الإصحَاحُ الثَّالِثُ عَشَرَ

 

مساكنة
الأعداء

1 مَن لَمَسَ القَطْرانَ تَوَسَّخ ومَن عاشرَ المُتَكَبّرَ
أَشبَهَه. 2 لا تَرْفع ثِقَلاً يَفوقُ طاقَتَكَ ولا تُعاشِرْ مَن هو أَقْوى
وأَغْنى منكَ كَيفَ يُقرَنُ بَينَ قِدْرِ الخَزَف والمِرجَل؟ إِنَّها إِذا صُدِمَت
تَنكَسِر. 3 الغَنِيُّ يَظلِمُ وَيسخَط والفَقيرُ يُظلَمُ ويَتَضرَّعِ.

 

من تعامل مع الخطاة والمستهزئين
إمّا أن يستقطبونه وإمّا أن يستقطبونه وإمّا أن يقلدهم، فهم على أقل تقدير سوف
يشوشون أفكاره ويعثرونه، وهو ما يُسمى فى القاموس النسكى (السجس) أى التشويش والإضطراب،
غير أن المعاشرة أى كثرة التلاقى وإطالة الجلوس والتمادى فى الأحاديث والتداول والحوارات،
كل ذلك يكسبه صفات الأشرار.

 

الآية الأولى
هي
فى الواقع مثل مشهور جداً من العالم القديم ومازال مستخدماً فى صياغات مختلفة مثل (من
جاور السعيد سعد هو أيضاً) و(من جاور الحدا كوى بناره)… إلخ.

 

و إذا لم نستطع أن
نغيّر ونؤثر فيه إيجابياً فلنتركه لئلا يجتذبنا هو نحوه، ومن هنا يقول مار اسحق
:
"
إذا ذهبت لتنقذ شخصاً مشرفاً على الغرق فلا تمد يدك
إليه وإنما مدّ له العصا فإذا كان أقوى منك اترك له العصا ! وإن كنت أنت أقوى سوف تجتذبه
بواسطتها من الماء
" إنها المشكلة التى تواجه الكثيرين من شباب
الجامعة الذين تأخذهم الغيرة على بنات جنسهم خوفاً من انحرافهن مع آخرين، فتكون
النتيجة أن يقعوا هم فى فخاخ الآخرى " اَلْمُكْثِرُ
الأَصْحَابِ يُخْرِبُ نَفْسَهُ وَلَكِنْ يُوجَدْ مُحِبٌّ أَلْزَقُ مِنَ الأَخِ.
"
(أمثال 18 : 24).

 

الخَزَف
والمِرجَل :
مثل شائع استخدمه إيزوبس، ومن المفارقات العجيبة أن
يظلم الغنى ويشكو ربما دفاعاً عن نفسه أو لإراحة ضميره، فى حين يظلم الفقير وإذ لا
معين له يلتمس الصفح ويتماشى مع الأذى، انها صورة لتجبّر الظالم وبؤس الفقير.

 

4 إِن كُنتَ
نافِعًا اْستَغلكَ وإِن كُنتَ مُعوِزًا خَذَلَك. 5 إن كانَ لَكَ مالٌ عاشَرَكَ
واْستَنفَدَ مالَكَ وهو ناعِم البال. 6 إِن كانَت لَه بكَ حاجَةٌ غركَ وَتبَسَّمَ
إِلَيكَ وأًمَّلَكَ وكلَمَكَ بِالخَيرِ فقالَ: ((ما حاجَتُكَ؟)) 7 يُخجِلُكَ في
مَآدِبِه حَتَّى يَستَنفِدَ مالَكَ في مرَتَين أَو ثَلاثٍ وأَخيرًا يَستَهزِئُ
بِكَ. وَيراكَ بَعدَ ذلك فيَخذُلُكَ وَيهُزّ رَأسَه في شَأنِكَ. 8 إِحذَرْ أَن
تَغترّ وتُذَلَّ في غَبائِك.

 

هذه صورة سيئة
للإستغلال. حيث يسلك صديق تجاه صديقه أو حتى تجاه آخر، فى حين يجب على الإنسان أن
يكون باذلاً معطاءاً، نجده هنا أنانياً نفعياً، وبدلاً من أن يقدم نفسه فى نبل وحب
عن الآخرين، يستغل أولئك الآخرين. ويواصل ابن سيراخ فى هذه الأعداد التحذير من
الأشخاص الإنتهازيين وينصح بأن نضع أموالنا وامكانياتنا فى مكانها الصحيح ويحذّر
من استقطاب المستغلين لنا.

 

و يصوّر لنا ذلك فى
مرارة وسخرية معاً. إذ كيف يتودّد المستغلّ إلى الغنى الطيب حتى متى استنفذ ما
لديه تنكّر له وإن كان ذلك بطريقة غير مباشرة، وفى هذا يصدق قول الشاعر العربى : أرى
الناس قد مالوا إلى من عنده المال أرى الناس قد ذهبوا إلى من عنده الذهبُ وتجاه
ذلك لنا ملاحظة : ألاّ نبددّ أموالنا فى المجاملات والولائم وألاّ نتوددّ إلى
الأغنياء والموسرين ونلتصق بهم، وألاّ نبحث عن الأصدقاء القدامى الذين أحسنّا
إليهم سابقاً حتى نستردّ منهم من خلال استضافتهم لنا. فلقد كان أصدقاء "وكيل
الظلم" نبلاءاً أكثر منه، حيث كافأوه خيراً عندما افتقر، بالرغم من أنه أساء
معاملاتهم بينما كان هو غنياً وهم فقراء مطحونون، يقول سليمان الحكيم
" إِذَا جَلَسْتَ تَأْكُلُ مَعَ مُتَسَلِّطٍ فَتَأَمَّلْ مَا
هُوَ أَمَامَكَ تَأَمُّلاً وَضَعْ سِكِّيناً لِحَنْجَرَتِكَ إِنْ كُنْتَ شَرِهاً!
لاَ تَشْتَهِ أَطَايِبَهُ لأَنَّهَا خُبْزُ أَكَاذِيبَ.. يَقُولُ لَكَ: «كُلْ
وَاشْرَبْ» وَقَلْبُهُ لَيْسَ مَعَكَ.
" (أمثال
23 : 1 – 3، 7
).

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ك كِسْلو و

 

9 إِذا
دَعاكَ مُقتَدِرٌ فتوارَ فيَزْداد دَعوَةً لَكَ. 10 لا تَقتَحِمْ لِئَلاَّ تُطرَد ولا
تَقِفْ بَعيدًا لِئَلاّ َتنْسى. 11 لا تُقْدِمْ على مُحادَثَتِه كالنِّدِّ
لِلنِّدّ ولا تَثِقْ بِأَحاديثه الطَّويلة فإِنَّه بكَثرةِ كَلامِه يَختَبِرُكَ وبِتَبَسُّمِه
إِلَيكَ يَفحَصُكَ. 12 إِنَّه بلا رَحمَةٍ ذلِكَ الَّذي لا يُمسِكُ كَلامَه ولا
يُوفر عَلَيكَ الضَرَباتِ ولا القُيود. 13 إِحذَرْ وتَنبّهْ فإِنَّكَ تَمْشي على
شَفى السُّقوط.

 

يعيد ابن سيراخ هنا إلى
أذهاننا نصيحة السيد المسيح عند الدعوة إلى الولائم حيث يقول له المجد " مَتَى دُعِيتَ مِنْ أَحَدٍ إِلَى عُرْسٍ فَلاَ تَتَّكِئْ فِي
الْمُتَّكَإِ الأَوَّلِ لَعَلَّ أَكْرَمَ مِنْكَ يَكُونُ قَدْ دُعِيَ مِنْهُ.
فَيَأْتِيَ الَّذِي دَعَاكَ وَإِيَّاهُ وَيَقُولَ لَكَ: أَعْطِ مَكَاناً لِهَذَا.
فَحِينَئِذٍ تَبْتَدِئُ بِخَجَلٍ تَأْخُذُ الْمَوْضِعَ الأَخِيرَ. بَلْ مَتَى
دُعِيتَ فَاذْهَبْ وَاتَّكِئْ فِي الْمَوْضِعِ الأَخِيرِ حَتَّى إِذَا جَاءَ الَّذِي
دَعَاكَ يَقُولُ لَكَ: يَا صَدِيقُ ارْتَفِعْ إِلَى فَوْقُ. حِينَئِذٍ يَكُونُ
لَكَ مَجْدٌ أَمَامَ الْمُتَّكِئِينَ مَعَكَ. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ
يَتَّضِعُ وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ
" (لوقا 14 : 8 – 11).

 

ففى هذا صون لكرامة
الإنسان وهو أمر لا يتنافى مطلقاً مع الإتضاع، فهناك فرق بين الإتضاع والذلّة أو
الإتضاع وضعف الشخصية، وعلى الإنسان أن يتحلى بالعفة الشاملة بما فيها عفة البطن (الحنجرة)
وعفة اليد واللسان والحواس وغيرها، إن المسيحية هى اليقظة والتعقل معاً ولا مكان
فيها للجنوح أو التطرفّ، وقد عبر ابن سيراخ هنا عن اليقظة بقوله "إِحذَرْ وتَنبّهْ فإِنَّكَ تَمْشي على شَفى السُّقوط. آية 13"
فالإتضاع يحتاج إلى استنارة عند فهمه وعند التعبير عنه كذلك، كذلك علينا أن نحذر
العجرفة أيضاً.

 

يقول مار اسحق :
"
إزهد فى الدنيا يحبك الله وازهد فيما بين أيدى الناس
يحبك الناس
" وفى دعوة ابن سيراخ هنا للإعتدال، تشمل الإعتدال حتى مع
الأصدقاء أو من يبدون هكذا لبعضهم البعض، فلا يقتحم الإنسان الوليمة بدالة، كما
يجب ألاّ نتوارى فننسى من صاحب الوليمة فنلام أيضاً، لأن الحضور أساساً كان تلبية
للدعوة وبالتالى فهو اكرام للمضيف بهذا يتحقق التوازن الطبيعى فى المعاملات.
" لاَ تَتَفَاخَرْ أَمَامَ الْمَلِكِ وَلاَ تَقِفْ
فِي مَكَانِ الْعُظَمَاءِ لأَنَّهُ خَيْرٌ أَنْ يُقَالَ لَكَ ارْتَفِعْ إِلَى
هُنَا مِنْ أَنْ تُحَطَّ فِي حَضْرَةِ الرَّئِيسِ الَّذِي رَأَتْهُ عَيْنَاكَ.
"
(أمثال 25 : 6، 7).

 

النِّدّ : هناك حساسية
فطرية فى الإنسان تجاه ندّه (المساوى فى السن أو المرتبة) فالإنسان يتعامل بشفقة
مع من يصغره دون أن يغير منه، و
كذلك مع من يكبره سناً دون غضاضة لأن سنه يهبه
الحق فى التقدم، وابن سيراخ هنا يقصد ألاّ تثق فيه وتتحدث معه بدالة وبراءة، فقد
يستدرجك من دون أن يكون أميناً فيصطادك ويخذلك، وهى عادة رديئة حيث اعتاد كثيرين
استدراج البعض لمعرفة بعض الأسرار بطريقة طفيلية، وأحياناً بطريقة الضغط والمحاصرة
والمناورة. كذلك يجب علينا أن نسلك بلياقة ولباقة مع من هم أكبر منا شأناً أو سناً
وعدم اعتبارهم فى نفس مستوانا، مثل القادة والرعاة.

 

15 كُلُّ
كائِنٍ حَيٍّ يُحِبُّ اْبنَ جِنْسِه كلُّ إِنْسانٍ يُحِبّ قَريبَه. 16 كُلُّ ذي
جَسَدٍ يَقتَرِنُ بِحَسَبِ جِنْسِه

والرَّجُلُ
يُلازِمُ اْبنَ جِنْسِه. 17 أَيُّ شَرِكَةٍ بَينَ الذِّئبِ والحَمَل؟ ذلك شأنُ الخاطئِ
مع التَّقِي. 18 أَيُّ سَلام بَينَ الضَّبعِْ والكَلْب؟ وأَيُّ سَلامً بَينَ
الغَنِيً والفَقير؟ 19 حَميرُ الوَحْشً في البَرَيَّةِ صَيدُ الأسود وكذلكَ
الفُقَراءُ هم مَراعي الأَغنِياء. 20 التَّواضُعُ قَبيحةٌ عِندَ المُتَكَبِّر وهكذا
الفَقير قَبيحَةٌ عِندَ الغَنِيّ.

 

يناقش ابن سيراخ هنا
العلاقات الطبيعية بين الناس بعضهم البعض, كما فى مملكة الوحوش، فالأسود تسير معاً
فى قطيع واحد, وهكذا الغزلان, ومن البديهى ألاّ نجد حملاً يرعى بين الذئاب مثلاً,
أو حمامة تطير فى سرب غربان, أو ثعبان بين القطط ! وهكذا، وإنما للأفاعى جحور
متقاربة وأحراش مناسبة والمثل الإنجليزى الشائع يقول " الطيور على أشكالها
تقع ".

هل تبحث عن  الكتاب المقدس أخبار سارة عربية مشتركة عهد قديم سفر هوشع 03

 

يحكى أن نسراً أخذه أحد
المزارعين وهو مايزال فرخاً صغيراً ضعيفاً، ووضعه فى حظيرة مع الطيور الأخرى، فعاش
معها يأكل من أكلها الحبوب، وفى الظلام ينكمش فى الزقاق، وعندما نبت ريشه وقويت
جناحاه أخذه المزارع ووقف فوق صخرة عالية، ثم هتف فيه قائلاً : أأنت نسر، ولا
تنتمى إلى هذه الأرض فطر الآن. قال هذا وقذف بالنسر
إلى أعلى
فطار وارتفع إلى علو شاهق ثم اختفى.

 

هكذا الناس يعيش
الفقراء منهم فى أحياء متشابهة والأغنياء كذلك والمهنيين أيضاً، وفى اطار هذا
التوافق والإنسجام يقول أحد القديسين :
" كما أن الذئب لا يجتمع مع النعجة لإنتاج ولد هكذا لا يمكن أن
يجتمع الإتضاع مع الشره لإنتاج فضيلة
"
1.

 

يعلق القديس يوحنا
ذهبى الفم
على ذلك فيقول :
" كلنا بطبيعتنا نميل إلى إزدراء المرذولين بينما نتعاطف بفرح
مع الأقوياء والأعزاء وهذا خطأ
"
2.

 

أمّا المقارنة هنا بين
التقى والخاطىء، أن التقى لا يجب أن يصادق الخاطىء لئلا يعثر بسببه، إلاّ إذا كان
قوياً يؤثر هو فى الضعفاء، وأمّا الخاطىء فإنه بالطبع لا يحب الأتقياء وإنما
الخطية والخطاة ومجالس الهزال ولأنه يسخر من بر البار ويعتبر الفضيلة ضعف والإتضاع
(قلة حيلة !) كما يقول ابن سيراخ (التَّواضُعُ
قَبيحةٌ عِندَ المُتَكَبِّر. آية 20)
هكذا أيضاً يستحى الغنى من
الفقراء محتقراً إياهم مزدرياً بهم.

 

ثم يذكر السفر هنا عدة
مقابلات، مثل الكَلْب والضَّبعِْ، حَميرُ
الوَحْشً والأسود
، الذِّئبِ والحَمَل،
فيها الكثير من التنوّع والثراء، والمطلوب هو تحقيق الإنسجام فى حياتنا فلا يقحم
الفقير نفسه بين الأغنياء، ولا يحتقر الغنى الفقراء، فإن الغنى قد يفترس الفقير والقوى
يفترس الضعيف فى المجتمع، أو حسب المقولة : الفقراء هم طعام الأغنياء، ولكن
الله ناصر للضعفاء والفقراء.

 

هذا وقد ظن أحد
الدارسين أن ابن سيراخ هو نموذج بدائى ل " كارل ماركس ولاسال "
3،
ولكن هذه ليست سمة عصر ابن سيراخ ولكنها مشاكل قديمة فى اسرائيل فنقرأ مثل ذلك فى (أشعياء 5 : 8 إلخ) وأيضاً (عاموس
8 : 4 – 6
) بل أن السبى ومتاعبه لم تؤثر فى تقليل مظاهر اشتهاء ممتلكات
الغير، فقد كان جشع الأمراء والنبلاء هو أحد الشرور الناتجة، حيث استعبدوا البعض
بسبب ضيق الحياة، واستبقوا أبناء الفقراء الذين يساعدونهم وباعوهم فى بعض الأحيان
(نحميا 5 : 1 – 3) والكلمة العبرية التى
استخدمها ابن سيراخ (الوافر الغنى) ترادف الآن الكلمة (بلوتوقراطى) وتعنى (الرجل
صاحب النفوذ بسبب غناه) ولكن ابن سيراخ استخدمها لتعنى (الغنى الذى يستخدم نفوذه
لأغراضه غير السوية).

 

و هناك معادلة شائعة مفادها، أن
الفاضل إذا صادق الفاضل حققا سوياً الخلاص، وإذا صادق الفاضل جاهلاً نقص فضله، وإذا
سار الجاهل مع الجاهل تأكدّ وثبت جهل الإثنان، وفى المقابل إذا أراد الجاهل أن
يرقى ويتحكم عليه بمسايرة الحكماء والفضلاء شريطة أن يكون راغباً بصدق فى التوبة،
وهنا فقط يمكن لحكيم مصادقة مثل أولئك الضعفاء لإعانتهم. وإلاّ فإنه إذا تأفف
الأبرار والحكماء من الخطاة والحمقى فما السبيل إلى إصلاحهم وخدمتهم !.

 

المعيار
المزدوج

21
الغَنِيُّ إِذا تَرَنَّحَ يَسنِدُه أَصدِقاؤُه والمِسْكينُ إِذا سَقَطَ
فأَصدِقاؤُه يَنبِذونَه. 22 يَزِلُّ الغَنِيُّ فيُعينُه كَثيرون ويَتَكلَمُ
بالمُنكَراتٍ فيُبَرَئونَه. يَزِلُّ المِسكينُ فيُوَبخونَه ويَتَكلَمُ كَلامًا
مَعْقولاً فلا يُفسَحُ في المَكانِ لَه. 23 يَتَكلَمُ الغنِيُّ فيُنصِتُ الجَميع وَيرفَعونَ
قَولَه إِلى الغْيوم. يَتَكلَمُ الفَقيرُ فيَقولون: ((مَن هذا؟)) وإِن زلَّ
يَصرَعونَه. 24 الغِنى يَحسُنُ بِمَن لا خَطيئَةَ لَه والفَقر مُستَقبَحٌ في فَمِ
الكافِر. 25 قَلبُ الإِنسانِ يُحَوَلُ وَجهَه إِمَّا إِلى الخَيرِ وإِمَّا إِلى
الشرِّّ. 26 طَلاقَةُ الوَجْهِ مِن طيبِ القَلْب والبَحْثُ عنِ الأَمْثالِ يُجهِدُ
الأَفْكار.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر المزامير إسكندر جديد 90

 

يصف سليمان الحكيم
المعيار المزدوج بقوله
" مِعْيَارٌ
فَمِعْيَارٌ مِكْيَالٌ فَمِكْيَالٌ كِلاَهُمَا مُكْرُهَةٌ عِنْدَ الرَّبِّ.
"
(أمثال 20 : 10) مهما يقال فإن البشر ضعفاء والإنسان
فطر على الضعف، ومازال الناس يستخدمون أكثر من معيار ومازالوا يكرمون الأغنياء ويتوددّون
إليهم، حتى لقد امتدّ ذلك فى عصر الرسل إلى الكنائس مما حدا بالقديس يعقوب إلى
توبيخ المؤمنين قائلاً " يَا إِخْوَتِي، لاَ يَكُنْ
لَكُمْ إِيمَانُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، رَبِّ الْمَجْدِ، فِي
الْمُحَابَاةِ. فَإِنَّهُ إِنْ دَخَلَ إِلَى مَجْمَعِكُمْ رَجُلٌ بِخَوَاتِمِ
ذَهَبٍ فِي لِبَاسٍ بَهِيٍّ، وَدَخَلَ أَيْضاً فَقِيرٌ بِلِبَاسٍ وَسِخٍ،
فَنَظَرْتُمْ إِلَى اللاَّبِسِ اللِّبَاسَ الْبَهِيَّ وَقُلْتُمْ لَهُ: «اجْلِسْ
أَنْتَ هُنَا حَسَناً». وَقُلْتُمْ لِلْفَقِيرِ: «قِفْ أَنْتَ هُنَاكَ» أَوِ:
«اجْلِسْ هُنَا تَحْتَ مَوْطِئِ قَدَمَيَّ» فَهَلْ لاَ تَرْتَابُونَ فِي
أَنْفُسِكُمْ، وَتَصِيرُونَ قُضَاةَ أَفْكَارٍ شِرِّيرَةٍ
" (يعقوب 2 : 1 – 4 وما بعدها).

 

ألم يمت المسيح عن أفقر
إنسان، وهو (أى الفقير) مرشحّ أيضاً للملكوت مثل أعظم إنسان أيضاً، إن الفقر هما
أمرن يخصان الزمن الحاضر، ويجب علينا مناصرة الحق أيّا كان مصدره أو ثمنه دون الأخذ
بالوجوه
، فالحق هو الله وبالتالى فنحن نعطى النصرة والرفعة لله
" أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ."
(يوحنا 14 : 6).

 

و المقصود فى (آية 21) بالتَرَنَّحَ
والسَقوَطَ
، هو السقوط فىالحديث أى التعثّر والخطأ فى التقدير
" كَثِيرُونَ يَسْتَعْطِفُونَ وَجْهَ الشَّرِيفِ وَكُلٌّ
صَاحِبٌ لِذِي الْعَطَايَا.
" (أمثال 19 :
6
) وهكذا لا يجد من يعينه بل من يصطاده فقط.

 

آية 24 : يمتدح الغنى
البار، فالغنى فى حد ذاته ليس خطية ولكنه مع ذلك يجب أن يقرن بالفضيلة، فالفضيلة
دون الغنى تمتدح من الفضلاء وأما الغنى بدون الفضيلة
فهو يمتدح من الأشرار
بينما يذّم من الحكماء والعقلاء، وأمّا الفقر المقرون بالجهل والخطية فهو ممقوت من
الجميع، بينما الغنى المقرون بالفضائل هو ممدوح من الجميع، ويوضح ابن سيراخ ذلك فى
(31 : 8 – 11).

 

آية 25، 26
:
هنا
التأكيد على أنه من فضلة القلب يتكلم اللّسان، وما يبدو على الوجه وما يجرى على
اللسان هو انعكاس لما فى القلب، والآية أيضاً تعنى أن نيّة الإنسان فى القلب هى
التى تجعله ينصرف عن فعل هذا أو يتجه إلى فعل ذاك (تحوّل الوجه) أى نية القلب هى
المسئولة عن القرار.

 

البَحْثُ
عنِ الأَمْثالِ يُجهِدُ الأَفْكار؟
ربما لا يقصد ابن سيراخ هنا سلوك الإنسان
فى اتجاه معاكس للمسار السابق الإشارة إليه، وهو محاولة البحث عن الفرح فى الخارج
أى خارج الإنسان نفسه, فربما يقصد البحث عن السعادة فى السفسطة وحسن الكلام والجدل
العقلى، فى حين أن القلب الطيب الذى يسكن فيه الله هو قلب ممتلىء بالفرح والبشاشة
والسلام المنشود
"اَلْقَلْبُ الْفَرْحَانُ
يَجْعَلُ الْوَجْهَ طَلِقاً وَبِحُزْنِ الْقَلْبِ تَنْسَحِقُ الرُّوحُ.
"
(أمثال 15 : 13).



1 بستان
الرهبان / الصوم ص 340.

2 Nicene & P. N.،
V.9
،
P.429

 3 هو
الباحث الإجتماعى الديمقراطى الألمانى هرفارر نيومان
Herr Pfarrer Nouwmann، وأمّا كارل ماركس (1818 – 1883) فهو الذى نادى بالإشتراكية وعدالة
التوزيع، ويعتمد هرفارر فى رأيه عن ابن سيراخ على (سيراخ 13 : 23، 28، 29). راجع
كتاب الحياة الإجتماعية فى عصر ابن سيراخ / ص 78.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي