الإصحَاحُ
الثَّالِثُ

 

موارد
التقي في الأيام الأخيرة

تعلمنا
في الإصحاح الثاني سوء حالة الكنيسة المعترفة التي تظهر نفسها في ذلك اليوم. وفي
الإصحاح الثالث يعطينا وصفاً مهيباً للحالة المرعبة التي ستسقط فيها المسيحية
المعترفة في الأيام الأخيرة.

 

فمن
جهة المعيشة في هذه الأيام فإننا نشكر الله إذ لم نترك لنشكل رأينا بالنسبة لحالة
المسيحية. فقد سبق أن أخبرنا الله ووصف لنا تلك الحالة ليكون أمامنا تقييما إلهياً
وعادلاً لشعب الله المعترف.

 

وإذ
يغيب الفكر الصحيح عن المسيحية كما وردت في الكتاب فإن جماهير المسيحية المعترفة
ترى في المسيحية أنه نظام ديني طائفي، حتى أن العالم يتشكل تدريجياً به والوثنية
تنقاد بها إلى المدينة. حتى أن الكثيرين من أولاد الله بسبب معرفتهم الجزئية
للخلاص الذي يستحضره الإنجيل يعلق في أذهانهم توقعات خاطئة فيظنون أنه بانتشار
الإنجيل يتحول العالم تدريجياً وندخل بذلك إلى العصر الألفي السعيد.

 

وهكذا
نجد بين المعترفين بالمسيحية وبين كثير من أولاد الله الحقيقيين، انطباعاً خاطئاً
بأن المسيحية تتقدم إلى الانتصار الحقيقي على العالم والجسد والشيطان. ولكن الحق
الكتابي الصريح يرينا أن الكنيسة وهي منظور لها من وجهة المسئولية الإنسانية قد
فسدت تماماً حتى أن جماهير المسيحية تجتاز القضاء الإلهي.

 

وكتاب
الوحي العهد الجديد يتفقوا في تحذيراتهم لنا من سيطرة شر المسيحية المعترفة في
الأيام الأخيرة ومن القضاء الذي سيقع على المسيحية. ويخبرنا يعقوب "هوذا
الديان واقف على الباب" (يعقوب 5: 7- 9). ويحذرنا بطرس أن "ابتداء
القضاء من بيت الله" وأنه في الأيام الأخيرة تتصف المسيحية المعترفة
بالاستهزاء والمادية المنحطة (1بطرس 4: 17، 2بطرس 3: 3- 5). ويحذرنا يوحنا أنه في
الساعة الأخيرة يظهر ضد المسيح الخارج من الدائرة المسيحية (1يوحنا 2: 18و19).
ويخبرنا يهوذا عن الارتداد الآتي وفي هذا النص المهيب يعدنا الرسول إلى التشويش
المرعب الذي يصف المسيحية المعترفة في ختامها.

 

وعلى
الرغم من هذا, فإن كان لأجل تحذيرنا أعطى لنا هذا الوصف التفصيلي في ختام الأيام
الأخيرة، كذلك لأجل تشجيع الأتقياء لنا إعلانات صريحة ومساوية عن اكتمال مصادرنا
ليتمكن المؤمن أن يهرب من تشويش المسيحية وأن يحيا بالتقوى في المسيح يسوع.

 

هذان
هما الموضوعان الأساسيان في الأصحاح الثالث هذا –شر المسيحية المعترفة في الأيام
الأخيرة ومصادر التقى في مواجهة الشر.

 

فساد
المسيحية في الأيام الأخيرة (ع 1- 9)

(ع 1)
إن الله لا يريدنا أن نجهل حالة المسيحية، ولا يريدنا أن ننخدع بدعاوى المحبة
فنصبح غير مبالين بالشر. ولذلك فإن خادم الرب يفتتح هذا الجزء من تعليمه بهذه
الكلمات "ولكن اعلم هذا" وهو ينذرنا بالقول "إنه في الأيام الأخيرة
ستأتي أزمنة صعبة (أو خطيرة)".

 

(ع 2-
5) ويتقدم الرسول فيعطي بأكثر دقة صورة مرعبة للحالة التي ستؤول إليها المسيحية من
سقوط ويرسم بالتفصيل الصفات البارزة لأولئك الذين يكونون جماهير المسيحية المعترفة
في تلك الأيام الأخيرة. إن روح الله يتحدث عن أولئك المعترفين باعتبارهم
"الناس" فليس هناك أساس ليدعوهم قديسين أو مؤمنين. ومن الملاحظ فإن
الرسول لا يصف حالة الوثنيين هنا بل المعترفين بالمسيحية والذين لهم صورة التقوى.
ويستعرض أمامنا في هذه الصورة تسعة عشرة صفة مرعبة.

 

1-
"الناس يكونون محببين لأنفسهم". إن الصفة الأولى والبارزة للمسيحية في
هذه الأيام الأخيرة هي محبة الذات. ونجد هنا مباينة مباشرة للمسيحية الحقيقية التي
تعلمنا أن المسيح "مات لأجل الجميع لكي يعيش الأحياء فيما بعدهم لا لأنفسهم
بل للذي مات لأجلهم وقام"

 

2-
"محبين للمال" إن محبة الذات تقود إلى محبة المال. لذلك نجد أناس يريدون
أن يشتروا لكي يرضوا ذواتهم. إن المسيحية تعلمنا أن محبة المال هي أصل كل الشرور.
وأن الذين يريدون أن يكونوا محبين المال فإنهم يضلون عن الإيمان ويطعنون أنفسهم
بأوجاع كثيرة (1تي 6: 10).

3-
"متعظمين" إن محبة المال تقود الناس إلى التعظم. ونقرأ في الكتاب عن
أولئك الذين يتكلمون على ثروتهم وبكثرة غناهم يفتخرون (مز 49: 6). وأيضاً الشرير
يفتخر بشهوات نفسه ويبارك الخاطف ويهين الرب (مز 10: 3). فليس الناس يفتخرون
بذكائهم في كسب الثروة فحسب ولكنها تكون الثروة. وغالباً ما ينتهزون الفرصة
للإعلان عن أعمالهم وعطاياهم السخيفة، بعكس المسيحية في عطائها الذي يتصف بالاتضاع
فهي تعلمنا أن نعطي بحيث لا تعرف يمينك ما تفعله شمالك.

 

4-
"مستكبرين" إن الافتخار وتمجيد الذات تسير مع الكبرياء التي تعطي أهمية
للمولد والمركز الاجتماعي والمواهب الطبيعية بالمباينة مع المسيحية التي تقودنا أن
نحسب هذه الأمور جميعها خسارة لأجل امتياز معرفة المسيح يسوع ربنا.

 

5-
"مجدفين" إن الكبرياء تقود إلى التجديف والكبرياء بسبب الإنجازات،
والقدرات الذهنية تجعل الناس لا تترد في أنهم "يفترون على ما يجهلون"
ويتكلمون بتجاديف على العلى، ويجدفون على شخص المسيح وعمله، ويرفضون الإعلان
الإلهي ويستهزئون بالوحي.

هل تبحث عن  م الأباء مكاريوس الكبير عظات مكاريوس الكبير 47

 

6-
"غير طائعين للوالدين" فمتى كان الناس قادرين على التجديف ضد الله فلا
نتعجب أنهم لا يطيعون الوالدين. وإذا كان توقيرهم قليلاً للأقانيم الإلهية فإنهم
لا يوقرون العلاقات الإنسانية.

 

7-
"غير شاكرين" هؤلاء الذين لا يطيعون الوالدين، فإن كل رحمة من الله أو
الناس تصبح كأنها حقاً لهم وبذلك فلا يوجد لديهم شعور العرفان بالجميل. وتعلمنا
المسيحية أن كل المراحم الممنوحة للخليقة "تقبل مع الشكر من المؤمنين وعارفي
الحق"

 

8-
"دنسين" فإذا كان عدم الشكر لأجل البركات الزمنية والروحية متوفراً
فسرعان ما يستهزئون ويحتقرون النعمة التي تهبهم البركات. فقد احتقر عيسو البكورية
التي منحها الله كبركة له.

 

9-
"بلا حنو" أي بلا عواطف طبيعية – فالشخص الذي يتعامل بخفة مع رحمة الله
ومحبته سرعان ما يفقد عواطفه الطبيعية من نحو زملائه. إن محبة الذات تقود إلى اللامبالاة
تجاه الروابط في الحياة العائلية فتراهم كعائق يمنع إشباع الذات.

 

10-
"بلا رضى" فالشخص الذي يقاوم العواطف الطبيعية سيصبح بالتأكيد عنيداً لا
يقبل الاقتناع ولا يمكن أن يهدأ.

 

11-
"ثالبين" والشخص الذي له روح الحقد والانتقام يقف مواجهة أي دعوى ولا
يتردد في الثلب واتهام كل من يقاوم إرادته.

 

12-
"عديمي النزاهة" فمن لا يتردد متكلماً بلسانه في ثلب الآخرين واتهامهم
فإنه بسهولة يفقد لتحكم في نفسه ويعمل بلا كبح لذاته.

 

13-
"شرسين" فالذي يثلب الآخرين في حديثه وغير ضابط لأفعاله فإنه يظهر ميلاً
للشراسة وبذلك يفتقر إلى اللطف الذي يميز الروح المسيحية.

 

14-
"غير محبين للصلاح" فالمزاج الفظ والشرس لا بد أن فالمزاج الفظ والشرس
لا بد أن يصيب الناس بالعمى تجاه ما هو صالح. فليس فقط أولئك الذين في دائرة
الاعتراف المسيحي الذين يحبون الشر بل إنهم حقاً يكرهون الصلاح.

 

15-
"خائنين" وليسو فقط غير محببين للصلاح، بل إنهم لا يترددون في العمل
بخبث وخيانة بدلاً من الثقة، ولا يحترمون روابط العلاقات كأصدقاء.

 

16-
"مقتحمين" أو متهورين. فالذي يخون أصدقاءه بإمكانه أن يتبع إرادته
الذاتية ولا يبالي لما يحدث بسبب ذلك ودون اعتبار للآخرين.

 

17-
"متصلفين" وذوي ادعاءات فارغة، وهم مملؤون بالغرور والمتصلف يسعى أن يضع
غطاء على إرادته الذاتية بادعاءات باطلة فيوهم الآخرين بأنه يعمل للصالح العام.

 

18-
"محبين للذات دون محبة لله". وحيث أن ادعاءات الناس فارغة كذلك فإن
سعيهم لتحقيق ذلك ينقصه الجدية. وتتجمع سحب القضاء الآتي وبالذات على المسيحية
التي أعمتها الأنانية وكل ما هو باطل مندفعة وراء الإثارة وباحثة عن مسراتها
الحسية، وغالباً ما نجد الخدام الدينيين يقودون الناس إلى كل نوع من المسرات
العالمية.

 

19-
"لهم صورة التقوى ولكنهم منكرون قوتها" ولذلك ففي الأيام الأخيرة من
المسيحية نجد أن جماهير المعترفين وقد تفرغوا لعمل كل أنواع الشرور بينما يحاولون
أن يغطوا شرورهم بقناع من القداسة. وهكذا يصبح المسيحيون الإسميون أكثر شراً من
الوثنيين إذ بينما هم غارقون في كل أنواع شرور الوثنية فإنهم يضيفون إلى شرورهم
غطاء له شكل مسيحي مع خلوه التام من القوة الروحية. وهل هناك إفراط في الشر أكثر
من محاولة استخدام اسم المسيح كغطاء لعمل الشر. إن هذا الغطاء من التقديس في
الأيام الأخيرة لتلك الأزمنة الصعبة" تعطي صورة ظاهرة للتقوى، وهي صورة خادعة
حتى للمسيحيين الحقيقيين.

 

ومن
الملاحظ أن أولى الشرور الظاهرة التي تتصدر القائمة المرعبة هي محبة الذات أو
الأنانية غير المحكوم عليها والتي تقود إلى باقي أنواع الشرور. ولكون الناس
مستبعدة لمحبة الذات فهي تحب المال وتفتخر بالذات (أي الكبرياء) والافتخار بالذات
يقود إلى عدم كبح جماح الذات سواء تجاه الناس أو الله. ومحبة الذات والانغماس في
الإرادة الذاتية تجعل الناس غير شاكرين ودنسين وتقودهم إلى استبعاد العواطف
الطبيعية كما تجعلهم بلا رضى وثالبين. ومحبة الذات أيضاً تقود الناس إلى أن تطلق
عنانها لكل أهواء فيصبحون عديمي النزاهة ولكل قسوة وشراسة تجاه إرادتهم المنحرفة.
وتجعل الناس يكرهون الصلاح ويصبحون خائنين ومقتحمين وذوي ادعاءات باطلة، كما
تجعلهم يحبون الملذات دون محبة لله.

 

هي
القائمة المرعبة والتي يستحضرها الكتاب في الأيام الأخيرة للمسيحية المعترفة وإن
كان إسرائيل قديماً الذي انفرز عن بقية الأمم لكي يحمل الشهادة لله الحقيقي، وقد
فشل تماماً تحت المسئولية حتى قيل لهم إن "اسم الله يجدف عليه بسببكم بين
الأمم" فماذا يكون بالنسبة للكنيسة المعترفة التي حوت نوراً أعظم وامتيازات
أكثر، كم يكون مرعباً فشلها في تلك المسئولية. إن الكنيسة التي أقامها الله شاهدة
للمسيح في زمان رفضه، نرى جماهير المعترفين باسم المسيح وقد انحدرت إلى أدنى من
مستوى الوثنيين، وصاروا تعبيراً عن إرادتهم وأهوائهم الذاتية، وهكذا صار اسم
المسيح المبارك للتعبير. فهل نتعجب أن تكون نهاية أولئك الذين يعترفون باسم المسيح
على الأرض أنه يتقيأهم من فمه؟

هل تبحث عن  شبهات الكتاب المقدس عهد قديم سفر إرميا شعب منذ الأزل ل

 

وعلى
الرغم من هذا فلنتذكر أنه في وسط هؤلاء المعترفين فإن الله خاصته، والرب يعلم
الذين هم له فلا يفقد واحد منهم، وفي النهاية فإن أولئك الذين يكونون كنيسة الله
الحقيقية سيستحضرون للمسيح بلا دنس ولا غضن ولا شيء من مثل ذلك.

 

وفي
ذات الوقت فإن شعب الله الحقيقي. أولئك الذين يدعون الرب من قلب نقي –تعلموا صراحة
أن يعرضوا عن تشويش المسيحية المعترفة. فنحن لن ندع لكي نصارع مع أولئك المعترفين،
فإنهم لا يزالوا تحت القضاء ولكن علينا أن نتحول عن مثل هؤلاء ونتركهم لدينونة
الله.

 

وكما
انفصلنا عن تشويش المسيحية المعترفة، فهل لنا التقدير الصحيح لتلك الحالة المخيفة،
أو هل نجد شهادة كافية للحق؟

 

وإذ
نتحقق من حالة المسيحية التي حولنا فإننا نذلل أنفسنا أما الله معترفين بفشلنا
وضعفنا, متذكرين أيضاً أن الجسد فينا, ولكن لأجل رحمته فإننا بسهولة يمكننا أن
نضلل بواحدة من هذه الشرور.

 

(ع 6-
9) وبعد أن يصف الكاتب الحالة المخيفة التي تصيب المسيحية ككل في الأيام الأخيرة
فإنه يحذرنا من شر معين يظهر نتيجة هذا التشويش. إذ تقوم فئة خاصة باعتبارها أدوات
فعالة ونشيطة في مقاومة الحق بتعليم الشر.

 

وناهيك
عن تعاليمهم الشريرة فقد اختاروا لتوصيل هذه التعاليم طرقاً ماكرة ومدانة. ونحن
نقرأ أنهم "يدخلون البيوت" "
creep into
houses
" إنها صفة الخطأ الذي يتجنب النور ولكنه ينتشر سراً, وبعدما
تتهيأ لها أرضية كافية بتلك الأساليب السرية الخادعة فإن قادة هذه التعاليم
الخاطئة لا يخشون أن يعلنوا صراحة تعاليمهم الخاطئة الشريرة وعندئذ يعلن الخطأ
جهاراً ويأتي إلى النور بعد أن ظل لسنوات يعلم ويحفظ.

 

وهؤلاء
المعلمون مدانون إذ يدفعون أناساً يتصفون بأنهن "نُسيات" أو "نساء
سخيفات
silly women"
ليتمكنوا من التأثير على البيوت وعائلات المعترفين بالمسيحية. ومن المرجح أن
الرسول يستخدم تعبير "نساء سخيفات" أو "نسيات" للتأكيد على
نوعية هؤلاء الأشخاص المتخنثين (سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً) والذين تحكمهم
العواطف والشهوات أكثر مما يحكمهم الضمير والعقل. وأذهانهم قلقة بهواجس الخطأ على
الرغم من افتخارهم بأنهم "يتعلمن في كل حين" ولكن "لا يستطعن أن
يقبلن إلى معرفة الحق" فالخطأ يترك ضحاياه في ظلمة عدم اليقين.

 

وبعض
المعلمين أمثال ينيس ويمبريس في القديم اللذين قاوما الحق بمحاكاتهم للمظاهر
الخارجية للديانة بينما كانوا يخلون تماماً من جوهر المسيحية الحيوي، فهؤلاء
"أناس فاسدة أذهانهم ومن جهة الإيمان مرفوضون". وكل نظام خاطىء في
المسيحية إنما يعود إلى أناس قد فسدت أذهانهم بالشر ومن جهة إيمانهم وجد باطلاً.

 

وبالرغم
من هذا فإن الله في طرق حكمه غالباً ما يسمح بأولئك المعلمين الكذبة لكي يكشفوا
أمام أعين جميع الناس. ومرة تلو الأخرى فإن حمق هذه الأنظمة الدينية، كذلك حياة
الشر لكثيرين من قادتها تعلن بوضوح أمام العالم، فيصبحون موضوعاً للازدراء في أعين
الجميع –وبالذات أمام ضحاياهم المخدوعين.

 

مصادر
التقى في مواجهة الشر


10- 17) في النصف الأخير من الأصحاح نتعلم من هذا الجزء الذي يمدنا بغنى وفير كيف
أن الله يمنحنا هذا الإمداد لكي يحفظ شعبه من فساد المسيحية والوضع الذي يكون عليه
إنسان الله في الأيام الأخيرة

 


10و11) أولاً يقال لنا بالتحديد أن الأمان العظيم ضد كل ما هو خاطئ يكون في معرفة
ما هو حق. لهذا أمكن للرسول أن يقول لتيموثاوس "أما أنت فقد تبعت (أو عرفت
تماماً) تعليمي وسيرتي وقصدي وإيماني وأناتي ومحبتي وصبري واضطهادي وآلامي".
وليس من ضرورة تحتم معرفتي التامة للشر، بل بمعرفة الحق نستطيع أن نتبين ما هو خطأ
وما هو مضاد للحق. وعندما نتبين الشر فإن التحريض ليس بأن ننشغل به بل بأن نعرض عن
أولئك الذين يسيرون فيه.والحق مطروح أمامنا في تعليم الرسول الذي نجده في رسائله
ويمكن تلخيصه بأنه الاستبعاد التام للإنسان وهو في الجسد بسبب خرابه الكامل ووجوده
تحت سيادة الموت، كذلك دينونة الإنسان العتيق في صليب المسيح واستحضار الإنسان
الجديد في الحياة والخلود في المسيح المقام والممجد، والتي أصبح المؤمنون فيها من
اليهود والأمم متحدين معاً في جسد واحد للروح القدس.

 

وأمكن
للروس بولس أن يقول لتيموثاوس عن هذا التعليم "وأما أنت فقد تبعت".
فبقدر ما نتعلم وندخل تماما إلى تعليم بولس بقدر ما نكن أكثر تحديداً في أن نتبين
هذه الشرور في الأيام الأخيرة ونتحول عنها.

 

وثانياً
أمكن للرسول أن يحتكم إلى أسلوب حياته أو "سيرته" فقد كانت حياته في
تمام التوافق مع التعليم الذي يعلم به. وبلا شك فقد كانت هناك مباينة أشد ما يمكن
ما بين الرسول والمعلمين الأشرار الذين يتكلم عنهم. فقد كان حمقهم واضحاً كما كانت
حياتهم تكشف عن التضاد الهائل للتقوى التي كانوا يعترفون بها. وقد تبين للجميع أن
اعترافهم بصورة التقوى لم تكن لها قوة على حياتهم. ولكن ما أبعد الفارق مع الرسول.
ففي تعليمه أعلن الدعوة السماوية للقديسين، وكانت "سيرته" أو أسلوب
حياته في تمام التوافق مع تعليمه إذ كان غريباً ونزيلاً لأن سيرته (أو مواطنته) في
السماء. إنها الحياة التي كان يحكمها الغرض أو القصد عند الرسول، فعاش
"بالإيمان" مظهراً صفة المسيح في كل "أناة" و"محبة"
و"صبر" "آلام" و"اضطهادات".

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ج جبل تابور 1

 

ولذلك
فإن الأمان العظيم من شر الأيام الأخيرة يكون أولاً في معرفة الحق، وثانياً في
الحياة التي تتوافق مع الحق. وثالثاً في مؤازرة الرب لنا. وفي هذه استطاع بولس أن
يشهد من اختباره الشخصي وهو يتحدث عن الآلام والاضطهادات التي تغلغلت في حياته،
وأمكن أن يقول "ومن جميعها أنقذني الرب". فإذا اجتهدنا أن نعرف التعليم،
وتم إعدادنا لكي نحيا حياة متوافقة مع هذا التعليم، عندئذ سنتحقق من مؤازرة الرب.
ولربما يتركنا الآخرون كما فعلوا مع الرسول، حتى أن الناس تظن أننا نتخذ موقفاً
متشدداً وأننا نرفض الحلول الوسيطة، ولكن إذ ندافع عن الإيمان سنجد أن الرب يقف
معنا كما وقف معه، وأن الرب يقوينا كما قواه، ويمكننا في إعلان الحق وينقذنا من فم
الأسد ومن كل عمل ردئ ويخلصنا لملكوته السماوي كما فعل معه (3: 11. 4: 17، 18).

 


12و13). وثالثاً يذكرنا بمدى حاجتنا إلى مؤازرة الرب لنا, إذ يأتينا التحذير أن
"جميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يضطهدون." أما صور
الاضطهاد فتتباين مع الأزمنة المختلفة والأماكن المختلفة، ولكن الحقيقة تبقى أن من
يريد أن ينفصل عن شرور المسيحية ويجتهد للتمسك بالحق فإنه يجب أن يعد نفسه
للإهانات والأذى والترك وحيداً. وإلا فكيف نجد في المسيحية ذاتها "الناس
الأشرار يتقدمون إلى أردأ مُضلِين ومُضلَين"؟

 


14) ورابعاً في مواجهة الشر فإن التقى يجد الأمان والمؤازرة بثباته في ما تعلمه من
الرسول. ولذلك يكتب إلى تيموثاوس "وأما أنت فاثبت على ما تعلمت وأيقنت،
عارفاً ممن تعلمت". وهنا نجد لثالث مرة في هذا الجزء القصير من رسالة بولس
أنه يؤكد أهمية، ليس فقط أن نمتلك الحق بل في نواله من مصدر الوحي الذي نتمسك به
بيقين كامل (أنظر 1: 3، 2: 2).

 

وبالاختبار
تبرهن أيضاً أن المؤمنين ليس بمقدورهم مواجهة الشر لأنهم ليسو متيقنين تماماً من
هذا الحق. ونحتاج في مواجهة الشر خاصة الشر الممتزج بالحق أن يكون لدينا تأكيداً
مطلقاً بأن ما تعلمناه هو الحق. وهذا اليقين يمكن أن نمتلكه بمعرفة الرسول الذي
سلمنا الحق والذي تحدث بسلطان الوحي. أما المعلم فيمكنه أن يستحضر الحق أمامنا, مع
أنه ليس هناك معلم يمكنه أن يتكلم بسلطان الوحي، إذ عليه أن يوجهنا إلى كتابات
الرسل الموحى بها إذا كان علينا أن نتمسك بالحق في الإيمان واليقين. وفي مواجهة
الأشرار والمزورين الذين يتقدمون إلى أردأ ويستحضرون أشكالاً جديدة للشر، فإنه
علينا أن نتحذر جيداً من الذين ينادون بأفكار جديدة لكي نثبت فيما تعلمنا.

 


15- 17) ولذلك فإن الأمان في النهاية ضد الشر هو في وحي الكتب المقدسة وكفايتها
أما الناس فلا تكف عن النظريات الجديدة والمتغير والتي لا تنتهي، ولكن في الكتاب
المقدس لنا كل حق نافع ومحفوظ في صبغة دائمة، محروسة من الشر بالوحي، ومستحضرة لنا
بسلطان إلهي.

 

وبلا
شك فإن الكتب المقدسة التي عرفها تيموثاوس منذ طفولته كانت هي أسفار العهد القديم،
ولكن إذ يقرر الرسول أن "كل الكتابات هي موحى به من الله"، فإن ذلك
يتضمن العهد الجديد مع كل الكتابات الرسولية. ونعرف أن بطرس يضع كل رسائل بولس مع
الكتب الأخرى (2بط 3: 16).

 

وعلاوة
على ذلك فإنه يضع أمامنا الفائدة العظيمة للكتاب. فأولاً تعطينا المقدرة أن نكون
حكماء للخلاص بالإيمان الذي في المسيح يسوع، وثانياً فهي تقودنا إلى المسيح لنجد
فيه الخلاص لنكتشف أن كل الكتابات هو نافع للمؤمن، كما أن ناموس موسى والأنبياء
والمزامير نجد أن فيها أموراً تختص بالمسيح (لوقا 24: 27و44).

 

كذلك
كم يكون مفيداً الكتاب للتوبيخ وللأسف قد نكون في عمى تجاه أخطائنا أو قد ننحصر في
ذواتنا فنصم آذاننا عن اعتراضات الآخرين ولكن لو خضعنا للكلمة سنجد أن الكتاب
يستحضر لنا التوبيخ لأنها "كلمة حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين ومميزة
أفكار القلب ونياته".

 

وفضلاً
عن ذلك فإن الكتاب لا يدين فقط ولكنه نافع أيضاً للتقويم، وليس التقويم فحسب بل
التأديب أو تعليمنا الطريق الصحيح. وإنسان الله يمكنه بكتابات الوحي أن يبنى في
الحق لمواجهة الشر المتزايد ليكون "كاملاً ومتأهباً لكل عمل صالح" في
اليوم الشرير.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي