تَفْسِير رِسَالَةُ بُولُسَ
الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى أَهْلِ تَسَالُونِيكِي

 

تسالونيكي
هي مدينة كبيرة واقعة على ساحل بحر مكدونية، وقد سميت باسم تسالونيكا أخت اسكندر العظيم،
وكانت في أيام الحكم الروماني مدينة مشهورة وصارت عاصمة مكدونية، ولأنها واقعة في الطريق
بين روما والبلاد الشرقية لذا صارت مركزاً تجارياً عظيماً، ولهذا السبب قطنها كثيرون
من اليهود الذين بنوا فيها مجمعاً، وعندما بشر بولس بالإنجيل هناك، آمن بعض اليهود
وكثيرون من اليونانيين، وكانت زيارة الرسول بولس إليها في سفرتيه التبشيريتين الثانية
والثالثة، وقد كتب إليهم رسالتيه أثناء وجوده في كورنثوس وإقامته بها سنة ونصف (أع
18: 11)، وتسمى هذه المدينة الآن سالونيكا أو سالونيك، ولا يزال بها للآن عدد كبير
من اليهود (أع 17: 1، 11، 13 ؛ 27: 2 ؛ في 4: 16 ؛ 2 تي 4: 10).

وقد زار
الرسول بولس هذه المدينة أولاً ومعه سيلا (أي سلواني) حيث بشر بالإنجيل فآمن بعض اليهود
وجمهور كثير من اليونانيين ومن النساء المتقدمات وبذا تكونت كنيسة هناك، ولم تطل إقامة
الرسول بها فتركهم سريعاً راجياً أن يزورهم ثانية بعد قليل، ولكن الشيطان أعاقه، وإذ
خاف الرسول عليهم لئلا يتزعزعوا بسبب الاضطهادات الواقعة عليهم أرسل إليهم تيموثاوس
لكي يثبتهم ويعظهم، وقد فرح الرسول للأخبار التي حملها إليه تيموثاوس عن إيمانهم ومحبتهم
لذا بادر بكتابة رسالته الأولى إليهم.

الرسالة
الأولى

كتب الرسول
بولس رسالته الأولى (حوالي سنة 52 م) أي بعد نحو سنة من زيارته الأولى لهم (أع 17:
1- 11)، ومن حيث التاريخ فإن هذه الرسالة هي باكورة رسائل الرسول بولس جميعها.

ومما تجب
ملاحظته أن رجاء مجيء الرب له المكان الأول في هذه الرسالة، لذا يشار إليه في جميع
أصحاحاتها.

ص 1

كتبت هذه
الرسالة إلى «كنيسة التسالونيكيين في الله الآب والرب يسوع المسيح»، فإنهم وإن كانوا
أطفالاً في الإيمان (1 يو 2: 24) إلا أنهم في ألصق وأسمى علاقة مع الآب والابن، ولم
يسع الرسول وشركاءه إلا أن يشكروا الله إذ يتذكرون ليس مجرد عملهم بل «عمل إيمانهم»
و «تعب محبتهم» و «صبر رجائهم» ربنا يسوع المسيح أمام إلهنا وأبينا، فكل ينابيع القوة
الإلهية العظيمة عملت في نفوسهم وفي طرقهم وكان ذلك أمام الله ونظره، وبذا تبرهن اختيارهم
من الله، ولقد ذاع إيمانهم بالله وصاروا قدوة لمن يؤمنون ليس في مقاطعتي مكدونية وأخائية
الرومانيتين فقط بل في كل مكان. لقد رجعوا من الأوثان ليعبدوا (أو ليخدموا) الله الحي
الحقيقي وينتظروا ابنه من السماء الذي أقامه من الأموات يسوع الذي ينقذنا من الغضب
الآتي. إن أولئك المؤمنين الأحداث تميزوا بالإيمان والمحبة والرجاء.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر نشيد الأنشاد أمبروسيوس 00

ص 2

يذكرهم
الرسول بأنه وإن كان قد أضطهد في فيلبي ولكنه بكل مجاهرة بشرهم بإنجيل الله، ثم يرسم
أمامهم صفات العامل أو الخادم الحقيقي، فإن وعظه لم يكن عن ضلال ولا بمكر بل بمحبة
مجردة من الأنانية كمن يرضي الله ولم يطلب مجداً من الناس، بل كان مترفقاً كالمرضع
التي تربي أولادها وراضياً أن يعطيهم لا إنجيل الله فقط بل حياته أيضاً، وكان كالأب
لأولاده يعظهم ويشجعهم على أن يسلكوا «كما يحق لله الذي دعاهم إلى ملكوته ومجده».

ويذكرهم
الرسول كيف كان بينهم بلا لوم، ولذا قبلوا شهادته ككلمة الله التي عملت فيهم بقوة حتى
صاروا متمثلين بالقديسين الذين في اليهودية، فإنهم (أي التسالونيكيين) تألموا من أهل
عشيرتهم كما هم (أي مؤمنو اليهودية) تألموا من اليهود الذين قتلوا الرب يسوع. وقد اشتاق
الرسول «باشتهاء كثير» أن يرى وجوه الإخوة في تسالونيكي مؤكداً لهم بأنهم فرحه وإكليل
افتخاره أمام ربنا يسوع المسيح في مجيئه (هذه هي الإشارة الثانية لمجيء الرب، إذ أن
الإشارة الأولى هي في ص 1: 10).

ص 3

إذ كان
الرسول قلقاً لسبب الاضطهاد الواقع على أولئك القديسين الأحداث، لذا أرسل إليهم تيموثاوس
لكي يثبتهم ويشجعهم حتى لا يتزعزع أحد منهم في هذه الضيقات، ومع أنه سبق أن أنبأهم
بأن المؤمنين «موضوعون لهذا» ولكنه أرسله إليهم لكي يعرف إيمانهم ولكي يعظهم لئلا يجربهم
المجرب، وإذ رجع تيموثاوس امتلأ قلب الرسول فرحاً بالأخبار الطيبة التي حملها إليه
عن إيمانهم ومحبتهم، وعبر عن فرحه وعزائه من جهتهم بقوله «الآن نحن نعيش إن ثبتم أنتم
في الرب» ويصلي لأجلهم «والله نفسه أبونا وربنا يسوع المسيح يهدي طريقنا إليكم. والرب
ينميكم ويزيدكم في المحبة بعضكم لبعض وللجميع كما نحن أيضاً لكم يثبت قلوبكم بلا لوم
في القداسة أمام الله أبينا في مجيء ربنا يسوع المسيح مع جميع قديسيه». والكلام هنا
عن «ظهور» الرب عندما يظهر علانية فيجدهم بلا لوم. وأن عواطف محبة القديسين من نحو
بعضهم البعض والقداسة المرتبطين معاً ولا ينفصل أحدهما عن الآخر يذكران بالإقتران مع
الإشارة الثالثة لرجوع الرب عندما يجيء مع قديسيه (قارن ص 1: 10؛ 2: 19، 20)

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر يشوع وليم كيلى 05

 

ص 4

ينبر الرسول
على الطهارة والمحبة اللذين يليقان بتلاميذ الرب يسوع، أما الزنا (الخطية الشائعة بين
الوثنيين) فيجب أن يحترسوا ويتحفظوا منه. وفي ع 6 إشارة إلى هذا الموضوع بالنسبة لزوجة
الأخ الآخر، ليس لأن الله منتقم لهذه الأمور فقط، ولكن لأنه أيضاً أعطانا روحه كقوة
للعيشة في القداسة (ع 1- 8)، إن أولئك القديسين كانوا متعلمين من الله أن يحبوا بعضهم
بعضاً غير أنه يطلب إليهم أن يزدادوا أكثر، وأن يكونوا هادئين ويمارسوا أمورهم الخاصة
وأن يشتغلوا بأيديهم لكي يسلكوا بلياقة عند الذين هم من خارج ولا تكون لهم حاجة إلى
أحد (ع 9- 12).

من ع
13- 18 يحل الرسول عقدة أو بالحري مشكلة أربكت التسالونيكيين من جهة إخوتهم الذين رقدوا،
فقد تصوروا أن القديسين الراقدين سيخسرون كثيراً عند مجيء الرب، وتوهموا بأن الذين
يبقون أحياء إلى ذلك الوقت هم الذين يتمتعون بكل بركاته. لا شك أنهم كانوا يؤمنون برجوع
الرب للملك، ولكنهم ظنوا أن القديسين الذين رقدوا قد خسروا بركات الملكوت، وذلك لأن
الإخوة في تسالونيكي كانوا يجهلون الحقائق التفصيلية التي ذكرت هنا « بكلمة الرب».
هل غاب عن تفكيرهم موت الرب وقيامته؟ وهل نسوا قديسه المنتصر استفانوس ويعقوب (أخا
يوحنا) وكثيرين غيرهم من قديسي العهد الجديد أو القديم أيضاً الذين رقدوا؟ لذا يؤكد
الرسول بأن الله سيحضر مع الرب يسوع أولئك الراقدين بيسوع. وهنا نرى بكل وضوح بأنه
عند مجيء الرب بهتافات متنوعة، الأموات في المسيح سيقومون أولاً، وأنهم مع القديسين
الأحياء يخطفون في السحب لملاقاة الرب في الهواء وذلك قبل مجيئهم معه في المجد، لذا
عليهم أن يعزوا بعضهم بعضاً بهذا الكلام.

وهذا ما
يسمى «الاختطاف» أو«اختطاف القديسين» الذي هو «رجاء الكنيسة الأعظم»، ومجيء المسيح
لأجل قديسيه يتميز أو يختلف عن مجيئه مع قديسيه المشار إليه في (ص 3: 13 ؛ 4: 14).
وإذا قرأنا الأعداد 15- 18 كأقوال معترضة (كأنها بين قوسين)، فإن ع 14 الذي يتكلم عن
إحضار الله مع الرب يسوع أولئك الراقدين بيسوع مرتبط بالأصحاح الخامس.

هل تبحث عن  كتب أبوكريفا عهد قديم سفر ياشر 67

ص 5

موضوعه
«يوم الرب» أو «ظهور الرب» مع خاصته لدينونة سكان الأرض (الأحياء)، وذلك الظهور يختلف
كلية عن الاختطاف الذي يسبقه، ويوم الرب هذا لم يكن حقاً جديداً ولكنه معروف ومذكور
في أسفار العهد القديم النبوية، واللغة في هذا الأصحاح تتغير هنا من «نحن» بصيغة المتكلم
(كما في الأصحاح السابق) إلى «هم» بصيغة الغائب (ع 3). وسيجيء يوم الرب على العالم
كلص في الليل وحينئذ يفاجئهم الهلاك بغتة، أما القديسون فإنهم أبناء نهار وأبناء نور
فلا يدركهم ذلك اليوم كلص، لذا يجب عليهم أن يسهروا ويصحوا وأن يلبسوا درع الإيمان
والمحبة وخوذة هي رجاء الخلاص «لأن الله لم يجعلنا للغضب»(قارن ص 1: 10) بل لاقتناء
الخلاص بربنا يسوع المسيح سواء بقينا أحياء أو نمنا (أي رقدنا).

ويلي ذلك
من ع 12 تحريضات مختصرة ولكنها ثمينة جداً، وذلك بأن نعرف الذين يتعبون بيننا ويدبروننا
في الرب وينذروننا، وأن نعتبرهم كثيراً جداً في المحبة من أجل عملهم، وأن نسالم بعضنا
بعضاً، وأن ننذر ونشجع ونسند ونتأنى، وأن لا نجازي عن شر بشر بل كل حين نتبع الخير
بعضنا لبعض وللجميع، وأن نفرح كل حين ونصلى بلا انقطاع ونشكر في كل شيء لأن هذه هي
مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتنا، ولا نطفئ الروح ولا نحتقر النبوات، بل نمتحن كل
شيء ونتمسك بالحسن، وأن نمتنع عن كل شبه شر «وإله السلام نفسه يقدسكم بالتمام ولتحفظ
روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح. أمين هو الذي يدعوكم
الذي سيفعل أيضاً». وأخيراً يطلب الرسول إليهم أن يصلوا لأجله ولأجل الذين معه وأن
يسلموا على جميع الإخوة بقبلة مقدسة. ويناشدهم بالرب أن تقرأ هذه الرسالة على جميع
الإخوة القديسين.

 

بعض
الشواهد المقتبسة في رسالة تسالونيكي الأولى من العهد القديم

1-«….ويأتي الرب إلهي وجميع
القديسين معك»(زك 14: 5)

1-« لكي يثبت قلوبكم بلا لوم في القداسة
أمام الله أبينا في مجيء ربنا يسوع المسيح مع جميع قديسيه»(ص 3: 13)

2-«فلبس البر كدرع وخوذة الخلاص على رأسه»(إش
59: 17)

2-«…فلنصح لابسين درع الإيمان والمحبة وخوذة
هي رجاء الخلاص»(ص 5: 8)

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي