الإصحَاحُ السَّابعُ عَشَرَ

 

عطايا
الله للإنسان ومسئوليته تجاه ذلك

1 خَلَقَ الرَّب الإنسانَ مِنَ الأَرض وإليها أعادَه. 2 جَعَلَ
لِلنَّاسِ أيَّامًا مَعْدودةً ووَقتًا مُعينًا وأولاهم سُلْطانًا على كُلِّ ما
فيها. 3 وألبَسَهم قوةً كالََّتي لَه وصَنعَهم على صورَته 4 وألقى رُعبَ الإنسانِ
على كُلِّ ذي جَسَد لِكَي يَتَسَلَّطَ على الوُحوشِ والطُّيور. 6 وأعْطاهم عَقلاً
ولسانًا وعَينَين وأذُنَين وقَلبَا لِلتَّفْكير 7 ومَلأهم مِنَ العلِم والفِطنَة وأطلَعَهم
على الخيرِ والشَّرّ. 8 وجَعَلَ عَينَه على قُلوبِهم لِيُظهِرَ لَهم عَظَمَةَ
أعْمالِه. 10 ويحَمّدونَ اْسمَه القُدوس لِيُخبِروا بِعَظَائِمِ أعمالِه. 11
وزادَهُمُ العِلمَ وأورَثَهم شَريعةَ الحَياة. 12 وعاهَدَهم عَهدًا أَبَدِيًّا
وأراهم أحْكامَه.  13 فرَأَت عُيُونهم عَظَمَةَ مَجدِه وسَمِعَت آذانُهم مَجْذ
صَوته. 14 وقالَ لهم : ((إحترسوا مِن كُلِّ ظُلْم)) وأوصاهُم كُلِّ واحدٍ في حقِّ
قَريبه.

 

إنها الحقيقة الثابتة والرائعة
أن الله الذى جبل الإنسان ووضعه فى هذه الأرض، رتب له أيضاً أن يعود إليها. وفى
هذا حقيقتان جوهريتان :

1.       
أن الله جعل حياة الإنسان مبهجة مريحة حيث وفر
له ما يحتاجه وسلّطه على كل شىء وجعله سيد الخليقة وكاهنها والنائب عنه بينها.

2.       
أنه وضع أمامه حقيقة هامة قاطعة، وهى أنه لن
يعيش فيها إلى الأبد حتى لا ينحسر فى لذاتها ويعبد جمالها، بل يهتم بخلاص نفسه ومجد
الله.

 

و من هنا فإنه ليس من
الضرورى أن يحيا الإنسان تعيساً هنا لكى يحظى بالملكوت ! فليس هناك تعارض بين
الفرح بالله هنا وبخلائقه وعطاياه من جهة وذلك المجد الذى ينتظر الأبرار من جهة
أخرى، إنها مسألة أن يستخدم كل شىء بشكر وكفاف " أَتَيْتُ
لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ.
" (يوحنا 10 : 10).

 

و أما القوة التى
ألبسها للإنسان ويذكر ابن سيراخ أنها كقوة الله فهى السلطان الموهوب له من الله،
كأب يضع ماله تحت تصرف إبنه، ولكن الفضل يعود إلى الله فى النهاية، فالإنسان ضعيف
بنفسه ولكن عندما تضاف إليه امكانيات الله يصير هو سلطاناً على الخليقة.

 

طبيعة
الله العاقلة :

الإنسان خليقة عاقلة، والفرق
بين الإنسان والحيوان هو أن الإنسان له عقل وإرادة وحرية، ولذلك فهو سيدان إن
استخدم إرادته وعقله فى تدبير الشر، لقد قدس الله الإرادة للإنسان وأعطاه إمكانية
حتى أن يجدّف، وإمكانية أن يعبّر عن إحتياجاته من خلال موهبة النطق وعليه أن
يستخدم الإرادة فى ضبط أهواءه وغائزه، وأن يستخدم موهبة النطق هذه فى الصلاة والتسبيح
والتشجيع وأما أسوأ استخدام لهذه الموهبة هى التجديف والإدانة والشتم والهزر…
فكيف للإرادة الإنسانية أن تعمل ضد الوصية ولا تعمل ضد الخطية !.

 

قلباً
للتفكير :

فى " علم الإنسان
" اليهودى يعتبر القلب هو مركز التفكير، وفى التراث النسكى المسيحى يستعض
كثيراً عن كلمة القلب بكلمة العقل فالكلمة القبطية " نوس " تستخدم
مرة للقلب وأخرى للعقل، وربما حدث الخلط بين الإثنين لأن القلب هو أكثر أعضاء
الجسم حيوية وأسرع تأثراً بل أن أول ردّ فعل للمواقف والأحداث يأتى من القلب
مباشرة ولعل هذا ما قصده السيد المسيح فى (مرقس 7)
حين وصف القلب بأنه مصدر الأفكار، وعلينا أن نقدس جميع أعضاء الجسم على النحو
التالى :

 تقديس القلب عن طريق
نقاوته.

 والعينين برؤى
الأيقونات.

 والشفتين بالتسبيح.

 والأنف باشتمام البخور.

 الأيدى برفعها للصلاة.

 الأرجل بالسعى فى
الخير.

 

كما يمكن تقديس الحواس
عن طريق انجذابها إلى العقل والإنشغال بالله، ويقول مار اسحق : " إذا انجذبت الحواس إلى العقل، أكلت معه من طعام الملائكة، وإذا
انجذب العقل إلى الحواس أكل معها طعام من طعام البهائم
".

 

الطبيعة
الأخلاقية للإنسان :

و أعطى الله للإنسان أن
يميز بين الخير والشر، ولولا ذلك لاقترف الإنسان العديد من الشرور دون أن يدرى، ومن
هنا تقع عليه المسئولية حين يخطىء بمعرفة، إذ يصبح تحت العقوبة متى خالف، كما حدث
مع ادم، كما وهبهم أن يعرفوا عظمته وقدرته من خلال تأملهم، فالعاقل هو الذى يعرف
الكائن (الله) من الخيرات المنظورة والصانع (الله) من أعماله (حكمة 13 : 1).

هل تبحث عن  الكتاب المقدس الكتاب الشريف عهد قديم سفر إشعياء 10

 

وجَعَلَ
عَينَه على قُلوبِهم :

و قد نفذت بصيرته
إلى قلوبهم
، حتى يقدروا أن يعرفوا أعماله ويمجدونه على خلائقه وعطاياه ويبشرون
بين الآخرين بقوته وصلاحه وعطاياه. إنها البصيرة الروحية، فهناك فرق بين البصر
والبصيرة
، فمن كانت له بصيرة استطاع أن يرى الله فى كل شىء وفى كل أحد حتى
فيما نراه نحن قبيحاً أو من نراهم نحن خطاة دنسين "
مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ! كُلَّهَا بِحِكْمَةٍ صَنَعْتَ. مَلآنَةٌ
الأَرْضُ مِنْ غِنَاكَ.
" (مزمور 104 :
24
) ويقول معلمنا بولس الرسول " إِذْ
مَعْرِفَةُ اللهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ لأَنَّ اللهَ أَظْهَرَهَا لَهُمْ لأَنَّ
مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ تُرَى أُمُورُهُ غَيْرُ الْمَنْظُورَةِ وَقُدْرَتُهُ
السَّرْمَدِيَّةُ وَلاَهُوتُهُ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ حَتَّى إِنَّهُمْ
بِلاَ عُذْرٍ. لأَنَّهُمْ لَمَّا عَرَفُوا اللهَ لَمْ يُمَجِّدُوهُ أَوْ
يَشْكُرُوهُ كَإِلَهٍ بَلْ حَمِقُوا فِي أَفْكَارِهِمْ وَأَظْلَمَ قَلْبُهُمُ
الْغَبِيُّ.
" (رومية 1 : 19 – 21).

 

التجلى
فى جبل سيناء :

و قد أورث الله للإنسان
الشريعة الأدبية قبل تلك التى وهبت له على جبل سيناء، فعلى سبيل المثال جاءت
الوصية الرابعة للتذكرة فقط وهى السبت (أذكر يوم السبت لتقدسه) وقد جعل لهم
دستوراً مكتوباً يؤهلهم لميراث الحياة ويوحّدهم به راجع (تثنية
30 : 15 – 20
) وجاء تسليم الشريعة وسط مجد فائق حين تزلزل الجبل وصوت الله
العذب مثل خرير المياه يسكب الحياة فى أذنى موسى ويرسمها على لوحى الحجر ميثاقاً
أبدياً لكل شعبه، وهكذا أعطتهم الشريعة حياة ومعرفة وحكمة وتمييزاً " فَاحْفَظُوا وَاعْمَلُوا. لأَنَّ ذَلِكَ حِكْمَتُكُمْ
وَفِطْنَتُكُمْ أَمَامَ أَعْيُنِ الشُّعُوبِ الذِينَ يَسْمَعُونَ كُل هَذِهِ
الفَرَائِضِ فَيَقُولُونَ: هَذَا الشَّعْبُ العَظِيمُ إِنَّمَا هُوَ شَعْبٌ
حَكِيمٌ وَفَطِنٌ.
" (تثنية 4 : 6)
ومازالت صورة الجبل ومجد الرب ماثلة فى ذهن ووعى الشعب على مدار التاريخ حتى أن
البخور صار فى طقس الكنيسة يمثل حضور الله فى الكنيسة ويرفع عند قراءة الإنجيل
ليعيد إلى الأذهان صورة جبل سيناء " فَتَقَدَّمْتُمْ
وَوَقَفْتُمْ فِي أَسْفَلِ الجَبَلِ وَالجَبَلُ يَضْطَرِمُ بِالنَّارِ إِلى كَبِدِ
السَّمَاءِ بِظَلامٍ وَسَحَابٍ وَضَبَابٍ. فَكَلمَكُمُ الرَّبُّ مِنْ وَسَطِ
النَّارِ وَأَنْتُمْ سَامِعُونَ صَوْتَ كَلامٍ وَلكِنْ لمْ تَرُوا صُورَةً بَل
صَوْتاً.
" (تثنية 4 : 11، 12)
راجع أيضاً (خروج 19 : 16 – 20، 24 : 17).

 

الوصية
الهامة :

يدور الناموس كله حول
الرحمة.. وليس هناك ما يبهج قلب الله مثل عمل الرحمة، فقد اعتبر الربيون اليهود أن
محبة القريب كالنفس، هى الوصية التى تلى محبة الرب من كل القلب، ويعتبرها
معلمنا يعقوب الديانة الطاهرة (يعقوب 1 : 27)
وكل ما نصنعه بالآخرين، يحسبه الله وكأنه صنع به هو، ورغم أن هذه الوصية ليست ضمن
الوصايا العشر المذكورة فى لوحى الشريعة (خروج 20)
إلا أنها تمثل روح الشريعة ناهيك عن أنها وردت فى موضع آخر " لا تَنْتَقِمْ وَلا تَحْقِدْ عَلَى ابْنَاءِ شَعْبِكَ بَلْ
تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. انَا الرَّبُّ.
" (مزمور 104 : 24) راجع أيضاً (متى 22 : 35 – 40، 7 : 12)، (لوقا 6 : 31) بهذا نجد رداً على أولئك الذين يشككون
فى عناية الله بالإنسان واستقلال الله عنه.

 

الله قاض
عادل

15 طرقُهم
أَمامَه في كُلِّ حين فهي لا تَخْفى عن عَينَيه. 17 لِكُلِّ أُمَّةٍ أَقامَ
رَئيسًا وأَمَّا إسرائيلُ فهو نَصيبُ الرَّب. 19 جَميعُ أَعْمالِهم كالشَّمْسِ
أَمامَه وعَيناه على الدَّوامِ تَنظُرانِ إِلى طرقِهم. 20 لا تَخْفى علَيه
مَظالِمُهم بل جَميعُ خَطاياهمِ أَمامَ الرَّبّ. 22 صَدَقَةُ الرَّجُلِ كخاتمٍ
عِندَه فيَحفَظُ الإِحْسانَ كَحَدَقَةِ العَين. 23 وبَعدَ ذلك يَقومُ ويُجازيهم يُجازيهم
جَزاءَهم على رُؤُوسِهم. 24 لكِنَّه يَجعَلُ لِلتَّائِبينَ مرجِعًا ويُعَزَي
فاقِدي الصَّبْر.

 

و رغم عطايا الله لشعبه
وتمييزه له عن بقية الشعوب، ورغم الشريعة التى أنارت بصيرتهم، إلاّ أن البعض ظن
أنه بمعزل عن الله لا يراه، ولكن طرقنا وخبايانا مكشوفة قدامه، لاسيما شعب اسرائيل
الذى صار هو رئيساً وقاضياً له (آية 17) ويقول
سيراخ فى موضع آخر " لا تَقُلْ: ((سأَتَوارى عنِ
الرًبِّ
ومِنَ العُلى منِ الَّذي يَذكرني؟ في
وَسْطِ شَعْبٍ كَثيرٍ لا أعرَف، ومَن أَنا في خَلْقٍ لا يُقَدَّر؟)) (سيراخ 16 :
17)
" ففى حين كان لكل شعب قائد عسكرى كان الله هو ملكهم، ولكنهم
فى عهد صموئيل النبى تذمروا على الله أو بمعنى آخر تذمروا على هذا الأمتياز.
فطلبوا ملكاً منظوراً، فعيّن الله لهم شاول ملكاً، وبهذا انتقل اسرائيل من مرحلة
الوحى إلى مرحلة التخطيط، من الإلهام والقيادة المباشرة من الله إلى التكتيك والتشبّه
بالأمم التى تلجأ إلى الحكمة البشرية، ويشرح لنا هذه الفكرة ما ورد فى سفر التثنية
" هَل تُكَافِئُونَ الرَّبَّ بِهَذَا يَا شَعْباً
غَبِيّاً غَيْرَ حَكِيمٍ؟ أَليْسَ هُوَ أَبَاكَ وَمُقْتَنِيَكَ هُوَ عَمِلكَ
وَأَنْشَأَكَ؟ اُذْكُرْ أَيَّامَ القِدَمِ وَتَأَمَّلُوا سِنِي دَوْرٍ فَدَوْرٍ.
اسْأَل أَبَاكَ فَيُخْبِرَكَ وَشُيُوخَكَ فَيَقُولُوا لكَ. «حِينَ قَسَمَ
العَلِيُّ لِلأُمَمِ حِينَ فَرَّقَ بَنِي آدَمَ نَصَبَ تُخُوماً لِشُعُوبٍ حَسَبَ
عَدَدِ بَنِي إِسْرَائِيل. إِنَّ قِسْمَ الرَّبِّ هُوَ شَعْبُهُ. يَعْقُوبُ حَبْلُ
نَصِيبِهِ. وَجَدَهُ فِي أَرْضِ قَفْرٍ وَفِي خَلاءٍ مُسْتَوْحِشٍ خَرِبٍ. أَحَاطَ
بِهِ وَلاحَظَهُ وَصَانَهُ كَحَدَقَةِ عَيْنِهِ. كَمَا يُحَرِّكُ النَّسْرُ
عُشَّهُ وَعَلى فِرَاخِهِ يَرِفُّ وَيَبْسُطُ جَنَاحَيْهِ وَيَأْخُذُهَا
وَيَحْمِلُهَا عَلى مَنَاكِبِهِ
" (تثنية
32 : 6 – 11
).

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس د دعوى ى

 

و لعل ابن سيراخ هنا
أيضاً يؤكد مخاوفه من اندماج اليهود بين الشعوب والديانات الأخرى، فقد بدأ البعد
الروحى لليهود فى الظهور بعد السبى، وبعد أن كانت اليهودية قومية أصبحت روحية أيضاً،
وصارت الشريعة طريقاً للخلاص.

 

كل خطايا الإنسان، سواء
تلك التى اقترفها فى العلن وأضرّ بها الآخرين، أو تلك التى أضرّ بها نفسه، أو تلك
التى تحركت فى قلبه من نحو الآخرين. كل ذلك يراه الله ولا يخفى عليه شىء. وفى كثير
من الأحيان يخطىء إنسان ما خطية كبيرة ولكنها تمر دون أن يلحظها الآخرون ودون عقاب
أيضاً من الله وربما دون توبة، وفى وقت آخر يعاقب على ما لم يقترفه !! وذلك
لتأديبه " لِمَاذَا تَقُولُ يَا يَعْقُوبُ
وَتَتَكَلَّمُ يَا إِسْرَائِيلُ: «قَدِ اخْتَفَتْ طَرِيقِي عَنِ الرَّبِّ وَفَاتَ
حَقِّي إِلَهِي»؟ أَمَا عَرَفْتَ أَمْ لَمْ تَسْمَعْ؟ إِلَهُ الدَّهْرِ الرَّبُّ
خَالِقُ أَطْرَافِ الأَرْضِ لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَعْيَا. لَيْسَ عَنْ فَهْمِهِ
فَحْصٌ.
" (إشعياء 40 : 27، 28) وعلينا أن نقدم توبة عن جميع أنواع الخطايا والأفكار والشهوات
بحيث لا تقتصر التوبة على تلك الخطايا التى يبكتنا عليها الآخرون وإنما أيضاً تجاه
كل ما نشعر بأمانة أنه خطية وتعدّى، وفى المقابل يكافئنا الله على كل بر وكل خير
نقدمه حتى وإن لم يلحظه الآخرين أو يقدمون لنا الشكر عنه، لاسيّما الصدقة من قلب
نقى، إن الله يجعله مثل الخاتم فى اليد، والخاتم
يمثل صاحبه وله سلطان صاحبه ليفتح الكنوز وينفذ فى جميع الحواجز، هكذا قيل عن
زربابل أنه "
كالخاتَمِ في اليَدِ (سيراخ
49 : 11)
" فمن يعطى الصدقة بفرح وحنو يستحق أن يؤتمن على
غنى الله وكنوزه، ويضع له الله عمل الرحمة إكليلاً يذخره له إلى وقت المجازاة فى
الأبدية.

 

تلك المجازاة التى
ستكون للأبرار والأشرار حيث يمضى الآخرون إلى الضيق وهؤلاء إلى الراحة، ولكنه
ماتزال هنا فرصة ومسافة لكل من أراد العودة إلى الله، كل من يطلب الرب لا يخزى ومن
يتكل عليه لا يُخرج إلى خارج، فالله مستعّد للتغاضى عن أزمنة الجهل وأن يحّول
الضعف إلى قوة
" يُعْطِي الْمُعْيِيَ قُدْرَةً وَلِعَدِيمِ الْقُوَّةِ
يُكَثِّرُ شِدَّةً
. اَلْغِلْمَانُ
يُعْيُونَ وَيَتْعَبُونَ وَالْفِتْيَانُ يَتَعَثَّرُونَ تَعَثُّراً
. وَأَمَّا مُنْتَظِرُو
الرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً. يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَالنُّسُورِ.
يَرْكُضُونَ وَلاَ يَتْعَبُونَ يَمْشُونَ وَلاَ يُعْيُونَ.
" (إشعياء 40 : 29 – 31).

 

التوبة

25 تبْ إِلى
الرَّب وأقْلعِْ عنِ الخَطايا تَضَرَّعْ أَمامَ وَجهه وأَقلِلْ مِنَ العَثَرات. 26
إِرجِعْ إِلى العَلِيًّ وأعرِض عنِ الظُّلْم وأَبغِضِ القَبيحةَ أَشَدَّ بُغْض. 27
فمَن يُسَبِّحُ العَلِيَّ في مَثْوى الأَموات إِن لم يَحمَدْه الأَحْياء؟ 28 لا حَمدَ
عِندَ المَيتِ الَذي لا وُجودَ لَه فلا يَحمَدُ الرَّبَّ إِلاَّ الحَيُّ المُعافى.
29 ما أَعظَمَ رَحمَةَ الرَّبِّ وعَفوَه لِلَّذينَ يَتوبونَ إِلَيه! 30 فلَيسَ في
النَّاسِ قُدرَةٌ على كُلِّ شيَء لأَنَّ اْبنَ الإِنْسانِ لَيسَ بِخالِد. 31 أَيُّ
شيَءٍ أَضْوأ مِنَ الشَّمْس؟ وهي مع ذلك تَكسِف واللَّحمُ والدَّمُ يَرغَبانِ في
الشَّرّ. 32 الرَّبُّ يُراقِبُ جَيشَ السَّماءِ العُلْيا وجَميعُ النَّاسِ تُرابٌ
ورَماد.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كينج جيمس إنجليزى KJV عهد قديم سفر إشعياء Isaiah 38

 

العودة
إلى الله :

هذه الفقرة من السفر هى
فقرة تصوّفية بالدرجة الأولى، فهو يؤكد على زوال هذه الحياة بعناصرها حتى الشمس
الأشد ضياءاً ولمعاناً تختفى أحياناً بسبب الكسوف، وحتى اللحم والدم (أى الطبيعة
البشرية) تميل إلى الخطية " وَرَاى الرَّبُّ انَّ
شَرَّ الانْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الارْضِ وَانَّ كُلَّ تَصَوُّرِ افْكَارِ
قَلْبِهِ انَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ. فَحَزِنَ الرَّبُّ انَّهُ عَمِلَ
الانْسَانَ فِي الارْضِ وَتَاسَّفَ فِي قَلْبِهِ… وَامَّا نُوحٌ فَوَجَدَ
نِعْمَةً فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ.
" (تكوين
6 : 5، 6، 8
).

 

فليس شىء ثابت هنا..
الكل خاضع للتغيّر والتطوّر والتلاشى، وأما الحقيقة الواحدة الوحيدة الثابتة فهى الله
الذى لا يلحقه تغيير ولا ظل دوران " يَسُوعُ
الْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْساً وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ.
" (عبرانيين 13 : 8) فكل من يرغب فى ضمان مستقبله عليه
أن يربط حياته بالله فيضمن مصيره، بينما أن كل من يربط حياته بأى شىء هنا سيفنى
معه. علينا أن نتأمل فى حال سكان الجحيم الذين يولولون فى مشقة ويأس يودون لو
استطاعوا خلاصاً منه، سُئل شيخ عند نياحته ماذا عساه أن يفعل إذا عاش؟ فقال أنه وإن
لم يستطع تقديم الجهادات الشاقة فعلى الأقل يبكى بحرقة توبةَ " لَيْسَ الأَمْوَاتُ يُسَبِّحُونَ الرَّبَّ وَلاَ مَنْ
يَنْحَدِرُ إِلَى أَرْضِ السُّكُوتِ. أَمَّا نَحْنُ فَنُبَارِكُ الرَّبَّ مِنَ
الآنَ وَإِلَى الدَّهْرِ.
" (مزمور 115 :
17، 18
). وليس سكان الجحيم فقط هم الذين يتمنّون العودة إلى العالم
ليستعدوا لمستقبلهم الأبدى، وإنما الكهول والشيوخ أيضاً يتحسّرون على الأيام التى
انصرمت من حياتهم دون أن يقدموا فيها الجهادات اللائقة، فما يستطيع الإنسان تقديمه
وهو مايزال شاباً قد لا يستطيع عمله وهو شيخ والأفضل للإنسان أن يتعب ويجاهد. سُئل
أب عن الجهاد فقال " لا تبرحوا مكاناً دون جهاد
كبير وأما من جهتى فإن أحزم أمرى وأمضى إلى حيث يوجد التعب، والجهاد يصبح للنفس
لذة
".

 

يقول القديس
أغسطينوس :
" إن من يعترف بخطاياه هو شخص
يعود إلى الحياة بعد أن كان ميتاً بالخطية، فإذا كان الإعتراف يحيى من الموت فلابد
أن من يعترف هو حىّ
"
1 ويقول أيضاً " إن الخطاة هنا يشبهون المقيدون بالقيود وعند توبتهم يطلبون
إلى الله أن يخرجهم من شدائدهم (مزمور 25 : 17) ويسمع لهم الرب فيشكرونه قائلين (حللت
قيودى) أمّا أولئك الساكنين فى القبور فكيف يتوبون وكيف يشكرون الله
"
2.

 

و مع كل ذلك فالله رؤوف
كثير الرحمة. يندم على الشرّ، وتغلبه دموعنا فيتمزّق صكّ الخطية وتسقط الدينونة ويتحول
العقاب إلى مكافأة والغضب إلى شلال من الرحمة " ما
أَعظَمَ رَحمَةَ الرَّبِّ وعَفوَه
لِلَّذينَ
يَتوبونَ إِلَيه (آية 29)
".

 

الرَّبُّ
يُراقِبُ جَيشَ السَّماءِ العُلْيا وجَميعُ النَّاسِ تُرابٌ ورَماد :

لاشكّ أن المقصود بذلك
الجيش هو الشمس والقمر والنجوم، راجع (سيراخ 16 : 18)،
(إشعياء 24 : 21 – 23) والكلمة يُراقِبُ هنا تعنى يتسلط، أمّا الناس فهم تراب وإلى
تراب يعودون " انِّي قَدْ شَرَعْتُ اكَلِّمُ
الْمَوْلَى وَانَا تُرَابٌ وَرَمَادٌ
" (تكوين
18 : 27
)، وربما كان شر الإنسان بسبب نسيانه أنه تراب ورماد، وربما كان
السبب الحقيقى وراء الكثير من خطاياه هو كبرياؤه " مَنْ
هُوَ الإِنْسَانُ حَتَّى يَزْكُو أَوْ مَوْلُودُ الْمَرْأَةِ حَتَّى يَتَبَرَّرَ؟.
هُوَذَا قِدِّيسُوهُ لاَ يَأْتَمِنُهُمْ وَالسَّمَاوَاتُ غَيْرُ طَاهِرَةٍ
بِعَيْنَيْهِ. فَبِالْحَرِيِّ مَكْرُوهٌ وَفَاسِدٌ الإِنْسَانُ الشَّارِبُ
الإِثْمَ كَالْمَاءِ!.
" (أيوب 15 : 14 –
16
) وأخيراً فإن الكون كله مائل أمام الله وفى يده وليس عند الله ماضى وحاضر
ومستقبل لأنه مالىء الكل، وفى التقليد اليهودى القديم يوصف الله بأنه يملأ مساحة
الزمن كله!!.



1 Nicene & P. N, V.6، P.311

2 Ibid, V.8،
P.68.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي