الإصحَاحُ
الثَّامِنُ عَشَرَ

 

الحديث
الرابع الكبير

–   قامة الطفولة شرطٌ للدخول إلى
الملكوت                            (18: 1
5)

–   العثرات والدخول إلى الملكوت                                         (18:  6 14)

–   الغفران والمسامحة أساس للدخول إلى الملكوت                      (18:
1520)

–   مَثَل الخادم غير الرحوم                                                (18:
2135)

 

وحدة الفكر في هذا الأصحاح:

بالرغم
من تعدُّد المواضيع التي يتكلَّم عنها ق. متى في هذا الأصحاح، إلاَّ أنها تحمل بين
طياتها وحدة الموضوع. لمَّا تقدَّم التلاميذ إلى المسيح يسوع بصراحة مكشوفة
يسألونه مَنْ هو أعظم في ملكوت السموات، يبدو أن هذا السؤال كان غير مناسب
بالمرَّة. ولكن لو تتبَّعنا الكلام السالف في الأصحاحات القليلة الماضية نجد أن
اسم ق. بطرس أكثر اسم في أسماء الاثني عشر يتكرَّر، وفي كل مرَّة يكون هو السابق
الأول. فالقديس بطرس هو الذي سار على الماء (29:14)، وهو الذي سأل عن موضوع
التطهير (15:15)، وهو الذي أخذ الاستعلان من الآب بأن يسوع هو المسيح ابن الله الحي، وكوفئ على ذلك بأن أخذ الطوبى والوعد
ببناء الكنيسة على صخرة إيمانه هذا
(16:16
18). وعلى
جبل التجلِّي هو الذي تكلَّم مع المسيح مقترحاً ثلاث مظال للمسيح والزائرَيْن موسى
وإيليا (4:17). وها هنا جامعو الضرائب يتقدَّمون للقديس بطرس لطلب الضريبة عن
المعلِّم. وبناءً عليه أعطى المسيح للقديس بطرس التصريح بصيد السمكة (24:17
27). ولهذا
اختمرت الفكرة عند التلاميذ لعلَّه يكون هو الأعظم في ملكوت السموات!

وبناءً
على ذلك أعطى المسيح درسه هنا عن قامة الطفولة التي تتحكَّم في مَنْ هو الأعظم في
ملكوت السموات! وبالنسبة للتلاميذ جميعاً أصبح عليهم أن يصيروا إلى هذه القامة حتى
يمكن أن يدخلوا ملكوت الله.

أمَّا
الشعور الرديء عن مَنْ يكون الأعظم ليتحكَّم في الباقي، فهذه السلبية غائبة
نهائياً عن ملكوت الله، لذلك أعطى الدرس الثاني أنه يتحتَّم على أي إنسان يريد أن
يدخل الملكوت أن يحب الجميع، وبالأخص الضعفاء والمحتقرين الذين يظهرون وكأنهم
أولاد أو صغار. فهؤلاء يكونون المقياس لصدق
المحبة بوقار واحترام:
» ومَنْ
قَبِلَ ولداً واحداً مثل هذا باسمي فقد قبلني.
«(مت 5:18)

كما
أن التعظيم طريق كله إعثار وعثرات، وخاصة للصغار، فإعثارهم ثمنه الجحيم:
» ويل لذلك الإنسان الذي
به تأتي العثرة
« والإنسان المُعثَر من جسده سواء اليد أو الرجل أو العين فالأفضل
أن يقطعها بدلاً من أن يدخل بها جهنم صحيحاً.

وعودة
إلى الأولاد الذين يُعثرهم الكبار، إذ يرى المسيح فيهم صورة لوجه الله، فملائكتهم
ينظرون كل حين وجهه، لهذا وجب أن لا نحتقرهم.

وبدل
أن يسألوا فيمن هو الأعظم في ملكوت الله عليهم أن يدرسوا منهج المسيح الذي يقول
إنه جاء ليخلِّص ما قد هلك، فهذه هي العظمة الحقيقية بالنسبة للتلاميذ، لأنهم إن
قاموا بهذا الجهاد الممدوح فأجرهم عظيم في ملكوت الله:
» والفاهمون يضيئون كضياء
الجلد، والذين ردُّوا كثيرين إلى البِرِّ كالكواكب إلى أبد الدهور.
«(دا 3:12)

وصاحب
الملكوت ملك المجد نزل من عرشه ليبحث عن الخروف الضال، فقد جاء من أجل خطاة
يحتاجون إلى التوبة، وليس لأبرار يريدون أن يكونوا عظماء في ملكوت الله:
» هكذا ليست مشيئة أمام
أبيكم الذي في السموات أن يَهْلِكَ أحدُ هؤلاء الصغار.
«(مت 14:18)

والعظمة
الحقيقية ليست أن تتعظَّم على أخيك ولا تبالي بشعوره، بل إن أخطأ إليك اذهب
وعاتبه، فإن سمع منك فقد ربحت أخاك؛ على أن المسيح يَعِدُ وعداً إلهياً خاصاً أنه
سيُوجد هو شخصياً في الحال في مجالس الصلح أو الصلاة، يسمع ويستجيب.

والذي
يغفر للناس يغفر له الله، والذي يحنث في مغفرته للناس يطالبه الله بكل خطاياه
حتى وإن كانت قد غُفرت له.

 

قامة الطفولة شرطٌ للدخول إلى الملكوت

[1:185]                       (مر
33:937)، (لو 46:948)

 

1:183 «فِي
تِلْكَ السَّاعَةِ تَقَدَّمَ التَّلاَمِيذُ إِلَى يَسُوعَ قَائِلِينَ: فَمَنْ هُوَ
أَعْظَمُ فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ؟ فَدَعَا يَسُوعُ إِلَيْهِ وَلَداً
وَأَقَامَهُ فِي وَسْطِهِمْ وَقَالَ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ
تَرْجِعُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ الأَوْلاَدِ فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ
السَّمَوَاتِ».

في
الحقيقة هنا يكشف ق. متى مباشرة هذه المنازعة التي كانت بين التلاميذ، فالقديس
مرقس يضعها في قالبها الضعيف:
» وجاء إلى كفرناحوم وإذ كان في البيت سألهم بماذا كنتم
تتكالمون فيما بينكم في الطريق، فسكتوا، لأنهم تحاجُّوا في الطريق بعضهم مع بعض في
مَنْ هو الأعظم
«(مر 9: 33و34). هنا خفَّفها القديس متى إلى مجرَّد سؤال من
التلاميذ فيمن هو أعظم في الملكوت. وما ذكره ق. مرقس هو الأكثر مناسبة لرد المسيح،
حيث عرف المسيح بالروح ما كانوا يتحاجُّون من أجله هو أمر مخجل.

«أعظم»: me…zwn

لا
تفيد الأعظم فقط بل تحمل معنى الترأس، فهي تأتي كاسم تفضيل
superlative من الصفة mšgaj التي تعني كبير أو عظيم كما جاءت في (1كو 13:13): » أمَّا الآن فيثبت
الإيمان والرجاء والمحبة، هذه الثلاثة ولكن أعظمهن المحبة
«حيث تتحكَّم المحبة في الباقي! ولكن الأمر الذي
يُتعجَّب له أن التلاميذ لمَّا سمعوا من المسيح أن ابن الإنسان سيسلَّم إلى أيدي
الناس ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم حزنوا جداً، إذ أنهم لم يفهموا ما هي
القيامة. وهنا نجدهم يبحثون عن الوظائف ومَنْ يكون الأعظم في ملكوت السموات، ولكن
هذا يكشف لنا بالأكثر محبة الله الآب التي سبقت فاختارت وعيَّنت، مدركةً كل ضعفات
الإنسان. والمسيح لمَّا اختار التلاميذ اختارهم وهو عارف بضعفاتهم وعيوبهم، لأن
محبة الله ساترة للعيوب، والمسيح كان يثق في قدرته وفعل الروح القدس في تهذيب
أخلاق وسلوك التلاميذ، وبالتالي نحن. إذ كما يقول ق. بولس:
» فانظروا دعوتكم أيها الإخوة، أن ليس كثيرون
حكماء حسب الجسد، ليس كثيرون أقوياء، ليس كثيرون شرفاء (ذات حسب ونسب ومحتد)، بل
اختار الله جُهَّال العالم (صيَّادين) ليُخزيَ الحُكماءَ (الكتبة). واختار الله
ضُعفاء العالم ليُخزيَ الأقوياءَ (ملوك ورؤساء كهنة). واختار الله أدنياءَ العالم
والمُزدَرَى وغير الموجودِ ليُبطِلَ الموجودَ، لكي لا يفتخر كُلُّ ذي جسدٍ أمامه.
ومنه أنتم بالمسيح يسوع، الذي صار لنا حكمة من الله وبرًّا وقداسةً وفداءً.
«(1كو 1: 2630)

بسبب
هذا الإحساس العميق صرخ دانيال النبي:
» لك يا سيِّدُ البر، أمَّا لنا فخزي الوجوه … «(دا 7:9)

والآن،
حينما جاء بولدٍ وأقامه في الوسط وقال إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن
تدخلوا ملكوت السموات، يكشف المسيح في الحال عن شخصه ومستواه وعلمه وطبيعته وقانون
الملكوت الذي وضعه!! فهو حتماً وبالضرورة على هذه القامة عينها، فهو صاحب طبيعة
الملكوت ومدبِّره، وإذ وضع شرط دخول الملكوت فهو الملك المدبِّر بلا نزاع، وواضع
أُسس الحياة الأبدية كما وضع أُسس السموات والأرض! فكما أعطى كيف يُولد الإنسان في
العالم، وضع كيف يولد الإنسان ثانية لملكوت السموات. وكما أعطى قوانين النمو
والترقِّي والنضوج للجسد، وضعها هي بعينها لدخول الملكوت والحياة فيه. وهنا نفهم
بما لا يدع مجالاً للشك قيمة ومعنى:
» تعلَّموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم «(مت 29:11) فحينما قال انظروا إلى هذا الولد كان الأمر في الحقيقة:
انظروا إليَّ. فقامة الولد مختفية تحت ستار صغر الجسد والسن، ولكن هي في عمقها
واضحة في قامة المسيح غير مخفية في الجسد بعد؛ إذ وضحت لكل ذي عين وعقل في كيف سلك
وتصرَّف، وكيف عامل أعداءه ومحبِّيه، وبالأكثر فيما هو قادم عليه من هجمة الأعداء
الشرسة من قبض وإهانة ولطم وشتم وبصاق وضرب على الظهر والرأس، وتعليق على الخشبة
وهو هادئ هدوء الحمل تحت يد الذي يجزّه لا يتحرَّك ولا يفتح فاه. نعم لقد بلغ
المسيح بهذه القامة “قامة الأولاد الصغار” في الوداعة والتواضع والطاعة تحت يد
أبيه مبلغاً لا يبلغه بالغ. فالولد الصغير الذي أقامه ليستعرض فيه ذاته هو يقصد
منه مظهره هو، بل أقدس ما فيه، وفي روحه الوديعة المتواضعة الطيِّعة تحت يد أبيه.

لم
يحاول أن يسترجع قبح عراكهم فيمن هو الأعظم، ولا هو أنَّبهم على بلادة ذهنهم
وشعورهم من جهة ما أعلنه عن آلامه المزمعة وموته، بل تجاوز هذا كلَّه كما تجاوز كل
ضعفاتهم يوم اختارهم ليكونوا تلاميذه وأصحاب مفاتيح ملكوت السموات. ولكن إزاء حركة
ضمائرهم الشاذة فيما يطلبون من العظمة في ملكوت الله، اضطر أن يضع المثل أمام
عيونهم وضعاً لا يُنسى بتمثيل حيّ، ليذكروه بعد ذلك ويتمثَّلوه. والمسيح لما أحبَّ
الأولاد الصغار أمام أعينهم واحتضنهم أحبهم لا لأنه كان بلا ولد، بل لكي يوضِّح
بأشد بلاغة أن هذه هي القامة المثُلى والأقرب إلى قلب الله، وتزداد علواً وقرباً
منه إن كانت هي قد بلغت قامة الرجولة في احتمال الآلام وخوض المعاناة بلا أنين.
ويُقال إن الولد الذي حمله المسيح هو ق. إغناطيوس الذي استشهد، لذلك سمِّي
 Ð qeofÒroj أي حامل الإله([1]).

والمشكلة
التي واجهت المسيح في التعليم ليس لأنهم تعاركوا فيمن هو أعظم في الملكوت، بل كيف
يَدخُلُونه؟ لأن تعظمهم بعضهم على بعض هو العائق الأعظم لدخولهم الملكوت. وهكذا
كشفوا بسؤالهم أو بعراكهم عدم صلاحيتهم للملكوت أصلاً. ولكن الأمر الذي يعود علينا
بالحزن والأسى والحسرة أن هذا بعينه ما هو حادث في الكنيسة “مَنْ هو الأعظم” على
أساس وهمي أن الأعظم هنا أعظم هناك! وليس لنا في ذلك كلام.

«فلن
تدخلوا»:

 هنا نَفْيٌ مغلَّظ
كالقسم المغلَّظ، فأداة النفي مكرَّرة تعبيراً عن المستحيل! لم ولن.

«ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد الصغار»:

الدعوة
هنا سرِّية غاية السرِّية، فمعلوم بحسب عقل نيقوديموس أنه مستحيل أن يرجع الإنسان
ويصير إلى طفل، هل يدخل بطن أُمه ثانية ويولد؟ هذا هو الحكم بالعقل وبمقتضى
الطبيعة. والمسيح هنا يشير إلى الولادة السرِّية التي تعيد الإنسان لا مثل طفل بل
طفلاً حقـًّا وبالحقيقة؛ ولكن ولداً لله، مولوداً من روحه وراضعاً من لبنه العقلي
عديم الغش، ولادة بالكلمة ومن فوق حيث ينتمي الإنسان إلى طبيعة ابن الله، الحائزة
على الوداعة والتواضع كصفة من هو مولود من فوق. وهذا هو المنطق الإلهي والقانون
الذي وضعه المسيح لبلوغ صلاحية الدخول إلى الملكوت!

«مثل الأولاد»: æj t¦
paid…a

هنا
الأولاد باليونانية تفيد الأطفال الصغار!!

ثم
أليس هذا هو الجواب الذي أعطاه المسيح لنيقوديموس:
» أجاب يسوع وقال له: الحقَّ الحقَّ أقول لك: إن كان
أحدٌ لا يُولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله (وليس أن يكون عظيماً فيه) … لا
تتعجَّب أني قُلتُ لك: ينبغي أن تُولَدُوا من فوق. الريح تَهُبُّ حيث تشاءُ، وتسمع
صوتها، لكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب. هكذا كل مَنْ وُلِدَ من الروح.
«(يو 3: 3و7و8)

ولكن ما هذا؟ أن “ترجعوا” وتتحوَّلوا، كيف نرجع؟ وكيف
نتحوَّل؟ ومما نرجع؟ وإلى مَ نتحول؟

كلام
سر المسيح هنا عميق والإحساس الروحي هو دليل الإنسان مع انفتاح الذهن: التغيير
والتحوُّل والرجعة هي مما هو للإنسان إلى ما هو لله حتى نؤهَّل لرؤية الله:
» تروا ملكوت الله « وبالتالي نصير أهلاً لدخول ملكوت الله. الأمر الذي وضَّحه بولس
الرسول نفسه:
» الروح نفسه
أيضاً يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله، فإن كنا أولاداً فإننا ورثة أيضاً
(بالضرورة) ورثة الله (ملكوته) ووارثون مع المسيح (الابن).
«(رو
8: 16و17)

لاحِظ
أيها القارئ السعيد أن الذي يدخل الملكوت يبلغ منتهى ما يمكن أن يبلغه الإنسان.
هذا وضح في مَثَل القمح والزوان، حيث
» يضيء الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم «(مت
43:13). ولكن من كلام ق. بولس الرسول السالف يتضح لنا أن تبنِّي الله للمفديين هو
الذي أعطاهم حق الأولاد، فقول المسيح:
» ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد «
هي عملية عُظمى أكملها المسيح لنا ونحن ننالها بالروح بالإيمان (غل 26:3).
فالتغيير أو التحوُّل إلى ما هو لله يأتي بجهد بشري، ولكنه تمَّ وكَمُلَ بحسب
مشيئة الله في المسيح يسوع، وأصبح نواله يدخل في عملية الإيمان والخضوع الكامل لمفاعيله
الإلهية المجانية. هنا قامة الطفل الصغير مطلوبة جداً حيث يحني رأسه ليضع المسيح
يده عليه، فبالطاعة بالإيمان ننال بركة التبني.

4:18
«فَمَنْ وَضَعَ نَفْسَهُ مِثْلَ هذَا الْوَلَدِ فَهُوَ الأَعْظَمُ فِي
مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ».

المنظر
هنا سرِّي للغاية، فالولد واقف أمام المسيح، والتلاميذ ينظرون، والمسيح يتكلَّم عن
الولد وهو في الحقيقة العملية يتكلَّم عن نفسه. لأنه مستحيل على الولد أن يبلغ
اتضاع المسيح. وممكن لإنسان أن يصطنع تواضع الولد ويمثِّل الدور تماماً وينال قبول
الناس ومديحهم، ومن داخل هو الإنسان. ولكن المسيح يتكلَّم عن الاتضاع الذي يلبسه
الإنسان بالروح كالثوب، وليس الذي يلبسه الإنسان ليتراءى به أمام الناس. فالولد
يحمل رمز الاتضاع ولكن ليس قوته، وإلاَّ ما كان الولد يصير مجرماً أو عاصياً أو
عنيداً. فالمسيح يطلب الاتضاع الذي لا يفارق الإنسان. المسيح هنا ينتقل من الولد
الرمز إلى الحق الكامل فيه:
» تعلَّموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم «(مت 29:11). وراحة النفس لا تتم إلاَّ في الملكوت.

المسيح
لا يتكلَّم عن التواضع كطبيعة بشرية، بل تواضع الروح الذي نَرِث به الملكوت. تواضع
الروح يناله الإنسان بالانقياد للروح القدس:
» لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء
الله
«(رو 14:8). والانقياد للروح القدس يوصِّل لكل ما يشتهيه الله لنا
من كل الصفات. والانقياد للروح هو صنعته، فمهما أشار الروح إلى عمل يُعمل نعمله
بجرأة وشجاعة وبلا نقصان. وكل عمل يُشير به الروح أن لا يُعمل نقف في الحال ونمتنع
مهما كان الدافع أو الإغراء حتى الموت. بهذا نأخذ من الروح القدس صفاته أولاً بأول
بقدر ما نخضع ونطيع لتوجيهاته وعمله فينا. إذن، فالله وضع فينا مَنْ يقودنا إلى
الملكوت خُطْوَة خُطْوَة. والذين ذاقوا توجيهات الروح القدس وإرشاداته بل أوامره
أحيانا
يعرفون كيف
يصومون الصوم الانقطاعي الدائم عن الشهوات والنزوات وميول النفس المنحرفة،
والمشورات المشبوهة والإغراءات التي تأتي بصور شبه روحية. والذي وضع نفسه مثل هذا
الولد يعني أنه باعها لأبيه السماوي ووضعها تحت أمره وتدبيره مهما تكلَّف الإنسان.

الخطر
الذي وقع فيه معظم الشُّرَّاح أنهم فتَّشوا في الطفل عن الصفات التي فيه وقارنوا
التواضع بما قالته الكنعانية وما قاله قائد المائة، هؤلاء لم يبلغوا تواضع الروح
الذي يورِّث الملكوت ولكن تواضع النفس الذي فازوا به بالشفاء، شفاء الجسد. شفاء
الجسد شيء وشفاء الروح من العظمة شيء آخر. تواضع المسيح يورِّث الملكوت، وبغير
تواضع المسيح لن نرث ملكوتاً. تواضع المسيح لم يكسب به المسيح مديحاً أو مكسباً
على الأرض، بل ضيَّع عليه كل مديح وكل مكسب، تواضع المسيح كسب به الصليب!!
وبالصليب كسب لنا الملكوت!

+
» فليكن فيكم
هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضاً: الذي إذ كان في صورة الله، لم يَحسِبْ
خُلسَةً أن يكون معادلاً لله. لكنه أخلى نفسه، آخذاً صورة عبدٍ، صائراً في شبه
الناس. وإذ وُجِدَ في الهيئة كإنسانٍ، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت
الصليب. لذلك رفَّعه الله أيضاً، وأعطاه اسماً فوق كل اسمٍ …
«(في 2: 59)

5:18
«وَمَنْ قَبِلَ وَلَداً وَاحِداً مِثْلَ هذَا بِاسْمِي فَقَدْ قَبِلَنِي».

تماماً
على مستوى ما قاله المسيح بخصوص ما نعمله في أحد هؤلاء الأصاغر من إطعام وسقي
وملبس وزيارة في سجن أو قبول غريب:

+
» ثم يقول
الملك للذين عن يمينه (في ملكوته): تعالوا يا مبارَكي أبي، رِثُوا الملكوت
المُعَدَّ لكم منذ تأسيس العالم. لأني جعت فأطعمتموني. عطشت فسقيتموني. كنت غريباً
فآويتموني. عرياناً فكسوتموني. مريضاً فزرتموني. محبوساً فأتيتم إليَّ. فيجيبه
الأبرار حينئذ قائلين: يا رب، متى رأيناك جائعاً فأطعمناك، أو عطشاناً
فسقيناك؟ ومتى رأيناك غريباً فآويناك، أو عرياناً فكسوناك؟ ومتى رأيناك مريضاً أو
محبوساً فأتينا إليك؟ فيجيب الملك ويقول لهم: الحق أقول لكم: بما إنكم فعلتموه
بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر
(سواء تلاميذه أو
أولاده بالروح)
فبي فعلتم. «(مت
25: 34
40)

وهنا
يضيف على هذا المثل قوله هنا:
» ومَنْ قَبِلَ ولداً واحداً مثل هذا باسمي فقد قبلني «

«قبل»: dšxhtai

بمعنى
استقبل أو عطف أو ساعد أو تبنَّى أو علَّم أو أطعم أو استمع إلى شكواه أو طلبه أو
مرضه. وبالاختصار كل ما يمكن أن يضحِّي به الإنسان ويبذل في سبيل راحة أو فرح أو
شفاء ولد صغير من أجل اسمي، أي ليس بدافع المعونة الاجتماعية أو المساعدة للفقراء
أو العطف الجسدي ولكن
»
من
أجل اسمي
« وهنا يختبئ سر المسيح، حيث يعتبر المسيح أن الولد المتواضع
والطائع للمسيح يحمل المسيح، فأصبح أي عمل يُعمل لأي ولد واحد، كأنه يُعمل للمسيح
نفسه! لذلك وبهذا الشرط “باسمي” يصبح لزاماً على كل مَنْ يعمل عملاً صالحاً
لأي ولد لابد أن يسبقه أن الولد يعلم أنه باسم المسيح يُعمل له هذا العمل، وهذا
يعني أنه ينبغي أن يُخدم مثل هذا الولد خدمة روحية إيمانية لكي يُدرك أنه باسم المسيح
ومن أجل خاطره ينال ما يُعمل له.

هنا
تصبح خدمة مثل هذا الولد الواحد باسم المسيح هي خدمة مَنْ يمثِّله هذا الولد من
“الاتضاع”، وهو الرمز الأعظم للمسيح نفسه. وبهذا يعتبر أن مَنْ يقبل ولداً مثل هذا
(حامل الاتضاع) أنه قَبِلَ المسيح نفسه:
» فقد قبلني «

وليُلاحِظ القارئ أننا لازلنا ندور في فلك مَنْ هو الأعظم
في ملكوت السموات!! وهذا سيؤدِّي بنا إلى مناقشة العكس، أي مَنْ هو الذي سيُحرم من
ملكوت الله، وذلك التزاماً بالناحية السلبية في إعثار أحد هؤلاء الصغار. لأن الذي
يطلب ملكوت الله عليه أن يتحاشى بكل قوته ما يحرمه من الملكوت.

 

العثرات والدخول إلى الملكوت

[6:18-14]                    (مر 42:9-48)، (لو 1:17و2، 3:15-7)

 

6:18
«وَمَنْ أَعْثَرَ أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ الْمُؤْمِنِينَ بِي فَخَيْرٌ لَهُ
أَنْ يُعَلَّقَ فِي عُنُقِهِ حَجَرُ الرَّحَى وَيُغْرَقَ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ».

«أعثر»: skandal…sV

هذه
الآية هي العكس من السابقة، فالأُولى يقبل ويحترم ويخدم ويرعى ويربِّي، والثانية
يضع عثرة في حياة هؤلاء الصغار المؤمنين بالمسيح. في الآية السابقة القبول يكون
على أساس اسم المسيح. وفي الآية السلبية بالمقابل تكون العثرة للأطفال المؤمنين
بالمسيح. ففي الاثنين يضع المسيح نفسه ليكون ضامناً للجائزة العظمى في الأُولى وفي
الثانية لكي يوضِّح جريمة الإعثار أنها تمَّت في شخصه!! أمَّا وضع حجر الرحَى
الثقيل جداً في عنق المُعْثِر أو مَنْ يُعثر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بالمسيح
فهو أقصى تصوير لنزع الحياة عنوة تمهيداً للحرمان من الحياة الأخرى.

أمَّا صورة الإعثار فجعلها المسيح عامة تشمل أكل حقوق
اليتامى وإهمالهم المتعمَّد بسبب قساوة أو نقمة وتركهم للعُرْي والمرض، أو
استخدامهم للأعمال الشاقة التي تجلب الضعف والمرض، أو حرمانهم من أعواز الحياة
التي تليق بالأولاد. ولكن أشنع إعثار يأتيه الإنسان المستهتر بقيم الأخلاق
والإيمان هو استخدامهم في النجاسة فيضيِّع شرفهم وحياتهم ويستعبدهم للرذيلة
ويتركهم بلا رجاء ولا قيمة في الحياة. فبقدر ما يسلب منهم حياة الإيمان في المسيح،
تُسلب منه الحياة بكل معناها هنا وهناك. إذن، فمن هو الأعظم في ملكوت السموات
إلاَّ الذي يضيِّع حياته وعرق جبينه وماله وكل مدخراته في سبيل المحاماة عن هؤلاء
الصغار المؤمنين باسم المسيح، وحمايتهم من العثرات.

ويُلاحَظ
أن انتقال المسيح من الأولاد إلى اصطلاح “الأصاغر” يجعل المعنى ينتقل إلى كل
المؤمنين الضعفاء والمحتقرين من الناس، وتنتقل العثرة من عثرة الأطفال إلى عثرة
الكبار، ويتبعها كل ما يؤدِّي إلى الخطية والانزلاق في الإثم.

7:18
«وَيْلٌ لِلْعَالَمِ مِنَ الْعَثَرَاتِ. فَلاَ بُدَّ أَنْ تَأْتِي
الْعَثَرَاتُ، وَلكِنْ وَيْلٌ لِذلِكَ الإِنْسَانِ الَّذِي بِهِ تَأْتِي الْعَثْرَةُ».

بقدر
ما يبتعد العالم عن الله بقدر ما تزداد الخطايا ويزداد فاعلو العثرات. ولم يحدث في
تاريخ العالم أن ازدادت فيه الخطايا والعثرات مثل هذه السنين، التي بات العالم يحس
فيها بالويل الذي يعيشه وينتظره. والناس في قلق عظيم من المصير المحتوم. فارتفاع نسبة
الجريمة لم يحدث له مثيل من قبل، وبدأت الحكومات تستقطع من مالية الشعوب ما يعتبر
لحرب الجريمة. وهكذا بدأت الجريمة تستنفذ قوت الناس ومدخراتهم. ولابد أن تأتي
العثرات طالما لم يكن لله وجود في قلوب الناس وضمائرهم. والعثرة في أصولها هي
محاولة إيقاع الناس في الخطايا بنشر الرذيلة وتسهيلها كما هو حادث في السينما
والتليفزيون وبيع المخدَّرات واصطياد الشباب والأطفال والسيدات. العالم يعاني من
يد آثمة ممتدة إلى مقدَّساته وثرواته الروحية والفكرية لتلويث ما بقي له من تراث
آبائي وذخائر روحية وُمثُل عليا. هذه اليد هي يد الشيطان التي تحرِّك الآن جماعات
وهيئات ودولاً لنشر الفزع والرعب في قلوب الناس، تحرِّكها سياسات هادمة، القصد
منها تخريب العالم.

وكلمة “الويل”، مقصود منها: “سوء المصير والوقوع في دينونة
رهيبة”. وهنا تأتي آية بولس الرسول:

+
» لأن غضب
الله معلن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم الذين يحجزون الحق بالإثم.
«(رو 18:1)

+
» لذلك أسلمهم
الله أيضاً في شهوات قلوبهم إلى النجاسة لإهانة أجسادهم بين ذواتهم … لذلك
أسلمهم الله إلى أهواء الهوان …
«(رو 1: 24و26)

وكأنما
معسكر الظلمة يجمع لنفسه بسرعة ويتكتَّل ليوم الهلاك، إذ مجيء الرب للنقمة على
الأبواب:
» هكذا يكون
في انقضاء هذا العالم (الشرير)، يُرسل ابن الإنسان ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع
المعاثر وفاعلي الإثم ويطرحونهم في أتون النار. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان
«(مت 13: 4042)، » يفرزون الأشرار من بين
الأبرار.
«(مت 49:13)

8:18و9
«فَإِنْ أَعْثَرَتْكَ يَدُكَ أَوْ رِجْلُكَ فَاقْطَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ.
خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ أَعْرَجَ أَوْ أَقْطَعَ مِنْ أَنْ تُلْقَى
فِي النَّارِ الأَبَدِيَّةِ وَلَكَ يَدَانِ أَوْ رِجْلاَنِ. وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ
عَيْنُكَ فَاقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ
أَعْوَرَ مِنْ أَنْ تُلْقَى فِي جَهَنَّمِ النَّارِ وَلَكَ عَيْنَانِ».

هنا
في الحقيقة ولو أن ظاهر الكلام فيه عدم إشفاق على الجسد الذي في عثرته يجر الإنسان
إلى الهلاك الأبدي، لكن القصد منه أنه لابد أن نضع له حداً قاطعاً. فالمسيح هنا
يعطي أمراً بقطع اليد أو الرجل أو قلع العين التي تجر الإنسان إلى الخطية وإعثار
الآخرين للهلاك. هذا يجعلنا ندرك إلى أي مدى نحن متهاونون في ردع أعضائنا التي
تسبب لنا الموت والهلاك. ونحن إذا تصوّرنا قطع اليد التي تمتد للسرقة ومقدار الرعب
الذي يحل على أثر ذلك في القلب والجسد كله، يَسْهُل علينا أن نردعها. وكذلك العين
أو أي عضو في الجسد إن تصورنا قطعه أو حرقه يَسْهُل علينا ردعه وردّه عن عمله
المؤدِّي إلى الهلاك. وهكذا نعيش فعلاً بلا عين شريرة أو يد سارقة وكأننا عور من أجل
الله أو عمي أو عرج. وهكذا نعيش أمام الله والناس في هذا الدهر وكأننا فاقدون لهذه
الأعضاء من أجل المسيح. فحينما قال أيوب الصدِّيق:
» عهداً قطعت لعينيَّ فكيف أتطلَّع إلى عذراء «(أي 1:31) هو في الحقيقة عاش أعمى بالنسبة للنساء من أجل الله.
وهذا يقودنا إلى قول بولس الرسول: «صُلِبَ العالمُ لي وأنا للعالم» (غل
14:6). فالعالم كله أصبحَ ميِّتاً في نظر ق. بولس، مصلوباً بلا عمل ولا حركة
بالنسبة له، وهو بالتالي أيضاً صار هو مصلوباً للعالم لا حركة ولا عمل له في
العالم الشرير. ق. بولس صَلَبَ الجسد كله إزاء الشر والخطية. كذلك قوله:
» أَقمَعُ جسدي
وأستعبِده، حتى بعد ما كَرَزتُ للآخَرينَ لا أصيرُ أنا نفسي مرفوضاً
«(1كو 27:9). هنا القمع والاستعباد للأعضاء هو صلب بالفعل الروحي
ونية الضمير. فالمسيح لمَّا أمر بالقطع والقلع هو بالدرجة الأُولى أمر بالكفِّ عن
عمل هذه الأعضاء. فالمطلوب منَّا أن نكف عن أي نشاط لأعضائنا يجلب العثرة لنا
وللآخرين. وهي نفس الآية التي يقولها ق. بولس
» أَقمَعُ جسدي وأستعبِده «أي “أصلب نفسي للعالم وأصلب العالم لنفسي”،
وكذلك قوله:
» أميتوا
أعضاءكم التي على الأرض

«
(كو 5:3)، و» من أجلك نُمات كل
النهار
«(رو 36:8)، و» لكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون «(رو 13:8)، » كذلك أنتم أيضاً احسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطية ولكن أحياء
لله بالمسيح يسوع ربنا

«
(رو 11:6)، » حاملين في الجسد كل حين
إماتة الرب يسوع لكي تُظْهَر حياة يسوع أيضاً في جسدنا
«(2كو
10:4). هذا هو القطع والقلع والموت الحقيقي الذي يكون بالروح وعزم القلب وتسخير كل
الإرادة:
» لا
تملِكَنَّ الخطية في جسدكم المائت لكي تطيعوها في شهواته
«(رو
12:6)،
» لا
تُقدِّموا أعضاءكم آلات إثم للخطية
«(رو 13:6)، » مع المسيح صُلبت فأحيا
لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ
«(غل 20:5)، » الذين هم للمسيح قد
صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات.
«(غل 24:5)

10:18
«اُنْظُرُوا، لاَ تَحْتَقِرُوا أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ، لأَنِّي أَقُولُ
لَكُمْ إِنَّ مَلاَئِكَتَهُمْ فِي السَّمَوَاتِ كُلَّ حِينٍ يَنْظُرُونَ وَجْهَ
أَبِي الَّذِي فِي السَّمَوَاتِ».

طبعاً،
والذي يريد أن يكون عظيماً منذ متى ينظر إلى الصغار والمتواضعين وغير الموجودين
عند أنفسهم؟ فالاحتقار والازدراء هو من نصيبهم. ولكن الجديد الذي يضعه المسيح هنا
أمام أعين المتعظمين بذواتهم أن للصغار ملائكة تحرسهم، وكل إهانة للصغار تطال
ملائكتهم. فلا يكون ذلك من مصلحة القائمين بالازدراء، لأن ملائكة الصغار
المُزْدَرى منهم يتراءون أمام وجه الآب الذي في السموات، كمن يُعطون تقاريرهم عن
عملهم. فالشكوى ستُنظر لدى الآب والرد خطر، لأن بالكيل الذي يكيلون به يُكال لهم ويُزاد:
» وعن الملائكة يقول: الصانع ملائكته رياحاً وخُدَّامه لهيب نار … أليس جميعهم أرواحاً خادمة مُرسلة للخدمة لأجل
العتيدين أن يرثوا الخلاص
«(عب 1: 7و14). وللكنيسة عقيدة موروثة أن
الأولاد تحت حراسة ملائكية، يحافظون عليهم وينقذونهم ويرشدونهم، وهم أكثر عناية وحبًّا من الأب والأُم. من هنا وجب
تكريمهم وإعزازهم وعدم الإساءة إليهم بأي
حال.

ويُلاحِظ
القارئ أن هذا هو المكان الوحيد في كل الأسفار قديمها وحديثها يُذكر فيه أن هناك
ملاكاً للأولاد، الذي أخذت به الكنيسة. والتقليد الكنسي يقول إن لكل كنيسة ملاكين،
بل لكل مدينة ملاكين، والقارئ يُلاحِظ ذلك في القاهرة إذ يوجد بها كنيسة الملاك
البحري، وكنيسة الملاك القبلي. كذلك تؤمن الكنيسة أن للمؤمنين ملائكة تحرسهم
وتدافع عنهم في أوقات الضيقة. وكثير من المؤمنين المفتوحي العينين رأوا الملاك
الذي يحرسهم واستدعوه في الضيقة فحضر في الحال، وهي شهادات موثوق بها. وهذا
يؤيِّده الكتاب المقدَّس الذي يقول: إنهم معيَّنون
» للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص. «(عب 14:1)

وقد
كنت أعرف أحد المعلِّمين “العرفان” المتديِّنين، وهو من عائلة كبيرة وله نفس
طيِّبة ووديعة، أخبرني أنه في أحد الأيام ذهب في الفجر ليخدم القداس فوجد ملاكين
على الباب خارجين تاركين الكنيسة، فاستخبر منهما الأمر، فقالا له لأن الكاهنين قد
تخاصما فليس لنا مكان بعد في الكنيسة!

+
» ملاك الرب
حال حول خائفيه وينجِّيهم.
«(مز 7:34)

+
» لأنه يوصي
ملائكته بك لكي يحفظوك في كل طرقك.
«(مز 11:91)

11:18
«لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ».

مهمة
المسيح التي جاء ليكمِّلها أن لا يخلِّص مجموعة من الناس بل الناس بأجمعهم. فكل
فرد مهما كان، له نصيب في الخلاص. والبشرية تستهين أحياناً بالفرد، وتلتفت
للجماعة، وتضحِّي من أجل مصلحة الجميع بالأفراد، ليس هذا في ناموس الله، فالمسيح
جاء من أجل الخروف الضال، فإذا ضلَّ خروف من القطيع، يترك القطيع في الدار ويذهب
ليبحث عنه حتى يجده. هذه هي شمولية الخلاص الذي ترسي الكنيسة قواعده الإلهية ليشمل
كل فرد بذاته، ولكن لحساب الجماعة ككل. فالكنيسة ليست جماعة مقفلة بل جماعة أفراد،
ويُقاس عملها وأمانتها بمقياس عملها مع الفرد، وأمانتها تجاه الضعيف والمزدرى وغير
الموجود. العالم يطحن الأفراد ويسحق الضعفاء، أمَّا الكنيسة فرسالتها الأُولى هي
تجاه هؤلاء الذين ازدرى بهم العالم وأهملهم. المسيح لم يشبِّه نفسه بالكهنة وكبراء
الشعب بل مثَّل نفسه بالأصاغر، بكل واحد من هؤلاء الأصاغر:
» بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء
الأصاغر فبي فعلتم.

«
(مت 40:25)

12:1814 «مَاذَا
تَظُنُّونَ؟ إِنْ كَانَ لإِنْسَانٍ مِئَةُ خَرُوفٍ، وَضَلَّ وَاحِدٌ مِنْهَا،
أَفَلاَ يَتْرُكُ التِسْعَةَ وَالتِّسْعِينَ عَلَى الْجِبَالِ وَيَذْهَبُ يَطْلُبُ
الضَّالَّ؟ وَإِنِ اتَّفَقَ أَنْ يَجِدَهُ، فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ
يَفْرَحُ بِهِ أَكْثَرَ مِنَ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ الَّتِي لَمْ تَضِلَّ.
هكَذَا لَيْسَتْ مَشِيئَةً أَمَامَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَوَاتِ أَنْ
يَهْلِكَ أَحَدُ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ».

الذي
يهمنا في هذا المثل جداً هي مشاعر المسيح نفسه وهو يروي قصة الخروف الضال، لأنه
يصف نفسه ويوضِّح مشاعره ويكشف مبادئه. فإلى هذا الحد يركِّز المسيح بشدَّة على
قيمة الخاطئ الواحد التائه الذي ليس له مَنْ يبحث عنه. فعلاقة المسيح بالمائة، أي
الكنيسة، قائمة أساساً على علاقته بالفرد الواحد الخاطئ الضعيف، الأمر الذي كشفه
للغاية حينما قال إنه يترك التسعة والتسعين على الجبل وليس في الحظيرة ويذهب ويبحث
عن الخروف الواحد الضال على الجبل. هنا يكشف المسيح القيمة الفعلية للفرد في الخلاص.
والسرّ الذي يدفع هذا الشعور المقدَّس في قلب المسيح من جهة الفرد هو أنه في خطر
الهلاك، أمَّا التسعة والتسعون فهي ليست في خطر الهلاك. إذن، العامل الأساسي الذي
يحرِّك قلب المسيح وفكره هو إمكانية هلاك الفرد، وهو يعود بهذا الفكر المتمكِّن في
قلبه إلى نفس الشعور والمشيئة التي عند الآب تماماً:
» هكذا ليست مشيئة أمام أبيكم الذي في السموات أن
يهلك أحد هؤلاء الأصاغر
«(مت 14:18) وسنعود
إليها! ومن هذا الشعور وهذه المشيئة تجاه الواحد القابل أن يهلك تتكوَّن مشاعر
المسيح ومشيئته من أجل الكنيسة كلها، باعتبارها جماعة أفراد قابلين للتيه والهلاك،
لذلك ضبطهم تحت حراسته واهتمامه وتدبيره. وإن كان المسيح يهتم بالبار والقديس
فاهتمامه به على قدر ما هو في خطر أن يهلك.

هذا
هو المضمون الكلِّي لقوله الذي صدَّر به مَثَل التسعة والتسعين والخروف الواحد
الضال: «لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يخلِّص ما قد هلك». لذلك أصبح كل مَنْ
يُعثر أحد هؤلاء الصغار أو تأتي بواسطته العثرة ويعرِّضهم للهلاك عدواً مباشراً
للمسيح. فإن كنَّا قد استكثرنا أن يكون لهؤلاء الصغار ملاك خاص بهم ينظر وجه أبيهم
الذي في السموات كل حين، فالمسيح نفسه، وهو ابن الله، قد جاء من أجل خلاصهم
وتبنِّيهم للآب!

أمَّا
فرحة الراعي بالخروف الضال لما وجده أكثر من التسعة والتسعين، فقد كشف بها عن
أعماق أعماق قلبه من جهة مسرَّة نفسه بعودة وتوبة الخاطئ! وهذا يوضِّحه إنجيل ق.
لوقا أكثر:
» وإذا وجده
يضعه على منكبيه فرحاً، ويأتي إلى بيته ويدعو الأصدقاء والجيران قائلاً
لهم: افرحوا معي لأني وجدت خروفي الضال. أقول لكم: إنه هكذا يكون فرح في
السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين
باراً لا يحتاجون إلى توبة
«(لو 15: 57). أمَّا قول المسيح هنا إنه » هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب « فمَنْ سيفرح في السماء إلاَّ الآب
السمائي الذي لا يشاء أن يهلك أحد هؤلاء الصغار، وهؤلاء الملائكة الذين ينظرون
وجهه كل حين وينقلون أخبار عودة الخاطئ، بل ومَنْ الذي يقول كل هذا إلاَّ المسيح
الذي يكشف بهذا عن قلبه هو بالنسبة لعودة الخاطئ أو الصغير المُعثَر!!

أمَّا
سر هذا التعلق الهائل بين المسيح والخاطئ فمرجعه الوحيد أنه تبنَّى شخص الخاطئ لدى
الآب السماوي وأخذ على عاتقه قضيته برمتها. وقد قيَّم نجدته واستخلاصه من أنياب
الذئب بحياته ودمه. فالثمن المدفوع قبل الصليب وعليه وبعده هو ثمن خاطئ واحد خطفه
الذئب. هذا هو قرار أنشودة الفداء بأكملها!

وفي
اعتقادي أن المسيح لم يكشف عن أعماق نفسه بقدر ما كشفها في موضوع من هو أعظم ومَنْ
هم الأولاد (الأطفال الصغار)!

 

الغفران والمسامحة أساس للدخول إلى
الملكوت

[15:18-20]                  (لو
3:17)

 

هنا يذكر ق. متى الكنيسة لثاني مرَّة:

15:1817 «وَإِنْ
أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَاذْهَبْ وَعَاتِبْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ
وَحْدَكُمَا. إِنْ سَمِعَ مِنْكَ فَقَدْ رَبِحْتَ أَخَاكَ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ،
فَخُذْ مَعَكَ أَيْضاً وَاحِداً أَوِ اثْنَيْنِ، لِكَيْ تَقُومَ كُلُّ كَلِمَةٍ
عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ فَقُلْ
لِلْكَنِيسَةِ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ الْكَنِيسَةِ فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ
كَالْوَثَنِيِّ وَالْعَشَّارِ».

ويصح
أن يوضع عنوانٌ لهذه الآيات هكذا: “التعامل مع الخطأ والخطية حتى لا تنتقل إلى
العثرة ثم الهلاك”.
هنا ظهر خروف ضال هو “أخوك” الذي أخطأ إليك وذهب ولن يعود.
الصوت الآتي من المسيح هنا يقول: اذهب وراءه في هدوء وخلوة وبعيداً من كل أحد
وعاتبه بلطف، أي أخبره بخطئه لعلَّه يسمع منك ويرق قلبه للسلام والمحبة ويعود إلى
ودِّه وإلى صداقته وعلاقته الأُولى. وواضح هنا أنه أخطأ خطأً فيه تعدٍّ على حقوقك،
فإذا وافق ربحت أخاك إلى المودَّة والسلام وعودة المياه إلى مجاريها. وإذا رفض
وتماحك وقدَّم الأعذار وربما الاتهامات المقابلة وبرَّأ نفسه، فعد إليه ومعك شاهد
أو اثنان لتقنعه أمامهما بما تراه الحق، فإذا لم يسمع لوساطتهما أيضاً، اذهب إلى
الكنيسة وهي جماعة المؤمنين، بمعنى اعمل له اجتماعاً معهم، فإذا سمع كان خيراً،
وإذا لم يسمع فلك الحق أن تذهب ولا تعود إليه وتعتبره أنه رفض السلام ثلاث مرَّات.
بهذا تنفي أثر العثرة في نفسك وفي نفس الوقت تكون قد أنذرته حتى يعود. هذا المَثَل
يعتبر تخليص ذمة ضمير حتى لا يُحسب الإنسان أنه تسبب في عثرة الآخر. وفي نفس الوقت
أراح ضميره المُعثَر من تعدِّي أو خطأ الأخ.

أمَّا
موضوع الشاهد أو الشاهدين فهذا تتميم للناموس (تث 15:19).

أمَّا
حضور الكنيسة فهام جداً في آخر الأمر لأنك سترفع عن كاهلك ذنب هذا الذي أخطأ إليك
وتجعله على الكنيسة، إذا لم يسمع لها يصير مُداناً منها وليس منك. “والكنيسة” في
عصر المسيح تعتبر أنها اجتمعت إذا استطاعت أن تجمع عشرة أشخاص([2])
ذلك بحسب رأي أكبر علاَّمة يهودي في العصور الأخيرة المدعو بوكستروف.

+
» وأطلب إليكم
أيها الإخوة أن تلاحِظوا الذين يصنعون الشقاقات والعثرات خلافاً للتعليم الذي
تعلَّمتموه وأعرضوا عنهم.
«(رو 17:16)

18:18
«الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ
مَرْبُوطاً فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ
مَحْلُولاً فِي السَّمَاءِ».

هنا تكرار لمنطوق المسيح بالمفرد الذي قاله للقديس بطرس: » فكل
ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السموات. وكل ما تحله على الأرض يكون محلولاً
في السموات
«(مت
19:16). هنا ليس للقديس بطرس
وحده بعد بل لكل التلاميذ.
على أن “المفاتيح” التي أعطاها المسيح للقديس بطرس هي بنفس الاصطلاح الذي
قيل عن الناموسيين: » أخذتم مفتاح المعرفة. ما دخلتم أنتم، والداخلون منعتموهم
«
(لو
52:11). فهي تحسب
بالأكثر
فيما يخص التعليم، فيما هو ممنوع وما هو مسموح من السلوك. ولكن عاد المسيح وزادها
وضوحاً بعد
القيامة بحسب إنجيل ق.
يوحنا، لمَّا دخل العلِّية والأبواب مغلَّقة نفخ فيهم وقال:
» اقبلوا الروح القدس. مَنْ غفرتم خطاياه تُغفر له، ومَنْ أمسكتم خطاياه أُمسكت. «(يو 22:20و23)

وهنا
يقولها لثالث مرَّة كما هو مكتوب أعلاه (18:18) فالحلّ والربط هنا يخص التعليم
ووضع الأُسس الصحيحة للكنيسة وتعاليمها عامة. أمَّا المعنى الثاني وهو الغفران من
عدمه فهو بعد نوالهم قوة الروح القدس، الأمر الذي جعله ق. يوحنا لهم خاصة، بالنفخ
في وجوههم بعد القيامة مباشرة، ودون انتظار حلوله العام في يوم الخمسين، وذلك
لأهمية الروح القدس في الغفران وإعطاء المشورة في الربط. وسواء كان الأول أو
الثاني فهو السور المنيع الذي حفظ الكنيسة من الخارجين عن الإيمان الصحيح ومبتدعي
العقائد. ولا تزال تحافظ الكنيسة على هذا السلطان من أجل غفران الخطايا وعدم
غفرانها، دون شروط مسبقة من المسيح، ذلك اعتماداً على مشورة الروح القدس.

19:18و20
«وَأَقُولُ لَكُمْ أَيْضاً: إِنِ اتَّفَقَ اثْنَانِ مِنْكُمْ عَلَى الأَرْضِ
فِي أَيِّ شَيْءٍ يَطْلُبَانِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُمَا مِنْ قِبَلِ أَبِي
الَّذِي فِي السَّمَوَاتِ، لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ
بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسَطِهِمْ».

وذِكْر
اثنين أو ثلاثة يجتمعون للصلاة تأخذ شكلها من شاهدين أو ثلاثة. أمَّا القول
“باسمي” فإنه يوحي كأنه بحضرته، فالاسم كناية عن الشخص. أمَّا وجود المسيح بعد ذلك
فهو بمثابة الحضرة الإلهية “الشاكيناه”. وهكذا صحَّ للمسيح أن يقول إني جئت
لأكمِّل الناموس. فالناموس كان ينقصه التقابل مع الله لأنه مخيف، وكان لا يمكن
لرئيس الكهنة أن يتراءى أمام يهوه من فوق غطاء التابوت وبحضرة الشاروبيم إلاَّ وفي
يده دم ذبيحة.

المسيح
هنا يعطي لكل إنسان إن اجتمع مع آخر للصلاة وباسمه، الحق في أن يحضر هو بنفسه في
وسطهما! وهنا يتحقَّق اسمه “عمانوئيل” الله في وسطنا أو معنا، ومنها يلمِّح المسيح
مباشرة لذلك بقوله:
»
إن
اتفق اثنان منكم على الأرض في أي شيء يطلبانه فإنه يكون لهما مِنْ قِبَل أبي
الذي في السموات

«
مقابل » حيثما اجتمع اثنان أو
ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم
«
واضح هنا أن المسيح يحقِّق لقب عمانوئيل!! وهذا التحقيق والتأكيد مضاعف.

في الآية السابقة، أعطى المسيح الوعد بأن ما يُربط أو يُحل
على الأرض يُربط ويُحلُّ في السماء. وهنا أيضاً إن ما يجتمع من أجله اثنان على
الأرض
واتفقا على شيء يطلبانه فإنه يكون لهما من قِبَل أبي الذي في
السموات،
وهكذا فتح المسيح الصلة بين الكنيسة على الأرض وبين السماء، سواء في
العمل الجماعي أو الثنائي في أُلفةِ المحبة. العمل الجماعي من جهة التنظيم
والإدارة، والثاني إلى اجتماع واتفاق اثنين من جهة الصلاة. ولكن يهمنا للغاية وعد
المسيح القائل:
» إن اتفق اثنان منكم على
الأرض في أي شيءٍ يطلبانه فإنه يكون لهما
مِنْ
قِبَل أبي الذي في السموات
«(مت 19:18). هنا الاستجابة غير مشروطة إلاَّ
بالاجتماع والاتفاق والطلب. وهذا معناه أن الإنسان أصبح مسئولاً عن صلواته
واستجابتها، وليس عذر لإنسان أو اثنين من الناس أن يقولا إن الرب لم يسمع الصلاة
أو لم يستجب. فالمسيح ضَمَنَ استجابة الآب بلا قيد ولا شرط، انظر الآية:
»
لذلك أقول لكم: كل ما تطلبونه حينما تصلُّون، فآمنوا أن
تنالوه فيكون لكم
«(مر 24:11). هذه الآية تشدِّد الآية السالفة (مت 19:18)، إنه وعد
مؤكَّد ومكرَّر يحمل وراءه قوة عظيمة للصلاة موهوبة للإنسان. ويؤكِّد المسيح القول
في إنجيل القديس مرقس (23:11) حتى إلى درجة استحالة الطلب أو عدم نفعه أو عدم
لياقته، كأن يطلب إنسان أن ينتقل الجبل وينطرح في البحر. إلى هذا الحد وضع المسيح
مستوى الصلاة والطلبة، ولكن الشرط الوحيد الذي وضعه:
» لا يشك في قلبه بل يؤمن أن ما يقوله يكون، فمهما قال يكون له
«
(مر
23:11)!! ولكن بينما في إنجيل ق. متى أعطى الوعد بعد قوله:
» كل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً في السماء «وذلك لكي يرسِّخ في قلب الكنيسة أن ما تحلَّه وتربطه يُسمع للتو، إذ يضع
بجوارها
أي شيء يطلبانه فإنه يكون
لهما؛ نجده في إنجيل ق. مرقس يعطي الوعد بالاستجابة وبعده مباشرة:
»
ومتى وقفتم تصلُّون فاغفروا، إن كان لكم على أحد شيء لكي
يغفر لكم أيضاً أبوكم الذي في السموات زلاَّتكم. وإن لم تغفروا أنتم لا يغفر أبوكم
الذي في السموات أيضاً زلاتكم.
«(مر 11: 25و26)

 

مَثَل الخادم غير الرحوم

[21:18-35]                  (لو
4:17)

 

21:18و22
«حِينَئِذٍ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ بُطْرُسُ
وَقَالَ: يَارَبُّ، كَمْ مَرَّةً يُخْطِئُ إِلَيَّ أَخِي وَأَنَا أَغْفِرُ لَهُ؟
هَلْ إِلَى سَبْعِ مَرَاتٍ؟ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: لاَ أَقُولُ لَكَ إِلَى سَبْعِ
مَرَّاتٍ، بَلْ إِلَى سَبْعِينَ مَرَّةً سَبْعَ مَرَّاتٍ».

«حينئذ»:

أي
بعد قليل من كلام المسيح عن
» إن أخطأ إليك أخوك … «(15:18)، فشكراً
للقديس بطرس لأنه دائماً يستفسر لحسابنا، ونحن نستفيد من الشرح. وهنا ق. بطرس على
أثر المطالبة بالغفران لمَنْ يُخطئ إلينا، ظنَّها على مستوى الناموس تحتاج إلى
تحديد، وقدَّم اقتراحه بناءً على تقليد سبق أن سجَّله ق. لوقا:
» وإن أخطأ إليك سبع
مرَّات في اليوم ورجع إليك سبع مرَّ‌ات في اليوم قائلاً: أنا تائب. فاغفر له.
«(لو 4:17)

أمَّا
بخصوص أن ق. بطرس هو المتقدِّم أولاً بالسؤال، فالقديس متَّى سجَّل له الفعل (قال)
مسنوداً له أربع عشرة مرَّة([3])،
لم يُذكر منها في إنجيل ق. لوقا سوى ست مرَّات، وفي إنجيل ق. مرقس خمس مرَّات فقط.

وهنا
يعطي المسيح الإجابة بشيء من الاتساع بقصد رفع المحدودية لجعل الخطأ قابلاً دائماً
للصفح والتوبة: سبعين مرَّة سبع مرَّات أي كما نقول: 7×70، وهو رقم يقترب من رحمة
الله المتَّسعة. وكلمة
¡mart»sei هنا لا تشير إلى مجرَّد
الخطأ بل الخطية كتعدي، واتساع المغفرة هنا يعوِّض شدَّة القطع على الأخ الذي يرفض
قبول العتاب حتى ومن الكنيسة. فهنا يرفع في المقابل سعة صدر المتعدَّى عليه إلى ما
لا نهاية بشبه الله الذي بقدر ما نرجع إليه تائبين يغفر. في حين أن تقليد اليهود
لا يزيد الغفران فيه عن ثلاث مرَّات
([4]). وهنا
يبتدئ المسيح ليعطي قصة عن غفران الله الذي يفوق حدود العقل:

23:1827 «لِذلِكَ
يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَوَاتِ إِنْسَاناً مَلِكاً أَرَادَ أَنْ يُحَاسِبَ
عَبِيدَهُ. فَلَمَّا ابْتَدَأَ فِي الْمُحَاسَبَةِ
قُدِّمَ إِلَيْهِ وَاحِدٌ مَدْيُونٌ بِعَشْرَةِ آلاَفِ وَزْنَةٍ. وَإِذْ لَمْ
يَكُنْ لَهُ مَا يُوفِي أَمَرَ
سَيِّدُهُ أَنْ يُبَاعَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ
وَأَوْلاَدُهُ وَكُلُّ مَا لَهُ، وَيُوفَى الدَّيْنُ. فَخَرَّ الْعَبْدُ وَسَجَدَ
لَهُ قَائِلاً: يَا سَيِّدُ، تَمَهَّلْ عَلَيَّ فَأُوفِيَكَ الْجَمِيعَ.
فَتَحَنَّنَ سَيِّدُ ذلِكَ الْعَبْدِ وَأَطْلَقَهُ، وَتَرَكَ لَهُ الدَّيْنَ».

أمَّا
الإنسان الملك فهو مطابقة مقصودة لشخص المسيح كَرَبٍّ وسيِّد. وهنا المماثلة
واضحة: فالخادم الأول ابتدأ به السيِّد المحاسبة، يقابله بنوع من القصد البديع أن
الخادم ابتدأ بعد المسامحة يقاضي أول مديون له من الخدم رفقائه (28). ووقوع الخادم
أمام رجلي الملك ساجداً يعطي إشارة إلى ألوهية المسيح. ولا يعوز المَثَل الرجوع
الأخير للآب:
» فهكذا أبي
السماوي يفعل بكم.

«
(35)

وضخامة
الدَيْن الذي تركه المسيح للعبد يوضِّح أنه ليس مجرَّد عبد بل خادم للملك، بل يبدو
رئيساً أقامه على جباية ضرائب من مستويات عالية فأهمل في جمعها لأنها تربو على
مليار (أي ألف مليون) جنيه حسب تقدير العالم فرانس([5])،
على أن آخرين حسبوها على أساس 10.000 وزنة فضة (وليس ذهب)، وكل وزنة فضة تساوي 342
جنيه استرليني، بينما وزنة الذهب تساوي 5475 جنيه استرليني. وسواء كان ذهباً أم
فضة فبمقارنتها بالضرائب التي يذكرها يوسيفوس المؤرِّخ كانت أكثر بكثير من الضريبة
المفروضة على اليهودية والسامرة والجليل وبيرية، والبعض يقول وسوريا أيضاً. فلو
علمنا أن ق. متى كان مأمور ضرائب (عشَّار) أدركنا أن المسألة محسوبة بدقَّة ولكن
القصد أنها تفوق الحصر. فإذا وازنَّا بين الدين الذي تركه الملك للعبد (10.000
وزنة)، والدين الذي كان له عند عبد آخر (100 دينار) وعلمنا أن الوزنة تعادل 6.000
دينار أصبح الأمر غير قابل للتصديق فالنسبة 600.000:1!!

ويقول
المَثَل إن الملك أمر أن يُباع العبد وامرأته وأولاده وأمواله لتسديد الدين،
وطبعاً يسلَّم للسجن وللمعذِّبين، ولكن ما كان من العبد إلاَّ الوقوع تحت قدميه
ساجداً طالباً الرحمة. فرحمه الملك وأطلقه. قصة حزينة وخطيرة لأن التطبيق
يطالُبنا، فنحن أيضاً مديونون بديون غير قابلة للوفاء بأي حال، فحال العبد أهون
عشرة آلاف مرَّة من حالنا، لأن دين العبد كان ذهباً أو فضة، وأمَّا ديننا للملك
فلا يوفَّى لا بذهب ولا بفضة. فالذي استوفاه عنَّا استوفاه بدمه! … وهو ليس دم
إنسان عادي بل دم ابن الله، فثمنه يفوق السماوات في مجدها.

وبأمر
الملك عرف العبد مصيره المشئوم ولم يستطع أن يدافع عن نفسه، كل ما تمنَّاه أن
يتمهَّل عليه حتى يرى طريقة للوفاء بالدين، وهذا هو الأمر المستحيل كما تراءى
للملك. ولكن إذ تذلَّل العبد عاد الملك إلى حنان قلبه فأمر بأن يُترك العبد ويُترك
الدَيْن أيضاً. سلوك من الملك ينطق بأنه عظيم جداً وذو حنان يفوق العقل لأن
الدَيْن مهول ولا يصدِّقه أحد.

السلوك المشين لهذا العبد الذي جلب عليه
عودة الدين والعذاب:

28:1831 «وَلَمَّا خَرَجَ ذلِكَ الْعَبْدُ وَجَدَ وَاحِداً مِنَ الْعَبِيدِ
رُفَقَائِهِ، كَانَ مَدْيُوناً لَهُ بِمِئَةِ دِينَارٍ، فَأَمْسَكَهُ وَأَخَذَ
بِعُنُقِهِ قَائِلاً: أَوْفِنِي مَا لِي عَلَيْكَ. فَخَرَّ الْعَبْدُ رَفِيقُهُ
عَلَى قَدَمَيْهِ وَطَلَبَ إِلَيْهِ قَائِلاً: تَمَهَّلْ عَلَيَّ
فَأُوْفِيَكَ الْجَمِيعَ. فَلَمْ
يُرِدْ بَلْ مَضَى وَأَلْقَاهُ فِي سِجْنٍ حَتَّى يُوفِيَ الدَّيْنَ. فَلَمَّا
رَأَى الْعَبِيدُ رُفَقَاؤُهُ مَا كَانَ، حَزِنُوا جِدًّا. وَأَتَوْا وَقَصُّوا
عَلَى سَيِّدِهِمْ كُلَّ مَا جَرَى
».

وهكذا تدخل القصة منعطفاً مؤسفاً للغاية يضيِّع على العبد
ما حصل عليه من الرحمة وترك الدين وإطلاقه بلا أي عقوبة، ليعود إلى موقفه من
الجحيم. إذ بمجرَّد أن عوفي العبد من الدَيْن وأُطلق سراحه كان أول عمل قام به أن
واجه عبداً آخر زميلاً له كان عليه دَيْن له يقدَّر بمئة دينار. هذا
الدَيْن
إذا قورن بالدين الذي كان عليه وعوفي من دفعه يساوي حسب العالم هندركسن([6])
600.000:1 من الدَيْن الذي عوفي منه!! فكان هذا الأمر شاقاً على العبيد رفقائه.
هذه هي نظرة البشرية بالنسبة للمنطق المعقول، ولكن كم تكون حقيقتها بالنسبة للمسيح
الذي سامحنا بكل ديوننا الثقيلة غير القابلة للدفع على الإطلاق؟ التي قال عنها
المسيح:
» ماذا يعطي
الإنسان فداءً عن نفسه

«
(مت 26:16)، وقبلها يقول: » ماذا ينتفع الإنسان لو
ربح العالم كله وخسر نفسه
«(مت 26:16). بمعنى
أنه لم يستطع أن يعطي فداءً عن نفسه حتى ولو ربح العالم كله. أي حتى ولو كانت
مالية الإنسان مجموع ما في البنوك، فلن تكفي ولن تشفع في تسديد واحد من ديون
الإنسان التي عليه لله!! بهذا المنطق دخل المسيح على العبد الذي رفض أن يترك دين
رفيقه الذي استدانه منه وألقاه في السجن حتى يوفيه، وربما سيُباع هو وامرأته وأولاده
حتى يُوفِّي الدين إذ ليس له ما يوفِّي!! حسرة على البشرية التي لم تدرك مقدار ما
صنعه هذا السيد الملك من جهة ديون البشرية فرداً فرداً التي تفوق ضرائب جميع
الأقطار كلها وليس اليهودية وما حولها. ولكن التحذير والإنذار قائم أمامنا.

32:1835 «فَدَعَاهُ
حِينَئِذٍ سَيِّدُهُ وَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْعَبْدُ الشِّرِّيرُ، كُلُّ ذلِكَ
الدَّيْنِ تَرَكْتُهُ لَكَ لأَنَّكَ طَلَبْتَ إِلَيَّ. أَفَمَا كَانَ يَنْبَغِي
أَنَّكَ أَنْتَ أَيْضاً تَرْحَمُ الْعَبْدَ رَفِيقَكَ كَمَا رَحِمْتُكَ أَنَا؟
وَغَضِبَ سَيِّدُهُ وَسَلَّمَهُ إِلَى الْمُعَذِّبِينَ حَتَّى يُوفِيَ كُلَّ مَا
كَانَ لَهُ عَلَيْهِ. فَهكَذَا أَبِي السَّمَاوِيُّ يَفْعَلُ بِكُمْ إِنْ لَمْ
تَتْرُكُوا مِنْ قُلُوبِكُمْ كُلُّ وَاحِدٍ لأَخِيهِ زَّلاَتِهِ».

هذه القصة إنجيل بحد ذاته. ففيها كيف وبأي ثمن دفع المسيح
كافة ديوننا التي لا يمكن أن يتصوَّرها إنسان أو ملاك، بل وإذا تأمَّلنا في مقدار
الغفران الذي يناله خاطئ وفاجر واحد يتوب إلى الله ويؤمن بالمسيح، ولو كُشف لنا ما
أجرم به هذا الخاطئ طول حياته لاعتقدنا بحسب منطقنا أنه يستحيل أن يتم غفران لمثل
هذا الفاجر. ولكن، كل فجَّار العالم وخطاته الأشرار، كل هؤلاء مُحيت ذنوبهم
جميعاً، وغُفرت خطاياهم كليَّة، ولم يبق عليهم دين واحد يُطالَبون به، إذ تحمَّل
المسيح كل ثقل ديون البشرية جمعاء. فاستناداً على دم المسيح يحكي المسيح هذه القصة
وكأنها شرح لمعنى الفداء والكفَّارة والغفران والصفح والخلاص جميعاً!! ويحكيها
المسيح وهو في تأثُّر لأن منظر الصليب قد اقترب ودفْع الدين قد وجب، وما بقي إلاَّ
أيام أو شهور!! ويحكيها المسيح لمَّا ألحَّت عليه وصية أن نسامح بعضنا البعض ونغفر
خطايا بعضنا البعض. فهو لا يعطي الوصية من فراغ، ولا كأنها تعليم معلِّم أتقن فن التدريس،
بل كما يصفه إشعياء:
» مجروح لأجل معاصينا مسحوق
لأجل آثامنا … والرب وضع عليه إثم جميعنا … سكب للموت نفسه وأُحصي مع أثمة وهو
حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين.
«(إش 53: 5و6و12)

وتكميلاً
لقصة هذا الإنسان الملك، ذلك السيد الحنَّان، أنه لم يسامح العبد الشرير مجَّاناً،
بل بذل ابنه على الصليب ليُذبح ويموت ذبيحة كفَّارة وخطية، وبها استطاع أن يسامح
الديون الكبيرة التي على كل العبيد. لهذا فإن المسيح بحكمة فائقة رفع القضية في
النهاية إلى
» أبي السماوي «الذي سيطالب بدم ابنه،
وبالتالي يطالب بالديون التي مُحيت من كل مَنْ لم يتنازل عن ديون رفقائه:
» فإنه إن غفرتم للناس
زلاتهم يغفر لكم أيضاً أبوكم السماوي. وإن لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر لكم
أبوكم أيضاً زلاتكم.

«
(مت 6: 14و15)

والمسيح
لا يطالب المؤمنين الذين غُفرت خطاياهم أن يغفروا هم بقدراتهم الذاتية، لأن التنازل
عن حقوق الذات أمر صعب للغاية، كذلك لا يعتمد على مجرَّد النطق: أنا غفرت لك اغفر
أنت أيضاً. لأن مغفرة المسيح لخطايا البشرية جاءت من قوة علوية إلهية اشترك فيها
الآب بكل خصائص أبوَّته، والابن بكل خصائص بنوَّته حتى تمَّ الذبح على الصليب
وتقديم ذبيحة الكفَّارة العظمى، فأين للإنسان من هذه القوة والهبة السماوية؟

هنا
يلزمنا العودة إلى كيفية إتمام مغفرة خطايانا، إذ لم يصدر به أمر من الآب ينفِّذه
الابن، ولا هي مسألة إرادة الآب اشترك في تكميلها الابن. ولكننا نحن البشر دخلنا
كشريك أساسي في عملية الفداء والكفَّارة. فالمسيح تألَّم وذُبح بجسد البشرية الذي
أخذه واتحد به. فالبشرية تألَّمت معه وذُبحت معه وصارت شريكاً مع الابن الذي ذُبح
في مضمون وقوة الكفَّارة. فنحن أخذنا غفران خطايانا من واقع تكميلنا مع الابن على
الصليب حكم اللعنة والموت الذي تنازل المسيح ليكون شريكنا فيه، لنأخذ حكم البراءة
النهائية من حكم سابق علينا بالموت واللعنة الأبدية. ودخول الابن في حكم الموت
واللعنة معنا ومن أجلنا بالجسد الذي أخذه منَّا، أسقط من حكم اللعنة والموت صفة
“الأبدي”، وذلك من واقع شركته معنا وهو الحياة الأبدية ذاتها. فلمَّا صُلب من
أجلنا وأكمل الحكم واللعنة أسقط حكم الموت واللعنة الأبدي بقيامته حيًّا بنا.
وهكذا نلنا الغفران من واقع حكم البراءة الذي اكتسبه المسيح لنا. وهكذا نقول إن
بالصليب والقيامة مُحيت كل خطايانا من واقع حكم البراءة الذي ناله ابن الله من
أجلنا. إذن فمغفرة خطايانا هي من واقع حكم براءة تمَّ على الصليب ونُفِّذ بالقيامة
واشترك فيه كل خطاة الأرض، وبصفة خاصة وممتازة كل مَنْ آمن بالمسيح. وبذلك ليس من
فراغ أن يطالبني المسيح أن أغفر لأخي، وكأنه من رصيد إرادتي، بل من الرصيد الذي
اشتركت فيه مع المسيح في الصليب والقيامة. فأنا أحمل قوة نعمة الغفران الذي أكمله
المسيح لي ولأخي على الصليب. فمن ذات رصيد قوة ونعمة المغفرة التي تمَّت لي أنا
أغفر، فإذا تجرَّأت ولم أغفر لأخي مهما أخطأ لي، فقوة ونعمة رصيد المغفرة الذي لي
يتوقَّف عمله، لأنه مُعطَى لي أساساً لكي أعطيه:
» اغفروا يُغفر لكم «(لو
37:6)، وأُعطي لي مجَّاناً لكي أعطيه مجَّاناً. وهكذا وإن توقَّف عمل الغفران بين
المؤمنين لأي سبب، توقَّف عمل الصليب وبرز حكم الموت الأبدي من جديد.

من
هنا كانت وصية المسيح من جهة مغفرة الخطايا بين المؤمنين لبعضهم البعض هامة ودقيقة
للغاية لأنها تخص عمل صليبه.



([1]) والكلام في الثيئوفورُس كثير فبعض
الآباء يترجمونها حامل الإله والبعض الذي حمله الله
J.A. Bengel, op. cit., p. 343.

([2])
J. Buxtrof, Synagoga Judaica, ch. XXV, cited by J.A. Bengel, op. cit.,
p. 349.

([3]) وهي: 28:14و30، 15:15، 16:16و22، 4:17و5و25و26، 21:18، 27:19،
33:26و35و70.

([4])
Leon Morris, op. cit., p. 471, citing Yoma 86 b.

([5])
R.T. France, The Gospel according to Matthew, 1985, ad loc.

([6])
W. Hendriksen, op. cit., p. 707.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس الكتاب الشريف عهد قديم سفر القضاة 17

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي