الإصحَاحُ الْخَامِسُ والأَرْبَعُونَ

 

موسى وهرون
وفينحاس

1 وأَقامَ مِنه رَجُلَ رَحمَةٍ قد نالَ حُظوَةً في عَيَني كُلِّ
بَشَر موسى الَّذي أَحبَه اللهُ والنَّاس وكانَ ذِكره مبارَكًا. 2 فآتاه مَجْدًا
كمَجدِ القِدِّيسين وجَعَلَه عَظيمًا يَرهَبُه الأَعْداء 3 بكَلامِه أَوقَفَ
الآيات ومَجَّدَه أَمامَ المُلوك. أًعْطاه وَصايا مِن أَجْلِ شَعبِه وأَراه شَيئًا
مِن مَجدِه. 4 بالأَمانةِ والوَداعةِ قَدَّسَه ومِن بَين جَميعَ البَشَرِ
اْخْتارَه. 5 أَسمَعَه صَوتَه وأَدخَلَه في الغَمامِ المُظلِم. أَعْطاه الوَصايا
وَجهًا لِوَجه شَريعةَ حَياةٍ وعِلْم لِيُعَلِّمَ يَعْقوبَ العَهْدَ وإِسْرائيلَ
أَحْكامَه.

 

موسى
النبى

مازال موسى النبى
بالنسبة لليهود هو أعظم رجل فى تاريخهم لأن الله كلمه وأيدّه بالقوة أمام فرعون
فصنع العجائب (خروج 8) وأرهب الأعداء من خلال الوبأ الذى جاء على
الشعب فى مصر (خروج 7 – 10) وموسى كذلك هو
الذى تسلم الشريعة من الله وسلمهم كذلك الشريعة الشفوية ولولا أن أخفى الملاك
ميخائيل جسده بعد موته على الجبل لعبده بنى إسرائيل (يهوذا
9) وأمّا أن الله قد أقام منه رَجُلَ رَحمَةٍ (آية
1) فذلك لأن الله رحم اسرائيل به من العبودية، وقد أراه الله شيئاً من
مجده ووهبه وداعة ومصداقية (آية 4، 5) ووهبه
كرامة مثل القديسين (خروج 19) يقصد الملائكة (أيوب 5 : 1) ؛ (سيراخ
42 : 17)
وقد استجاب الله لتوسلات موسى "ارِنِي
مَجْدَكَ " (خروج 33 : 18 – 34 : 8) وقد كشف الله له عن نفسه، واختار
موسى لأن فيه صفات الإعتدال وهى صفات الله، قارن (سيراخ 1
: 22 – 30) مع
(سفر العدد 12 : 3، 7).

 

كما أن الكرامة التى
صارت له عند الله والناس فيمكن فهمها فى إطار كونه جُعل إلهاً لفرعون وهرون، راجع (خروج 4 : 16، 7 : 1) وقد أحبه الناس لأنه صار وسيطاً
فيما بينهم وبين الله يصعد إلى الجبل ثم ينزل ليخبرهم بأمر الرب فيما يحيّرهم فنال
بذلك مجداً عظيماً (خروج 10)، (سيراخ
17 : 11 – 13).
وإذا كان موسى هو المشرع بالنسبة لليهود أو هو الذى نقل إليهم التشريع من الله ففى
الشريعة قمة الحكمة.

 

هرون
الكاهن

6 أَعْلى شأنَ هارون، قِدِّيسٍ نَظيرِ موسى أَخيه مِن سِبْطِ لاوي.
7 قَطعً معَه عَهدًا أبدِيًّا وأَعْطاه كَهَنوتَ الشَّعْب. أَسعَدَه في لِباسِه
البَهِيّ وسَربَلَه بِحُلَّةٍ مَجيدة. 8 أَلبَسَه كَمالَ الأبهَة وزَّيَنَه
بِشاراتِ العِزَّة مِن سَراويلاتٍ وثَوبٍ سابغ وأَفود. 9 وأَحاطَه بِرُمَّاناتٍ
وجَلاجِلَ كثيرة مِنِ ذَهَبً وحَولَه كانت تَرِن على كُلِّ خَطوَةٍ مِن خُطاه وتُسمِعُ
صَوتَها في الهَيكلِ، ذِكراً لِبَني شَعبِه 10 وبِحُلَّةٍ مُقَدَّسَةٍ مِن ذَهَبٍ
وبِرفيرٍ بَنَفسَجِيِّ وأرْجُوان صُنعِ نَسَّاج حاذِق وبِصُدرَةِ القَضاءِ وفيهما
الأوريم والتُّوميم ونَسيجها مِن قِرمِزٍ مَفْتول صُنعَْ عامِلٍ حاذِق 11 وعلَيها
حِجارَةٌ كَريمةٌ كنقشِ الخاتَم مُرَصَّعَةٌ في الذَّهَب، صُنعُ نَقَّاشِ جَوهَر مَنْقوشَةٌ
بحَسَبِ عَدَدِ أَسْباطِ إِسْرائيل إِحْياءً لِلذَكْر. 12 وكانَ على العِمامَةِ
إِكْليلٌ مِن ذَهَب مَنقوشٌ علَيه عُنوانُ التَّقْديس وكانَ عَلامةَ كَرامة من
صُنع رائعِ تَعشَقُه العُيونُ لِحُسنِ زينَتِه. 13 لم يَكنْ لِكُلِّ هذه مَثيلٌ
قَبلَه ولم يَلبَسْها غَريبٌ فيما قَبْلُ إِلاَّ بنوه وخَلَفُه لِلأَبَد. 14 كانَت
ذَبائِحُه تُحرَقُ تَمامًا كُلَّ يَوم مرَتَين بِلا اْنقِطاع. 15 موسى هًو الَّذي
كرسَ يَدَيه ومَسَحَه بِالزَّيتِ المُقَدَّس فصارَ ذلك عَهدًا أَبَدِيًّا لَه ولذُرِّيَّته
ما دامَتِ السَّماء لِيَخدِمَ لِلرَّبِّ وَيُمارِسَ الكَهَنوت ويُبارِكَ الشَّعبَ
بِاْسمِه. 16 إِخْتارَه مِن بَين جَميعَ الأَحْياء لِيُقَرِّبَ التَّقدِمَةَ
لِلرَّبّ البَخورَ ورائِحَةَ الرِّضا ذِكْرًا وليُكَفّرَ عن شَعبِه. 17 أَقامَه
على وَصاياه وأَعْطاه سلْطانًا على أَحْكام الشَّريعة لِيُعَلِّمَ يَعْقوبَ
شَهادَتَه وُينيرَ إِسْرائيلَ في شَأنِ شَريعَتِه. 18 إِجتَمعَ علَيه غُرباءُ
وحَسَدوه في البَرِّّية رِجال داتانَ وأبيرامِ وجَماعةُ قُورَحَ في غضَبٍِ شَديد. 19
رأَى الرَّبُّ ذلك فلَمِ يَرْض فأُبيدوا في سَورَةِ غَضبه. أَجْرى بِهم عَجائبَ
وَأَفْناهم بِنارِ لَهيبِه. 20 وزادَ هارونَ مَجْدًا وأَعْطاه ميراثا وجَعَلَ لَه
بَواكيرَ ثِمارِ الأَرض وأَعَدَّ له قَبلَ كُلِّ شَيءِ شِبعَه مِنَ الخبْز. 20
وزادَ هارونَ مَجْدًا وأَعْطاه ميراثا وجَعَلَ لَه بَواكيرَ ثِمارِ الأَرض وأَعَدَّ
له قَبلَ كُلِّ شَيءِ شِبعَه مِنَ الخبْز. 21 فهُم يَأكُلونَ مِن ذَبائحِ الربِّ الَّتي
أَعْطاها لَه ولذُريَّته. 22 إِلاَّ أَنَّه لم يَرِثْ في أَرضِ الشَّعْب ولم
يَكُنْ لَه نَصيبٌ فيما بَينَهم ((لِأنَّي أَنا نَصيبُكَ وميراثُكَ)).

 

يهتم ابن سيراخ كثيراً
بالكهنوت والخدمة الطقسية ويُقيم لها وزناً كبيراً، راجع (سيراخ
35 : 1 – 10 ؛ 50 : 11 – 22) مما يعطى للسفر أهمية ليتورجية.

 

و قد مثَّل هارون
الكهنوت فى العهد القديم، فبه بدأ تأسيس هذا النظام والمستمر فى الكنيسة حتى اليوم
رغم توقفه لدى اليهود، كان دور النبى هو أخذ الإعلان من الله وتبليغه إلى الشعب فى
حين كان دور الكاهن هو رفع توبة الشعب وطلباتهم وذبائحهم إلى الله وبهذا تكتمل
الدائرة قِدِّيسٍ نَظيرِ موسى (آية 6).

 

و قد أُستعيض عن
الكهنوت والهيكل بعد خراب أورشليم سنة 70 م، بالمعلمين (الربيين، الحاخامات) والمجامع
اليهودية الصغيرة، حيث أستبدل اجتماع الشعب حول الذبيحة والطقوس فى الهيكل إلى
إجتماعهم حول كلمة الله. وقد بدأ هذا النظام عقب العودة من السبى ولكنه تقنّن عقب
خراب أورشليم " وَأَمَّا هَذَا فَلأَنَّهُ يَبْقَى (يسوع)
إِلَى الأَبَدِ، لَهُ كَهَنُوتٌ لاَ يَزُولُ. " (عبرانيين 7 : 24).

 

من هو هارون
:

هو ابن عمران ويوكابد،
وهو الأخ الوسط بين موسى ومريم الأخت الكبرى، وقد عين كاهناً لبنى اسرائيل (خروج 40 : 12 – 15) وعقب انتهاء موسى من إقامة خيمة
الإجتماع، قام بتكريس هارون وبنيه الأربعة كهنة وذلك بعد أن ألبسهم الثياب الرائعة
التى أمر الرب بها لهم، وكذلك مسحهم بالزيت (آية 15) راجع
(لاويين 8 : 10 – 13) قارن (خروج 40 : 13 – 15) وقد صار بنيه مباركين فى اسمه (سفر العدد 6 : 24 – 26).

 

و قد عمل هارون كاهناً
لمدة أربعين سنة، وقد ثبّت الرب كهنوت هارون ضد المنادين بتأميم الكهنوت (آية 18، 19) وهم قُورَحَ
وداتانَ وأبيرامِ، الذين حاولوا تقديم نار غريبة للرب فهلكوا مع مائتين
وخمسين من جماعتهم (سفر العدد إصحاح 16، 17) وأما
تثبيت الرب لكهنوته فقد جاء عن طريق قضيب اللوز الذى أزهر وأفرخ (آية 17)

هذا وقد تسمّي هارون
" قُدُّوسَ الرَّبِّ. " (مزمور 106 : 16) ومات وهو يناهز مائة وثلاث وعشرون
سنة ودفن فى المكان المعروف الآن على أحد قمتى جبل هور بالقرب من بترا، ومازال
الكثير من اليهود المحافظين الأرثوذكس يعيّدون له فى أول آب (أغسطس) وهم صائمون.

 

ثياب
الكهنوت :

ورد وصف هذه الثياب
الفخمة الثمينة فى (خروج 28) وأعطى الله
الحكمة للصناع حتى يصنعونها بحذق (آية 6، 10) كما نقشت
أسماء أسباط إسرائيل على حجرين كريمين، أحدهما على كتفه اليمنى والآخر على اليسرى،
إذ يتقدم بنى إسرائيل جميعاً إلى الله من خلال هرون فصارت ملابسه حُلَّةٍ مَجيدة وكَمالَ الأبهَة (آية 7، 8) راجع أيضاً (سيراخ
50 : 11) وكانت
الرمانات تعمل مثل أجراس لتنبيه بني إسرائيل عند حركته، كما زيّنه بالأوريم
والتُّوميم (آية 10) وهى حِجارَةٌ
كَريمةٌ معناها الكمالات والأنوار، وكان بنى إسرائيل يستطلعون رأي الله
من خلال إتجاه أشعتها (خروج 28 : 6)، (صموئيل أول 14 : 41).

 

أمّا العمامة الذهب وإكليلها
المنقوش عليه علامة التقديس، فقد كان مكتوب على هذه الصفيحة التى تشبه الإكليل
" قدوس للرب " راجع (خروج 28 : 36 – 39) فهى تعنى أنه مخصص للرب ومنها
جاءت تلقيب الكاهن ب " قُدس أبونا "
أو " قداسة الأب " وتعنى أنه
المخصص للرب والذى قدّسه الرب من خلال الخدمة. وفى (آية
14) يشير إلى ذبيحة الصباح وذبيحة المساء والتى هى عبارة عن محرقة للرب
تقدم عن الشعب كله مرتين يومياً.

 

مسئوليات
الكهنة :

بالإضافة إلى تقديم
الذبيحة الصباحية والمسائية (آية 14) فهم
مسئولون أيضاً عن تقديم البخور (آية 16) وتعليم الشعب
وتفسير الشريعة (تثنية 31 : 9 – 13، 33 : 10)
وكذلك فلهم السلطة والحق فى نظر القضايا الصعبة (آية
17)
راجع
أيضاً (تثنية 17 : 8 – 12 ؛ 21 : 5).

 

نصيب الكهنة
:

(آية 21، 22) كان نصيب الكهنة هو الرب نفسه، ولم ينسى الله
مؤونتهم فهو المهتمّ بالكلّ (سفر العدد 18 : 12، 13)
فلهم قسم من الذبائح والتقدمات والبكور والنذور، حيث لم يكن لهم قسم فى أرض الموعد
(سفر العدد 18 : 20) ؛ (تثنية 10 : 9، 12 : 12) راجع أيضاً (خروج 29 : 28، 31) ؛ (لاويين
6 : 9 – 11 ؛ 9 : 10 ؛ 32 : 36).

 

فِنْحاس

23 وأَمَّا فِنْحاسُ بنُ أَلِعازار فهُو الثَّالِثُ في المَجْد لِغَيرَتِه
في مَخافةِ الرَّبّ لأَنَّه ثَبَتَ عِندَ اْرتدادِ الشَعْب بِحُسْنِ اْندِفاعِ
نَفْسِه فكَفَّرَ عن إِسْرائيل. 24 لِذلك أُقيمَ له عَهدُ سَلام لِكَي يَكون
إِمامَ المَقدِسِ وشَعبِه فتَبْقى لَه ولنَسْلِه عَظَمَةُ الكَهَنوتِ مَدى
الدُّهور. 25 وقُطعِ عَهدٌ مع داوُدَ بنِ يَسَّى مِن سِبْطِ يَهوذا لكِنَّ ميراثَ
المَلِكِ يَنتَقِلُ مِنِ ابنٍ إلى اْبنِ فَقَط وأَمَّا ميراثُ هارونَ فلِكُلًّ
نَسلِه 26 لِيُعطكمُ الرَّبُّ الحِكمَةَ في قُلوبِكُم لِكَي تَحكُموا بِالعَدلِ في
شَعبِه فلا تَزولَ خَيراتُهم وَيبْقى مَجدُهم مَدى الدُّهور.

 

ينتقل ابن سيراخ هنا
إلى الحديث عن فينحاس كامتداد للحديث عن الكهنوت، وفينحاس اسم عبرى معناه (فم النحاس) وهو ابن
ألعازر بن هارون، وهذا هو المقصود ب

(الثَّالِثُ في المَجْد) (آية 23) أى الجيل
الثالث من هرون (خروج 6 : 25) وهو بمثابة
الوراثة فى الكهنوت فى العهد القديم، وقد غار غيرة الرب عندما زنى الشعب مع بنات
موآب، فقام بقتل (زمري بن سالو) رئيس بيت الشمعونيون مع المرأة المديانية (كزبى
بنت صور) فامتنع الوبأ ونال من الرب ميثاق عهد سلام سلام له وبنيه (آية 24) راجع أيضاً (سفر
العدد 25 : 1 – 15) ؛ (مزمور 106 : 30، 31)
؛ (مكابيين الثانى 2 : 26، 54) وظلت رئاستهم
للكهنوت حتى خراب الهيكل سنة 70 م (آية 24).

 

و فى إطار غيرة فينحاس
أيضاً نقرأ أنه قاد جيش من اثنى عشر ألفاً من المقاتلين للإنتقام من المديانيين
فهزموهم (سفر العدد 31 : 1 – 12) كما كان له
موقفاً حكيماً حين ذهب على رأس وفد من الأسباط ليدرسوا حقيقة بناء مذبح فى الأردن
عن طريق سبط رأوبين وجاد ونصف سبط منسي، فلما تأكّد من سلامة الموقف عاد فأقنع
البقية بعدم معاداتهم (يشوع 22 : 13 – 22) ويعتبر
عزرا الكاتب من نسل فينحاس (عزرا 7 : 5).

 

عهد المُلك
وعهد الكهنة :

مازال ابن سيراخ مسانداً
للكهنوت وكرامته وحقوقه، وهو يفرق بين وراثة المُلك والتى تتم بين الملك وابنه، وبين
الكهنوت الذى يورّث تبعاً للسبط والقبيلة وليس الأب والابن فقط. والكلام هنا فى (آية 26) موجه بشكل محدّد وواضح لنسل سمعان الكاهن
فى أيامه، وهو يؤكد على أنهم من نسل فينحاس، رغم أن ذلك ليس واضحاً، ولكننا نعرف
أن اليهود يجيدون تتبّع الأنساب، وإن كان ذلك قد ضعف بعد السبى فى القرن السادس
قبل الميلاد، حتى أن نحميا قد تجاوز شرط اثبات النسب إلى سبط لاوي بالنسبة لمن
اختيروا ليصبحوا كهنة فى الهيكل بعد إعادة بناؤه 1.

 

و الآن توجد هيئة
يهودية عالمية عملها مساعدة السهود فى معرفة نسله ونسبه وإلى أى سبط ينتمى !!

 

و فى النهاية يتمنى ابن
سيراخ لجماعة الكهنة فى عصره الحكمة ليؤدّوا دورهم جيداً فى إسرائيل حيث كان
الكهنة فى ذلك الوقت مازالوا فعّالين فى حياة الأمة (سيراخ
50 : 1 – 4).