سِفْرُ إِشَعْيَاءَ

 

الفصلُ
الأوَّل مُواصفاتُ نَبيّ

 تُعتَبَرُ
الأسفارُ النبويَّة جوهرَ العهدَ العهدِ القديم، خاصَّةً من وُجهَةِ نظرِ العهدِ
الجديد. ففي العهدِ الجديد، يُشيرُ يسوعُ إلى العهدِ القديم "بالنامُوسِ
والأنبِياء" (متى 7: 12؛ 22: 40). فالنامُوسُ هو الأسفارُ الخمسةُ الأُولى في
الكتابِ المُقدَّس – تكوين، خُروج، لاوِيِّين، عدد، وتثنيَة. أما أسفارُ
الأنبِياء، فتبدأُ معَ إشعياءَ وتنتَهي بِملاخي.

 

 هُناكَ
وُجهَةُ نظرٍ حولَ الأنبِياء، عبَّرَ عنها الرسولُ بُولُس عندما كانَ يُرافِعُ عن
نفسِهِ أمامَ أحدِ المُلوك. ولقد كانَ الرسولُ مُكبَّلاً بالأغلال، وأعلَنَ
الإنجيل بجرأةٍ وإقناع، لدرجةِ أنَّ الملك علَّقَ بالقولِ أن بُولُس تقريباً
أقنعَهُ بأن يصيرَ مسيحيَّاً. والجزءُ الأكثر دراماتيكيَّةً في شهادةِ بُولُس هو
عندما طرحَ السؤال، "أيُّها الملِكُ أغريباس، هل تُؤمِنُ بالأنبِياء؟ أنا
أعرِفُ أنَّكَ تُؤمِنُ بالأنبِياء." إن سُؤالَ بُولُس غالِباً ما كانَ
يُطرَحُ عنِ الأنبِياء. فلقد كانت كِرازتُهُم وكتاباتُهم ممسوحَةً وخارِقة
للطبيعة، لِدرجةِ أن طريقةً من طُرُقِ إكتِشافِ ما إذا كانَ رجُلُ أو إمرأةٌ
يتحلُّونَ بالإيمان، هُو بالسؤال، "هل تُؤمِنُ بالأنبِياء؟"

 

عندما
يُشيرُ العهدُ الجديدُ إلى الأنبِياء، فهو عادةً يُشيرُ إلى الأنبِياء الذينَ
كتبوا أسفاراً، أي الأسفار النبويَّة. هُناكَ سبعةَ عشر سفراً نبويَّاً، كَتَبَها
ستّةَ عشرَ نبيَّاً، (لأنَّ إرميا كتبَ اثنين من هذه الأسفار النبويَّة – إرميا
ومراثي إرميا.)

 

قبلَ
أن نبدأَ دِراستَنا للأسفارِ النَّبَويَّة، أَوَدُّ أن أُجيبَ على السؤالِ التالي،
"من كانَ الأنبِياءُ بالتحديد؟" أبدأُ جوابي على هذا السؤال بمُقارَنَةِ
النبيّ بالكاهِن. عندما كُتِبَت أسفارُ الأنبِياء، كانَ الكاهِنُ هُوَ القائِدُ
الروحيُّ المُهِم. لقد كانَ للكهنةِ دورٌ هامٌّ كونَهم يتوسَّطونَ ويتشفَّعونَ
أمامَ اللهِ بالشعبِ الخاطئ. وكانت أهمِّيَّةُ دورِ الكهنة أيضاً تنبَعُ من كونِهم
يُفسِّرونَ ويُعلِّمونَ كَلِمَةَ اللهِ لِشعبِ الله. ولقد أجابَ الكهنةُ على
أسئلتِهم حولَ الوحي والذبائح والطقوس في خيمةِ الاجتماعِ في البريَّة، وفيما بعد
في هيكلِ سُليمان.

 

ولقد
وُلِدَ الكاهِنُ كاهِناً، لأنَّهُ من سِبطِ هارون أو لاوي. ولِسُوءِ الحَظِّ،
غالِباً ما أصبَحَ الكَهَنَةُ فاسِدين وخُطاة. ولقد صاغَ هُوشَع العِبارة القائلة،
"كما الكهنةُ كذلكَ الشعب." وغالِباً، عندما أصبحَ الشعبُ مُرتَدَّاً
وخاطِئاً، كانَ الكهنةُ هم السبَّاقون في قِيادةِ الشعبِ نحو الفساد. فعندما
أصبَحَ الكهنةُ فاسِدِين وخاطِئين، أرسَلَ اللهُ الأنبِياء.

 

الأنبِياءُ
لم يُولدوا أنبِياء، بل دُعُوا ليكونوا أنبِياء من شتَّى طُرُقِ ومِهَنِ الحياة.
اثنانِ أو ثلاثة من الأنبياء كانوا كهنةً عندما دُعُوا ليكونوا أنبِياء، ولكنَّ
هؤلاء كانوا استثناءً نادِراً. بعضُ الأنبياء كانوا ينتَمونَ إلى طبقةِ الأشراف من
العِبرانِيين عندما دُعُوا ليكونوا أنبِياء. وبعضُ هؤلاء الأنبِياء دُعُوا من بينَ
عامَّةِ الشعب، مثل عامُوس الذي كانَ جَانِي جُمَّيز وراعِي غنم عندما دُعِيَ
ليكونَ نبِيَّاً. بشكلٍ أساسي، كان الكاهِنُ هو الشخص الذي يذهبُ إلى حضرةِ الله
ويتشفَّعُ أمامَهُ عن الشعب. أمَّا النبيُّ فكانَ ذلكَ الشخص الذي يأتِي من حضرةِ
الله إلى أمامِ الشعب حامِلاً لهم رسالة الله.

 

إنَّ
كُلَّ الأنبِياء الذين كتبوا أسفاراً عاشوا في مرحلةِ حوالي أربعمائة سنة، أي منذُ
حوالي 800 ق.م. إلى حوالي 400 ق.م. خلالَ هذه المرحلة، كانَ الشعبُ خاطِئاً
جدَّاً، ولقد وقعوا بشكلٍ خاص في خطيَّةِ عِبادة الأوثان. ولأنَّهم عبدوا آلِهةً
أُخرى، فدينونةُ اللهِ جاءت عليهِم بشكلِ اجتياحٍ أشورِيّ وسبي المملكة
الشماليَّة. وتبِعَ هذا بعدَ حوالي المائة سنة إجتياحٌ بابِليٌّ وسبي المملكة
الجنوبية. مُعظَمُ الأنبِياء الذينَ كتبوا أسفاراً، عاشوا إما قُبَيلَ السبي
الأشوري والبابِلي، أو خدموا ووعظوا خلالَ حُدوثِ هاتَين النكبَتَين، أو عاشُوا
وكرزوا في فترةِ العودَةِ من أحداثِ السبي المأساويَّة.

 

ومن
بينِ الأنبِياء الستة عشر، ثلاثةٌ منهم خدموا ووعظُوا بعدَ حُدوثِ السبي، ولهذا
يتكلَّمونَ عن العودةِ وإعادةِ البِناء التي تَبِعَت رجوعَ شعبِ اللهِ من السبي البابِلي.
ولكنَّ مُعظَمَ الأنبِياء سبَقُوا الاجتياحَ والسبي الأشوري والبابِلي أو خدموا
خلالَ حُدوثِهما.

 

الأنبِياءُ
الذي سبقوا السبي الأشوري للملكة الشماليَّة والسبي البابِلي للملكة الجنوبيَّة،
وعظوا بالإجمال الرسالةَ التالية: "إذا حدثَ بينَكُم نهضةٌ روحيَّة، إذا
تُبتُم بِصِدقٍ عن خطيِّةِ عبادتِكُم للأوثان، فهذا الاجتياح والسبي الأشوريُّ أو
البابِليُّ لن يحدُث." لقد دعا هؤلاء الأنبِياءُ إلى التوبةِ والنهضةِ
الروحِيَّة. ولكن في مُعظَم الأحيان، وقعت رسائلُ هؤلاء الأنبياء على آذانٍ
صمَّاء. فتجاهلَ الناسُ وعظَ الأنبياء وسدُّوا آذانَهم عن سماعِه. وهكذا سخِروا
بالأنبِياءِ واستهزأوا بهم، وأحياناً قتلوهم وجعلوا منهم شُهداء. وماتَ كثير من
الأنبياء بسبب عدم رغبةِ أَحَدٍ بسماعِ رسالتِهِم.

 

عندما
لاحظَ الأنبِياءُ أنَّ الشعبَ لم يتجاوبوا معَ رسالتِهم، وعظوا قائلين، "أنَّ
الاجتياحَ والسبيَ قادِمَين، وعندما سيحدُثُ هذا، سيكونُ بمثابةِ دينونةِ اللهِ
القدير عليكُم لأنَّكُم لم تتوبُوا عن عبادتِكُم للأوثان." ولقد كانُوا على
حَقّ. فعندما احتلَ الأشوريُّونَ المملكة الشمالية، أُخِذَت هذه المملكة
الشمالِيَّة إلى السبي، وانقطَعَ ذِكرُها منذُ ذلكَ الحين. وبعدَ حوالي مائة سنة،
إحتلَّ البابِليونَ المملكة الجنوبيَّة.

 

ثُمَّ
وعظَ الأنبِياءُ رسالةَ رجاء مُتعلِّقة بذلكَ الاجتياحِ والسبي. لقد أخَذُوا
إعلاناً نبويَّاً، فقالوا، "بعدَ سبعينَ سنةً من الآن سوفَ ترجِعونَ من
السبي." لقد رأوا الرجوعَ من السبي البابِليّ كتعبِيرٍ عن رحمةِ ونعمةِ الله.
وعلى أيَّةِ حال، فإن مُعظَمَ الأنبِياء الذي تنبَّأوا بالرجوع لم يعيشوا ليشهَدوا
حُدوثَه.

 

نُبُوَّاتٌ
مَسياوِيَّة

موضُوعٌ
آخر مُثيرٌ للاهتمام في رسالةِ الأنبياء هو وعظُهُم عن تشتُّتِ شعبِ اللهِ إلى
أقاصِي الأرض. عندما كرزوا بهذا الشتات، غالِباً ما كرزوا أيضاً بالعودةِ. فعندما
كَرزوا بالرجوعِ من السبي البابِلي، مزجوا غالِباً نبوَّاتٍ مسياويَّة معَ
النُّبُوَّاتِ بالعودة من السبي.

 

يُقدِّمُ
هؤلاء الأنبياء مجيءَ المسيحِ كحدَثَين أو مجيئين. فهو سيأتي في المرَّةِ الأُولى
كالمُخلِّصِ المُتألِّم، لكي يموتَ عن خطايا العالم. ولكنَّهُ سيأتِي أيضاً في ما
نُسمِّيهِ "المجيء الثاني للمسيح،" سيأتي ثانِيَةً كمَلِكِ المُلوك
وربِّ الأرباب، لِكَي يهزِمَ قُوَّاتِ الشر، ولكي يُؤسِّسَ سماواتٍ جديدة وأرضاً
جديدة يسكُنُ فيها البِرّ.

 

 من
الصَّعبِ عادَةً الفصل بينَ النُّبُوَّات المسياويَّة والنُّبُوَّات عن العودَةِ
الحرفيَّةِ من السبي البابِلي. من الصعبِ أيضاً الفصل بينَ النُّبُوَّات عن المجيء
الأوَّل للمسيَّا، الذي سبقَ وحدَث، وبينَ النُّبُوَّات التي تتخطَّى زَمانَنا
الحاضِر لِتَصِلَ إلى المجيء الثاني ليسوع المسيح. إنَّ النبُوَّات المسياويَّة عن
المجيئين الأوَّل والثاني للمسيح، هي الأكثر تشويقاً في هذه الأسفار النبويَّة.

 

ناطِقونَ
بإسمِ الله

عندما
نسمَعُ كلمة "نبي،" نُفكِّرُ بِدورِ النَّبِي وكأنَّهُ يُشبِهُ دورَ
المُذيع الإعلامي الذي يُخبِرُنا عن الطقس، وعن التوقُّعات عمَّا ستكونُ حالُ
الطقسِ في الغد. إنَّ كلِمَة نَبِي تعني بالحقيقة "الشخص الذي يتكلَّمُ
نِيابةً عنِ الله." لهذا كانَ النبيُّ كائناً بشريَّاً تكلَّمَ اللهُ من
خِلالِه. ولقد تكلَّمَ هؤلاء الأنبياء نيابةً عن الله بمَعنَيين. فأوَّلاً
"أخبَروا" بكلمةِ الله بمعنى أنَّهم كانوا الوُعَّاظَ العِظام في الكتاب
المقدَّس. ثُمَّ "أخبَروا مُسبَقاً: أو تنبَّأوا بأحداثٍ لم تحدُث بعد. وبعضُ
هذه الأمور التي تنبَّأوا بها لا تزالُ تنتَظِرُ تحقيقَها.

 

يندَهِشُ
الناسُ من البُعدِ المُستقبَلِي لخدمةِ النبي، الذي كانَ جزءاً ديناميكيَّاً
حيوياً ولكن صغيراً من خدمة النبي. فالأنبياءُ لم يكونوا بالدرجةِ الأولى مُجرَّدَ
مُخبِرينَ عن المُستقبَل، بل كانوا وُعَّاظاً. ولقد حضَّ الأنبياءُ شعبَ اللهِ على
طاعةِ الكلمة وتطبيقها على حياتِهم الشخصيَّة. لقد استلمَ الأنبِياءُ غالِباً
إعلاناتٍ نبويَّة عن حقائقَ جديدة، ولكن بمُعظَمِهم، إبتداءً من يشوع، وعظَ
الأنبِياءُ بكلِمةِ اللهِ المُدوَّنة التي سبقَ وأُعطِيَت من خِلالِ مُوسَى. لهذا
أُسمِّي مُوسى عملاقَ الأنبياء لأنَّهُ هو الذي استلمَ من الله الكلمة التي كرزَ
بها الأنبياءُ اللاحِقون.

 

إنَّ
كلِمَة نبِي مأخوذةٌ من كلِمَتَين تعنِيانِ، "الوقوفَ في المُقدِّمة
للإنارة." فلقد وقفَ النبيُّ من أجلَ كلمةِ اللهِ المكتوبة وجعلها تُنِيرُ
لكي يفهمَ شعبُ اللهِ كلِمَةَ الله. ولقد حضَّ النبِيُّ شعبَ الله على طاعَةِ
وتطبيقِ كَلِمَةِ اللهِ في حياتِهم. فعندما كانَ يقبلَ النبيُّ إعلاناتٍ عن أحداثٍ
مُستَقبَليَّة، حضَّ النبيُّ شعبَ الله دائماً على أن يعيشوا حياةً التقوى
والقداسة، على ضوءِ الإعلان الذي أعطاهُ إيَّاهُ اللهُ ليُشارِكَهُ معَ شعبِهِ عنِ
المُستَقبَل.

 

حيثُ
لا مُشكِلَة، لا نَبيّ

 لقد
ظهَرَ الأنبِياءُ على السَّاحَةِ عندما ظهَرت المشاكِل. وبِمعنىً ما تستطيعُ
القولُ أنهُ، "حيثُ لا مُشكِلة، لا نبي." وبينما تدرُسُ حياةَ ورِسالةَ
كُلٍّ من الأنبياء، ينبَغي أن تطرَحَ أسئِلةً كالتالي، "ما هي المُشكِلة التي
كانت تُعيقُ عملَ الله، عندما دُعيَ هذا الشخص الفريد ليكونَ نَبِيَّاً، وكيفَ
أدَّت خِدمتُهُ إلى إزالَةِ المُشكِلة التي كانت تعُوقُ عملَ الله في
أيَّامِهِ؟"

 

فمثلاً،
في زمنِ النبيِّ حجِّي، الذي كانَ في زمنِ العودةِ من السبي البابِلي، كانَ عملُ
اللهِ يختَصُّ بإعادةِ بِناءِ هيكلِ الله في أورشَليم. وعندما بدأَ شعبُ اللهِ
ببناءِ الهيكل، كانَ عليهم أن يتحمَّلوا اضطهاداً عنيفاً. فبالرُّغمِ من كونِهم
حصلوا من الملكِ الفارِسي على إذنٍ بالعودةِ من السبي وبإعادةِ بناءِ هيكلِهم،
فلقد واجهوا مُقاومةً عنيفَةً عندما بدأوا بإعادةِ البناء.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ض ضمن يضمن ن

 

وعندما
بدأَ الاضطهاد، توقَّفوا عن بِناءِ الهيكَل، وانشغَلوا ببناءِ منازِلهم وبُيوتِهم
الخاصَّة. واستمرَّ هذا لخمس عشرةَ سنةً، إلى أن أقامَ اللهُ النبيَّ حجِّي. وما
وعظَ بهِ حجِّي عن هكيل الرب كانَ التالي، "هلِ الوقتُ لكُم أنتُم أن تسكُنوا
في بُيُوتِكُم المُغشَّاة وهذا البيتُ خراب؟" (حجَّي 1: 4). لقد وعظَ حجِّي
للشعبِ وحضَّهم على العودةِ إلى العملِ في بِناءِ الهيكل. ونتيجةً لوعظِ حجِّي،
توقَّفُ الشعبُ عن بِناءِ بُيوتِهِم، وأعادوا ترتيبَ أولويَّاتِهم، فوضعوا اللهُ
وهيكَلَهُ أوَّلاً، وبُيوتَهم ثانياً. فعادَ عملُ اللهِ إلى مسارِهِ الصحيح،
واختَفَى حجِّي عن الساحة.

 

إنَّ
رسائلَ العهدِ الجديد التي كتبها الرُّسُل وغيرُهُم، تتوازَى معَ هذا النموذَج. في
العهدِ الجديد، كانَ عملُ اللهِ هو بنيانُ كنيسة المسيح. عندما كانت تظهرُ
المشاكِل التي تُعيقُ عملَ الله، أقامَ اللهُ رسولاً يكتُبُ رِسالةً. فماذا كانَ
الهدفُ من رِسالةِ هذا الرسول؟ إنَّ القصدَ منها هو توبيخٌ من الرسول ضدَّ
المُشكِلة التي تُعيقُ عملَ بنيانِ كنيسة المسيح المُقام، إلى أن تنتَهي هذه
المُشكِلة ويزولُ العائق ويُتابِعُ عملُ اللهِ تقدُّمَهُ.

 

إن
المشاكل المُعيقة التي واجهَها الأنبياءُ هي ليست نفس المشاكل التي تُعالِجها
رسائِلُ العهدِ الجديد. عندما تجمَعُ بينَ رسائِلِ الأنبِياء وأسفارِ العهدِ
الجديد، يُصبِحُ لدَيكَ أربَعونَ سفراً من الكِتابِ المقدَّس التي تحتوي على
توصِياتٍ عن كيفيَّةِ إزاحةِ وإزالَةِ المشاكِل التي تُعيقُ وتُعطِّلُ عملَ اللهِ
في أيَّامِنا.

 

اللهُ
يُريدُ أن يعمَلَ عمَلَهُ من خِلالِ شعبِه. وهذا يصحُّ في أيَّامِنا بمقدارِ ما
كانَ يَصِحُّ في أيَّامِ الأنبِياء والرُّسُل. فعندَما تُدرِكُ بأنَّ عملَ اللهِ
في عالمِكَ الذي وضعكَ اللهُ فيهِ ستراتيجيَّاً، مُعاقٌ بمُشكِلةٍ ما، وإن كانَ
لديكَ الإقتناع أنَّ اللهَ لا يعمَلُ كما يُريدُ أن يعملَ، صلِّ إلى أن تكتَشِفَ
ما هي المُشكِلَة التي تُعيقُ كلمةَ الله. وعندما تعرِفُ ما هي المُشكِلة التي
تُعيقُ عملَ الله، إذهبْ إلى كتاباتِ الأنبياء أو الرُّسُل، واطلُبْ من الله
الحكمةَ والنِّعمَةَ والشجاعة لتُطبِّقَ رسائِلَهُم على المشاكِل التي تُعيقُ
تقدُّمَ عملِ اللهِ في مُحيطِكَ.

 

فمن
خِلالِ الأنبياء والرُّسُل، سوفَ يُظهِرُ اللهُ لكَ كيفَ تُزيلُ العوائِق التي
تعتَرضُ سبيلَ عملِ الله. وإن كانَ الأنبِياءُ والرُّسُل لا يتكلَّمونَ عن
العوائِق التي تعتَرِضُ سبيلَ عملِ اللهِ في منطَقتِكَ من العالم، فمن المُمكِن
أنَّ اللهَ يُريدُكَ أن تصرُخَ إليهِ بنفسِ الرُّوح التي صرخَ بها الرُّسُلُ
والأنبِياء إليهِ، طالِباً تدخُّلَهُ لإزالَةِ هذه العوائق التي تُعيقُ عملَ
اللهِ.

 

الفصلُ
الثاني دُخولُ وخُروجُ إشعياء

 يقعُ
الأنبياءُ في قِسمين: الأنبياءُ الكبارُ والأنبياءُ الصغار. ليسَ أنَّ الأنبياء
الكِبار أعظم من الأنبياء الصغار، ولكن الأنبياءَ الكبار سُمِّيوا هكذا لأنَّهم
كتبوا أسفاراً أطولَ جداً مما كتبهُ الأنبياءُ الصغار. وإذ نُفكِّرُ بالأنبياءِ
الكبارِ والصغار، نقولُ أنَّ إشعياء هو أعظمُهُم، لأنَّ سفرَ إشعياء هو أطولُ
الأسفارِ النبويَّة.

 

 إنَّ
إشعياء كان ينتَمي إلى طبقةِ الأشراف بينَ اليهود. ويُخبِرنا التقليدُ اليهوديُّ
أنَّ إشعياء كانَ قريباً للملكِ عُزِّيَّا، وللملكِ يُوآش من جِهةِ والدِه. وبما
أنَّ إشعياء خدمََ عدَّة مُلوك، كانت خلفِيَّتُهُ المَلَكيَّة أفضَلَ إعدادٍ
للخدمةِ التي دعاهُ إليها الله.

 

وُجهة
نظر تاريخيَّة حيويَّة

 رُغمَ
أنَّ دراستَنا هذه للكتابِ المقدَّس هي دِراسةٌ تعبُّديَّة عمليَّة، هُناكَ وُجهةُ
نظَرٍ تاريخيَّة ينبَغي أن تتحلَّى بها لكي تفهَمَ رسالةَ الأنبياء. في الفترةِ
التاريخيَّةِ التي عاشَ فيها الأنبياءُ وكرزوا وكتبوا وخدموا، أي من حوالي 800 إلى
400 ق.م.، كانت هُناك ثلاثُ قُوى عالمية عظيمة؛ الأمبراطُوريَّة الأشوريَّة
العُظمى، الذي إجتاحَت مملكة إسرائيل الشمالية؛ الأمبراطوريَّة البابِلية التي إجتاحت
وسَبَت مملكة يهوذا الجنوبيَّة، بعدَ أن سبقَ وتغلَّبَ البابِليُّونَ على
الأمبراطُوريَّةِ الأشوريَّة؛ ثُم المادِيُّونَ والفُرُس الذي إجتاحوا بابِل.

 

 عاشَ
إشعياءُ عندما كانت أشُّور القُوة العُظمى الحاكِمة في العالم، وقبلَ أن تجتاحَ
أشور المملكة الشماليَّة وتهزِمَ عاصمتَها السامِرة. فالأسباطُ الشمالِيَّةُ
العشرة، التي كانت تُدعى إسرائيل، أُخِذَت للسبي. وصارَ يُشارُ إليها بِ
"أسباط إسرائيل المفقودة،" لأنَّ ذكرَهُم إنقطَعَ منذُ ذلكَ الحين.
ومُعظَمُ وعظِ إشعياء كانَ بمثابةِ تحذيرٍ للملكة الشمالية بأن الإجتياحَ
الأشوريَّ آتٍ كدينونةٍ من الله على خطيَّتِهم في عبادةِ الأوثان.

 

وبعدَ
أن اجتاحَ الأشوريًّون المملكة الشمالية، فهزموها وأخذوا أسباطَ إسرائيل العشرة
إلى السبي، تحوَّلَ الأشوريُّونَ نحو الجنوب واجتاحوا المملكة الجنوبية. فاحتلُّوا
ستةً وأربعينَ مدينةً مُسوَّرةً في يهوذا. ووصلت جُيوشهم إلى أبوابِ أُورشليم،
وأخذوا مائتي ألف يهودي أسرى إلى أشور. وعندما وصلت جُيوشُ أشور إلى أبوابِ
أُورشليم، كانَ إشعياءُ في أَوْجِ نُبوَّتِه.

 

 كان
الملِكُ الحاكِمُ في تلكَ الحقبة في المملكة الجنوبيَّة، وهو حزقيَّا، كانَ ملِكاً
صالِحا. لقد كانَ حزقِيَّا رجُلاً رُوحيَّاً ومُجاهِداً في الصلاة. ولقد كتبَ
حزقِيَّا عشرةً من المزامير. وعندما وصلَ الأشوريُّونَ إلى أبوابِ أورشليم، أخذَ
قائدُ الجيشِ الأشوري بالنُّطقِ بشتيمةِ الرجال العبرانيين الذين كانوا يحرِسونَ
أورشليم، مُتَحدِّياً شعبَ يهوَّذا بالإستِسلام.

 

وبينما
كانَ حزقِيَّا الملك في الهيكَل، يتضرَّعُ أمامَ الله من أجلِ حياةِ شعبِه، أخذَ
النبيُّ إشعياء إعلاناً من عندِ الله. فذهبَ إشعياءُ إلى الهيكَل وقالَ لحزقِيَّا
أنَّ الإنقاذَ آتٍ، لأنَّ اللهَ سمِعَ صلاتَه. وقالَ إشعياءُ لحزقِيَّا أنَّ
الأشوريِّين سوفَ يستَلِمونُ رِسالةً يُخبَرونَ فيها أنَّه عليهِم الرجُوع إلى
بِلادِهم، وعندما يصِلونُ إلى أشور، سوفَ يُقتَلُ ملِكُهم هُناك.

 

تلكَ
الليلة، مائةٌ وخمسةٌ وثمانُونَ ألفاً ماتوا من الطاعون في الجيشِ الأشوريّ. وفي
الصباحِ التالي، عندما إكتشفَ بقيَّةُ الجيشِ الأشوريّ مصيرَ رِفاقِهم المأساوي،
حَمَلوا عِتادَهُم ورجعوا إلى أشور. وعندما وصلوا إلى هُناك، تحقّقت نُبُوَّةُ
إشعياء عندما جاءَ إثنانِ من أولادِ ملِكِ أشور وقتلاهُ. إذا تكلًّمنا
إنسانِيَّاً، يُمكِنُ القولُ أنَّهُ لولا خِدمة وتأثير النبي إشعياء، لأخذَ
الأشوريُّونَ المملكة الجنوبيَّة معَ المملكة الشمالِيَّة، إلى السبيِ والإبادَة.

 

يُعطِينا
إشعياءُ واحِداً من أعظَمِ الأمثِلة في الأنبياء وفي الكتابِ المُقدَّس عن خِدمةِ
النبي بالتنبُّوءِ بالمُستقبَل. لقد تنبَّأَ إشعياءُ بأنَّ فارِس سوفَ تحتَل بابِل،
وتوصَّلَ إشعياءُ إلى ذِكرِ إسمِ الملك الفارِسي الفاتِح، كورُش الكبير، الذي سوفَ
يُصدِرُ قراراً يسمَحُ لِشعبِ يهوذا بالعودةِ من بابِل لكي يبنوا هيكلَ الرب. لقد
ذكرَ إشعياءُ كُورُشَ بإسمِهِ مرَّتين، مُتنبِّئاً عن هذه الحدَثِ العظيم في
التاريخِ العِبري.

 

 يُخبِرُنا
التقليد أنَّ شُيوخَ اليهود المَسبِيِّين أخذوا نُبُوَّةَ إشعياء وأَرَوها لكورُش
الكبير، شارِحينَ له أنَّ نبيَّهُم الشيخ الذي عاشَ قبلَ مائة وخمسين سنةً من ذلكَ
التاريخ، سبقَ وتنبَّأَ عن كُورُش ذاكِراً إسمَهُ بالتحديد، وقائلاً أنَّ كُورُش
هو الذي سوفَ يُطلِقُ شعبِي من السبي. فحرَّكَت هذه النُّبُوَّةُ العجيبة كُورُش
لإصدارِ قراره المشهور. وهو لم يمنحَهُم فقط إذناً بالرُّجوع، بل ساهَمَ في توفير
موادِ إعادةِ بناءِ الهيكل. فتطبيقاً لنُبُوَّةِ إشعياء بحرفيَّتِها، عندما إجتاحت
فارِس بابِل، أولُ شيءٍ عمِلَهُ كُورُش هو أنَّهُ أصدرَ قراراً يسمحُ لليهود
بالعَودَةِ إلى أورشَليم لبِناءِ هيكَلِهم." (إشعياء 44: 28 – 45: 7؛ عزرا 1:
2-4).

 

واعِظٌ
عظيمٌ

 لا
بُدَّ أنَّ إشعياء كانَ واعِظاً عظيماً. فبحسبِ يسوع، كانَ يوحنَّا المعمدان أعظم
نبيٍّ ولدته امرأة (لوقا 7: 28). على أيَّةِ حال، فالإصحاحُ الثالثُ من إنجيلِ
لوقا يُخبِرنا أنَّ هذا النبي الذي كان أعظم من ولدته امرأة، عندما جاءَ لِيَعِظ،
وعظَ من عظاتِ إشعياء (لُوقا 3: 4). وبما أن أعظمَ نبيٍّ ولدتهُ امرأة وعظَ
مواعِظَ إشعياء، فهذا يعنِي أن إشعياء نفسَهُ كانَ نَبيَّ الأنبِياء.

 

 لقد
وعظَ إشعياءُ على الأقل لخمسين أو ستِّينَ سنةً. وعاصَر خمسةَ مُلوكٍ في يهوذا
وستَّةَ مُلوكٍ في إسرائيل. ولكن حتَّى ولو كانَ لديهِ الكثيرَ ليقولَهُ عمَّا
سيأتي على المملكة الشمالية على يدِ أشور، كانَ اهتمامُهُ الأساسي في يهوذا.

 

 إذا
أردتَ أن تُكوِّنَ فكرةً عن خلفية إشعياء التاريخيَّة، إقرأ برويَّة الأعداد
الأولى من نُبوَّتِه. فالأسفارُ النبويَّة تُخبِرنا عادةً عن موقِعِ نبيٍّ ما في
التاريخ بإخبارِنا أنَّهُ عاشَ وخدمَ خِلالَ حُكمِ مُلوكٍ مُعيَّنين. بعضُ المُلوك
الذي حكمُوا خلالَ فترةِ حياةِ إشعياء كانوا صالِحين، وبعضُهم كانوا أشراراً. أحدُ
المُلوكِ الأشرار في أيامِ إشعياء كانَ منسَّى. ويقولُ التقليدُ أنَّ منسَّى أمرَ
بوضعِ إشعياء داخِل شجرة مُجوَّفة حيثُ تمَّ نشرُهُ إلى شِقَّين. مُفسِّرونَ
كثيرونَ يُؤمِنون أنَّ إستشهادَ إشعياء يتمُّ وصفُهُ عندما يذكُرُ إصحاحُ الإيمان
في الكتابِ المقدَّس أنَّ بعض أبطال الإيمان في العهدِ القديم" نُشِروا"
(عبرانِيِّين 11: 37).

 

تقسيمُ
السفر

 هُناكَ
طريقةٌ صحيحةٌ لتقسيمِ سفرِ إشعياء. فالإصحاحاتُ التسعةُ والثلاثون الأولى من سفرِ
إشعياء هي رسالةُ إشعياء التحذيريَّة لشعبِ الله من الإجتياحِ والسبي الأشوريّ.
والإصحاحاتُ السبعةُ والعِشرونَ الباقِية من إشعياء هي رِسالةُ شفاء وتعزِية.
وكأنَّ الإصحاحات التسعةُ والثلاثون الأولى هي بمثابةِ "العمليَّة
الجِراحِيَّة الروحيَّة،" والإصحاحات السبعةُ والعشرونَ الأخيرة هي عمليَّةُ
الشِّفاء التي تلي "الجراحة."

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ح حكليا ا

 

 إنَّ
طريقَةَ تقسيم إصحاحات إشعياء الستَّة والستُّين جعلت بعضَ الناسِ يُقيمونَ
توازِياً بينَ سفرِ إشعياء والكتاب المقدَّس نفسه. تأمَّل بهذه المُتوازِيات
المُدهِشة: فهُناكَ ستَّةٌ وسِتُّونَ إصحاحاً في سفرِ إشعياء، وهُناكَ ستَّةٌ
وسِتُّونَ سِفراً في الكتابِ المقدَّس. وسفرُ إشعياء يُقسَمُ إلى جزئين من تسعةٍ
وثلاثينَ إصحاحاً وسبعة وعِشرينَ إصحاحاً، والكتابُ المُقدَّس يُقسَمُ إلى جزئين،
العهدُ القديم الذي يحتوي على تسعةٍ وثلاثين سِفراً، والعهدُ الجديدُ يحتَوي على
سبعةٍ وعشرينَ سفراً. الجزءُ الأوَّلُ من إشعياءُ هو مثل العهد القديم يتكلَّمُ
برسائل التحذير والتأديب الصارِمة، كاشِفاً عن حالة الإنسان المُزرِيَة والحل الذي
يجدُهُ في الله.

 

الجزء
الثاني من إشعياء يُشبِهُ "العهدَ الجديد،" الذي يُقدِّمُ رسائِلَ
التعزِيَة والرَّجاء للشعبِ الذي أدرَكَ حاجتَهُ لمُخلِّص، بسبب ما قرأوهُ في
"العهدِ القديم" في سفرِ إشعياء ودلالتِهِ على الطريقِ للمُخلِّص.
العهدُ القديمُ يبدأُ بالسؤال، "أينَ أنت؟" (تكوين 3: 9). العهدُ
الجديدُ يبدأُ بالسؤال، "أينَ هُوَ؟" (متى 2: 2). إن هذين القِسمَين
لسفرِ إشعياء يجعلانِنا نُدرِكُ حاجتَنا لمُخلِّص، ويُمهِّدانِ لنا الطريق لنلتَقي
معَ العبدِ المُتألِّم في إشعياء 53.

 

دَعوَةُ
إشعياء

 هُناكَ
مقطَعَان من سفرِ إشعياء يُساعِدانِنا على أن نتعرَّفَ على إشعياء نفسه كرجُل، كما
مع خِدمتِهِ ورسالته. المقطَعُ الأوَّلُ هو إشعياء 6، الذي نجِدُ فيهِ وصفاً
لدعوةِ إشعياء، وتكليفِهِ بالمُهمَّةِ النبويَّة. ولربَّما نرى في هذا المقطع
أيضاً وصفاً لتوبَةِ وتجديدِ إشعياء. ففي كلمةِ الله، يدخُلُ المؤمِنُون إلى حضرةِ
اللهِ بِشكلٍ مُعبِّر، بطريقةٍ تسمَحُ لهم بالخُروجِ من حضرتِهِ إلى العالم بشكلٍ
مُعبِّر. إن الإصحاحِ السادِس من سفرِ إشعياء يحتوي على وصفٍ لإختِبارِ إشعياء
بالدخولِ إلى حضرةِ الله والخروجِ من حضرتِه لإتمامِ عملهِ.

 

وبينما
كانَ إشعياء يختبِرُ دُخُولَهُ إلى حضرةِ الله، سمِعَ الربَّ يقول، "من
أُرسِل ومن يذهب من أجلِنا؟" (عدد 8). وجواباً على هذا السؤال، تسمَعُ إشعياء
يُعبِّرُ عن إلتزامِه بقولِه، "هأنذا يا رب، أرسِلني." إن هذا النموذَج
كثيراً ما نراهُ مُعلَناً في كلمةِ الله. فأولئكَ الذين يدخُلونَ إلى حضرةِ اللهِ
بِحَقّ، يسمَعونَ مأمُوريَّةً ويذهَبُونَ من أجلِ اللهِ بِحق.

 

ونرى
اللهَ يشرَحُ الأمرَ بالقول، "يا إشعياء، إن الشعبَ لن يسمَعْ لكَ. فليسَ
الهدفُ من ذهابِكَ أن يتوبَ شعبُ اللهِ ويتجدَّدون. لأنَّهم اختاروا بحُرِّيَّتِهم
أن يبتعِدُوا عنِّي. ولكنَّني أُريدُكَ أن تذهبَ على أيَّةِ حال، لأنَّني أُريدُهم
أن يسمعوا رِسالتي." إنَّ هذا صعبٌ على الواعِظ. تصوَّر أن تكونَ واعِظاً
بدونِ أن يتجاوَبَ أيُّ شخصٍ معَ وعظِكَ.

 

 يُدهِشُنا
إلتزامُ إشعياء بمأموريَّتِه. لقد سألَ إشعياءُ ببساطة، "إلى متى عليَّ أن
أنتَظِر لكي يُصبِحوا مُستَعدِّينَ للإصغاء؟" فأجابَهُ اللهُ بما معناهُ،
"إلى أن يُصبِحوا جميعاً أمواتاً وعبيداً وبِلادُهم خَرِبَة ومهجورة"
(إشعياء 6: 11، 12). إن إلتزامَ إشعياء ينبَغي أن يكونَ مِثالاً لنا جميعاً.
وبالحقيقة، إنَّ إلتزامَ جميع هؤلاء الأنبِياء هو أعظمُ عظاتِهم. لقد دخلوا في عقدٍ
معَ الله الذي أمرهم أن يذهبوا وهُم أطاعُوا مأمُوريَّتَهُ بأمانة وإخلاص.

 

 إنَّ
مسؤوليَّتَنا هي أن نعمَلَ ما يدعونا اللهُ لهُ ويُكلِّفُنا بهِ. ونتيجَةُ طاعتِنا
لمأموريةِ الله هي مسؤوليَّتُه. وحدَهُ اللهُ الروحُ القُدُس، يقدِرُ أن يُؤتِي
الثِّمار. فمسؤوليَّتُنا هي الأمانة والإثمارُ هو مسؤوليَّةُ الله. ومسؤوليَّتُنا
هي أن نعمَل ما دعانا إليهِ اللهُ.

 

الفصلُ
الثالِث "رسائِل مسياويَّة"

 نجدُ
في وعظِ إشعياء من النبوَّاتِ المسياويَّة أكثرَ من أيِّ سفرٍ آخر من الأسفارِ
النبويَّة. والعهدُ الجديدُ يقتَبِسُ إشعياء أكثرَ من أي سفرٍ آخر من العهدِ
القديم. فعندما تقرأُ النبيَّ إشعياء، فتِّش عن النبوَّات المسياويَّة في وعظِه.
في سفرِ إشعياء، سوفَ تجدُ تلكَ النُّبُوَّة المُختَصَّة بالأسماء التي ستُطلَقُ
على المسيَّا في مجيئه: "ويُدعَى إسمُهُ عجيباً مُشيراً، إلهاً قديراً، أباً
أبديَّاً رئيسَ السلام" (إشعياء 9: 6). ولقد أشارَ إشعياءُ بوضُوح إلى أنَّ
المسيَّا سيكون اللهُ في جسدٍ إنساني، أو "اللهُ معنا" (متى 1: 23).

 

يُخبِرُنا
إشعياءُ أيضاً شيئاً عنِ جوهَرِ الروح الذي سيُعبَّرُ عنهُ من خِلالِ المسيَّا في
مجيئه: "ويخرُجُ قضيبٌ من جِذعِ يسَّى وينبُتُ غُصنٌ من أُصُولِه. ويحُلُّ
عليهِ رُوحُ الربِّ رُوحُ الحِكمةِ والفهم روحُ المشورةِ والقُوَّة روحُ
المعرِفَةِ ومخافةِ الرب. ولذَّتُهُ تَكُونُ في مَخافَةِ الربّ." (إشعياء 11:
1-3). هذا ما يُشارُ إليهِ في سفرِ الرؤيا "كسبعةِ أرواحِ الله." (رؤيا
3: 1؛ 4: 5؛ 5: 6).

 

بما
أنَّ العدد 7 يُشيرُ في الكتابِ المقدَّس إلى الكمال، فعندما يُخبِرُنا إشعياءُ عن
المسيَّا الآتي، يُحاوِلُ القول، "إنَّ المسيَّا الآتي سوفَ يكونُ التعبيرَ
الكامِلَ عن روحِ الله. وسوفَ يُعبِّرُ عن جوهر الله الروحِي بهذه الطُرُق السبع.
فمن حياتِهِ سيخرُجُ روحُ المعرِفَة، وروحُ الفهم، وروحُ الحِكمة، وروحُ النُّصح،
وروحُ القُوَّة، وروحُ العِبادة، وروحُ الرب."

 

 عندما
تقرأُ الأناجيل الأربعة، أية صُورةٍ فكريَّة تُكوِّنُ عن يسوع في ذهنِكَ؟ بِحَسَبِ
إشعياء، هذا ما سيكُونُهُ المسيَّا: حياتُهُ سوفَ تكونُ تعبِيراً عن رُوحِ
الحِكمَةِ والفهم. وسوفَ يعرِفُ ويفهَمُ كلمةَ الله بشكلٍ كامِل. فروحُ الحِكمةِ
تعنِي تطبيق المعرِفة، ولِهذا فإنَّ يسوع سوفَ يُبَرهِنُ روحَ الحكمة عندما
يُطبِّقُ كلمة اللهِ على حياتِهِ وعلى حياةِ الآخرين. فسوفَ يُظهِرُ بهذا رُوحَ النُّصح.
وعندما يعمَلُ هذا، ستكونُ هُناكَ ديناميكيَّةٌ مُغيِّرَة للحياة في حياتِهِ
وخدمته، مُبرهِنَةً بذلكَ روحَ القُدرةِ والقوَّة.

 

وفي
النهايَةِ يتنبَّأُ إشعياءُ قائلاً أنَّ المسيَّا سيُعبِّرُ عن روحِ العِبادة أو
مخافة الربّ. ويُضيفُ بالقول أنَّهُ سيُسَرُّ بهذا التعبيرِ النِّهائي عن روحِ
العِبادة. عندما تقرأُ الأناجيل، سوفَ تجدُ أنَّهُ عندما لم يكُن يسوعُ يخدُمُ
الناس، كانَ يُصلِّي ويعبُدُ في الخلاء. إقرأ الأناجيل الأربعة، وحاوِل إيجاد ذلكَ
التعبير السُّباعي عن إكتِمالِ روحِ الله في حياةِ يسوع.

 

 وفي
النصِّفِ الأخير من القرنِ العِشرين، كانتَ هُناكَ نهضةٌ لمواهِبِ الروحِ القُدُس.
وعندما نُفسِّرُ إختباراتِنا للروحِ القُدُس، نخلُقُ الكثيرَ من الإنقسامات
والتشويش بسبب إقترافِنا لأخطاء في طريقةِ تعبِرينا عن إختِباراتِ الروحِ القدُس.
فمثلاً، هل سبقَ وسمِعتَ أشخاصاً يُشيرونَ إلى مُؤمِنٍ مملووءٍ بالروح، أو راعي
كنيسة مملووء بالروح، أو كنيسة مملووءة بالروح. إنَّ تطبيقَ هذا المفهوم المغلوط
هو أنَّ هُناكَ نوعينِ من المُؤمِنين أو الرُّعاة أو الكنائِس: المُؤمنين
والرُّعاة والكنائِس المملوئين من الروح، والمُؤمِنين والرُّعاة والكنائِس الذين
لم يمتلؤا أبداً من الروح.

 

فهل
هذا ما يعنيهِ الكتابُ المقدَّس عندما يُشيرُ إلى كونِ الإنسان يمتلِئُ بالروحِ
القُدُس؟ فكُلُّ المُؤمِنين يُنصَحُونَ في كلمةِ الله أن يمتَلِئوا من الروحِ
(أفسُس 5: 18). واللغةُ الأصليَّة تُشيرُ إلى ضرورة أن "نكونَ مملوئين
بالروح." إن هذه الوصيَّة باللغةِ اليُونانية وُضِعت بطريقَةٍ تُشيرُ بوضوع
إلى كونِها أمراً وليسَ خياراً، لكُلِّ تلميذٍ حقيقي للمسيح.

 

فماذا
يعني أن نكونَ مملوئين بالروح؟ يُخبِرُنا سفرُ الأعمال أنَّ بُطرُس "إمتلأَ
من الروحِ القُدُس،" ووعظَ تلكَ العِظَة يومَ الخمسين. ثُمَّ نقرأُ لاحِقاً،
"فامتلأَ بُطرُس من الروحِ القُدُس،" ووعظَ مُجدَّداً وخلُصَ الآلافُ من
الناس. ثُمَّ نقرأُ لاحِقاً، "وامتلأَ بطرُس من الروحِ القُدُس،" وفعلَ
هذا أو ذاك. فما بينَ هذه الأوقات التي يُخبِرنا الكتابُ عنها أنَّ بُطرُس امتلأَ
فيها من الروحِ القُدُس، هل كانَ مملوءاً بالروحِ أيضاً فيما بينَها؟

 

 الروحُ
ليسَ مياهاً، ولا سائلاً، بل هو شخص. فإما أن يكونَ لدينا شخصُ الروح القُدُس في
حياتِنا، وإمَّا لا يكون. والسؤالُ الحَقِيقِيُّ ليسَ "كم لديكَ من الروحِ
القُدُس؟" بل السؤالُ هو، "كم يملِكُ الروحُ القُدُسُ منك؟"
فعندَما يملِكُكَ بكُلِّيَّتِكَ، تُصبِحُ مملوءاً من الروحِ القُدُس.

 

فالشخصُ
المملوءُ من الروح هو المُقادُ من الروح كُلِّيَّاً. قبلَ أن يأمُرَنا بُولُس بأن
نكونَ مملوئينَ من الروح القُدُس، كتبَ يقول، "ولا تسكَروا بالخمرِ الذي فيهِ
الخلاعة، بل إمتَلئوا بالروح." (أفسُس 5: 18). فكما أن الشخص السكران يكونُ
تحتَ تأثيرِ أو سيطَرَةِ الكُحُول، هكذا علينا أن نكونَ تحتَ تأثيرِ أو سيطرَةِ
الروحِ القُدُس.

 

إن
نُبوَّةَ إشعياء الجميلة تُعلِّمُنا أنَّهُ ليسَ على أحدٍ منَّا أن يخشَى الإمتلاء
من الروح. لأنَّنا إن كُنَّا مملوئينَ بالروح، وإن كُنَّا تحتَ سيطَرَةِ روحِ
الله، وإن كُنَّا نُعبِّرُ عن جوهَرِ الله في روحِهِ، سنكونُ مثلَ يسوع المسيح
عندما عبَّرَ عن هذه الأبعاد السبعة لروحِ الله.

 

يُخبِرُنا
إشعياءُ أن يسوع المسيح كانَ تعبِيراً كامِلاً عن روحِ اللهِ. لقد كانَ يسوعُ مئة
بالمئة مملوءاً بالروح ومُقاداً بالروح. إن روحَ الله كانَ مُعبَّراً عنهُ بشكلٍ
كامِل في حياةِ يسوع المسيح. فكيفَ كانَ يسوع؟ إقرأ الأناجيل الأربعة لتِعرِفَ. هل
يستطيعُ أحدٌ أن يقرأَ الأناجيل الأربَعة بدونِ أن يرغَبَ أن يكونَ كَيَسوع؟ إنَّ
حياتَهُ هي المِثالُ الذي على أساسِهِ علينا جميعاً أن نحيا حياتَنا، إذ نُعبِّرُ
عن جَوهَرِ الله الروح، لأنَّ اللهَ روح.

هل تبحث عن  هوت مقارن تبسيط الإيمان 01

 

شارِعُ
الله

 في
إشعياء 40 نجدُ نُبُوَّةً مسياويَّةً جديدة. "صوتُ صارِخٍ في البرِّيَّة
أعِدُّوا طريقَ الرب. قوِّموا في القفرِ سبيلاً لإلهنا. كُلُّ وطاءٍ يرتَفِع
وكُلُّ جَبَلٍ وأكمةٍ ينخَفِضُ ويَصيرُ المُعوَجُّ مُستقيماً والعراقِيبُ سهلاً.
فيُعلَنُ مجدُ الربِّ ويراهُ كُلُّ بشرٍ جميعاً لأنَّ فمَ الربِّ تكلَّم."
(3-5).

 

عندما
جاءَ يُوحنَّا المعمدان ليكرِزَ بمواعظِ إشعياء، كانت هذه العِظة الأساسيَّة التي
كرزَ بها (لوقا 3: 4-6). هُنا نجِدُ واحِدةً من أعظمِ عِظاتِ إشعياء. فلقد قالَ
إشعياءُ أنَّ اللهَ سيأتي إلى العالم في شخصِ إبنِه، المسيا. ويُشبِّهُ إشعياءُ
هذا بملِكٍ يذهبُ في رِحلَةٍ. فإذا كانَ ملِكٌ سيذهبُ في رحلةٍ إلى قريةٍ بعيدة،
كانوا يُعدِّونَ لهُ طريقاً خاصَّاً يسيرُ عليها في رحلتِهِ إلى هذه القرية أو
البلدة البعيدة. وكانوا يُسمُّونَها "طريق الملِك،" عند بِنائها. وعندما
تبنِي طريقاً أو شارِعاً واسِعاً، تعملُ أربعةَ أُمور: تجعلُ الجِبالَ مُستويةً،
تملأُ الوِديانَ لتُصبِِحَ سهلاً، تُقوِّمُ المسالِكَ المُعوجَّة، وتُنعِّمُ
الطريقَ الخشِنة لتجعلها سهلةً للسير.

 

 يستخدِمُ
إشعياءُ هذا الإيضاح المألُوف قائلاً، "اللهُ يُريدُ أن يأتيَ في رِحلَةٍ إلى
هذا العالم، ولكنَّهُ يُريدُ طريقاً يمشي عليه. والطريقُ التي سيأتي عليها اللهُ
إلى هذا العالم هي حياةُ إبنِه. إن حياةَ ابنِ الله سوفَ تكونُ حياةً يُمكِنُ أن
يُقالَ عنها التالي: "كُلُّ وطاءٍ أو فراغٍ يرتَفِع وكُلُّ جَبَلٍ وأكمةٍ من
الكِبرياء ينخَفِضُ ويَصيرُ المُعوَجُّ بسببِ الخطيَّةِ مُستقيماً والعراقِيبُ
سهلاً بتأثيرِ عملِ إبن الله فيها. وسيكونُ هُناكَ طريقٌ يدخُلُ عليهِ اللهُ إلى
العالم، ويُبصِرُ كُلُّ بشرٍ مجدَ اللهِ من خِلالِ هذا الطريق."

 

بما
أن يسوع كانَ يُظهِر لنا كيفَ ينبَغي أن نحيا، فهذا يعني أنَّ حياتَنا يجب أن
تكونَ شارِعاً لله. دعنِي أتحدَّاك أن تُصلِّي هذه الصلاة: "يا الله إجعلْ حياتِي
طريقاً تأتي أنتَ عليها إلى العالم." عندما تُصلِّي هذه الصلاة، لا تتعجَّبْ
عندما ترى جرَّافات الله الرُّوحيَّة تَأتي إلى حياتِكَ، وتبدأُ بتمهيدِ جبالِ
الكِبرياء، وملءِ أودية الفراغ، وتقويم مُعوجَّاتِ خطاياك، وتنعِيمِ عراقيب
شخصيَّتِكَ الفظَّة. فعندما نُصلِّي أنا وأنتَ هذه الصلاة، سوفَ يُعلِّقُ اللهُ
على حياتِنا يافِطةً تقول، "إنتَبه: أشغال! الله يعمَل هُنا."

 

بَيانُ
النَّاصِرة

 

 عِظة
أُخرَى عظيمة لإشعياء نجدُها في إشعياء 61، وهي نُبوَّةٌ مسياويَّة عن خِدمة يسوع
العلنيَّة. فعندما بدأَ يسوعُ خدمتَهُ العَلَنِيَّة لمدَّةِ ثلاث سنوات، بدأها
بِبَيان يُسمِّيهِ المُفسِّرون "بيان الناصِرة". فلقد ذهبَ يسوعُ إلى
المجمع في قريتِهِ وطلبَ سفرَ إشعياء النبي. وفتحَ الدرجَ على نِهايتِهِ تقريباً،
وقرأَ هذه الكلمات: "رُوحُ الربِّ عليَّ لأنَّهُ مسحَنِي لأُبشِّرَ المساكِين
أرسَلَني لأشفِيَ المُنكَسِري القُلوب لأُنادِيَ للمأسُورينَ بالإطلاق وللعُميِ
بالبصر واُرسِلَ المُنسَحِقِينَ في الحرِّية وأكرِزَ بِسنةِ الربِّ
المقبُولَة." ثُمَّ أعلنَ قائلاً أنَّهُ اليوم قد تمَّ هذا المكتُوب في
مسامِعكُم. (إشعياء 61: 1، 2؛ لوقا 4: 18).

 

 لو
قارنتَ نُبُوَّةَ إشعياء 61 مع إقتباسِ الربِّ يسوع في لوقا 4، سوفَ تُلاحِظُ
أنَّهُ توقَّفَ في منتصفِ العدد الذي يقول فيهِ إشعياء، "وبِيومِ انتقامٍ
لإلهنا." لم يقرأ يسوعُ هذا الجُزء من العدد لأنَّهُ يصِفُ مجيئهُ الثاني.
فالمسيَّا سيأتي ثانِيةً وينتقِمُ من كُلِّ أعداءِ الله. لهذا توقَّفَ يسوعُ في
مُنتَصَفِ هذا العدد وسلَّمَ السفرَ إلى الرابِّي، لأنَّهُ كانَ يُعلِنُ بَيانَهُ
للسنواتِ الثلاث من خدمتِهِ التي بدأَت ذلكَ اليوم. فوقفَ يسوعُ في الوسطِ وقالَ،
"اليوم تمَّ هذا المكتُوبُ في مسامِعِكُم." (إشعياء 61: 1، 2؛ لُوقا 4:
18-21).

 

 ما
كانَ يسوعُ بصددِ إعلانِهِ هو التالي، "روحُ الربِّ عليَّ. لأنَّهُ مسحَني
لأُبشِّرَ المساكين." هؤلاء المساكِين الفُقراء الذين تكلَّمَ يسوعُ عنهُم،
كانُوا فُقَراءَ بمَعنى أنَّهُم كانوا عُمياناً، ولم يعرِفُوا شمالهم من يمينِهم.
وكانوا فُقراء بمعنى أنَّهم كانوا مُقيَّدِينَ وغير أحرار. وكانوا مُنكَسِري
القُلوب ومجروحين.

 

فقالَ
يسوعُ ذلكَ اليوم في قريتِهِ، "إنَّ خدمَتي مُوجَّهةٌ للعُميان، وللمأسورين،
ولمُنكَسِري القُلُوب. فعندما أُعلِنُ إنجيلي لهؤلاء جميعاً، العميُ سوفَ يُبصِرون
والمأسورون سوفَ يتحرَّرون والمُنكَسِرو القُلوب سوفَ يُشفَون." بعدَ إعلانِ
يسوع لبيان الناصِرة العظيم هذا، بدأَ خدمتَهُ العَلَنِيَّة التي إستمرَّت ثلاثَ
سنوات.

 

فبيانُ
الناصِرة الذي أعلنَهُ يسوع يُظهِرُ لنا كيفَ ينبَغي أن ننظُرَ إلى خدمةِ يسوعَ في
الأناجيل الأربعة ولا سيَّما في إنجيلِ لوقا. عندما أرادَ يسوعُ، الذي كانَ اللهُ
معنا، أن يُعلِنَ بيانَهُ الذي يُخبِرنا عن هويَّتِهِ ومُهمَّتِه، وعظَ أيضاً مثل
يُوحنَّا المعمدان من إشعياء.

 

 عندما
تقرأُ الأناجِيل الأربعة، لاحِظْ ما فعلَهُ يسوع لمُدَّةِ ثلاثِ سنواتٍ بعدَ أن أعلَنَ
بيانَهُ. لقد أعطَى بصراً للأعمى جسدِيَّاً، وأعطى بصيرةً روحيَّةَ للعُميانِ
روحياً. وأشفقَ على الجُموع لأنَّهُم كانوا كخِرافٍ لا راعي لها، لا يعرِفون
شمالَهم من يمينِهم. إنَّ إعطاءَهُ البصر للعُميان رُوحيَّاً كانَ صُورَةً
مجازِيَّةً عن خدمتِهِ التعليميَّة. وفي خدمتِهِ الإرشادية، أطلقَ المأسُورِينَ
أحراراً. لقد وعدَ المأسورينَ بأنَّهُ سوفَ يقودُهم إلى الحق الذي يُحرِّرُهم إذا
اتَّبَعوه. (يُوحنَّا 8: 30-35).

 

فإن
كُنتَ أعمَى رُوحيَّاً، لا تعرِف ماذا ستفعل، ولا تعرِف يمينَكَ من شِمالِك، وإن
كُنتَ مأسوراً، مكسورَ القلبِ، إفرَحْ، لأنَّ خدمة المسيَّا مُوجَّهةٌ لكَ
خصٍِّيصاً. إنَّّ رسالتَهُ هي أن يُلبِّي حاجتَكَ، وأن يُخلِّصَكَ من العمى بمنحَِ
البصر. فإن لم تَكُنْ حُرَّاً، إن كُنتَ مُدمِناً، خاضعاً لِسيطَرَةِ عاداتٍ سيئة
وشهواتٍ ونـزوات، فإن خدمةَ المسيَّا مُوجَّهَةٌ لكَ. لقد جاءَ إلى العالم من أجلِ
أشخاصٍ نظيرَك. وهُوَ يُريدُ أن يراكَ حُرَّاً. إن كُنتَ مَكسُورَ القَلبِ
ومجروحاً لأنَّ حياتَكَ صعبة، تذكَّر أنَّ يسوع جاءَ لأشخاصٍ نظيرك. فهوَ يُريدُكَ
أن تُشفى وأن تكونَ صحيحاً.

 

إن
كُنتَ قدِ إختَبرتَ الخلاص العجيب الذي يتكلَّمُ عنهُ كُلٌّ من يسوع وإشعياء في
بيانِ المسيَّا، فعندما تخرُجُ إلى العالَم وتتفاعَلُ معَ الناس، تذكَّرْ أنَّ
خِدمة يسوع مُوجَّهَةٌ أيضاً لهؤلاء. إسألْ نفسَكَ باستمرار عمَّا إذا كانَ هؤلاء
الناس عُمياناً، أو مأسورين، أو مُنكَسِري القُلوب؟ فالمسيحُ الذي فيكَ سيقومُ
بالخِدمةِ في حياتِهم، كتِلكَ الخدمة التي قامَ بها عندما كانَ على الأرضِ، وهو
يُريدُ أن يعملَ هذه الخِدمة من ِخِلالِكَ.

 

عندما
قضى يسوعُ ساعاتِهِ الأخيرة معَ الرُّسُل قبلَ أن يموتَ على الصليب، أخبَرَهم
أنَّهُ سيُرسِلُ لهُم المُعزِّي، الروح القُدُس، ليمكُثَ فيهم. هذا ما يقصُدُهُ
العهدُ الجديد عندما يُخبِرنا أنَّنا نحنُ أتباعُ المسيح، الكنيسة، نحنُ "جسد
المسيح." فهوَ يحيا فينا. نحنُ يداهُ وقدماهُ وجسدُهُ الذي من خِلالِهِ
يُعبِّرُ عن نفسِهِ اليوم، مُعطِياً البصرَ للعُميان، الحُرِّيَّةَ للمأسُورين،
الشفاءَ للمجروحينَ ولمكسُوري القُلوب في هذا العالم.

 

المُخلِّصُ
المُتألِّم

 بُعدٌ
آخر لِوعظِ إشعياء المسياويّ يُركِّزُ على موتِ يسوع المسيح. أعظم إصحاحٍ في
الكتاب المُقدَّس حولَ موتِ يسوع المسيح نجدُهُ في إشعياء الإصحاح الثالث
والخمسين، إذ يبدأُ إشعياءُ بالسؤالِ التالي: "من صدَّقَ خَبَرنا؟ ولمن
استُعلِنَت ذِراعُ الربّ؟" تذكَّر أنَّ إشعياء كُلِّفَ بالوعظِ لشعبٍ لم
يكُنْ يسمع أو يؤمن. لقد كانَ إشعياءُ واعِياً تماماً لكونِ كَلمةِ الله عندما
يُكرَزُ بها تحتاجُ إلى أن يُعلِنَ الروحُ القُدُسُ معناها للناس لكي يفهموها.

 

 فما
كانَ يسألُهُ إشعياء هو التالي: "من يفهمُ فعلاً معنى موت يسوع؟" فجوهرُ
تعليمِ إشعياء في هذا الإصحاح نجدُهُ في العددِ السادِس، "كُلُّنا كغنمٍ
ضللنا مِلنا كُلُّ واحِدٍ إلى طريقِهِ، والربُّ وضعَ عليهِ إثمَ جميعِنا."
ولكن كيفَ وضعَ اللهُ آثامَنا على المسيَّا؟ "وهو مَجرُوحٌ لأجلِ معاصينا،
مَسحُوقٌ لأجلِ آثامِنا، تأديبُ سلامِنا عليهِ وبِحُبُرِهِ شُفِينا." (5).

 

 إنَّ
العددَ السادِسَ من هذا الإصحاحِ العظيم يبدأُ وينتَهِي بالكلمةِ نفسِها،
"كُلٌُّنا." فأوَّلُ مرَّةٍ يستخدِمُ فيها إشعياءُ كلمة "كُلُّنا،"
يستخدِمُها ليقول، "كُلُّنا كَغَنَم." هل تُؤمِن أنَّ هذا يشمَلُكَ أنت
شخصِيَّاً؟" تذكَّر أنَّهُ مَكتُوبٌ في المزمور 23، "الربُّ راعِيَّ…
في مراعٍ خُضرٍ يُربِضُني." (1-2). عندما نعتَرِفُ أنَّ الربَّ راعينا، نكونُ
نعتَرِفُ أيضاً أنَّنا مُجرَّدُ خراف. وهُنا في هذا العدد العميق من سفرِ إشعياء،
نجِدُ مكاناً يُشجِّعُنا فيهِ الكِتابُ المقدَّسُ أن نعتَرِفَ أنَّنا خراف.
كُلُّنا خِرافٌ ضالَّة، كُلُّنا خُطاةٌ، ضللنا عن طريقِنا.

 

 المرَّةُ
الثانِية التي يستخدِمُ فيها إشعياءُ كلِمَة "كُلُّنا" يُعطِينا فيها
الخبرَ السار. "والربُّ وضعَ عليهِ إثمَ جميعِنا [أي كُلِّنا]." فهل
تُؤمِن بأنَّكَ مشمولٌ بهذه الكلِمَة الثانِية "جميعنا" التي يستخدِمُها
إشعياءُ في المرَّةِ الثانية؟ إذا اعترفتَ أنَّ "كُلّنا" الأولى
تشملُكَ، وإذا اعترفتَ أنّ "جميعنا" الثانية التي يستخدِمُها إشعياءُ
تشملُكَ أيضاً، عندها تكونُ فِعلاً تعتَرِفُ بما تحتاجُ أن تعتَرِفَ به لكي
تُطبِّقَ معنى موت يسوع المسيح على الصليب في حياتِكَ. عندها بإمكانِكَ أن
تختَبِرَ الخلاص الذي أُعلِنَ عندما إستَخدمَ اللهُ حياةَ إبنِهِ كشارِعٍ يأتي من
خِلالِهِ إلى العالم.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي