تَفْسِير
سِفْرُ إِشَعْيَاءَ

 

إسم السفر:

سفر
أشعياء
Isaiah

الاختصار
: أش =
ISA

كان
إشعياء النبي يعيش في أورشليم، عاصمة اليهودية. وقد استمرت خدمته لما يقرب من 60
سنة خلال فترة حكم عزيا، ويوثام، وآحاز، وحزقيا، وربما منسى.

ويحتوي
سفر إشعياء على 66 أصحاحا – مثل عدد أسفار الكتاب المقدس. والأصحاح المحوري (53)
يحتوي على النبوة المميزة بشأن آلام مخلصنا الذي ينبغي أن يشغل مكانا محوريا في
حياتنا.

تتضح
أهمية هذا السفر من عدد المرات التي اقتبس فيها منه في العهد الجديد. وقد ذكر سفر
إشعياء بالاسم 21 مرة في العهد الجديد.

ويبرز
إشعياء بين جميع أنبياء إسرائيل كملك عليهم جميعا، والسفر الذى يحمل اسمه يعتبر من
أروع ما كتب فى كل الآداب وموضعه هو " الخلاص بالإيمان " فإشعياء هو
بولس العهد القديم.

 

كاتب السفر:

أشعياء
النبي

+
كاتب السفر أشعياء النبي معنى الاسم " الرب يخلص "، وهو من نسل ملوكي،
ابن أموص أخو امصيا ملك يهوذا، له شخصيته القوية وأثره الفعال علي رجال الدولة،
وكان أشعياء مصلحا اجتماعيا.

+
قام بالعمل النبوي أكثر من 60 عاما في أيام عزيا ويوثام وأحاز وحزقيا ملوك يهوذا،
ويعتبر أعظم أنبياء العهد القديم، واستشهد منشورا بمنشار خشبي في أيام منسى الملك.

+
قام هذا النبي في المملكة الجنوبية وتنبأ قبل السبي البابلي حوالي سنة 740 ق.م وقد
سمي بالنبي الإنجيلي.

أولاً
– اسمه: وهو فى العبرية " يشوع ياهو " فاسمه يدل على رسالته إذ معناه
" يهوه يخلص " أو " ياه (الرب) خلاصي " أو " خلاصي ياه
".

ثانياً
– تاريخه الشخصي : هو إشعياء بن آموص (وليس عاموس)، ويبدو أنه كان ينتسب إلى أسرة
عريقة كما يتضح من سهولة اتصاله بالملك (إش 7 : 3) وكذلك من علاقته الوثيقة
بالكاهن (8 : 2). ويقول التقليد إنه كان ابن عم الملك عزيا، عاش فى أورشليم وصار
واعظا للقصر. كان متزوجا وله ابنان : " شآريشوب " ومعناه " بقية
ستؤوب أو ستعود " (7 : 3)، " ومهير شلال حاش بز " ومعناه "
سريع إلى النهب والسلب متعجل إلى الغنيمة " رمزا لشهوة أشور المجنونة للغزو
(8 : 3). ويقول تقليد يهودى استنادا إلى تفسير خاطئ لما جاء فى (7 : 14)، أنه تزوج
مرتين.

ثالثاً
– دعوته : فى سنة وفاة الملك عزيا، تلقى إشعياء – بينما كان يتعبد فى الهيكل –
الدعوة ليكون نبيا (ص6) ولبي الدعوة بنشاط ملحوظ، وقبل القيام بالرسالة مع أنه علم
من البداية أنه مهمته ستكون الانذار والتحريض، ولكن بلا جدوى (6 : 9 – 13). وحيث
كان يقيم فى أورشليم، أصبح أهلا لأن يكون المستشار السياسي والدينى للأمة، ولكن
الاختبار الأسمى الذى أعده – أكثر من أى شئ آخر – لعمله الهام، كان الرؤيا العظيمة
للإله المثلث القداسة التى رآها فى الهيكل فى سنة وفاة عزيا الملك. وليس ثمة سبب
وجيه يدعونا إلى الشك فى أن هذه كانت رؤياه الأولى، رغم أن البعض يعتبرونها حدثت
له بعد عدة سنوات من الخبرة فى الوعظ والتبشير، وكان القصد منها تعميق حالته
الروحيه.

 

 ومع
أن هذه الرؤيا كانت الرؤيا الواضحة الوحيدة التى رآها إشعياء إلا أن السفر كله من
أوله إلى آخره، هو " رؤيا " – كما يذكر فى فاتحته (1 : 1). لقد كان أفقه
السياسى والروحى واسعا بلا حدود، وكما يقول " ديلتز " : كان إشعياء
" نبي إسرائيل العالمى " بمعنى الكلمة.

 

رابعاً
– عبقريته الأدبية وأسلوبه : ليس هناك من يفوق إشعياء فى براعة التعبير وتألق
الخيال فأسلوبه قمة فى فن الأدب العبرى، فجمله وتعبيراته الوصفية دقيقة رفيعة
المستوى. وهو فنان بارع فى اختيار الكلمات، ويتميز السفر كله بالجمال والقوة،
فعباراته البارعة واستعاراته الجميلة وبخاصة عن الفيضانات والعواصف والأصوات (1 :
13، 5 : 18 و22، 8 : 8، 10 : 22، 28 : 17 و20، 30 : 28 و30) وكذلك أسلوب الاستفهام
والحوار (6 : 8، 10 : 8 و9)، والطباق والجناس (1 : 18، 3 : 24،17 : 10 و12)، كذلك
الأطناب والأمثال (2 : 7، 5 : 1 – 7، 28 : 23 – 29)، وأساليب التورية والتلاعب
الألفاظ، كل هذه تميز سفر إشعياء وتضعه فى قمة أداب اللغة العبرية. كما أنه يشتهر
بثرائه فى الكلمات والمترادفات، فمثلا يستخدم حزقيال 1535 كلمة، وإرميا 1653 كلمة،
وسفر المزامير 2170 كلمة بينما يستخدم إشعياء 2186 كلمة، كما كان إشعياء يجيد
الخطابة، ويشبه جيروم بديموستنيس خطيب اليونان، كما كان شاعرا مطبوعا، وكثيرا ما
كان يصوغ رسائله فى عبارات منظومة أو أسلوب شعرى (12 : 1 – 6، 25 : 1 – 5، 26 : 1
– 12، 38 : 10 – 20، 42 : 1 – 4، 49 : 1 – 9، 50 : 4 – 9، 52 : 13 – 53 : 12، 60 –
62، 66 : 5 – 24). وفى كثير من الأوقات كان يستخدم الأوزان الشعرية الحزينة كما فى
(37 : 22 – 29) حيث نجد قصيدة ساخرة عن سنحاريب، وفى (14 : 4 – 23) قصيدة أخرى عن
ملك بابل، كما يقول " درايفر " : " كان لإشعياء ملكة شعرية رائعة
".

 

خامساً
– التقيلد الخاص باستشهاده : لا نعرف على وجه التحديد، شيئا عن نهاية النبي، ولكن
ظهر قرب نهاية القرن الثانى الميلادى، تقليد مؤداه أنه استشهد فى وقت الردة
الوثنية التى حدثت فى عهد الملك منسي، بسبب أقوال معينة عن الله والمدينة المقدسة،
زعم معاصروه أنها مخالفة للناموس، وتذكر " المشنا " اليهودية بوضوح أن
منسي قتله، كما أن الشهيد يوستينوس (150م) فى حواره مع ترايفو اليهودى، يعير
اليهود بهذا الاتهام : " الذى نشرتموه بمنشار خشبى ". ويؤيد هذا
التقليد، أحد أسفار الأبوكريفا اليهودية من القرن الثانى الميلادى هو كتاب "
صعود إشعياء " وما ذكره أبيفانيوس فى كتابه " سير الأنبياء ".
ويحتمل جدا أن يكون هناك تلميح إلى استشهاده فى الرسالة إلى العبرانيين (11 : 37)
حيث نقرأ : " رجموا، نشروا "، ولكن لايمكن تأكيد ذلك. على أى حال، لقد
عاش بعد كارثة حصار سنحاريب لأورشليم (فى سنة 701 ق. م) وبعد موت الملك حزقيا (سنة
699 ق. م) لأننا نقرأ فى سفر أخبار الأيام الثانى (32 : 32) أن إشعياء كتب تاريخ
حياة الملك حزقيا. وعلى هذا تكون خدمته النبوية قد امتدت إلى ما يربو على الأربعين
عاما، بل يرى البعض (دكتور ج. أ. سميث) أنها امتدت لأكثر من خمسين سنة).

 

سادساً
– زمانه : نعرف من مقدمة السفر (1 : 1) أن إشعياء تنبأ فى أثناء حكم ملوك يهوذا
عزيا ويوثام وآحاز وحزقيا. ويقول إن رؤياه الأولى فى سنة وفاة عزيا الملك (6 : 1)
وكان ذلك فى 740 ق. م تقريبا، كما نعلم أنه كان مازال يواصل خدمته عندما حاصر
سنحاريب أورشليم فى 701 ق. م، ولذلك فإن فترة خدمته كنبي شملت المدة من 740-701 ق.
م فشهد إشعياء وهو بعد شاب، التقدم السريع لمملكة يهوذا اقتصاديا وعسكريا، لأنه فى
أيام عزيا، بلغت يهوذا درجة من الازدهار والقوة، لم تتمتع بها منذ أيام سليمان.
ففى أثناء حكم عزيا الطويل المزدهر – الذى دام 52 سنة – تحقق ليهوذا بناء الأسوار
والأبراج والقلاع، وإنشاء جيش عامل كبير، وإقامة ميناء تجارى على البحر الأحمر،
كما ازدهرت التجارة الداخلية، ودفع العمونيون الجزية، وانتصرت يهوذا فى حربها ضد
الفلسطينيين العرب ولكن إلى جانب القوة والثراء، ساد الجشع والظلم والفساد وتحولت
العبادة إلى عباده شكلية. لاشك فى أن دخل الهيكل ازداد جدا، لكن لم تكن هناك رابطة
بين الدين والحياة العامة. كان نجاح الأمة نجاحا ماديا، وفى أثناء حكم يوثام (740
– 736ق.م) – الذى حكم عدة سنوات كنائب ملك فى أثناء حكم أبيه – بدأت تظهر فى أفق
المشرق قوة جديدة، فقد بدأ الأشوريين – الذين احتك بهم أخآب فى معركة كركر فى 854
ق. م، والذين دفع لهم ياهو الجزية فى 842 ق. م – بدأوا فى الظهور من جديد، تدفعهم
شهوة عارمة للغزوات، فقد وجه تغلث فلاسر الثالث – الذى يسمى " فول " فى
الملوك الثانى (15 : 19)، والذى حكم أشور من 745 – 727 ق. م – وجه اهتمامه إلى
الغرب. وفى 738 ق. م أخضع أرفاد وكلنو وكركميش وحماة ودمشق وأجبرها فى دفع الجزية.
وبسبب تواجده فى الغرب، تحالف " فقح " ملك إسرائيل مع " رصين
" ملك دمشق لمقاومة أى عدوان من جانب ملك أشور. وعندما رفض آحاز أن ينضم إلى
هذا التحالف، حاولا خلعه عن عرشه وإحلال " ابن طبئيل " مكانه على عرش
داود (2مل 16 : 5، إش 7 : 6) وقد عرف هذا الصراع " بالحرب الأفرايمية الأرامية
" (734 ق. م) وتعتبر من أهم الأحداث فى عصر إشعياء. وفى فزع بالغ استنجد آحاز
بتغلث فلاسر (2مل 16 : 7) الذى أسرع بالاستجابة وكانت النتيجة أن المحارب الأشورى
القوى، نهب غزة وأسر كل سكان الجليل وجلعاد (734 ق. م)، وأخيرا احتل دمشق (732 ق.
م)، واضطر آحاز إلى دفع ثمن غال لحمايته، وعندئذ ذلت يهوذا جدا (2مل 15 : 29، 16 :
7 – 9، 2أخ 28 : 19، أش 7 : 1). لقد أدت سياسة آحاز الدينية والسياسية إلى الدمار،
فلكي يرضى آحاز تغلث فلاسر، ذهب إلى دمشق للاشتراك فى أعياد انتصاراته، وفى أثناء
تواجده هناك، رأى مذبحا أراميا، فأرسل رسمه إلى أورشليم، وعمل نظيره فى الهيكل فى
أورشليم بدلا من مذبح النحاس الذى عمله سليمان. وهكذا أدخل آحاز – بكل نفوذه كملك
– عبادة الأصنام إلى أورشليم، بل عبر بنيه فى النار (2مل 16 : 10 – 16، 2أخ 28 :
3).

 

 وخلف
حزقيا أباه آحاز، وهو فى الخامسة والعشرين من عمره، وملك 29 سنة (727 – 699 ق. م)،
وكان إشعياء يكبره بنحو 15 سنة على الأقل وورث الملك الشاب عن أبيه تركة ثقيله، إذ
بدأت عظمة عصر عزيا ويوثام، فى الذبول بسرعة أمام تهديدات الأشوريين المستمرة
وجشعهم. لقد بدأ حزقيا حكمه بالاصلاح " فأزال المرتفعات وكسر التماثيل وقطع
السوارى وسحق حية النحاس التى عملها موسي (2مل 18 : 4 و22)، كما دعا البقية
الباقية فى المملكة الشمالية (إسرائيل) ليشتركوا فى عيد الفصح (2أخ 30 : 1). ولكن
نهاية دولة إسرائيل كانت تقترب لأن هوشع ملك إسرئيل المتذبذب (730 – 722 ق. م). –
بتشجيع من مصر – رفض أن يدفع الجزية السنوية لأشور (2مل 17 : 14) ومن ثم ظهر فى
الحال شلمناصر الرابع – الذى جاء بعد تغلث فلاسر – أمام أبواب السامرة فى 724 ق. م
وحاصر المدينة حصارا رهيبا لمدة ثلاث سنوات (2مل 17 : 5). وأخيرا احتل سرجون
الثانى – الذى جاء بعد شلمناصر الرابع – فى سنة 722 ق. م. المدينة سبي نحو 27.292
من أفضل شعب إسرائيل (طبقا لوصف سرجون نفسه فيما خالفه من نقوش) إلى أشور، وجاء
بمستوطنين من بابل وأماكن متفرقة أخرى وأسكنهم مدن السامرة (2مل 17 : 6 و24) وهكذا
اختفت مملكة إسرائيل فى طى النسيان، وأصبحت يهوذا بعد ذلك وحيدة معرضة للنهب
والتخريب سياسيا ودينيا من جيرانها البابليين والأشوريين، ولم تسلم يهوذا فى
الواقع من التخريب إلا بدفع جزية باهظة، وكانت هذه هى الأزمة السياسية العظيمة
الثانية فى أثناء خدمة إشعياء. ثم توالت الأزمات تباعا، كانت إحداها مرض حزقيا
الخطير الذى واجه معه الموت المحقق فى سنة 714 ق. م. ولأنه لم يكن له ولد كان قلقا
جدا على مستقبل بيت داود، ولذلك رفع قلبه فى صلاة حارة إلى الله فاستجاب له ومد له
فى عمره خمس عشرة سنة (2مل 20، إش 38). وحدث مرضه هذا فى فترة استقلال بابل بقيادة
مرودخ بلادان عدو أشور الطموح العنيد، الذى حقق لبابل استقلالها واسترد لها
سيادتها على مدى اثنتى عشرة سنة (721 – 709 ق. م). وقد انتهز مرودخ مناسبة شفاء
حزقيا – هذا الشفاء العجيب – فأرسل سفارة إلى أورشليم لتهنئته على شفائه (712 ق.
م) ويحتمل أنه بحث معه – فى نفس الوقت – موضوع تكوين حلف بينه وبين يهوذا لمقاومة
الاشوريين (2مل 20 : 12 – 15، إش 39). وعلى أى حال لم يحدث شئ نتيجة لهذا التحالف،
لأن جيش سرجيون ظهر فى فلسطين فى العام الثانى لتأديب أشدود على تآمرها مع ملك مصر

 

(711
ق. م)، وهنا بدأت أعظم الأزمات، فلقد عانت يهوذا وجيرانها كثيرا جدا من الابتزاز
الأشورى الثقيل، وحدث بعد اغتيال سرجون وتولى سنحاريب العرش فى سنة 705 ق. م. أن
انفجر التمرد على كل الجبهات ولكن مرودخ بلادان الذى كان قد طرده سرجون فى سنة
709ق. م استعاد بابل واحتفظ بها ستة شهور على الأقل فى سنة 703ق.م، فكان أن حزقيا
– بتشجيع مصر وكل الفلسطينيين باستثناء بادى فى عقرون، الذى كان ألعوبة فى يد
سرجون – رفض دفع الجزية لأشور (2مل 18 : 7)، فقد ظهر فى تلك الأثناء حزب قوى متشيع
لمصر، فى أورشليم. وفى ضوء كل هذه الأحداث والظروف زحف سنحاريب فى سنة 701 ق. م
بجيش عظيم نحو الغرب مكتسحا كل ما صادفه، وحاصر صور ولكنه لم يفتحها، ولكن يافا
والتقية وعقرون وأشقلون وعمون وموآب وأدوم، كلها خضعت فورا لمطالبه، أما حزقيا –
وقد أصيب بهلع شديد – فأسرع بتقديم جزية سخية مجردا الهيكل والقصر من كل كنوزهما
لكى يجمع تلك الجزية الباهظة (2مل 18 : 13 –16). ولكن سنحاريب لم يقنع بهذه، بل
اجتاح يهوذا. وكما يقول سنحاريب فى نقوشه أنه فتح 46 مدينة ذات أسوار، وقري بلا
عدد، وحمل معه 200.150 من شعب يهوذا إلى السبي فى أشور، كما فرض 800 وزنة من الفضة
وثلاثين وزنة من الذهب، جزية على يهوذا، أى ما يساوى نحو 1.500.000 دولار. كما أخذ
معه – كما يذكر هو – بنات حزقيا ونساء القصر والمغنيين والمغنيات، مع غنيمة ضخمة.
ولم يذكر هذا هو كل شيء، فقد عرج سنحاريب نفسه – على رأس جيشه الضخم – على لخيش،
وفى نفس الوقت أرسل فرقة قوية بقيادة " ربشاقي " رئيس جيشه لمحاصرة
أورشليم (2مل 18 : 17 – 19 : 8، إش 36 : 2 – 37 : 8). ويصف سنحاريب – فى نقوشه –
هذا الحصار بالقول : " لقد حبست حزقيا فى أورشليم كطائر فى قفص ".

 

 ولكن
ربشاقي فشل فى احتلال المدينة، وعاد إلى سنحاريب الذى كان فى ذلك الوقت قد فتح
لخيش وتوجه لمحاربة لبنة. وبينما هو يدبر حملة أخرى ضد أورشليم سمع أن ترهاقة
(القائد العام للجيش المصرى، والذى أصبح فيما بعد ملكا على كوش قد خرج ليحاربه،
فاضطر إلى الاكتفاء بإرسال سفارة له برسالة إلى حزقيا يطالبه فيها بتسليم المدينة
فورا (2مل 19 : 9 – 19، إش 37 : 9 – 13)، ولكن حزقيا رفض ذلك، بناء على أقوال
إشعياء النبي، مع أن سنحاريب تخلص من جيش ترهاقة بدون مشقة كبيرة، إلا أن جيشه
الضخم، أصيب بضربة مفاجئة بطريقة خفية – سواء بطاعون أو بغيره – فاضطر الفاتح
الأشورى العظيم أن يعود إلى نينوى، ولعله أيضا بسبب عودة مرودخ بلادان إلى الظهور
فى بابل. ولم يعد سنحاريب – على قدر علمنا – مرة أخرى إلى فلسطين خلال العشرين سنة
التالية، مع أنه قام بحملة مستقلة على شمالى العربية (691 – 689 ق. م). أما غزوة
سنحاريب ليهوذا فى سنة 701 ق. م، فتعتبر أهم حدث سياسي فى أثناء خدمة إشعياء ولولا
مركز إشعياء كرجل دولة، لاستسلمت أورشليم، ولما نجت إلا بقية قليلة جدا من شعب
يهوذا، وكان قد مضى على إشعياء فى خدمته النبوية نحو أربعين سنة، أما كم من الوقت
استمر فى خدمته بعد ذلك، فأمر غير معروف لنا.

 

محور السفر:

 +
القداسة، العقاب، الخلاص، المسيح، الرجاء

 +
القدوس المخلص

 +
ترقب مجئ المسيح

 +
الخلاص هو من الله، ونبوات عن الرب

 +
القدوس المخلص

 

أهم الشخصيات:

أشعياء
– حزقيا الملك

 

أهم الأماكن:

أورشليم

 

غاية السفر:

الخلاص

 

مفتاح السفر:

مجروح
لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا

 

سمات السفر:

+
من أروع الكتابات النبوية، فالسفر كله شعري  باستثناء الإصحاحات الأربعة (36 – 39)
مملوء بالاستعارات والتشبيهات.

 

+
ُدعي بالإنجيل الخامس أو إنجيل أشعياء لأنه زاد عن جميع الأنبياء بكثرة نبواته عن
المسيح كما دعي أشعياء بنبي الخلاص، فقد تحدث عن السيد المسيح من جهة ميلاده من
العذراء (7 : 14) مؤكدا لاهوته (9 : 6)، وأنه من نسل داود (11 : 1)، ممسوح لأجلنا
(11 : 2)، معلن الحق للأمم (42 : 1)، يسلك بالوداعة (42 : 2)، يهب رجاء للكل (42 :
3).

 

+
كما صور أحداث الصليب (ص53)، فاتحا بقيامته طريق الفرح للمفديين (35 : 8 – 10)،
معطيا لنا ملكوتا جديدا فيه يسكن الذئب مع الخروف.. أي يجمع مؤمنين من كل أمه
ولسان (11 : 6 -10)، كما تحدث عن الروح القدس (11 : 2، 32 : 15، 40 : 13، 42 :3،
44 : 3، 61 : 1، 63 : 10).

 

+
الاسم الإلهي المحبوب لديه هو " القدوس" متأثرا برؤياه مقتديا
بالسمائيين المسبحين الله : قدوس، قدوس، قدوس.

 

الترتيب الزمني لنبوات إشعياء:

إن
ترتيب أزمنة كتابة نبوات إشعياء موضوع بالغ الأهمية، وترد هذه النبوات -أساساً -في
ترتيبها الزمني،فيمكن أن يقال أن كل التواريخ المذكورة تأتي في تتابع تاريخي دقيق
مثلاً : "في سنة وفاة عزيا الملك … "(6: 1 في 740 ق.م)، "وحدث في
أيام آحاز" (7: 1-في 727 ق.م)، "وفي سنة مجيء ترتان إلي أشدود حين أرسله
سرجون ملك أشور " (20: 1-في 711 ق.م)، "وكان في السنة الرابعة عشرة
للملك حزقيا … " (34: 1-في 701 ق.م) كل هذه الأحداث جاءت بترتيب زمني دقيق.
وإذا أخذنا هذه الأحداث في مجموعات،فإننا نري أن رسائل إشعياء العظيمة قد رتبت
بالمثل في تتابع تاريخي صحيح،فالإصحاحات 1-6 يرجع معظمها إلي السنوات الأخيرة من
حكم يوثام (740- 736 ق.م)، والأصحاحات 7-12 ترجع إلي الفترة التي قامت فيها الحرب
الأرامية الأفرايمية (734 ق.م) والإصحاح العشرون يرجع إلي سنة حصار سرجون لأشدود
(711 ق.م)،والأصحاحات 28-32 يرجع إلي وقت غزو سنحاريب ليهوذا (701ق.م)، بينما نجد
الأجزاء المختصة بالمواعيد (الأصحاحات 40-66) تختم هذه المجموعات ختاماً طبيعياً.
ولكن في حالات ثانوية عديدة نجد خروجاً ملحوظاً عن التعاقب الزمني الدقيق، فمثلاً
الأصحاح السادس الذي يصف دعوة النبي الأولى للخدمة يأتي بعد التوبيخات والتحذيرات
المذكورة في الأصحاحات الخمسة الأولي ولكن يحتمل أن ذلك لأن النبي استخدمها توطئة
لدعوته.كما أن النبوات ضد الأمم الغريبة في الأصحاحات 13-23، تنتمي إلي تواريخ
متنوعة جمعت معا لاتفاقها علي الأقل في الموضوع،وشبيه بذلك الأصحاحان 38 و39 عن
قصة مرض حزقيا الملك وبعثة مردوخ بلادان إليه بعد شفائه (714- 712 ق.م)،فهي تسبق
زمنياً الإصحاحين 36 و37 اللذين يصفان حصار سنحاريب لأورشليم (701 ق.م).علي أي حال
فإن التقاطع في الترتيب، قد يعود إلي الرغبة في جعل الإصحاحين 36,37 (عن سنحاريب ملك
أشور) ختاما مناسبا للأصحاحات 1-35 (التي تذكر الكثير عن أشور)، ومن الناحية
الأخرى لجعل الإصحاحين 38 و39(عن مردوخ بلادان البابلي) مقدمة مناسبة للأصحاحات
40-66(والتي تتحدث كثيراً عن بابل).

 

 إن
محاولة تأريخ رسائل إشعياء علي أساس المعايير الداخلية فحسب، تكاد تكون ضرباً من
المستحيل، ومع ذلك فليس ثمة آخر،فغالباً ما نجد أجزاء متجاورة رغم أنها تشير إلي
اتجاهات مختلفة.وفي الواقع هناك فقرات معينة تبدو وكأنها تتكون من مقتطفات متنوعة
ترجع في تاريخها إلي فترات مختلفة،كما لو كانت هناك نبوات -يفصل بين بعضها بعض
فترات طويلة -قد صهرت معاً. وفي مثل هذه الحالات يجب أن نعطي وزناً كبيراً للظواهر
التي تشير إلي أصل مبكر بسبب الطبيعة النبوية السائدة في كتابات إشعياء.

 

 لقد
كان إشعياء يتطلع دائماً إلي المستقبل، إن نبواته التي لها علاقات تاريخية بحياة
أشخاص معينين، يمكن -تأريخها بسهولة،ولكن أحاديثة المستقبلية عن المسيا،ترجع إلي
حد كبير -إلي مزاجة النفسي أكثر مما للظروف التاريخية لذلك العصر. وفيما يلي بيان
بنبوات إشعياء مرتبة ترتيباً زمنياً :

الأصحاحات                  لتاريخ
المحتمل لكتابتها

1-6                         حوالي
740- 736 ق.م

7-12                       حوالي
734- 732 ق.م

15:
1-16: 12و17       حوالي 734- 732 ق.م

13:
1-14: 23            بين 732- 722 ق.م

14:
24- 27               بين 732- 722 ق.م

14:
28-32                حوالي 727 ق.م

23                           قبيل
722 ق.م

24-27                      قبيل
722 ق.م

28:
1-6                    قبيل 722 ق.م

19                           حوالي
720 ق.م

38                           حوالي
714ق.م

39                           حوالي
712 ق.م

21:
11و12و13-17      حوالي 711ق.م

22:
15-                    5 حوالي 711 ق.م

21:
1-10                  حوالي 709 ق.م

22:
1-10                  حوالي 709 ق.م

28:
7-33: 24            قبيل 701 ق.م

8                             حوالي
701 ق.م

34:
35                     حوالي 701 ق.م

36:
37                     مباشرة بعد 701 ق.م

40-66                      مباشرة
بعد 701 ق.م

 

أقسام السفر:

يمكن
تقسم السفر الى عدة اقسام:

اولا:

الأصحاحات
1-7 تغطي النبوة الأولى لإشعياء وهي تركز على اليهودية وأورشليم. وقد وبخهم قائلا:
ويل للأمة الخاطئة… اسمعوا كلام الرب… كفوا عن فعل الشر. ثم حرضهم على التوبة،
وأخيرا حذرهم قائلا: إن أبيتم وتمردتم تؤكلون بالسيف (إشعياء 4:1،10،16،18-20).
والأصحاحات 2-4 تخبر عن المجد المستقبلي لبيت الرب. والأصحاحات 5-7 تتحدث عن
العذراء وابنها عمانوئيل (10:7-16).

الأصحاحات
8-12 تنبئ عن سقوط المملكة الشمالية التي كانت قد اتحدت مع سوريا في دولة متحدة من
أجل صد غزو الآشوريين الذين كانوا أقوى إمبراطورية في العالم في ذلك الوقت. وعندما
رفض آحاز أن ينضم للتحالف، قامت إسرائيل وسوريا بغزو اليهودية. وقد أصروا على
استبدال آحاز بطبيئيل (وهو سوري على الأرجح) وبالتالي يلزمون اليهودية بالانضمام
إليهم. وتوجد نبوة عن الهزيمة في أصحاح 9 مع رؤية مستقبلية عن فادي البشرية، يليها
رؤية عن الملكوت الآتي للملك البار.

بعد
ذلك وجه رسالته إلى الأمم الوثنية التي كانت تحيط باليهودية وإسرائيل (إشعياء
أصحاح 13-23): بابل، وأشور، وفلسطين، وموآب، ودمشق، وإثيوبيا، ومصر، ودومة [أدوم]،
والعربية، وأورشليم، وصور.

ثم
اتجهت رسالته بعد ذلك إلى العالم كله – معلنا عن الدينونة التي ستحدث في يوم الرب
(إشعياء 1:24،4-5،17-22؛ 6:25-12؛ 21:26؛ 1:27).

وقد
نطق إشعياء بست لعنات في الأصحاحات الست التالية (أصحاح 28-33) – أولا بخصوص
السكيرين في السامرة، ثم بخصوص المرائين، والمخططين للشر في أورشليم، وجميع
المتمردين على الرب، وصانعي التحالف غير المقدس، والآشوريين المخربين.

وقد
أنبأ إشعياء أيضا عن ملكوت المسيا (أصحاح 32) والضيقة العظيمة التي ستحدث (أصحاح
34) والتي سيليها الملك الألفي للمسيح (أصحاح 35).

ويتكلم
الأصحاحان 36-37 عن القوة العليا، ثم عن دمار أشور.

ويتكلم
الأصحاحان التاليان (38-39) عن حزقيا الذي أوشك على الموت، ولكنه نال شفاء معجزيا
بسبب صلاته. ونظرا لغرابة الأمر، فلقد جاء مندوبون من بابل لزيارته.

والأصحاحات
40-50 مخصصة لسلطان الله على مصير دولتي أشور وبابل وكورش عبد الرب.

يلي
ذلك نبوات عجيبة عن المسيح، يهوه الحقيقي (أصحاح 49-50)؛ وردّ إسرائيل وفداء
العالم (أصحاح 51-55). ثم نجد عرضا للخطايا السائدة في ذلك الوقت (أصحاح 56-59).
ويظهر المسيا بوضوح في الأصحاحات 60-62. في الناصرة قرأ يسوع من أصحاح 61 وطبق
كلماته النبوية على نفسه. والأصحاحان 63-64 فيهما تأملات مؤسفة عن الخطية والألم،
ثم صلوات من أجل النجاة. والأصحاحات الختامية هي استعراض للسماء الجديدة والأرض
الجديدة (أصحاح 65-66).

 

ثانيا:

1-
القسم الأول ويشمل الأصحاحات 1 – 12، وهى نبوات عن يهوذا وأورشليم، تختم بمواعيد
الرجوع، ثم مزمور شكر.

2-
القسم الثانى ويشمل الأصحاحات 13 – 23، وحى عن الدينونة والخلاص، ويختص – فى معظمه
– بالأمم الأجنبية التى ارتبط مصيرها بمصير يهوذا وأورشليم.

3-
القسم الثالث ويشمل الأصحاحات 24 – 27 عن دينونة الله للعالم، وفداء إسرائيل.

4-
القسم الرابع ويشمل الأصحاحات 28 – 35، وهى سلسلة من التحذيرات النبوية من التحالف
مع مصر، تختم بنبوة عن أدوم ووعد بفداء إسرائيل.

5-
القسم الخامس ويشمل الأصحاحات 36 – 39 وهى نبذة تاريخية ونبوة، تتخللها ترنيمة،
ويمكن أن يعتبر هذا القسم تذييلا للأصحاحات 1 – 35 ومقدمة للأصحاحات 40 – 66.

6-
القسم السادس ويشمل الأصحاحات 40 – 66، وهى نبوات للتعزية والخلاص والمستقبل
المجيد الذى ينتظر إسرئيل.

 

مضمون السفر:

يقسم
إشعيا قسمين : 1-35 ثمّ 40-66. ويفصل القسمين أخبار عن حزقيا (ف 36-39). (أ)
يتألّف القسم الأوّل من عدد من النبوءات تشكّل مجموعات مختلفة. ف 1 هو مقدّمة. ف
2-5 تقدّم نبوءة مملوءة بالتهديد لصهيون يقطعها نشيد عن مجد المدينة العتيد (2
:2-5) ونشيد الكرمة (5 :1-7). ويبدأ قسم السيرة برؤية الدعوة (6 :1-9 :7). هناك
مقاطع دوّنت في صيغة المتكلّم (6 :1-13؛ 8 :1-4)، وأخرى في صيغة الغائب (7 :1-16؛
رج 20 :1-6). أمّا نواة هذا القسم فهي نبوءة عمانوئيل. إنّ الشكوى ضدّ مملكة
الشمال وأشورية (9 :7-10 :34) ترتبط بهذه النبوءة، بزمنها ومضمونها. أمّا وعدُ
المسيح الداودي الذي يعلن رجوع الشعب (ف 11-12) فيشكّل الخاتمة. بعد هذا تأتي
مجموعة أقوال تسمّى في العبريّة "مسّا" : تهديدات ضدّ بابل (13 :1-14
:23)، ضدّ الأمم القريبة والبعيدة (14 :28-17 :14)، ضدّ أورشليم وصور وصيدا (ف
23). وتشكّل الفصول الأربعة الآتية رؤيا إشعيا (ف 24-27). وينتهي هذا القسم
بمجموعة نبوءات (ويل) ضدّ يهوذا وأورشليم (ف 28-31) وتصوير للخلاص الأخير (ف
32-35). (ب) بعد مقدّمة قصيرة (40 :1-8) تأتي سلسلة أناشيد عن خلاص إسرائيل من
بابل (40 :9-48 :22). والظهور (تيوفانيا) (40 :9-13) يجعل الله في المقدّمة : هو
يشفق على إسرائيل ويعطيه مخلّصًا في شخص كورش (ف 41-45). لهذا حكم على آلهة بابل
بالموت (ف 47-48). وتُنشَد العودةُ في أناشيد خلاص أورشليم (ف 49-55) تقطعها
أناشيد عبد الربّ (عبد يهوه). إنّ ف 55-66 لا تتكلّم عن بابل. ترتبط التعزية
بالأمانة للممارسات (السبت، الذبائح، الصوم)، فإذا تأخّر الخلاص فلأن إسرائيل أخطأ
(ف 56-59). ثمّ يصوّر الكاتب أورشليم الجديدة (ف 60-62). ويلي عقاب أدوم (63 :1-6)
صلاة حارّة (63 :7-64 :12)، وبعد قول إلهيّ تأتي خاتمة جليانيّة فتصوّر عقاب
الأعداء وخلاص الأبرار (ف 65-66).

 

ثانيًا
: التأليف (أ) لا يبدو القسم الأوّل (ف 1-39) من إشعيا واحدًا بل مجموعة من أقوال
نبويّة وأخبار. بعض الشرّاح يحاولون أن يجدوا فيه رسمة حزقيال وإرميا (حسب السبعينيّة)
: ف 1-12 : إعلان عقاب إسرائيل. ف 13-23 : عقاب الشعوب الغريبة. ف 24-25 : إعلان
الخلاص. ويرى آخرون مجموعات ضُمَّت بعضها إلى بعضها وزيدت عليها مواد عديدة. وفئة
ثالثة تقول بوحدة الكتاب، ولكن بدّلت بعض المقاطع. ومع كلّ هذا يبدو القسم الأوّل
من إش واحدًا بسبب المناخ الشعريّ الذي يسود كلّ المقاطع مهما تفرّقت. (ب)
وللأسباب الشعريّة نفسها تحدّث الشرّاح عن وحدة القسم الثاني (ف 40-66). بعضهم
يفصل 40-55 عن 56-66 وبعضهم الآخر يرفض هذا الفصل بسبب وحدة الأسلوب والأفكار.
وقال شرّاح : يتألّف 40-55 من مجموعة أقوال وأناشيد (50 تقريبًا) نظّمها النبيّ أو
تلاميذه حسب الزمن والمضمون أو حسب بعض الكلمات الهامّة. وتساءل الشرّاح عن أناشيد
عبد الربّ : هل أقحمت في الكتاب أم هي من تأليف الكاتب عينه؟ كل هذه أسئلة ما زال
الشرّاح يطرحونها ويجادلون فيها ولا يجدون لها جوابًا يقنع الجميع. أما نحن فنقول
إننا أمام كلمة الله سواء كتبها إشعيا أو تلاميذه، سواء أكانت الأقوال متفرّقة ثمّ
جمعت أو انطلقت من وحدة زيدت عليها أمور عديدة.

 

ثالثًا
: الأهميّة اللاهوتيّة (أ) إن رؤية الهيكل ملأت إشعيا من عظمة الله وقداسته. لهذا
فضّل أن يستعمل لله اسم "قدوس اسرائيل". فقدرة الله تمتدّ إلىالكون
كلّه، وتصل حتى إلى أعدائه. إنّه يحكم كلّ شيء حسب مخطّط موضوع مركزه اسرائيل
وأدواته الأعداء. إن يهوه يحمل لقب الملك (6 :5)، وفي يوم من الأيام (يوم الرب)
سيعترف الجميع بسلطانه. فعلى الإنسان أن يستسلم إلى الله بإيمان واثق. ومستقبل
إسرائيل يتعلّق بهذا الإيمان (7 :9؛ 18 :16؛ 30 :15). فالثقة بقوى الأرض لا تحمل
الخلاص. ويتحدّث أشعيا مرارًا عن مجموعة أناس يتجاوبون وانتظار الرب. إنّهم
يشكّلون البقيّة التي هي محفوظة والتي تحمل مواعيد المستقبل. فالمواعيد تتركّز حول
مسيح داود الذي سيحكم كالملك المثالي. وإن خلاص إسرائيل يرتبط بالضرورة بإفناء
الأعداء. ففي الرؤيا (إش 24-27) يتطابق إفناء الأعداء وخلاص يهوذا والأمم، مع
الدينونة العامّة والنهائيّة. ونحن نندهش عندما نجد عبارة واضحة عن الإيمان بقيامة
الموتى. (ب) ويُظهر القسم الثاني تطوّرًا بالنسبة إلى القسم الأوّل فيما يتعلّق
ببعض نقاط التعليم. فالله يسمّى دومًا الخالق. إنّه البداية والنهاية، والطبيعة
كلّها تخضع له. وهكذا ينظّم التعليم بالإله الواحد. وأعظم برهان على قدرة الله هو
تتميم النبوءات السابقة. وإسرائيل يشكّل قلب حكم الله للعالم. جاء كورش، فدمّر
بابل بسبب الشعب المختار المتّحد بيهوه اتحادًا حميمًا. والربّ هو أيضاً ملك،
وإسرائيل يُسمَّى عبده وعابده، وهذا لقب شرف يدلّ على نشاط معيّن. ولكن المهمّة
الناشطة لخدمة الله هي مهمّة خادم خاصّ يميّز (في بعض النقاط) عن الشعب. إنّه عبد
الربّ. وفي تصوير هذا الخادم يصل الفكر اللاهوتيّ إلى قمّته : شموليّة الخلاص،
قيمة تكفيريّة للألم يتحمّله عبد الربّ عن إخوته. إذا فهمنا هذه النبوءات في معنى
مسيحاني ابتعدنا عن أفكار القسم الأوّل، ولكننا بهذه الطريقة نفهم توافقها مع
الإنجيل. والرجوع من السبي الذي يبدو بشكل خروج جديد (في بعض الآيات يكون عبد
الربّ قائد المسيرة)، هو تحقيق الخلاص المعدّ للبقيّة الباقية. وهذا الخلاص يرتبط
بأورشليم السماوية. وإنّ الفصول الأخيرة تربط تأخير الخلاص بخطايا إسرائيل. ولن
نحصل على مغفرة الخطايا إلاّ بالاحتفال بالليتورجيا وممارسة الشريعة (إش 43 :2).
وسيلعب الهيكل دورًا في هذا المثال الديني. في هذه الفصول يتّخذ الخلاص لونًا
وطنيًّا تارة ولونًا فرديًّا تارة أخرى. رابعًا : بعد اكتشافات خربة قمران سنة
1947 صار بين أيدينا مخطوطان لنصّ أشعيا يعودان إلى ما قبل المسيح وبالأحرى قبل
نشاط الماسوريّين. ولكن يمكننا القول إنّ الفروقات بسيطة بين هذين المخطوطين
والنصّ الرسميّ الذي تستعمله الكنيسة على خطى الماسوريّين. خامسًا : تاريخ دراسة
إشعيا. هناك إشعيا الأول أو القسم الأول من إشعيا (1-39). هنا نجد الخطب التي تعود
إلى كرازة النبيّ الذي عاش في القرن الثامن ق. م. كما نجد تلميحات إلى أحداث
سياسيّة محدّدة طبعت بطابعها السنوات 734-701. ونجد أخيرًا تشابهات مع أقوال
أنبياء آخرين مثل عاموس وميخا. ولكن يُطرح السؤال : هل تعود كلّ هذه الأقوال إلى
نبيّ القرن الثامن؟ هناك مواد دخلت فيما بعد. كما أنّ هناك قراءات جديدة لنصوص
قديمة. في هذا الإطار تدخل الرؤيا الأولى (ف 24-27) التي تتوالى فيها الإنباءات
والمراثي، والصلوات وأناشيد الشكر، في إطار ليتورجيّ. والرؤيا الثانية (المسمّاة
الرؤيا الصغيرة، ف 34-35) التي تصوّر حروب الربّ الأخيرة ضدّ الأمم وانتصاره
الأخير في أورشليم. وهناك أشعيا الثاني أو القسم الثاني من إشعيا. كان الرأي
التقليديّ ينسب إلى إشعيا تدوين السفر كلّه. ولكن منذ نهاية القرن الثامن عشر
(دودارلاين، ايشهورن) نُسبت ف 40-66 أو 40-55، إلى نبيّ نجهل اسمه سُمّي
"إشعيا الثاني". أسلوب فخم واحتفاليّ يفترق عن الأقوال القصيرة والقاصفة
التي قرأناها في القسم الأول. والألفاظ المستعملة هي التي نجدها في أيوب وإرميا
وبعض المزامير. والإطار التاريخيّ هو زمن كورش. يحدّد زمنُ كتابة هذا القسم الثاني
أو بالأحرى كرازة أشعيا الثاني حوالى سنة 540، وقبل أن تسقط بابل بيد كورش. هل كان
هذا النبيّ في بابل ؟ ربّما. ولكن يبدو أنه من الأفضل أن نجعل رسالته في أورشليم.
ففي 40 :1-11 مثلاً لا يتحدّث "النبيّ" عن خروج جديد لاسرائيل، بل عن
عودة الربّ إلى أورشليم. هل هذا القسم واحد موحّد؟ لا شكّ في أنّ هناك نواة تتحدّث
عن شرعيّة كورش الذي اختاره الربّ كما اختار "مسيحه" (41 :1-5، 21-29؛
42 :5-7؛ 43 :14-15؛ 44 :24-28؛ 45 :1-7، 11-13؛ 46 :9-11؛ 48 :12-15). ولكن هذه
المقاطع وغيرها قد أعيدت قراءتها في الزمن الفارسي وبداية الحقبة الهلنستيّة.
وهناك إشعيا الثالث أو القسم الثالث من إشعيا. فبرنار دوهم (1892) كان أول من نسب
ف 56-66 إلى كاتب آخر يتميّز عن "إشعيا الثاني". نحن هنا في إطار إعادة
بناء الهيكل. هي أقوال نبيّ "متفائل" قريب من حجاي وزكريا (57 :14-19؛
60 :1-13؛ 62 :2-3؛ 65 :16-23؛ 66 :7-14 ا). وأقوال تعود إلى زمن إرميا (56 :
9-12؛ 57 :6-13 أ). وأقوال تعود إلى زمن المنفى (63 :7 64 :11). كل هذا جُمع مع ما
سبق من "إشعيا الأول" و"إشعيا الثاني" في كتاب طويل انتهى
"تدوينه" في الحقبة الهلنستيّة، ولكن قبل سنة 180. إذا كان إشعيا الأول
قد شدّد على قداسة الرب وعلى الإيمان الواثق به في الحياة السياسيّة والاجتماعيّة.
وإذا كان إشعيا الثاني قد أبرز فكرة وحدانيّة الله على المستوى العملي (لا يكن لك
إله غيري) وعلى المستوى النظري، "أنا الله وليس إله آخر"، 45 :5؛ 46
:9). فإشعيا الثالث اهتمّ بصمت الله الذي يتخلّى عن أخصّائه. يخفي وجهه ويبقى
بعيدًا لئلاّ يتدخّل. ذاك هو أيضاً سؤال أيوب وسفر الجامعة.

هل تبحث عن  م الإنسان خبرات فى الحياة يبحث عن دور ر

 

بين المسيا في إشعياء ومسيح العهد الجديد:

 
ميلاده من عذراء 7: 14، لو1: 26 – 31

 
خدمته في الجليل 9: 1، 2؛ مت 4 : 13، 16

 
وارث عرش داود 9: 7 ؛ لو1 : 32، 33

 
إعداد الطريق له 40 : 3 – 5 ؛ يو1: 19 – 28

 
ضربه والبصق عليه 50 : 6 ؛ مت 26 : 67

 
يتمجد 52 : 13 ؛ في 2: 9، 10

 
آلامه 52: 14 ؛ 53 : 2 ؛ مر 15 : 15 – 19

 
يغسلنا بالدم 53: 5، 1 بط 1 : 2

 
مرفوض 53 : 1، 3 ؛ يو12 : 37، 38

 
يحمل خطايانا وأحزاننا 53 : 4، 5، رو 4 : 25، 1بط 2 : 24، 25

 
كفارة عنا 53: 6، 8 ؛ رو5: 6، 8 ؛ 2 كو5: 21

 
بإرادته حمل تأديبنا فيه 53 : 7، 8 ؛ مر 15 : 4، 15 يو10 : 11، 19 : 30

 
يدفن في قبر غني 53 : 9 ؛ مت 27 : 57 – 60 ؛ يو19 : 38 – 42

 
يخلص المؤمنين به 53 : 10، 11 ؛ يو3: 16

 
يموت مع العصاة 53 : 12 ؛ مر 15 : 27، 28 ؛ لو22 : 37

 
يشفي منكسري القلوب 61: 1، 2؛ لو4: 18، 19

 

محتويات السفر:

أولاُ
:القدوس المؤدب ص 1 – 35

 –
نبوات خاصة بيهوذا وإسرائيل ص 1 – 12

 –
نبوات خاصة بالأمم المحيطة ص 13 – 23

 –
نبوات خاصة بالعالم (و أدوم) ص 24 – 35

يتحدث
أشعياء النبي عن نبوات عامة ويلاحظ في هذه النبوات

+
امتزاج التأديب بإعلان الخلاص.. حتى لا يسقط السامعون في اليأس.

+
نشيد الكرمة(ص5).. ليعلن أن شعبه هو موضوع لذته ورعايته ويكشف عن علاقة الحب
العميقة التى تربط الله بشعبه

+
رؤيا أشعياء(ص6) حيث ظهر مجد الرب وبهاؤه لكي ينزع من شعبه الاتكال علي ذراع بشر،
ولكي يجتذب الكل إلى الحياة المقدسة.

+
المسيا المخلص (ص11).. بعد أن تحدث عن الويلات(ص10)، فتح باب الرجاء بمجيء المسيا
المخلص كشخص حقيقي من نسل داود.

+
نشيد الخلاص(ص12).. تحول التأديب إلى تسبيح !

+
مبارك شعبي مصر(ص19)، فيما هو يعلن تأديبه للأمم الشامتين إذ به يفتح باب الرجاء
لهم خاصة مصر التي تستقبل العائلة المقدسة ويأتي الرب محمولا علي سحابة خفيفة
سريعة (القديسة مريم) ويقام مذبح للرب في وسط أرض مصر ويتمتع شعبها بالبركة.

+
تسابيح الخلاص والكشف عن مقاصد الله من التأديب ص 25 – 27.

 

ثانياً:
القدوس واهب الغلبة ص36 – 39

يقدم
لنا النبي ختام تاريخي لنبواته عن يهوذا وإسرائيل والأمم لكي يفتح الحديث عن
القدوس المعزى خلال عمله الخلاصى للعالم كله.

 –
هزيمة أشور ص36 – 37

لم
يغلبه حزقيا بالسلاح وبذراع بشرى ولكن بتدخل القدوس رب الجنود.

 –
هزيمة الموت ص38

الله
القدوس الذي أنقذ حزقيا من سنحاريب فينقذه من الموت ويهبه 15 عاما إضافة لعمره.

 –
ينهزم من ذاته ص 39

 –
حزقيا غالب سنحاريب والمتمتع بالحياة، انهزم أمام ذاته إذ كشف خزائن قلبه الداخلي
للغرباء معتدا بنفسه.

 

ثالثاً:
القدوس المعزي بالخلاص ص 40 – 66

إذ
كشف في الأحداث الأخيرة أن القدوس هو سرّ الخلاص، قدم لنا هذا القسم من النبوات
المفرحة يعلن فيها بوضوح أعمال المسيح الخلاصية، لهذا يفتتح حديثه بالقول : عزوا،
عزوا شعبي يقول إلهكم " ص(40 : 1).

1.
عزوا، عزوا شعبي ص 40 – 44

2.
هجوم كورش عل بابل وخرابها ص 45 – 47

الله
يستخدم كورش ملك فارس لتأديب بابل التي أذلت شعبه حتى يعود شعبه إلى وطنه.

3.
أحاديث الخلاص ص 48 – 59

 أنتقل
من الخلاص من بابل إلى الخلاص الأبدي خلال المسيا الذي أخذ شكل العبد ودخل إلى
الألم والموت عنا.. يسميه عبد الرب. والكنيسة هي المدينة العاقر التي صار لها
أولاد.

4.
بناء مدينة الرب الجديدة ص60 – 66

 تقوم
علي المسيح الذي داس المعصرة وحده (ص 63)

 يقدم
لنا هذا القسم صورة حية وواضحة عن أعمال المسيح الخلاصية.

 

شرح السفر:

إشعياء 1 – 4

الأصحاح
الأول مقدمة يعزف فيها النبى الألحان الرئيسية للسفر كله، فمثلا الأعداد من 2 – 9
عن عدم الفهم، من 10 – 17 عن العبادة الشكلية، من 18 – 23 عن الغفران، من 24 –31
عن الدينونة.

 أما
الأصحاحات من 2 – 4، فتحتوى على ثلاث صور مختلفة لصهيون :

أ-
عظمتها وارتفاعها (2 : 2 – 4).

ب-
عبادتها للأصنام فى ذلك الوقت (2 : 5 – 4 : 1).

ت-
تطهيرها وتنقيتها نهائيا (4 : 2 – 6).

 

كشف
إشعياء لشعب إسرائيل عن مدى غبائهم وعنادهم قائلا: الثور يعرف قانيه والحمار معلف
صاحبه، أما إسرائيل فلا يعرف [أي لا يعرفني ولا يعترف بي ربا له] (إشعياء 3:1).
وقد استخدم هذين التشبيهين – الثور لأنه أقل الحيوانات ذكاء والحمار لأنه أكثرها
عنادا – وكلاهما يشير كيف أن بني إسرائيل كانوا ناكرين للجميل وإلى أي مدى ابتعدوا
عن المصدر الحقيقي للإرشاد.

وقد
كشف إشعياء عن شر الإسرائيليين في زمنه فقال: تركوا الرب، استهانوا بقدوس إسرائيل،
ارتدوا إلى وراء (إشعياء 4:1). كان الهدف الرئيسي لإشعياء هو أن يشجع الشعب ليسمعوا
كلام الرب… ويصغوا إلى شريعة إلهنا (إشعياء 10:1). فإن هذا من شأنه أن يقود
الأمة إلى الشعور بخطيتها والرغبة في البر.

أكد
الرب لإسرائيل أن العبادة الحقيقية والذبائح والتقدمات هي مصدر سرور له، ولكنها
تصبح مكرهة له عندما يقدمها الناس ولا تكون لديهم الرغبة في خدمته بكل قلوبهم
(إشعياء 13:1).

وقد
وجه أيضا إشعياء التحذير لبني إسرائيل بأنهم إن لم يتوبوا فسيؤكلون بالسيف (إشعياء
20:1). فإن الأمان الذي يتوهمونه على أساس عهدهم مع الرب هو أمان كاذب. فلم يكن
بنو إسرائيل مجرد ضحايا للزمان الذي كانوا يعيشون فيه. وإنما البلاد المحيطة التي
هددت أمنهم كانت تنفذ أوامر الرب وتجري قضاءه.

إن
إهمال بني إسرائيل لكلام الرب قد فتح الباب لشرور عديدة. وقد فضح إشعياء قادة
الأمة قائلا: رؤساؤك متمردون ولغفاء اللصوص [أي رفقاء اللصوص] ؛ كل واحد منهم يحب
الرشوة ويتبع العطايا [أي يسعى وراء المكسب] (إشعياء 23:1). فبتجاهلهم لكلمة الله
حولوا العبادة إلى مجرد طقوس.

لابد
أن يأتي يوم دينونة على جميع الذين يرفضون إعلان كلمة الله المقدسة، وهلاك
المذنبين والخطاة يكون سواء، وتاركو الرب يفنون (إشعياء 28:1).

ثم
تطلع إشعياء إلى المستقبل البعيد وتنبأ قائلا: ويكون في آخر الأيام أن جبل بيت
الرب يكون ثابتا في رأس الجبال… وتسير شعوب كثيرة ويقولون هلم نصعد إلى جبل
الرب… لأنه من صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب (إشعياء 2:2-3، أيضا
11،17).

إن
أول مؤشر لانحدار الشخص هو أنه لا يجد وقتا لقراءة الكتاب المقدس، وهذه إهانة لله.
وعندما نفعل ذلك فإننا أيضا نحرم أنفسنا من المصدر الحقيقي الوحيد للحياة الروحية
والحماية والإرشاد. فعندما نستبعد كلمة الله من حياتنا، يبدأ إخلاصنا للرب ينقص
وتصبح الخطية أمرا حتميا.

لم
يحدث أبدا أن اكتشف أحد الحق من جهة الله، وأن الإنسان خاطئ، وأن المسيح هو
المنقذ، بدون الكتاب المقدس. كتب يعقوب قائلا: وُلدنا بكلمة الحق… فاقبلوا
بوداعة الكلمة المغروسة [أي المزروعة في قلوبكم] القادرة أن تخلص نفوسكم (يعقوب
18:1،21). وكتب بطرس قائلا: مولودين ثانية… بكلمة الله… وكأطفال مولودين الآن
اشتهوا اللبن العقلي العديم الغش لكي تنموا به (1 بطرس 23:1؛ 2:2).

إعلان
عن المسيح: بصفته الشخص الذي "يقضي بين الأمم" (إشعياء 2:2-4؛ قارن مع
ميخا 1:4- 3). إن ربنا يسوع المسيح هو القاضي العادل الذي سيكافئ الذين يطيعون
كلمته وينتظرون مجيئه (رومية 17:6-18؛ 2 تيموثاوس 1:4-8). إن "غصن الرب"
يشير إلى المسيح نفسه كذرية داود (إشعياء 2:4).

 

 إشعياء 5 – 9

الأصحاح
الخامس ادانة واتهام ليهوذا وأورشليم ويتكون من ثلاثة أجزاء :

أ-مثال
عن كرم الرب (1 – 7).

ب-
مجموعة من ستة ويلات ضد الجشع (8 : 10)، والانغماس فى اللذات(11 – 17)، والاستخفاف
الوقح بالرب (18 : 19)، وعدم ادراك الفروق الأخلاقية (عد 20)، والغرور السياسي
(21) والبطولة المنحرفة (22 و23).

ج-إعلان
الدينونة الوشيكة، فالأشوريون فى طريقهم إليها ولا مهرب (24 – 30).

 

فى
الأصحاح السادس يسجل النبي رؤياه الأولى وارساليته. وفى الحقيقة هى رؤيا دفاعية،
تأتى بعد التحذير النبي لمعاصريه، فعندما رفضوا رسالته عن التهديد بالخراب، استطاع
أن يجيب بأنه وقد أعلن الويل لنفسه فى سنة وفاة عزيا الملك، فله الحق فى أن يعلن
الويل لهم (6 : 5)، فيخبرهم بوضوح أن خطايا يهوذا لاشفاء لها، فقد فقدوا كل احساس
روحى، فلهم أعين ولكنهم لا يبصرون، وبذلك فلا حل إلا بالقضاء أو " الدينونة
العادلة من الإله الذى نسوه "، ولكن " زرعا مقدسا " مازال باقيا فى
جذع إسرئيل (6 : 13).

الأصحاحات
7 – 12 نرى إشعياء يقوم بدور رجل الدولة العملى، فيحذر آحاز من ارتباطه السياسي
بأشور. أما الجزء من 7 : 1 – 9 : 7، فنبوة عن عمانوئيل، يمزج فيها التاريخ
بالنبوة.

 

 فهى
تصف الحركة الأرامية الأفرايمية التى قامت فى سنة 736 ق. م عندما رأى فقح ملك
إسرائيل ورصين ملك دمشق – فى محاولة منهما للدفاع عن بلادهما ضد الاشوريين أن
الأمر يتطلب أن يتحالف آحاز ملك أورشليم معهما. ولكن آحاز فضل صداقة أشور ورفض
الدخول فى تحالف معهما، ولكى يحمى نفسه التمس معونة أشور، وأرسل إليها سفارة تحمل
كنوزا ثمينة ملكية ومقدسة، لرشوة تغلث فلاسر. وفى تلك اللحظة الفاصلة دخل إشعياء –
بإرشاد من الله – فى حوار مع آحاز بخصوص هذه الخطوة المصيرية القاضية، التى كان
على وشك اتخاذها، وإشعياء – كرجل دولة عملى – يحذر آحاز " الملك عديم الإيمان
" بأن طريق الأمان الوحيد هو فى التسليم لله وعدم الارتباط بأى تحالف أجنبي
لأن " الرب معنا " ليخلصنا، ولايمكن أن تنجح أى " مؤامرة "
إلا إذا وقف الرب أيضا ضدنا. وعندما لم تجد رسالة النبى للوعد بالخلاص ترحيبا من
الملك، سلمها إشعياء لتلاميذه مصرورة ومختومة، لتتحقق فى المستقبل، مؤكدا لسامعيه
أنه سيولد لهم ولد ويعطوا ابنا، فى أيامه تثبت مملكة داود على العدل والبر. وكان
أساس رجاء النبي هو النسل المسياوى. هذا الرجاء، الذى لم يسبق له مثيل – إلا أنه
كان يؤكده منذ بداية خدمته مكتوبا ومختوما، للدائرة الداخلية من تلاميذه.

 

أما
الجزء من 9 : 8 – 10 : 4 فيحتوى على إعلان لمملكة إسرائيل عن الغضب المتجمع
والخراب الوشيك، مع جزء متكرر كقرار (9 : 12 و17 و21، 10 : 4).وفى قصيدة فنية
تتركب من أربع مقطوعات شعرية، يصف النبى النكبات العظيمة التى جلبها الرب على
مملكة إسرائيل الشمالية والتى ذهبت هباء فلم يتنبه لها الشعب، وهى الغزو الأجنبي
(9 : 8 – 12)، والهزيمة فى المعركة (9 : 13 – 17)، والفوضي السياسية (9 : 18 –
21)، والسبي الوشيك (10 :1 – 4). ومع ذلك فإن دينونات الله قوبلت بعدم المبالاة :
" مع كل هذا لم يرتد غضبه بل يده ممدودة بعد " لقد فشل التأديب الإلهى
ولم تبق إلا الدينونة.

 

كانت
إسرائيل وسوريا قد وحدتا صفوفهما للتغلب على مملكة يهوذا وخلع الملك آحاز (إشعياء
6:7). في ذلك الوقت تكلم الرب من خلال إشعياء لتشجيع آحاز الشاب بإعطائه فرصة لكي
يثق في حماية الرب له، فقال له: اطلب لنفسك آية من الرب إلهك [أي اطلب علامة تثبت
لك أن الرب قد تكلم وأنه سينفذ كلامه] "إشعياء 11:7). وحيث أن أباه وجدّه
كانا تقيين، فلقد كان آحاز مدركا تماما لقدرة الله ووجوده. ولكنه رفض أن يطلب
قائلا: لا أطلب ولا أجرب الرب "إشعياء 12:7). وفي الواقع فإن تواضعه هذا كان
مجرد رياء. فبدلا من أن يضع ثقته في الرب، كان آحاز قد دفع مبلغا كبيرا من المال
للآشوريين لكي يحاربوا سوريا وإسرائيل (2 ملوك 7:16-9). ولكن هذا وضع يهوذا أيضا
تحت سيطرة الآشوريين مثلما تنبأ إشعياء: إن لم تؤمنوا فلا تأمنوا [أي إن لم تؤمنوا
بالرب وبكلام أنبيائه بدلا من الاعتماد على أشور، فلن تجدوا الأمان] (إشعياء 9:7).
وقد كان زمن ملك آحاز الشرير زمنا مظلما حقا على يهوذا سواء من الناحية الروحية أو
الاقتصادية.

وفيما
بعد جاء الملك الآشوري الغالب شلمنأسر، والذي تولى الحكم بعد تغلث فلاسر، وهاجم
السامرة التي هي عاصمة المملكة الشمالية؛ وبعد حصار ثلاث سنين، سقطت وانهزمت هزيمة
ساحقة مثلما أنبأ إشعياء تماما: في مدة خمس وستين سنة ينكسر أفرايم حتى لا يكون
شعبا (إشعياء 8:7؛ أيضا 2 ملوك 4:17-6).

كان
إشعياء هو الناطق عن لسان الرب الذي كان لديه قصد نبوي مجيد للغاية في دعوته لآحاز
إذ قال: اطلب لنفسك آية… ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل [ومعنى
هذا الاسم "الله معنا"] (إشعياء 11:7،14). وبعد سبعمائة سنة أكد ملاك
الرب هذا الكلام للعذراء مريم قائلا: الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك،
فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله (لوقا 35:1).

كان
يسوع هو الله ظاهرا في شكل إنسان – أي إنسان والله في آن واحد. وقد حبلت به
العذراء مريم بطريقة سماوية. وفتح الطريق لخلاص الخطاة الهالكين بواسطة حياته
الكاملة التي بلا خطية، ثم مات على الصليب نيابة عنا، ودُفن، وقام من الموت.

والكلمة
[أي المسيح] صار جسدا [صار إنسانا] وحل بيننا [عاش بيننا فترة]؛ ورأينا مجده مجدا
كما لوحيد من الآب مملوءا نعمة وحقا (يوحنا 14:1).

وقد
رأى أيضا النبي إشعياء رؤية مجيدة أخرى عن ملك الملوك الأبدي، ويدعى اسمه عجيبا
مشيرا إلها قديرا أبا أبديا رئيس السلام (إشعياء 6:9). فحيث أنه الابن الخالق
الكائن منذ الأزل (يوحنا 1:1-3؛ عبرانيين 3:1؛ 3:11)، فهو أيضا عجيبا في حياته على
الأرض، وعجيبا في انتصاره على الموت، وعجيبا في منحه الحياة الأبدية لجميع الذين
يؤمنون. هو وحده المشير العجيب – معلن الحق – لأنه هو الحق. إنه يقدم لنا المشورة
في داخلنا بأن يعرفنا بما هو صواب من خلال كلمته ومن خلال المعلمين الأمناء.

إن
كان أحدكم تعوزه حكمة فليطلب من الله [المشير الكلي الحكمة] الذي يعطي الجميع
بسخاء ولا يعيّر فسيُعطى له (يعقوب 5:1).

إعلان
عن المسيح: بصفته عمانوئيل، ابن العذراء (إشعياء 14:7). توجد نبوات أخرى عن المسيح
في إشعياء 14:8؛ 2:9،6-7. يخبرنا إشعياء 6:9 بأنه يولد لنا ولد (ولادته)، ونعطى
ابنا (صلبه)، وتكون الرياسة على كتفه (مجيئه الثاني) (رؤيا 11:19-21؛ أيضا متى
21:1-25؛ 13:4-16؛ لوقا 26:1-33؛ 1 تيموثاوس 16:3).

 

 إشعياء 10 – 14

وفى
10 : 5 – 34، نجد أشور آلة فى يد الرب – قضيب غضب الله – وفى الأصحاحين الحادى عشر
والثانى عشر نبوة عن عودة إسرائيل من السبي متضمنة رؤيا عن المسيا، ملك السلام
الكامل، لأن رؤيا إشعياء عن مستقبل الأمم امتدت إلى ما بعد السبي، فكان يرى فى
سقوط أشور علامة لبدء عهد جديد من تاريخ إسرائيل، فلا مستقبل لأشور لأن فى سقوطها
هلاكها، ولكن يهوذا لها مستقبل، وليست النكبات التى تحل بها إلا لتأديبها، فسيقوم
ملك مثالي، تبتهج كل الخليقة بمجيئه، حتى الحيوانات البكم أيضا (11 : 1 – 10،
وسيحدث خروج ثان عظيم لأنه فى ذلك اليوم يعيد السيد يده " ثانية "
" ليقتنى بقية شعبه "…. من أربعة أطراف الأرض (11 : 11 و12) وفى ذلك
اليوم " أفرايم لايحسد يهوذا، ويهوذا لايضايق أفرايم " (11 : 13)، بل إن
الأمة المتحدة المفدية – بعد أن تسكن فى أرضها (11 : 14 – 16) – ستغنى ترنيمة
الشكر معلنة خلاص الرب لكل الأرض (الأصحاح الثانى عشر).

 

عندما
شنت مملكة إسرائيل الشمالية، بالتحالف مع سوريا، هجومها على يهوذا (إشعياء 1:7-7)،
تنبأ إشعياء بأنها سوف تنهزم أمام الآشوريين وستؤخذ إلى السبي "إشعياء 8:7).
وقد كان زمنا عصيبا وكئيبا مليئا بالارتباك والتردد، لا يعرف الشعب ماذا يصدق وأي
الطرق يسلك "إشعياء 22:8). وعلى الرغم من أن بني إسرائيل لم ينكروا وجود
الله، إلا أن معظمهم كانوا قد تحولوا عن الرب وعن كلمته التي تحتوي وحدها على
الحلول لجميع مشاكل الحياة. وكانوا قد أضافوا عبادة الآلهة الكاذبة الملهمة من
الشيطان وكانوا يستشيرون العرافين طلبا للإرشاد.

وكان
إشعياء قد حذر قائلا: ألا يسأل شعب إلهه؟ إلى الشريعة وإلى الشهادة، إن لم يقولوا
مثل هذا القول فليس لهم فجر "إشعياء 19:8-20). وبنفس الطريقة فإن كثيرين
اليوم يلجأون إلى اليوجا، وفلسفات العصر الحديث، والتأمل، وتحضير الأرواح، وغيرها
من الديانات "البديلة" التي هي في الحقيقة استبدالات شيطانية لكلمة الله
الواحد الحقيقي.

وتطلع
إشعياء إلى ما بعد الغزو الآشوري إلى الزمن الذي فيه ستسود بابل على العالم. ثم
أنبأ أيضا، على الرغم من غرابة الأمر، بأن بابل ستنهزم وستفنى قبل حدوثه ب 180
سنة. ثم تنبأ إشعياء بأن بابل، بهاء الممالك وزينة فخر الكلدانيين… لا تعمر إلى
الأبد "إشعياء 19:13-20).وقد ظلت هكذا إلى يومنا هذا. وعلى النقيض الآخر،
فلقد تنبأ بأن مملكة يهوذا ستنهزم أيضا، ولكن سترجع… بقية يعقوب إلى الله القدير
"إشعياء 21:10).

بعد
ذلك تطلع إشعياء إلى الأمام 700 سنة، إلى ولادة يسوع ابن داود، فقال: ويخرج قضيب
من جذع يسّى… ويحل عليه روح الرب "إشعياء 1:11-2). وقد سجل متى البشير في
سلسلة نسب يسوع أن: يسى ولد داود الملك (متى 6:1)؛ ويوحنا المعمدان أقر قائلا:
وإذا السموات قد انفتحت له، فرأى [أي يوحنا] روح الله نازلا مثل حمامة وآتيا عليه
(متى 16:3). وأكمل إشعياء قائلا بأنه في ملكوته ستمتلئ الأرض من معرفة الرب…
ويكون في ذلك اليوم أن أصل يسى القائم راية للشعوب إياه تطلب الأمم (إشعياء
6:11-7،9-10).

وقد
أكد يوحنا ذلك في بطمس: أنا يسوع أرسلت ملاكي لأشهد لكم بهذه الأمور عن الكنائس،
أنا أصل وذرية داود كوكب الصبح المنير (رؤيا 16:22).

لقد
دعي إشعياء لتعزية وتشجيع بقية صغيرة وأمينة (إشعياء 9:1) واعداً إياهم بغد أكثر
إشراقا – وبأنه سيأتي ملك يحكم بالبر ويمنح السلام والأمان لليهود والأمم على
السواء. وإلى أن يأتي ذلك اليوم، علينا أن نعرّف بين الشعوب بأفعاله ونذكر بأن
اسمه قد تعالى! (إشعياء 4:12).

ومن
الأمور الملحوظة في نبوة إشعياء عن المسيا أنها تخلو من أي إشارة إلى بركات زمنية.
فلقد كانت البركات الروحية مستحوذة على كل اهتمام إشعياء في هذه الترنيمة المفرحة:
رنموا للرب لأنه قد صنع مُفتَخرا [أي صنع أمورا مجيدة]؛ ليكن هذا معروفا في كل
الأرض. صوّتي واهتفي يا ساكنة صهيون، لأن قدوس إسرائيل عظيم في وسطك "إشعياء
5:12-6).

إعلان
عن المسيح: بصفته من نسل يسى، أبي داود الملك (إشعياء 1:11). يخبرنا إشعياء 11 عن
ملك المسيح على الأرض بالبر (متى 31:25-46؛ رؤيا 20-21).

 

الأصحاحات
13 – 23 تحتوى على أقوال عن القضاء والخلاص، تختص فى معظمها بالأمم الأجنبية التى تأثرت
يهوذا وإسرائيل بمصائرها. ولقد جمعها الكاتب معا، تماما كما جمعت الأقوال عن هذه
الأمم الغربية فى إرميا (46 : 51)، وفى حزقيال (25 – 32). لقد اتسع أفق إشعياء
فشمل كل العالم. وأول نبواته عن الأمم الأجنبية، هى وحى من جهة بابل (13 : 1 – 14
: 23)، حيث يتنبأ بالخراب الكامل للمدينة (13 : 2 – 22)، ثم ينشد مرثاة حزينة أو
ساخرة لسقوط ملكها (14 : 4 – 23)، والملك المشار إليه هنا هو – بلا شك – ملك أشورى
(وليس بابليا) من القرن الثامن قبل الميلاد، والنبوة الموجزة التى تأتى بعد ذلك
مباشرة (14 : 24 – 27) والمختصة بأشور تؤكد هذا التفسير. كما أن هناك أقوالا
مختصرة عن بابل (21 : 1 – 10) تصف سقوط المدينة الوشيك. ويبدو أن كلتا النبوتين قد
كتبتا فى أورشليم (13 : 2، 21 : 9 و10) ولا يمكن مطلقا أن يقال إن أيا منهما لا
يتصل فكرا أو لغة بعصر إشعياء (14 : 13، 21 : 2)، فكل منهما تنبئ بالدينونة التى
ستقع على بابل (13 : 19، 21 : 9) على يدي مادى (13 : 17، 21 : 2) وكلاهما تصفان
إسرائيل فى السبي ولكن ليس بالضرورة كل الإسرائيليين.

أما
الجزء من 14 :24 -27 فيخبرنا عن الخراب المؤكد للأشوريين.

أما
الفصل 14: 28-32 فعبارة عن وحي يختص بفلسطين.

 

 إشعياء 15 – 21

الأصحاحان
الخامس عشر والسادس عشر،فهما وحي ضد موآب حيث يشبه لحنهما الحزين ما جاء في
الأصحاحين الثالث عشر والرابع عشر.وهما نبوتان منفصلتان تنتميان إلي فترتين
مختلفتين من خدمة أشعياء (16: 13, 14).

 

أما
النقاط الثلاث بالغة الأهمية في هذا الوحي فهي :

أ-تعاطف
النبي بشدة مع موآب في محنتهما (15: 5، 16: 11) فيمزج النبي دموعه بدموع
الموآبيين،وكما يقول ديلتز : "لا توجد في سفر إشعياء نبوة مثل هذه النبوة حيث
نري قلب النبي يذوب ألما لما تراه روحه ويتنبأ به فمه".

ب-
التماس موآب الحماية من أعدائها وبخاصة الأساس الذي تسند إليه،وهو الرجاء الميساني
بأن بيت داود سيظل قائماً قادراً علي صد أعدائه (16: 5)، وهذه النبوة صدي للأصحاح
التاسع (9: 5- 7).

ج
الوعد بأن بقية موآب -رغم صغرها -سوف تنجو (16: 14).وبعد ان تتعب موآب من الصلاة
لكموش علي المرتفعات،فإن النبي يتنبأ بأن موآب سوف تطلب الله الحي (16: 12).

 

 أما
الجزء الأول من الأصحاح السابع عشر (17: 1-11) فإنه وحي من جهه دمشق وشمالي
إسرائيل حيث يتنبأ النبي عن مصير هذين الحليفين أرام وأفرايم، في الحرب الأرامية
الأفرايمية في سنه 734 ق.م.بأن بقية صغيرة كالخصاصة ستبقي (17: 6) وفي الجزء
الباقي من الصحاح السابع عشر (17: 12- 14) يعلن النبي بكل جراءة،الإبادة التامة
لأعداء يهوذا -دون أن يذكرهم بالاسم -وهم الأشوريون.

 

 أما
الأصحاح الثامن عشر فيصف كوش -وهي في اضطراب عظيم -ترسل سفراءها إلي هنا وهناك
-ويحتمل أن يكون إلي أورشليم -وهي تزعم البحث عن العون، بينما هي تستعد للحرب،
وكانت أشور قد احتلت دمشق في سنة 732 ق.م. والسامرة فى سنة 722 ق.م، ولهذا كانت
مصر وكوش في خوف عظيم من الغزو وهنا يطلب أشعياء من السفراء أو الرسل العودة إلي
بلادهم وأن يترقبوا -في هدوء-الرب وهو يحبط محاولة أشور -المعتدة بذاتها -لاخضاع
يهوذا. ويضيف أنه عندما يري الكوشيون يد الله في خلاص يهوذا وأورشليم (سنه 701
ق.م)، فإنهم سيأتون معهم بهدية للرب إلي مسكنه في جبل صهيون.

 

 أما
الأصحاح التاسع عشر،فهو وحي من جهه مصر يحتوي علي تهديد (الأعداد1-17)،ووعد
(18-25)، وهو يعتبر من أبرز رسائل إشعياء للأمم الأجنبية، وفيه نري ضربة مصر،
فتتخلي عن أوثانها لتعبد الله (19-22). ولكن أكثر ما يشد الأنتباه في هذه
النبوة،أنه في ذلك اليوم تتحد مصر وأشور مع يهوذا في تحالف ثلاثي لعبادة
الله،وليكونوا بركة للآخرين (23-25) ونظرة إشعياء المرسلية هنا بالغة الروعة.

 

 ويصف
الصحاح العشرون زحف سرجون علي مصر وكوش ويحتوي علي نبوة مختصرة -في صورة رمزية-عن
انتصار أشور علي مصر وكوش،فبسيره معري وحافيا ثلاث سنين، حاول أن يعلم شعب أورشليم
أن حصار أشدود ليس إلا وسيلة لغاية في خطة حملة سرجون، وأنه لمن الحماقة أن يستمر
المنحازون لمصر في أورشليم،في تشجيع الاستناد علي مصر ملتمسين العون منها.

 

 أما
الصحاح الحادى والعشرون (21: 11و 12) فوحي مختصر عن "سعير" أو
"أدوم"، "وهو القول الرقيق لوحيد -في العهد القديم -عن عدو إسرائيل
التليد" فأدوم في قلق عظيم، وكانت إجابة النبي مخيبة لآمالهم، رغم أن نغمتها
كانت نغمة المواساة. أما باقي الأصحاح (13-17)فوحي مختصر من جهه بلاد العرب، وفيه
نداء لسكان أرض تيماء ليقدموا خبزاً وماء لقوافل الددانيين الذين هربوا – بسبب
الحرب – من طريق القوافل المعهودة.

 

عاد
إشعياء بأفكاره من الملك المستقبلي المجيد إلى رئيس السلام، ليعلن عن العديد من
الأحمال التي سيتم رفعها: في سنة وفاة الملك آحاز كان هذا الوحي (إشعياء 28:14)..
من جهة موآب : إنه في ليلة خربت عار موآب "إشعياء 1:15).. من جهة دمشق : هوذا
دمشق تزال من بين المدن وتكون رجمة ردم "إشعياء 1:17).. أشدود [في فلسطين] –
سرجون ملك أشور حارب أشدود وأخذها "إشعياء 1:20).. يسوق ملك أشور سبي مصر
وجلاء كوش الفتيان والشيوخ عراة وحفاة "إشعياء 4:20).. بابل – قد أبطلتها "إشعياء
2:21).

كانت
بابل هي المدمر العظيم – والقوة التي ستحمل أيضا الشعب اليهودي إلى السبي. ولكن
الرب أعلن قائلا: هأنذا أهيج عليهم الماديين "إشعياء 17:13). فيا لها من نبوة
مذهلة، إذ أن مادي كانت أمة صغيرة وقليلة الشأن في هذا الوقت! ولكن ربما المذهل
أيضا هو التنبؤ بأن يهوذا ستتعرض لكارثة قومية وحزن وإحساس بالعجز التام. قال
النبي: لذلك الثروة التي اكتسبوها وذخائرهم يحملونها إلى عبر وادي الصفصاف "إشعياء
7:15). فإنهم لم يتمكنوا من أخذ شيء معهم، وهذا يشير إلى فناء الممتلكات الأرضية.
فإنه خوفا من أهوال الحرب، حاول الأغنياء أن يجمعوا بسرعة أشياءهم الثمينة ليهربوا
إلى عبر الحدود، ولكنهم هناك فقدوا ممتلكاتهم.

وعندما
فقد يهوذا كل شيء – الهيكل، والأسوار، والمدينة، والثروة، ووسائل الترف – عندئذ
فقط تحولت قلوبهم عن الأوثان ليعبدوا الله الحي. فلقد تحولت خسارتهم
"المأساوية" إلى بركة عظيمة.

لا
يوجد شيء يحجب إرادة الله عن الأبصار مثل النجاح والسلام الطويل والأمان المادي.
قال سليمان بحكمته: يوجد شر خبيث رأيته تحت الشمس: ثروة مصونة لصاحبها لضرره
(جامعة 13:5). وقد قال الكثير ربنا يسوع عن الثروة، وهو كلام نادرا ما يتردد على
مسامعنا: ويل لكم أيها الأغنياء (لوقا 24:6). ولكن في تجاهل تام لتحذيرات الرب،
انخدع الناس اليوم بوسائل الرفاهية، فاستمروا يكنزوا لهم كنوزا على الأرض… حيث
ينقب السارقون ويسرقون (متى 19:6). إن الأمان المادي يغذي الاكتفاء بالذات، بدلا
من الاعتماد على الرب، وهو يؤدي إلى الطمع الذي بدوره يدمر الرغبة في الاستثمار في
الكنوز الأبدية.

إن
ربنا يسوع لم يشجعنا أبدا على تكديس الممتلكات المادية. وإنما قال: انظروا وتحفظوا
من الطمع؛ فإنه متى كان لأحد كثير فليست حياته من أمواله… بع كل مالك وأعط
الفقراء… وتعال اتبعني حاملا الصليب [أي سالكا نفس الطريق التي سلكتها أنا]
(لوقا 15:12؛ مرقس 21:10).

وأسفاه
على المؤمنين والكنائس والطوائف الذين يكدسون الأموال في البنوك والأسهم والسندات
وغيرها من طرق الاستثمار الأرضي، غير عالمين أنهم يخدعون أنفسهم.

وعلى
النقيض الآخر نجد الأشخاص ذوي البصيرة الروحية، الذين يستثمرون ثروتهم في القيم
الأبدية – لتغيير حياة الناس وإتمام الإرسالية العظمى التي ائتمنهم الرب عليها.
فمع أنهم قد تخلوا عن الغنى الأرضي، إلا أنهم ربحوا كنوزا أبدية، إذ أن الله قد
اختار فقراء هذا العالم أغنياء في الإيمان (يعقوب 5:2).

إعلان
عن المسيح: بصفته الشخص الذي سوف يجلس على عرش داود (إشعياء 5:16؛ قارن مع لوقا
32:1-33) وبصفته المخلص (إشعياء 20:19).

 

إشعياء 22 – 26

 أما
الأصحاح الثاني والعشرون فيختص بالنزعة الغريبة في الحكم الثيوقراطي،وهو يتكون من
جزءين :

1-
وحي من جهه "وادي الرؤيا" أي أورشليم (1-14).

2-
خطاب مملوء بالتقريع والقول القارص ضد شبنا الذي كان علي البيت (القصر).وهنا نري
إشعياء يتوقف في وسط توبيخات للأمم والشعوب الغريبة لسكان أورشليم العابثين،
وبخاصة "شبنا" أحد كبار موظفي الدولة،فهو يصور مواطني أورشليم المتقلبين
المتجاهلين لله وهم منغمسون في شراهة الأكل والشرب،بينما كان العدو -في تلك
اللحظة- يقف علي أبواب المدينة.ومن الناحية الأخري فإن شبنا – الذي يبدو أنه كان
رجلاً غريب الأطوار معجباً بنفسه،ولعله كان أرامي المولد -يحتمل جداً أنه كان من
أنصار مصر الذين كانت سياستهم معادية لرأي إشعياء والملك.وقد تحققت نبوة إشعياء عن
سقوط شبنا بسرعة (36: 3،37: 2).

 

 ويختص
الأصحاح الثالث والعشرون بصور، فيتنبأ إشعياء عن خرابها (عد 1)،وعن القضاء على
مجدها التجاري (9)،واستقلال مستعمراتها عنها (10)،وإنها هي نفسها ستنسي
"سبعين سنة" (15)، ولكن بعد نهاية السبعين السنة، ستنهض تجارتها،وسيعود
الازدهار إلي أعمالها،وستكرس مكاسب تجارتها قدسا للرب (18).

 

الأصحاحات
24-27 تتحدث عن دينونة الله للعالم وفداء إسرائيل.هذه النبوات لها صلة قوية
بالأصحاحات 13-23،فهي تعبر عن نفس المشاعر الرقيقة التي سبق أن رأيناها في هذه
الأصحاحات (15: 5،16 :11)، وهي تلخص في عبارات رائعة كل وحي النبي عن جيران
إسرائيل. ولا يعلو عليها شيء من ناحية الأهمية الدينية،فهي تعلن ضرورة التأديب
الإلهي والفداء المجيد الذي ينتظر الأمناء في إسرائيل،وفي تفسير روحي للأزمة
الأشورية في القرن الثامن من قبل الميلاد،وهي رسائل خلاصية لم يكن القصد منها
استعراض الفصاحة والبلاغة،بل التفكير والتأمل.ويحتمل أنها قيلت بصفة خاصة للحلقة
الداخلية من تلاميذه (8: 16).

هل تبحث عن  04

 

 ولهذه
الأصحاحات صبغة رؤوية، ولكنها -بكل تأكيد -نبوات وليست رؤي،فهو لم يصعد قط إلي
السماء ولا تحدث مع ملاك كما نري في الأصحاح السابع من سفر دانيآل، والأصحاح
الرابع من سفر الرؤيا.فهي رؤي من جهة انها نبوات عن أشياء معينة ستأتي أو ستحدث
يقيناً.

 

 ولقد
كان إشعياء مغرماً بهذا النوع من النبوات،فكثيراً ما يحلق بالقاريء خارج مجال
التاريخ المجرد،ليرسم صوراً عن المستقبل البعيد (2: 2-4،4: 2-6،11 :6-16، 30:
27-33).

 

 وفي
الإصحاح الرابع والعشرين، يعلن النبي عن الدينونة العامة للأرض (أرض يهوذا)، ثم
بعد ذلك سيشرق يوم أفضل (1: 15).ونري وكأن النبي يستمع تسابيح الخلاص، ولكن للأسف
لم يكن قد جاء أوانها، إذ لابد أن تتوالي الدينونات.ففي الأصحاح الخامس والعشرين
ينتقل النبي إلي زمن ما بعد الكارثة الأشورية، ويعتبر نفسه واحدا من
المفديين،واضعاً في أفواههم تسبيحات الحمد والشكر من أجل خلاصهم.وتصف الأعداد 6-8
وليمة الرب،وليمة السمائن علي جبل صهيون لكل الشعوب والأمم الذين (طبقا لما جاء في
2: 2-4) يجيئون إلي أورشليم ليصنع لهم "وليمة سمائن ممخة"،وبينما يكون
الشعب في الوليمة،يشفي الرب بنعمتة الغنية عماهم الروحي حتي يروه الواهب الحقيقي
للحياة والنعمة، كما انه يقضي علي العنف القاتل أي الحروب (2: 4) وما يتبعها من
"دموع" حتي لا تصبح الأرض (أرض يهوذا) فيما بعد ميدانا لمعارك الأمم
والشعوب، بل مسكناً مباركاً للمفديين يعيشون في سلام وسعادة. ولم يكن هدف النبي من
كل هذا سياسياً بل دينياً.

 

 وفي
الأصحاح السادس والعشرين (26: 1-19) يغني يهوذا أغنية لأورشليم مدينة الله
الحصينة،ومرة أخري يشترك النبي مع البقية المفدية من الشعب مقدما صورة حية
لاتكالهم علي الرب وشكرهم له،لأنه كان لهم "صخر الدهور" الحقيقي (عد
4)،ثم يهتف فرحاً وهو مدفوع بالرجاء: "تحيا أمواتك !تقوم الجثث ! ". لأن
الرب سيخرج الحياة من الموت (عد 19). وتعتبر هذه أول إشارة واضحة في العهد القديم
عن القيامة،لكنها قيامة قومية وتختص بإسرائيل (عد 14) كما كانت هذه طريقة إشعياء
للتعبير عن رجاء عودة الأمناء في إسرائيل من السبي (انظر هوشع 6: 2، حزقيال 37:
1-14،دانيال 12: 2).

 

 وفي
الجزء الأخير من الأصحاح السادس والعشرين والأصحاح السابع والعشرين (26: 20-27:
13) يبين النبي أن تأديب إسرائيل هو أمر صحي ومفيد،ولذلك يبدأ بتحريض جماعته- أي
تلاميذه علي مواصلة خلوتهم للصلاة إلي ان يبدد غضب الله القوي العالمية (26:
20-27: 1).ثم يتنبأ بعد ذلك بأن كرمة الرب الحقيقية ستكون فيما بعد في حراسة آمنة
ضد الشوك والحسك في القتال أي الغزو الأجنبي (27: 2-6). وبعد أن يبين النبي أن تأديب
إسرائيل يعتبر هيناً بالمقارنة بدينونة سائر الشعوب (27: 7- 11)،يعدهم بأنه لو أن
إسرائيل تاب،فسيجمع الرب بقية شعبه "واحدا واحدا " من أشور ومن مصر (11:
12)،ويسجدون للرب مرة أخري في الجبل المقدس في أورشليم (27: 12, 13).

 

 ووجهة
النظر الأساسية في الأصحاحات 24-27 هي نفسها كما جاءت في الأصحاح الثاني (2: 2-4)
وكذلك في الأصحاحات 13: 23، إلا أن النبي كثيراً ما يستشرف المستقبل البعيد
منتقلاً بين عصره هو والأيام التي فيها سيرد إسرائيل. وإنه لأمر جدير بالملاحظة أن
نري بصفة خاصة كيف أنه يؤيد أقواله بالانتقال إلي المستقبل البعيد، إلي عصر فداء
إسرائيل، كما انه يتصور نفسه ضمن إسرائيل الجديد الذي سوف يخرج من فوضي الأحداث
السياسية المعاصرة له. إن رؤياه لفداء إسرائيل تحمله -في نشوة غامرة -إلي المستقبل
البعيد، إلي زمن تنتهي فيه كل معاناة الأمة،حتي إنه عندما يسجل ما شاهده في رؤياه،
فإنه يصفه وكأنه تأديب قد مضي، فنراه-مثلا- في الأصحاح الخامس والعشرين (25: 1-8)-
وقد انتقل إلي نهاية الزمن -يشيد في أغنية عذبة،بما رآه،ويصف كيف أن سقوط ممالك
العالم يتبعه تجديد الأمم الوثنية.

 

وفي
الأصحاح السادس والعشرين (26: 8,9) يعود النبي ببصره إلي الماضي-من وجهة النظر
المفديين في آخر الأيام -فيصف كيف أن إسرائيل اشتاق طويلا لإظهار بر الله الذي قد
حل الآن (في آخر الأيام).

 

النقطة
الرئيسية في قراءة اليوم هي "يوم الرب" الذي سيأتي سريعا. وقد أبلغت
الرسالة أولا ليهوذا، ثم لإسرائيل، ثم للأمم الوثنية المحيطة، وأخيرا للعالم أجمع.
ويقال في ذلك اليوم هوذا هذا إلهنا انتظرناه… أيها الرب إلهنا قد استولى علينا
سادة سواك، بك وحدك نذكر اسمك. هم أموات لا يحيون، أخيلة لا تقوم (إشعياء 9:25؛
13:26-14).

على
مدى قرون عديدة واجه بنو إسرائيل أعداء كثيرين – ابتداء من العبودية على يد فرعون
في مصر، ثم المضايقات من الشعوب المحيطة – الفلسطينيين، والآشوريين القساة، وأخيرا
البابليين. لقد سيطر حقا على إسرائيل "سادة سواك" "إشعياء 13:26).

وقد
أنبأ النبي إشعياء عن الدمار الكامل الذي سيلحق ببابل على يد مملكة لم تكن قد وجدت
بعد، تحت قيادة رجل اسمه كورش كان سيولد بعد 150 سنة. وكورش هذا هو الذي سيطلق
سراح الشعب اليهودي ويعطي الحرية للجميع. كان الأمر كله يبدو مستحيلا. ولكن بنفس
اليقين الذي تحققت به هذه النبوة، يمكننا أن نتأكد أن المسيح الملك – الإله
القدير… رئيس السلام "إشعياء 6:9) – سيمنحنا الحرية، ليس لكي نفعل الخطية،
وإنما لكي نتحرر من الخطية – لأنه يعظم انتصارنا بالذي أحبنا (رومية 1:6-2؛ 37:8).

إن
تاريخ إسرائيل يمثل اختبار كل مؤمن حقيقي. كان هناك قبلا أعداء أقوياء يسيطرون على
أذهاننا وأجسادنا ونفوسنا وأرواحنا – " سادة سواك " متمثلين في الديانات
التقليدية، والعادات الاجتماعية، والشهوات الجسدية – شهوة الجسد [أي اشتهاء المتعة
الحسية]، وشهوة العيون، وتعظم المعيشة (1 يوحنا 16:2). هذه القوى الشديدة التابعة
للشيطان وأعداء الروح تحاول أن تيئسنا وتهزمنا وتخدعنا وتفقدنا حريتنا التي لنا في
المسيح. فالشيطان يحاول أن يفرض علينا مشاعر الإجهاد والإحباط والضيق وغيرها
الكثير من أعراض عدم الإيمان التي تقاوم الحياة الممتلئة بالروح القدس. ولكن هؤلاء
السادة السابقين هم أموات لا يحيون، أخيلة لا تقوم [أي خيالات عديمة القدرة].

عندما
يكون إيماننا ثابتا في الرب، فإنه يحفظنا في سلام تام لأن أذهاننا وميولنا مرتكزة
عليه: تحفظه سالما سالما لأنه عليك متوكل (إشعياء 3:26). والسلام الذي يتكلم عنه
إشعياء هنا يعني حرفيا السلام الفائض المستمر الذي لا ينتهي، والذي يبقى في كل
الأوقات وتحت كل الظروف. هذه حقيقة، لأنه كما يقول إشعياء: كل أعمالنا صنعتها لنا "إشعياء
12:26).

وهذا
السلام التام لا ينتج عن إغماض العينين وإنكار الهيجان الحادث حولنا، ولكنه ينتج
عن الاعتراف بوجود المسيح في داخلنا. لذلك كان المسيحيون الأوائل قادرين على
مواجهة الأسود – فإنهم لم يدخلوا الساحات الرومانية بمفردهم بل برفقة المسيح
الموجود في داخلهم. لأن الذي فيكم أعظم من الذي في العالم (1 يوحنا 4:4).

فلنطرح
أرواح الشك – هي أخيلة لا تقوم – ولنخضع لسلطان كلمة الله: لا تملكنّ الخطية في
جسدكم المائت [أي الذي عمره قصير] لكي تطيعوها في شهواته… بل قدموا ذواتكم
لله… وأعضاءكم آلات بر لله (رومية 12:6-13).

إعلان
عن المسيح: بصفته الشخص الذي معه مفتاح بيت داود (إشعياء 22:22). المسيح هو القدوس
الحق الذي له مفتاح داود، الذي يفتح ولا أحد يغلق ويغلق ولا أحد يفتح (رؤيا 7:3).

 

إشعياء 27 – 31

الأصحاح
السابع والعشرين (7-9) يضع النبي نفسه في وسط معاناة الأمة- في نظرة كاملة
لمستقبلها المجيد،ويصور كيف أن معاملات الله لإسرائيل لم تكن دينونة الغضب بل
تأديب المحبة.هذا النوع من الرؤي أو النبوات، كان في الحقيقة من الأمور المتوقعة
منذ بداية هذه المجموعة من النبوات التي تبدأ عادة بكلمة "هوذا"،فهذا
الأسلوب في التقديم من خصائص إشعياء، ويجعلنا نتوقع رسالة من نوع فريد.

 

 أما
القيمة الدينية العملية لهذه النبوات،بالنسبة لعصر إشعياء نفسه،فعظيمة جداً،ففي
عصر الحروب والغزو الأجنبي المتكرر، حيث لم يبقي في البلاد سوي أناس قليلين (24: 6
و13، 26: 18)، وصارت مدن يهوذا خربة وخالية (24: 10و 12، 25 : 2، 26: 5، 27: 10)،
وبطل فرح الدفوف، وانقطع ضجيج المبتهجين وبطل فرح العود (24: 8)، وما زالت الأمة
متمسكة بأصنامها (27: 9) والتخريب الذي يقوم به الأشوريون لم يكمل بعد، ولابد أن
تتوالي المصائب (24: 16). فإن مما يدعو للعزاء أن يعرفوا أن الغفران مازال ممكناً
(27: 9) وأن الرب ما زال حارساً لكرمته (27: 3و4) وأن دينونته ليست إلا لحيظة (26:
20). ومع أنه لابد لشعبه أن يتشرد،إلا انه سوف يحميهم بعناية فائقة "واحدا
واحدا" (27: 12و13)، وأنهم ومعهم جميع الشعوب -كما سبق القول -سوف يعبدون معا
علي جبل صهيون بدعوة من الرب (25: 6و 7و 10)، ومن ذلك الوقت فصاعداً تصبح أورشليم
مركزا للحياة والعبادة لجميع الأمم (24: 23، 25 : 6، 27: 13). مثل هذا الإيمان
بالرب، مثل هذه التحريضات، ومثل هذه الأغاني والاعترافات التي يقدمها المفديون،
والتي رآها النبي في رؤياه، لابد أنها كانت مصدراً غنياً للعزاء الروحي للقديسين
القلائل المتألمين في يهوذا وأورشليم،وكوكبا هاديا للتلاميذ الأمناء الملتفين حول
النبي.

 

 وتحوي
الأصحاحات 28-35،مجموعة من التحذيرات النبوية ضد التحالف مع مصر،تختم بنبوة عن
أدوم ووعد بفداء إسرائيل،وكما جاء في الأصحاح الخامس (8: 23) ينطق النبي بست
مجموعات من الويلات :

 

أ-
ويل للسكاري،للساسة الهازئين (ص 28).ويعتبر هذا الأصحاح من أروع الأصحاحات في سفر
إشعياء، ففي الأعداد الأولي (1-6) يشير النبي محذراً، إلي سكاري أفرايم المتكبرين،
الذين سيزيل إكليلهم سريعاً (السامرة)، ثم يعود بعد ذلك إلي ساسة أورشليم
المترنحين من الخمر،موبخاً إياهم، وبخاصة الكهنة المدمنين للمسكر الذين يتعثرون في
القضاء، وكذلك الأنبياء المترنحين الذين ضلوا في الرؤيا (7 – 22)، ثم يختم بمثل
غزير المعني مأخوذ من الزراعة، معلما إياهم أن أحكام الله ليست اعتباطية،فكما أن
الحارث لا يحرث ولا يمهد حقوله طوال العام، هكذا فإن الله لا يعاقب شعبه إلي
الأبد، وكما أن الدارس لا يدرس كل أنواع الحبوب بنفس الشدة، كذلك لا يؤدب الله
شعبه فوق ما يستحقون (23: 29).

 

ب-
ويل للديانة الشكلية (29: 1-14)، وينصب هذا الويل الثاني علي " أريئيل"
مكان مذبح الله، أي أورشليم، مركز تقديم ذبائح إسرائيل، فداود هو أول من أقام
مركزاً لعبادة الرب في صهيون، أما الآن فقد أصبحت العبادة في صهيون تقليدية
شكلية،ولذلك هي غير صادقة، بل مجرد عبادة روتينية (29: 13انظر 1: 10-15، ميخا 6:
6-8)، ولذلك يقول إشعياء أن الله مضطر أن يعمل عملاً عجيباً في وسطهم ليعود بهم
إلي معرفته المعرفة الحقيقية (عد 14).

 

ج
ويل للذين يكتمون آراءهم عن الرب (29: 15-24)،فما هي آراؤهم التي يكتمونها ؟ إن
النبي لا يكشف عنها،ولكنه بلا شك يشير إلي تآمرهم مع المصريين،وهدفهم الذي يرمي
إلي تحطيم علاقتهم بالأشوريين الذين عاهدوهم علي دفع جزية سنوية لهم. وهنا يحتج
إشعياء عليهم بشجاعة لافتراضهم أن السياسة التي لا تأخذ بمشورة وحكمة القدوس، هي
التي ستنجح، مع أنهم ليسوا إلا من طين وهو الفخاري.وعند هذه النقطة يتطلع إشعياء
نحو المستقبل، إلي المسيا. مع أن هذا يبدو قطعا لسياق الحديث، إلا أنه يقول إنه في
مدة يسيرة جدا سيتحول لبنان -الذي كانت تجتاحة جيوش أشور -بستاناً مثمراً،وسوف
يفرح العمي والصم والمساكين بالروح بقدوس إسرائيل.

 

د-
ويل للمنحازين لمصر (ص 30) :فيوجه إشعياء ويله الرابع إلي السياسيين المتمردين
الذين في عنادهم يعلنون صراحة تأييدهم للتحالف مع مصر، ومن الواضح، أنهم استطاعوا
ان يكسبوا الملك إلي جانبهم. وكانت هناك سفارة في طريقها إلي مصر، تحمل معها -عبر
صحراء الخروج-كنوزا ثمينة لشراء صداقة مضطهديهم القدماء. وهنا نري إشعياء يدين ما
لم يستطع أن يمنعه. إن مصر هي "رهب الجلوس" أي أنها وحش بحري أسطوري في
مظهرة الخارجي يهدد ويتوعد، ولكنه في حقيقته متخاذل، فعندما تحل الكارثة، تجلس
صامتة معرضة إسرائيل "للخزي والعار".

 

هـ-
ويل للذين يستندون علي الخيل ويتوكلون علي المركبات (ص 31و 32) فما زال إشعياء في
الويل الخامس يشجب بشدة أولئك الذين يستندون علي خيل مصر ومركباتها، ويتجاهلون
قدوس إسرائيل، فإن الذين يفعلون ذلك ينسون أن المصريين ليسوا إلا أناسا وان خيلهم
جسد لا روح، وأن الجسد وحده لا يستطيع أن ينفع في صراعة مع الروح، ولكن في النهاية
يريد الرب أن ينقذ أورشليم، إن رجع بنو إسرائيل عن اصنامهم إليه، وفي ذلك اليوم
تكون أشور قد أندثرت، ويشرق عهد جديد علي يهوذا ويتجدد المجتمع ويبدأ الإصلاح من
القمة، وتستيقظ الضمائر فلا تختلط المعايير الأخلاقية (32: 1-8).وكما يقول العالم
ديلتز : "تحل الارستقراطية الأخلاقية محل ارستقراطية المولد والثراء كما انه
في ذلك اليوم لا تهدد النساء العابثات غير المكترثات، مصالح البلاد الاجتماعية
(32: 9-14)، وبانسكاب روح الرب ينبثق مجتمع مثالي يسود فيه العدل الاجتماعي
والسلام والخير الوفير والأمان.

 

كانت
المملكة الشمالية جميلة وهادئة عندما نادى إشعياء قائلا: ويل لإكليل فخر سكارى
أفرايم [الويل للسامرة التي هي تاج افتخار السكيرين في أفرايم والأسباط العشرة]
(إشعياء 1:28).

كان
إشعياء شديد اللهجة. وقد حذر الشعب من تدمير أنفسهم بواسطة الانغماس في شهوات
الذات ورفض كلمة الله. فإن إسرائيل التي كانت تنعم في الترف الزائد، بما فيها من
بيوت للصيف وبيوت للشتاء، وقصور من العاج، وحدائق، ومزارع كروم وتين وزيتون، وبيوت
مصنوعة من حجارة منحوتة، وأسرّة [جمع سرير] من عاج، والتي فيها يدهن الناس أجسامهم
بأفخر الأطياب (1 ملوك 39:22؛ عاموس 15:3؛ 9:4؛ 11:5؛ 4:6،6)، قد جعلت من هذه
الأشياء آلهة أخرى.

بعد
ذلك تحول إشعياء إلى وضع يهوذا، وأدانها لأنهم اتبعت مثال السامرة. كانت يهوذا
أيضا قد دخلت في تحالف سري عسكري مع مصر، ولكن النبي أشار إلى هذا التحالف أنه
ملجأ الكذب… عهد مع الموت… تكونون له للدوس [أي سيجعلكم تحت أقدامه] (إشعياء
17:28-18).

إن
كل خاطئ اليوم لديه ملجأ كذب. فالسكير يظن أنه يستطيع أن يتحكم في نفسه وأنه سوف
يمتنع عن الشراب قبل أن يلحق به الدمار؛ والمقامر يظن أنه يستطيع أن يرهن ماله مرة
أخرى ويكون رابحا؛ والزاني والفاسق يظن أنه لن يكتشف أمره أبدا؛ واللص والإنسان
غير الأمين يعتقد أنه قد اختار أقصر الطرق إلى النجاح. هؤلاء جميعا أقنعوا أنفسهم
أنهم حالات استثنائية، وشأنهم شأن يهوذا فإنهم مخدوعون وقد صنعوا – دون أن يعلموا
– عهدا مع الموت الذي نهايته عذاب أبدي.

وقد
ناشد إشعياء شعبه بأن يضعوا ثقتهم في الرب الذي هو أكثر ضمانا من "حجر
أساس" هيكل سليمان. لقد كان "حجر أساس" الهيكل حجرا ضخما. فبعض
حجارة الهيكل كان طولها يزيد على 30 قدما، ووزنها أكثر من مائة طن. وهي لا تزال
موجودة إلى اليوم. وبعد ذلك تنبأ إشعياء عن مجيء المسيح: هأنذا أؤسس في صهيون
حجرا، حجر امتحان، حجر زاوية كريما، أساسا مؤسسا (إشعياء 16:28). إن المسيح هو
الأساس المؤسس لخلاصنا.

المسيحية
تبدأ بالإيمان الفردي. إذ من اللحظة التي يؤمن بها يصبح المسيحي عضوا في كيان
أكبر، يشبه بالمبنى الذي يستخدم فيه العديد من القطع لبنائه. وكما أن المصمم
الرئيسي للمبنى لديه الحكمة من جهة استخدام المواد المختلفة بأفضل طريقة مناسبة،
كذلك فإن المسيح يستخدمنا بحسب اختياره في إتمام خدمته (رومية 4:12-8).

فنحن
مبنيون على أساس الرسل والأنبياء، ويسوع المسيح نفسه رأس الزاوية. ومن خلاله كل
جزء يتحد بالمبنى، وهكذا ينمو المبنى ليصبح هيكلا مقدسا.

ويؤكد
الروح القدس لجميع المؤمنين أنهم يستطيعون أن يضعوا ثقتهم الكاملة في المسيح، لأنه
مكتوب: ها أنا أضع في صهيون حجر صدمة وصخرة عثرة وكل من يؤمن به لا يخزى (رومية
33:9؛ أيضا 1 بطرس 6:2).

إعلان
عن المسيح: بصفته حجر الامتحان [أي الحجر المختبر]، حجر الزاوية الكريم، الأساس
المؤسس [أي المتين] (إشعياء 16:28). لقد أصبح يسوع هو حجر الزاوية الأساسي (متى
42:21-46؛ أعمال 10:4-12؛ رومية 29:9-33؛ أفسس 8:2-22؛ 1 بطرس 6:2-8).

 

 إشعياء 32 – 37

و-
ويل للمخرب الأشوري (ص 33) : فينصب ويل إشعياء الأخير علي المخرب الغادر نفسه،
الذي أخرب مدن يهوذا وبدأ الآن حصاره لأورشليم (701ق.م) وبدأ النبي يصلي، وبينما
هو يصلي "رأي" وماذا رأي ؟ رأي جيوش الأشوريين الجبارة تبيد وسكان
أورشليم المنتصرين –بعد أن طال حصارهم –يندفعون كالجراد نحو الغنيمة التي أجبر
العدو المنهزم علي تركها وراءه، وباءت محاولة المخرب الاستيلاء علي أورشليم
بالفشل. وستري كل الأرض مشهد هزيمة أشور، وستمتلئ بالخوف والدهشة علي عمل الرب
العجيب، وحينئذ سيسكن الأبرار فقط أورشليم،وستري عيونهم المسيا في بهائه ستراه
يملك – لا كحزقيا علي بقعة محدودة، ولكن علي أرض بلا حدود حيث يستمتع سكانها بسلام
الرب وحمايته، بلا خطية ومن ثم بلا مرض أيضاً (17: 24). وبهذه الاصورة الجميلة
للمستقبل، لعهد المسيا تختم ويلات النبي ختاماً مناسباً، فإشعياء لم يعلن أبداً أي
ويل بدون أن يضيف إليه وعدا وأملاً مقابلاًَ له.

 

 وفي
الاصحاحين 34 ,35 يطلق النبي صرخة عنيفة من أجل العدالة ضد "كل
الأمم"،ضد أدوم بخاصة، بنغمة الدينونة حيث أن أدوم قد أرتكبت جرائم فظيعة ضد
صهيون (34: 8و 9) ولذلك قضي عليها بالخراب، ولكن في الجانب الآخر، سيعود من السبي
كل مشتتي إسرائيل وابتهاج وفح يدركانهم.ويهرب الحزن والتنهد " (ص 35).

 

مرت
عشرون سنة بعد أن غزا سنحاريب، ملك أشور،المملكة الشمالية ودمرها. وكان في السنة
الرابعة عشرة للملك حزقيا أن سنحاريب ملك أشور صعد على كل مدن يهوذا الحصينة
وأخذها (إشعياء 1:36). في ذلك الوقت كان غرب آسيا بأكمله تحت السيطرة الأشورية،
بما في ذلك بابل ومادي وأرمينيا، والجوزان، وسوريا، وفينيقيا، ودمشق، والسامرة،
وفلسطين، وأدوم.

وقد
هزم ملك أشور 46 مدينة وقرية من يهوذا في حملة واحدة وأخذ إلى السبي حوالي 200.000
من سكانها. وأرسل ملك أشور ربشاقى [رتبة عسكرية] من لاخيش [القلعة اليهودية
المشرفة على الطريق من مصر] إلى أورشليم إلى الملك حزقيا بجيش عظيم (إشعياء 2:36)
لكي يتفاوض مع حزقيا بشأن الاستسلام الكامل وغير المشروط.

وأرسل
حزقيا ألياقيم رئيس الكهنة، وشبنة الكاتب، ويوآخ المسجل، ليسألوا ربشاقى عن
مطالبه. فاستهزأ ربشاقى بهم أولا بسبب إيمانهم بالرب إله حزقيا، وسخر أيضا من
اتكالهم على مصر لأجل مركبات وفرسان (إشعياء 9:36). فلقد كانت مصر هي الأمة
الوحيدة في العالم التي تصلح أن تكون حليفا عسكريا قويا. فلقد كان في مصر جيش
مدرب، ومركبات وخيول كثيرة، وأسلحة وفيرة للحرب. وفي ذلك الوقت كانت مصر على صلة
وثيقة بإثيوبيا وكانا يقدران أن يأتيا معا إلى الحرب بقوات بلدين كبيرين – بجيش
عدده على الأقل مليون جنديا (2 أخبار 9:14).

وحتى
ذلك الحين لم تكن أشور قد انهزمت في أي معركة. وعندما عاد ألياقيم وشبنة ويوآخ
بالرد النهائي للأشوريين إلى حزقيا، ذهب حزقيا في الحال إلى بيت الرب، ونشرها [أي
الرسائل] أمام الرب. وصلى حزقيا إلى الرب قائلا… أمل يا رب أذنك واسمع… كل
كلام سنحاريب الذي أرسله ليعيّر الله الحي. حقا يا رب إن ملوك أشور قد خربوا كل
الأمم وأرضهم… والآن أيها الرب خلصنا من يده فتعلم ممالك الأرض كلها أنك أنت
الرب وحدك (إشعياء 14:37-20). لقد كانت صلاة حزقيا مؤسسة على رغبته في أن يكرم
الله الحي، الرب وحده.

بعد
ذلك أرسل إشعياء إلى حزقيا الإجابة التي أخذها من الرب: هكذا يقول الرب إله
إسرائيل الذي صليت إليه… إني أحامي عن هذه المدينة لأخلصها (إشعياء 21:37-35).
في تلك الليلة خرج ملاك الرب وقتل 185 ألف جنديا من معسكر أشور. وعندما استيقظ
سنحاريب في الصباح التالي وجد جيشه بأكمله ميتا. وعندما عاد إلى نينوى قتله ابناه
(إشعياء 36:37-38).

كم
هو ضروري أن نتبع مثال حزقيا، لكي يتمجد الرب في صلواتنا وطلباتنا. فإننا نقدر نحن
أيضا أن نحصل على إرشاد الرب وحمايته؛ ولكننا نحتاج أن نتجه إلى الرب يوميا في
الصلاة – معترفين باتكالنا الكامل عليه وراغبين في أن نرى مشيئته تتحقق من خلالنا.

ولا
زال الرب يقول لنا: ادعني فأجيبك وأخبرك بعظائم وعوائص لم تعرفها (إرميا 3:33).
كذلك فإن الرب يسوع يؤكد لنا قائلا: إن ثبتم فيّ وثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون
فيكون لكم (يوحنا 7:15).

إعلان
عن المسيح: بصفته الصخرة العظيمة (إشعياء 2:32). إن المسيح متاح دائما لجميع الذين
يضعون ثقتهم فيه ولا يضعونها في القوة البشرية، للحصول على الراحة والأمان في أرض
معيية. الرب صخرتي وحصني… من هو صخرة سوى إلهنا؟ (مزمور 2:18،31؛ أيضا متى
28:11-30). وبصفته الملك الذي سيجري القضاء على الأرض (إشعياء 17:33؛ 4:34-5). في
ذلك اليوم سيرى المؤمنون الحقيقيون الملك في قوته وجلاله العظيم، ولكن الهالكين
سيواجهون هوانا وخزيا (متى 30:24؛ 2 بطرس 10:3).

 

 إشعياء 38 – 42

أما
الأصحاحات 36-39 فتحتوي علي مزيج من التاريخ والنبوة والأناشيد. وهذه الأصحاحات
تؤدي غرضين،فهي تذييل للأصحاحات 1-35، ومقدمة للأصحاحات 40-66، وفيها نجد ثلاثة
أحداث تاريخية هامة، كان إشعياء عاملاً بارزا فيها :

أ
المحاولة المزدوجة لسنحاريب للاستيلاء علي أورشليم (ص 36،37).

ب
مرض حزقيا وشفاؤة (ص 38).

ج
بعثة مردوخ بلادان (ص 39).

 وتكاد
هذه الأصحاحات –مع بعض الحذف والإضافة لأجزاء معينة –تتطابق حرفياً مع ما جاء في
الملوك الثاني (18: 13-20: 19) وهي تبدأ بعبارة تاريخية : "وكان في السنة
الرابعة عشرة للملك حزقيا … "ولقد بذلت محاولات متعددة لحل غموض هذا
التاريخ،فلو أن الكاتب يشير إلي حصار سنة 701 ق.م، لشكل ذلك صعوبة، لأن هذا الحادث
لم يحدث في "السنة الرابعة عشرة" لحزقيا، ولكن في السنة السادسة
والعشرين طبقاً لتواريخ حياته كما هي مدونة في الكتاب المقدس. أما إذا أرخنا
اعتلاء حزقيا لعرش يهوذا في سنة 720ق.م. فإن حصار سنة 701 ق.م. يكون قد حدث – كما
هو واضح –في السنة التاسعة عشرة لحزقيا، ويحتمل أن "السنة الرابعة عشرة للملك
حزقيا "كانت هي السنة الرابعة عشرة من "الخمس عشرة سنة" التي أضيفت
لعمره، ولكن الأرجح أنها تشير إلي السنة الرابعة عشرة من ملكه، ويبدو أنه يستحسن
أن تحمل هذه العبارة علي أنها عنوان تاريخي لكل هذا الجزء وبخاصة للأصحاح الثامن
والثلاثين الذي يتحدث عن مرض حزقيا الذي حدث فعلاً في السنة الرابعة عشرة (714
ق.م)، والذي كان -مع وجود سرجون في أشدود -أكبر أزمة شخصية في حياة الملك حزقيا.

 

 لقد
قام سنحاريب بمحاولتين في سنة 701 ق.م. لاخضاع أورشليم، إحداهما من لخيش بجيش
بقيادة ربشاقي (36: 2-37: 8)،والثانية من لبنه حيث أرسل رسلا يحملون تهديدا لحزقيا
(37 :9-13). أما الجزء الموجز المذكور في الملوك الثاني (18: 14-16) فلم يذكر فيما
بين العددين الأول والثاني من الأصحاح السادس والثلاثين من إشعياء، لأن النبي لم
يشأ -في ذلك لوقت -أن يعيد إلي الأذهان مذلة الشعب. وآخر "كلمة"لإشعياء
بخصوص أشور (37: 21- 35) هي واحدة من أعظم نبوات النبي، وهي تتكون من ثلاثة أجزاء
:

 

أ
الجزء الأول، قصيدة ساخرة في صورة رثاء لإذلال سنحاريب المحتوم (37: 22-29).

ب
الجزء الثاني، قصيدة مختصرة مختلفة اللحن، موجهة إلي حزقيا لتشجيع إيمانه (30:
32).

ج-
الجزء الثالث، نبوة محددة عن الخلاص المؤكد لأورشليم (33: 35)، ولقد تحققت نبوة
إشعياء حرفياً.

 

 أما
الجزء الوارد في الأصحاح الثامن والثلاثين (38: 9-20) فيحتوي علي أغنية الشكر التي
رفعها حزقيا إشادة بشفائة من مرض مميت. إنها انشودة جميلة شجية لم تذكر في سفر
الملوك. لقد مرض حزقيا في سنة 714 ق.م. وبعد سنتين أرسل مردوخ بلادان -عدو الأشوريين
اللدود -رسائل وهدية لتهنئة حزقيا إذ سمع شفائة العجيب، ولا شك في أن الملك
البابلي الداهية، كان مدفوعا بدوافع سياسية، ومهما كانت دوافع مردوخ، فإن زيارة
الوفد الذي أرسله جعلت حزقيا ينتفخ، وفي لحظة من لحظات الضعف أراهم كل كنوزه
الملكية، وكانت هذه حماقة خطيرة، إذ كان من الطبيعي أن رؤية ممتلكاته الثمينة
الكثيرة، لاربد أن تثير الجشع البابلي للاستيلاء علي أورشليم. وهنا نري إشعياء لا
يدين تصرف الملك بشدة فحسب، بل يعلن أيضاً ببصيرة خارقة أنه ستأتى أيام تحمل فيها
كل كنوز أورشليم الكثيرة إلي بابل (39: 3-6، انظر أيضاً ميخا 4: 10). وتعتبر هذه
النبوة الأخيرة عن الدينونة أروع تهديدات إشعياء، لأنه يؤكد بوضوح أنه ليس
الأشوريون -الذين كانوا في ذلك الوقت في قمة قوتهم -بل البابليون هم الذين سيكونون
وسائل الانتقام الإلهي لتنفيذ خراب أورشليم وليس ثمة سبب يدعو إلي التشكك في صحة
هذه النبوة، بل الحقيقة هي أنها أساس نبوي للأصحاحات التالية (40: 66).

 

كانت
قد مرت حوالي 13 سنة منذ أن جاء إشعياء إلى حزقيا بهذا الخبر المثير أن الرب قد
وعد قائلا: أحامي عن هذه المدينة لأخلصها من أجل نفسي (إشعياء 21:37، 35-36). في
ذلك الوقت قتل ملاك الرب 185 ألفا من جنود سنحاريب، وهكذا نجت مملكة يهوذا الصغيرة
بطريقة معجزية من جيوش الإمبراطورية الأشورية العالمية التي لا تقهر.

في
تلك الأيام مرض حزقيا للموت. فجاء إليه إشعياء النبي وقال له: هكذا يقول الرب أوص
بيتك لأنك تموت ولا تعيش (إشعياء 1:38؛ 2 ملوك 1:20؛ أيضا 2 أخبار 24:32-26). حتى
هذا الوقت لم يكن حزقيا قد أنجب ابنا بعد، وبالنسبة لليهودي فإن عدم إنجاب ذرية من
الذكور كان يعتبر أمرا محزنا. وكذلك فإن موت الإنسان في منتصف عمره كان يعتبر
علامة على الغضب الإلهي (أيوب 32:15؛ 15:22-16؛ مزمور 23:55؛ أمثال 27:10؛ جامعة
17:7). ولكن الأسوأ من هذا كله هو أن نسل داود سينقطع!

كان
حزقيا قد اختبر من قبل استجابات معجزية لصلواته، فوجه حزقيا وجهه إلى الحائط وصلى
إلى الرب وقال: آه يا رب، اذكر كيف سرت أمامك بالأمانة وبقلب سليم، وفعلت الحسن في
عينيك. وبكى حزقيا بكاء عظيما (إشعياء 2:38-3). وعندما قال حزقيا أنه سار أمام
الرب بالأمانة وبقلب سليم (قارن إشعياء 17:38)، فلقد كان يعني أنه لم يعبد الأوثان
على الإطلاق، وخدم الرب بأمانة، ولم يحد عن وصاياه متعمدا. وقد صادق الكتاب المقدس
على صلاة حزقيا أنها صحيحة (2 ملوك 3:18-6؛ 2 أخبار 20:31-21).

ولم
يكن إشعياء قد ابتعد كثيرا عن فراش حزقيا في القاعة الوسطى بالقصر، إلا وسمع صوت
الرب قائلا: اذهب وقل لحزقيا، هكذا يقول الرب… قد سمعت صلاتك، قد رأيت دموعك؛
هأنذا أضيف إلى أيامك خمس عشرة سنة (إشعياء 5:38؛ 2 ملوك 5:20-6).

لا
ينبغي أبدا أن نتردد في الصلاة عندما يكون هدفها إكرام الرب، حتى ولو بدت الظروف
ميئوسا منها.

ولكن
هذا لا يعني أن الرب سيجيب دائما كل الصلوات بطريقة معجزية. فإن الرسول بولس ترك
تروفيمس مريضا في ميليتس (2 تيموثاوس 20:4).

إننا
كثيرا ما نقبل بسهولة شكوى الشيطان علينا – بأننا لا نستحق أن يستجيب الله
صلواتنا. فمع أننا يجب أن نعرف أخطاءنا وأن نعترف بخطايانا؛ ولكن في نفس الوقت يجب
أن نكون مدركين للأمور الجيدة التي أجراها الروح القدس بعمله الداخلي في حياتنا
وكيف أننا نسعى بإخلاص للتشبه بالمسيح وتمجيده في حياتنا، لأن هذا يعظم نعمة الله.
وفوق ذلك فإن الله ينتظر منا أن نجعل إرادته تتحقق من خلال صلواتنا. إن الذين
يثقون في الرب وينتظرونه لا بد أن يكتشفوا قيادته لهم لأجل تحقيق مقاصده.

إذاً
إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة؛ الأِشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار
جديدا!… لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه (2
كورنثوس 17:5،21).

إعلان
عن المسيح: كالخالق (إشعياء 28:40؛ قارن مع يوحنا 1:1-3)؛ والراعي (إشعياء 11:40؛
قارن مع يوحنا 11:10)؛ والفادي (إشعياء 14:41). وبصفته ملاك الرب (إشعياء 26:27).

 

 إشعياء 43 – 46

إذ
نأتي إلي الأصحاحات 40-66، نري نبوات التعزية والخلاص والمستقبل المجيد الذي ينتظر
إسرائيل، وتنقسم هذه الأصحاحات إلي ثلاثة أقسام:

أ
الأصحاحات من 40: 48، وهي تعلن الخلاص من الأسر بواسطة كورش.

ب
الأصحاحات من 49: 57،وصف لآلام "عبد الرب"، ويختم هذا القسم كسابقه،بالقول
: "ليس سلام قال إلهي للأشرار" (57: 21مع 48: 22).

ج-
الإصحاحات من 58: 66، إعلان القضاء النهائي علي الفوارق القومية والمستقبل المجيد
لشعب الله.ويعتبر الإصحاح الستون هو الإصحاح المتميز في هذا القسم في هذا القسم
تماماً كالإصحاح الثالث والخمسين في القسم الثاني والإصحاح الأربعين في القسم
الأول.

 

وبالدخول
في تفاصيل أوسع، نجد ان القسم الأول (ص 40-48) يبين بوضوح لاهوت الرب عن طريق
قدرته الفريدة علي التنبؤ.إن اساس التعزية التي يعلنها النبي هو إله إسرائيل الذي
لا شبيه له (ص 40). إن رب إسرائيل كلي القدرة، لا يقارن بالآلهة الأخرى.ففي مقدمة
هذا القسم (40: 1-11) يسمع النبي أربعة أصوات : صوت النعمة (1 و2) وصوت النبوة

 

(3
و5)، وصوت الإيمان (6-8)، وصوت البشارة (9-11). ثم بعد أن يشيد بعظمة إله إسرائيل
الذي لا شبيه له، والذي قد نسوه (12 -26)، يحثهم علي أن لا يظنوا أن الرب غافل أو
غير مبال بمذلة إسرائيل، فلابد لإسرائيل أن ينتظر خلاص الرب. إنهم يطلبون الخلاص
العاجل،لكنه يكرر لهم القول بأن ينتظروا، لأنه مع هذا الإله الحكيم القادر،ينبغي
علي إسرائيل أن لا يجزع (27-31).

 

 أما
في الأصحاح الحادي والأربعين، فإن النبي يعلن أن البرهان الأعظم علي لاهوت الرب
الفريد هو قدرته علي التنبؤ، فهو يتساءل : "من أنهض من المشرق …؟" ومع
أنه لا يذكر اسم ذلك البطل، إلا أن كورش كان بلا شك في فكر النبي (انظر44: 28، 45:
1)، ولم يكن قد ظهر بعد في أفق أحداث التاريخ –كما يزعم البعض –ولكنها كانت نبوة
بأنه سيأتي بالتأكيد. فأزمنة الأفعال المستخدمة تدل علي أفعال تامة حدوثها أكيد،
(واستخدمت بنفس الطريقة التي استخدمت بها في 3: 8،5: 13، 21: 9) أما الأجابة علي
تساؤله فهي : "أنا الرب الأول ومع الآخرين أنا هو " (41: 4).إن إسرائيل
هو عبد الرب، ويستمر الحديث ولكنه لم يعد بين الرب والأمم كما هو الحال في الأعداد
من 1-7،ولكنه يجري الآن بين الرب والأوثان (21: 29). وإذا يتحدث إلي الأوثان الصم،
يقول : " لو كنتم حقاًَ آلهة فتنبأوا، أما انا فسأنهض بطلا من الشمال، سيخضع
كل من يقف في وجهة. ها أنا أعلن مقصدي مقدماً "من البدء"، "ومن
قبل" أن يوجد أدني تفكير في وجود مثل هذا البطل أو في أنه سيوجد في يوم من
الأيام (عد 26) وسيثبت المستقبل هذه النبوات، ويبرهن علي ألوهيتي الفريدة، أنا
الرب وليس سواي يعلم المستقبل.

 

 وفي
الأعداد من 25 -29 يعتبر النبي نفسه وكأنه انتقل إلي المستقبل، فيتحدث من موقع
اتمام نبواته، وهذا كما رأينا من قبل -هو ما تميز به إشعياء في الأصحاحات من 24:
27.

 

 وفي
42: 1-43: 13،يعلن النبي عن وسيط الفداء الذي هو "عبد الرب"، ليس فقط
الوسيط المؤقت (كورش) الذي سينهض كوسيط لفداء إسرائيل، الذي يعتبر الخطوة الأولي
في عمل الخلاص الشامل المتوقع، بل أيضاً الوسيط الروحي، حيث أن عبد الرب سيكون سبب
إعلان أخبار الخلاص السارة للمسبيين ولجميع الأمم أيضاً. ففي الأصحاح الثاني
والأربعين (1-9) يصف النبي هذا الشخص المثالي والعمل الذي سيقوم باتمامه. ورؤية
هذا المستقبل المجيد تدفع النبي ليتغني بأغنية شكر قصيرة من أجل الفداء الذي يراه
في المستقبل (42: 10-17). لقد ظل إسرائيل زمنا طويلا أعمي وأصم لا يري ولا يسمع
أوامر الرب (42: 18, 19)، ولكن الآن يعلن الرب عزمه علي فدائهم ولو علي حساب أمم
العالم الكثيرة حتي ينشروا شريعته لجميع الشعوب (42: 8-43: 13).

هل تبحث عن  شخصيات الكتاب المقدس عهد قديم يونان 1

 

 وفي
43: 14-44: 23، نري أن الغفران هو ضمان الخلاص، وأن عزم الرب علي فداء إسرائيل
إنما هو بالنعمة، فالخلاص هبة، لقد محا الرب ذنوبهم من أجل نفسه هو (43: 25)، وهذا
الفصل الكتابي -كما يقول ديلمان- "صورة بارزة لأسمي درجة النعمة في العهد
القديم ".أما آلهة الخشب والحجر فلا وجود لها، والذين يصنعون الأصنام هم
عميان ومظلمو القلوب "يرعون رمادا" (43: 20).أما الفصل الأوسط من
الأصحاح الرابع والأربعين (9-20) فيكشف -بلا رحمة -حماقة عبادة الأصنام.

 

وفي
44: 24-45: 25، يذكر النبي -أخيراً -اسم بطل خلاص إسرائيل ويصف مهمته، أنه كورش
الذي سيبنى أورشليم يضع أساس الهيكل (44: 28)، كما سيخضع الأمم ويحرر المسبيين
(45: 1و 13) وهو يتحدث عن كورش بعبارات رائعة، فهو "راعي" الرب (44:
28)، وهو أيضاً "مسيح" الرب أي "المسيا" (45: 1)،"ورجل
مشورتي" (46: 11)، الذي دعاه الرب باسمه ولقبه،وهو لم يكن يعرفه (45: 3و
4)،كما أنه هو الذي "أحبه الرب " (48: 14)، والذي يمسك بيمينه (45: 1)
والذي سيتمم كل مسرة الرب (44: 28)، مع أنه طائر "كاسر من المشرق " (46:
11).

 

 إن
الوضوح الذي يتحدث به النبي عن كورش، يجعل البعض يفترضون أنه كان قد ظهر في الأفق،
وهذا خطأ واضح، فلم يكن في استطاعة معاصر أن يتحدث بمثل هذه العبارات عن كورش
الحقيقي الذي في ظهر في سنة 538 ق.م. فالنبي يعتبره (كورش النبوات وليس كورش
التاريخ)، يعتبره تحقيقاً لنبواته التي نطق بها قبل عصره بزمن طويل، ففي نفس الوقت
الذي يتنبأ النبي فيه عن كورش، يتحدث عنه كبرهان علي تحقيق نبواته (44: 24-28، 45:
21). هذه الظاهرة النبوية يمكن تفسيرها باعتبار أن النبي قد دفع بنفسه إلي
المستقبل، قبل موعده بزمن طويل. الأروع من كل هذا أن نري النبي في الأصحاح الخامس
والأربعين (14: 17) يحلق بالفكر، فيري -نتيجة لانتصارات كورش – الأمم المهزومة
ترتد عن أصنامها، وتلتفت إلي الرب المخلص كل البشرية (45: 22).ومهما يكن الرأي،
فإن العنصر النبوي في هذه النبوات واضح لا لبس فيه.

 

أما
في الأصحاحين السادس والأربعين والسابع والأربعين، فإن النبي يستمر في وصف العمل
المتميز الذي سيقوم به كورش، بينما لا يذكر اسم كورش سوي مرة واحدة.لأن هناك
تأكيداً خاصاً علي الأنهيار التام للديانة البابلية، فواضح أن النبي يهتم بإذلال
الأصنام البابلية، أكثر من اهتمامه بسقوط مدينة بابل نفسها،ومن الطبيعي أن خراب
المدينة يعني هزيمة آلهتها (أصنامها)وتحرير إسرائيل.ولكننا نري هنا مرة أخري أن
الكل يشير إلي المستقبل.والحقيقة هي أن سيادة الرب المطلقة التي لا مثيل لها،
ولاهوتة الفريد،يتجليان في قدرته علي التنبؤ : "مخبر منذ البدء بالأخير
"، قد تكلمت فأجريه. قضيت فأفعله" (46: 10,11).

 

كانت
عاصمة بابل محاطة بأسوار كثيفة يبلغ ارتفاعها حوالي 300 قدما وعرضها يكفي لأن تسير
مركبتان فوقها جنبا إلى جنب. وكان البابليون متأكدين أنه لا يمكن لأحد أن يغزو
مدينتهم العظيمة. ومع ذلك فلقد تنبأ إشعياء بأن رجلا اسمه كورش سيرأس إمبراطورية
كانت في ذلك الوقت أمة غير منظمة وقليلة الشأن. وقال أيضا أن كورش سيغزو بابل عن
طريق بوابات عبر النهر الذي يمر في وسط المدينة: هكذا يقول الرب لمسيحه لكورش الذي
أمسكت بيمينه لأدوس أمامه أمما وأحقاء ملوك أحل لأفتح أمامه المصراعين والأبواب لا
تغلق (إشعياء 1:45).

لم
يكن في استطاعة أحد سوى روح الله أن يعطي لإشعياء مثل هذه التفاصيل المذهلة بخصوص
هزيمة بابل. وقد أعطى أيضا تفاصيل مدهشة بأنها لن يعاد بناؤها ولن يسكنها أحد فيما
بعد: وتصير بابل، بهاء الممالك وزينة فخر الكلدانيين، كتقليب سدوم وعمورة، لا تعمر
إلى الأبد (إشعياء 19:13-20؛ أيضا 22:21).

وفي
الساعة المحددة سقطت مدينة بابل أمام القوات المشتركة لدولتي مادي وفارس. فلقد تم
تحويل مسار نهر الفرات الذي يمر في وسط مدينة بابل، واجتازت جيوش مادي وفارس على
مجرى النهر اليابس من خلال بوابتين كانت قد تركت مفتوحة في تلك الليلة بالذات
(إشعياء 27:44).

نظرا
لأن أورشليم كانت صغيرة جدا وضعيفة بالمقارنة مع إمبراطورية بابل العملاقة، فإن
نبوة إشعياء عن أورشليم كانت أكثر عجبا إذ قال عن أورشليم ستعمر ولمدن يهوذا
ستبنين وخربها أقيم (إشعياء 26:44). كل هذا قيل في الوقت الذي كان فيه الهيكل لا
يزال قائما والأسوار في حالة ممتازة والأمة لا تزال تتمتع بحريتها. والأكثر من ذلك
فإنه قد يبدو من غير المعقول أن قائدا وثنيا يسعى إلى تحرير اليهود من الأسر ثم
يحثهم على الرجوع إلى أورشليم وإعادة بناء الهيكل. ولكن الرب قال عن كورش أنه
راعيَّ [أي الحاكم الذي ينفذ مشيئتي] فكل مسرتي يتمم (إشعياء 28:44). وقد حدث ذلك
في تمام انتهاء 70 سنة على ذهاب يهوذا إلى السبي. لم تكن هناك نبوة مثل هذه يصعب
تحقيقها.

إن
نبوة إشعياء تدل على العلم المسبق الذي يمتلكه الرب وحده. وتحقيق هذه النبوات يجب
أن يزيل كل شك من جهة اهتمامه بنا وقدرته الفائقة على إتمام وعوده. فالكتاب المقدس
يعلن لنا أن لدى الله خطة كاملة لحياتنا. لذلك فمن المهم جدا أن نقرأه يوميا، لأنه
بهذه الطريقة فقط يمكننا أن نصبح الأشخاص الذين يريدنا الرب أن نكون ونستعد لتحقيق
القصد الذي من أجله خلقنا.

فأطلب
إليكم أيها الإخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله
عبادتكم العقلية. ولا تشاكلوا هذا الدهر [أي لا تتشكلوا بحسب عادات هذا العصر]
(رومية 1:12-2).

إعلان
عن المسيح: بصفته الفادي (إشعياء 1:43؛ 22:44-24). بموته على الصليب، صنع المسيح
الفداء لجميع الذين يؤمنون به كالمخلص (1 كورنثوس 20:6؛ 1 بطرس 18:1-19).

 

 إشعياء 47 – 51

الأصحاح
السابع والأربعون، هو مرثاة لسقوط المدينة الملكية، ويشبه إلي حد بعيد،الهجاء
الساخر علي ملك بابل (14: 4-21).

 

 والأصحاح
الثامن والأربعون هو ملخص موجز للحوار المذكور في الإصحاحات 40-47،فالنبي يؤكد مرة
أخري،النقاط التالية :

 

أ
قدرة الرب الفريدة علي التنبؤ.

ب
إن الخلاص هو بالنعمة.

ج-
إن ظهور كورش سيكون البرهان القاطع علي حضور الرب الدائم في وسط شعبه.

د-
إن قصاص الرب كان للتأديب فحسب.

ه-
إنه حتي ذلك الوقت يوجد رجاء،متي قبلوا خلاص الرب المقدم لهم.ولكن يا للحسرة !لا
سلام ولا خلاص للأشرار (48: 20-22).

 

وهكذا
ينتهي القسم الأول من "رؤيا"إشعياء الرائعة عن خلاص إسرائيل من السبي
بواسطة كورش.

يبدو
أن المسبيين اليهود القلائل الذين ظلوا أمناء للرب كان يطغي عليهم الحزن في كثير
من الأحيان، فيقولوا: قد تركني الرب، وسيدي نسيني (إشعياء 14:49). فإنه من الطبيعي
أن تقع الدينونة على الأشرار، أو ربما أيضا على المرتدين، ولكن الأمر الذي يثير
العجب هو أن تحدث أشياء رديئة لأكثر المؤمنين إخلاصا – أولئك الذين يخافون الله
ويسمعون لصوت مسيحه ومع ذلك يسلكون في ظلمات وضيق شديد (إشعياء 10:50). ولكن التعجب
من هذا الأمر يدل على نقص الإيمان الناتج عن عدم فهم كلمة الله فهما صحيحا.

لقد
كان الرب قريبا جدا من شعبه المتألم في السبي في بابل، وكان يتكلم إليهم بكلمات
الشفقة والعطف قائلا: أنا أنا هو معزيكم. من أنت حتى تخافي من إنسان يموت، ومن ابن
الإنسان الذي يجعل كالعشب [أي الذي يفنى كالعشب]، وتنسي الرب صانعك باسط السموات
ومؤسس الأرض (إشعياء 12:51-13).

كان
الرب يذكر بني إسرائيل أنهم لا زالوا شعبه. وقد عرفوا عن طريق الأنبياء أن آلامهم
وخسائرهم الفادحة كانت ضرورية لتحريرهم من عبادة الآلهة الكاذبة ولإعدادهم لكي
يصبحوا رعايا ملكوت أبدي أكثر مجدا بما لا يقاس. وقد ذكّرهم الرب أيضا بأمانته
معهم في الماضي وأكد لهم أنه لا يزال يحبهم.

فعندما
ينقطع رجاء بعد رجاء، وتفشل خطة بعد خطة، وتواجهنا تجربة بعد تجربة، فإننا نحتاج
أن نتذكر نبوة إشعياء عن ابن الله الكامل: بذلت ظهري للضاربين وخدي للناتفين، وجهي
لم أستر عن العار والبصق. والسيد الرب يعينني (إشعياء 6:50-7). لقد علمنا الرب أن
نتوقع مثل هذه الآلام قائلا: ليس التلميذ أفضل من المعلم ولا العبد أفضل من سيده
(متى 24:10). فلا ينبغي أن نندهش عندما نواجه صعوبات في هذه الحياة.

فإن
كل واحد منا إما أنه قد تعرض بالفعل أو سوف يتعرض لتجارب قاسية من قوات الشر. فلا
تنزعجوا إذا وجدتم فجأة أن كل عالمكم ينهار من حولكم.

وإذ
نستمر مصلين بحرارة وإصرار ومثابرة، فإننا نحتاج نحن أيضا أن نتذكر كلام إشعياء
إلى الشخص المتألم: من منكم خائف الرب سامع لصوت عبده؟… فليتكل على اسم الرب
ويستند إلى إلهه (إشعياء 10:50). إن الذي يشك في محبة الرب واهتمامه ورعايته
الشخصية يفترض أنه غير قادر على إتمام وعده: ها أنا معكم كل الأيام (متى 20:28؛
أيضا 2 تيموثاوس 7:1). والأكثر من ذلك فإنه يفترض أن قدرة الإنسان على إيذائه أكبر
من قدرة الله على حمايته.

ولكن
القرار الأخير هو لنا، إذ علينا أن نتحول من الشك القائل: "لماذا أنا دون
غيري؟" إلى اليقين القائل: "من هو المتحكم في أمور العالم؟". إن
الرب قادر على إخراج البركة من الانكسار، والنصرة من الشدائد، مثلما فعل مع أيوب
الذي تألم أكثر من أي إنسان آخر في الكتاب المقدس باستثناء الرب يسوع. ولكن أيوب
انتصر على محنته بسبب إيمانه بأن الرب هو المتحكم في الأمور، لأنه يعرف طريقي إذا
جرّبني أخرج كالذهب (أيوب 10:23).

إعلان
عن المسيح: بصفته نور الأمم (إشعياء 6:49) الذي أحضر نور الخلاص الإلهي لجميع أمم
الأرض (لوقا 32:2؛ أعمال 47:13).

 

 إشعياء 52 – 57

الإصحاحات
(49-57) فيتعلق بوسيط الخلاص، "عبد الرب" المتألم.فبداية من الأصحاح
التاسع والأربعين، يترك النبي محاولة إثبات لاهوت "يهوه" بقدرته علي
التنبؤ ويتوقف كلية عن وصف إنتصارات كورش وسقوط بابل،ليقدم بتفصيل أوسع، شخصية
وإرسالية "عبد الرب"المتألم،ففي الإصحاحات 40-48 قد أشار مرات كثيرة إلي
هذه الشخصية الفريدة والغامضة إلي حد ما، متحدثاً عنه تارة بصيغة الجمع،وتارة أخري
بصيغة المفرد (41: 8-10، 42: 1-9و 18-22،43 : 10،44: 1-5و 21-28،45: 4، 48:
20-22)، ولكنه الآن -بتحديد أوضح -يذكر وظائفه النبوية والكهنوتية ومؤهلاته للعمل،
وآلامه واتضاعه،وأيضاً تمجيده النهائي. وفي كل هذه النبوات، يذكر كلمة
"عبد" نحو عشرين مرة.ولكن توجد بالتحديد أربعة اناشيد يطلق عليها
"أناشيد عبد الرب"،فيها يحلق النبي فوق كل جموع إسرائيل، ليصل إلي تجسيد
أتقي شخصية في إسرائيل، بل بالحري إلي شخص فريد تتجسد فيه أفضل شخصية، هذه الأربعة
هي :

 

أ
(42: 1-9) قصيدة تصف وداعة عبد الرب وإرساليتة لكل العالم.

ب
(49: 1-13) يصف إرسالية "عبد الرب" وبخاصة روحياً.

ج-
(50: 4-11) مفاجأة عبد الرب لنفسه بخصوص تكميله بالآلام.

د
– (52 : 13-53: 12) آلامه النيابية وتمجيده نهائياً.

 

 وفي
القصيدة الأخيرة من هذه القصائد الأربع نصل إلي ذروة سيمفونية النبي -الموحي له
بها – وقمة الرجاء العبراني من جهة عصر المسيا.ففي هذا الجزء نجد أعمق إعلانات
العهد القديم، إنه إعلان جلي وواضح عن بر "العبد"، في عبارات قوية بليغة
رائعة،جعلته يتصدر كافة النبوات عن عنصر المسيا، ويسميه بوليكاربوس : "كتاب
الآلام الذهبي في العهد القديم"، وقد تحقق جميعه في يسوع المسيح.

 

وصف
إشعياء المسيا وملك الملوك بأنه المخلص المتألم. وقد كان ذلك مخالفا تماما لما هو
متوقّع، حتى أنه يبدأ كلامه بالقول: من صدّق خبرنا؟ (إشعياء 1:53). عندما خدم الرب
يسوع في أرض الموعد، لم يؤمن سوى أشخاص قليلين بأنه المسيح ابن الله الحي (متى
16:16). وقد استمر هذا الوضع على مدى 2000 سنة منذ ذلك الحين. نبت قدامه كفرخ [أي
مثل نبات غض] وكعرق [أي مثل جذر] من أرض يابسة (إشعياء 2:53). هذا يشير إلى حالة
الفساد الذي كان في العالم عند ولادته ولا يزال موجودا حتى الآن.

لم
يدافع المسيح عن حقوقه ولم يحاول أن يفرض سيطرته على الآخرين. إنه عبد فريد لأنه
حمل خطايا جميع الذين يعترفون بذنبهم ويخضعون حياتهم له. وهو بعد ذلك يقوم بالتشفع
من أجلهم. لقد تحقَّقت في يسوع مواصفات العبد المتألم بشكل تام وأصبح مثالا
للمؤمنين الذين يريدون أن يخدموا الرب اليوم. لا صورة له ولا جمال فننظر إليه ولا
منظر فنشتهيه. لم يكن فيه شيء يجذب الانتباه لأنه جاء من عائلة فقيرة – كان ابنا
لنجار ونشأ في مدينة قليلة الشأن هي الناصرة. كمستَّر عنه وجوهنا [أي مثل شخص
محتقر عندما يراه الناس يغطون وجوههم] محتقر فلم نعتدّ به [لم نقدر قيمته] (إشعياء
3:53)؛ وهذا يعني أن العالم رفض أن يقبله كما هو بالحقيقة فعلا – الله الخالق
العظيم. لقد كان محتقرا من جهة أن الناس لم يلتفتوا كثيرا إلى تعاليمه، ومن جهة
أنهم طردوه بعنف من المجمع في بلده وأرادوا أن يطرحوه من فوق الجبل، وأيضا من جهة
أن كثيرين من تلاميذه رجعوا إلى الوراء ولم يعودوا يمشون معه (يوحنا 66:6). لقد
تجنبه معظم القادة والحكام (يوحنا 48:7)، وحتى تلاميذه فعندما شعروا أن حياتهم في
خطر فلقد تركوه وهربوا (متى 56:26). لقد حمل ابن الله الكامل الذي بلا خطية جميع
خطايا الذين سيقبلون إليه لينالوا غفرانه والحياة الأبدية.

إنه
حقا أحزاننا حملها وأوجاعنا تحمّلها (إشعياء 4:53). وكلمة "أوجاعنا"
تعني جميع أنواع الألم النفسي وأيضا الجسدي. لم يجنب نفسه آلام البشر، ولكنه توحد
مع البائسين والمرضى والعميان والبرص والفقراء والحزانى والمتألمين لفقدان
أحبائهم.

تأديب
سلامنا عليه [أي التأديب اللازم لإعطائنا السلام] (إشعياء 5:53) – بمعنى أن
التأديب الذي وقع عليه أنهى العداوة التي بين الإنسان الساقط والله القدوس.

كلنا
كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه إثم جميعنا (إشعياء 6:53).
"كلنا" تعني أكثر من مجرد إسرائيل، فهي تشمل البشرية كلها. ليس بار ولا
واحد (رومية 10:3).

مبطلا
بجسده ناموس الوصايا في فرائض لكي.. يصالح الاثنين [أي اليهود والأمم] في جسد واحد
مع الله بالصليب… فجاء وبشركم بسلام أنتم البعيدين والقريبين (أفسس 15:2-17).

إعلان
عن المسيح: بصفته الشخص المرفوض من شعبه (إشعياء 3:53؛ قارن مع لوقا 18:23؛ يوحنا
11:1)؛ والذي ظل صامتا عندما اتهم زورا (إشعياء 7:53؛ مرقس 4:15-5)؛ ودفن مع
الأغنياء (إشعياء 9:53؛ متى 57:27-60)؛ وصلب مع الأشرار (إشعياء 12:53؛ مرقس
27:15-28).

 

 إشعياء 58 – 63

أما
الأصحاحات 58- 66،فتصف المستقبل المجيد لشعب الله،فبعد أن وصف في الإصحاحات 40-48،
كورش الوسيط المؤقت في خلاص إسرائيل، ووصف في الإصحاحات 49-57،"عبد
الرب" الوسيط الروحي لخلاصهم،فإن النبي يستطرد في هذا الجزء الأخير ليصف
كيفية تمتع الشعب بهذا الخلاص،فهو يبدأ -كما سبق -بأمر مزدوج : "ناد بصوت
عال.لا تمسك " (انظر 40: 1،49: 1).

 

 ففي
الأصحاح الثامن والخمسين،فإنه يتحدث عن الصوم الحقيقي وحفظ السبت بأمانة. وفى
الأصحاح التاسع والخمسين، يحث إسرائيل علي ترك آثامهم، لأن خطاياهم- كما يقول لهم-
هي التي سترت وجه الرب، وعطلت خلاص الشعب. وفي العدد التاسع وما يليه، يشترك النبي
مع الشعب، ليقودهم في تعبدهم للرب، فقد حزن الرب علي حالة إسرائيل البائسة
العاجزة، فيلبس ثياب الحرب ليجري قضاءه العادل (15- 19)،إذ لابد أن يفدي
إسرائيل.وكنواة لأمة جديدة، سيدخل الرب معهم – من جديد – في علاقة عهد،وسيضع روحه
عليهم ليمكث معهم من الآن وإلي الأب.

 

 أما
الأصحاحان الستون والحادي والستون، فيصفان المستقبل المبارك لصهيون. إن
"النور" الذي انتظروه طويلاً، بدأ يشرق : "قومي استنيري لأنه قد
جاء نورك ومجد الرب أشرق عليك" (60: 1) وعند هذه النقطة يتوقف النبي ليرسم
صورة للجماعة المفدية، كما في (2: 3 و4) نري الأمم يهرعون إلي صهيون التي ستصبح
سيدة كل الأمم، وسيبني بنو الغريب أسوارها،وستفتح أبوابها دائماً، بلا خوف من
حصار،وستعترف الأمم بصهيون "مركزاً روحياً للعالم "،بل إن بني الذين
قهروها،سيعتبرونها " مدينة الرب " :،"فخراً أبدياً" حيث يكون
الرب لها "نوراً أبدياً" (60: 10-22).

 

أما
الأصحاح الحادي والستون الذي يسميه دراموند "برنامج المسيحية" فيقدم مرة
أخري "عبد الرب" -بدون ذكر اسمه- منادياً بالخلاص (1-3)،فبعد أن يقدم
"عبد الرب" رسالة الإنجيل، يأتي الوعد باستعادة أورشليم لمجدها وبركتها
(4-11)، وهكذا نري النبوة تتقدم بثبات نحو غايتها في يسوع المسيح (انظر لوقا 4:
18-21).

 

 وفي
62: 1-63: 6، يصف خلاص صهيون الوشيك، وأن الأمم ستشهد هذا الحدث العظيم. وستعطي
صهيون اسما جديداً يدل علي حقيقتها، وهذا الاسم هو "حفصيبة"، "لأن
الرب يسر بك " لأنه عن أورشليم :"لا يقال بعد لك مهجورة،ولا يقال بعد
لأرضك موحشة " ومن الجانب الآخر سيبيد كل أعداء صهيون.وفي قصيدة درامية موجزة
رائعة الجمال (63: 1-6) يرسم النبي صورة لنقمة الرب كمحارب مظفر يقضي علي كل من
يعمل علي إعاقة خلاص إسرائيل. وكان "أدوم" -بصفة خاصة -عدو إسرائيل الذي
لا يهدأ،لذلك فإن النبي يمثل قضاء الرب علي الأمم كشيء سيحدث علي أرض أدوم النجسة
أما الرب صانع الخلاص بيده القوية، فسيعود منتصراًَ بعد أن يكون قد قضي علي كل
أعداء إسرائيل.

 

 وفي
63: 7-64: 12، يلجأ "عبيد الرب" إلي الصلاة، فيتطلعون إلي أبيهم جابل كل
الأمم (63: 16،64: 8).وبهذا الفكر الذي تشعبت به لغة إشعياء عن أبوة الله، يبدأ
النبي حديثه الأول إلي يهوذا وأورشليم (انظر 1: 2) وكلما تمتد الصلاة، تشتد
لهجتها، فقد خيم اليأس علي الشعب لأن الرب يبدو وكأنه قد تركهم (63: 19) ويدركون
أن حالة أورشليم ميئوس منها "بيت قدسنا وجمالنا حيث سبحك آباؤنا قد صار حريق
نار وكل مشتهياتنا صارت خراباً " (64: 11). وهذه اللغة هي لغة صلاة حارة ويجب
ألا تؤخذ بحرفيتها تماماً (كما يتبين بوضوح من 63: 18، 3: 8).

 

توجد
طاقة معجزية تنطلق من السماء بواسطة الصوم لا يمكن الحصول عليها بأي طريقة أخرى.
ونجد المثال على ذلك في حياة موسى الذي صام 40 يوما في مناسبتين. وقد صام شعب
نينوى ليتجنب الهلاك؛ وصامت إستير وشعبها لكي ينالوا النجاة؛ وصام دانيال ثلاثة
أسابيع ليتغلب على القوات الشيطانية؛ وصام الرب يسوع 40 يوما عندما كان الشيطان
يجربه؛ وصام كرنيليوس فحصل على التجديد (أعمال 30:10). لقد أعطانا الرب يسوع
توجيهات خاصة عن الصوم (متى 16:6-18؛ لوقا 35:5).

ولكن
بني إسرائيل تذمروا قائلين: "إننا نصوم ولكن صلواتنا لا تُستجاب" –
لماذا؟ لقد كشف الرب، من خلال إشعياء، المتطلبات الأساسية اللازمة ليكون الصوم
فعالا. أولا، لم يحقق صوم الإسرائيليين النتائج والبركات المرجوة لأن صومهم كان
محوره الذات، وقد وضّح لهم ذلك قائلا: ها إنكم للخصومة والنزاع تصومون (إشعياء
3:58-4). وكانوا أيضا يصومون لكي يراهم الآخرون – يوما يحني فيه الإنسان كالأسلة
رأسه ويفرش تحته مسحا ورمادا. هل تسمي هذا صوما ويوما مقبولا للرب؟ (إشعياء 5:58).

بالإضافة
إلى ذلك كانت هناك ثلاثة أسباب أخرى جعلت صومهم باطلا: النير [أي الأحمال التي
يثقّلون بها على المظلومين]، والإيماء بالإصبع [أي أنهم يشيرون بإصبعهم استهزاء
بالبائسين أو الأتقياء]، وكلام الإثم [أي كل أنواع الغش والقسوة والظلم والشر في
الكلام] (إشعياء 9:58). فإذا كان ما نعمله للرب أو للناس يضع نيرا عليهم – كأن
نتوقع مثلا خدمات خاصة في المقابل – أو إذا كان هناك إصبع ممدود بالاستهزاء، أو
كلام صعب أو ظالم أو شرير، فهذا دليل على وجود مشكلة كبرياء تسمى بالبر الذاتي.

كثيرون
يظنون أن المسيحية هي مجموعة أشياء لا نعرفها. ولكن المسيحية في الواقع هي شيئا
نتحول إليه – إذ نتحول إلى آنية مختارة لخدمة الرب. أليس هذا صوما أختاره: حل قيود
الشر، فك عقد النير، وإطلاق المسحوقين أحرارا، وقطع كل نير؟ أليس أن تكسر للجائع
خبزك وأن تدخل المساكين التائهين إلى بيتك؟ (إشعياء 6:58-7).

إن
الروح القدس الساكن فينا يجعل نور محبة الله تشع من خلالنا. فإن الحياة الممتلئة
بالروح القدس هي التي تقودك إلى نزع النير من وسطك… وإنفاق نفسك للجائع وإشباع
النفس الذليلة… وعندئذ يشرق في الظلمة نورك، ويكون ظلامك الدامس مثل الظهر،
ويقودك الرب على الدوام ويشبع في الجدوب نفسك وينشط عظامك (إشعياء 9:58-11). ما
أكثر الناس الذين لم يحصلوا بعد على كلمة محبة الله. فليست لديهم كتب مقدسة ولا
وسائل تعليمية. هذا من شأنه أن يجعلنا نعيد تقييم أولوياتنا من جهة ما ينبغي أن
نحتفظ به لأنفسنا.

هناك
فرق بين أن تكسر للجائع خبزك (ع 7) وبين أن تنفق نفسك للجائع (ع 10). فالأولى
معناها أنك تعطي ثم تمضي إلى حال سبيلك، أما الثانية – تنفق نفسك للجائع – فهي
تعني أكثر من ذلك بكثير. إنها تعني تقديم محبة الله وعطفه وحنانه إلى عالم جائع
وضائع ومحتضر.

ولما
رأى الجموع تحنن عليهم إذ كانوا منزعجين ومنطرحين كغنم لا راعي لها (متى 36:9).

إعلان
عن المسيح: بصفته الشخص الممسوح ليبشر المساكين (إشعياء 1:61-2). لقد بشر يسوع
بهذا الجزء أمام القادة في الهيكل (لوقا 16:4-22)، وتوقف في منتصف القراءة، مبينا
أنه إن كان قد حقق الجزء الأول، إلا أن الجزء الثاني – يوم الانتقام – لم يأتِ
بعد. إن المسيح يشفي المنكسري القلوب (إشعياء 1:61؛ مزمور 3:147) ويحررنا بحقه
(يوحنا 32:8-36).

 

إشعياء 64 – 66

 نري
في الإصحاحين الخامس والستين والسادس والستين،الرب يستجيب لتضرعات شعبه مميزا
تماماً بين "عبيده" وبين المرتدين في إسرائيل. فإن نسله المختار هو وحده
الذي سيخلص (65: 9)، أما الذين بعناد يغيظون الرب ويذبحون في الجنات (65: 3،66:
17) والذين "رتبوا للسعد الأكبر مائدة وملأوا للسعد الأصغر خمراًَ
ممزوجة" (65: 11) ويجلسون بين القبور ملتمسين وحياً من الموتي، ويأكلون لحم
الخنزير ومرق لحوم نجسة لأنهم كانوا يظنونها تتميز بصفات سحرية،ويبيتون في القبور
والمدافن يمارسون فيها أسرار وثنية (65: 4)، وفي الوقت نفسه يتصورن أنهم بممارسة
مثل هذه الأسرار الوثنية، يصبحون أقدس من غيرهم، ولذلك فليس عليهم القيام بواجبات
الحياة العادية (65: 5)،هولاء هم الذين سيعاقبهم الرب إذ يكيل الرب عملهم الأول في
أحضانهم مهلكاً إياهم بالسيف (65: 7و 12)،وفي الجانب الآخر سيرث عبيد الرب جبال
الرب المقدسة، وسيفرحون ويترنمون من طيبة القلب، ويتبركون بالإله الأمين، إله الحق
(65: 9و 14 و16).

 

 وسيخلق
الرب سموات جديدة وأرضاً جديدة حيث يسكن الناس ويتقدمون في السن كالآباء الأوائل،
وسيملكون بيوتاً وكروماً ويستمتعون بها لأن عصراً من السلام الشاعري سيبدأ بمجيء
عصر ملك المسيا الذي فيه ستتغير حتي طبائع الوحوش،وتعيش أشرس الحيوانات المفترسة
معا في تآخ وانسجام (65: 17- 25) وتصبح العبادة روحية غير مقيدة بمكان
معين،وستختفي العبادات السرية،وسينقطع صوت الهازئين الماجنين،وسيتكاثر عدد سكان
صهيون بصورة عجيبة،وسيفرح الشعب ويتعزي (66: 1-14).وفوق ذلك ستأتي كل الشعوب إلي
صهيون لتري مجد الرب "يكون من هلال إلي هلال ومن سبت إلي سبت أن كل ذي جسد
يأتي ليجسد" أمام الرب (66 : 15-23).

 

 ومن
الواضح ان سفر إشعياء يختم- كما بدأ – بهجوم عنيف علي العبادة الزائفة وجزاء
الأبرار والأشرار.والفرق الأساسي الوحيد بين أقوال النبي الأولي وأقواله الأخيرة،
هو أن إشعياء -بعد خبرة ما يقرب من نصف قرن من خدمته- يرسم صورة مستقبلية أكثر
لمعاناً مما في خدمته الأولي، فالصورة التي يرسمها عن عصر ملك المسيا لا تسمو فقط
فوق ما رسمه المعاصرون له من أنبياء القرن الثامن من قبل الميلاد،بل ينفذ إلي
مناطق أبعد من كل الآفاق الروحية التي وصل إليها أنبياء العهد القديم. إن اللغة
المستخدمة في 66: 1 و2 تسبق فتبين بصفة خاصة المبدأ العظيم الذي أعلنه يسوع في
إنجيل يوحنا (4: 24) بأن "الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن
يسجدوا "وانه لمن المستحيل تماماً محاولة تحديد تاريخ هذه اقوال علي أساس
الأدلة الداخلية. ومن وجهة نظر الإنسان يمكن -بكل بساطة – ان تصدر هذه الإعلانات عن
أي عصر من العصور بدون تمييز بين عصر وعصر،ولكن لا يمكن أن تاتي مطلقاً -في أي عصر
-بدون روح الله.

 

 إن
موقف النبي في الأصحاحات 40-66 هو هو موقف إشعياء بذاته، لأنه إذا كان إشعياء -في
الأجزاء التي يعترف الجميع بأنها له -استطاع -قبل 734 ق.م. – أن يصف في بعض الفصول
ان مدن يهوذا "محرقة بالنار"، " فبقيت ابنة صهيون كمظلة في كرم
كخيمة في مقثأة " (1: 7و 8) وأن أورشليم "عثرت ويهوذا سقطت" (3: 8)
وشعب الرب قد "سبي" (5: 13)، فبالتأكيد أن كل هذه الأحداث حدثت بعد
الخراب والدمار الذي حل بيهوذا بواسطة أشور في السنوات 722، 720، 711، 701 ق.م.
إذا كان الأمر كذلك، فإن نفس النبي، وبنفس قدرتة الشاعرية،استطاع أن يعلن أنهم قد
"داسوا مقدسك" (63: 18)، وأنه "قد صار حريق نار " وكل مشتهيات
يهوذا قد "صارت خراباً" (64: 11).وفي توافق كامل مع نبواته السابقة
استطاع أن يضيف أنهم "يبنون الخرب القديمة،ويقيمون الموحشات الأولي، ويجددون
المدن الخربة موحشات دور فدور" (61: 4، 44: 26، 58: 12).

 

 أو
إذا كان إشعياء بن آموص قد استطاع أن يعزي أورشليم بالوعد بحمايتها عندما يأتي
عليها الأشوريون (734 ق.م) كنهر جارف (8: 9و 10، 10: 24و 25)، ويقدم العزاء في
تصوير جميل (28: 23- 29)، وينسج في ثنايا الانذارات والتهديدات القاتمة عن سنة 702
ق.م، مواعيد كثيرة لمستقبل مشرق لابد أن يأتي بعد غزوة سنحاريب (29: 17- 24، 30:
29-33،31: 8و9)، وفي وسط حصار سنة 701 ق.م يصور عصر المسيا العجيب برؤي كالتي وردت
في (33: 17-24)، والتي بها يبدد فزع ورعب مواطنيه، إذا كان قد استطاع كل هذا،
فبالتأكيد يمكننا أن نتصور هذا النبي نفسه ينتهز الفرصة ليعزي سكان صهيون الذين
عاشوا بعد مأساة سنة 701 ق.م، فالنبي الذي قام بالدور الأول،كان مهيأ للقيام
بالدور الثاني.

 

 هناك
ظاهرة واحدة جديدة -كثيراً ما اغفلت – في موقف النبي بعد سنة 701 ق.م. هذه الظاهرة
ما كان ممكناً تطبيقها علي أي شيء آخر -بنفس الدرجة -كحجة لإثبات رسالته قبل سقوط
أشور ونجاة أورشليم، وهي "تحقيق النبوات السابقة كبرهان علي ألوهية
الرب" ومن هذه الفصول الكتابية يمكن أن يفهم الموقف التاريخي الحقيقي للنبي
(42: 9، 44: 8، 45: 21، 46: 10، 48: 3). أما النبوات القديمة فقد تحققت فعلاً (6:
11-13، 29: 8، 30: 31، 31: 8، 37: 7 و30).وعلي هذا الأساس يتجرأ النبي فيتنبأ عن
أشياء جديدة بل ومذهلة جداً، عن هزيمة بابل وسقوطها علي يد كورش، وخلاص إسرائيل
بواسطته أيضاً من أيدي الذين سبوهم (43: 6). إن سفر إشعياء ممتليء -بصورة بارزة-
بمثل هذه النبوات (7: 8و 10- 16، 8: 4و 8، 9: 11و 12، 10: 26و 27، 14: 24-27،16:
14، 17: 9و 12-14، 20: 4-6، 21: 16، 22: 19-25، 23: 15، 38: 5)، كتب بعضها وختمه
وسلمه للحلقة الداخلية من تلاميذه ليستخدموها ويتأكدوا منها عند وقوع الأحداث
الخطيرة القادمة (8: 16). إن العجز عن ادراك وقوع هذا العنصر في سفر إشعياء، لهو
أمر مدمر للتفسير الصحيح لرسالة النبي الحقيقية.

 

لقد
رأى إشعياء الأشوريين الأقوياء وهم يهزمون الشعوب الأخرى. وبلا شك أنه تشجع أثناء
فترة حكم الملك حزقيا الذي جاء بعد آحاز الشرير. ولكن بعد موت حزقيا تولى الحكم
ابنه منسى الشرير. وقد كان واحدا من أشر الملوك في تاريخ يهوذا. أثناء هذه الفترة
أطلق إشعياء هذه الصرخة المدوية: ليتك تشق السموات وتنزل، من حضرتك تتزلزل
الجبال… منذ الأزل لم يسمعوا ولم يصغوا لم تر عين إلها غيرك يصنع لمن ينتظره
(إشعياء 1:64،4).

لقد
كانت "جبال" المقاومة ترتفع من الخارج وأيضا من الداخل. لقد وصلت مملكة
يهوذا إلى مستويات منحدرة جدا لأن ليس من يدعو باسمك أو ينتبه [أي يستيقظ وينهض]
ليتمسك بك (إشعياء 7:64). لقد ترك الشعب الرب، وكانوا إما ينصتون للأنبياء الكذبة
الشائعين أو يتحوّلون إلى الآلهة الكاذبة التي تعبدها الشعوب المحيطة.

كانت
معظم أرض يهوذا قد أصبحت مهجورة – مدن قدسك صارت برية… وأورشليم موحشة (إشعياء
10:64). كان شعبها قد تشتت ولم يتبقّ سوى أقلية صغيرة أمينة للرب. وفي يهوذا كان
الناس يتجاهلون كلمة الرب المعلنة بواسطة الأنبياء: بسطت يديَّ طول النهار إلى شعب
متمرّد سائر في طريق غير صالح وراء أفكاره (إشعياء 2:65).

عندما
كان إشعياء لا يزال شابا في مقتبل العمر، انتصرت أشور على إسرائيل الشمالية وأخذت
معظم أهلها للسبي. وبعد 13 سنة انهزمت السامرة وذهبت بقية إسرائيل إلى السبي في
مناطق متفرقة من المملكة الأشورية. وبعد 20 سنة أخرى، استولت أشور على 46 مدينة في
يهوذا وسبوا حوالي 200.000 من مواطنيها.

وكما
قال إشعياء، يجب علينا نحن أيضا أن نستمر صارخين إلى الرب في الصلاة معترفين
بالمشاكل التي تواجه شعبنا – مترجين حضوره لأن من حضرتك تتزلزل الجبال (إشعياء
1:64).

قد
يبدو أحيانا أن حتى علاقتنا بالرب تتعطل بسبب مشاكل تبدو بلا حل – وكأنها
"جبال" شاهقة. ولكن الرب يريدنا أن ندرك أنه هو الإله القدير الذي خلق
الكون وهو يقدر أن يحمي ويعول ويرشد جميع الذين يصلون إليه ويتمسكون به مثلما فعل
إشعياء.

بعض
هذه "الجبال" هو نتيجة للمقاومة الصريحة من الشيطان. ولكن بعضها الآخر
نابع أساسا من عدم أمانتنا في قراءة كلمة الله والصلاة والمواظبة على العبادة مع
الآخرين (عبرانيين 25:10). إن الخطية والأنانية والاهتمام بالذات تتحوّل إلى
"جبال" تحرمنا من الطاقة الروحية، لذلك يجب أن نتوب عنها.

وعندما
نصلي، فإن الرب سيزيل جميع "جبال" الصعوبات أو يمنح قوة للتغلب عليها،
فجميعها بلا استثناء يمكننا أن نتخطاها. وقد اقتبس الرسول بولس من إشعياء في
رسالته إلى كنيسة كورنثوس: ما لم تر عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على بال
إنسان، ما أعده الله للذين يحبونه (1 كورنثوس 9:2).

إعلان
عن المسيح: بصفته خالق السموات الجديدة والأرض الجديدة (إشعياء 17:65؛ 22:66؛ قارن
مع 2 بطرس 13:3). وبصفته الشخص الذي سيظهر مجده بين الأمم (إشعياء 18:66-19؛ رؤيا
12:5-13).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي