تَفْسِير رِسَالَةُ بُولُسَ
الرَّسُولِ إِلَى فِلِيمُونَ

 

إسم السفر:

رسالة بولس الرسول إلى فليمون
"
Philemon "

الإختصار : فل = PHM

هي أقصر أسفار العهد الجديد،
كتبها الرسول الإلهي فحافظ على الطريقة السائدة في كتابة الرسائل في ذلك الزمان
والتي عرفناها في مجمل رسائله. وقد وجّه الرسول بولس هذه الرسالة الى وجيه في
كولوسي (فيما يسمى اليوم "تركيا") اسمه فيليمون، كان الرسول قد أعتقه من
الوثنية (آية 19، ربما كان ذلك في فترة إقامته في أفسس). ويعرف قارئ هذه الرسالة
الصغيرة (اصحاح واحد) أن فيليمون هذا الذي آمن بالرب يسوع وأحبه وأحب القديسين حبا
شديدا (5-7)، وضع بيته في تصرف الإخوة في كولوسي (2)، ولعله اصبح عضوا قياديا في
الكنيسة وأحد أشرافها البارزين.

 

كاتب السفر:

بولس الرسول

كتب بولس هذه الرسالة إلى
فليمون، الذي كان على ما يبدو شخصا مرموقا في كولوسي، وأيضا من المتجددين على يد
بولس شخصيا.

كان أنسيمس، وهو عبد لفليمون،
قد هرب إلى روما حيث التقى بالرسول بولس. ويبدو أن أنسيمس كان قد قَبِل المسيح
مخلصا له، وإذ أصبح مسيحيا فلقد وافق أن يرجع إلى سيده في كولوسي، على بعد 900
ميلا. وفي هذه الرسالة الجميلة يحرض بولس فليمون على مسامحة أنسيمس وقبوله مرة
أخرى – ليس كعبد هارب بل كأخ محبوب – تماما كقبوله لبولس نفسه (فليمون 17:1).

والفكرة الأساسية هنا هي أن
المسيح قد أوجد أخوّة روحية تجعل الغني والفقير، الضعيف والقوي، في نفس الدرجة من
الأهمية في نظر الله. لذلك يجب أن يكون الجميع على درجة متساوية من المعزة في
نظرنا إذا كان المسيح متسيدا على حياتنا.

توجد 11 إشارة إلى الرب يسوع
المسيح في هذه الرسالة القصيرة

 

تاريخ كتابة السفر:

 حوالي عام 62 م أو 63 م
بينما كان الرسول في أسره الأول بروما.

 + كتبها بولس الرسول الى
فليمون الذى معنى أسمه "المقبل الودود" متشفعا لأنسيموس- أي
"النافع والمحتاج اليه" -عبده الذى كان قد سلب منه شيئا وتركه وهرب الى
رومية وهناك تقابل مع بولس وتجدد فطلب منه بولس الرجوع الى سيده فليمون الذى طلب
منه أن يعامل أنسيموس لا كعبد بل كأخ وأن يكملا بعضهما بعضا، ومع أن أنسيموس كان عبدا
من ولاية فريجية التي يخبرنا التاريخ أنها كانت تضم من أردأ واحط العبيد، الا أنه
أستحق أن يكتب من أجله رسالة تشغل حيزا من الإنجيل، ويكرز بها في العالم تذكارأً…
بل واستحق أن يكتب من اجله عظماء الكتاب المقدس.

+ إن أقوى الاحتمالات أنه
كتبها في رومية بعد عام 60 بقليل، فقد كان مسموحاً للرسول أن يزوره الأصدقاء (أع
28: 30، 31). ولا شك في أن أنسيمس كان آمناً بين الجماهير الغفيرة متعددة الأجناس
والطبقات التي كانت تعيش في رومية، المدينة الكبيرة، أكثر مما في أي مدينة أخرى في
الشرق الأوسط، إذ يرى البعض أن الرسالة كتبت في أفسس، ولكن لا يوجد دليل واضح على
أن الرسول بولس قد سُجن في تلك المدينة. ربما يجد البعض في العدد 22 ما يؤيد
افتراض أنها كُتبت في أفسس القريبة من كولوسي. ولكننا نعلم أن الرسول يمكن أن يكون
قد غيَّر خطته في الذهاب من رومية إلى أسبانيا، أو أجَّلها ليعود سريعاً إلى الشرق
عقب إطلاق سراحه. والأرجح أن "الرسالة إلى فليمون" قد حملها أنسيمس نفسه
عند عودته إلى سيده، مع الرسالة إلى الكنيسة في كولوسي.

 

محور السفر:

 + الغفران، الحواجز،
الأحترام. + ربنا يسوع المسيح محررنا.

 + المسيحية في التصرف،
والاستفادة من كل الطاقات.

 

فليمون:

 + فليمون لم يكن يهوديا ولد
فى لاودوكية وسكن فى كولوسى كان غنيا من أشراف كولوسى وكان تاجرا رومانيا وثنيا
دائم التجوال بين مدينة أفسس التجارية لشراء السلع وبيعها ولعقد صفقات ضخمة.

 + في أحدي جولاته التقي
بالرسول بولس أثناء رحلته الثالثه (أع 19 : 10) وهو ينادي بدعوته في مدرسة تيرانس (أحد
الفلاسفة اليهود الذين أعتنقوا المسيحية علي يد بولس الرسول) وآمن علي يديه وان
كان البعض يري انه آمن علي يدي أبفراس تلميذه.

+ تحلى فيليمون بالتقوى وحول
قصره العظيم إلي كنيسة تقام فيها الصلوات، وكان له ثروة عظيمة عاش مع زوجة مؤمنة
وأبنه أرخبس الأسقف.

+ سيم أسقفا علي كولوسى.

أنسيمس:

 + عبد فليمون الذي أشتراه
بسبب ذكائه وقوته وأعطاه أسم "أي نافع" باليونانية إلا، انه سرق منه بعض
الأشياء ربما مالا وهرب إلى روما، هناك التقي بالرسول أثناء سجنه وآمن علي يديه
وصار نافعا للرسول في خدمته لكنه أعاده إلى سيده يحمل هذه الرسالة، حتى يعفو عنه
سيده اختياريا، ويقوم الرسول بتسديد ثمن المسروقات.

 

أهميه السفر:

 + مع أنها رسالة شخصية لكنها
كشفت عن الحياة الرسولية والفكر الكنسي الرسولي والأبوة الروحية والحكمة

 + النعمة تضع كل شئ في موضعه
فلا تجعل أحد يسلب حق الأخر، فبينما كان بولس أسقفا للكنيسة كان فليمون
سيداًمتواضعاً، وكان أنسيموس عبدا مباركا … الكل مرتبط معا بروح واحدة، فلا يطلب
أنسيموس من سيده أن يعامله كأخ، لأن المحبة لا تطلب ما لنفسها، لأنه لو طلب ذلك
لصار متكبراً ويريد أن يسلب حق سيده، ولكن الأولي به أن يخدم بنفس الروح الواحد
كما للمسيح ذاته ومن ناحية أخرى يعلم الروح القدس فليمون أن لا يحتقر عبده أنسيموس
بل يعامله كأخ.

 

محتويات السفر:

أولا – السلوك المسيحى:

 – البركة الرسولية ع 1 – 3

 + يلقب الرسول نفسه
"أسيرا" حتى لا يطلب من صديقه فليمون العفو عن أنسيمس كمن هو صاحب سلطان،
إنما من خلال قيود الحب والحب اقوي من السلطان.

 + أنسيمس يستحق الأسر لكن
بولس الرسول هو أسير من أجله.

 + يدعو فليمون بالمحبوب
والعامل معه مذكرا إياه بعمله الإنجيلي (الحب العملي).

 + يلقب زوجته أو أخته
بالمحبوبة.. فهو يحمل مشاعر حب مقدسة للجميع.

 + يطلب له النعمة واهبة الحب
الحق، خلالها يقدر فليمون أن يسامح أنسيمس.

 – محبة الرسول لصديقة ع 4 –
7

 + في وسط أسره لم ينسي صديقه
فليمون بل كان يصلي من أجله كل حين بلا انقطاع وهكذا يليق بالخادم أن ينسي نفسه
لأجل الغير.. فيليق بفليمون من جانبه أن يصفح على أنسيمس ولا يذكر أخطاءه.

 + يشجع الرسول صديقه معلنا
له أن إيمانه المترجم عمليا إلى حب لله والناس أزاح أحشاء القديسين كأن فليمون ليس
بمحتاج إلي من يوصيه بالحب إذ هو يمارسه فعلا.

 " لكي تكون شركة إيمانك
فعالة في معرفة كل الصلاح " ع 6.

هل تبحث عن  م المسيح المسيح ومعجزاتة 15

ثانيا- طلب الرسول من أجل
أنسيمس ع 8 – 21.

 تظهر حكمة الرسول بولس
الفائقة في طلبه لأنه :

 + فهو قادر أن يأمر في
المسيح يسوع بما يلق لكنه لا يستخدم الأمر.

 + يسأله خلال الحب كشيخ أي
يعد أب روحي له ومشير، وأيضا كأسير من أجل المسيح.

 + يقول له من أجل ابنه
المولود في القيود.. أذ لم يعد بعد عبدا بل ابن.

 + يقول له إن أنسيمس كان غير
نافع قبلا (اعتراف بشره القديم) لكنه الآن صار نافعا لفليمون كما لبولس الرسول.

 + أن الصفح عنه يتحقق بكمال
اختياره حتى ينال مكافأة أعظم.

 + يبرز حكمة الله التي حولت
الشر للخير وهروب أنسيمس السارق، إلى خادم محبوب وأمين.

 + إذ سبق فسرق أنسيمس فان
بولس يتعهد بخط يده أن يوفي ما قد سلب من فليمون.

 + أخيرا يسأله أن يفرح في
الرب بطاعته للرسول.

 " اقبله الذي هو أحشائي
" ع 12.

ثالثا- الختام 22 – 25

 + لم ينتظر الرد من فليمون
فهو مطمئن أنه يطيع لكنه يسأله إعداد منزل للرسول حيث يهبه الله الخروج من الأسر.

 + يقدم له سلام الخدام
العاملين معه لعل في ذكرهم استشفاع لأنسيمس.

 + أخيرا يهبه البركة
الرسولية.

 " نعمة ربنا يسوع
المسيح مع روحكم " ع 25

 

ظروف كتابة السفر:

دُوَّنت هذه الرسالة في ظرف
خاص، فبولس كان في السجن، وقد التقى بأُنِسيموس العبد الهارب من وجه سيده فيليمون،
الذي ارتد، بتأثير الرسول، الى المسيح (10)، فأحبه بولس وصار كقلبه (12) مفيداً
له، وفق اسمه، وأراد ان يستبقيه عنده (لم يُروَ لنا سبب هربه ولا كيف التقى
بالرسول وأين). غير ان بولس كان واعيا لحقوق فيليمون، فأُنسيموس مملوكه الشرعي،
وبقاؤه معه قد يحرجه، ويسبب للعبد عقابا عظيما.

 ولا يخفى على مطّلع أن
القوانين الرومانية القديمة كانت تحرّم على العبيد أن يعتقوا انفسهم، وكانت
السلطات تلاحق الفارّين منهم، وقد أُعلنت شرائع تمكّن الاسياد من أن يفرضوا على
عبيدهم -في حال هربوا- عقوبات قاسية (يطبعونهم بالحديد الحامي ويمنعونهم من التحرر
مدى الحياة)، وقد يقتلونهم. والأمر الذي كان شائعا، في تلك الايام، أن العبيد
الذين يبعهم اسيادهم كانوا يُرغمون على العمل في المناجم، او يموتون في حلبات
المصارعة.

 لا شك ان بولس كان يدرك كل
هذه الأمور إدراكا جيدا، ويعرف تماما مقدار الجرح الذي سبَّبه العبدُ الهارب
لسيده. غير انه كان يثق -استنادا الى معرفته وصداقته لفيليمون- بأن الشعور المسيحي
سوف يغلب الطبقية ويشفي ما قد يكون تسرب الى قلب السيد من ألم او ضغينة.

 يحسن بنا أن نبتعد عمّا قاله
بعض علماء التفسير من أن هذه الرسالة هي بحث في العبودية. لا شك أن حجم الرسالة
حائل دون قبول هذا الرأي، وأن ظرفها الخاص -بمعنى انها تعالج قضية عبد فرّ من وجه
سيده- هي التي دعت الرسول الى أن يكتب فيها في أمر العبودية اكثر مما فعل في
رسائله الأخرى. ونرى أن بولس لا يناقش في رسالته (التي قد يكون أُنسيموس نفسه هو
الذي حملها) الوضع القانوني والاجتماعي الذي كان سائدا في تلك الايام، اذ لا يطلب
فيها من فيليمون، علناً، أن يعتق أُنسيموس، وإنما يتوقع منه مسامحته وارتضاءه من
جديد لا كعبد بل "أخا حبيباً" (15 و16).

 كتب بولس رسالته بمحبة
ولباقة وضمّنها ثناء حاراً لما فيه خير الإنجيل وخير المؤمنين، فهو، مثلا، لا
يستعمل سلطته الرسولية ولا يُذكّر فيليمون بفضله عليه، وذلك أنه كان يدرك تماما أن
هذا السيد الذي هو "غصن لكرمة الحياة"، كما تسميه خدمة عيده في 22 تشرين
الثاني، سوف يفعل، من دون أمر، ما طُلب منه واكثر (21). ولفيليمون وحده أن يفهم ما
يقتضيه هذا "الاكثر" ويتجاوب معه بحرية (لعل بولس كان يتوقع من فيليمون
أن يعيد أُنسيموس اليه من اجل خدمة الإنجيل).

 لقد رأى عن حق، مفسرون
عديدون -استنادا الى بنية الرسالة وشبهها مع رسائل بولس الأخرى- أن الرسالة الى
فيليمون، على الرغم من طابعها الشخصي، هي رسالة الى كنيسة من الكنائس الناشئة،
كتبها بولس فمرّر، عبر تلميذه، ما أراد أن يعلّمه لجماعة عارفة بالقضية التي
تعالجها الرسالة ومهتمة بالحل الذي يقترحه الرسول.

 يكتب بولس وهو في السجن، كما
ألمحْنا سابقا وتؤكد ذلك الرسالة عينها (الآيات 1، 9، 13). غير أننا لا نجد في
الرسالة اي تلميح الى مكان سجنه لنعرف تاريخ كتابتها والمكان الذي أُرسلت منه.
يعتقد بعض المفسرين بأنها كُتبت من رومية، وآخرون يقولون من قيصرية. اذا رجّحنا
المكان الاوّل تكون الرسالة قد كُتبت في أوائل الستينات (61-63). من المفيد أن
نذكر أن علماء عديدين يضمّون هذه الرسالة موضوع مقالنا اليوم الى رسالتَيْ كولوسي
وأفسس اللتين ارسلتا، عموما، من رومية، ويسمّيانها معاً "رسائل الأسر"،
مما يوحي أن هذه الرسائل جملةً كتبت في وقت متقارب.

 تقدم الرسالة الى فيليمون
تصويرا رائعا للمحبة المسيحية، وهي تساعدنا على أن نعتقد، بثقة، بأننا جميعا إخوة
في المسيح يسوع، وتدعونا الى أن نترك لبعضنا البعض كل زلّة، ونرتضي سيادة الله
علينا كحق واجب ونطيع مشيئته لنحيا.

 

مضمون السفر:

هذه الرسالة هي أقصر الرسائل
التي كتبها الرسول بولس، وكان الدافع وراء كتابتها عاملين: (1) هروب أنسيمس العبد
من سيده فليمون، الذي كان يقيم في كولوسي في وادي ليكوس في أسيا الصغرى، (2) تجديد
أنسيمس على يد الرسول بولس. فكتب الرسول هذه الرسالة لتحقيق المصالحة، حتى يعود
العبد الهارب إلى سيده ويحصل على غفرانه.

ولا يمكن الجزم بمدى معرفة
أنسيمس بمكان الرسول بولس، عند هروبه من بيت سيده في كولوسي، وهل قصد إليه مباشرة،
أو أنه سعى إليه عندما علم مصادفة، وهو في رومية بمكان الرسول بولس. ولعل حاجته
إلى مال في البلد الغريب، والخوف من اكتشاف أمره، وتأنيب الضمير لما اقترفه من
أخطاء، لعل كل هذه مجتمعه دفعته للسعي إلى الرسول بولس ليلتمس منه المعونة. أو
لعله قبض عليه لسبب ما ووضع في السجن حيث كان الرسول بولس، وقد وجد فعلاً بغيته
عند الرسول بولس، فقد أتى به إلى المسيح فصار إنساناً جديداً، وهكذا استطاع أن يعيده
إلى سيده في صورته الجديدة.

وفي الرسالة ظاهرة فريدة، إذ
يذكر الرسول جميع أفراد عائلة فليمون بل والكنيسة التي في بيته (فل2). ويبدو أن
الرسول أراد أن يُعرِّف جميع هؤلاء الأفراد بما يطلبه من فليمون، حتى يتخذ فليمون
قراره في ضوء معرفة الآخرين بالموقف. لقد كان من الصعب على فليمون عدم الاستجابة
لطلب الرسول، فكم بالحري في ضوء معرفة الجميع به.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر المزامير بروس أنيستى 70

 

أهمية السفر:

لهذه الأهمية جانبان:

(أ) نرى لمحة من حياة الرسول
بولس الداخلية كما يستعرضها أمام الأصدقاء الحميمين. فالرسالة مزيج من الثقة في
فليمون بأنه سيستجيب لطلب الرسول، ولباقة الطلب التي لا يمكن أن تُقاوَم. فالرسول
يأبى استغلال صداقته لفليمون في الاحتفاظ بأنسيمس لمعاونته في خدمته للإنجيل (11-14).
كما أنه يتعهد بالوفاء بكل ما لفليمون عند أنسيمس (18، 19). ومما يستلفت النظر
بشدة محبة الرسول بولس لأنسيمس – العبد – الذي ولده في قيوده (10، 12).

(ب) الجانب الثاني هو ما تكشف
عنه الرسالة من موقف الكنيسة في عصورها الأولى من موقف الكنيسة في عصورها الأولي
من موضوع "الرق" فبينما كان من المستجيل المجاهرة بالدعوة إلي إلغاء
الرق، الذي كان يشكًل عنصراً هاماً من النظام الاجتماعي ةقةانين الامبراطورية،
وكانت الدعوة لإلغائه معناها الثورة ضد الإمبراطورية، وما يترتب علي ذلك من محاربة
الامبراطورية للكنيسة حرباً لا هوادة فيها، فإنه كان من الممكن الدعوة لمحبة العبد
ومعاملته كأخ في المسيح. وهو ما أتاح للكنيسة – فيما بعد – العمل على تحرير العبيد
وإلغاء الرق نهائياً.

 

مناسبة السفر:

هرب اونسيمس، عبد فيلمون، إلى
بولس الذي ردّه إلى الإيمان (ب) المضمون. طلب بولس بلطافة وروحانية من فيلمون ان
يستعيد أونسيمس (آ12) ويعفو عنه. ويرجو الرسول ان يحصل على اكثر من ذلك. تقول آ13
: يريد بولس ان يأخذ معه اونسيمس. كان لانافعًا، والآن صار نافعًا. (ج) تلقي هذه
الرسالة الضوء على قلب الرسول الكبير. واذا كان اونسيمس قد صار فيما بعد اسقف
افسس، لن نتعجب أن تكون هذه الرسالة قد حُفظت في الكنيسة إلى أيامنا. (د) الموضوع
اللاهوتي. مع أنّ فلم لا تشكّل مقالاً عن العبوديّة، إلاّ أنّها تحسب قاعدة غنيّة
لذلك على المستوى اللاهوتي. أدرج بولس توسّله في جماعة واسعة من الصلاة (آ4، 9،
10، 22). وطلب سلام الجماعة (آ7) وسلام كل واحد بمفرده (آ12). تأسّس طلبه على
المحبّة (آ9) التي تغمر قلب فيلمون. بُنيت فلم حسب رسمتين من العلاقات. الرسمة
الأولى ترتكز على البدليّة : أونسيمس هو في الوقت عينه ممثّل فيلمون لدى بولس (آ13).
وممثّل بولس لدى فيلمون (آ17). الرسمة الثانية تتأسّس على مفهوم الاقتداء. يُدعى
فيلمون بشكل ضمنيّ إلى الاقتداء ببولس الذي يقتدي بالمسيح (1كور 11 :1). إنّ بولس
يقدّم في خلفيّة تصميم الفداء نموذجًا بشريًّا يجب أن يلقي الضوء على العلاقات
الاجتماعيّة. تُعاش القضيّة كلّها "في المسيح". عبّر بولس عن طلبه بلغة
العلاقات الاقتصاديّة (آ17-20)، فأذاب نظرة الحقوق والواجبات في مثال المسيح الذي
بذل ذاته عنا. فالمسألة الأساسيّة في الرسالة، ليست عبوديّة أونسيمس، بل حريّة
فيلمون. نحن أمام انشداد عميق فيه يتخلّى كلّ واحد عن حريّته ليُثبت حريّة الآخر.

تظهر لنا رسالة فليمون بوضوح
المحبة والصفح المسيحي. فهي توضح لنا قوة البشارة بالإنجيل في ربح العبد السارق
الهارب، وفي تغيير فكر السيد نحوه. حقاً أنها رسالة في " المسيحية
التطبيقية"، وموسوعة في "الخدمة الاجتماعية".

هذه الرسالة هي رسالة شخصية
مكتوبة من الرسول بولس إلى فليمون، مكونة من إصحاح واحد، فقط من خمس وعشرين آية،
ولكنها تحتوي على عبارات قوية جميلة، مع تعبيرات فائقة الروعة والتأثير، مما
يجعلها جوهرة في كتاب الكتب – الكتاب المقدس.

وحينما نقرأ رسالة فليمون
ينبغي أن نلاحظ اللطف واللباقة في كتابتها، وكيف أن رسائلنا الشخصية من الممكن أن
تصطبغ بهذه الصبغة الرائعة حتى تكون خدمة حقيقة لله المحب إذا أردنا حدوث ذلك.

وفي هذه الرسالة يتشفع الرسول
بولس عند فليمون (الذي كان عضواً بارزاً في كنيسة كولوسي) من أجل عبداً هارباً كان
يدعى أنسيموس الذي سرق سيده وهرب إلى روما. وبترتيب إلهي قابل الرسول بولس وجهاً
لوجه حيث تعرف على شخص السيد المسيح المبارك الذي جاء ليهب الحرية للعالم أجمع.
وقد صار محبوباً للرسول بولس بما قدمه من خدمة مخلصة نافعة.

ولكن الرسول بولس كان يعلم
أنه عبد لفليمون حسب القانون الزمني ولذلك فإنه لم يفكر قط في أن يستبقيه لديه
بصفة دائمة، فأعاده إلى سيده مقدماً له المبررات التي تشجعه على قبوله مرة ثانية،
وقد جعل نفسه ضامناً شخصياً لدين أنسيموس طالباً من فليمون أن يضعه على حسابه.
وبهذا كان يحمي أنسيموس من العقوبة الشديدة التي كان يستحقها نتيجة عمله حسب
القانون الروماني.

كما تناقش هذه الرسالة قضية
العبودية والرق. فلم يطالب الرسول بإلغاء العبودية والرق ولكنه أوضح أنه من
المستحيل أن تكون العبودية ثمرة من ثمار المسيحية. فهذه الرسالة الجميلة من رسول
المسيح العظيم المقيد من أجل الإنجيل تبشر بالوقت حينما تنتصر قيود محبة المسيح
على أغلال العبودية.

وقد كان أنسيموس واحداً من
عبيد العالم القابعين تحت قبضة سادتهم. ففي سنة 300 ق.م. كان هناك 21000 مواطن في
أثينا وحدها يملكون حوالي 400000 من العبيد. ولم تختلف هذه النسبة كثيراً في أيام
الإمبراطورية الرومانية وقت كتابة هذه الرسالة، فكان السيد الروماني يملك من 10
إلى 200 عبداً، وكان البعض يملكون ألفاً أو أكثر الذين لم يكن لهم أي حقوق في
الحياة أو الحرية.

 

شرح السفر

فليمون 1

يبدو أن الكنائس في كريت كانت
تعاني من نقص في القيادة المؤهلة. وقد أوصى بولس تيطس أن يكمل ترتيب الأمور
الناقصة ويقيم في كل مدينة شيوخا… وأن الأسقف كوكيل الله يجب أن يكون بلا لوم
بعل امرأة واحدة له أولاد مؤمنون ليسوا في شكاية الخلاعة ولا متمردين (تيطس
5:1-7).

يجب أن يكون الأسقف بعل امرأة
واحدة (1 تيموثاوس 2:3،12؛ تيطس 6:1). إن بعض الرعاة المطلقين يريدون أن يقنعوننا
بأن هذا يعني أن يكون زوجا لامرأة واحدة في الوقت الواحد. أي أن الخادم من حقه أن
يتزوج ويطلق ويتزوج مرة أخرى أي عدد من المرات طالما أنه يكون زوجا لامرأة واحدة
في الوقت الواحد.

إن شغل وظيفة أسقف أو شيخ أو
راع في الكنيسة يتضمن أن يكون الشخص مسئولا بصفته ممثلا ليسوع المسيح أمام كنيسته
على مستوى أعلى من العضو العادي (تكوين 24:2؛ متى 3:19-11؛ مرقس 2:10-12).

لذلك يجب أن يكون الأسقف بلا
لوم، بعل امرأة واحدة [وليس واحدة في الوقت الواحد]… صالحا للتعليم [بالقدوة
والمثال الحسن]… يدبر بيته حسنا [أي بيت؟ الأول أم الثاني أم الثالث؟] له أولاد
[لم يقل أولادها أو أولادهن] في الخضوع بكل وقار. وإنما إن كان أحد لا يعرف أن
يدبر بيته فكيف يعتني بكنيسة الله؟… ليكن الشمامسة كلٌّ بعل امرأة واحدة مدبرين
أولادهم [وليس أولاد رجل آخر، أو أن رجلا آخر تكون له الوصاية على أولاده] وبيوتهم
حسنا (1 تيموثاوس 1:3-2،4-5،12).

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ف فاتور ر

فمن الواضح أن أي شخص يطلق
ويتزوج مرة أخرى سواء قبل أو بعد الإيمان لا يصلح أن يكون راعيا أو أسقفا أو
شماسا.

فالرجل المطلق بفسخه لعلاقة
الزواج مع زوجته، يفسخ العلاقة التي تمثل العلاقة بين المسيح وعروسه الكنيسة.

إن الطلاق تعدي على ترتيب
الله في العالم وأيضا على الكنيسة والأسرة. لهذا السبب يؤكد الله قائلا إنه يكره
الطلاق (ملاخي 16:2). وقد تكلم الرب يسوع بكل وضوح عن خطورة الطلاق قائلا: من بدء
الخليقة ذكرا وأنثى خلقهما الله… ويكون الاثنان جسدا واحدا، إذا ليسا بعد اثنين
بل جسد واحد. فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان (مرقس 6:10،8-9). ولكن من البدء لم
يكن هكذا. وأقول لكم إن من طلق امرأته إلا بسبب الزنى وتزوج بأخرى يزني (متى
8:19-9).

فيجب على القائد والمعلم في
الكنيسة أن يقدم المثال الصحيح للكنيسة التي هي عروس المسيح والتي تعد نفسها لمجيء
العريس. وهذا لا يعني بالطبع أن الشخص الذي قد طلق وتزوج مرة أخرى لا يمكن أن يكون
مسيحيا أمينا مخلصا ونافعا في ربح النفوس للمسيح فهو يستطيع أن يشغل أي وظيفة في
الخدمة باستثناء أن يكون ممثلا للمسيح في شكل أسقف أو شماس.

ويختم الرسول رسالته بتذكيرنا
بأنه: لا بأعمال في بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا… حتى إذا تبررنا
بنعمته نصير ورثة حسب رجاء الحياة الأبدية (تيطس 5:3،7).

 

الرسول بولس يلتمس من أجل
أنسيموس (1 – 25)

هذه الرسالة من بولس الشيخ
(9) أسير يسوع المسيح، فقد كان في حوالي الستين من عمره حينما كتب هذه الرسالة
وكان مقيداً في سجون روماً ليس من أجل شر أقترفه أو عمل يخجل من ذكره بل من أجل
البشارة بالإنجيل. وهل يستطيع أحد مهما كان أن يرفض طلباً لشخص له مثل هذه
المواصفات؟

هي رسالة صديق لصديقه "
إلى فليمون المحبوب والعامل معنا" (1). وهو لا يقول هذا من أجل إشباع غرور
فليمون أو إرضائه بل لأنه ينظر دائماً إلى جانب المضيء الجيد في حياة من يتعامل
معهم.

وهي رسالة إلى أسرة مسيحية
تقية من أسر مدينة كولوسي: الرجل (فليمون)، وزوجته (أبفية)، وابنهما (أرخبس).
وربما كان بيتهم كنيسة صغيرة بالمعنى الحرفي حيث تقام بها الخدمة الكنسية فعلياً. أو
بمعناه المجازي حيث أن كل أسرة مسيحية مباركة هي كنيسة صغيرة. نواة لكنيسة المسيح
المجيدة.

وربما كان واحداً من أهم
أسباب الضعف الروحي في حياتنا هو اختفاء كنيسة المنزل والمذبح العائلي حينما تلتف
الأسرة حول عريسها السماوي تتمتع بالحديث معه في الصلاة والاستماع إلى كلماته من
خلال الكتاب المقدس.

هي رسالة إلى شخص محب ومؤمن،
له هذه الصفات الرائعة نحو الرب وجميع القديسين أعضاء جسد المسيح حتى أن الرسول
سمع بها رغم بعد المسافة بينهما واهتم أن يصلي إلى الله شاكراً إياه من أجلها وأن
يزيده الله صلاحاً وفاعلية (4 – 7).

ومن الجميل في هذه الرسالة أن
الرسول بولس قد امتنع عن استخدام سلطانه الرسول من أجل حل هذه المشكلة، ولكنه
كدارس متميز للطبيعة البشرية قام باستعطاف فليمون بدلاً من أن يأمره، رافعاً من
شأن أنسيمس إلى مرتبة الابن الذي ولده بينما هو مقيد من أجل اسم المسيح (8 –10).

ثم يستخدم الرسول بلاغته
اللغوية حينما يتحدث عن أنسيموس
Onhsimov ومعنى اسمه نافع فيقول أنه "كان قبلاً غير نافع لك ولكنه
الآن نافع لك ولي" (11). وهذا هو عمل السيد المسيح في النفوس الغير نافعة
فيحولها بقوته ونعمته إلى نفوس نافعة تأتي بثمار ثلاثون وستون ومائة.

ومن الملاحظ أن الرسول بولس
وهو يقترب من طلبه الرئيسي من فليمون لا يفعل ذلك مرة واحدة ولكنه يستخدم التدرج
الرقيق حتى يستطيع أن يمتص غضب فليمون ومرارته الناتجة عن هروب عبده بعد أن سرقه.

كما نرى أن طريقة الرسول بولس
في معالجته لقضية العبد السارق تشبه – مع الفارق – طريقة السيد المسيح في تعامله
مع خطايانا. فلم يقلل بولس من خطأ أنسيموس ولكنه طلب من فليمون أن يسامحه على أساس
المحبة المتبادلة بينهما كما تعهد أن يقوم بسداد الدين بالكامل. وهذه هي رسالة
الإنجيل أن المسيح – له كل المجد – حمل خطايانا وأخذ مكاننا ومات عنا وقام ليهبنا
الحياة الأبدية، لا كعبيد بل كأبناء أحباء.

 

المعالجة الاجتماعية

إن السر في حل المشكلة
الرئيسية في هذا السفر – قبول أنسيموس السارق الهارب – يأتي من محبة المسيح الغير
نهائية، والتي سادت العلاقة بين فليمون وأنسيموس بعد ذلك "لا كعبد في ما بعد
بل افضل من عبد أخا محبوبا ولا سيما إلىَّ فكم بالحري إليك في الجسد والرب
جميعا" (16)

وهذه الرسالة تعطي فكرة واضحة
نحو موقف المسيحية من التنظيمات الاجتماعية العالمية.

فالموضوع الرئيسي هو العبودية
التي كانت سائدة في العالم في ذلك الوقت. فإذا كانت العبودية خطأ فلماذا لم يقل
الرسول بولس ذلك صراحة بدلاً من هذه الرسالة لطلب الصفح من أجل عبد هارب؟

هل تتوقع ما كان يمكن حدوثه
إذا فعل الرسول ذلك ؟ بالطبع فإن معالجة كهذه تتسبب في تمزيق المجتمع، قيام
الانقلابات، تهديد الأمن، موت العبيد والسادة أيضاً.. إلى آخر هذه المظاهر
بنتائجها الوخيمة.

ولكنه بدلاً من ذلك وضع
المبادئ العامة القادرة على ضعضعة نظام العبودية عالماً بأنه حتماً سيأتي الوقت
حينما تنتشر هذه المبادئ في كل مكان وينتهي هذا النظام بطريقة هادئة سلمية. فحرية
الأخوة والعضوية في جسد المسيح أقوى بكثير من أي عبودية عالمية. فالمسيحية لا تحرر
العبيد فقط ولكنها تؤكد أن العبيد والسادة كلاهما أعضاء متساوين في جسد المسيح.

وفعلاً فقد تحرر العالم من
هذه التجارة البغيضة بفضل تعاليم الكتاب المقدس العظيم.

ولكن وللأسف فإن إنسان اليوم
يغمض عينيه عن تعاليم المسيح، ويتورط في هذه التجارة المريعة تحت أسماء أخرى في
العديد من بقاع العالم، فنجد أن الأجساد والنفوس تمتهن وتباع وتشترى بطريقة لا
ترضي إلهنا الذي جاء من أجل أن يطلق المسببين أحراراً.

وإن كان الرسول قد أملى هذه
الرسالة على تيموثاوس أو تيخيكس كما هي العادة في هذه الأيام إلا أننا نراه وهو
يأخذ قلم الكتابة ويكتب بيده "أنا بولس، كتبت بيدي، أنا أوفي، حتى لا أقول لك
أنك مديون لي بنفسك أيضاً" (19)

وفي هذا إشارة إلى التزام
بولس بالوفاء بالدين، رغم علمه بأنه صاحب معروف كبير على فليمون نفسه، ربما أن
إيمان فليمون كان بسبب تعاليم الرسول العظيم.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي