُمْ كَمَا فِي كُلِّ ٱلْعَالَمِ أَيْضاً،
وَهُوَ مُثْمِرٌ كَمَا فِيكُمْ أَيْضاً مُنْذُ يَوْمَ سَمِعْتُمْ وَعَرَفْتُمْ
نِعْمَةَ ٱللّٰهِ بِٱلْحَقِيقَةِ. 7 كَمَا تَعَلَّمْتُمْ
أَيْضاً مِنْ أَبَفْرَاسَ ٱلْعَبْدِ ٱلْحَبِيبِ مَعَنَا،
ٱلَّذِي هُوَ خَادِمٌ أَمِينٌ لِلْمَسِيحِ لأَجْلِكُمُ، 8 ٱلَّذِي
أَخْبَرَنَا أَيْضاً بِمَحَبَّتِكُمْ فِي ٱلرُّوحِ.

رجاء
المؤمنين حرز حريز، أي كنز محفوظ في السموات، لا خوف عليه (الإنجيل بحسب متّى 6:
20). وقد وضع هنالك على سبيل الجعالة للمجاهدين (الرسالة إلى تيموثاوس 4: 8) ونعلم
من التعليم الإنجيلي أن جودة الإيمان والمحبة برهان صريح على جودة الرجاء. وأن لا
أساس لرجاء لم يقترن بالإيمان والمحبة.

ولا
مراء في أن الرجاء المسيحي الحي يسلم بأن طريق الله أفضل الطرق. وإن السعادة
والسلام والفرح والجزاء، هو ما نجده في طريق الله. قد يضحك أبناء هذا الدهر،
ويحسبون رجاءنا جهالة وحماقة. ولكن ألم يقل الكتاب المقدس إن ما يحسبه الناس جهالة
الله أحكم من كل حكمة بشرية. وعندنا القناعة بالروح القدس، إن الرجاء المسيحي فيه
اليقين بأن الحياة مع الله، أفضل من الثقة في العالم.

هذه
هي البشارة التي بشر بها الكولوسيون وقبلوها، إنهم يوم سمعوا أن المسيح مخلص سمعوا
أيضاً نبأ السعادة السماوية الموضوعة لكل من آمن بالمسيح وتبعه، وفقاً لقوله له
المجد للرئيس الشاب: «بِعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ ٱلْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ
لَكَ كَنْزٌ فِي ٱلسَّمَاءِ وَتَعَالَ ٱتْبَعْنِي» (الإنجيل بحسب متّى
19: 21).

هذا
هو حق الإنجيل، الذي سمعوه. وليس هو بشارة بالرحمة وحسب، بل هو أيضاً إعلان حقائق
أزلية، لا تتغير كالحق نفسه. والمعنى في هذا كله أن رجاء المؤمنين ليس باطلاً بل
حقاً أعلنه الله في إنجيله لكل من يؤمن.

ونتعلم
من هذه الآيات المجيدة:

1. إن
الإنجيل هو أخبار الله السارة. وإن رسالة الإنجيل هي رسالة الآب المحب لنفوس
الناس. وغايتها أن تضعنا في علاقة طيبة مع الله.

2. إن
الإنجيل هو الحق. وإن كل الأديان الأخرى، يمكن أن يقال عنها أنها تخمينات عن الله.
أما إنجيل المسيح ففيه التأكيد واليقين عن الله.

3. إن
الإنجيل لجميع بني البشر. لا فرق بين شعب أو جنس، أو لسان، أو أمة. وإن رسالة
الإنجيل للجميع، رسالة خلاص وفرح وسلام. وكل هذه تنبع من العطية المجانية، التي
وهبها الله للناس بيسوع المسيح.

4. إن
للإنجيل قوة على تغيير حياة الناس، ورفع مستوى المجتمع الذي يعيشون فيه، روحياً
وأدبياً. وقد عرف أن قوة الإنجيل تستيطع أن تغير الخاطي إلى إنسان صالح. إذ تنتزع
مه الأثرة والقسوة، وتزرع مكانها المحبة التي هي رباط الكمال.

5. إن
الإنجيل يخبرنا عن النعمة. فهو لا يحدثنا بالأولى عما يطلبه الله من الإنسان، بل
عما يقدمه الله للإنسان. وفي عبارة أخرى أن الإنجيل لم يأت ليضع علينا أثقالاً
إضافية بل بالحري جاء لكي يرفع عنا وزر الخطية الثقيل.

6. إن
الإنجيل يحملنا مسؤولية إيصال الأخبار السارة إلى الآخرين. أي أنه يلزمنا بإشراك
الآخرين معنا في فوائد الفداء المعلنة فيه.

تأكد
من هذا، إن يسوع يدعوك إلى قبول النعمة، التي يقدمها لك مجاناً بقبول إنجيل
الخلاص. وهو يحتاج إلى كل المؤمنين ليكونوا الأيدي والأقدام والشفاه، التي تحمل
وتذيع الإنجيل إلى كل أقطار الأرض. فهل تريد أن تكون إحدى هذه الوسائل لنشر إنجيل
الله؟

هكذا
كان أبفراس، الذي نوّه الرسول بإيمانه، يبشر بالإنجيل على سنن الحق. وقد نعته
بالخادم الأمين للمسيح. فليتك أنت أيضاً تقتدي بهذا التلميذ، الذي خدم الرب
بمواهبه وسيرته الحميدة!

الصلاة:
يا ربنا الصالح، تشكرك قلوبنا من أجل نور الإنجيل، الذي ما زال يعمل في العالم
لتبديد الظلمة وظلال الموت عن كل نفس تقبله، فليتك أنت أيضاً تقتدي بهذا التلميذ،
الذي خدم الرب بمواهبه وسيرته الحميدة!

 

9
مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ نَحْنُ أَيْضاً، مُنْذُ يَوْمَ سَمِعْنَا، لَمْ نَزَلْ
مُصَلِّينَ وَطَالِبِينَ لأَجْلِكُمْ أَنْ تَمْتَلِئُوا مِنْ مَعْرِفَةِ
مَشِيئَتِهِ، فِي كُلِّ حِكْمَةٍ وَفَهْمٍ رُوحِيٍّ 10 لِتَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ
لِلرَّبِّ، فِي كُلِّ رِضىً، مُثْمِرِينَ فِي كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ، وَنَامِينَ
فِي مَعْرِفَةِ ٱللّٰهِ، 11 مُتَقَوِّينَ بِكُلِّ قُوَّةٍ بِحَسَبِ
قُدْرَةِ مَجْدِهِ، لِكُلِّ صَبْرٍ وَطُولِ أَنَاةٍ بِفَرَحٍ

تعود
بولس أن يصلي من أجل المؤمنين، لنموهم في الروحيات. وتمشياً مع هذه العادة، وبعد
أن شكر الله على ما حصل عليه قديسو كولوسي سأل أن تزداد معرفتهم لمشيئة الله. وإنه
لشيء مبهج أن نصغي إلى رسول الجهاد العظيم، وهو يصلي لأجل أحبائه. ويمكننا أن نقول
ما كتبه هنا يرينا الصلاة في أبعادها، إذ ركز صلاته في أمرين عظيمين جداً:

1.
طلب من أجلهم الامتلاء باستمرار، من معرفة مشيئة الله. وأتى بثمل هذه الطلبة في مقدمة
ثلاث رسائل أخرى: (أفسس 1: 17، فيلبي 1: 9، وفيلمون 6). ويقيناً إنه لا يوجد أمر
أعظم من هذا، أن نعرف إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة؟

لقد
درجنا في الصلاة على أن نجعل الله يصغي إلينا، ولكن قلما نجعل أنفسنا نصغي إلى
الله. وفي تعبير آخر إننا في صلواتنا نكلم الله أكثر مما نترك المجال لله أن
يكملنا. هناك حكمة يجب أن يتعلمها كل مصل، وهي قول الجامعة « لاَ تَسْتَعْجِلْ
فَمَكَ وَلاَ يُسْرِعْ قَلْبُكَ إِلَى نُطْقِ كَلاَمٍ قُدَّامَ
ٱللّٰهِ. لأَنَّ ٱللّٰهَ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَأَنْتَ
عَلَى ٱلأَرْضِ، فَلِذٰلِكَ لِتَكُنْ كَلِمَاتُكَ قَلِيلَةً» (جامعة
5: 2).

هل تبحث عن  هوت طقسى طقوس العهد القديم الأعياد 07

2.
أراد الرسول أن تترجم معرفة إرادة الله، إلى مواقف حياتنا البشرية الخاصة. وحين
سأل أن يمتلئ مختارو الله من هذه المعرفة، كان يلتمس من أجلهم ليس وسائل بشرية، بل
مفعولات الروح القدس. وفي هذا بيان عظمة الفرقة بين حكمة الإنجيل وحكمة معلمي هذا
الدهر. فإن حكمتهم ليست سوى حكاية حكمة (الأصحاح 2: 23) وفلسفة باطلة (الأصحاح 2:
18) أما حكمة الإنجيل فهي معرفة الحقائق العظمى للمسيحية.

قد
يصل الإنسان بسهولة إلى درجة الأستاذية في علوم اللاهوت، ومع ذلك يمكن أن يفشل في
حياته اليومية. وقد يكون مقتدراً في الكتابة والحديث عن الحقائق الأزلية العظمى.
ولكنه يعجز عن تطبيق هذه الحقائق في حياته اليومية. أما المؤمن الحقيقي فالروح
القدس يدرب حواسه لمعرفة مشيئة الله، لكي يسلك كما يحق للرب. بمعنى أن وعرفة إرادة
الله والحكمة والفهم الروحي يجب أن تظهر نتائجها في السلوك المستقيم، كما يحق للرب
المسيح.

ونتعلم
هنا أن الصلاة ليست تأملاً منعزلاً في الله، وشركة انفرادية معه وحسب، بل الصلاة
تقترن بصنع مشيئة الله. ونحن نصلي لا لكي نهرب من الحياة، بل نصلي لنحيا حياتنا في
المجتمع كما ينبغي أن نحياها شهادة لعمل نعمة الرب فينا. هذا هو السلوك كما يحق
للرب الذي دعينا إليه. وهو يقابل بالرضى الإلهي. الذي يثوب المؤمن. ومثال ذلك
أخنوخ بدليل قول الكتاب: «بِٱلإِيمَانِ نُقِلَ أَخْنُوخُ لِكَيْ لاَ يَرَى
ٱلْمَوْتَ، وَلَمْ يُوجَدْ لأَنَّ ٱللّٰهَ نَقَلَهُ إِذْ قَبْلَ
نَقْلِهِ شُهِدَ لَهُ بِأَنَّهُ قَدْ أَرْضَى ٱللّٰهَ» (الرسالة إلى
العبرانيين 11: 5).

والسؤال
لك أيها القارئ الكريم: هل تسلك كما يحق للرب. وهل تشعر بالرضى الإلهي؟ طبعاً إن
الرضى الإلهي لا ينال بالاجتهادات الذاتية، لأننا جميعاً في الطبيعة أبناء الغضب.
ولكن في وسعك أن تنال هذا الرضى بقبول المسيح مخلصاً شخصياً. لأن المسيح ليس فقط
ارضى الله نيابة عنك بل أيضاً سأل الآب السماوي في صلاته الشفاعية من أجل المؤمنين
به قائلاً: «أَيُّهَا ٱلآبُ أُرِيدُ أَنَّ هٰؤُلاَءِ ٱلَّذِينَ
أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ أَكُونُ أَنَا، لِيَنْظُرُوا مَجْدِي
ٱلَّذِي أَعْطَيْتَنِي» (الإنجيل بحسب يوحنّا 17: 24).

وهذا
السلوك كما يحق للرب، يجب أن يقترن بالثمر في العمل الصالح. أي إن الثمر المطلوب
هو الأعمال التي توافق مشيئة الله، ويطلبها الضمير، وتنبع من الإيمان بالمسيح
والاتحاد به، بواسطة الروح القدس.

ومما
لا مراء فيه أن الاتحاد بالمسيح، يتيح للمؤمن أن ينمو في معرفة الله. والنمو في
معرفة الله دليل على وجود الحياة الروحية في الإنسان وإن هذه الحياة تنمو باستمرار
وفقاً لقول يوحنا: «وَمِنْ مِلْئِهِ نَحْنُ جَمِيعاً أَخَذْنَا، وَنِعْمَةً فَوْقَ
نِعْمَةٍ» (الإنجيل بحسب يوحنّا 1: 16). والرائع في الأمر، هو أنه كلما ازداد
الإنسان معرفة بالله، ازداد سعادة.

يختم
الرسول طلباته، فيسأل الله أن يمنح أحباءه ثلاث بركات عظيمة، الصبر وطول الأناة
والفرح… تعلم الصبر المسيحي، الذي معناه الروح التي لا يستطيع أي طرف في الحياة
أن يهزمها. ولا يقدر أي حادث، أن يتغلب عليها. الصبر المسيحي هو القدرة على
المواجهةت المنتصرة على كل ما تستطيع الحياة أن تبتلينا به.

مارس
هذه الصفات بفرح. فالمؤمن الحقيقي فضلاً عن احتياجه إلى قوة إلهية ليحتمل أرزاء
الحياة بالصبر وطول الأناة، يحتاج إلى قوة من الله لكي يحتفظ بفرح الله في قلبه.
الفرح الذي يرفعه فوق المصائب جميعاً.

المؤمن
الحقيقي يحتمل المشقات دون أن يفقد فرحه، تمثلاً بالمسيح «ٱلَّذِي مِنْ
أَجْلِ ٱلسُّرُورِ ٱلْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ ٱحْتَمَلَ
ٱلصَّلِيبَ مُسْتَهِيناً بِٱلْخِزْيِ» (الرسالة إلى العبرانيين 12:
2). ولنا هذه الوصية منه «طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ
وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ.
اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا، لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ»
(الإنجيل بحسب متّى 5: 11 و12).

الصلاة:
أيها الآب رب السماء. نسألك أن تهبنا طاقة من الصبر وطول الأناة لكي نحتمل كل مشقة
من أجلك بفرح. ونلتمس غفرانك وتجاوزك عن نقائصنا الكثيرة في ضميرنا وعدم احتمالنا.
أعطنا أن نمتلئ من معرفة مشيئتك. نحن نحتاج إلى حكمة التصرف في الظروف الصعبة.
فانعم علينا من أفضالك، يا من تعطي الجميع بسخاء ولا تعير آمين.

 

12
شَاكِرِينَ ٱلآبَ ٱلَّذِي أَهَّلَنَا لِشَرِكَةِ مِيرَاثِ
ٱلْقِدِّيسِينَ فِي ٱلنُّورِ، 13 ٱلَّذِي أَنْقَذَنَا مِنْ
سُلْطَانِ ٱلظُّلْمَةِ وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ٱبْنِ
مَحَبَّتِهِ، 14 ٱلَّذِي لَنَا فِيهِ ٱلْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ
ٱلْخَطَايَا.

ذكر
الرسول ثلاثة أشياء تتعلق بالسلوك كما يحق للرب. وهي الأثمار والنمو في معرفة الله
والتقوى. وأضاف إليها هنا شيئاً رابعاً وهو الشكر. والشكر فضيلة، يمتاز بها
المؤمنون عن سائر فضلاء الناس. وفي الشكر لأجل بركات الله للمؤمن، نجد حقيقتين:

الحقيقة
الأولى: إن الله أعطى الكولوسيين نصيباً في ميراث القديسين. وهذا كان من دواعي
الشكر لله، الذي شاء فخلقهم جديداً بقوة الروح القدس. وأهلهلم لتلك البركة
العظيمة. ليس لاستحقاق لهم، بل تمشياً مع نعمته الغنية باللطف.

يشعرنا
الواقع بأننا لسنا كفاة من أنفسنا، بل كفايتنا من الله. والنعمة أعطيت لنا
بالمسيح، الذي عيّن لكل مؤمن به نصيباً في ملكوت السموات، بدليل قول الرسول:
«ٱلَّذِي فِيهِ أَيْضاً نِلْنَا نَصِيباً، مُعَيَّنِينَ سَابِقاً حَسَبَ
قَصْدِ ٱلَّذِي يَعْمَلُ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ رَأْيِ مَشِيئَتِهِ.
مُسْتَنِيرَةً عُيُونُ أَذْهَانِكُمْ، لِتَعْلَمُوا مَا هُوَ رَجَاءُ دَعْوَتِهِ،
وَمَا هُوَ غِنَى مَجْدِ مِيرَاثِهِ فِي ٱلْقِدِّيسِينَ» (الرسالة إلى أفسس
1: 11 و18)، فالقديسون الذين نالوا هذا الميراث والذين سينالونه هم المؤمنون
بالمسيح، الذين نظروا إليه واستناروا ووجوهم لم تخجل.

كم
يجب أن نشكر الله لأجل الاختيار في المسيح، الذي أعطانا امتياز التبني ومعرفة
الفداء والحصول على ميراث القديسين في النور! وهذا ما أشار إليه بطرس حين قال:
«وَلَدَنَا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ… لِمِيرَاثٍ لاَ
يَفْنَى وَلاَ يَتَدَنَّسُ وَلاَ يَضْمَحِلُّ، مَحْفُوظٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ
لأَجْلِكُمْ» (رسالة بطرس الأولى 1: 3 و4).

وكم
يجب أن نشكره لأجل إنارة عيون أذهاننا لنعلم ما هو رجاء دعوة إنجيل المسيح، وما هو
غناء هذا الميراث الذي هو الحياة الأبدية، التي يرثها كل مؤمن لكونه متحداً
بالمسيح وشريكاً له بالميراث، الذي استحقه باعتبار كونه ابن الله الحبيب.

أما
كل البعيدين عن المسيح فهم عائشون في ليل الشكوك والجهالات. إلى هؤلاء أشار المسيح
بقوله: «إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَمْشِي فِي ٱللَّيْلِ يَعْثُرُ، لأَنَّ
ٱلنُّورَ لَيْسَ فِيهِ. وَٱلَّذِي يَسِيرُ فِي ٱلظَّلاَمِ لاَ
يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَذْهَبُ» (الإنجيل بحسب يوحنّا 11: 10 و12: 35).

حين
قرأ بلني الشهيد أن يسوع جاء إلى العالم ليخلّص الخطاة، قال إن مجيئه شبيه بنور
الفجر، وهو يبدد غياهب الدجى، وفقاً لقوله: «أَنَا هُوَ نُورُ ٱلْعَالَمِ.
مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي ٱلظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ
ٱلْحَيَاةِ» (الإنجيل بحسب يوحنّا 8: 12).

والمسيح
الذي جاء نوراً للعالم، لكي يبصر الذين لا يبصرون، دعانا إلى السلوك في النور، إذ
قال: «ٱلنُّورُ مَعَكُمْ زَمَاناً قَلِيلاً بَعْدُ، فَسِيرُوا مَا دَامَ
لَكُمُ ٱلنُّورُ لِئَلاَّ يُدْرِكَكُمُ ٱلظَّلاَمُ… مَا دَامَ
لَكُمُ ٱلنُّورُ آمِنُوا بِٱلنُّورِ لِتَصِيرُوا أَبْنَاءَ
ٱلنُّورِ» (الإنجيل بحسب يوحنّا 12: 35 و36).

وهناك
امتياز عظيم للمستنرين بيسوع، وهو أن كل الذين أنارهم نقلهم من العبودية إلى حرية
أولاد الله. لأن المسيح أعطي من الله حكمة وبراً وفداء. وكلمة فداء كما وردت في
لغة الإنجيل الأصلية تستعمل لتحرير العبيد. هكذا قال له المجد: «رُوحُ
ٱلرَّبِّ عَلَيَّ… لأَنَّهُ أَرْسَلَنِي لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ
بِٱلإِطْلاَقِ وَلِلْعُمْيِ بِٱلْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ
ٱلْمُنْسَحِقِينَ فِي ٱلْحُرِّيَّةِ» (الإنجيل بحسب لوقا 14: 18 و19).

والاستنارة
بالمسيح، تقترن بالانتقال من الدينونة إلى الغفران. هكذا قال رب المجد: «مَنْ
يَسْمَعُ كَلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِٱلَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ
أَبَدِيَّةٌ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ ٱنْتَقَلَ مِنَ
ٱلْمَوْتِ إِلَى ٱلْحَيَاةِ» (الإنجيل بحسب يوحنّا 5: 24).

صحيح
أنه كتب في الشريعة الإلهية: «أُجْرَةَ ٱلْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ» (الرسالة
إلى رومية 6: 23)، أي هلاك أبدي. ومعنى ذلك أن الإنسان لا يستحق إلا الدينونة من
الله. ولكن الله لأجل ذبيحة المسيح الكفارية يهب الغفران لكل من يؤمن، ولا يعود
يعتبره مجرماً محكوماً عليه بالموت الأبدي. بل ينظر إليه كابن محبوب كان ضالاً
فوجد وكان ميتاً فعاش.

ولسعادة
البشر، إن الله في المسيح صار منقذاً لهم. والحامل له على إنقاذهم هو حبه الفائق
بدليل قول المسيح: «لأَنَّهُ هٰكَذَا أَحَبَّ ٱللّٰهُ
ٱلْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ
يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ
ٱلأَبَدِيَّةُ» (الإنجيل بحسب يوحنّا 3: 16). وهو ينقذنا من سلطان الظلمة،
الذي لا يعني فقط قوة إبليس، بل المراد به كل الشر المقترن بالحال، التي صار إليها
الإنسان بسبب الخطية الخاطئة جداً. ومن فرط حبه لنا، لم يكتف الله بتحريرينا من
العبودية، بل جعلنا ورثة ملكوته المجيد، الذي سماه ملكوت ابن محبته. لأن المسيح
أنشأه، وجعله موضوع حبه الخاص. ولأن فيه تجري محبة الله إلى قلوب المؤمنين بدليل
قول الرسول يوحنا: «بِهٰذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ ٱللّٰهِ
فِينَا: أَنَّ ٱللّٰهَ قَدْ أَرْسَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ
إِلَى ٱلْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ» (رسالة يوحنّا الأولى 4: 9).

وهنا
يجب أن نذكر أننا لم نفد أنفسنا، بل المسيح فدانا. فدانا من الخطية التي هيجت غضب
الله علينا. وفدانا من جرم الخطية وسلطتها وعقابها. نعم فدانا بدمه، إذ صار حمل
الله، وقدم ذاته ذبيحة كفارية، لكي يرفع عنا خطايانا وهو لم يعرف خطية.

قال إشعياء
النبي: «كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ»
(إشعياء 53: 6). ولكن يسوع أخذ وظيفة الراعي الصالح، واقتاد التسعة والتسعين إلى
المراح، ثم ذهب لأجل الخراف، التي تشتتت في يوم الغيم والضباب. فما وجد ضالاً إلا
هداه إلى سبل البر، ولا مطروداً إلا استرده، ولا كسيراً إلا جبره، ولا جريحاً إلا
عصبه. في ذراعيه حمل الحملان وقاد المرضعات.

الصلاة:
نشكرك اللهم، لأنك غفرت خطايانا، وأهلتنا لنرث الحياة الأبدية. وأنرت عيون
أذهاننا، لنعلم ما هو رجاء دعوتنا وما هو غناء الميراث الذي اشتراه المسيح لنا
بموته الكفاري على الصليب. ونشكرك لأجل يسوع الراعي الصالح الذي ما زال يجول في
البرية مفتشاً عن كل خروف ضال. كمِّل عملك في حياتنا بيسوع المسيح ربنا، آمين.

 

15
ٱلَّذِي هُوَ صُورَةُ ٱللّٰهِ غَيْرِ ٱلْمَنْظُورِ،
بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ. 16 فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ ٱلْكُلُّ: مَا فِي
ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى ٱلأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى،
سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشاً أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ.
ٱلْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ. 17 اَلَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ،
وَفِيهِ يَقُومُ ٱلْكُلُّ.

حين
كتب بولس رسالته إلى أهل كولوسي، لم تكن غايته تمضية الوقت، وإنما أراد التصدي
لأفكار الغنوسيين التي انسربت إلى الكنيسة، والتي لا تتفق مع حقائق الإنجيل.
والمعروف عن أهل البدعة، أنهم لم يكتفوا بالبساطة الكاملة للمسيحية. بل أرادوا أن
يحولوها إلى فلسفة تحاكي الفلسفات اليونانية، التي اشتهرت في ذلك الوقت. وقد زعم
أولئك المضلون أن يسوع ما هو إلا واحد بين عدد عديد من الوسطاء. وإنه مهما بلغ من
المكانة لدى الله، فليس هو إلا إعلاناً جزئياً عن الله.

ويقول
بولس رداً على هذه الضلالة إن يسوع هو صورة الله غير المنظور. وقد جاءت هذه
العبارة في لغة الإنجيل الأصلية بمعنى صورة طبق الأصل. وحين استعمل بولس هذه
الكلمة، أراد أن يقرر أن يسوع أظهر للإنسان ما لا يظهر إلا في الله الآب. وإننا
لكي نعرف الله على حقيقته يجب أن ننظر إلى يسوع. فيسوع يظهر الله كاملاً للناس،
هكذا قال المسيح لفيلبس: «أَنَا مَعَكُمْ زَمَاناً هٰذِهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ
تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ! اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى ٱلآبَ، فَكَيْفَ
تَقُولُ أَنْتَ أَرِنَا ٱلآبَ؟» (الإنجيل بحسب يوحنا 14: 9).

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد قديم سفر صموئيل الأول 08

وهذه
الكلمة صورة الله التي وصف بها المسيح جاءت لتفسر لنا قول الإنجيل:
«اَللّٰهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلٱبْنُ ٱلْوَحِيدُ
ٱلَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ ٱلآبِ هُوَ خَبَّرَ» (الإنجيل بحسب يوحنّا 1:
18). ونقرأ أيضاً في رسالة العبرانيين 1: 3 «ٱلَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ
مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ». وهذه الآيات تؤكد لنا أن المسيح كان قبل كل
خليقة. وقد سمي صورة الله، وكلمة الله وابن الله.

ويسوع
ليس فقط صورة تقريبية لله، ولا هو خلاصة موجزة عن الله. بل هو الإعلان الكامل
والنهائي لله، ولسنا في حاجة إلى أكثر من ذلك.

ويقول
الغناسيون إن عمل الخليقة، قام به إله أقل مرتبة من الإله (الحقيقي) وهو في نفس
الوقت جاهل به، وعدو له. لذلك فند الرسول زعمهم هذا بقوله: «فإنه فيه خلق الكل».
فكلمة بكر كل خليقة، لا تعني أن الابن كان جزءاً من الخليقة، وإنه أول من خلق
ولكنه دعي هكذا، بياناً لكونه الأول في محبة الآب واعتباره، ولكونه فوق كل الخلائق
في العظمة ووقت الوجود، بمعنى أنه الابن الأزلي. وهو بالنسبة لشعبه رئيس وملك
ومخلص. والدليل على أزليته نراه واضحاً في كلمة الإنجيل: «فِي ٱلْبَدْءِ
كَانَ ٱلْكَلِمَةُ، وَٱلْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ ٱللّٰه»
وهذه العبارات تظهر أنه واحد مع الله، بدليل قول الإنجيل: «وَكَانَ
ٱلْكَلِمَةُ ٱللّٰهَ» (الإنجيل بحسب يوحنّا 1: 1). وهناك دليل
صريح على أزليته في قول الرسول: «اَلَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ» (الرسالة إلى
كولوسي 1: 17)، وهذا متفق مع قوله: «قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا
كَائِنٌ» (الإنجيل بحسب يوحنّا 8: 58). فكلمة بكر إذن لا تحمل معنى الزمن، ولكنها
لقب للشرف والكرامة.

فيه
خلق الكل، قال الرسول، بوحي من الله الذي قال أيضاً بفم يوحنا الإنجيلي: «كُلُّ
شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ» (الإنجيل بحسب
يوحنّا 1: 3). ويسوع ليس خالقاً فقط، بل هو أيضاً الهدف والغاية من الخليقة. وهذا
معناه أن الخليقة خلقت لكي تكون له، ولكي تعطيه المجد.

ويستعمل
بولس تعبيراً جميلاً عن عظمة يسوع إذ يقول: «وَفِيهِ يَقُومُ ٱلْكُلُّ»
(الرسالة إلى كولوسي 1: 17)، أي أن كل الخلائق تستمر في النظام، الذي خلقها عليه.
فالحقيقة لولاه تلاشت، ورجعت إلى العدم. إنه هو حافظها، أو كما قال الرسول إنه
«حَامِلٌ كُلَّ ٱلأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ» (الرسالة إلى العبرانيين
1: 3). وبهذا يفند الرسول زعم الغنوسيين بأن حافظ العالم قوة إلهية، أصغر من القوة
التي خلقته. وفي تعبير آخر، إن الابن هو علة الخليقة من البداءة، وهو هدفها في
النهاية. وبين البداءة والنهاية يمسك الابن بالعالم، ويجعله متماسكاً معاً. أو كما
قال أحد الأتقياء، إنه وضع قوانين جعلت الكون موثوقاً به، يسير بانتظام عجيب، يعجز
العقل البشري أن يدرك أسراره، ولكنه يبقى شاهداً لمجد الله. هكذا نقرأ في المزمور
19: 1 «اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ ٱللّٰهِ، وَٱلْفَلَكُ
يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ». وهذا هو عقل الله المدبر، الذي جعل للكون معنى جميلاً.
وبفضل هذا العقل الإلهي، يرتبط هذا الكون معاً، ويسير في اتساق وانتظام، ولا يدع
مجالاً للفوضى.

فهلا
تأملت في ما كتبه الرسول الملهم عن أمجاد الابن، الكائن والذي كان والذي يأتي
القادر على كل شيء! الذي كوّن العالمين ما في السموات وما على الأرض. فهو أعظم من
جميع المخلقوات بما لا يقاس. علّ التأمل في أمجاده يحملك على السجود له، والتمتع
بسلامه، الذي يفوق كل عقل منذ الآن. وفي النهاية يعطيك الحياة الأبدية.

الصلاة:
أشكرك اللهم، لأجل إعلاناتك لنا في المسيح، الذي صار لنا حكمة وبراً وفداء. نشكرك
لأن هذا الفادي العظيم، أعلن لنا صفاتك في القدرة والمحبة. وأعطانا الروح القدس،
معزياً ومرشداً إلى جميع الحق. وقد أرشدنا إلى المخلص الرب، لنطلبه بالإيمان ونقبل
الخلاص من يمينه، آمين.

 

18
وَهُوَ رَأْسُ ٱلْجَسَدِ: ٱلْكَنِيسَةِ. ٱلَّذِي هُوَ
ٱلْبَدَاءَةُ، بِكْرٌ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، لِكَيْ يَكُونَ هُوَ مُتَقَدِّماً
فِي كُلِّ شَيْءٍ. 19 لأَنَّهُ فِيهِ سُرَّ أَنْ يَحِلَّ كُلُّ ٱلْمِلْءِ،
20 وَأَنْ يُصَالِحَ بِهِ ٱلْكُلَّ لِنَفْسِهِ، عَامِلاً ٱلصُّلْحَ
بِدَمِ صَلِيبِهِ، بِوَاسِطَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَا عَلَى ٱلأَرْضِ أَمْ
مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ.

في
هذه الآيات يضع الرسول بولس أمام أعيننا مقام المسيح بالنسبة للكنيسة، التي هي
خليقته الروحية الجديدة، وفي هلتها يوضح لنا أربع حقائق مهمة جداً، عن يسوع المسيح
في صلته بالكنيسة:

1. هو
رأس الجسد الكنيسة. وهذا يعني أن الكنيسة هي الكائن الحي، الذي يعمل المسيح
بواسطته، والذي يشارك المسيح في حياته كما يحق لله. وكما أن الجسد البشري في حد
ذاته لا قوة له. وهو بدون الرأس ميت، هكذا يسوع هو الروح المرشد والموجه للكنيسة.
ولا يجب أن يكون كل قول أو عمل للكنيسة إلا بإرشاد وسلطان المسيح. وقد عرف
بالاختبار أن الكنيسة بدون المسيح لا تستطيع أن تفكر التفكير الحق، ولا تقدر أن
تعمل العمل الصحيح وبدون المسيح، لا تستطيع معرفة الطريق المؤدي إلى الحياة
الأبدية.

وأي
امتياز أعظم من هذا، أن يكون المسيح، الذي هو صورة الله رأس الكنيسة، ومصدر حياتها
ونموها، وحاضر معها على الدوام؟ ويحبها كما يحب الإنسان جسده. وقد قال بولس هذا
ليزيل ضلالات المعلمين الكاذبين، الذين نسبوا رئاسة الكنيسة إلى الملائكة، وإلى من
جاورهم في القرب من حاضرة الله.

2. هو
البداءة أي بداءة الكنيسة، التي هي جزء من الكل الذي خلقه، وفقاً لما جاء في الآية
السادسة. وليس المعنى هنا أن المسيح كان قبل الكنيسة فقط، بل إنه هو أبدعها، وهو
مصدر حياتها، وهو رئيس خلاصها.

ونفهم
فكر بولس أكثر، عندما نذكر ما قاله عن العالم باعتباره خليقة المسيح. والكنيسة
سُميت خليقة المسيح الجديدة، لأنه ولدها ثانية بالماء والكلمة. وباختصار أن يسوع
المسيح هو ينبوع حياة الكنيسة وكيانها والموّجه لنشاطها المتواصل المستمر.

3.
بكر من الأموات. والمعنى أنه أول ما قام من الأموات لكي لا يموت أيضاً. فالرسول
يعود بنا هنا إلى الحادث العجيب الذي هو قمة التاريخ. أي القيامة التي كانت مركز
تفكير واعتقاد التاريخ. فالمسيح هو شخص قام من الأموات وهي حي إلى أبد الآبدين.
وكم يجب أن نشكر الله لأن رجاءنا موضوع على إله حي، لم يستطع القبر أن يمسكه. فهو
حي نلتقي به كل يوم، ونختبر حضوره الدائم معنا. ولنا الفرح بأن نقول إن مسيحنا ليس
بطلاً ميتاً ولا هو مؤسس ديانة مضى عليها الزمان بل هو حي فينا وفقاً لقوله:
«وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَرَوْنَنِي. إِنِّي أَنَا حَيٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ»
(الإنجيل بحسب يوحنّا 14: 19).

ولسعادة
المؤمنين أن يسوع المقام هو عربون قيامتهم، ولهذا سمي «باكورة الراقدين» وقال هو
نفسه «أَنَا هُوَ ٱلْقِيَامَةُ وَٱلْحَيَاةُ» (الإنجيل بحسب يوحنّا
11: 25) وله شهد الرسل بأنه «أَبْطَلَ ٱلْمَوْتَ وَأَنَارَ ٱلْحَيَاةَ
وَٱلْخُلُودَ» (الرسالة الثانية إلى تيموثاوس 1: 10).

4. هو
متقدم في كل شيء. هذا هو القصد الإلهي، أن يكون يسوع القائم من الأموات هو رأس
الكنيسة، متقدماً في كل شيء. وقد أبان الرسول هذا الأمر في رسالته إلى الفيلبيين،
إذ قال: «لِذٰلِكَ رَفَّعَهُ ٱللّٰهُ أَيْضاً، وَأَعْطَاهُ
ٱسْماً فَوْقَ كُلِّ ٱسْمٍ» (الرسالة إلى فيلبي 2: 9). فهو أعظم من كل
كنيسة، كما أنه أعظم من كل الخليقة.

5.
فيه سر أن يحل كل الملء. هذه الآية هي برهان على أن رئاسة المسيح مطلقة، وفاقاً
لمسرّة الله بأن يحل فيه كل ملء اللاهوت. والمراد بالملء كل الصفات الإلهية، من
عظمة وحكمة وقداسة وسطلة وقدرة ومجد ونعمة للكنيسة. والحلول هنا يعني السكنى
المستمرة لا النزول الوقتي. وإنه لواضح أنه لا يمكن أن يحل في المسيح كل صفات
الله، إن لم يكن هو صورة الله غير المنظور. لذلك وجب أن يحل في المسيح كل صفات
الله. ولذلك وجب أن يحل فيه كل الملء، لكي يخلق الكل ويفدي شعبه ويقي كنيسته من
أعدائها. ولولا ذلك التسحالت مصالحة الكنيسة مع الله ونجاتها من الهلاك.

6. أن
يصالح به الكل لنفسه. فهو واسطة الفداء، وقد فدى الكل بدم صليبه. وقد أوضح الرسول
هذه المصالحة في رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس، إذ قال إن الله كان في المسيح
يسوع مصالحاً العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم. ونفهم من هذه الآيات البيّنات إن
غرض المسيح من مجيئه هو المصالحة، بمعنى أن المبادرة في المصالحة كانت من الله.
وهذا برهان على أن موقف الله من الإنسان، كان وما زال موقف المحبة. وشعوراً بهذه
الحقيقة قال الرسول يوحنّا: «نَحْنُ نُحِبُّهُ لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلاً»
(رسالة يوحنّا الأولى 4: 19) فعمل المسيح في الفداء حوّل غضب الله إلى محبة.

فمما
تقدم يمكنك أن تثق في محبة الله، التي تنتظرك لتقبل هذه المصالحة فتنال غفران
الخطايا، إكراماً لدم المسيح، الذي أريق على الصليب. ولا غرو بذلك فدم حمل الله،
هو القوة المحركة في المصالحة. واذكر ما قاله الرسول الكريم في رسالته إلى رومية
8: 32 «اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ٱبْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا
أَجْمَعِينَ، كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضاً مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ؟».

هل
فكرت في محبة الله لك، إلى أي مدى ذهبت؟ وهل رسخ في ذهنك أن قصد الله الوحيد أن
يصالح كل إنسان لنفسه في يسوع المسيح؟ وأن الواسطة ما زالت قائمة وبوسعك الآن إذا
شئت أن تتصالح مع الله؟!

الصلاة:
أيها الآب القدوس، نعظم اسمك الكريم لأجل حبك الغني بالرحمة وكل لطف. ونشكرك لأجل
هذا الحب العجيب، الذي شاء أن يصالحنا نحن الأشرار ويقربنا إليك بدم ابنك الحبيب،
الذي قدّم نفسه فدية عنا. افتح أعين الأذهان في عالمنا هذا لكي يرى الناس مجدك في
خلاصك بالصليب، ويقبل كل إنسان ما هو لسلامه آمين.

 

21
وَأَنْتُمُ ٱلَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلاً أَجْنَبِيِّينَ وَأَعْدَاءً فِي
ٱلْفِكْرِ، فِي ٱلأَعْمَالِ ٱلشِّرِّيرَةِ، قَدْ صَالَحَكُمُ
ٱلآنَ 22 فِي جِسْمِ بَشَرِيَّتِهِ بِٱلْمَوْتِ، لِيُحْضِرَكُمْ
قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ وَلاَ شَكْوَى أَمَامَهُ، 23 إِنْ ثَبَتُّمْ عَلَى
ٱلإِيمَانِ، مُتَأَسِّسِينَ وَرَاسِخِينَ وَغَيْرَ مُنْتَقِلِينَ عَنْ
رَجَاءِ ٱلإِنْجِيلِ، ٱلَّذِي سَمِعْتُمُوهُ، ٱلْمَكْرُوزِ بِهِ
فِي كُلِّ ٱلْخَلِيقَةِ ٱلَّتِي تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ،
ٱلَّذِي صِرْتُ أَنَا بُولُسَ خَادِماً لَهُ.

تكلم
الرسول قبلاً في المصالحة بوجه عام، أما في هذه العبارات فتكلم بالنظر إلى تأثيرها
في مؤمني كولوسي خاصة، مبيناً أن هذه المصالحة هي القداسة. فيسوع عمل الصلح بدم
صليبه، لكي يحضرنا إلى الله قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة. قد يشوّه بعضهم
الحقيقية ويحرّفون فكرة محبة الله، ويسهل عليهم أن يقولوا: حسناً إن كان الله
يحبنا بهذا المقدار، وإن كان لا يريد منا شيئاً إلا المصالحة معه، فالخطية إذن
ليست أمراً مهماً. لذلك نستطيع أن نفعل ما يحلو لنا، واثقين أن الله لن يكف عن
محبتنا. هذا ضلال صارخ! لأن محبة الله للإنسان ليس معناها التحرر من قيود
«ٱلْقَدَاسَةَ ٱلَّتِي بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ ٱلرَّبَّ»
(الرسالة إلى العبرانيين 12: 14). على العكس إن محبة الله تضع على الإنسان مسؤولية
ضخمة، وهي الحياة كما يحق لهذه المحبة في البر وقداسة الحق. وفي تعبير آخر إن محبة
الله تحرض المؤمن لكي يطيع الوصية القائلة: «نَظِيرَ ٱلْقُدُّوسِ
ٱلَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ
سِيرَةٍ» (رسالة بطرس الأولى 1: 15).

ويشاء
الرسول تذكير الكولوسيين بالحال، التي كانوا عليها قبل أن يعرفوا المسيح: كنتم
أصلاً من الأمم، بدون المسيح الفادي الوحيد ووسيط الصلح الفريد بين الله والناس.
كنتم أجنبيين عن جماعة الله، بعيدين عن المواعيد التي أعطيت به للحياة الأبدية.
وهذا الوضع جعلكم ليس غرباء فقط، بل أعداء في الفكر، أي أن أفكارهم كانت مركز الشر
والعداوة.

هذه
حالة كل إنسان بدون المسيح. إنه عدو في الفكر والأعمال الشريرة، التي هي ثمار
القلب الشرير، وفقاً لقول المسيح: «ٱلإِنْسَانُ ٱلشِّرِّيرُ مِنْ
كَنْزِ قَلْبِهِ ٱلشِّرِّيرِ يُخْرِجُ ٱلشَّرَّ» (الإنجيل بحسب لوقا
6: 45). ولكن الشكر لله لأجل كلمة المسيح، التي تنقي القلب وتجعله بحسب قلب الله.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس م مَعْرة معاصر ر

ولكن
يجب أن تعلم أن المصالحة مع الله، تضع عليك التزام الثبات والرسوخ في الإيمان،
لكيلا تفقد رجاء الإنجيل. وكذلك المصالحة تتطلب منك الولاء لله، وتستلزمك الثقة في
محبة الله، سواء كانت في ضوء الشمس المشرقة، أو في الظلال القاتمة.

والجدير
بالملاحظة هو أن المصالحة مع الله، تمّت في جسم بشرية المسيح. ويبدو أن الرسول
استعمل هذه العبارة دفعاً لتعليم الغنوسيين. القائل إن المصالحة هو عمل الملائكة،
أو غيرهم من المخلوقات، التي ليس لها أجساد. وقد وضع خطاً بارزاً تحت كلمة «جسم
بشريته». لكي يؤكد حقيقة ناسوت المسيح. لأنه لو لم يتخذ جسم البشرية، لما كان في
وسعه أن يتألم، بالتالي يصير ذبيحة كفارية كما أوضح في مكان آخر لاهوته، لأنه لولا
لاهوت المسيح، لم تكن قيمة لموته.

هل
أدركت الآن أن المسيح، من أجلك صار ذبيحة كفارية، لكي يتيح لك منذ الآن امتياز
التبرير بدمه الكريم، وبالتالي قبول الروح القدس، الذي يقدسك ويحضرك قدام الله بلا
لوم ولا شكوى. أي أن المسيح إن قبلته مخلصاً، تنال باسمه غفران الخطايا، فتسقط عنك
شكوى الناموس، الذي خالفته. لأن المسيح أوفى كل مطاليبه نيابة عنك. وتسقط عنك شكوى
ضميرك الذي خالفته لأن الروح القدس ينشئ السلام في قلبك.

في
الآية الثالثة والعشرين، بيّن الرسول للكولوسيين مسؤوليتهم تجاه الخلاص، فيجب أن
يكونوا ثابتين في إيمان الإنجيل ورجائه. والثبات في إيمان الإنجيل، هو شرط أساسي
لإحضارهم إلى الله قديسين وبلا لوم. ويجب أن يبنوا حياتهم على أساس كلمة الله،
وفقاً للقول الرسولي: «فَقَطْ عِيشُوا كَمَا يَحِقُّ لِإِنْجِيلِ
ٱلْمَسِيحِ». هذه الحقيقة أعلنت لداود في القديم فكتب لنا عبارته الخالدة:
«بِمَ يُزَكِّي ٱلشَّابُّ طَرِيقَهُ؟ بِحِفْظِهِ إِيَّاهُ حَسَبَ كَلاَمِكَ»
(مزمور 119: 9).

ويحذّر
الرسول المؤمنين من قبول تعاليم المعلمين الكذبة، الذين يحاولون سبيهم بغرور
الفلسفة العالمية والشهوات الجسدية، لئلا تبعدهم عن رجاء الإنجيل ولا سيما الخلاص
بدم المسيح، فيخسرون ثباتهم.

الصلاة:
اللهم أبانا السماوي نرفع إليك شكرنا القلبي من أجل دعوتك المقدسة، التي دعوتنا
بها لنسلك في النور ونحيا في البر. نحن ليس لنا بر، ولكن نشكرك لأجل برّك الذي في
المسيح. الذي تريد أن تهبه للناس، ألهم الجميع أن يتعقلوا ويقبلوا هذا البر
المجاني، واعطنا أن نثبت في إيمان الإنجيل ورجائه الحي في يسوع الفادي والمخلص
آمين.

 

24
ٱلَّذِي ٱلآنَ أَفْرَحُ فِي آلاَمِي لأَجْلِكُمْ، وَأُكَمِّلُ
نَقَائِصَ شَدَائِدِ ٱلْمَسِيحِ فِي جِسْمِي لأَجْلِ جَسَدِهِ:
ٱلَّذِي هُوَ ٱلْكَنِيسَةُ، 25 ٱلَّتِي صِرْتُ أَنَا خَادِماً
لَهَا، حَسَبَ تَدْبِيرِ ٱللّٰهِ ٱلْمُعْطَى لِي لأَجْلِكُمْ،
لِتَتْمِيمِ كَلِمَةِ ٱللّٰهِ. 26 ٱلسِّرِّ ٱلْمَكْتُومِ
مُنْذُ ٱلدُّهُورِ وَمُنْذُ ٱلأَجْيَالِ، لٰكِنَّهُ ٱلآنَ
قَدْ أُظْهِرَ لِقِدِّيسِيهِ، 27 ٱلَّذِينَ أَرَادَ ٱللّٰهُ
أَنْ يُعَرِّفَهُمْ مَا هُوَ غِنَى مَجْدِ هٰذَا ٱلسِّرِّ فِي
ٱلأُمَمِ، ٱلَّذِي هُوَ ٱلْمَسِيحُ فِيكُمْ رَجَاءُ
ٱلْمَجْدِ.

حين
كتب بولس هذه الرسالة كان مسجوناً في رومية، ويده مربوطة إلى يد عسكري روماني. وقد
بدأ هذا الفصل بفكر جريء إنه رأى في سجنه وآلامه تكميلاً لنقائص شدائد يسوع
المسيح. تخبرنا الكتابة المقدسة أن المسيح مات على الصليب، لكي يخلّص كنيسته، وقد
خلّصها فعلاً. لكن الكنيسة في حاجة إلى الامتداد، ويجب أن تكون مقدسة لا عيب فيها
ولا غضن. ولهذا فالرسول الذي خدم الكنيسة وعمل بكل قوة لتثبيتها وحفظها من الوقوع
في الأخطاء، حسب نفسه عاملاً عمل المسيح. والواقع بما أن خدمة الرسول اقتضته الألم
والتضحية والاضطهاد، فإن هذه النوازل الشديدة، تعتبر مكملة لآلام المسيح نفسه.
ويقيناً أن الألم في خدمة المسيح ليس قصاصاً ولا مضاضة، إنه امتياز وشرف لأنه
اشتراك في عمل المسيح.

في
رسالته إلى أهل فيلبي قال بولس: «لأَعْرِفَهُ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ» (الرسالة إلى
فيلبي 3: 10)، فهل تحاول اتباع خطوات الرسول الكريم في معرفة المسيح، في آلامه من
أجلك؟ وكانت وصية بطرس للمؤمنين في الشتات أن يعرفوا المسيح المتألم، وأن يتخذوا
من الألم لأجله سلاحاً فعالاً ضد الخطية، والتخلُّص من شهوات الجسد والعيش وفقاً
لمشيئة الله.

والحقيقة
أن عظمة محبة الرسل ليسوع، حملتهم على أن يفرحوا بأن اذن لهم أن يشتركوا في آلام
المسيح. ويخبرنا لوقا الطبيب أن الرسل فرحوا لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من
أجل اسم يسوع.

ثم
يضع بولس أمامنا جوهر الخدمة، التي سلّمت له من الرب يسوع، وهي خدمة كنيسة المسيح،
التي تنادي بالإنجيل وتشهد له بسلوكها واحتمال الشدائد من أجله. وقد كشف أحد
الأسرار حين صرّح بأن خدمة الإنجيل أُسندت له بتدبير من الله، الذي وهب له النعمة
والسلطان لنشر الإنجيل. فتمم أمر المسيح: «ٱذْهَبُوا إِلَى ٱلْعَالَمِ
أَجْمَعَ وَٱكْرِزُوا بِٱلإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا»(الإنجيل
بحسب مرقس 16: 15). وفي إكمال هذا الأمر، قال الرسول: «قَدْ أَكْمَلْتُ
ٱلتَّبْشِيرَ بِإِنْجِيلِ ٱلْمَسِيحِ» (الرسالة إلى رومية 15: 19).

أما
السر الذي كان مكتوماً وأشار إليه الرسول فهو إن مجد رجاء الإنجيل ليس لليهود فقط،
بل هو أيضاً لكل إنسان. وهذه خدمة جليلة أسداها بولس للإيمان المسيحي، بتقديم
المسيح إلى الأمم. وهدم الفكرة القائلة بأن الله ومحبته ورحمته ملك لشعب واحد. لقد
جابه اليهود بهذا الإعلان العظيم، إن المسيح هو لجميع بني البشر. وفي يقيني أنه
لولا بولس لصارت المسيحية يهودية جديدة تعترف بيسوع، ولكان محرماً علينا أن
نعتنقها إن لم نتهود.

ولكن
الله كما قال الرسول، إنه بنعمته شاء أن يدخل الأمم مباشرة إلى بيت الله، ويجعلهم
شركاء في الميراث السماوي. وكان ذلك من أعظم معلنات نعمة الله للعالم. لأنهم كانوا
متوغلين في أودية الظلام والإثم. حتى لم يكن من رجاء لإنارة ذهنهم ونجاتهم. وكم
يجب أن نشكر الرب الإله، الذي أظهر أن جوهر غنى مجده هو أن المسيح يسكن في قلوب
المؤمنين، فيتحدون به بواسطة النعمة، ويصير فيهم رجاء المجد.

هذا
هو التعليم الذي نادى به بولس، خلافاً للمعلمين الكذبة الذين حذّر الكولوسيين
منهم. والواقع أن يسوع الفادي كان الموضوع الرئيسي لوعظ الرسول. ويدل علىذلك قوله:
«إِنْ كَانَ وَعْظٌ مَا فِي ٱلْمَسِيحِ… فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هٰذَا
ٱلْفِكْرُ ٱلَّذِي فِي ٱلْمَسِيحِ… لأَنِّي لَمْ أَعْزِمْ
أَنْ أَعْرِفَ شَيْئاً بَيْنَكُمْ إِلاَّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ
مَصْلُوباً» (الرسالة إلى فيلبي 2: 1 و5 ورسالة كورنثوس الأولى 2: 2).

ولا
ريب أن الرسول أراد أن يترسخ فيهم فكر المسيح الذي جاء من الله معلماً، ولكنه ذهب
في تواضعه إلى حد وضع النفس لأجل خلاص البشر. فهل تحذو حذو الرسول، فتحمل نير
المسيح عليك، وتتعلم منه درس التواضع؟ إن فعلت فطوباك، لأن نير المسيح هين يعطي
راحة للذين يحملونه.

قد
يكون أبناء هذا الدهر حكماء في أمور كثيرة، ولكن حكمتهم لا تستطيع أن توجد لهم
وسيلة الخلاص. هذه الوسيلة دبرتها حكمة الله بتجسد يسوع، الذي قال الرسول في موضع
آخر، إنه أعطى لنا من الله حكمة وبراً وفداء. وهذه الحكمة أعطيت للرسول الكريم لكي
يكرز بإنجيل الصليب الذي حسبه العالم جهالة، ولكنه صار بالنسبة للمؤمنين حكمة الله
وقوة الله.

الصلاة:
أيها السيد الرب، أنر قلوبنا لندرك مجدك في آلام يسوع المسيح الذي مات عنا، لكي
يرفع خطايانا. أعطنا المحبة التي تصبر على كل شيء، وتحتمل وترجو كل شيء، حتى نحتمل
الآلام مجداً للفادي، وشهادة لعمل نعمته آمين.

 

28
ٱلَّذِي نُنَادِي بِهِ مُنْذِرِينَ كُلَّ إِنْسَانٍ، وَمُعَلِّمِينَ كُلَّ
إِنْسَانٍ، بِكُلِّ حِكْمَةٍ، لِكَيْ نُحْضِرَ كُلَّ إِنْسَانٍ كَامِلاً فِي
ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ. 29 ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي لأَجْلِهِ أَتْعَبُ
أَيْضاً مُجَاهِداً، بِحَسَبِ عَمَلِهِ ٱلَّذِي يَعْمَلُ فِيَّ بِقُوَّةٍ.

في
الآية 28 أبان الرسول موضوع تعليمه وتعليم رفقائه، وهو المسيح وإنجيله، الذي يختلف
عن التعاليم المضلّة التي انتشرت في ذلك الزمن، والتي كانت خليطاً من الفلسفة
اليونانية والأوهام اليهودية. أما تعاليم بولس ورفقائه فمحورها المسيح، وكلام الله
عنه في العهد القديم والعهد الجديد. وهو المشار إليه بالرموز اليهودية ونبوات
الأنبياء. كما أنه موضوع تاريخ الإنجيل وتعاليم الرسل.

ويتلخص
تعليم بولس وزملائه بالمناداة، بأن يسوع ابن الله وابن الإنسان. وإنه هو الذي أعلن
للناس كل ما يحتاجون إلى معرفته من صفات الله، وطريق الخلاص من الخطية والموت. وقد
حرصوا على تحذير كل إنسان من التجارب والضلالات التي هم عرضة للسقوط فيها. وذلك
تمشياً مع أمر المسيح اليومي لبولس: « أَنَا ٱلآنَ أُرْسِلُكَ إِلَيْهِمْ،
لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ كَيْ يَرْجِعُوا مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ، وَمِنْ
سُلْطَانِ ٱلشَّيْطَانِ إِلَى ٱللّٰهِ، حَتَّى يَنَالُوا
بِٱلإِيمَانِ بِي غُفْرَانَ ٱلْخَطَايَا وَنَصِيباً مَعَ
ٱلْمُقَدَّسِينَ» (أعمال الرسل 26: 17 و18).

ولا
ريب في أن المتتبع تعاليم بولس، يرى أن الرسول المغبوط كان بشيراً بالحق الذي في
الإنجيل ونذيراً ومعلماً. وقد علّم الحق فعلاً، وراعي جانب الحكمة كما أر يسوع
تلاميذه حين قال: «كُونُوا حُكَمَاءَ كَٱلْحَيَّاتِ» (الإنجيل بحسب متّى 10:
16).

ويوضح
الرسول أن هدفه كان وضع كل إنسان يلتقي به في طريق هذا الحق الإنجيلي، الذي آمن به
وكرّس حياته لأجل نشره في العالم. حتى يصبح كل إنسان مسؤولاً عن خلاص نفسه. فيصغي
إلى الإنذار والتعليم، ويطلب الكمال في المعرفة والقداسة وسائر الفضائل الروحية. وهذا
لا يمكن إلا للذين اتحدوا بالمسيح، والمسيح اقتادهم بروحه «إِلَى وَحْدَانِيَّةِ
ٱلإِيمَانِ وَمَعْرِفَةِ ٱبْنِ ٱللّٰهِ. إِلَى إِنْسَانٍ
كَامِلٍ. إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ ٱلْمَسِيحِ» (الرسالة إلى أفسس 4:
13)

هل
تريد إحضار كل إنسان كاملاً في المسيح يسوع، كان موضوعاً لاهتمام الرسول. ولأجله
تعب وجاهد، كما أبان في قوله «فِي صَبْرٍ كَثِيرٍ، فِي شَدَائِدَ، فِي ضَرُورَاتٍ،
فِي ضِيقَاتٍ، فِي ضَرَبَاتٍ، فِي سُجُونٍ، فِي ٱضْطِرَابَاتٍ، فِي
أَتْعَابٍ، فِي أَسْهَارٍ، فِي أَصْوَامٍ» (رسالة كورنثوس الثانية 6: 4 و5).

فبولس
لم يكتف بالمناداة، بل تعب في جعلها فاعلة ومثمرة. وكان شديد المحبة والرغبة في
تكميل المؤمنين. ولهذا كان يصرف أوقاتاً طويلة في الصلاة من أجل انتشار حق الإنجيل
وتثبيت المؤمنين. وقد أعطانا صورة من جهاده بقوله للغلاطيين: «يَا أَوْلاَدِي
ٱلَّذِينَ أَتَمَخَّضُ بِكُمْ أَيْضاً إِلَى أَنْ يَتَصَوَّرَ
ٱلْمَسِيحُ فِيكُمْ» (الرسالة إلى غلاطية 4: 19).

ولعل
الرسول الكريم أخذ المثال في جهاده بالصلاة عن الرب يسوع، حين جاهد في جثسيماني،
إذ يقول الإنجيل إنه «كَانَ فِي جِهَادٍ كَانَ يُصَلِّي بِأَشَدِّ لَجَاجَةٍ»
(الإنجيل بحسب لوقا 22: 44).

ويشهد
لنا الرسول أن الله أيّده وسانده في أتعابه بقوة، حسبما له حق أن ينتظر تلك القوة
من المسيح، وفقاً لوعده الإلهي. ونفهم من الآية أن بولس لم يستند البتة على قوة
نفسه بل كان يستمد القوة من الرب مرسله بدليل قوله: «أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي
ٱلْمَسِيحِ ٱلَّذِي يُقَوِّينِي» (الرسالة إلى فيلبي 4: 13).

ولا
بد للمتأمل في أقوال بولس وسيرته، أن يرى إشارة إلى النعمة الخاصة، التي أعطيت له،
باعتبار كونه رسول الأمم. وقد ذكر هذا في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس، إذ قال:
«بِنِعْمَةِ ٱللّٰهِ أَنَا مَا أَنَا، وَنِعْمَتُهُ
ٱلْمُعْطَاةُ لِي لَمْ تَكُنْ بَاطِلَةً، بَلْ أَنَا تَعِبْتُ أَكْثَرَ
مِنْهُمْ جَمِيعِهِمْ. وَلٰكِنْ لاَ أَنَا، بَلْ نِعْمَةُ
ٱللّٰهِ ٱلَّتِي مَعِي» (رسالة كورنثوس الأولى 15: 10).

إن
اختبار الرسول هنا، يذكرك بأن الباب قد فتح لك لأخبار الإنجيل السارة، التي تظهر
محبة الله في المسيح، والقوة المغيرة التي تستطيع أن تعطي القداسة للحياة. وهذا
الامتياز يضع عليك ضرورة إذاعة هذا الخبر السار في محيطك.

الصلاة:
أبانا الذي في السموات، إننا نشكرك لأجل إعلاناتك بالمسيح، ولأجل محبتك الغنية
باللطف، التي تغفر ذنوبنا وتستر آثامنا. ونشكرك لأجل حياة رسلك الأمناء، التي تركت
لنا مثالاً لكي نتبع خطواتهم، في الغيرة على النفوس الضالة لردها إلى سبل البر.
ارحم هذه النفوس انسجاماً مع رأفتك آمين.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي