الإصحَاحُ
الرَّابعُ

 

1
أَيُّهَا ٱلسَّادَةُ، قَدِّمُوا لِلْعَبِيدِ ٱلْعَدْلَ
وَٱلْمُسَاوَاةَ، عَالِمِينَ أَنَّ لَكُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً سَيِّداً فِي
ٱلسَّمَاوَاتِ.

بعد
أن تكلم الرسول عن التزامات العبد نحو السيد، انتقل إلى ما تعلّمه المسيحية عن
معاملة السادة لعبيدهم. ففي زمنه كان العبد في نظر القانون من سقط المتاع. وإذا ما
تخلّف العبد عن أداء عمله، كان يُطرح خارجاً للموت. ولم يكن له أي حق حتى الزواج.
وإذا تزوج على هامش الشرع، وأنجب طفلاً يصير الطفل من حق السيد، أن يقتنيه كما
يقتني قطعان الأغنام وما تلد من حملان. وكان للسيد أن يجلد العبد، أو يكويه بالنار
أو يقتله بالسيف، وليس من يحاسبه على ذلك. هذه المعاملات اللاإنسانية سقطت بمجيء
المسيحية، التي قالت أيها السادة اتركوا القسوة في معاملة العبيد، اتركوا التهديد،
الذي يثير الأحقاد والشراسة. لا تظلموا عبيدكم وإماءكم، بل سوسوهم باللطف. اذكروا
أن لكم سيداً في السموات. وهو سيدين كل إنسان حسب تصرفاته بقطع النظر عن أنه كان
على الأرض سيداً أو عبداً غنياً أو فقيراً.

ونفهم
من القرائن أن الرسول الكريم قصد أن يذكر السادة إن عبيدهم في بعض الاعتبارات
مساوون لهم أمام الله، إنهم من دم واحد. وإنهم مثلهم في كونهم عرضة للموت، وفي
كونهم ذوي نفوس خالدة. وإن المسيح مات من أجلهم، كما مات من أجل السادة. وإن أبواب
السماء مفتوحة لكل المؤمنين بقطع النظر عن أنهم كانوا على الأرض عبيداً أم سادة.

حين
نتأمل في نصوص الإنجيل، نرى أنه ما كان من غرض المسيح ورسله أن يغيروا شريعة
الرومان في شأن العبيد، بالمناداة بتحريرهم دفعة واحدة بل أن يبشروا بالإنجيل الذي
فيه القاعدة الذهبية التي تقول: «كُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ
ٱلنَّاسُ بِكُمُ ٱفْعَلُوا هٰكَذَا أَنْتُمْ أَيْضاً بِهِمْ»
(الإنجبل بحسب متّى 7: 12). هذه القاعدة حين تتبع تكون نتيجتها إبطال الاسترقاق من
العالم.

نقرأ
في الرسالة إلى فليمون أن المدعو أنسيمس كان عبد لفليمون. ولكنه أبق ذات يوم بعد
أن اختلس مبلغاً من مال سيده. ولما وصل في هروبه إلى رومية قابله بولس، فاهتدى
بالرسول إلى المسيح. ونجم عن إيمانه أنه ندم على فعلته ورغب في العودة إلى سيده.
فأرسله بولس مع الرسالة، ملتمساً من فليمون أن يعفو عن عبده، وينسى ما قد مضى.
ولعل أجمل ما في الرسالة هو قوله: «أَطْلُبُ إِلَيْكَ لأَجْلِ ٱبْنِي
أُنِسِيمُسَ» (الرسالة إلى فليمون 10)، ولا بد أن فليمون تعجب كثيراً أول ما قرأ
هذه العبارة، إذ دعا الرسول فيها أنسيمس ابنه، لأن قيمة العبد في تلك الأيام كانت
تمتاز قليلاً عن قيمة البهيمة.

ولعله
اندهش أكثر حين قرأ العبارة الأخرى: «فَٱقْبَلْهُ، ٱلَّذِي هُوَ
أَحْشَائِي» (الرسالة إلى فليمون 12). أي إني أعتبره كنفسي. ثم سأل الرسول فيلمون
برأفة الله أن يرده إلى خدمته، لا عبداً بل أخاً في المسيح. وأكثر من ذلك أن
الرسول حسب ما يفعله فليمون لأنسيمس من اللطف معروفاً له.

ومما
لا ريب فيه أن الرسول لم يستخف بذنب العبد الآبق، ولكنه في التماسه الصفح له أظهر
الرأفة المسيحية حيال هذه الفئة من الناس الراسفين في قيود العبودية. وهذا التشفع
من قبل الرسول لأجل العبد المذنب، يذكرنا بشفاعة المسيح إلى الآب من أجلنا نحن
العبيد الذين عملنا الشر.

وباختصار
فإن المسيحية تعلّم بأن الواجب على السيد أن لا يعامل عبده كسلعة بل كشخص له
كرامة، وأن يقدم له العدل والمساواة. وما ينطبق على السادة والعبيد، ينطبق على
الرؤساء والمستخدمين، وأصحاب الأعمال والعمال.

كل
عمل في نظر المسيحية يجب أن يُعمل أجل الله، لكي يسير عالم الله في طريق التقدم.
ولكي يجد أبناء الله وبنات الله، مما يحتاجون إليه لحياتهم. وفي تعبير آخر أن العقيدة
المسيحية للعمل، هي أن صاحب العمل والعامل، كليهما مسؤولان أمام الله، وواجبهما أن
يعملا معاً لأجل مجد الله.

وعلينا
أن نذكر أن المكافأة الحقيقية عن العمل لا تدفع بعملة الأرض، بل الله سيحدد العملة
التي سيجازي بها كل واحد، خيراً كان أم شراً.

وهناك
حقيقة يجب أن نذكرها، وهي أنه لا يحق للسيد أن يقول هذا هو ملكي أو عملي، وأنا
حرٌّ فيه. بل يجب أن يقول: هذا عمل الله وإنه تعالى عينني وكيلاً عليه. وعليّ أن
أديّره كما يشاء الله، الذي أنا مسؤول أمامه.

الصلاة:
يا ربنا وسيدنا، نعترف قدامك بأننا لسنا وكلاء صالحين على ما أقمتنا عليه. سامحنا
عن عدم أمانتنا، واغرس حب الأمانة والإخلاص في قلوبنا، لكي نتصرف فصاعداً
بالأمانة. انزع من قلوبنا أفكار الأثرة والاستبداد وضع في أحشائنا المحبة التي لا
تطلب ما لنفسها.

 

2
وَاظِبُوا عَلَى ٱلصَّلاَةِ سَاهِرِينَ فِيهَا بِٱلشُّكْرِ، 3 مُصَلِّينَ
فِي ذٰلِكَ لأَجْلِنَا نَحْنُ أَيْضاً، لِيَفْتَحَ ٱلرَّبُّ لَنَا
بَاباً لِلْكَلاَمِ، لِنَتَكَلَّمَ بِسِرِّ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي مِنْ
أَجْلِهِ أَنَا مُوثَقٌ أَيْضاً، 4 كَيْ أُظْهِرَهُ كَمَا يَجِبُ أَنْ
أَتَكَلَّمَ.

لم
يشأ الرسول بولس أن ينهي رسالته من غير أن يحث أصدقاءه على واجب الصلاة، واعتبارها
امتيازاً. فهو يحرّض المؤمنين في كل مناسبة على المواظبة في الصلاة. قد نمر
أحياناً في أوقات، نظن أن صلاتنا عديمة الجدوى. أو على الأقل نحس أنها لم تقتدر في
فعلها. في مثل هذه الحال، لا يجدر بنا أن نتوقف عن الصلاة، بل أن نواظب عليها.
فلعل الله يريد منا أن نصلي بأكثر إلحاح إلى أن تأخذ صلواتنا شكل الجهاد. ولنا من
مثل قاضي الظلم وضيف نصف الليل، اللذين نطق المسيح بهما ما يؤكد هذا الأمر.

قال
الرسول بولس واظبوا على الصلاة ساهرين، وكأنه يقول: صلّوا ولا تدعوا النوم أن يغلبكم.
ولعله حين كتب هذه الوصية كان يذكر التلاميذ وهم نيام على جبل التجلي، مما حرمهم
من معاينة مجد المسيح. أو لعله كان يفكر في بستان جثسيماني، حينما كان الفادي
يجاهد في الصلاة وتلاميذه نيام. لذلك أنبهم وقال: «أَهٰكَذَا مَا قَدِرْتُمْ
أَنْ تَسْهَرُوا مَعِي سَاعَةً وَاحِدَةً؟ اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ
تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ» (الإنجيل بحسب متّى 26: 40-41).

قد
نمر في يوم مليء بالأعمال، مما يضنينا. حتى حين نخلو بأنفسنا للصلاة تمنعنا شدة
الإرهاق من تركيز الفكر في الصلاة. ولكن هذا يجب أن لا يمنعنا من ممارسة الصلاة.
ولا يضير في شيء أن تكون الصلاة قصيرة، فإن الله يعلم ما نحتاج إليه قبل أن نسأله.
المهم أن نبدي له أشواقنا ونرفع له شكر قلبنا.

طلب
بولس من الإخوة أن يصلوا لأجله. ليس لأجل حاجاته الشخصية، مع أنه لم يكن ميسور
الحال. وليس لأجل صحته، مع أن صحته لم تكن على ما يرام. ولا لأجل تبرئته من
الاتهامات الكاذبة، التي كان يحاكم من أجلها، مع أنه كان يتوقع حكماً صارماً. ولا
لأجل راحته، مع أنه كان يعاني من القيود في سجنه. لقد سألهم أن يصلوا من أجل عمله
التبشيري، أن يعطيه الرب قوة وفرصة لإعلان سر المسيح، الذي يخبر في الإنجيل أن
الخلاص مباح للأمم كما اليهود بشرط الإيمان.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس تشكيل فاندايك وسميث عهد قديم سفر التكوين 15

هل
تلهمك مناداة الرسول شيئاً ما؟ كأن تصلي من أجل خدام المسيح المنتشرين في بقاع
الأرض، لكي يذيعوا الأخبار السارة إنجيل الخلاص؟ ولكي ينشروا مبادئ السلام
الحقيقي، الذي يعطيه المسيح لكل من يؤمن به.

إن
مناداة بولس بخلاص الأمم، دون تكليفهم بحفظ السنن اليهودية متعلق بقوله «مصلين»
لأن هذه المناداة قوبلت بمقاومة شرسة من قبل اليهود، الذين حملوا بعنصريتهم
المقيتة على مقاومة كل تعليم ينادي بالخلاص، خارج الإطار اليهودي.

بولس
سأل أن يصلي لأجله، حتى يفتح له الرب باباً للكلام، لكي يتمم العمل الذي انتدبه
المسيح له، أن يبشر بين الأمم. واليوم يوجد كثيرون في مثل ظروف بولس. كثيرون ممن
تقيدهم قوانين بعض الدول من المناداة بإنجيل الحب والفداء. هؤلاء يجب أن نصلي
لأجلهم بحرارة وضراعة.

نحن
غير معفيين من المناداة بالإنجيل، صدوعاً بأمر المسيح. فإن كنا لسبب ما لا نستطيع
فلا أقل من أن نصلي من أجل سفراء المسيح، الذين لبوا نداء السيد الرب القائل:
اذهبوا إلى أقاصي الأرض، واكرزوا للخليقة كلها.

هذا
عمل الله وقد ائتمنا عليه، وحق الوفاء يحدو بنا لأن نسانده بكل قوة. وإن كانت
القوة تنقصنا فلنطلب إلى ذاك الذي له القوة والمجد أن يعطينا هذه القوة. وإن كانت
تعوزنا الحكمة فلنطلب إلى الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعيّر.

في
رسالته إلى أفسس، حثّ بولس المؤمنين على الصلاة بكل طلبة في الروح مع السهر لأجل
القديسين المجاهدين. لأن لا شيء يقدر المؤمن على الانتصار في جهاده الروحي، ما لم
يأته العون من فوق. وهذا العون يأتي بالصلاة لأن : «طِلْبَةُ (صلاة)
ٱلْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيراً فِي فِعْلِهَا» (يعقوب 5: 16).

وقال
الرسول يجب أن تكون الصلاة، في كل وقت وهذا ما أراده المسيح حين قال: «يَنْبَغِي
أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ» (الإنجيل بحسب لوقا 18: 1). وما أراده
الرسول في قوله: «صلوا بلا انقطاع» وقال أيضاً ينبغي أن تكون «الصلاة في الروح» أي
بفعل الروح القدس في القلب. لأن هذا موافق لقوله: «ٱلرُّوحُ أَيْضاً يُعِينُ
ضَعَفَاتِنَا، لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ كَمَا
يَنْبَغِي. وَلٰكِنَّ ٱلرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ
لاَ يُنْطَقُ بِهَا» (الرسالة إلى رومية 8: 26).

الواقع
أنه عُرف بالاختبار، أننا لا نستطيع أن نقدم من قلوبنا صلوات حارة مقبولة فعالة،
ما لم يكن الروح القدس قد أنشأ فينا الأشواق والأفكار التي نعبر عنها.

الصلاة:
أيها الرب والسيد المتعالي، القدوس اسمه. نحن في حاجة إلى أن نصلي في الروح، وأن
نواظب على الصلاة ساهرين. لهذا نكرر ما قاله تلاميذك: «يا رب، علّمنا أن نصلي»
اسكب علينا روح الصلاة في هذه الأيام، حتى نصلي كل حين ولا نمل.

 

5
اُسْلُكُوا بِحِكْمَةٍ مِنْ جِهَةِ ٱلَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ،
مُفْتَدِينَ ٱلْوَقْتَ. 6 لِيَكُنْ كَلاَمُكُمْ كُلَّ حِينٍ بِنِعْمَةٍ،
مُصْلَحاً بِمِلْحٍ، لِتَعْلَمُوا كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تُجَاوِبُوا كُلَّ وَاحِدٍ.

في
هاتين الآيتين، يضع الرسول أمامنا ثلاث توجيهات مهمة، لإرشاد المؤمن في حياته في
العالم:

1. أن
يتصرف بحكمة، تجاه الذين هم من خارج. والكلمة حكمة هنا، تتضمن الاستقامة والحلم،
واعتزال كل ما يهيج التعصب، ويعثر الغرباء، وبالتالي يجلب العار على اسم المسيح.
فسلوك المسيحيين بالحكمة كان وما زال واسطة لجذب الآخرين وإرشادهم إلى المسيح
وخلاصه.

قال
الرسول في مكان آخر: «إِذاً نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ ٱلْمَسِيحِ، كَأَنَّ
ٱللّٰهَ يَعِظُ بِنَا. نَطْلُبُ عَنِ ٱلْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا
مَعَ ٱللّٰهِ. لأَنَّهُ جَعَلَ ٱلَّذِي لَمْ يَعْرِفْ
خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ ٱللّٰهِ
فِيهِ» (رسالة كورنثوس الثانية 5: 20 و21). فالمسيحي هو بالضرورة مرسلاً، إلا أنه
يجب أن يعرف متى يتكلم مع الآخرين. ولكن إذا لم تكن له فرصة للكلام، فليدع حياته
تتكلم. وهنا يجب أن نذكر أن الذين كسبتهم المسيحية بالحجة والبرهان، هم أقل من
الذين كسبتهم بسيرة أبنائها الذين تشبهوا بسيدهم وفاديهم. هكذا قال المسيح:
«فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هٰكَذَا قُدَّامَ ٱلنَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا
أَعْمَالَكُمُ ٱلْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ ٱلَّذِي فِي
ٱلسَّمَاوَاتِ» (الإنجيل بحسب متّى 5: 16).

2.
على المسيحي أن يكون إنساناً مفتدياً للوقت، هذا أحد الطرق التي تظهر فيها حكمتهم
باغتنام كل فرصة، تتيح لهم أن يعملوا الخير، مختطفين الوقت من الإتلاف وسوء
الاستعمال. هذه الحقيقة أدركها داود بن يسى، فأدرج حكمة افتداء الوقت في صلاته إذ
قال: «إِحْصَاءَ أَيَّامِنَا هٰكَذَا عَلِّمْنَا فَنُؤْتَى قَلْبَ حِكْمَةٍ»
(مزامير 90: 12).

قبيل
صعوده قال المسيح لتلاميذه: «وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً» (أعمال الرسل 1: 8) فصار
قوله هذا أمراً يومياً لكل مسيحي. وعلى كل مسيحي أن ينفذ هذا الأمر فيشهد لعمل
نعمة فاديه في حياته، كان يقول مع المرنم: «ذُوقُوا وَٱنْظُرُوا مَا
أَطْيَبَ ٱلرَّبَّ!» (مزامير 34: 8).

إن
الكنيسة الحيّة، تقدم لأعضائها فرصاً للعمل الصالح في المجتمع، ولكن هناك للأسف
كثيرون يرفضون هذه الفرص، أو يضيعونها بتقاعسهم، فليتك يا عزيزي القارئ تأبى أن
تكون من هؤلاء المتقاعسين!

3.
يجب على المسيحي أن لا يبتعد في كلامه عن محور كلمة الله. أو كما قال الرسول بطرس:
«إِنْ كَانَ يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ فَكَأَقْوَالِ ٱللّٰهِ» (رسالة بطرس
الثانية 4: 11). حتى يكون الجواب مقاداً بروح الله القدوس، فيعطي نعمة للسامعين.
وأن يكون المسيحي لبقاً ولطيفاً في كلامه، ليرضي السامعين ويجذبهم إلى الحق فيظهر
فيه روح المسيح الذي يبني المؤمنين ويؤصلهم في المحبة.

لقد
استعار الرسول كلمة ملح في تعليمه هنا لأن للملح فائدتان، إحداهما جعل الطعام
مستساغاً للذوق، والثانية حفظ المواد من الفساد. ولعل الرسول كتب هذه العبارة، وفي
خاطره قول المسيح: «أَنْتُمْ مِلْحُ ٱلأَرْضِ» (الإنجيل بحسب متّى 5: 13).

تعلّم
هذا الحق بالدرس والاختبار، حتى تصير لك قوة التعبير فتجاوب الذين هم من خارج،
الجواب المناسب في كل حالة.

ويقيناً
أن الرسول يقدم لنا وصية مشوقة جداً وموجبة للاهتمام. ويجدر بنا أن نعترف بأن
المسيحية في عقول وأفهام كثيرين، اتخذت شكل التظاهر بالتقوى ولهذا لا تحدث شهادتهم
أي أثر لدى من هم من خارج.

ويقول
الأسقف مول إن في هذه الوصية تحذيراً لنا، لكي لا نخلط بين التقوى وصورة التقوى،
التي لا نعمة فيها ولا ملح.

إن
المسيحي يجب أن يقدم رسالة الإنجيل بالحكمة والنعمة المستمدين من يسوع. ولكن للأسف
الشديد فإن سلوك معظم المسيحيين عرضة إلى أشد أنواع اللوم. ولهذا عثر فيهم
الكثيرون. وقديماً قال المسيح: «لاَ يُمْكِنُ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَ
ٱلْعَثَرَاتُ، وَلٰكِنْ وَيْلٌ لِلَّذِي تَأْتِي بِوَاسِطَتِهِ!
خَيْرٌ لَهُ لَوْ طُوِّقَ عُنُقُهُ بِحَجَرِ رَحىً وَطُرِحَ فِي ٱلْبَحْرِ»
(الإنجيل بحسب متّى 17: 1 و2).

هل تبحث عن  الكتاب المقدس الكتاب الشريف عهد قديم سفر إرميا 33

اجتهد
مصلياً بكل طلبة لكي لا تكون معثرة للأخ الضعيف، الذي مات المسيح لأجله. واذكر هذا
أن أي تصرف سيء يصدر عنك قد يكون سبباً لإخماد عزيمة إنسا في طلب الله.

تيقن
أن قوة الله وحكمة الله للخلاص لا تعمل معك، إلا إذا كنت راغباً في نفع المخاطبين.
وإن من مقومات النجاح أن تجعل كلامك متفقاً مع كلمة الله وأن تقدر في حسبانك مقدار
فهم السامع.

الصلاة:
نقدم لك الشكر والتعظيم يا إلهنا الحي، من أجل المسؤولية التي وضعتها على عاتق
خدامك الأمناء، لأجل نشر كلمتك المقدسة، التي تحكم للخلاص. نسألك بإيمان أن تؤيد
كل خادم بالروح القدس، حتى يربح نفوساً للمسيح الرب.

 

7
جَمِيعُ أَحْوَالِي سَيُعَرِّفُكُمْ بِهَا تِيخِيكُسُ ٱلأَخُ
ٱلْحَبِيبُ، وَٱلْخَادِمُ ٱلأَمِينُ، وَٱلْعَبْدُ مَعَنَا
فِي ٱلرَّبِّ، 8 ٱلَّذِي أَرْسَلْتُهُ إِلَيْكُمْ لِهٰذَا
عَيْنِهِ، لِيَعْرِفَ أَحْوَالَكُمْ وَيُعَزِّيَ قُلُوبَكُمْ، 9 مَعَ أُنِسِيمُسَ
ٱلأَخِ ٱلأَمِينِ ٱلْحَبِيبِ ٱلَّذِي هُوَ مِنْكُمْ.
هُمَا سَيُعَرِّفَانِكُمْ بِكُلِّ مَا هٰهُنَا. 10 يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ
أَرِسْتَرْخُسُ ٱلْمَأْسُورُ مَعِي، وَمَرْقُسُ ٱبْنُ أُخْتِ
بَرْنَابَا، ٱلَّذِي أَخَذْتُمْ لأَجْلِهِ وَصَايَا. إِنْ أَتَى إِلَيْكُمْ
فَٱقْبَلُوهُ. 11 وَيَسُوعُ ٱلْمَدْعُوُّ يُسْطُسَ، ٱلَّذِينَ
هُمْ مِنَ ٱلْخِتَانِ. هٰؤُلاَءِ هُمْ وَحْدَهُمُ ٱلْعَامِلُونَ
مَعِي لِمَلَكُوتِ ٱللّٰهِ، ٱلَّذِينَ صَارُوا لِي تَسْلِيَةً.

رأى
الرسول قبل ختام الرسالة أن يخبر مؤمني كولوسي بأنه أرسل تخيكس وأنسيمس، ليصفا لهم
أحواله لئلا تضطرب أفكارهم من أمره كثيراً. كانوا عالمين أنه مسجون ولكنهم لم
يكونوا يعلمون شيئاً من أحواله الصحية، ولا مقدار ما كان له من الراحة، وما له من
فرص لمواجهة أصدقائه. وكذلك لم يكونوا ملمين كيف تؤمن له حاجة الجسد، ولا بما له
من فرص للتبشير.

يخبرنا
سفر الأعمال 20: 4 أن تيخيكس هو أحد المؤمنين من أهل آسيا، وقد رافق بولس في رحلته
التبشيرية الثالثة في السنة 58 ميلادية. وكان معه يوم كتب هذه الرسالة. والأوصاف
التي أطلقها الرسول عليه، تبين أنه شاركه في خدمة المسيح. وإنه كان محبوباً من
الرسول ومعتبراً جداً لديه. وإنه كرّس نفسه لخدمة إنجيل المسيح مثل بولس، ولذلك
اضطُهد معه. ويتبين من أفسس 6: 22 أن تيخيكس كان قادراً أن يعزي الإخوة في كولوسي.

ونفهم
من القرائن، أن شيئاً كثيراً، لم يكتبه بولس في رسائله، وأوكل أمر إبلاغه
لمبعوثيه. أما الرسائل نفسها فقد خصصها الرسول لمعالجة مشاكل الإيمان والسلوك
والبدع، التي كانت تهدد الكنائس. وقد ترك تفاصيل الأمور وخصوصاً الشخصية منها
لحاملي الرسائل لكي ينقلوها للأحباء بكلام الشفاه.

ويذكر
مرة أخرى أنسيمس بكلام يفيض بالرقة المسيحية كما هي عادته دائماً. لقد تقدّم القول
أن أنسيمس كان عبداً هارباً وقد وصل إلى رومية بطريقة ما. وهناك تعرّف إلى بولس
وآمن بالمسيح، وقُبل في عضوية الكنيسة. وحرص بولس أن يعيده إلى سيده. وليس كعبد
آبق بل كأخ حبيب آمين.

ويذكر
أرسترخس وهو أحد سكان تسالونيكي، ونعرف من سفر أعمال الرسل 19: 29 أنه خطف مع
غايوس، في أثناء الهيجان، الذي أ ثاره ديمتريوس بمدينة أفسس. وإنه أحد الذين
رافقوا بولس في عودته من مكدونية إلى آسيا. وكان معه في قيصرية بعد خروجه من
السجن، ومن هناك سافر معه إلى رومية. ولسنا ندري هل أُسر مع بولس اضطراراً أم
اختياراً.

ويذكر
في هذا السجل مرقس، كاتب الإنجيل المعروف باسمه. واسم أمه مريم، وهي أخت برنابا.
وكان بيتها في أورشليم مركزاً لاجتماع تلاميذ الرب للصلاة. وفي ذلك البيت صلوا حين
كان بطرس في السجن، وأتى إليه حين أطلق. والأرجح أن مرقس آمن بالمسيح على يد بطرس.
وكان رفيق بولس وبرنابا في رحلتهما التبشيرية المشتركة. إلا أنه تركهما في برجة
ورجع. ورغب برنابا في أن يأخذه في الرحلة الثانية، ولكن بولس لم يستحسن. ونجم عن
ذلك انفصال بين الرسولين. فذهب برنابا ومرقس إلى قبرص. أما بولس فذهب إلى سورية مع
سيلا. ولكن عند كتابة هذه الرسالة أي بعد ثلاث عشر عاماً، كان بولس قد تحقق من
أمانة مرقس، فضمه إليه وصار شريكاً في أتعابه.

وكان
مرقس صديقاً حميماً لبطرس، حتى أن الرسول دعاه ابنه. ولما شرع مرقس في كتابة
إنجيله، استعان ببطرس كشاهد عيان لقصة حياة المسيح. ويقول التقليد أن مرقس ذهب
مرسلاً إلى مصر، وأسس كنيسة في الاسكندرية.

ويذكر
في القائمة يسوع المدعو يسطس، الذي لا نعرف عنه سوى اسمه. وهو من أصل يهودي.

هؤلاء
الأربعة كانوا عوناً وتعزية لبولس في رومية، حين قابله اليهود هناك بفتور. فهؤلاء
الأحباء أعطوا قلبه دفئاً بإخلاصهم وتضحياتهم ومساعداتهم.

وتحوي
القائمة أيضاً نمغاس، وأعضاء الكنيسة الذين كانوا يجتمعون في بيته. هذه العبارة
الأخيرة تفيدنا أنه في فجر المسيحية لم يكن لأتباع يسوع مباني خاصة للكنيسة. فقد
كان المؤمنون يجتمعون للصلاة في البيوت. ونذكر من هذه البيوت منزل أكيلا وبريسكلا
في رومية، ثم أفسس، وبيت فليمون، وبيت مريم أم يوحنا مرقس. ولعله من الجميل أن
يجعل كل مسيحي بيته مكاناً للاجتماع حول كلمة الله.

الصلاة:
يا أبانا السماوي، كم يطيب لنا أن نهلل ونرفع القلوب بالشكر من أجل سيرة رجالك
الأمناء. أعطنا أن نقتدي بهم. في الإخلاص والمحبة المضحية، والجهاد من أجل
الإنجيل. اضرم في قلوبنا نار الغيرة حتى نعمل بكل اجتهاد لنشر بشرى الخلاص حولنا.

 

12
يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ أَبَفْرَاسُ، ٱلَّذِي هُوَ مِنْكُمْ، عَبْدٌ
لِلْمَسِيحِ، مُجَاهِدٌ كُلَّ حِينٍ لأَجْلِكُمْ بِٱلصَّلَوَاتِ، لِكَيْ
تَثْبُتُوا كَامِلِينَ وَمُمْتَلِئِينَ فِي كُلِّ مَشِيئَةِ ٱللّٰهِ.
13 فَإِنِّي أَشْهَدُ فِيهِ أَنَّ لَهُ غَيْرَةً كَثِيرَةً لأَجْلِكُمْ، وَلأَجْلِ
ٱلَّذِينَ فِي لاَوُدِكِيَّةَ، وَٱلَّذِينَ فِي هِيَرَابُولِيسَ. 14
يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ لُوقَا ٱلطَّبِيبُ ٱلْحَبِيبُ، وَدِيمَاسُ. 15
سَلِّمُوا عَلَى ٱلإِخْوَةِ ٱلَّذِينَ فِي لاَوُدِكِيَّةَ، وَعَلَى
نِمْفَاسَ وَعَلَى ٱلْكَنِيسَةِ ٱلَّتِي فِي بَيْتِهِ.

يتابع
الرسول ذكر أسماء الأبطال، الذين كُتبت أسماؤهم في لائحة الشرف. أبفراس الذي أُطلق
عليه لقب «عبد المسيح» وقد جاء في الاصحاح الأول من الرسالة أنه كان مسؤولاً عن
الخدمة في كولوسي. كان خادماً أميناً لله، فصلى وجاهد لأجل الكنائس الثلاث
هيرابوليس ولاودكية وكولوسي، التي أقامه الله عليها أسقفاً ليرعى خراف الرب. وقد
جهد كثيراً لكي يثبّت الإخوة فلا تفسد نفوسهم بتعليم الغنوسيين، الذين مزجوا حقائق
الإنجيل بالفلسفة العالمية والأوهام اليهودية. فقد حرص على أن يعيشوا كما يحق لله،
كما طلب المسيح من رسله أن يفعلوا.

وبناء
على خبرته وما عرفه بولس عن أبفراس، وما سمعه من صلواته، شهد له بالغيرة. وذكر
الرسول هذه الناحية تقوية لحبهم إياه، وتعزية لهم بتحققهم أنه مواظب على الصلوات
من أجلهم. وذلك تمشياً مع رغبته الشديدة في إصلاحهم، تثبيتهم في الحق لكي لا
ينجرفوا بتيارات العالم المضلة.

وفي
اللائحة لمع اسم لوقا الطبيب المحبوب الذي كان مع بولس إلى النهاية. الأمر الذي
جعله يعتزل مهنة الطب المريحة ليسهر على صحة بولس، ويتحمل معه مسؤولية الكرازة
بإنجيل المسيح. ولوقا هو كاتب الإنجيل المعروف باسمه، وسفر أعمال الرسل.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ح حمور 1

وكان
في اللائحة اسم ديماس، وهو الاسم الوحيد الذي لم يقرنه بولس بكلمة مديح، أو تقدير.
قال ديماس فقط، ولا شيء آخر. ولعله رأى فيه استعداداً للارتداد الذي حدث بعد ذلك.

ولكن
من الإشارات إلى ديماس في رسائل بولس، نستطيع أن نجمع قصة عنه وخصوصاً ما جاء في
الرسالة الثانية إلى تيموثاوس 4: 10، إذ يقول: «لأَنَّ دِيمَاسَ قَدْ تَرَكَنِي
إِذْ أَحَبَّ ٱلْعَالَمَ ٱلْحَاضِرَ» فحين كان بولس يعاني مرارة السجن
وخطر الموت، آثر ديماس راحته وأمنه في بيته، على تحمل المشقات مع بولس لأجل مجد
المسيح. ومن هنا نعلم أنه لم يكن له رجاء كاف للحياة الأبدية، يستطيع به أن يغلب
حب العالم الحاضر.

وفي
كلام الرسول ما يشعر بأنه أسف من أجله، حين ذهب إلى تسالونيكي، التي يظن أنها
موطنه.

وإننا
لنرى في أمر ديماس دراسة مؤثرة، لأنها تبين لنا، كيفية فتور الإنسان وانحرافه عن
الروحيات فيفقد الحماس ويتراجع عن طلب المثل العليا. وتكون النتيجة أنه يفشل في
الإيمان. ولعل حادثة ارتداد ديماس، تقدم لنا مثلاً صارخاً عن الذين يرفضون أن
يخلقهم المسيح من جديد.

كلنا
نتعرض إلى صعوبات وضيقات لأجل الإيمان بيسوع، وقد قال له المجد: «فِي
ٱلْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلٰكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ
غَلَبْتُ ٱلْعَالَمَ» (الإنجيل بحسب يوحنا 16: 33). ومعنى هذا أن المسيح لا
يتركنا نواجه الأرزاء لوحدنا. فهو قد غلب العالم لأجلنا، وهو على استعداد أن
يعطينا الغلبة إن كنا نثبت فيه وهو فينا.

صحيح
أن كثيرين من مختاري المسيح ذاقوا آلاماً واضطهادات وإن بعضاً منهم عُذبوا ثم
قُتلوا. ولكنهم غلبوا العالم بآلامهم، وانتصروا عليه بشهادتهم. وحسبهم أن المسيح
الشاهد الأمين قال: «مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي
عَرْشِي» (رؤيا يوحنّا 3: 21).

الصلاة:
أيها السيد الرب إلهنا وملكنا. لك السجود والتعظيم من أجل محبتك التي لا تتركنا
نُجرب أكثر مما نستطيع، بل تعطينا مع التجربة المنفذ. سلحنا بقوة الرجاء لكي نغلب
الألم، ونكون أمناء لك حتى الموت. نجنا من الارتداد الموجود في العالم، والمنتشر
في زمننا. أعطنا من روحك حتى الملء لكي لا نفتر ولا تضعف محبتنا.

 

16
وَمَتَى قُرِئَتْ عِنْدَكُمْ هٰذِهِ ٱلرِّسَالَةُ فَٱجْعَلُوهَا
تُقْرَأُ أَيْضاً فِي كَنِيسَةِ ٱللاَّوُدِكِيِّينَ، وَٱلَّتِي مِنْ
لاَوُدِكِيَّةَ تَقْرَأُونَهَا أَنْتُمْ أَيْضاً. 17 وَقُولُوا لأَرْخِبُّسَ:
«ٱنْظُرْ إِلَى ٱلْخِدْمَةِ ٱلَّتِي قَبِلْتَهَا فِي
ٱلرَّبِّ لِكَيْ تُتَمِّمَهَا». 18 اَلسَّلاَمُ بِيَدِي أَنَا بُولُسَ.
اُذْكُرُوا وُثُقِي. اَلنِّعْمَةُ مَعَكُمْ. آمِينَ.

(كُتِبَتْ
إِلَى أَهْلِ كُولُوسِّي مِنْ رُومِيَةَ بِيَدِ تِيخِيكُسَ وَأُنِسِيمُسَ)

قصد
بولس، أن تُقرأ الرسالة جهاراً، تمشياً مع العادة المتبعة في العهد القديم، منذ أيام
موسى. وطلب إلى شيوخ الكنيسة أن يعملوا لكي تُقرأ في كنيسة اللاودكيين، وذلك رغبة
منه في أن ينتفع اللاودكيون بها. ولعله خشي أن يعمل بعض الإخوة المعاندين من
كولوسي على إخفائها.

وأهاب
الرسول بالكولوسيين أن يقرأوا الرسالة التي وردت إلى كنيسة لاودكية. وهذا لا يعني
أن بولس كتب رسالة إلى اللاودكيين. وقد أجمع علماء الكتاب المقدس أن الرسالة
المشار إليها هي المعروفة برسالة أفسس. والواقع أننا حين ندرس رسالة أفسس يرجّح
لنا أنها كانت رسالة دورية انتقلت بين جميع كنائس آسيا. أو هي على الأقل أرسلت إلى
كنيسة أفسس وما جاورها من الكنائس. ويرجح المفسرون أن تيخيكس حمل نسخة منها إلى
لاودكية، وهو في طريقه إلى كولوسي.

قبل
أن ينهي بولس رسالته أوصى لأرخبس، أن يلاحظ دعوته إلى الخدمة. ولعل هذا الأخ انشغل
عن خدمة الإنجيل بسبب انصرافه إلى أشياء أخرى. فوجد الرسول أن من واجبه أن يذكره
بأنه تكرس ذات يوم للخدمة بمحض إرادته، وأن يحرّضه لكي يقوم بتعهداته التي قطعها
على نفسه حين قبل الخدمة من الرب.

يرجح
بعض المفسرين أن أرخبس هو ابن فليمون وأبفية ويستندون في ذلك على كون الثلاثة
ذكروا معاً في رسالة فليمون التي هي رقيم خاص. وقد تولى خدمة في الرب، لم يذكر
الرسول نوعها، أراعياً كان أم شيخاً، أم شماساً أم مبشراً؟ بيد أن الرسول استحسن
أن يرسل توصية خاصة به، ويحثه على القيام بما تطوع لأجله بالأمانة، تعزية وتقوية
له، وهو عرضة للتجارب.

ويبدو
أن الرسول كان حريصاً على أن تصدق الكنيسة التوصية، لتزيدها سلطاناً في ممارسة
رسالتها لنشر الإنجيل.

المعروف
أن بولس، كان يملي رسائله على كل كاتب، فمثلاً أملى رسالته إلى أهل رومية على أخ
يدعى ترتيوس (الرسالة إلى رومية 16: 22) إلا أنه كان يكتب بيده كلمة البركة، ثم
يذيل الرسالة بتوقيعه، وهذا ما فعله في ختام هذه الرسالة وغايته من ذلك تثبيت صحة
الرسالة.

ولكن
نلاحظ أنه قبل توقيع الرسالة، سأل الإخوة أن يذكروا قيوده. والعلاقة بين عبارتي
«اذكورا وثقي» و «السلام بيدي» واضحة. لأن يده اليمنى التي يكتب بها كانت مربوطة
إلى يد عسكري روماني، فعسر عليه أن يكتب بها، فاقتصر على كتابة السلام. وكانت
كتابته تدل على أنه هو كاتبها. وكأن الرسول يقول: إنكم متى رأيتم خطي فاذكروا أني
مقيد بسلاسل من أجل الإنجيل الذي بشرتكم به. فالتفتوا إلى كلامي وما فيه من نصائح
وتحذير، وصلوا من أجلي. وهذا كقوله للأفسسيين: «لاَ تَكِلُّوا فِي شَدَائِدِي
لأَجْلِكُمُ ٱلَّتِي هِيَ مَجْدُكُمْ» (الرسالة إلى أفسس 3: 13) وكقوله
للفيلبيين: «وَإِنْ كُنْتُ أَنْسَكِبُ أَيْضاً عَلَى ذَبِيحَةِ إِيمَانِكُمْ
وَخِدْمَتِهِ، أُسَرُّ وَأَفْرَحُ مَعَكُمْ أَجْمَعِينَ» (الرسالة إلى فيلببي 2:
17).

قال
رجل الله الفورد: عندما نقرأ عن قيود بولس، يجب أن لا ننسى أنها كانت تتحرك على
الورق وهو يكتب توقيعه.

وهناك
حقيقة يجب أن نذكرها وهي أن إشارات بولس إلى قيوده وآلامه لم تكن رغبة في تحريك
شفقة الناس نحوه، بل كانت إثباتاً لسلطانه كرسول يسوع المسيح. إنها برهان على حقه
في الكلام، حتى ليمكننا القول أن كتاباته ليست رسائل من إنسان يجهل معنى خدمة
المسيح. كما أنها ليست من إنسان دعي، يطلب من الغير أن يعملوا ما ليس هو على
استعداد أن يعمله. إنها من رجل احتمل، وقاسى وتألم لأجل المسيح. وله الحق كل الحق
أن يقول: «مَعَ ٱلْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا بَلِ ٱلْمَسِيحُ
يَحْيَا فِيَّ.» (الرسالة إلى غلاطية 22: 20).

وهكذا
تأتي الرسالة المجيدة إلى نهايتها المباركة إلى ختم المسك بالنعمة. أي نعمة المسيح
التي تتكفل للمؤمنين بكل ما يحتاجون إليه. والرسول الكريم استودع نفوس محبيه إلى
هذه النعمة، التي وجد فيها كل الكفاية لكل شيء.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي