الإصحَاحُ الثَّامِنُ وَالثَّلاَثُونَ

 

الطِبْ
والمرَض

1 أَدِّ لِلطَّبيبِ كَرامَتَه لأَجلِ خَدَماتِه فإنَّ الرَّبَّ
خَلَقَه هو أَيضًا 2 لأًنَّ الشِّفاءَ مِن عِندِ العَلِيّ ومِنَ المَلِكِ يَنالُ
الطَّبيبُ العَطايا. 3 علمُ الطَّبيبِ يُعْلي رَأسَه فيُعجَبُ بِه عِندَ
العُظَماء. 4 الرَّبُّ أَخرَج الأَدوِيَةَ مِنَ الأَرض والرَّجُلُ الفَطِنُ لا
يَستَخِفُّ بها. 5 أَلَيسَ بعودٍ صارَ الماءُ عَذباَ حَتَّى عُرِفَت خاصَيَّتُه؟ 6
وهو الَّذي أَعْطى النَّاسَ المَعرِفَة لِيَتَمَجَّدوا في عجائِبِه. 7
بِالأَدوِيةِ يَشْفي وُيزيل الأَوجاع ومِنها يَصنعُ الصَّيدَلِيّ أَمزِجَة 8
وأَعْمالُه لا نِهايَةَ لَها وعن يَدِه تَحِلُّ السَّلامَةُ على وَجهِ الأَرْض. 9
يا بُنَيَّ، إِذا مَرِضتَ فلا تَتَهاوَنْ بل صَلِّ إِلى الرَّبِّ فهو يَشْفيكَ. 10
أَقلعْ عن ذُنوبِكَ واْجعَلْ يَدَيكَ مُستَقيمَتَين وطَهَرْ قَلبكَ مِن كُلِّ
خَطيئَة. 11 قَرَبْ رائِحَةً مَرضِيَّةً وتَذْكارَ السَّميذ وأَفِضِ التَّقادِمَ
بِحَسَبِ ما في يَدِكَ. 12 ثُمَّ راجعِ الطَّبيبَ فإِنَّ الرَّبَّ خَلَقَه هو
أَيضًا ولا يُفارِقْكَ فإِنَّكَ تَحْتاجُ إِلَيه. 13 في بَعضِ الأَحوالِ تَكون العافِيَة
في أَيديهم 14 فهم أَيضًا يَتَضَرَّعونَ إِلى الرَّبِّ أَن يُنجِحَ عَمَلَهم على
الرَّاحَةِ والشفاءَ مِن أَجلِ إِنْقاذِ الحَياة. 15 مَن خَطِئ أَمامَ صانِعِه فلْيَقعَْ
في يَدَيِ الطَّبيب.

 

مازال الحديث هنا عن
الحكمة، فالطبيب مُنحت له الحكمة من الله لممارسة عمله، ولذلك فإن الطبيب مازال
يسمى لدى عامة الناس ب (الحكيم) وقد ساد بين الربيين اليهود والذين عرفوا فيما بعد
بالحسيديم، أى الأتقياء، بأن اللجوء إلى الطبيب هو ضعف إيمان من قبل المريض الذى
يجب عليه الإلتجاء إلى الله فقط فى حال المرض معتمدين فى ذلك ما ورد فى أخبار
الأيام الثانى
" وَمَرِضَ آسَا فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ وَالثَّلاَثِينَ
مِنْ مُلْكِهِ فِي رِجْلَيْهِ حَتَّى اشْتَدَّ مَرَضُهُ وَفِي مَرَضِهِ أَيْضاً
لَمْ يَطْلُبِ الرَّبَّ بَلِ الأَطِبَّاءَ.
" (أخبار الأيام الثانى 16 : 12) معتبرين أن موته جاء
نتيجة لجوءه إلى الأطباء وليس إلى الله، ولكننا نقرأ عن قيام بعض الحاخامات
بمحاولة تشريح بعض الجثث كما يبدو، بسبب الرغبة فى معرفة مزايا مختلف الأعشاب
الطبية
1، كما أن تفسير البعض الآخر من الربيين يفسر ما ورد فى سفر
الخروج بأنه دليل على وجود الطب والأطباء " فَانْ
قَامَ (المصاب) وَتَمَشَّى خَارِجا عَلَى عُكَّازِهِ يَكُونُ الضَّارِبُ بَرِيئا.
الا انَّهُ يُعَوِّضُ عُطْلَتَهُ وَيُنْفِقُ عَلَى شِفَائِهِ.
"
(خروج 21 : 19).

 

و يصحح ابن سيراخ هذه
الفكرة ويؤكد على التعليم الكنسى السليم الذى يجمع بين الإثنين، فالطبيب هو من
الله أيضاً والأدوية من الأعشاب التى خلقها الله أيضاً، وقد أشار السيد المسيح إلى
وجود الأطباء وإحتياج المرضى إليهم فى قوله " لاَ
يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى.
" (متى 9 : 12).

 

و تجدر الإشارة هنا إلى
أن الله قد وضع للكون قوانين، وكل من يخالف هذه القوانين لابد وأن يعاقب. فالذى
يهمل فى صحته يجلب على نفسه الأمراض، والذى يقود سيارته بسرعة يعرض نفسه للحوادث،
والذى يفرط فى الطعام يجلب على نفسه الأوجاع وهكذا…

 

و أما القديس
مكاريوس
فقد وبخ رهبانه بسبب اسراعهم نحو الطبيب وحثهم على اللجوء إلى الله
أولاً فهو شافى النفس والروح، فيقول " فالآن افحص
نفسك وانظر إن كانت الأمراض الجسدية تجعلك تجرى إلى الأطباء الأرضيين أم لا. كما
أن المسيح الذى تؤمن به لم يستطيع أن يشفيك… فلو أنك آمنت أن جروح النفس التى لا
تشفى وأهواء الخطية يشفيها المسيح لآمنت أيضاً أنه يستطيع أن يشفى أمراض الجسد
المؤقتة ولكنت لجأت إليه وحده وتركت جانباً وسائل الأطباء وأدويتهم. ولكنك بلا شك
ستقول أن الله قد أعطانا نباتات الأرض والعقاقير لأجل شفاء الجسد وقد أعد وسائل
الأطباء ومعالجتهم لأجل أمراض الجسد وآلامه ورتب أن الجسد الذى من التراب يكون
شفاؤه بوسائل متنوعة من نفس الأرض وانى أوافقك على صحة هذا الكلام
ولكن
الأمراض قد لحقت بالإنسان نتيجة سقوطه فى الخطية
"
2.

 

و كان القديس يتكلم مع
الرهبان والذين يجب عليهم الإحتمال وعدم التفكير أولاً فى الطبيب بل فى الله
الشافى، بحيث لا يلجأ إلى الطبيب إلا من كانت حالته سيئة إذ لاشك أيضاً فى خطورة
العقاقير الكثيرة المتنوعة لما لها من آثار جانبية وكما نقول فإن العلم الحديث
يتجه الآن إلى العلاج الطبيعى كبديل أولى.

 

آية 1 :

لاشك أن الطب مهنة
إنسانية بل مهنة إلهية، حيث يشترك الطبيب مع الله فى منح الشفاء للمريض. الطبيب
يعمل عمله والله يعمل عمله أيضاً، والكل من عند الله، ومما يجدر بنا ذكره هنا هو
أن الكثير من الشعوب مثلما هو الحال فى أوروبا أن يعامل الطبيب معاملة الكاهن
فكلاهما وكيل الله على الأرض، وفى المحاكم على سبيل المثال يمكن أعفاء كل من
الطبيب والكاهن من الشهادة، لأن كل منهما أمين على الأسرار، ويؤخذ برأى الطبيب فى
الكنيسة فى عدة مجالات، كما يوضع رأى الكاهن فى الإعتبار لدى الطبيب. وفى أيام
الفراعنة كان الكاهن عالم وطبيب أيضاً، ولم يكن هناك فصل بين عمله كطبيب وعمله
ككاهن، وفى العهد القديم ربما كان هناك إشارة إلى ذلك فى شريعة الأبرص حيث يقوم
الكاهن بالفحص أولاً وأخيراً ليحدد وجود المرض وشفاءه من عدمه.

 

آية 2، 3 :

و أما العَطايا التى ينالها الطَّبيبُ
من الملوك والعُظَماء بسبب
علمه الغزير فيجب أن يعود الفضل فيها إلى الله، فهو الذى يمد يده الحانية وهو الذى
يهب الطبيب الحكمة، وليلاحظ هنا جيداً أن ابن سيراخ يتحدث عن الطبيب فى إطار
الحكمة حيث يعتبر الطبيب حكيماً، ومازال بسطاء الناس يدعونه هكذا، كما أشرنا، وكلما
كان الطبيب عالماً ذكياً مخلصاً فى دراسته وعمله كلما زاد قدره لدى الآخرين لاسيما
العظماء منهم.

 

آية 4 :

الأَدوِيَةَ
كلها
مركبات كيميائية أو طبيعية من الأعشاب، وهى خلقة الله أيضاً، وهنا إشارة إلى الطب
السليم الذى يعتمد على الحكمة ووصف الدواء المناسب، وليس الطب القائم على الدجل والشعوذة،
ويجب التفريق هنا بينهما، حيث يشترك الله كعامل فعّال فى الطب الصحيح، بينما يعمل
الشيطان فى الطب الآخر. وعندما يتعرض أحدهم لمرض فعليه أن يعمل بما يشير به الطب
عليه، مع إيمان قوى بأن الشفاء هو هبة من الله تُعطى بشكل سرى، مثل الأسرار التى
توهب فيها النعم من خلال أعراض منظورة، لأن الإنسان جسد ونفس وروح.

 

آية5 :

يشير هنا ابن سيراخ إلى
حادثة تحويل الماء المُرّ إلى ماء عذب بعد إلقاء شجرة فيه، والشجرة التى تشير إلى
الصليب الذى حول مرارتنا إلى حلاوة فصار نبعاً عذباً محيياً والشجرة التى ألقيت فى
الماء هى أيضاً أعشاب تهب الشفاء والحياة
3، وتجتمع هنا الخاصيتان البشرية الإلهية فى الشفاء، فقد ألقى موسى
النبى الشجرة، والشجرة فى حد ذاتها لا تشفى ولكن الله أكمل العمل، هكذا الطبيب والدليل
على ذلك أن الوصف السليم للطبيب وتناول الأدوية كما توصف قد لا تؤدى إلى الشفاء
بالضرورة فى كل مرة وبالتالى فقد يشفى شخص آخر من مرض خطير اعتراه دون أدوية أو
طبيب، إذن فالعامل الإلهى هام جداً لدى كل من الطبيب والمريض معاً " فَجَاءُوا الَى مَارَّةَ. وَلَمْ يَقْدِرُوا انْ يَشْرَبُوا
مَاءً مِنْ مَارَّةَ لانَّهُ مُرٌّ. لِذَلِكَ دُعِيَ اسْمُهَا «مَارَّةَ».
فَتَذَمَّرَ الشَّعْبُ عَلَى مُوسَى قَائِلِينَ: «مَاذَا نَشْرَبُ؟» فَصَرَخَ الَى
الرَّبِّ. فَارَاهُ الرَّبُّ شَجَرَةً فَطَرَحَهَا فِي الْمَاءِ فَصَارَ الْمَاءُ
عَذْبا. هُنَاكَ وَضَعَ لَهُ فَرِيضَةً وَحُكْما وَهُنَاكَ امْتَحَنَهُ.
"
(خروج 15 : 23 – 25).

 

حَتَّى
عُرِفَت خاصَيَّتُه:

هنا إشارة مستيكية (سرية)
لعمل الصليب فى حياتنا، أو عمل الله من خلال الأدوية، وفى ترجمة أخرى يرد (حتى
تعرف قوة الرب
) ولعل هذه الشطرة تمهد للآيتين الآتيين وتفسرهما.

هل تبحث عن  كتب أبوكريفا عهد قديم وصايا الآباء وصية لاوى 09

 

آية 6، 7 :

الله الذى عرفت قوته من
خلال الأعشاب أو من خلال الصليب هو أعطى الناس هذه المعرفة أن المادة قد تقدست وأن
بها تعمل العجائب لكى يعود المجد إلى الله وليس إلى الإنسان وحتى إن مُجّد الطبيب
فقد تمجد فى الله صانع العجائب.

 

و لقد كان كل من الطبيب
والصيدلى مهنة واحدة، فقد كان الطبيب هو الذى يحضّر الأدوية ثم يعطيها للمريض وقد
حدث هذا الفصل منذ بداية هذا القرن، وكانت هناك فى القديم مهنة أشبه بالصيدلة، حيث
كان شخص شبيه بالصيدلى يقوم بتركيب وصنع العطور (خروج
30 : 25 ؛ 37 : 29
) ؛ (أخبار الأيام الثانى 16
: 14
) ؛
(سيراخ 49 : 1) وهو ما يسمى
الآن بالعطار، والذى يتاجر فى مختلف أنواع الأعشاب والتى يستخدمها بسطاء
الناس فى الطب الشعبى.

 

آية 8 :

أعمال الله لا نهاية
لها، تعنى هنا أن الله فى البداية خلق الكون والمواد الطبيعية، ثم أشرك الإنسان فى
استغلالها واستخراج كل ما هو خيّر ومفيد ومبهج منها، وهكذا يمتد عمل الله بعد
الخلق ليكون بالأشتراك مع الناس بعد ذلك.

 

9 يا
بُنَيَّ، إِذا مَرِضتَ فلا تَتَهاوَنْ بل صَلِّ إِلى الرَّبِّ فهو يَشْفيكَ. 10
أَقلعْ عن ذُنوبِكَ واْجعَلْ يَدَيكَ مُستَقيمَتَين وطَهَرْ قَلبكَ مِن كُلِّ
خَطيئَة. 11 قَرَبْ رائِحَةً مَرضِيَّةً وتَذْكارَ السَّميذ وأَفِضِ التَّقادِمَ
بِحَسَبِ ما في يَدِكَ. 12 ثُمَّ راجعِ الطَّبيبَ فإِنَّ الرَّبَّ خَلَقَه هو
أَيضًا ولا يُفارِقْكَ فإِنَّكَ تَحْتاجُ إِلَيه. 13 في بَعضِ الأَحوالِ تَكون
العافِيَة في أَيديهم 14 فهم أَيضًا يَتَضَرَّعونَ إِلى الرَّبِّ أَن يُنجِحَ
عَمَلَهم على الرَّاحَةِ والشفاءَ مِن أَجلِ إِنْقاذِ الحَياة. 15 مَن خَطِئ أَمامَ
صانِعِه فلْيَقعَْ في يَدَيِ الطَّبيب.

 

تكشف هذه الفقرة عن
أربعة خطوات يجب على المريض اتباعها :

1.           
الإلتجاء أولاً بالصلاة إلى الله لأن منه الشفاء
(سيراخ 7 : 10 ؛ 21 : 1)

2.    
الإقلاع عن الخطايا : ومازالت فكرة أن كل مرض
ناتج عن الخطية شائعة، راجع (يوحنا 9 : 2، 3)
راجع أيضاً (الآية 15) فالتوبة شرط رئيسى
"مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ " (متى 9 : 2) ؛ (مرقس 2 :
5
) ؛ (لوقا 5 : 20) هذا قاله السيد
المسيح عندما كان يشفى المريض، ويقول له المجد أيضاً لمريض بيت حسدا " هَا أَنْتَ قَدْ بَرِئْتَ فلاَ تُخْطِئْ أَيْضاً لِئَلَّا يَكُونَ
لَكَ أَشَرُّ
" (يوحنا 5 : 14). ويربط
ابن سيراخ أيضاً ومن بعده القديس يعقوب الرسول، فيضعون التوبة إلى الله والثقة فيه
كشرط للشفاء. (آية 9، 14) قارن مع (يعقوب 5 : 14، 15)

3.    
تقديم التقدمات والعطايا : وربما يكون فى ذلك إشارة
إلى النذور التى ينذرها المريض للرب لأجل شفائه
(سيراخ
18 : 21 ؛ 21 : 1، 6) و
لكن الذبيحة المٌثلى هى تقديم المجد لله باعتبار
أن الشفاء هو عطية منه
(خروج 15 : 26)
وتعد هذه من المرات الكثيرة التى يشير فيها ابن سيراخ إلى الطقس، راجع أيضاً
(سيراخ
7 : 31 ؛ 35 : 1 – 3 ؛ 4 : 1 – 10).

4.    
الذهاب إلى الطبيب : فهو أمر مرتب من الله، وفى الآية
(13 – 15)

يشير إلى الأطباء الروحيين الذين لهم قوة إيمان بالله وبالتالى فإنهم يأخذون منه
الشفاء ثم يعطونه للمريض !! فهم رجال صلاة أيضاً مع الطب.

 

آية 15 :

المرض يُشعر الإنسان بضعفه،
وبالتالى باحتياجه الشديد إلى الله، كما أن آلام المرض تجعل الشخص يكفّ عن الخطية،
وهناك مقولة للربيين تقول : " البيت الذى
لا يفتح لأعمال البر سيفتح للطبيب
" وفى بعض الأحيان يكون المرض على
سبيل التأديب والتخلى عن العجرفة، فالمريض متى تقبل المرض بشكر، فهو أقرب الأحياء
إلى الله.

 

الحداد
على الميت

16 يا
بُنَيَّ اْذرِفِ الدّموعَ على المَيْت واْشرَع في النِّياحَةِ على ما يَليقُ بِمَن
نزَلَت بِه مُصيبَة شَديدة وكفِّنْ جَسَدَه كما يَحِقّ ولا تَتَهاوَنْ بِدَفْنِه. 17
لِيَكُنْ بُكاؤُكَ مراً وأَكثِر مِن قَرعِ صَدرِكَ وأَقِمِ المَناحَةَ بِحَسَبِ
مَنزِلَتِه يَومًا أِو يَومَينِ دَفْعاً لِلنَّميمة ثُمَّ تَعز عنِ الحُزْن 18
فإِنَّ الحُزنَ يؤدِّي إِلى المَوت وحُزنَ القَلبِ يُنهِكُ القِوى. 19 في
المُصيبَةِ يَستَمِرّ الحُزنُ أَيضًا وحَياةُ البائِسِ على حَسبِ قَلبِه. 20 لا
تُسلِمْ قَلبَك إِلى الحُزن بلِ اْصرِفْه ذاكِرًا الآخِرَة. 21 لا تَنْسَ فإِنَّه
لا رجوعَ من هُناكَ ولَستَ تَنفَعُ المَيتَ وتَضرّ نَفْسَكَ. 22 ((أُذكُرْ أَنَّ
ما قُضِيَ عَلَيَّ يُقْضى علَيكَ لي أَمسُ ولَكَ اليَوم)). 23 إِذا استَراحَ
المَيتُ فاستَرِحْ مِن تَذَكُّرِه وتَعَزَّ عنه عِندَ خُروجِ روحِه.

 

بعض
تقاليد يهودية فى الموت والدفن
4

تُحرم الشريعة حرق جثث
الموتى، ليس لأن ذلك عادة وثنية فحسب وهم (أى اليهود) قد عاشوا من بين الأمم
الوثنية، وإنما لأن إكرام الميت دفن عظامه ومعرفة مكان وجودها حتى لا ينسى أمره
بالكلية، وقد أمر يوسف الصديق عشيرته بأن يحملوا معهم عظامه عند خروجهم من مصر، ويقول
تقليد يهودى بأن بنى إسرائيل قد وضعوا عظام يوسف فى صندوق محكم وأنزلوها فى عمق
البحر، حتى إذا ما حان وقت خروجهم وقفوا وصلّوا فى الموضع الذى توجد فيه العظام
فإذا بها تتحرك وتصعد لتطفو فوق سطح الماء (مثلما حدث فى أمر الفأس التى سقطت من
اليهودى فى البحر)
5 وكذلك يرى اليهود فى حرق الجثة تشويه لها
! وأكثر من كل ذلك هو التأكيد على أن الإنسان " من تراب وإلى تراب يعود
" إلا فى حالات نادرة مثل الوباء حيث يُسمح بحرق الجثث بشكل استثنائى، راجع
(عاموس 6).

 

كما أعتاد اليهود على
وضع الميت فى صندوق من الخشب البسيط ولكن دون أن تكون المسامير قد دخلت فى صناعته،
ذلك لأن آدم وحواء أختبئا من الله بين أشجار الفاكهة، ويرى الحاخام ليڤى أن
نسلهما يجب أن يوضع فى توابيت من الخشب أيضاً، ويرى اليهود أن الخشب الذى يدفن فيه
الميت يسمح بتحلل الجثة بشكل طبيعى، فى حين يمثل الحديد الآلات الحربية التى تصنع
منه والميت يحتاج إلى سلام… كما يضع اليهود تحت رأس الميت كيس من التراب (مخدة)
من تراب أورشليم.. مدينة السلام، ويرون أن الذين يدفنون فى تراب أورشليم سوف
يقومون مع المسيح عندما يجىء.

 

و بعد تكفين الميت يغسل
المشتركين فى التكفين أيديهم بالماء، ويغسلونها مرة أخرى عقب دفن الميت، أولاً لأن
الشريعة تقضى بأن كل من يلمس جسد الميت يتنجس ويحتاج من ثم إلى إجراءات طقسية من
أغتسال واعتزال الباقين حتى لا ينجسهم بدورهم
6، كما اعتقد بعض القدماء بأن غسل الأيدى
بعد دفن الميت هو بمثابة تخلص نهائى من روح الميت، ولما كان الإعتقاد بأن الأرواح
تسكن فى المقابر شائعاً ومازال، فإن غسل الأيدى هو بمثابة تخلص مما يمكن أن يكون
قد علق بالأحياء !. وفى إطار استخدام الماء أيضاً عقب دفن الميت، فإن القدماء ومن
بعدهم اليهود ثم المسيحيون يعتقدون أن الأرواح الشريرة لا تسكن فى أماكن بها ماء
" تبحث عن مواضع ليس فيها ماء.. " ومن ثم فهم يرشون المنازل بالماء، ومازال
طقس تبريك المنازل يقضى برش الماء فى جميع حجرات البيت لطرد الأرواح الشريرة، وهناك
تعليل خرافى لدى بعض اليهود يقضى بأن الماء الذى يرش يمنع الشيطان (ملاك الموت) من
القيام بزيارة أخرى لنفس المكان، كما يعد رش الماء (من وجهة نظرهم) علامة أكيدة
على حدوث الموت.

 

و من العادات الطريفة
أيضاً أن يأكل اليهود البيض المسلوق فى اليوم الأول للجنازة، ليس بسبب نصيحة
الحاخامات بعدم أكل الخبز فى اليوم الأول، وإنما لأن البيضة لها شكل دائرى وفى ذلك
رمز لدورة الحياة وتجددها، ولكن الحقيقة أن البيض يرمز إلى القيامة حيث يخرج
الطائر من البيضة الصمّاء وحده دون أن يُخرجه آخر، وفى هذا رمز إلى قيامة السيد
المسيح والتى فيها قيامتنا نحن أيضاً، ولهذا نعلق فى حامل الأيقونات بيضة
كرمز للقيامة.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد قديم سفر المزامير 51

 

كما يُحرم على أهل
البيت استخدام المرآة فى البيت، فهم فى حالة حزن ومشاركة، وثانياً لأن اعتقاداً
قديماً نشأ بينهم يفيد بأن خيال الإنسان فى المرايا يشير إلى وجود الأشباح فى
المنزل ! يضاف إلى ذلك منع استخدام المرايا فى الهيكل والعبادة بشكل عام، وفى
الأسبوع الأول للجنازة يكون أهل الميت فى حالة من الخشوع والتقوى.

 

كما يمتنع اليهود عن
إرتداء الجوارب فى هذا الأسبوع كإجراء تقشفى مناسب، وكذلك وبالتالى فهم لا يرتدون
الأحذية الجلدية الغالية الثمن أيضاً. كذلك اعتاد اليهود القدماء على اقتلاع
الحشائش من أرضية المقابر قبل مغادرتهم المكان كدلالة على أن الميت قد أُقتلعت
حياته من الأرض، وفى هذا إيمان بحقائق الموت والحياة.

 

و أخيراً فإن أغلب
اليهود يقومون بعمل شواهد لقبورهم، ويرد كثيراً فى العهد القديم الإشارة إلى ذلك فعندما
ماتت راحيل أقام لها يعقوب عموداً (شاهد قبر)
7 ويقوم أهل البيت ببنائه بعد فترة الحداد والتى تصل فى بعض الأحيان
إلى ثمانين يوماً متى كانت الشخصية هامة جداً فى حين يدعو سيراخ هنا إلى الأقتصاد
فى ذلك إلى يومين أو ثلاثة. هذا ويُبنى الشاهد لتبقى ذكرى الميت خالدة، ويقوم كل
زائر للقبر بوضع حجر صغير، حيث تدل كثرة الحجارة بجوار الشاهد على كثرة محبى الميت
ومكانته لديهم، وعادة ما يكون الحداد على الأب والأم سنة كاملة وقد يصل بالنسبة
للأخ والأخت والزوج والزوجة ثلاثين يوماً.

 

الحداد
على الميت :

هناك نوعان من الحداد والرثاء،
أحدهما جيد والآخر ردىء، والحديث ينصب على تعزية أهل الميت، مع التأكيد بأن الحزن
لن يعيد الميت.

 

آية 16 :

الدّموعَ
على المَيْت
هى تعبير عن العاطفة الإنسانية والفراق الجسدانى، ولاشك أن
الإنسان الرقيق المشاعر تفيض دموعه فى مثل هذه المواقف، وكان لدى السيد المسيح
مشاعراً إنسانية راقية حيث بكى على قبر لعازر (يوحنا11)
واهتمام الشرقيين بإكرام الميت عادة قديمة جداً سواء أكان ذلك بالنسبة للفراعنة
الذين برعوا فى تحنيط الأجساد، ورأوا أن إكرام الميت فى تكفينه حسناً ودفنه سريعاً
ويقولون فى أمثالهم " إكرام الميت دفنه " راجع
(سيراخ 7
: 32 – 36)
أما
الجنازات فكانت لدى كل من اليهود والشرقيين عموماً : مهيبة، تتم طبقاً لتقاليد وقواعد
دقيقة، وقبل الإصلاحات التى قام بها الحاخام غمالائيل، كانت الجنازة مكلفة جداً ومبهرجة
إلى الحّد الذى تصبح معه مثل ضريبة ثقيلة، حتى كان أحد أقرباء الميت يقوم بترك
عمله والتفرغ للإهتمام بجسد الميت، وكانت المناحة تستمر أسبوعاً، وفى عهد الربيين
كانت تستمر مدة سنة كاملة فى حالة أحد الوالدين. ولكن ابن سيراخ والربيين الذين
جاءوا بعده لم يوافقوا على ذلك وإلا سيظهر الإنسان أكثر رحمة من الله، ويقول ابن
سيراخ أن الأفضل أن نوفر دموعنا للبلايا الأكثر
" إِبكِ
على المَيْتِ لأنّه فَقَدَ النّور واْبْكِ على الأَحمَقِ لأنّه فَقَدَ
العَقْل.أَقلِلْ مِنَ البُكاءِ على المَيْتِ فإِنَّه في راحة أَمَّا الأَحمَقُ
فحَياتُه أَشْقى مِن المَوت. النَّوحُ على المَيتِ سَبعَةَ أيَّام والنَّوحُ على
الأَحمَقِ والكافِر جَميعَ أَيَّام حَياتِه. (سيراخ 22 : 11، 12)
".

 

آية 16 :

يقصد هنا بالبكاء المر الصدق فى التعاطف مع أهل الميت ومشاركتهم
وليس مجرد ندب، فقد كان ندب الميت مهنة مشهورة فى زمن الكتاب المقدس، وحتى أيامنا
هذه مازالت توجد فى بعض القرى، وكانت النادبات المأجورات يقمن بترديد عبارات
رثائية موقّعة (لها إيقاع) والفعل هنا تُعددّ
بمعنى تُعددّ مآثر الميت !! وكان يصاحب ذلك فى بعض الأحيان حثو التراب على الرأس
أو وضع الطين فوقه أو طلاء الوجه باللون الأزرق (النيلة) ولكن كل ذلك كان دون
عاطفة حقيقية من جهة النادبات.

 

و الحداد (المَناحَةَ) – وكما ذكرنا – تستمر فى العادة سبعة
أيام، ولكنه هنا ينصح بأن تكون يوماً أو يومين، وربما يقصد أن هذه الفترة القصيرة
هى للطقوس الفعلية على أن تستكمل بقية التقاليد فى الأيام الباقية من الأسبوع، ومازالت
مثل هذه الأمور تؤخذ فى الإعتبار بحيث يلام كثيراً على من يقصر فيها من الأقارب والأصدقاء
أكثر من مجاملات الأفراح. ثم يعود ابن سيراخ يشير إلى ضرورة الإلتفات إلى الحياة ومسئولياتها
والاكتفاء بالاتعاظ من الموت ليسهم ذلك فى اليقظة الروحية والإهتمام بالأبدية.

 

آية 18، 20
:

المقصود هنا هو الحزن
الردىء الذى يجلب الأحباط واليأس من الحياة، ويكسر القلب ويُفقد الشهية لكل عمل، وهناك
فرق بين هذا الحزن الردىء وذلك الحزن الراقى الذى ينشىء التعزية والتأمل وأحتقار
أباطيل العالم وتمجيد اسم الله العلى. راجع
(سيراخ
30 : 21 ؛ 7 : 36 ؛ 28 : 6).

 

آية 19 :

هنا سبب آخر للحزن وهو
المصائب وليس الموت بشكل محدد، غير أن الحزن وحده لا يخلص من المصيبة، وإنمّا
التفكير الجيد مع الصلاة الصادقة والتفهم للأمور، هذه كلها تعين على الخلاص منها وتحويلها
إلى خيرة وخبرة، والتعبير حَياةُ البائِسِ على حَسبِ
قَلبِه
تعنى : أن سلامته وراحته متوقفان على ما يفكر به فى قلبه.

 

آية 21 :

حين مرض ابن داود (الذى
له من إمرأة أوريا الحثى) بكى وجلس فى الرماد صائماً، فلما مات الطفل قام واغتسل وأكل،
ولما سُئل عن سلوكه الغريب هذا قال " لَمَّا كَانَ
الْوَلَدُ حَيّاً صُمْتُ وَبَكَيْتُ لأَنِّي قُلْتُ: مَنْ يَعْلَمُ؟ رُبَّمَا
يَرْحَمُنِي الرَّبُّ وَيَحْيَا الْوَلَدُ. وَالآنَ قَدْ مَاتَ، فَلِمَاذَا
أَصُومُ؟ هَلْ أَقْدِرُ أَنْ أَرُدَّهُ بَعْدُ؟ أَنَا ذَاهِبٌ إِلَيْهِ وَأَمَّا
هُوَ فَلاَ يَرْجِعُ إِلَيَّ.
" (صموئيل
الثانى 12 : 22، 23
).

 

و يعود ابن سيراخ ليؤكد
على الواقعية والتعقل فهو وإن كان يوصى بضرورة المشاركة الوجدانية، إلا أنه يعود
ليحذر من مغبة الأفراط فى الحزن، ففضلاً عن أنه ينشىء الإحباط واللامبالاة، فإنه
لن يعيد الميت إلى الحياة، والأفضل أن نستثمر ذلك فى جعل حياتنا أفضل، من جهة
التفكير الدائب فى يوم الدينونة، كما أنه ليس من المنطقى أن يفرط الإنسان فى الحزن
والبكاء على الميت فتضيع حياته هو، وهذا الأمر نلاحظه جيداً بالنسبة للأرامل والثكالى
اللائى يقضين على حياتهم بسبب الحزن على أزواجهن وأولادهن، حقيقى أن ذلك وفاءاً
منهن لذويهن، ولكن ليكن كل شىء بلياقة، ولذا يقول العامة فى مصر " أن الحى
ابقى من الميت ".

 

آية 22 :

الميت يتحدث هنا
للأحياء فيؤكد لهم أن الكأس التى شربها قد خلفها لهم، وربما كان فى ذلك إشارة إلى
اللاهين الذين لا يعبأون كثيراً بمثل هذه الأمور، بينما هم ماضون فى شهواتهم ونزواتهم
وربما قيل لمن يشمت فى الميت أو أهله، وعندما مات الأسكندر وقام الكثير من
الفلاسفة والشعراء يرثونه ويؤبّنونه قال أحدهم : " كان
الإسكندر بالأمس يكتنز الذهب واليوم صار مكنوزاً فى الذهب !
"، وقال
آخر : " بالأمس لم يكن العالم كله يسع الإسكندر
فكيف يسعه اليوم فى هذا الصندوق الضيق؟
" وقال الفيلسوف اليونانى
فليقطن
: " إن حياة مآلها التراب : الزهد
أولى أوّلها
" وبعد أن تكلم الكل وقفت زوجة الإسكندر وقالت
: " إن كان رثائكم تقديراً له وعزاءاً لنا فإنى
شاكرة وإن كان سخرية واستخفافاً، فأععلموا أنه قد خلف لكم الكأس التى شربها
"
8 راجع (سيراخ 14 : 16 – 19 ؛ 41 : 3، 4).

 

آية 23 :

إِذا
استَراحَ المَيتُ
لاسيما إن كان شخصاً باراً، أو كان يعانى آلام
المرض أُعتبر موته راحة له وبالتالى راحة أيضاً لذويه لأنه استراح، والتعبير استَرِحْ مِن تَذَكُّرِه تعنى لا تقلق بسببه ولا
تفكر فى موته بل فى مصيره وراحته.

هل تبحث عن  هوت عقيدى سر المعمودية المعمودية الأصول الأولى للمسيحية 01

 

الحِرَف
اليدوية

24 الكاتِبُ
يَكتَسِبُ الحِكمَةَ في أَوانِ الفَراغ والقَليلُ العَمَلِ يُصبِحُ حَكيمًا. 25
كيفَ يُصبِحُ حَكيمًا مَن يُمسِكُ المِحْراث ويَفتَخِرُ بِالتَّهْويلِ بِالمِنخَس ويَسوقُ
البَقَرَ ويُلازِمُها في أعْمالِها ولا يَتَحَدَّثُ إِلاَّ بِأَولادِ الثِّيران؟ 26
قَلبُه مُنصَرِفٌ إِلى خُطوطِ المِحْراث وسَهَرُه في تَسْمين العِجال. 27 كذلك
كُلّ صانعِ ورَبَ عَمَل مِفَن يَقْضي اللَّيلَ كالنَّهار والحافِرونَ نقوشَ
الخَواتِم الجاهِدونَ في تَنويمِ الأَشْكال والَّذينَ يَصرِفونَ قلوبَهم إِلى
نَقْلِ الصّورة ويَسهَرونَ لِاْستِكْمالِ صَنعَتِهم. 28 وكذلِكَ الحَدَّادُ
الجالِسُ عِندَ السَّنْدان والمُمعِنُ في الحَديدِ الَّذي يَصوغُه: وَهَجُ النارِ
يُذيبُ لَحمَه وهو يَتَخبّطُ في حَرِّ الأتّون وصَوتُ المِطرَقةِ يُصِمُّ أذُنَيه وعَيناه
إِلى مِثالِ ما يَصنعَ. يَصرِفُ قَلبَه إِلى إِتْمامِ أَعْمالِه وسَهَرُه في
تَزْيينها إِلى التَّمام. 29 وكذلك الخزَافُ الجالِسُ على عَمَلِه والمُديرُ
دولابَه بِقَدَمَيه لا يَزالُ مُهتَمًّا بعَمَلِه كلُّ نَشاطِه مُحصًى 30
بِذِراعِه يَعرُكُ الطَين وبِقَدَميه يَحْني صَلابَتَه. يَصرِفُ قَلبَه إِلى
إِتقانِ الدًهان، وسَهَره في تنظيفِ الأتون. 31 هؤُلاءَ كلُّهمُ اتَّكَلوا على
أَيديهم كلّ مِنهم حَكيمٌ في صِناعَتِه. 32 بِدونهم لا تُعمَر مَدينَة ولا يَسكُنُ
النَّاسُ ولا يُسافِرون. 33 لكِنَّهم إِلى مَجلِسِ الشَّعبِ لا يُستَدعَون وفي
الجَماعَةِ لا يَمْتازون. على مِنبَرِ القاضي لا يَجلِسون وأَحكامَ الشَّرعِ لا
يَفقَهون. 34 في التَّأديبِ والحُكمِ لا يَبرُزون وبَينَ ضاربي الأمثالِ لا
يوجَدون. لكِنَّهم يُثَبَتونَ الخَليقَةَ الأَبَدِيَّة وصَلاتُهم لأَجلِ عَمَلِ
صِناعَتِهم.

 

على الرغم من ضرورة تكامل
المجتمع من خلال الحرف وتوافرها، إلا أن تخصيص وقت للدراسة والمعرفة لاكتساب
الحكمة هو أمر ضرورى فى الحياة، فحتى المهن تحتاج إلى حكمة، تلك التى يهبها الله
للصانع فتخرج صناعته فى صورة تمجد الله، وهذا هو ما حدث فى بناء خيمة الإجتماع،
حيث وهب الله لبعض الصناع حكمة من أجل جودة العمل وجماله، راجع (خروج 35 : 30 ؛ 36 : 1) ؛ (ملوك
أول 5 : 20 ؛ 7 : 13، 14
).

 

آية 24 – 26
:

لا يقصد بالكلام هنا
التكاسل عن العمل، وإنما يقصد به عدم الإنغماس فيه كلّية بحيث يصبح الإنسان مثل
الآله، ثم يتحدث فى الآية 2 عن الفلاح
الذى أصبحت حياته ما بين المِحْراث والمِنخَس (عصا طويلة ذو طرف مدبب تشبه الحربة التى
يستخدمها الفلاح فى حث الحيوان على السير) ولا حديث له سوى عن البَقَرَ والثِّيران ونتاجهم (أولادها) ويتحدّد كل
فنه فى جعل خطوط المحراث مستقيمة، ثم قضاء بقية الليل فى تسمين العجول، ناسياً فى
ذلك كله : أن الحكمة هى زينة الحياة ولا يمكن الحياة بدونها، إذ أن العمل وحده
يحصر حياة الإنسان فى دائرة مادية ضيقة دون الأستمتاع ببقية ما فى الكون من جمال وآداب.

 

يقول القديس
أغسطينوس
: " علينا أن نستغل أوقات الفراغ فى
التأمل والإستمتاع بيقظة إلى حكمة الله، فإنه فى صفاء الذهن من الأعمال والأشغال
اليومية فرصة نحصل فيها على الحكمة ونستمع فيها إلى صوتنا الداخلى
".

 

آية 27 :

هكذا أيضاً الفنانون والنحاتون
الذين يكرّسون وقتهم وفنهم فى إطار الرسم والنحت ويجب أن يكون لهم بعد روحى،
فالفنان القبطى مثلاً يحتاج أن يكون ذو بعد روحى ولاهوتى عقائدى ليتورجى، حيث
ينعكس ذلك على الأيقونة التى يصنعها والتى تجمع بين ما هو إلهى وما هو بشرى، وبالتكريس
بالميرون المقدس تصير قطعة حيّة.

 

آية 28 :

و الحَدَّادُ الذى يعانى من لهيب النار ودخانها وطَرقات
المطرقة المتوالية فوق السندان والتى تؤثر بشكل كبير على السمع، وهو يضحى بكل ذلك
فقط من أجل إتمام عمله، وهذا طيب، ولكن الراحة والتأمل سوف يهبانه حياة أفضل وعمراً
أطول ومهارة أكبر فى عمله.

 

آية 29، 30
:

و الخزَافُ أيضاً (الفخارى) الذى يقضى وقته مع دولابه
منهمكاً فى صنع القطع المطلوبة منه حسب نَشاطِه
مُحصًى
(العدد المطلوب منه انجازه فى اليوم) ثم زخرفتها ثم دهنها ثم
رصّها فى الآتون لتصبح خزفاً ذات أشكال جميلة مختلفة بنقوش بديعة، وبعد ذلك يقضى
بقية وقته فى تنظيف الفرن وتجهيزه للدفعة الجديدة ويمكن للخزاف أيضاً أن يقضى بعضاً
من وقته فى التأمل فى كيف أن الله هو الخزاف الأعظم ذو الأبداع والتصوير… وهكذا.

 

آية 31، 33
:

و لكن جميع هؤلاء
اتكلوا على دورهم هذا فى الحياة فحسب ونسوا أنه يمكن الجمع بين العمل والثقافة والعلم
والحكمة، إن وجودهم هام لتستمر الحياة (تُعمَر
مَدينَة
) ويتكامل العمل وتنتظم السيمفونية، فإذا ما تخلى الصانع عن
مهنته تتوقف الحياة. فكّل منا يحتاج إلى الآخر.

 

آية 32، 34
:

و لكن مثل هذه الطبقات
من المجتمع والتى حصرت نفسها فى الحرف اليدوية فقط، لا يمكن أن تمثل الشعب ولا
يتبوأون مراكز القضاء، ومجالس المشيرين والحكماء المعلمين، ولكنهم مع ذلك عماد
الحياة.

 

و يجب على الإنسان ألا
يحيا على هامش المجتمع وإنما يحيا فى نسيجه، إن المعرفة والثقافة والتفاعل مع
جوانب الحياة المختلفة يثرى الشخصية ويجعل الحياة أكثر روعة، بل أن ذلك يؤثر بشكل
فعال فى الأبداع فى مجال المهنة نفسها، بل أن العلماء والحكماء والفلاسفة يجب أن
يكون لهم ما يتعيشون منه، ويقول الربيين اليهود : " إن دراسة التوراة بدون ممارسة مهنة، سوف تفشل بل وتصبح هذه
الدراسة سبب خطية له
" بل ويفتخروا أن هلليل رئيس السنهدريم بدأ حياته
كقاطع أخشاب
9.

 

قال أحد الربيين
: " إن الذى يقتات من جنى كفه لهو أعظم قدراً عند
الله من ابراهيم
" وقال آخر : " ليكن
سبتك كالأيام العادية ولا تحتاج فى قوتك إلى الناس
"
10.

 

هذا وكان معلموا صغار
اليهود يُدعون " حكماء " وهو اسم بمعنى " مهنى " منذ أيام
إرميا النبى وربما منذ أيام إشعياء النبى، ولكن ابن سيراخ هنا يفضل الإسم : الكتبة
(آية 24) أى دارس الكتاب المقدس، وقد ظهر
هذا الإسم بعد الإعتراف بقانونية الأسفار الخمسة لموسى النبى وذلك حوالى سنة 400
ق.م، ثم شاع بعد عصر سيراخ فى القرن الأول قبل الميلاد، ثم عاد التعبير الأول
" الحكماء بمعنى المعلمين " إلى الظهور فى القرن الأول الميلادى، ثم طغى
عليه تدريجياً لقب معلم " رابى
Rabbi " وكان الكتبة مجموعة مهنية متميزة فى زمن كاتب سفر أخبار
الأيام (250 ق.م) وعُرف عمل الكتبة بأنه دراسة وممارسة وتعليم الشريعة
(عزرا 7 : 10) 11.



1 الحياة الإجتماعية لليهود فى
عصر ابن سيراخ / ص 76.

2 عظات
القديس مقاريوس الكبير / بيت التكريس يونيو 1991 – العظة 48 , ص 358 , 359.

3 كلمة ]e القبطية
(شى) , تعنى شجرة / صليب / خشبة.

4 راجع كتاب عادات وتقاليد
اليهود / هار
ڤي لوتسك / تعريب مصطفى الرز – دار سلمى
للنشر 1994.

5 الختار
فى تفسير التوراة / الحاخام سلمون ملكاه – حاخام السودان.

6 أما بعد
الفداء فإننا نسجد قدام عظام القديسين ونقبلها فإن السيد المسيح قد قدس المادة ومن
ثم فلم يعد هناك شىء نجس.

7 كما
أقام المكابيين قبراً للعائلة زينوه برسوم رائعة من أشجار وسفن وأهرامات , كانت
ترى عن بعد لعابرى الطرق والبحر.

8 تاريخ
يوسيفوس.

9 الحياة
الإجتماعية لليهود فى عصر سيراخ / ص 80 , 81.

 ويوجد
حالياً رجل مسن يسمىّ " سيد عاشور " ويطلقون عليه " امبراطور
الحمزاوى " وهو يعمل كتاجر أقمشة , ولكنه يعرف ست لغات وله مكتبة هائلة , وقام
بتأليف العديد من الكتب.

10 التلمود
/ د. صموئيل سوريال – مشناة 10 / فصل 1 – ص 77.

11 History of New Test., Sirach.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي