المسيح
فى رسائل يوحنا

جوزيف
موريس فلتس

 

مقدمة:

          في بحثنا لموضوع " المسيح فى رسائل القديس يوحنا
" سنحاول التعرّض لما جاء فى هذه الرسائل من تعاليم خريستولوجية
χριστολογία" أى التعليم عن المسيح " خصوصًا فى
الرسالتين الأولى والثانية، حيث إن الرسالة الثالثة لا تحمل أية من هذه التعاليم.

 

أهمية التعبيرات الخريستولوجية فى الرسائل:

1 تشكل التعبيرات الخريستولوجية التى ترد فى هذه الرسائل أهمية كبرى
بالنسبة لتعاليم الكنيسة فى العصر الرسولى عن شخص السيد المسيح.

2 صياغة هذه التعبيرات بهذا الشكل كان من أجل هدف محدّد. وهو محاربة
التعاليم الخاطئة عن شخص السيد المسيح، والتى كانت منتشرة فى ذلك العصر وشغلت
أفكار المؤمنين فى الكنيسة الأولى. ولمحاربة هذه الأفكار كتب أيضًا المبشرين
الأُول بالكلمة بهدف إظهار المعتقد السليم عن السيد المسيح (مثل رسائل بولس الرسول
إلى كولوسى، والرسائل الرعوية الأخرى).

 

الإنجيل والرسائل:

          ولأجل هذا الهدف المحدّد، الذي هو محاربة البدع، لم يتعرّض
القديس يوحنا فى رسائله إلى كل التعاليم عن المسيح بالشكل الموسع الذى تراه فى
إنجيله. فالرسائل تُعبّر في اختصار عن كل تعاليم يوحنا عن " كلمة الحياة
" ولكن بالتشديد على بعض هذه التعاليم والتى لم يتعرّض لها يوحنا فى الإنجيل
بالتفصيل، وذلك حدث بسبب الظروف التى صاحبت زمن كتابة الرسائل.

مصطلحات وتعبيرات خريستولوجية فى الرسائل:

          تمثل التعاليم الخريستولوجية فى رسائل القديس يوحنا محور
ما ورد بها من تعاليم، حيث تدور حولها كل الموضوعات الأخرى التى وردت فى هذه
الرسائل. ولن نبالغ إن قلنا إن هذه التعاليم مثلّت السبب المباشر والرئيسي في
كتابة هذه الرسائل، خصوصًا الأولى والثانية منها حيث إن الرسالة الثالثة لها طابع
شخصي
[1][1]. ولقد استخدمت هذه التعاليم للتعبير والتأكيد على كل تعاليم الكنيسة
المستمدّة من تقليدها وحياتها، حيث مثلّت تعاليم القديس يوحنا الخريستولوجية إجابة
على كل ما أثاره الهراطقة من أسئلة، وقد واجهها القديس يوحنا فى رسائله
[2][2].

 

          والحاجة إلى محاربة الهرطقة الناشئة والتى هدّدت كل تعاليم
الكنيسة عن المسيح، تبرّر حقيقة أن كل ما جاء فى هذه الرسائل من أفكار خريستولوجية
هو نابع من فكر المسيحيين الأُول، حيث كان هدف كل هذه الأفكار هو محاولة الحفاظ
على وحدة الكنيسة أمام ما كان يواجهها من تيارات لاهوتية مختلفة. ومن الصعب أن
ينكر المرء هذه المحاولة التى يقوم بها كاتب مثل يوحنا الرسول الذى كان ليس شاهد
عيان فقط بل عاش واختبر حياة الكنيسة الأولى، وهو الذى رغب أن يرى الكنيسة وهى
منتشرة فى كل المسكونة.

 

ويهدف القديس يوحنا فى محاولاته لصياغة تعاليمه الخريستولوجية، إلى
أمرين: أن يثبّت ويظهر حادثة التجسّد وبالتالي يثبت أن السيد المسيح اتخذ طبيعة
بشريّة حقيقية وليست خيالية كما اعتقد الهراطقة، وأن هذا حدث دون الإخلال بطبيعة
المسيح الإلهية. وفى شواهد كثيرة من رسائله نجده يشير إلى طبيعة المسيح البشريّة
للرّد على تعاليم الهراطقة فى هذا الشأن مثل قوله " كل روح لا يعترف بيسوع
المسيح أنه جاء فى الجسد فليس من الله
" (1يو22:2، 15،2:4، وأيضًا 5،1:5،
2يو7).

          وأيضًا يقول " لأنه قد دخل إلى العالم مضلون
كثيرون لا يعترفون بيسوع المسيح آتيًا فى الجسد
" (2يو7).

 

          وظهور المسيح فى الجسد حقيقة تاريخية لا تقبل الشك وكل من
ينكر هذه الحقيقة هو كاذب ومضلّل وضد المسيح. فيسوع هو المسيح، ابن الله، الذى
أرسله الآب لأجل خلاص العالم " بهذا أُظهرت محبة الله فينا أن الله قد
أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به
" (1يو14،9:4، 20،6:5). " هذا
هو الذى أتى بدم وماء يسوع المسيح
" (1يو6:5).

          ففى شخص يسوع لدينا حضور الله بالجسد فى هذا العالم،
ودخوله إلى واقع أحداث البشرية.

تعاليم الهراطقة وكيف واجهتها الرسائل:

          من بعض شواهد الرسالة الأولى يتضّح أن الهرطقة التى ظهرت
حينذاك كانت تعلِّم بأنه يوجد فرق بين يسوع كإنسان، والمسيح كابن الله ومخلّص
العالم. ففى رأيهم أن يسوع حسب التاريخ وُلد فى زمن معين، وفى المعمودية اتحد به
المسيح ابن الله وظلّ هكذا حتى الآلام. وبالتالى فإنه حسب رأيهم يوجد اتحاد مؤقت
بين يسوع وابن الله فى شخص واحد
[3][3].

 

          عرّضت هذه التعاليم الخاطئة أساسيات الإيمان المسيحى للخطر
إذ أنها هاجمت مباشرة سر التجسّد الإلهى، كما آمنت به الكنيسة وعبّر عنه القديس
يوحنا فى إنجيله (يو14:1). لهذا نجد أن القديس يوحنا قد ركّز على اتحاد الطبيعة
الإلهية والبشرية فى شخص يسوع المسيح الواحد (1يو1:12). فيسوع الذى وُلد فى ملء
الزمان، هو الحياة، هو الأزلى الذى كان عند الآب وظهر لنا. ويوحنا هو الذى قال إن
الله نور وليس فيه ظلمة البتة (1يو5:1، ؟).

 

          يسوع هذا هو المسيح ابن الله، البار، القدوس، مخلّص
العالم، كلمة الحياة، الإله الحق (1يو7،1:1، 1:22، 2223، 14:4، 20:5).

          لقد أعطى القديس يوحنا أهمية كبرى لشرح عقيدة التجسد
الإلهى، لهذا فهو يشرح هذه العقيدة فى كل الرسائل والإنجيل. فنجده فى الإنجيل يكتب
" والكلمة صار جسدًا وحل بيننا " (يو14:1) وفى الكلمة
المتجسّد " كانت الحياة والحياة كانت نور الناس " وعن طريق الكلمة
المتجسّد جاءت الحياة والحق إلى العالم وليكون، لكل من يؤمن به، الحياة الأبدية، وبالكلمة
المتجسّد يتبدّد سلطان الظلمة والضلال حيث كان سلوك الإنسان بعيدًا عن الله
(1يو6:1، 16،8،4:2، 9:4، يو16:317، 28:10).

          ويسوع مع أنه هو الكلمة الذى تجسَّد هنا على الأرض
إلاّ أنه هو نفسه الكائن مع الله الآب، وهو نفسه الشفيع لدى الآب من أجل خطايانا
(1يو1:2). هو الكائن إلى الأبد والذى سيأتي ليدين العالم (1يو2:3).

          وسبب تشديد الحديث عن طبيعة يسوع البشريّة له معنى
استعلانى وكشفى، حيث إنه عن طريق السيد المسيح، الابن المتجسّد، استُعلن الآب
وكُشف لنا، فالابن يعرف الآب إذ هو كائن معه، من نفس جوهره، وهو نفسه الذى استُعلن
للعالم، وليس كما يدعى الهراطقة إنه قد حلّ فيه المسيح بعد ذلك. فالتمييز بين يسوع
الذى وُلد فى ملء الزمان، والمسيح الذى استُعلن، هذا التمييز غير وارد بالمرة فى
فكر القديس يوحنا. لأنه لو صح هذا لكان يسوع يجهل الآب ولم يكن فى استطاعته أن
يُظهره، وسيكف عن أن يكون كلمة الحياة، إذ أن هذه الحياة كانت عند الآب
وأُظهرت لنا (1يو1).

 

توضيح لبعض المصطلحات والتعبيرات الخريستولوجية المستخدمة في الرسائل:

          يورد القديس يوحنا مصطلحات خريستولوجية عديدة فى رسائله،
والتى يُستخدم منها للإشارة إلى الطبيعة الإلهية للمسيح، والتى لها صبغة بالأكثر
يهودية، ونجدها مستخدمة بكثرة فى الكنيسة الأولى. حيث عبّرت بكل وضوح عن إيمان كل
من عاين وشهد للرب يسوع (1كو7:1، غلا2:1):

1 كلمة الحياة (Ð LÒgoj
tÁj zwÁj
) [4][4]:

          يتكلّم القديس يوحنا عن " كلمة الله " فى
بداية الرسالة الأولى بنفس الأسلوب الذى يَرِد فى بداية الإنجيل. فيسوع هو " كلمة
الحياة
" الذى كان عند الآب وأُظهر لنا (1يو1:13).

          وفى العدد 2:1 لدينا تعبير عن " تجسد الكلمة "،
وفيه يُجمل القديس يوحنا كل تعاليمه اللاهوتية عن الإله المتأنس. ففى شخص يسوع والذى
يؤكد عليه يوحنا باستمرار فى الإنجيل بعبارة " أنا هو " (يو6:14،
12:8، 46:12)، عرف العالم " الذى كان منذ البدء " (1يو1:1)،
والذى هو " كلمة الحياة".

 

          وتعبير " كلمة الحياة " فى الرسالة يقابل
تعبير "الكلمة" في الإنجيل (1:1). وأيضًا "كلمة الله"
كما جاء فى سفر الرؤيا (13:19). إذ أن الكلمة هو الخالق
[5][5]. ومع أن التعبير كما ورد فى الرسالة لا يوضح أنه " بالكلمة
كان كل شئ " كما جاء فى الإنجيل (يو3:1)، إلاّ أننا نستطيع أن نستنتج هذا،
طالما أن الكلمة هو الذى يحيى كل شئ (يو21:526) أو بمعنى آخر هو "
كلمة الحياة ".

 

          ويركّز القديس يوحنا هنا على أن الكلمة هو حياة
البشر، حيث فيه فقط توجد الحياة وليس فى المعرفة الكاذبة، أو فى أقوال الهراطقة.
لقد جاء الابن إلى العالم لنحيا به " قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم
لنحيا به
" (1يو9:4).

 

          ليس هذا فقط بل لقد جاء لأجل العالم، لنعرف الإله الحقيقى،
الذى هو الحياة والنور. وهكذا فالابن هو نور، طالما أن " الحياة كانت نور
الناس
" (يو4:1)، و" ليس فيه ظلمة البتة".

          غير أن وصف المسيح بأنه "كلمة الحياةÐ
LÒgoj tÁj zwÁj
" لا يعبر عن خصائص أقنوم الكلمة
فقط، بل أيضًا عن علاقة الآب بالابن. فيسوع، إذ هو كلمة الله، كائن عند
الآب قبل بدء الخليقة
[6][6]، وهو واحد مع الآب فى الجوهر، لكنه أقنوم متمايز عنه، رغم الوحدة
المُطلقة فى العمل معه
[7][7]. ففي شخص يسوع الذى وُلد فى ملء الزمان، رأينا تَجسُّد كلمة
الله وظهوره فى العالم بغير تغيّر في طبيعته الإلهية، متممًا بذلك خلاص البشرية
كلها.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد قديم سفر إشعياء 12

          ويسوع " الكلمة Ð LÒgoj"، هو الوحيد الذى يعرف الآب، وهو الوحيد
الذى يُظهره بحق للعالم، طالما أن " الله لم ينظره أحد قط "
(1يو12:4)، لكن الذى فى حضن الآب أى الكلمة " هو خبَّر"
(يو18:1). ويسوع " كحياة " و"كلمة"، هو " الحياة
" الفريدة والتى يسود خارجها الظلام والعدم والضلال
[8][8]. هذه " الحياة " كانت عند الآب
وأُظهرت لنا، هذه " الحياة " هو الذى وُلد من الآب (1يو18،1:5)
[9][9]. وأُرسل إلى العالم كمخلّص، كفارة عن خطايا من يؤمن به، وحاملاً
لكلمة الحق، وهكذا أُعطى حياة وخلاصًا لكل البشر.

          هذه التعبيرات الخريستولوجية، التى يستخدمها القديس يوحنا
هنا، تركز على فعل الله الأزلى الأبدى فى تاريخ الاستعلان الإلهى من خلال كلمة
الله. فالكلمة كان عند الآب، مولود منه قبل كل الدهور، بلا بداية، ويعمل
معه فى الخليقة إذ أن " به كان كل شئ وبغيره لم يكن شئ مما كان "
(يو3:1). وليس هذا فقط بل إنه يوجد عنده كشفيع لنا فى السماء بعد القيامة (1يو1:2).

          ففي شخص الكلمة المتجسّد، الذي هو حكمة وهيئة وشعاع
وصورة الله الآب، لدينا استعلان الله فى العالم، ومعرفته فى حدود ما يمكن أن نعرفه
كبشر ونستوعبه من سر التجسد الإلهى
[10][10]. هذا الاستعلان الإلهى يهدف إلى إعطاء الإنسان
إمكانية معرفة الإله الحقيقى وحده ويهبنا أن نصير أبناء له (1يو20:5) (انظر أيضًا
يو28:7، 3:17).

          إن أمر معرفة الله هو أمر حقيقى ويمكن تحقيقه عن طريق
"كلمة الحياة" إذ أنه هو الذى يعرف الآب (1يو14:2)، فمن يُوصف فى
الرسائل ب " كلمة الحياة "، هو نفسه من يصفه يوحنا فى الإنجيل ب "
الكلمة " وهو نفسه أيضًا من يوصف ب " كلمة الله " فى سفر الرؤيا
ليوحنا (13:19). هو تعبير مرادف للتعبير " الذى كان من البدء"
(1يو14:2). ف "كلمة الحياة" هو قوَّة الآب الخالق الكائن فى حضنه الأبوي
أزليًا، والفاعل فى تاريخ الإعلان الإلهى كله والمتجسّد فى شخص يسوع المسيح، الذى
رآه الرسل بعيونهم ولمسوه بأيديهم وسمعوه بآذانهم (1يو1:12). فعمل " الكلمة
" من البداية إلى نهاية الدهور يشهد لوحدة الإعلان الإلهى وتقودنا إلى فهم
مصدر تعاليم القديس يوحنا الخريستولوجية
[11][11] والذي هو العهد القديم الذى نرى فيه عمل الله
من خلال كلمته حتى جاء ملء الزمان الذى فيه " كلّمنا في ابنه الوحيد الذى
جعله وارثًا لكل شئ الذى به أيضًا عمل العالمين
" (عب2:1).

2 ابن الله (Ð YƒÕj toà Qeoà):

          رأينا كيف أن تعبير " كلمة الحياة " يشرح
العلاقة الجوهرية بين الآب والابن ويوضح العمل التدبيرى للابن فى كل تاريخ الإعلان
الإلهى. غير أن القديس يوحنا يستخدم تعبيرات خريستولوجية أخرى ليؤكد بها على
ألوهية السيد المسيح، وعن علاقته بالآب والعالم. أهم هذه التعبيرات هو تعبير
" ابن الله ". هذا التعبير الذى يستمد قوته من خلال علاقة حقيقية
وطبيعية، يدل بوضوح على العلاقة بين الآب والابن. ولقد ورد هذا التعبير ومشتقاته
23 مرة فى الرسائل
[12][12]. ويُظهر أكثر من أى مكان آخر استُخدم فيه فى العهد الجديد هذه
العلاقة بين الآب والابن، ويبيّن أهمية الاعتراف بهذا الإيمان (أى أن المسيح هو
ابن الله) فى الكنيسة الأولى.

          ويركز القديس يوحنا ليس فقط فى الإنجيل (يو18،14:1) بل
وأيضًا فى الرسائل على أن المسيح هو الابن الوحيد (1يو9:4) الذى كان عند الآب، وهو
الذى أرسله الآب إلى العالم (1يو14،10:4، 20:5).

 

          علاقة الآب الابن، حسب القديس يوحنا توضّح طريقة
"ولادة"، "ووجود"، "وجوهر" الابن، في علاقته بالآب،
وتشهد على العلاقة الداخلية بينهما، كما يوضح القديس كيرلس
[13][13]، الذى يمثل هذه العلاقة كعلاقة الشمس بالشعاع وأيضًا علاقة النار
باللهب. وفى هذه العلاقة تبقى الشمس والنار بغير تغيير أو تبديل. فالابن هو من
جوهر الآب، ولهذا فهو واحد معه فى الجوهر وواحد معه فى الأزلية
[14][14].

 

          وفى التجسد أصبحت الطبيعة الإلهية غير المرئية، مرئية في
أعمال ابن الله
[15][15]. ووحدة طبيعة الآب والابن تبيّن أصالة الابن، وأنه واحد فى الجوهر
مع الآب وأنه غير منفصل عنه بالمرّة، وحسب طبيعة هذه العلاقة، فإن هناك مساواة بين
الآب والابن، ليس فقط فى تاريخ الإعلان الإلهى والذى يمكن أن نستشفه من الآية
" تكون معكم نعمة ورحمة من الله الآب ومن الرب يسوع المسيح ابن الآب بالحق
والمحبة
" (2يو3)، بل أن هذه المساواة أيضًا فى الأبدية حيث "
لنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار"
(1يو1:2). فشفاعة الابن لنا، عند الآب هى نتيجة لهذه العلاقة والمساواة بينهما فى
الجوهر، وبسبب ارتباط الابن بالآب، فإن الابن وحده هو الذى يعرف الآب، ولأن الابن
فى الآب والآب فى الابن وبالتالى من له الآب له الابن أيضًا، وفقط من يعترف بالابن
له الله الآب (1يو22:223، 2:44، 2يو9).

 

          والاعتراف بيسوع ابنًا لله يؤدى حتمًا إلى علاقة وثبوت
متبادل فى الله " من اعترف بيسوع هو ابن الله فالله يثبت فيه وهو فى الله
" (1يو15:4). بل إنه عن طريق يسوع ابن الله تتحقق شركة المؤمنين "
بالآب وبابنه يسوع المسيح
" (1يو3:1).

 

          ورسالة الابن، ابن الله فى العالم ليست هى كشفية فقط
" ونعلم أن ابن الله قد جاء وأعطانا بصيرة لنعرف الحق "
(1يو20:5)، لكنها أيضًا رسالة خلاصية كفارية.

 

          فالآب يرسل ابنه مخلّصًا للعالم (1يو14:1)، والخلاص الذى
تمّ به تحقق بطرق كثيرة. أولاً: العالم يعيش فى ظلمة بعيدًا عن الله. فالابن إذ هو
الحياة، أصبح هو الواسطة التى يستطيع بها الإنسان أن يغلب العالم " من هو
الذى يغلب العالم إلاّ الذى يؤمن أن المسيح هو ابن الله
" (1يو5:5)،
" من له الابن فله الحياة ومن ليس له ابن الله فليست له الحياة "
(1يو12:5). فالإيمان والاعتراف بيسوع كابن لله يؤدى إلى الولادة من الله " كل
من يؤمن أن يسوع هو المسيح فقد وُلد من الله
" (1يو1:5) ونوال الحياة
الأبدية " كتبت هذا إليكم أنتم المؤمنين
[16][16] باسم ابن الله لكى تعلموا أن لكم حياة أبدية
" (1يو13:5) وهذه الولادة تفترض وجود معرفة بالله " ونعلم أن ابن
الله قد جاء إلى العالم وأعطانا بصيرة لنعرف الحق ونحن فى (الله) الحق
"
(1يو20:5).

 

          ومسيرة الإله نحو الإنسان مصدرها ومحرّكها هى محبة الله
غير المحدود للإنسان. فظهور الابن بالتجسد هو إظهار لمحبة الله للبشر " بهذا
أُظهرت محبة الله فينا أن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم
"
(1يو10،9:4). وعلامة قبول المؤمنين لله ولابنه هى الثبوت فى تعليم الابن " كل
من تعدى ولم يثبت فى تعاليم المسيح فليس له الله ومن يثبت فى تعليم المسيح فهذا له
الآب والابن جميعًا
" (2يو9). ومما قيل يتضّح أنه بحضور الابن إلى العالم
فإنه عبّر عن عظم محبة الله للبشر وأعلن الله الحقيقى كما يعرفه هو وأعطى إمكانية
بذلك أن يعرفه العالم وأسّس علاقة داخلية بين المؤمنين والله.

 

          ومعرفة الله، المخلِّص، عن طريق سر الإعلان الإلهى تمثل
المرحلة الأولى فى عملية خلاص الإنسان. وحسب القديس يوحنا فإن عملية الخلاص هذه
تكتمل بالآلام الخلاصية لابن الله. وهكذا فقد ظهر " لينقض أعمال إبليس"
(1يو8:3)
[17][17]. فتطهير الخطايا والولادة من جديد تتحققان فقط بدم ابن الله
" ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية " (1يو7:1)
[18][18].

 

          وموت يسوع المسيح الكفارى يتخذ أبعادًا مسكونية (عالمية)
طالما أنه " هو كفارة لخطايانا
[19][19]، وليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضًا
" (1يو1:22). ونتيجة هذا الموت الكفارى تشمل لا خطايانا فى الماضي فقط بل
المستقبل أيضًا طالما أنه " إن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح
البار
" (1يو1:22).

 

          وعلى الرغم من أن تعاليم القديس يوحنا عن الموت الكفارى هى
مختصرة جدًا فى رسائله ولا تأتى لها إشارة فى إنجيله حتى ولو بمعنى الموت الكفارى
أو أنه "كفارة لخطايانا" حيث لم ترد هذه التعبيرات إلاّ فى (1يو2:1)،
كما أن هذا التعبير لم يرد فى أسفار العهد الجديد إلاّ أن التعليم بالموت الكفارى
هو تعليم ثابت فى نصوص العهد الجديد وإنجيل يوحنا. فالمسيح هو حمل الله الذى يرفع
خطية العالم (يو29:1، أع32:8، 1بط18:119). ومن جهة أخرى فإن تعاليم يوحنا
الخريستولوجية عن "ابن الإنسان" تتضمّن ضرورة تحمّله للألم والذى بدونه
فإن رسالة المسيح تظل غير كاملة
[20][20].

هل تبحث عن  شخصيات الكتاب المقدس عهد جديد خادم الملك ك

 

          ولقد وجدت الكنيسة الأولى فى آلام ابن الله لأجل خطايا
العالم، تحقيقًا لنبوات العهد القديم عن المسيا، كما جاء فى إشعياء النبى (1:5312)
[21][21]. فالآلام تمثل اكتمال رسالة ابن الله. فدم ابن الله يطهّرنا من كل
خطية (1يو7:1) (انظر أيضًا عب20،14:9، 29،19:10، 1بط19:1، رؤ5:1، 14:7، 11:12)،
وينقض أعمال إبليس (1يو8:3).

 

3 يسوع هو المسيح (‘Ihsoàj
Ð CristÒj
):

          بالتوازى مع لقب " ابن الله "، ومرادف له تقريبًا،
يستخدم القديس يوحنا لقب "المسيح" ليعبّر به عن الطبيعة الإلهية ليسوع،
والمصطلح بهذا المعنى نادرًا ما يرد فى العهد الجديد
[22][22].

 

          والأهمية اللاهوتية لتعبير "المسيح" هو، بدون
مقارنة أوسع من المعنى المستخدم فى العهد القديم والكنيسة الأولى
[23][23]. ويأتي هنا في الرسائل مرادفًا لتعبير "ابن الله" ويحل
محله (1يو6:5) ويرتبط مع تعبير " يسوع " ليعبّر عن يسوع بوصفه إلهًا
متجسدًا. وتعبير "يسوع المسيح" هذا لا يحمل ملامح الفكر اليهودى بل هو
تعبير خريستولوجى واضح ومقبول ممن يكتب لهم القديس يوحنا رسائله. ويشير هذا
التعبير إلى اعتراف إيمانى مع اعتراف الإيمان "بابن الله"، " وهذه
هى وصيته أن نؤمن باسم ابنه يسوع المسيح
" (1يو23:3، 20:5). أو يشير
التعبير "يسوع المسيح" إلى صيغة إيمان تأتى منفردة مثل " من هو
الكذاب إلاّ الذى ينكر أن يسوع هو المسيح
" (1يو22:2) أو " كل
روح يعترف بيسوع المسيح أنه جاء فى الجسد فهو من الله
" (1يو26:4).

 

          ونص القديس يوحنا (1يو1:2) يشهد على أن " لنا شفيع
عند الآب يسوع المسيح البار
"، وما جاء فى الرسالة الثانية آية 9 يعتبر
هو القاعدة والأساس لعلاقتنا بالله " كل من تعدى ولم يثبت فى تعاليم
المسيح فليس له الله ومن يثبت فى تعليم المسيح فهذا له الآب والابن جميعًا
"
(2يو9).

 

          ومن الشواهد التى يُستخدم فيها تعبير "المسيح"
في الرسائل نستنتج أنه مصطلح مرتبط بشدة بتعبير " ابن الله " ومع أن
المصطلح الأخير هو المفضّل في الاستخدام بالنسبة للقديس يوحنا، إلاّ أنه لا يمثل
مجرد اسمًا سيديًا، كما يحدث عادة فى رسائل بولس الرسول وأسفار العهد الجديد، بل
يدل على ألوهية الابن فى علاقته بالله الآب (1يو3:1، 23،22،1:2، 2:4، 6،1:5،
2يو9،7). وفى هذا المعنى يجدر بنا أن نفهم ما كتبه يوحنا فى الآيات (1يو2:4،
6،1:5، 2يو9،7) كما يمكن أيضًا القول إن فى هذه الآيات مصطلح
CristÒj أخذ
بُعدًا لاهوتيًا. وفيما يلى هذه الآيات:

1يو2:4 " بهذا تعرفون روح الله كل روح يعترف بيسوع المسيح
أنه قد جاء في الجسد فهو من الله
".

2يو7 " إنه قد دخل إلى العالم مضلون كثيرون لا يعترفون بيسوع
المسيح آتيا في الجسد هذا هو المضل والضد للمسيح
".

1يو1:5 " كل من يؤمن أن يسوع هو المسيح فقد وُلد من
الله وكل من يحب الوالد يحب المولود منه أيضًا
".

2يو9 " كل من تعدى ولم يثبت في تعليم المسيح فليس له
الله ومن يثبت في تعليم المسيح فهذا له الآب والابن جميعًا
".

1يو1:2 " يا أولادي أكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا وإن أخطأ
أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار
".

          في الآيات (1يو2:4، 6،1:5، 2يو9) حيث يصف القديس يوحنا،
يسوع، بأنه كلمة الحياة، ابن الله الأزلى الآتى من فوق. الكائن فى حضن
الآب، الذى أظهر لنا الله وفى 2يو7 : يصبح هو رب التاريخ، إذ هو محور خلاص البشر.
والرباط الذى يوّحد الأرض والسماء، الإنسان والله الآب
[24][24].

          فى 1يو1:2 : يسوع الشفيع، هو الكائن قبل كل الدهور مع الآب
وهو كفارة لخطايانا إلى الأبد.

          ومما سبق تتضّح الأبعاد اللاهوتية التى يكتسبها المصطلح
الخريستولوجى
CristÒj فى رسائل يوحنا الرسول، كمرادف ومعبّر عن مصطلح
"ابن الله". وعلى عكس الهراطقة، الذين استخدموا فى تعاليمهم، تعبير
CristÒj
للدلالة على الكائن الروحى الذى سكن فى المسيح فى الأرض، فإن القديس يوحنا يصيغ
التعاليم الصحيحة عن يسوع بأنه هو " كلمة الحياة "، و" الله الأزلى
"، " ابن الله ".

4 بار، قدوس، طاهر، شفيع (D…kaioj, `/Agioj, `AgnÒj, Par£klhtoj) :

          مصطلحات خريستولوجية أخرى يستخدمها القديس يوحنا فى
الرسائل هى أوصاف المسيح بأنه
: "
بار" (1يو9:1، 1:2، 29)؛ "قدوس" (1يو20:2)؛ "طاهر"
(1يو3:3)؛ "شفيع" (1يو1:2)
[25][25].

 بار: يُستخدم فى إنجيل يوحنا عن الله الآب فقط
(25:17). وفى سفر الأعمال يمثل مصطلح ولقب للمسيح ويُستخدم باستمرار بهذا المعنى.
انظر (52:7، 14:22) انظر أيضًا (يع6:5، 1بط18:3)، غير أن بولس يصف به يسوع من خلال
معنى أسخاتولوجى كما هو فى (2تى8:4).

طاهر: يذكر هذا المصطلح عن المسيح فى (1يو3:3).

قدوس: مصطلح يُطلق للدلالة على المسيح (مر24:1،
يو69:6، أع14:3، 30،27:4، 1بط15:1، رؤ7:3).

          وهذه المصطلحات تمثل تراث الكنيسة الأولى ولها جذور فى
العهد القديم.

          فتعبير طاهر يرتبط بأن يسوع لم يخطئ، حسب ما ورد فى
الرسالة الأولى (1يو3:3) وكما ذكر بطرس (1بط22:2). وهكذا فإن المسيح هو مثال
للمؤمن لكى يكون " كل من عنده هذا الرجاء به يطهر نفسه كما هو طاهر "
وهذا يرتبط بطبيعة المسيح الإلهية وليس نتيجة كمال أخلاقي.

          قدوس، وبار، وأمين، هى مصطلحات تدّل على طبيعته
الإلهية واستخدامها فيه إشارة إلى أن طبيعة الله الآب لها نفس هذه الصفات
[26][26]، فالمسيح هو القدوس الذى عن طريقه دُعى المؤمنين أبناء الله
(1يو1:3) وهو البار، وبرّه يظهر في أمانته واستعداده لكى يغفر خطايا المؤمنين
(1يو9:1) (انظر أيضًا 1كو9:1، 13:10، 1تس24:5). إذن فمعاني المصطلحات التي تستخدم
على المسيح هنا تتطابق مع معانى المصطلحات التى تستخدم بالنسبة لله الآب. فالمسيح
ليس هو قدوس الله كما جاء فى مرقس24:1، لو35:1، أع30،27:4 أو كما يسمونه المسيحيون
بل هو قدوس، إذ هو كلمة الحياة، وإذ هو مولود من الله (1يو18:5). وبنفس الطريقة
فإن مصطلح " بار " يشير إلى مكانته بعد القيامة فى يمين الله الآب فى
الأعالى (1يو1:2).

5 أهمية الاعتراف والمناداة باسم المسيح:

          موضوعًا خريستولوجيًا آخرًا ورد أساسًا فى الرسالة الأولى
ليوحنا وصبغ كل إيمان الكنيسة عن المسيح، منذ المبشّرين الأوائل وحتى عصر الآباء
الرسوليين، كان هو موضوع القيمة اللاهوتية لاسم المسيح. فقد كان الاعتراف بالإيمان
يتّم بنطق اسم يسوع المسيح (1يو23:3، 5،1:5) وباسم يسوع المسيح كانت تُغفر الخطايا
للمؤمنين (1يو12:2)، والحياة الأبدية تُمنح فقط لمن " يؤمنون باسم ابن الله
" (1يو13:5). وهكذا فلدينا فى هذه الرسائل مثلما فى شواهد أخرى من العهد
الجديد والقديم، تعاليمًا لاهوتية تخص الله، وعندما يدعوه المؤمنين باسمه فهذا
يعنى حضوره الإلهى ومجده العظيم، بل ويتطابق هذا الاسم مع الله نفسه (أع21:2).

          وفى العهد الجديد، تظهر أهمية خاصة لاسم الرب يسوع
فالمؤمنين باستخدامهم لهذا الاسم (أع21:2، 14:9، 16:22، 1كو2:1، يع7:2) فإنهم
يتطهّرون ويتقدّسون ويتبرّرون، وباسم يسوع تتم المعمودية (أع27:9)، وبواسطته تخرج
الشياطين (أع27:9)، فلقد أصبح اسم يسوع هو موضوع العبادة، والإيمان، والاعتراف،
والتقوى (فى9:2، رؤ18:11) بل ومعطى للحياة الأبدية (1يو13:5).

          وفى رسائل يوحنا، فإن الاعتراف، والصلاة، والإيمان باسم
يسوع، يمثل بجانب الأهمية اللاهوتية، علامة واضحة للمؤمنين فى مقابل التعاليم
المضلّلة والمزيّفة، تلك التعاليم التى كانت تنكر الله (1يو22:223).

          فالاعتراف باسم المسيح يمثل ضمان وعربون روح الله الذى
يحصل عليه الذين يعترفون به.. (1يو33:3) ولهم مسحة من القدوس (1يو36،30:2) وهذا
الاعتراف باسم يسوع يميّز بين روح الله والروح المضلّل الذي هو ضد المسيح
(1يو2:43).

6 الإله الحقيقى والحياة الأبدية (1يو20:5):

          يمثل العدد (1يو20:5) أهمية عظمى فى تعاليم القديس يوحنا
الخريستولوجية " ونعلم أن ابن الله قد جاء وأعطانا بصيرة لنعرف الحق ونحن
في الحق في ابنه يسوع المسيح هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية
". أهمية
هذا الشاهد تكمن فى أن يوحنا يسمى ابن الله "الله". هذا بالطبع لا يمثل
شيئًا جديدًا. فالتعاليم الخريستولوجية للقديس يوحنا كما هى واضحة فى رسائله تشهد
بموقف يوحنا وإيمانه. غير إنه فى التعبير " الإله الحقيقى " لدينا شهادة
واضحة من عبادة الكنيسة الأولى وكيف أنها كانت تسمى المسيح " الله "
والمفسرون لا يتفقون معًا فى آمر هذا الشاهد، فالبعض وهم يعتمدون على التحليل
اللغوي للشاهد يرى أن " الإله الحقيقى والحياة الأبدية " تشير إلى الآب
الذى يتحدّث عنه يوحنا من قبل، بينما الآخرون ومنهم آباء الكنيسة
[27][27]، يفسرونه على أنه يشير إلى المسيح. ودليلهم على ذلك أن الجزء
السابق من الشاهد " ونحن فى الحق فى ابنه يسوع المسيح " يشير إلى
المسيح. بالإضافة إلى هذا فإن يوحنا سواء فى الإنجيل أو فى الرسائل يصف المسيح فقط
بأنه "الحياة الأبدية" وهو فقط الذى يهب هذه الحياة للعالم (يو15:3،
40،30:5، 63،48،35،33:6،28:10، 25:11، 1يو2:1). فعند يوحنا فإن تعبير "
الحقيقى " يشير من ناحية إلى الآب (يو28:7، 3:17، 1يو20:5، رؤ10:6)، ومن
ناحية أخرى إلى الابن (يو9:1، رؤ14،7:3،11:19). وفى رسالته الأولى " الحق
" هو ابن الله ولهذا فإنه متمايز ومختلف عن الكذاب، والمضل وضد المسيح
(1يو4:2، 6:4، 10:5). ولو أخذنا فى اعتبارنا بالأكثر، أن يوحنا فى الإنجيل يستخدم
تعبير " الله " بالنسبة إلى " الابن " و "الكلمة "
(يو1:1، 28:20) (ربى وإلهي)، وأيضًا لو أخذنا فى الاعتبار رأى بعض المفسرين بأن
الرسالة لها طابع وعظي تعليمي لاستطعنا أن نقول إن هذا الجزء يقصد به " ابن
الله ".

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس أ أَسْمَانْجُونِي ي

 

          وغير ذلك، فإنه بالإضافة إلى استخدام بولس الرسول للتعبير QeÒj بالنسبة للابن (رو5:9، أف5:5، 2تس12:1،
1تى16:3، تى13:2) فإننا نجد أن كثيرين من الآباء الرسوليين قد استخدموا بكثرة
تعبير "
QeÒj" عند الحديث عن الابن[28][28]، هذا من جهة ومن جهة أخرى فهو "الحياة
الأبدية" ولهذا فالقديس يوحنا يوضّح حضور المسيح من جهتين:

          الأولى أن: " والكلمة صار جسدًا
" الحياة أُظهرت ". والثانية: أننا " نراه كما هو"
(1يو2:3). وحضوره الثانى هو للدينونة، غير أنه على المؤمنين أن يرتبطوا به ويثبتوا
فيه فى هذا العالم لكى يكون لهم دالة وعزاء حتى لا يخجلوا منه فى مجيئه (1يو28:2).
هذه الصورة الإسخاتولوجية هى مستعلنة بكل وضوح، فهو يتكلّم عن حضور المسيح ليدين
العالم. على أن هذا الحضور هو " فى مجد" حيث إن الديان سيظهر
" كما هو" (1يو2:3)، وفى هذا الحضور سيتجلى المؤمنين بطريقة ما
لأن " حيث سيظهر سنكون مثله " (1يو2:3). هذه الأمور
الإسخاتولوجية كانت هى ميراث الكنيسة الأولى، وتعكس أيضًا تعاليم كل من بولس
الرسول والأناجيل الإزائية (سيظهر، نراه، حضور،…).

 

          ففي الرسالة الأولى نجد أن هناك كلام عن الإسخاتولوجية
الذى ستُعلن، وما فيها من إبهار (1يو28:2، 2:3) " عندما سيظهر "
كما نجد أيضًا الإسخاتولوجية المحقّقة والتي كثيرًا ما تحدّث عنها في الإنجيل.

          فحقيقة التجسّد تمثل عند القديس يوحنا حلول ملكوت الله على
الأرض وبداية الأزمنة الأخيرة. "والآخر" يوجد من الآن هنا فى العالم.
فابن الله جاء " ليحل أعمال إبليس " (1يو8:3) ولكى " نحيا
به
" (1يو9:4)، فالعالم حسب القديس يوحنا يوجد فى ظلام، غير أن من يؤمن
بابن الله، يستطيع غلبة العالم (1يو5:5) وعنده الحياة الأبدية (1يو13،12،11:5).
والجماعة المسيحية تمثل جماعة آخروية، عندها مِسحَة القدوس (1يو20:2) تغلب العالم
وتثبت فى الآب والابن (1يو15:4، 22:223، 25، 2يو9).

 

          مما سبق يتضّح أن البعدين الإسخاتولوجيين (الذى سيُعلن
والمحقق) كلاهما موجودين فى الرسائل. فتعليم يوحنا عن الأزمنة الأخيرة واضح سواء
فى الإنجيل أو الرسائل، وهو يعبّر عنه بطريقة واضحة:

          إن مَن يؤمن بابن الله " ينتقل من الموت إلى
الحياة
" (يو24:5)، حيث إنه هو الإله الحقيقى والحياة الأبدية (1يو20:5،
أيضًا يو25:11).

          ابن الله جاء " لنحيا به " (1يو9:4) وكل من كان
حيًا وآمن به فلن يرى الموت إلى الآباد (يو26:11).

 

          والتضاد واضح بين الحياة الأبدية والعالم، فالعالم يمثل
شيئًا خارجًا عن الله، ولهذا " فإن العالم يمضى وشهوته تزول، أما من يفعل
مشيئة الله فإنه يبقى إلى الأبد " (1يو17:2).

 

          ومما سبق نستطيع أن نجمل أن محور التعاليم الخريستولوجية
في رسائل يوحنا هى أن " ابن الله "، " الذى كان عند الآب، كلمة
الحياة، ظهر لنا
" (1يو2:13) يسوع المسيح، المولود الوحيد للآب، الذى منه
خرج، هو كلمة الحياة، المعطى حياة لكل شئ (1يو1:1). وهو أيضًا فى الآب قبل
كل الدهور وعند الآب إلى الأبد، شفيع فى خطايا كل العالم (1يو1:22). وهو الوحيد
الذى " قد جاء وأعطانا بصيرة لنعرف الحق ونحن في الحق في ابنه يسوع المسيح
هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية
" (1يو20:5) وجُعِلَ كفارة لخطايانا
(1يو2:2، 10:4) وكابن الله هو " الإله الحقيقى والحياة الأبدية"
(1يو20:5) وهو مخلّص العالم (1يو14:4) بإعلانه عن أنه هو الإله الحقيقى وحده،
وسلطانه على كل الخليقة التى تُرى والتى لا تُرى. وهكذا " صار جسدًا
" فى ملء الزمان، فى شخص يسوع المسيح، " وحلّ بيننا ورأينا مجده كما
لابن وحيد للآب مملوء نعمة وحقًا
" (يو14:1). وبه عرفنا الآب وأُعطينا
شركة مع الروح القدس وفيه لنا الحياة الأبدية، وبه نبقى إلى الأبد كمولودين من
الآب (1يو1:5) وسندخل إلى ملكوته السمائى " حيث هو سيكون الأبرار
" (يو26:12). وليس بأحد غيره خلاص أو معرفة الله، فمن له الابن له الله الآب
(1يو22:223) والحياة الأبدية (1يو11:512) بينما من ليس له الابن ليس له الآب أيضًا
(1يو23:2).

 

          لقد اعتمد آباء الكنيسة على هذه التعاليم الخريستولوجية
للقديس يوحنا وعبّروا عنها في صياغات أكثر وضوحًا، بل أكملوها. وهكذا عبّروا عن
علاقة المسيح ابن الله الكلمة، بالآب. وعن وجوده الأزلى قبل كل الدهور، عن مساواته
فى المجد والكرامة والعزة والقدرة للآب والروح القدس، عن ظهوره العجيب فى الجسد،
عن أنه قد أظهر الآب لنا، وعن أنه من خلال آلامه وموته وقيامته فدى الجنس البشرى
من رباطات الخطية وأخيرًا جلوسه عن يمين الآب، ليأتي ثانية في الوقت الذي يحدّده
ليدين الأحياء والأموات.



[1][1] Guthrie D.: N.T. Introduction,
vol.
III, Hebrews to
Revelation, London, 1964, s. 217.

[2][2] Guthrie, ibid. ss. 196, 215, 218.

3  إيريناؤس: ضد الهرطقات P.G.7, 1 VII, 26.

[4][4]  Basile…on G. Ts£kwna: ¹ cristolog…a toà kat£ ‘Iwann»n EuaggeleiÕu: ‘AqÁnai 1969.

5  ديديموس: فى شرحه لرسالة يوحنا الأولى PG. 39, 1776.

6  ذهبى الفم PG. 59: 39,40,47.

7  أوريجينوس B.E.P. 11, 262, 263.

8  كيرلس الأسكندرى PG. 73, 88.

9 لشرح هذا
العدد انظر:

Trempšla, eisacwg¾
eŠj t¾n ebra…ou
j kaˆ t¦j kaqolik£j epistol£j, AqÁnai 1956

10  كيرلس الأسكندرى PG. 73, 160-161, 164-165.

11 انظر:
Basile…on
G. Ts£kwna
  المرجع
السابق
ص 15ـ29.

12 1يو7،3:1، 24،23،22:2، 23،8:3، 15،14،10،9:4،
20،13،12،11،10،9،5:5، 2يو9،3.

13 القديس كيرلس PG. 73, 28.

14 كيرلس PG. 73, 112.

15  ذهبى الفم PG. 59, 339.

16 العبارات "يؤمن"،
"يعترف"، من خصائص رسائل يوحنا وتوجد أيضًا فى قوانين الإيمان فى لكنيسة
وأيضًا فى رسائل بولس الرسول (فى5:2ـ11،  كو15:1ـ20،أف3:1..،1كو22،16،3:15،2كو21:5،1تى16:3)،
(1يو15،2:4، 2يو7).

17 هنا نجد أن القديس يوحنا يقترب من
تعبيرات وتعاليم القديس بولس. والجدير بالذكر أنه فى كثير من رسائل بولس التى
يُذكر فيها لقب " ابن الله " فإن عمل ورسالة المسيح يرتبط فيها برفع
خطية العالم بصورها المختلفة كما فى (رو3:8ـ32،4 غلا20:2، 4:4، كو3:1، عب3:1،
12:10، 2:12).. وبالطبع نجد أن استخدام تعبير " ابن الله "، "
الفادى" بكثرة فى رسالة العبرانيين. والواضح فى كل من رسائل بولس ويوحنا هى
تلك الفدية والذبيحة التى قدمها " ابن الله " بصلبه وموته (أنظر
1كو23:1، 8،2:2، 2كو4:13، غلا1:3، 24:5، رؤ8:11).

18 انظر
أيضًا (رو25:3، 9:5، 1كو16:10، أف7:1، 13:2، كو20،14:2، عب 20،14،12:9، 19:10،
20:13، 1بط19:1، رؤ5:1، 14:7، 11:12).

19 القديس كيرلس PG. 74,480- 74, 780.

20  ذهبى الفم PG. 59, 109.

21 ذهبى الفم PG. 59, 109 ، القديس كيرلس الأسكندرى PG. 73, 192.

22  تعبير " المسيح " ورد 11 مرة فى
رسائل يوحنا ..

[23][23] Jonge M. de: The use of the word “CristÒj” in the Johannine Epistle, at studies in
John, presented to prof. J. N. Sevenster, Suppl. To N.T. XXIV,
Leiden, 1970, ss 66-70.

24 أنظر
أوريجينوس
B.E.P. 11, 60:15.

25 انظر
أوريجينوس فى تفسيره لإنجيل يوحنا 38:1 فى
B.E.P. 11, 279 وأيضًا القديس كيرلس
الأورشليمى فى عظته للموعوظين
XVI, 20.

[26][26] G. Kittel: Th. w. n. T.1, 102-103,
190-193.

انظر أيضًا 1كو9:1، 13:10، 2كو18:1 حيث تشير هذه الآيات إلى أمانة
الله فى وعوده لأجل خلاص العالم.

27  ديدموس الضرير PG. 39, 1807.

28 أغناطيوس: أفسس2:5، 2:7، 3:5،
2:18، 3:19، أزمير1:1، مغنيسيا 1:7ـ2، 7:15، بوليكاربوس: 3:8، الديدياخى: 6:10.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي