الإصحَاحُ الْعَاشِرُ

 

الملوك والحكام

1 الحاكِمُ
الحكيمُ يُؤَدًبُ شَعبَه وسُلطَةُ العاقِلِ تَكون ثابِتَة 2 كما يَكونُ حاكِمُ
الشَّعبِ يَكونُ وُزَراؤُه وكما يَكونُ رَئيسُ المَدينةِ يَكونُ جَميعُ
سُكَّانِها. 3 المَلِكُ القَليلُ التَّأديبِ يُدَمر شَعبَه والمَدينةُ تُعمَرُ
بِعَقلِ وُلاتِها. 4 مُلكُ الأَرضِ في يَدِ الرَّبّ فهو يُقيمُ علَيها في الوَقتِ
المُناسِبِ مَن بِه نفعُها. 5 نجاحُ الرَّجُلِ في يَدِ الرَّبّ
وعلى
وَجهِ الكاتِبِ يَجعَلُ مَجدَه.

 

لاشك أن قوة الحاكم ونجاحه
فى حكمه تنعكس بشكل واضح على مستوى الشعب من جهة الأخلاق والتقدم، وكما أنه بيد
الحاكم سلام شعبه هكذا أيضاً يمكن لحاكم أن يدمر شعب بأكمله، إذ أن الحروب التى
دمرت شعوباً قد نشأت أو نشبت بسبب قرار الملك أو الحاكم، كذلك أيضاً السلام والرخاء
يأتيان بكلمة الملك، ولنا فى ذلك سليمان الحكيم مثالاً جيداً إذ أنه كيف بصلاحه وحكمته
صارت بلاده فى أفضل مستوى لها وارتفع دخل الفرد فيها إلى أعلى مستوى له، مما لم
يحدث من قبله ولا حدث من بعده. هذا بشهادة الكتاب المقدس نفسه والتاريخ والتقليد،
وفى المقابل أنظر كيف جرّ يربعام بن نباط ومنسى الويلات على بنى إسرائيل، إذ جرّ
الأول بلاده إلى عبادة الأصنام بينما تسبب الآخر فى هلاكها وسبى سكانها إلى آشور.

 

ولأن مُلكُ الأَرضِ وما عليها هو للرب يعاقب بعض الشعوب
أحياناً بأن يولىّ عليهم ملوكاً أشراراً لكى يؤدبونهم، حيث حدث ذلك كثيراً فى
العهد القديم، وعلينا الخضوع لهم لأنها مرتبون لنا من الله
" لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِين الْفَائِقَةِ لأَنَّهُ
لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ وَالسَّلاَطِينُ الْكَائِنَةُ هِيَ
مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ
" (رومية 13 : 1).

 

والمَلِكُ بدوره يختار وزرائه ومستشاريه وجلساؤه ممن
هم على شاكلته، فيعملون معه فى سيمفونية واحدة، وبالتالى فعليه أن يختار ليس من
يثق فيهم فحسب وإنما من تتوافر لديهم الخبرة الكافية والصلاحية للقيام على أمور
الشعب.

 

ويشير ابن سيراخ إلى
الصفة الهامة التى يجب أن يتحلى بها الملك وهى أن يعمل بكلمة الله ووفقاً لشريعته
" بِي تَمْلِكُ الْمُلُوكُ وَتَقْضِي الْعُظَمَاءُ عَدْلاً. بِي
تَتَرَأَّسُ الرُّؤَسَاءُ وَالشُّرَفَاءُ كُلُّ قُضَاةِ الأَرْضِ.
" (أمثال 8 : 15، 16) ويرد كذلك فى سفر دانيال " لِتَعْلَمَ الأَحْيَاءُ أَنَّ الْعَلِيَّ مُتَسَلِّطٌ فِي
مَمْلَكَةِ النَّاسِ فَيُعْطِيهَا مَنْ يَشَاءُ وَيُنَصِّبَ عَلَيْهَا أَدْنَى
النَّاسِ
" (دانيال 4 : 17) ولكن
يجب ألاّ يفهم من هذا تشجيع الأنظمة الثيئوقراطية (التى تحكم بالدين) وإنما فقط يقصد
أن يكون الحاكم شخصاً تقياً له علاقة طيبة بالله ليهبه الله الحكمة ومؤهلات الحاكم،
اقرأ ما قاله الروح عن المسيا الآتى، كيف يقضى وكيف يسوس شعبه : " وَيَحِلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ رُوحُ الْحِكْمَةِ
وَالْفَهْمِ رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ
الرَّبِّ. وَلَذَّتُهُ تَكُونُ فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ فَلاَ يَقْضِي بِحَسَبِ
نَظَرِ عَيْنَيْهِ وَلاَ يَحْكُمُ بِحَسَبِ سَمْعِ أُذُنَيْهِ بَلْ يَقْضِي
بِالْعَدْلِ لِلْمَسَاكِينِ وَيَحْكُمُ بِالإِنْصَافِ لِبَائِسِي الأَرْضِ. وَيَكُونُ
الْبِرُّ مِنْطَقَةَ مَتْنَيْهِ وَالأَمَانَةُ مِنْطَقَةَ حَقَوَيْهِ.
"
(أشعياء 11 : 2 – 5).

 

أمّا الكاتِبِ فى (آية 5) فهى لا تعنى
مجرد الكاتب
Scrib ولكنها تعنى صانع الوصية أو الصالح أو منفذ الوصية أى
الملك
1، وبذلك يستقيم معنى الشطر الثانى مع الشطر الأول من الأعداد
السابقة
" نجاحُ الرَّجُلِ في يَدِ الرَّبّ وعلى وَجهِ الكاتِبِ يَجعَلُ
مَجدَه
"
.

 

الكبرياء
ممقوتة

6 لا تَحقِدْ
على القَريبِ لأَيِّ ضَرَرٍ كان ولا تَعمَلْ شَيئًا وأَنتَ مُغْتاظ. 7 الكِبرِياءُ
مَمْقوتَةٌ عِندَ الرَّبِّ والنَّاس والظُّلمُ عِندَ كِلَيهما خَطأُ 8 يَنتَقِلُ
المُلكُ مِن أُمَّةٍ إِلى أُمَّة بالظُّلمَ والعُنْفِ والمال. 9 لِماذا يَتَكبر
مَن هو تُرابٌ ورَماد وقد أَنتَنَت أَحْشاؤه مُدَّةَ حَياتِه؟ 10 المَرَضُ
الطَّويلُ يَتحَدَّى الطَّبيب ومَلِكُ اليَوم غَدًا يَموت. 11 حينَ يَموتُ
الإِنسان يَرِثُ الزَّحَّافاتِ والوُحوشَ والدُّود. 12 أَوَّلُ كِبرِياءِ
الإِنْسانِ اْرتدادُه عنِ الرَّبّ حينَ يَبتَعِدُ قَلبُه عنِ الَّذي صَنَعَه
2. 13 فإِنَّ أَوَّلَ الكِبرِياء هو الخَطيئة ومَن تَمَسَّكَ بِها
فاضَ قَبائح. ولذلك أَنزَلَ الرَّبّ بالمُتَكَبِّرينَ بَلايا غَريبَة ودَمَّرَهم
تَدْميرًا. 14 قوضَ الرَّبّ عُروشَ السَّلاطين وأَجلَسَ الوُدَعاءَ مكانهم. 15
قَلعَ الرَّبُّ أُصولَ الأُمَم وغرَسَ المُتَواضِعينَ مَكانَهم. 16 قَلَبَ
الرَّبُّ بُلْدانَ الأمَم وأَبادَها إِلى أُسُسِ الأَرض. 17 أَقحَلَ بَعضَها
وأَبادَ سُكَّانَها وأَزالَ مِنَ الأَرضِ ذِكرَهم. 18 لم تُخلَقِ الكِبرِياءُ
لِلنَّاس
ولا حِدَّةُ الغَضَبِ لِمَواليدِ النِّساء.

 

يظن البعض أن هذه
القطعة هى عروض وعظية متناثرة قائمة على ما ورد فى صلاة حنَة (صموئيل الأول 2 : 1 – 10) أو متشابهة معاً، ولكن
نلاحظ أن الخيط الذى يربط هذه الدرر هو " ذم الكبرياء "، ومع ذلك
فهى تعتبر – مع فقرات أخرى – أول عظات فى الكتاب المقدس، وهناك بالفعل أوجه تشابه
بين القطعتين ففى كل من صلاة حَنة وتعليم ابن سيراخ معالجة عدة نقاط مثل "
تفّرد الله / لوم كبرياء الإنسان / الله مطلّع على أعمال الإنسان / الله يحكم كل
شىء".

 

آية 6 : الحقد هو
إبن من بنات الكبرياء " الحقد / الغضب / النجاسة / الإدانة / الكذب / الشتيمة
/ الشره " والمتضع يشفق على كل إنسان حتى من يسىء إليه
" لا تُبْغِضْ اخَاكَ فِي قَلْبِكَ. انْذَارا تُنْذِرُ
صَاحِبَكَ وَلا تَحْمِلْ لاجْلِهِ خَطِيَّةً
. لا
تَنْتَقِمْ وَلا تَحْقِدْ عَلَى ابْنَاءِ شَعْبِكَ بَلْ تُحِبُّ قَرِيبَكَ
كَنَفْسِكَ. انَا الرَّبُّ.
" (لاويين 19
: 17، 18
) ويوصى ابن سيراخ والآباء من بعده ألاّ يقرر الإنسان شيئاً وهو
ثائر منفعل وإلاّ فإنه حتماً سيخطىء وسيقع بالتالى فى الندم. فعلى سبيل المثال،
نجد أن كل جرائم القتل العمد (بغير سبق إصرار وترصّد) هى نتاج قرار غاضب لحظى (وليد
اللّحظة).

هل تبحث عن  شبهات الكتاب المقدس عهد قديم سفر التكوين شيلون ومحمد ب ب

 

آية 7 : المتكبر
يعكس صورة الشيطان الذى هوى من رتبته بسبب اعجابه الشديد بنفسه، والغضب شيطان،
يقول القديس
باخوميوس
فى حديثه عن المواهب والمعجزات الحقيقية : "إذا علّمت إنساناً غضوباً كيف يكون حليماً فقد أخرجت بذلك
شيطاناً!!
" وقد يبلغ الغضب بإنسان إلى الدرجة التى تجعل من شكله وهو
غضوب مخيفاً.

آية 8 : الحديث فى
هذه الآية عن الصراع على الملك مابين الممالك من جهة والملوك وبعضهم البعض من جهة
أخرى، والتاريخ زاخر بالأمثلة على مثل تلك الصراعات الدموية والتى وصلت إلى قتل
الأخ لأخيه أو الأم لإبنها والعكس، ويعنى هذا أيضاً أن المُلك غير ثابت ولكنه
ينتقل بسرعة من شخص لآخر ومن مكان لآخر.

 

آية 9 – 11
:
متى
تذكر الإنسان أن حياته تراب ورماد فإنه ينسحق، وربما يشير الشطر الثانى إلى
الإهتمام بالجسد والمأكل، فهو ينظر إلى ذلك باعتباره نتن ودود ومصيره القبر
"جَميعُ النَّاسِ تُرابٌ ورَماد. (سيراخ 17 : 32)" راجع أيضاً(تكوين 2 : 7، 18 : 27) ومهما طالت الحياة فهى قصيرة
والقبر فى انتظار أعتى الناس والأغنياء ومهما حاول الأطباء فإنهم لن يقدروا أن
يجعلوا إنساناً ما أن يخلد فى الأرض، وفكر الموت هو مهذب ومؤدب للأحياء، وعلى
الملوك أن يعملوا خيراً اليوم لأنهم سيغادرون هذه الحياة غداً، وبعد أن يخشاه
الناس سوف تجترىء عليه الحشرات وينهش فيه الدود " أُهْبِطَ
إِلَى الْهَاوِيَةِ فَخْرُكَ رَنَّةُ أَعْوَادِكَ (الموسيقى). تَحْتَكَ تُفْرَشُ
الرِّمَّةُ وَغِطَاؤُكَ الدُّودُ.
" (أشعياء
14 : 11
) راجع أيضاً (أيوب 17 : 14).

 

يقول القديس
أغسطينوس
فى العظة على الجبل : "لينتفع
الإنسان من العقاب، وليعلم أنه فانى ويسمع قول الكتاب "
لِماذا
يَتَكبر مَن هو تُرابٌ ورَماد
" وحتى إذا كان الشيطان
متكبر فهو ليس تراب ورماد
" 3، وبالطبع فإن القديس أغسطينوس لا يجد للشيطان مبرراً لكبريائه وإنما
يعاقب الإنسان بالأكثر لمعرفته بطبيعته.

 

و فى تعليقه على
المزمور الأول آية 4 يقول القديس أغسطينوس : "ليس كذلك الأشرار لكنهم كالعصافة التى تذريها الريح عن وجه الأرض "
الأرض هنا هى الثبات فى الله، وفى الآيات " انْتَظِرِ
الرَّبَّ وَاحْفَظْ طَرِيقَهُ فَيَرْفَعَكَ لِتَرِثَ الأَرْضَ.
" (مز 37 : 34) و" طُوبَى
لِلْوُدَعَاءِ لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ
" (مت 5 : 5) نجد هنا مقارنه بين الأرض الظاهرة التى
تحوى الإنسان الخارجى والأرض الخفيِة فى الإنسان الداخلى، تذريها الريح
تشير إلى الكبرياء، فإن الإنسان السكران بغنى بيت الرب ونعمه يقول لا تأتينى رجل
الكبرياء، ومن هذا الكبرياء الأرضى يُطرح ذاك القائل " أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللَّهِ وَأَجْلِسُ
عَلَى جَبَلِ الاِجْتِمَاعِ فِي أَقَاصِي الشِّمَالِ… أَصْعَدُ فَوْقَ
مُرْتَفَعَاتِ السَّحَابِ.
" (أشعياء 14
: 13، 14
) إن الكبرياء يطرح الإنسان. هذا ما كتبه ابن سيراخ فى
(10
: 9).

 

و يذكر القديس يوحنا
الدمشقى
هذه القصة المؤثرة فيقول : "كان
لمدينة ما عادة غريبة وهى أن يملك ملكهم سنة واحدة وبعد ذلك يقومون بالقبض عليه وتقييده
وضربه وإهانته ثم يحملونه إلى جزيرة نائية يتركونه فيها يلاقى مصيره، ومن ثم يملكون
غيره وهكذا… حتى ملك واحد وراح أثناء السنة ينقل الخيرات إلى تلك الجزيرة وبنى
هناك قصوراً وزرع حقولاً وغرس بساتيناً ونقل أموالاً وجعل من تلك الجزيرة جنة
يشتهى الناس سكناها، حتى إذا ما قاربت السنة على الإنتهاء كان قد صار فى اشتياق
إلى تقييده وحمله إلى الجزيرة !!
" هكذا كل من يكنز لأبديته أثناء
حياته على الأرض.

 

آية 12، 13
:
يتحدث
هنا ابن سيراخ عن منشأ الكبرياء وسببها وهو الابتعاد عن الله والاستقلال عنه وبذلك
ينسى الإنسان أن ملكه وثروته هى مستمدة من الله وأن الله هو مصدر خيره، ولقد كان
الفكر الذى حطم الشيطان هو أن يستقل عن الله، ومن ثم هوى إلى الخطية، كما أن مشكلة
الإنسان فى السقوط ترجع إلى إستقلال إرادته عن الإرادة الإلهية، فإبتعد عن الوصية
وتشامخ قلبه
" قَبْلَ الْكَسْرِ الْكِبْرِيَاءُ وَقَبْلَ السُّقُوطِ تَشَامُخُ
الرُّوحِ.
" (أمثال 16 : 18)
ومن هنا يضربهم
الرب لعلهم يثوبون إلى رشدهم.

 

يقول القديس
أغسطينوس
: " ليسع المتكبر وراء الملك الأرضى
وأمّا المتواضعين فليست لديهم الروح التى تنفخ، إن تشامخ الروح هو الكبرياء، وعلينا
أن نصطلح مع الله بعد أن خاصمناه بالخطية إذ بذلك نصبح أعداء له وهو أيضاً يدعى
خصم للمقاومين
" " يقاوم الله
المستكبرين وأول كبرياء الإنسان ارتداده عن الرب "
4 ويقول أيضاً أن أصل سقوط الإنسان هو العصيان وما هى الكبرياء
سوى رغبة فى التمجيد الذى لا نستحقه وبهذا تضع النفس نهايتها
5
ويقول القديس أغسطينوس : "أتوسل إليكم أن
تبتعدوا عن هذه حتى لا نقع تحت الدينونة ونخضع أنفسنا لنفس العقاب
"
يقول الكتاب (عن المتقدم لرتب الكهنوت) " غَيْرَ
حَدِيثِ الإِيمَانِ لِئَلاَّ يَتَصَلَّفَ فَيَسْقُطَ فِي دَيْنُونَةِ إِبْلِيسَ.
"
(تيموثاؤس الأولى 3 : 6)، إن من يتصلف يعاقب
مع إبليس لأن
كِبرِياءِ الإِنْسانِ اْرتدادُه عنِ الرَّبّ. إن
الكبرياء هى بداية الخطية والدافع الأول والمحرك لها تجاه الشر، وربما يعنى (ابن
سيراخ) أن السبب فى الكبرياء هو الإرتداد عن الرب
6.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس أ الحانان ن

 

و فى تعليقه على
المزمور السابع يقول : إن الله يرفع الإنسان الذى يفتخر به، ولكنه يسقط متى احتقر
عمل الروح القدس داخله. إن الإنسان الذى تعلم كيف يتغلّب على الخطيئة يعلم أن
الكبرياء يجب تجنبها لأن "
أَوَّلُ كِبرِياءِ الإِنْسانِ
اْرتدادُه عنِ الرَّبّ
".

 

و فى الرد على
البلاجيين يقول
: "ليست كل خطيئة كبرياء، ولكن
كيف يكون الكبرياء بداية كل خطية؟ وكيف يفصل الكبرياء نفسه عن الخطية؟ ان نخطىء هو
أن نتكبّر هو أن تخطىء، لأننا إذا سألنا ما هى كل خطية. ابحث إن وجدت أى خطية بدون
كبرياء، وهذا ما يؤكده ابن سيراخ فى
(10 : 12،
13)
".

 

و فى حديثه عن
الثالوث
يقول : "أن النفس بسبب جهالاتها
تنزلق من الكل (الله) إلى الجزء وهو كا يدعى الكبرياء، فالنفس تحميها وصايا الله،
فإذا ما خرجت من هذه الدائرة باحثة عن قانون خاص بها وعن حاكم لذاتها فإنها تفشل،
فلا يوجد أحد أعظم من الكل (لله) إن الكبرياء هو أصل الشرور
"
7.

 

آية 14 – 17
:
الرب
هو صاحب السلطان المطلق، فهو ملك الملوك ورب الأرباب، وقد وُهب المُلك للبعض
ليجروا العدل على الأرض ويكونوا نائبين عن الناس ولكن متى شمخ أولئك فى قلوبهم
أزلهم وأزال عروشهم وقوّض ملكهم
" فَانْسَحَقَ
حِينَئِذٍ الْحَدِيدُ وَالْخَزَفُ وَالنُّحَاسُ وَالْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ مَعاً
وَصَارَتْ كَعُصَافَةِ الْبَيْدَرِ فِي الصَّيْفِ فَحَمَلَتْهَا الرِّيحُ فَلَمْ
يُوجَدْ لَهَا مَكَانٌ
" (دانيال 2 : 35).

 

أين ممالك العالم
القديم. أين الفراعنة. أين الأشوريين والبابليين والفرس واليونان والرومان… أين
هتلر، ولاشك أن ما حدث لسدوم وعمورة والكنعانيين كان فى فكر ابن سيراخ " فمِنهم (الملوك) مَن بارَكَه وأَعْلى شَأنَه ومِنْهم مَن
قَدَّسَه وقَرَّبَه إِلَيه ومِنْهم مَن لَعَنَه وأَذلَه وخَلَعَه مِن مَقامِه.
(سيراخ 33 : 12) ".

 

آية 18 : لم يُخلق
الإنسان إلاّ على صورة الله فى الوداعة والإتضاع، وأمّا الشرّفهو دخيل عليه، بل
حتى أن النار الأبدية لم تعدّْ أصلاً للإنسان وإنما لإبليس وملائكته
"….. النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لِإِبْلِيسَ
وَمَلاَئِكَتِهِ
" (متى 25 : 41)
هكذا يؤكد القديس
يوحنا ذهبى الفم
: "إن الميل الردىء فى الإنسان
ليس من طبيعته وإنما من تهاونه
"
.

 

الكرامة
لمن له الكرامة

19 أَيُّ
نَسْلٍ جَديرٌ بالإكْرام؟ نَسْلُ الإِنسان. أَيُّ نَسْلٍ جَديرٌ بِالإكْرام؟
المُتَّقونَ لِلرَّبّ. أَيُّ نَسْلٍ جَديرٌ بِالِاْحتِقار؟ نَسْلُ النَّاس أَيّ
نَسْل جديرٌ بِالِاْحتِقار؟ المُتَعَدّونَ لِلوَصايا. 20 يُكرَمُ الرَّئيسُ بَينَ
إِخوَته 21 والمُتَّقونَ لِلرَّب في عَينَيه. 22 الغَنِيُّ والمُكَرَّمُ والفَقيرُ
فَخرُهم مخافَةُ الرَّبَ. 23 لَيسَ مِنَ الحَقِّ أَن يُهانَ الفَقيرُ العاقِل ولا
منَ اللاَّئِقِ أَن يُكرَمَ الرَّجُلُ الخاطئ. 24 العَظيمُ والقاضي والمُقتَدِرُ
يُكَرًمون ولَيسَ أَحَدٌ مِنهم أَعظَمَ مِمَّن يَتَّقي الربَ. 25 العَبدُ الحَكيمُ
يَخدُمُه الأَحْرار
والرَّجُلُ العاقِلُ لا يَتَذَمّر
مِن ذلك.

 

آية 19، 20
:
أول
شخص جدير بالإحترام هو المتقى الرب، وبالتالى فإن المخالف للوصايا يجلب على نفسه الإحتقار،
وبينما يكرم الرئيس بين أقرانه، فإن المتقى الرب ينال حظوة فى عينيه. الفرق أن
الرئاسة الزمنية قد تجلب الكرامة الوقتية ولكن تقوى الرب تورّث مجداً أبدياً،
فليكن مجدنا وفخرنا هو الرب سواء أكنّا فقراء أو أغنياء، ملوكاً أم رعية، فالكل
متساوون أمام الله
" نَاكَ يَكُفُّ
الْمُنَافِقُونَ عَنِ الشَّغَبِ وَهُنَاكَ يَسْتَرِيحُ الْمُتْعَبُون
.الأَسْرَى
يَطْمَئِنُّونَ جَمِيعاً. لاَ يَسْمَعُونَ صَوْتَ الْمُسَخِّرِ
.الصَّغِيرُ
كَمَا الْكَبِيرُ هُنَاكَ وَالْعَبْدُ حُرٌّ مِنْ سَيِّدِهِ.
" (أيوب 3 : 17 – 19).

 

و يضع ابن سيراخ الفقير
العاقل فى مرتبة أفضل من الغنى المتكّبر فإن الفقير أو الخاطىء المتضع خلاصه سهل،
وفى الدينونة لن يحول فقره دون الإكليل، فى حين قد يهلك الغنى بكبريائه، حتى وإن
كانت موازين الناس فى الأرض هكذا، أى إكرام الغنى والقوة والذكاء وإهانة الفقر والبساطة،
فالمتقى الرب هو أفضل من العظيم والقاضى المقتدر " فَانْظُرُوا
دَعْوَتَكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ لَيْسَ كَثِيرُونَ حُكَمَاءُ حَسَبَ
الْجَسَدِ. لَيْسَ كَثِيرُونَ أَقْوِيَاءُ. لَيْسَ كَثِيرُونَ شُرَفَاءُ
.
بَلِ اخْتَارَ اللهُ جُهَّالَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الْحُكَمَاءَ
وَاخْتَارَ اللهُ ضُعَفَاءَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الأَقْوِيَاءَ
وَاخْتَارَ اللهُ أَدْنِيَاءَ الْعَالَمِ
وَالْمُزْدَرَى وَغَيْرَ الْمَوْجُودِ لِيُبْطِلَ الْمَوْجُودَ
لِكَيْ لاَ يَفْتَخِرَ كُلُّ ذِي جَسَدٍ
أَمَامَهُ
. وَمِنْهُ أَنْتُمْ بِالْمَسِيحِ
يَسُوعَ الَّذِي صَارَ لَنَا حِكْمَةً مِنَ اللهِ وَبِرّاً وَقَدَاسَةً وَفِدَاءً
.
حَتَّى كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «مَنِ افْتَخَرَ فَلْيَفْتَخِرْ
بِالرَّبِّ».
"
(كورنثوس الأولى 1 : 26 – 31).

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ى يدعيا 1

 

و الناس أربعة مراتب
خاطىء متكبّر وخاطىء متضع وبار متكبر وبار متضع ولاشك أن أخطرهم فى النوع الأول
بينما أفضلهم المرتبة الأخيرة، أمّا إن أردنا المفاضلة بين المرتبة الثانية والثالثة
فإن الخاطىء المتضع خلاصه سهل بينما قد يهلك البار بكبريائه (كما أسلفنا).

 

و فى النهاية فإن العبد
المملوك إذا كان تقياً فإنه يصبح كأحد الأبناء ويفوز بحب سيده وعطفه
" اَلْعَبْدُ الْفَطِنُ يَتَسَلَّطُ عَلَى الاِبْنِ الْمُخْزِي
وَيُقَاسِمُ الإِخْوَةَ الْمِيرَاثَ
" (أمثال
17 : 2
) راجع أيضاً (غلاطية 3 : 28)، (كولوسى 3 : 11)، (فليمون
16
).

 

التواضع والحق

26 لا
تَدَّعِ الحِكمَةَ في القِيامِ بِعَمَلِكَ لا تَتَعاظَمْ في وَقتِ شِدَّتِكَ. 27
فإِنَّ الَّذي يَعمَلُ وهو في بُحْبوحةٍ خَيرٌ مِنَ الَّذي يَتَمشَّى مُتَعاظِمًا وفيه
حاجَةٌ إِلى الخُبْز. 28 يا بُنَيَّ مَجِّدْ نَفْسَكَ بِالوَداعة وأَعْطِها مِنَ
الكَرامَة ما تَستَحِقّ. 29 مَنِ الَّذي يُزَكِّي مَن خَطِئ إِلى نَفسِه؟ ومَنِ
الَّذي يُكرِمُ مَن أَهانَ حَياتَه؟ 30 يُكرَمُ الفَقيرُ لأَجلِ عِلمِه ويُكرَمُ
الغَنِيُّ لأَجلِ غِناه. 31 لَن أُكرِمَ مع الفَقْرِ فكَيفَ معَ الغِنى؟ ومَن
أُهينَ دع الغِنى فكَيفَ معَ الفَقْر؟

 

آية 26 : إذا قمت
بالعمل المسند إليك فلا تفتخر كأنك مخترع أو مبتكر أو مبتدع أو صاحب فضل، وإنما
باتضاع قلب وصمت، فلا تفتخر لأنك أيضاً تحت سلطان بل اتضع حتى يرفعك الله كبار
تتقيه. وتذكر أن كثيرين تعبوا قبلنا ومهدوا لنا السبيل إلى إنجاز ما بين أيدينا، وبالتالى
عند الفشل والشدة والإخفاق علينا بالمسكنة حتى يمر الأمر بالسلام. العجيب أن بعض
الناس يتكلمون عن البديهات وكأنها أكتشافات خطيرة!!.

 

آية 27 : المسيحية
تبارك الطموح وتنادى بحياة كريمة مريحة، والأفضل للإنسان أن يعمل ويكسب ويحيا فى
راحة من أن يظن أن كل الفقراء أبراراً مقبولون لدى الله وأن الأغنياء هم الهالكون
بسبب غناهم، فإننا نتحاور حول شرعية الكسب من جهة وسبل الإنفاق من جهة أخرى، إن من
يعمل يُمتدح ومن يتكاسل يذّم.

 

آية 28 : ربما يقصد
ابن سيراخ أن يحذرنا هنا من صغر النفس الذى قد يستقطبنا إليه الشيطان فيفقدنا شهية
العمل فإن الوداعة تجلب لنا المجد أكثر مما يجلب لنا الكبرياء والاعتداد بالنفس،
فإن البعض ينظرون إلى الوداعة والبساطة بإعتبارهما ضعف خنوع. وقد ذكر معلمنا بولس
الرسول فضيلة الوداعة ضمن ثمار الروح القدس التسع
(غلاطية 5 : 23).

 

آية 29 : لعلّ هذا هو
المقصود باحترام الإنسان لنفسه، وأنه بخطيئة يسىء إلى نفسه وبالتالى يفقد احترام
الآخرين وتقديرهم له، فإذا ما سلك الإنسان بالروح وأهين من الآخرين حُسبت له
الإهانة إكليلاً، أمّا إذا أهين بسبب حماقته فحسبه أن يحتمل الإهانة فى هذه الحالة
فقط.

 

آية 30 : إن هناك ما
يمكن أن يُكرم الفقير لأجله، فإنه وإن لم يكن معه المال فإنه يُكرم لأجل حكمته وعلمه
وبره، إن كان كذلك، فليس الجميع يُكرمون الغنِى فحسب بل منهم أيضاً من يحب الحكمة
والأدب.

 

آية 31 : شعر رائع وموسيقى
مؤثرة ولا يحتاج إلى شرح أو تعليق لئلا يضعفه الشرح ويقصر التعليق. وحسبنا أن نقول
أنه إن وجد فقير تقى فإنه يُكرم، فإن اغتنى وهو ما يزال يحتفظ بفضائله فهو مستحق
لكرامة أفضل، فى حين إذا أُبغض الغنى بسبب كبرياءه وشروره فكم يلحق به متى افتقر وهو
مايزال شريراً!!!.



1 تتخذ
الكلمة فى ذلك الوقت بين اليهود وفى أيام المسيح معنى " اللاهوتى " وكان
الكتبة هم حكام إسرائيل، راجع (لحن يا كا حكماء اسرائيل " نى سافيف ").
بعد صلاة الشكر فى القداس الإلهى.

2 يقول القديس أغسطينوس أن الآية
" موت الروح هو التجديف على الله " قد تكون مقتبسة من الآية " 12
" هنا، ويعلق على ذلك بقوله أن الروح حين تبتعد عن الرب وحين يبتعد قلب
الإنسان عن الله، فذاك هو الموت الحقيقى للروح. راجع :
Nicene & P.N, V.3, P.332.

3 Nicene & P. N, V. 6،
P.4
،
14
، 412

4 Ibid, V. 13, P.378 تفسير رسائل بولس الرسول / العظة
الأولى

5 مدينة
الله ص / 273.

6 Nicene and P.N, V.5،
P.132, Ch.33
الرد على البلاجيين

7 Nicene and P.N, V.3،
P.160

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي