تَفْسِير رِسَالَةُ بُولُسَ
الرَّسُولِ الثَّانِيةُ إِلَى تِيمُوثَاوُسَ

 

كتب الرسول
هذه الرسالة قرب نهاية خدمته (أي إنها آخر رسالة كتبها قبل استشهاده)، وهذا ما يعطي
لهذه الرسالة أهمية خاصة، وفيها يستعرض خدمته ويظهر حزنه لأن جميع الذين في آسيا (أي
آسيا الصغرى بما فيها أفسس) ارتدوا عنه. لقد أصبح بيت الله في صورته الخارجية التي
تشمل جميع المعترفين بالمسيح في التشويش وغير قابل للإصلاح بصفة عامة، ولم يكن في مقدور
الرسول سوى أن يعطي إرشادات لعبد الرب كيف يجب أن يتصرف في مثل هذه الأحوال، هذا هو
الطابع الخاص لهذه الرسالة. فالأمر يتطلب الأمانة الفردية ولكن ذلك لا يتعارض مع لزوم
ووجوب المحافظة على الشركة بين القديسين، هذه الشركة التي يوجدها الروح القدس هنا على
الأرض.

ص 1

بعد التحية
التي فيها يرجو الرسول النعمة والرحمة والسلام لتيموثاوس، يشكر الله الذي عبده من أجداده
بضمير (وإن لم يكن قبلاً مستنيراً) ولكنه طاهر، ذاكراً إياه بلا انقطاع في طلباته مشتاقاً
أن يراه ذاكراً دموعه ومتذكراً الإيمان العديم الرياء الذي فيه الذي سكن أولاً في جدته
وفي أمه ولهذا السبب يذكره بأن يضرم موهبة الله التي فيه بوضع يدي الرسول لأن الله
لم يعط روح الفشل، بل روح القوة والمحبة والنصح، ثم يطلب إليه أن لا يخجل بشهادة ربنا
ولا ببولس أسيره، بل يشترك في احتمال المشقات لأجل الإنجيل بحسب قوة الله. إن خلاص
الله ودعوته هما بحسب القصد والنعمة التي أعطيت لنا في المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية
(أو قبل الأزمنة أي في الأزلية) وإنما أظهرت بظهور المخلص الذي أبطل الموت وأنار الحياة
والخلود بواسطة الإنجيل – هذا الإعلان يسمو بالنفس فوق الموت وقوته. ثم يطلب الرسول
إليه أن يتمسك بصورة الكلام الصحيح الذي سمعه منه ويحفظ بالروح القدس الوديعة الصالحة
(أي الحق الإلهي) المسلم إليه.

كان تيموثاوس
يعلم أن جميع الذين في آسيا ارتدوا عن بولس – لا يتحتم بذلك أنهم تركوا الاعتراف بالمسيح
بل حياة الموت والقيامة عملياً، ويذكر من بينهم بصفة خاصة اثنين، ولكن ما أكبر الفرق
بين أولئك وبين أنيسيفورس الذي يطلب الرسول رحمة له ولأهل بيته لأنه مراراً كثيرة أراحه
ولم يخجل بسلسلته، ولما كان بولس أسيراً في رومية طلبه بأوفر اجتهاد حتى وجده.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس قاموس الكنيسة صلاة الصلح ح

ص 2

كان على
تيموثاوس أن يودع ما سمعه من بولس إلى أناس أمناء يكونون أكفاء أن يعلموا آخرين حتى
ينتشر الحق ويذاع بين الجميع، ثم يحثه على احتمال المشقات كجندي صالح، وإيضاحاً لذلك
يذكر الواجبات التي على الجنود في الحرب، وما يجب أيضاً على من يريد أن يفوز بالجعالة
أو بالحرى يكلل جزاءاً لجهاده، وكذلك ما يجب أيضاً على الحراث الذي يريد أن يشترك هو
أولاً في الأثمار، ويوصي الرسول تيموثاوس أيضاً بأن يذكر يسوع المسيح المقام من الأموات
من نسل داود بحسب الإنجيل، فحقوق المسيح الملكية لم تحل دون آلامه، بل بالعكس كان الموت
نصيبه، وياله من موت! ولقد تمثل بولس به بقدر المستطاع (انظر ع 11- 13)، ويوصي تيموثاوس
أن يفكر بهذه الأمور بدلاً من مماحكات الكلام، الأمر غير النافع لشيء، وأن يفصل كلمة
الحق بالإستقامة، وأن يتجنب الأقوال الباطلة الدنسة لأن انتشار التعليم الكاذب عن القيامة
يرعى كآكلة، « ولكن أساس الله الراسخ قد ثبت إذ له هذا الختم. يعلم الرب الذين هم له.(الجانب
الإلهي) أما (الجانب الإنساني فهو) ليتجنب الإثم كل من يسمى اسم المسيح».

لقد انتشر
الشر ويا للأسف في وسط المعترفين بالمسيحية « ولكن في بيت كبير ليس آنية من ذهب وفضة
فقط، بل من خشب وخزف أيضاً، وتلك للكرامة وهذه للهوان. فإن طهر أحد نفسه من هذه يكون
إناء للكرامة مقدساً نافعاً للسيد مستعداً لكل عمل صالح. أما الشهوات الشبابية فاهرب
منها واتبع البر والإيمان والمحبة والسلام مع الذين يدعون الرب من قلب نقي»(ع 20 –
22)، هذه هي مسئولية كل مسيحي حقيقي يدعو باسم الرب، فإنه تحت الالتزام بأن يتجنب الإثم
وينفصل عنه، ولا توجد أية فائدة تبرر بقاء المؤمن الحقيقي في وسط الخطأ سواء كان تعليمياً
أو عملياً. ولكن إن كان بيت الله قد أصبح في حالة الفوضى والتشويش، فهل من واجبي أن
أتركه وأخرج منه؟ كلا، فإني لا أجرؤ على الاعتزال عن الاعتراف العلني باسم الرب مع
جميع المعتمدين باسمه، أو بعبارة أوضح لا أستطيع أن أنفصل عن المسيحية، ولكن واجبي
هو أن أطهر نفسي من كل أواني الهوان الموجودة في ذلك البيت، وبدلاً من الاعتزال منفرداً
أتبع كل واجب مسيحي مع أولئك الذين يدعون الرب من قلب نقي. قد يكلفني ذلك كلفة كبيرة
وتضحية ليست بقليلة ولكن هذا التزام لابد منه في كل زمان ومكان، ومع ذلك فقد كان من
واجبه أن يكون «صبوراً على المشقات مؤدباً (أو معلماً) بالوداعة المقاومين عسى أن يعطيهم
الله توبة لمعرفة الحق.»

هل تبحث عن  م الكنيسة كنيسة الله الحى 02

ص 3

يتضمن
نبوة صريحة عن الأزمنة الصعبة (أو المحزنة) التي تأتي في الأيام الأخيرة في وسط المسيحية
الإسمية وذلك بسبب إدخال تعاليم مزيفة وضلالات كهنوتية «لهم صورة التقوى ولكنهم منكرون
قوتها…ولكن الناس الأشرار المزورين سيتقدمون إلى أردأ مضلين ومضللين» مثل هذه الصور
الشريرة يجب أن تقابل بقوة الحياة الإلهية في النفس، ولذا يشير الرسول بولس إلى تعليمه
وسيرته التقوية وقصده وإيمانه وأناته ومحبته وصبره واضطهاداته وآلامه وبأن جميع الذين
يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يضطهدون، ويحث الرسول ابنه تيموثاوس بأن يثبت
على ما تعلم وأيقن عارفاً ممن تعلم وأنه منذ الطفولية يعرف الكتب المقدسة (أي أسفار
العهد القديم) القادرة أن تحكمه للخلاص بالإيمان الذي في المسيح يسوع، كل الكتاب (أي
العهدين الجديد والقديم أيضاً) هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم
والتأديب الذي في البر لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح.

ص 4

يناشد
بولس ابنه تيموثاوس أمام الله والرب يسوع المسيح الذي سيدين الأحياء والأموات وبظهوره
وملكوته أن يتمم خدمته (والكلام هنا ليس عن مجيء الرب لأجل خاصته ولكن عن ظهوره وملكوته
وذلك بالارتباط بمسئولية القديسين). وقد كانت الحاجة شديدة بأن يتمم تيموثاوس خدمته
لأن بولس كان على وشك الانطلاق من الأرض «…تمم خدمتك فإني أنا الآن أسكب سكيباً ووقت
انحلالي قد حضر. قد جاهدت الجهاد الحسن أكملت السعي حفظت الإيمان وأخيراً قد وضع لي
إكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل وليس لي فقط بل لجميع الذين
يحبون ظهوره أيضاً». إن محبة ظهور المسيح واستعلان مجده هي من مميزات المسيحية العملية،
فإن مجيء الرب لأجل قديسيه هو إعلان لغنى النعمة أما ظهوره ففيه إظهار لبره وعدله في
مجازاة ومكافأة أمانة خاصته.

يطلب الرسول
إلى تيموثاوس بأن يجيء إليه سريعاً، ثم يشير إلى ديماس بحزن إذ أحب العالم الحاضر،
أما كريسكس وتيطس فكانا في أماكن أخرى للخدمة ولم يبق مع الرسول سوى لوقا وحده. وأن
مرقس قد استرد ثقة الرسول به فيطلب إلى تيموثاوس أن يحضره معه لأنه نافع له للخدمة
(قارن أعمال 13: 13 ؛ 15: 36- 40)، وإنه من الملذ أنه بينما يكتب الرسول هذه الرسالة
الرعوية الموحى بها يطلب إلى تيموثاوس أن يحضر معه الرداء الذي تركه في ترواس عند كاربس
(قبل حلول الشتاء ع 13 و 21 لأن الجسد للرب) وأن يحضر معه أيضاً الكتب (ملفات من ورق
البردي) ولا سيما الرقوق، فقد اهتم الرسول حتى بالأشياء الخارجية التي يعني فيها بالجسد
والذهن، فقد طلب الرسول كتبه التي كانت لها أهمية عنده بالرغم من أنه كان متوقعاً الموت،
ولكنه لم يكن يعلم بالتحقيق وقت موته. ولقد اهتم بصفة خاصة بالرقوق «ولا سيما الرقوق»
التي كانت غالية في ثمنها ويظن أنها لم تكن مكتوبة، فهل كان غرضه أن تعاد كتابة رسائله
عليها لنشرها بين المؤمنين؟

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس م مِثْقَة ة

ثم يشير
الرسول إلى الشرور الكثيرة التي أظهرها له اسكندر النحاس ويحذر تيموثاوس منه، ويذكر
بحزن كيف أن الجميع تركوه عند احتجاجه الأول عند نيرون ولكن الرب وقف معه وقواه لكي
تتم الكرازة ويسمع جميع الأمم. لقد أنقذه الرب من فم الأسد لكي يستمر كارزاً بالإنجيل
إلى النهاية، وكان واثقاً بأن الرب سينقذه من كل عمل رديء ويخلصه لملكوته السماوي له
المجد إلى دهر الدهور آمين.

وتختم
الرسالة بتسليمات إلى فرسكا وأكيلا وبيت انيسيفورس، ويذكر الرسول أنه ترك تروفيمس في
ميليتس مريضاً، لأن آية الشفاء (كما هي القاعدة الإلهية) لا يمكن أن تجري للمسيحي الحقيقي
الذي للرب تعامل خاص معه في مرضه.

ويرجو
الرسول أن الرب يسوع المسيح يكون مع روح تيموثاوس وأن تكون النعمة معه ومع الآخرين
هناك.

 

بعض
الشواهد المقتبسة في رسالة تيموثاوس الثانية من العهد القديم

1-
«فدعا فرعون
أيضاً الحكماء والسحرة ففعل عرافو مصر أيضاً بسحرهم كذلك. طرحوا كل واحد عصاه فصارت
العصى ثعابين. ولكن عصا هرون ابتعلت عصيهم..وفعل كذلك العرافون بسحرهم ليخرجوا البعوض
فلم يستطيعوا»(خروج 7: 11، 12 ؛ 8: 18 ؛ 9: 11)

1-«وكما
قاوم ينيس ويمبريس موسى كذلك هؤلاء أيضاً يقاومون الحق.. لكنهم لا يتقدمون أكثر لأن
حمقهم سيكون واضحاً للجميع كما كان حمق ذينك أيضاً»(ص 3: 8، 9)

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي